لا تقرأ هذا... دولة للنوبة والعرب والبجا ؟؟؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 11:28 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-08-2009, 07:09 AM

محمد أدروب محمد
<aمحمد أدروب محمد
تاريخ التسجيل: 02-06-2009
مجموع المشاركات: 7

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لا تقرأ هذا... دولة للنوبة والعرب والبجا ؟؟؟


    ها نحن نلتقي ثانية في حوارنا حول الكيان الذي قلنا أن بعض السودانيين يسعون لقيامه...
    والشكر لكل من ساهم في أن تكون مواصلة حوارنا ممكنة. وأخص بالشكر هنا الأخ هاشم الحسن، والشكر موصول للباشمهندس بكري أبوبكر.
    كان هنالك بعض من تداخلوا في المادة أذكر منهم مدحت عثمان، وليد محمد المبارك، هاشم الحسن.
    ونواصل ما قد إنقطع.

    نحو كيان جديد: العرنوبية: أهرامات وكنائس وقباب

    قبل سنوات كتبنا داعين قادة الرأي الشمالي ساسة ومفكرين ومثقفين إلى الصحيان ومواجهة صورة المستقبل فكرياً وعملياً. (Sudanile 12/6/2006). مع الأسف مازلنا غافين فهاهما اثنان من مفكرينا ( د . منصور خالد و د . عبد الوهاب الأفندي) يؤكدان لنا "أننا نعاني محنة كبرى وإن أبرز معالم هذه المحنة هي " قصور المفكرين ونكوص المثقفين عن أداء دورهم في أعمال الفكر وضرب المثل في الاستقامة والسلوك الأخلاقي. (Sudanile 6/3/2007).
    قلة قليلة من مفكرينا ومثقفينا نشطة فكرياً في الشأن السوداني، لكن تفكيرها قصير النظر، ما يشغلها هو إما تأييد النظام القائم (الحالي أو ما قبله) أو معارضته.
    قليل جداً من له رؤيا مستقبلية تمتد إلى جيلين أو ثلاثة في المستقبل وما ينبغي أن تكون عليه الأمور أو ما هو الشكل المثالي للبلد الذي يمكن أن يدوم ويستدام.
    فيما يختص بهذا الأمر نحن عموماً مستسلمون، تحركنا الأمواج حيث تشاء. فالخارطة التي تلقيناها من المستعمر نحارب كل من يحاول تعديلها حتى لو كان من أهلها ونرى أن ذلك سيكون نهاية العالم. الحركات الانفصالية (الاستقلالية) التي تقوم نعارضها ثم نهادنها على أمل أن "يعودوا إلى رشدهم " ويبقوا في دولة الوحدة بدون أي تفكير أنها قد تنفصل وبدون أي رؤيا ايجابية لما ينبغي أن يكون عليه وضعها. فلربما كان الانعتاق من مصلحة الطرفين.
    يعيب علينا الكاتبان أعلاه أننا نهمل بعداً مهماً في تكويننا وهويتنا. حقيقة أننا لا نهمل بعداً معيناً فحسب بل نهمل التفكير في الأمر من أصله. نحن فقط نتقبل ما يقوله لنا الساسة والشعراء والفنانون الذين يتحدثون وكأنما نحن دولة متحدة في صورة زاهية. علما بأن مهمة المثقفين والمفكرين الشماليين هي بلورة أساس فكري لبناء دولة أو أمة مستدامة على الأصح. لا يكفي أن نتقبل الدولة الحالية بحدودها ومن تحتوي على أنها ما وجدنا عليه آباءنا أو ما ورثناه ( من المستعمر) ونتقاتل من أجله.
    نقول هذا لأن بعض أهل الأطراف ظلوا منذ مدة يفكرون باستقلالية ويريدون لأنفسهم كياناً منفصلاً بل تخطوا مرحلة التفكير وحملوا السلاح. بينما نحن أهل الوسط نتفرج على حكوماتنا العسكرية تحاربهم ونعتقد أنه فقط لو تغيرت النظم الشمولية فسيعودون إلى رشدهم لأننا نرفض تفكيرهم الانفصالي ونأمل أن "يتعافوا" منه !
    نحن كما قلت لا نهمل جانباً مهماً من هويتنا فحسب ولكننا لا نفكر في الأمر برمته. نحن نتفرج على مكون أساسي في هويتنا يدعيه الآخرون ولا نحرك ساكناً كأنما الأمر لا يعنينا.
    أنا هنا أفكر بأشياء مثل " عايدة " الأميرة القادمة من الجنوب وبطلة الأوبرا الشهيرة التي لا نفكر بها إطلاقاً ومن يسمع بها يتقبل ما يقال من أنها أميرة أثيوبية من ذلك القطر المجاور بينما كل الدلال تشير إلى أنها مما يسمى بلاد السودان اليوم.
    نعم تلك مجرد أسطورة في أوبرا كتبها الموسيقار الإيطالي فردى في افتتاح قناة السويس، لكن لها قيمة اعلامية حيث تؤدى كل شتاء بواسطة فرقة عالمية عند اسفل الاهرامات.
    علينا أن نصحح ذلك ونحتضنها كجزء من أساطيرنا مثل تاجوج وغيرها.
    أفكر كذلك في بلقيس التي ينتسب إليها آخرون وتتقبل ذلك بدون سؤال رغم أن هنالك ما يثبت تاريخياً أنها هي الكنداكة التي حكمت أواسط السودان قبل الميلاد بسنوات. (عبد المنعم عجب الفيا : بلقيس الحبشية وكنداكة السودانية ، سودانايل 16/5/2007) . أفكر كذلك في بعانخى وترهاقا حماة وغزاة وادي النيل الذين ترقد بقاياهم في المتحف المصري بالقاهرة تحت مسمى " الأسرة الخامسة والعشرين " أي أنهم تم استيعابهم كجزء من السلالات التي حكمت مصر فتركناهم لها بينما نحن أولى بهم.
    تنكُرنا لتاريخنا القديم ظهر في أقوى صوره في تلك الدعوة التي برزت مع بداية "الإنقاذ" الداعية إلى تحطيم تماثيلهم القليلة الموجودة في متحف الخرطوم على أساس أن ذلك كفر. الحمد لله أن تلك الدعوة الطالبانية لم تجد آذاناً صاغية حينها .
    أفكر كذلك في النجاشي ملك " الحبشة " الذي آوى مهاجري المسلمين والذي نفكر فيه كشخص من بلد آخر لا يمت إلينا بصلة بينما كل القرائن تقول أنه من مملكة المقرة المسيحية كما ذكر الأساتذة عبد الله الطيب وحسن الفاتح قريب الله وعبد العال عثمان ( إمام محمد إمام : السودان في الكتب المقدسة, الشرق الأوسط 12/11/2002).
    ولماذا نذهب بعيداً فقد كان د. جون جرنج أعلن أنه ينوى إصدار جريدة باسم " كوش " ولم نستغرب أن يدعى قائد حركة " انفصالية " انتسابهم إلى مملكة تبعد عن موطنه مئات الأميال ولم يقل أحد منا أننا أولى بكوش ، نحن الذين نعيش وسط آثارها !
    نعم نحن نهمل جانباً مهماً في هويتنا ونفكر وكأنما تاريخنا بدأ بمملكة الفونج . لا أقصد بذلك الجانب الذي يسميه د . منصور خالد " الأفريقانية" فكما أوضح الكاتب أعلاه (عبد الوهاب الأفندى) أن الأفريقانية مفهوم غير مفهوم لم يبلوره من أتوا به. لكنني أعني بذلك أننا نهمل ما كان موجوداً قبل دولة الفونج من حضارة نوبية ، ثم حضارة نوبية مسيحية والتي تطورت في النهاية على حضارة نوبية - عربية – مسيحية - مسلمة .
    كل هذه المكونات شكلت هويتنا من ناحية ثقافية حضارية. وتم ذلك باختلاط بشر من عرقيات مختلفة ولكن أساسها نوبة وعرب وذلك أساس كل سكان أواسط السودان على جانبي النيل وفي البطانة والجزيرة وكردفان والبحر الأحمر .
    وفيما يختص بالمكون النوبي وبالرغم من أن اسم النوبيين يقتصر على من يعيشون حول وشمال دنقلا اليوم، إلا أن الدراسات الحديثة أكدت ارتباط اسم النوبة بالقبائل التي كانت تتجول في مناطق كردفان ودارفور والشمالية وعلى النيل ( أحمد الياس حسين ،Sudanile 13/2/2008). بل أن هنالك من أوضح أن حدود مملكة علوة امتدت حتى بحيرة تانا مما يدخل البجا في تجانس مع النوبة. وبالنسبة الى البجا فقد اوضح نفس الكاتب اعلاه صلتهم القوية بالنوبة وانهم عاشواعلى شواطئ النيل والبحر الاحمر وتزاوجوا وكانوا يمثلون قطاعا كبيرا من مملكتي نبتا ومروي وهم بذلك جزء من الشعوب الكوشية (د. احمد الياس حسين:سكان منطقة البحر الاحمر والنيل قبل القرن السابع الميلادي. سودانايل، 7مارس 2007.) كذلك يرى المؤرخ الامريكي هيرمان بل ان اللغة النوبية كانت سائدة من جنوب مصر حتى سنار(الشرق الأوسط 18/2/2003.)
    هذا الهجين الثقافي تم بوسائل عديدة أهمها هجين عرقي وليست هنالك اليوم مجموعة نوبية صرفة ولا مجموعة عربية صرفة بل تتفاوت هذه المكونات في كل منا. تستطيع قبيلة كالرشايدة التي هاجرت حديثاً أن تقول أنها عربية صرفة لكن قليلاً غيرها من يستطيع إدعاء ذلك، ويستطيع سكان جبال النوبة أن يقولوا أنهم أفارقة صرف. لكن حتى الجعليين والشايقية مثلاً بهم مكون عرقي نوبي كبير وكذلك الدناقلة من الجانب الآخر بهم مكون عرقي عربي (من الجنس السامي) كبير كما ان للمحس صلة قوية بالخزرج .
    هذا الهجين هو في سحنتنا، في ملامح وجوهنا، في عاداتنا، في لغتنا في موسيقانا، في قيمنا وفي سلوكنا وفي صفاتنا.
    هذه هي برأيي الصفات الموحدة لأهالي أواسط السودان التي يمكن أن تكون أساساً لقيام دولة قومية (Nation-State).
    وهذه ليست دعوة لاستبعاد آخرين بل هي ردة فعل أو على الأصح مبادرة لبلورة هوية وتحديد أساس. ردة فعل لأن الآخرين بدأوا سلفا ومنذ زمن يبعدون بأنفسهم عنا ويبحثون عن هوية مختلفة غير تلك التي نحاول نحن فرضها عليهم.
    ففيما يختص بالجنوب فالأمر لا يحتاج إلى برهان فهم حملوا السلاح علي ثلاث دورات (1955 / 1962 / 1981) والآن هم بصدد إقامة دولتهم المنفصلة بل انها قامت فعلاً وفقط الغافلون هم من سيفاجئون باختيار الجنوبيين الاستقلال.
    أما دارفور مثار الصراع الحالي فالإشارات تترى كل يوم. هذا هو متحدث باسمهم يقول لنا " تقرير المصير لدارفور طلب جدي وليس مناورة ". ويحذرنا بأن الحقيقة التي يتوجب على حكومة الخرطوم أن تعرفها هي أن قيادات دارفور الحالية التي درست بالجامعات في المركز وتزوجت من بنات المركز .. الخ هي آخر جيل دارفورى يمكن أن يتمسك بالوحدة مع المركز بعد الفظائع التي شهدتها الأجيال الأخيرة ذات الارتباط الضعيف بالمركز. (سودانايل ,18/7/2007). أما المتحدثة باسم المجموعة الحرة ( من الذين وقعوا على اتفاقية أروشا) فهي تدعو الى تبني أسلوب نيفاشا لحل مشكلة دارفور طبقاً لتصريحها في برنامج تلفزيوني حديث ( تلفزيون النيل الأزرق – 10/8/2008).
    حقيقة لا يمكن لوم أهل دارفور إذا أرادوا تمييز أنفسهم وإذا شعروا بالغبن الذي يفترض أنهم عبروا عنه في " الكتاب الأسود " ( الذي نسمع به ولا نراه) ، فهم كانت لهم دولة مستقلة حتى عام 1870 عندما أمنتها جيوش الزبير لمصلحة خديوي مصر واستمرت كذلك لفترة وخلال المهدية حاول يوسف، أحد سلالة ملوك الفور والذي كان عاملاً من قبل المهدية على دارفور، حاول الاستقلال عن الخليفة إذ حن لملك أبائه، لكنه فشل في ذلك وبعد المهدية أقاموا دولتهم مرة اخرى بقيادة على دينار.
    فهنالك أذن أساس لتلك النزعة الاستقلالية شجعتها سياسة حكومة الإنقاذ القاهرة وتلقفت الامر الجماعات الليبرالية الغربية التي كانت تبحث عن قضايا تتبناها فوجدت ضالتها في قضية دارفور، وفعلت ذلك بهستريا كما ذكر احد كتابهم (جوناثان ستيل ,الجارديان 10/8/2007). نعم ساعدتهم الحركة الشعبية لتحرير السودان وغذتهم فتبنوا نموذجها، لكن وضع اللوم على الحركة لا يجدي، كما أن تبني نظرية المؤامرة لن يجعل المشكلة تختفي. وعلينا أن نستفيد من تجربة الجنوب حيث كنا ندفن رؤوسنا في الرمال ونلقي اللوم على الاستعمار ونرفض مواجهة وجود مشكلة حقيقية فدفعنا الثمن غالياً هو خمسون سنة من الفرص الضائعة والأدهى: ملايين الأرواح التي زهقت وفقر مدقع ودولة فاشلة .
    علينا أن نذكر أنفسنا بالاتي :-
    1 ) عملية بناء الدول ( nation – building) ليست شيئاً يحدث عفوياً أو نتيجة للصدف بل عمل واع مقصود (purposeful).
    2 ) بالرغم من المثاليات فما زالت الأسس لبناء الأمم هي ما قال عنه علماء السياسية (من أبن خلدون إلي حسن نافعة) : تجانس في اللغة والدين والتاريخ والمصالح بدرجات متفاوتة . كذلك أكد علماء الاقتصاد أنه كلما زاد التجانس كلما زاد النمو والازدهار الاقتصادي (Adelman & Taft, 1971) أو كما كتب أحدهم حديثاً :
    "Ethno-nationalism was not a chance detour in European history. It corresponds to some enduring propensities of the human spirit that are heightened by the process of state creation. It is a crucial source of both solidarity and enmity and, in one form or another, will remain for many generations to come. One can only profit from facing it directly. "Jerry Miller, Foreign Affairs, March / April, 2008.
    3 ) أننا ركام متنافر خلقة الاستعمار وبه نقاط انفجار خاصة في أطرافه الجنوبية والغربية وليس هنالك قانون سماوي يقول انه يجب أن يبقى في دولة واحدة.
    إذا قبلنا هذه المسلمات يبقى البحث عن أسس جديدة ولذا نقترح العرنوبية ونوضح أسبا ذلك أدناه :-
    العرنوبية لماذا ؟!
    أولاً : غالبية سكان مناطق وسط السودان الحالي يمكن إرجاع أصلهم العرقي إلى واحدة من هاتين المجموعتين بدرجات متفاوتة وذلك شئ أوضحناه أعلاه وقليل جداً من يستطيع أن يدعى النقاوة العنصرية لأي من المجموعتين.
    ثانياً : هذه المجموعات تعايشت مع بعضها عبر السنين في سلام. لا نقل أن حياتها خلت من النزاعات، لكن لا تشعر أي من المجموعتين بالغبن والظلم من الأخرى، مثل ما يشعر أهل الجنوب من أهل الشمال عموماً أو ما يشعر به بعض أهل الغرب من أهل " البحر "، فعلى مستوى القادة نجد رؤساء من الجانبين (نوبة وعرب) حكموا القطر وبين الرأسماليين وعلى مستوى المهنيين والطبقة الوسطى نجد الجانبين ممثلين بدرجة كافية .
    إرث العرنوبية :
    نتكلم هنا عن السمات والخصائص والقيم التي تمثل أساساً لخلق أمة.
    الأرث النوبي:
    تاريخ النوبة تاريخ حافل بالرغم من أن الكثير منه مازال مطموراً وكانت لهم حضارة و مساهمات قيمه في التقدم البشري نذكر بعضاً منها أدناه.
    1) ديانة التوحيد: معلوم أن الديانات الموحدة الثلاث كانت حاضنة لأهم الحضارات. هناك الحضارة العربية التي أساسها الإسلام كما أن الحضارة الغربية توصف بأنها الحضارة اليهو- مسيحية (Judo – Christian). اليوم هنالك دلائل كثيرة أن ديانة التوحيد خرجت من بلاد النوبة إلى مصر ثم إلى الشرق الأوسط (هيرمان بل : حضارة وادي النيل انتقلت من النوبة السودانية : الشرق الأوسط 18,/2/2003).
    2) صهر المعادن وشغلها: طبقاً لبازل ديفد سون المتخصص في التاريخ الأفريقي أن مملكة مروي هي أول من صهر الحديد بأفريقيا وقد اكتشفت فرق كشفية حديثة أن صناعة الذهب كانت متقدمة في كوش .
    (http :/chronicle.uchicago.edu/070712/sudan.shtml).
    وحقيقة إن مجوهرات الملكة شنحيتو (أحدى ملكات مروي) ترقد اليوم في المتاحف الألمانية (مجلة الشرق الأوسط ، العدد 474 ، 26 يوليو - أغسطس 1995).
    3) بناء الأهرامات: هنالك اليوم ما لا يقل عن أربعين هرماً في السودان لكنها ليست قبلة السياح – ومع ذلك هنالك أعداد متزايدة من علماء المرويات الذين يرون أن أول أهرام بنيت كانت في بلاد النوبة. الأهرامات هي إعجاز هندسي معماري مازال العلماء يحارون في كيف تم بناؤها ويتعجبون من جوانبها الفنية المدهشة.
    4) ثقافة التسامح والتعاون: سكان هذه المناطق كانوا دوماً على استعداد للتعايش مع الآخر وكانت بلادهم دوماً مفتوحة للمهاجرين الجدد. ولم تكن حضارتهم حضارة غزو للجيران. وحتى احتلال بعانخي وترهاقاً لمصر كان دفاعاً عنها من غزاة كانوا حتماً سيغزون بلاد النوبة أن نجحوا في غزو مصر. احتضن النوبة الهجرات المختلفة من قديم الزمن ولم يحاربوا من سعوا إلى مناطقهم سعياً وراء الرزق والكلأ والماء، وقد أتى المهاجرون من جميع الجهات: من الجزيرة العربية وشمال وغرب أفريقيا. كانوا كذلك في السابق ومازالوا في القرون الأخيرة كالرشايدة الذين نزحوا في القرن التاسع عشر والفلاته الذين أتوا ليجنوا الشهادة مع المهدى في القرن التاسع عشر أو ليجنوا القطن في القرن العشرين ( حقيقة الكرم السوداني وتقبل الضيف الأجنبي والسماحة السودانية لا بد أن جذورها نوبية لأنها تفوق ما عند العرب).
    ب – الأرث المسيحي: لم يكن من الصعب على من كانوا يتبعون ديانة الرب الواحد أن يتقبلوا المسيحية. وبلاد كوش مذكورة في الإنجيل وقد تبنت الديانة المسحية في القرن السادس الميلادي (ضرار صالح ضرار : تاريخ السودان الحديث : جده ، مطابع سحر 1898, الطبعة العاشرة).
    وما زالت الكشوفات تترى لكن مازال هنالك الكثير الذي نجهله عن تاريخ الممالك المسيحية في السودان. هذا جزء مهم من تاريخنا لا نذكره إلا نادراً ولا نجله، بل نتحدث عنه كأنما هو يختص بأسلاف ليسوا أسلافنا. نعم أجدادنا كانوا مسيحيين قبل خمسمائة سنه وهنالك كتابات قليلة عن عادات أصلها مسيحي مازالت سارية مثل زيارة النهر في أربعين المولود وعند الختان وهي شبيهة بالتعميد (baptization). نحن بحاجة إلى البحث أكثر في هذا التاريخ والنظر إليه بعين الرضا لا الخجل منه. جزء كبير من الأرث المسيحي تم استيعابه في الإسلام فالإسلام يجب ما قبله والإسلام وهوآخر الأديان الموحدة، فهنالك قصص وقيم مشتركة كثيرة بين المسيحية والإسلام وذلك طبيعي لأن أصلهما واحد.
    ج – الأرث العربي: وفي هذا ليست هنالك حاجة للإطالة لأن هذا واقع نعيشه والأرث العربي يتمثل اكثر مايتمثل في الدين الإسلامي لأن العروبة بدون الإسلام لم تكن شيئاً مذكوراً والإسلام هو ما قدمه العرب للعالم وهو الدين الذي أتي ليكمل مكارم الأخلاق، ( وإنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). لاحظ أن النبي صلعم لم يقل أنه أتي ليبدأها بل ليكملها، فالإسلام هو تمام الأديان السابقة وهو دين كل أهالي المنطقة التي نتحدث عنها حالياً.

    الكيان الجديد : كوشنار
    تلاحظون أن عنوان هذه الرسالة هو نحو كيان جديد ، ولم نقل نحو سودان جديد مثلاً وذلك لأسباب عدة نوجزها أدناه.
    أولاً : السودان الجديد دعوة أطلقها الزعيم الراحل جون جرنج ولكنه لم يسترسل في شرحها وبقيت مبهمة وقد قدم أحد مفسريه قبل فترة محاضرة يشرح معناها، وقد قمت بقراءتها وكل ما فهمته منها أنها دعوة للمساواة في المواطنة بصرف النظر عن الأصل والدين والعرق والقبيلة (د. الواثق كمير:السودان الجديد: نحوبناء دولة المواطنة). وهي لذلك دعوة حميدة لكنها لا تكفي لبناء أمة، فأسس بناء الأمم كما وضحنا أعلاه عديدة، وحقيقة لا يذكر علماء السياسة ذلك كأحد شروط قيامها، فالمساواة في المواطنة لم تمنع الباكستان من الانفصال عن الهند كما لم تمنع الشيك من الانفصال عن السلوفاك. وحيث أن الحركة التي كان جرنج يقودها سائرة لقيام دولة مستقلة في الجنوب فنحن نتمنى لها أن تطبق هذه الفكرة بين قبائلها ومجموعاتها المختلفة لأن سلمنا من سلمها.
    ثانياً : هذا اللفظ السودان في أحسن أحواله هو وصف للون بشرة المجموعات التي تعيش في وسط وشرق إفريقيا وفي أسوأ حالاته يعني " العبيد " وهنا أحيلكم إلى شراح المتبني في بائيته "أعيدوا صباحي " حيث قال:
    أتاني وعيد الأدعياء وأنهم *** اعدوا لي السودان في كفر عاقب
    وإذا كنت في دول المشرق العربي وطلبت من صاحب مسحنة أن يبيعك " فستق عبيد " فسيناولك ما تسمية أنت " الفول السوداني ".
    من حيث الجغرافيا السياسية: هذا الاسم اختاره لنا المستعمر وتقبلناه ونحن في عجالة التخلص منهم. ويقال أن هنالك من اقترح " سنار " اسماً لدولتنا الفنية ولكن لم يلق أحد بالاً له.
    الإسم من الأشياء المهمة في حياة الفرد وحياة الأمم. من الناحية العائلية نجد أننا نختار أسماء المواليد بعفوية علماً بأن صاحب الاسم سيحمله طيلة حياته وقد يسعد أو يشقى به، لكن مع الأسف أغلبية الآباء لا تعير ذلك شأناً. فالاسم يجب أن يكون مميزاً يميز صاحبه عن الآخرين ويجب أن يكون له معنى إيجابياً. والشركات اليوم تنفق الملايين من اجل اختيار اسم للمؤسسة أو لمنتجاتها لعلمها أن ذلك مهم. وبالنسبة للدول يجب أن يوحي الإسم لمواطني تلك الدولة بإيحاءات عديدة موجبة. وهنا اقترح كوشنار المختار من الكلمتين (كوش – وسنار) وفيه يتمثل المكونان الأساسيان لتاريخنا وثقافتنا. دولة النوبا بتاريخها ودولة سنار باعتبارها أول مملكة افريقية عربية مسلمة.
    أما ما حدود هذه الدولة فأعترف أنه لن يكون سهلاً وسيخضع للتفاوض ولكنها حتماً ستضم أواسط السودان الحالي (الشمالية والجزيرة والبطانة وشمال كردفان والشرق (كسلا والبحر الأحمر), قبائل الشرق هي جزء من منظومة العرنوبية فهي بها قبائل عربية كما ان للبجا صلة قوية بالمجموعتين ويصنفهم البعض ضمن النوبة وقد كانوا دوماً يتاجرون ويتعاملون مع أهل النيل. أما قبائل دارفور العربية فلها الخيار وأراهن أنها ستنضم للدولة الجديدة.
    ردود على تحفظات: قد يرد البعض بأن هذه دعوة عنصرية حصرية ولكنه قول مردود. إنها ليست كذلك لأن أساسها هجين من عنصرين أساسيين ولا تدعى النقاء العرقي. أما القول بأنها تعزل أهل الجنوب ودارفور فهؤلاء ليسوا بحاجة إلى من يستوعبهم أو يعزلهم فهم قاموا بملء إرادتهم لتأكيد اختلافهم عن الآخرين ونادي كثير من الجنوبيين بذلك صراحة واما ثوار دارفور فلم يفصح كلهم عن ذلك بل بعضهم فقط حتى الآن، لكن الدلائل تشير إلى توجههم الاستقلالي وتترى الاشارات كما اشرنا إلى بعضها أعلاه وكما هدد بذلك خليل ابراهيم حديثا (النهار الكويتية ،20/9/2007).
    العرنوبية تتسع لجميع سكان منطقة وسط السودان لأن أهلها تقبلوا كل القادمين من الجهات الأربع كأهل لهم، كأولاد الريف (ذوي الأصل المصري والتركي) والقادمين من غرب أفريقيا كالفلاتة، وكلهم يعيشون بيننا في وئام ويتبوؤن أعلى المناصب. كل ما نقوله أن السمات الأساسية للكيان الجديد هي " العرنوبية " مثلما أن الأنجلو – ساكسون هم أساس انجلترا ولكن المجال واسع أمام الهنود والأفارقة وأهل شرق أوروبا في إنجلترا وبنفس الوتيرة اليهو- مسيحية هي عماد ثقافة أمريكا لكنها تتسع للمسلم والبوذي. فكذلك ستكون العرنوبية لمن يريد.
    قد يقول قائل إننا دعاة انفصال. لا، نحن فقط ننبه أن الإنفصال قادم لا محالة فلنستعد له.
    هذا الاتهام يذكرني بقولة للزعيم مالكوم اكس الذي تنبأ وحذر المجتمع الأمريكي من العنف القادم فوصفوه بأنه " داعية عنف " لكنه كان يرد عليهم بأن ذلك مثل اتهام من ينبهك باشتعال حريق أنه هو من أشعل النار.
    نحن فقط ننبه أن أجزاء من القطر في سبيلها إلى الانعتاق وقد حملت السلاح وأن لها أسباباً موضوعية. ولذا علينا أن نستعد لذلك ونلملم ما تبقى على أساس.
    وصدقونا أن ما سيتبقى ليس بالقليل. فعلينا أن نحدد هويتنا التي تجمعنا نحن من عاش سوياً وتداخل خلال التاريخ وأن نفخر بذلك. نعم علينا أن نردد مع محجوب سراج ومحمد وردي:
    يوم خط المجد في الأرض دروبا
    عزم ترهاقا وأمجاد العروبة
    عرباً نحن حملناها ونوبة

    اللهم قد بلغت فأشهد.
                  

02-08-2009, 06:04 PM

محمد أدروب محمد
<aمحمد أدروب محمد
تاريخ التسجيل: 02-06-2009
مجموع المشاركات: 7

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا تقرأ هذا... دولة للنوبة والعرب والبجا ؟؟؟ (Re: محمد أدروب محمد)

    العر-نوبية

    (بيت ابوك كان خرب شيل ليك منه شيلة)

    تطرح مجموعة من السودانيين فكرة حول الأوضاع في السودان.
    وما تطرحه المجموعة هو إنشاء دولة قوامها النوبيين والعرب والبجا، ويختصرون اسما لأسس هذه الفكرة: (عر-نوبية). ويطرحون (كوش-نار) اسما للدولة، والاسم في أصله دمج للإسمين: (كوش وسنار)، وذلك لما لاحظوه من أن هذه المجموعات الثلاث- النوبيين والعرب والبجا- من ناحية أن أصولها واحدة، ومن الناحية الثانية أنها أقرب لقبول بعضها، وأنها قد تعايشت مع بعضها عبر السنين في سلام.
    وكما لاحظوا فإن الأطراف في السودان تسعى للإنفصال: دارفور والجنوب. ويعتقدون بأن أهل الوسط قد صمتوا طويلا، ويرون بأنه قد جاء وقت الصحوة والايجابية.
    ومن قراءتي لورقة لاحظت أنها قد إعتمدت على عدد من المؤشرات لدعم طرحها، ووصولا لما ورد في الدعوة.
    من ذلك:
    بعض الملاحظات التاريخية.
    بعض اقتباسات لآراء البعض.
    وتحمل الورقة دعوة للصحوة والايجابية.
    والهدف النهائي للورقة هو (بلورة أساس فكري لبناء دولة أو أمة مستدامة).
    في البداية سأتجاهل ما ورد في مقدمة الورقة من قول الدعاة من (فنأمل منكم ان تطلعوا عليها وتفيدوننا بتعليقاتكم ومقترحاتكم ان وجدت صدى ايجابيا لديكم). وواضح أنهم بقولهم هذا يقولون بأنهم لا يريدون أن يسمعوا إلا ما يرضيهم، ويرفضون، ومن حيث المبدأ، الرأي الذي يختلف مع اطروحتهم، إذ أنهم يطلبون تعليقات ومقترحات، فقط، من (الذين تجد الفكرة عندهم صدى ايجابيا).
    وتجاهلي لذلك يأتي من فهمي بأن ما هو مطروح ليس دعوة لتناول المرطبات أو ما شابهه، يمكنني أن أحضرها أو ألاّ أحضرها، بل المطروح شأن يهمني كسوداني وكفرد من البداويت. وواجبي الوطني يحتم علي ان أسمع الدعاة رأيي في دعوتهم وإن لم يك ذلك ليعجبهم.. فقد طال صمت الكثيرين كما قالت الورقة نفسها.
    ولنبدأ بنقاش الأطروحة على أساس الترتيب الذي وضحناه لتلك المؤشرات التي اعتمدت عليها.
    وأهم ما ترتكز علية الفكرة هو التاريخ.
    وقد ذكرت الورقة عايدة وتاجوج والكنداكة والنجاشي وبعانخى. وتبين الورقة أهمية التاريخ السابق للإسلام في المنطقة بقولها: (نعم نحن نهمل جانباً مهماً في هويتنا ونفكر وكأنما تاريخنا بدأ بمملكة الفونج).
    ولاشك عندي في أن للتاريخ أهميته، ولاشك عندي بأن تاريخنا لم يبدأ بمملكة الفونج، ولاشك عندي، أيضاً، في أن تلك الأبعاد التاريخية، في مجملها، تعمل في خلفية ثقافة الأفراد والمجموعات بحيث تؤثر في تشكيل سلوكها وعلاقاتها وبإستمرار.
    غير أن الجانب الآخر من الحقيقة هو أن المجتمعات البشرية ليست جامدة. وفي حالتنا "السودان"، وبالرغم من ذلك التاريخ، فقد ثبت تعايش ذلك (الهجين): الطيف السوداني وبكل محمولاته التاريخية: (كوش، ممالك نبتا ومروي النوبية، التجمعات العشائرية في المنطقة، سنار، المهدية، التدخلات الخارجية في المنطقة وما تركته من آثار)، والتشكيل الإثني: (النوبيين- "البداويت": وهُم قبائل البجا- العنصر الأفريقي من نوبا وفور والقبائل النيلية وغيرهم- العرب في هجراتهم قبل الإسلام ثم بعد الإسلام)، والمحمولات المعتقدية: (ديانات ماقبل الديانات الإبراهيمية، الديانات الأفريقية ثم المسيحية ثم الإسلام، وما رفدت به هذه الديانات المنطقة).
    لقد ثبت تعايش ذلك (الهجين) ولمدة تزيد على القرن من الزمان.
    ولعل في ذاكرة بعض الذين عايشوا فترة الستينات من القرن الماضي الكثير الذي يجعلهم يرفعون حواجبهم ويفغرون أفواههم دهشة من الذي يجري اليوم، ذلك إذا لم نقل بأنهم ظلوا يصابون بصدمة في كل لحظة خلال العشرين سنة التي مضت.
    ولكن ماذا الذي جرى حتى تفككت، أو كادت، الفسيفساء السودانية؟
    إن أسباب ذلك التفكك تصرخ في وجوه مفكري (العر-نوبية).
    إذا اردنا اختصار ما حدث فيمكننا أن نفعل ذلك في عبارتين: الإحساس بالظلم، سواء كان ذلك الإحساس حقيقيا أو كان متوهماً.
    ويوفر علينا أصحاب (العر-نوبية) الكثير في ذلك، إذ يرد في الورقة (نحن فقط ننبه أن أجزاء من القطر في سبيلها إلى الانعتاق وقد حملت السلاح وأن لها أسباباً موضوعية).
    فإذا كان من يريد (الإنعتاق) من الظلم له أسباب موضوعية، أليس حريا بمن يسمون أنفسهم "مفكرين" أن يتأملوا في تلك (الأسباب الموضوعية)، وأن يحاولوا إيجاد الحلول التي يمكن أن ترتضيها الأطراف؟ بدلا من الهروب للأمام، والمشاركة في الماراثون بطرح أفكار مشابهة لما يطرحه بعض المحبطين اليائسين من اهل الأطراف والذين يدينهم مفكرو (العر-نوبية).
    المرتكزات التاريخية والثقافية
    ما أود أن ابين رأيي حوله هنا هو تاريخ البداويت والعلاقات التاريخية في المنطقة، فالورقة في تاريخيتها تعتمد عل فرضية وهي أن (النوبيين والبداويت والعرب يمكن إرجاع أصلهم العرقي إلى واحدة من هاتين المجموعتين)، وعليه تقيم دعواها لقيام دولة أو كيان جديد (عرب- نوبي) يسمونه (كوش- نار).
    وقد أوردت الورقة عن البداويت التالي (حدود مملكة علوة امتدت حتى بحيرة تانا مما يدخل البجا في تجانس مع النوبة).
    ولست أدري كيف أن إمتداد مملكة علوة إلى بحيرة تانا يدخل البداويت في تجانس مع النوبة. إلا إذا أريد القول بأن مملكة علوة قد أمتدت للبحر الأحمر، وهذا ما لا نجده في التاريخ. بل ان ما نجده في تاريخ المنطقة هو أنه (كانت بين البجة والنوبه حروب عدة سجلت على هيكل كلابشة)- كتاب تاريخ السودان- نعوم شقير، ص 42- دار الجيل، بيروت- تحقيق أبو سليم.
    وعن علاقة البداويت بالنوبة الواردة في مقولتهم بأن (البجا قد عاشواعلى شواطئ النيل والبحر الاحمر وتزاوجوا وكانوا يمثلون قطاعا كبيرا من مملكتي نبتا ومروي وهم بذلك جزء من الشعوب الكوشية) فأعتقد أن هذه قضية يحسن التعامل معها بمنهج طرحته الورقة نفسها من أننا (بحاجة إلى البحث أكثر في هذا التاريخ والنظر إليه بعين الرضا لا الخجل منه).
    وهنالك آراء مازالت دائرة حول موضوع علاقة البداويت بالنوبيين من ناحية، وعلاقتهم بالعرب من الناحية الأخرى.
    يعتقد البعض بأن البداويت نوبيون، ويرون بأنهم ولأسباب تاريخية إقتصادية إجتماعية نزحوا شرقا، ومن ثم فإنهم يرون بأن النوبيين قد إنقسموا إلى نوبيين نيلين ونوبيين صحراويين- من حوار للكاتب مع البروفسور عالم الآثار على عثمان محمد صالح؛ وانظر المسعودي: كتاب تاريخ شرق السودان، ممالك البجة، محمد صالح ضرار: الجزء الأول صفحة 36، دار الإتحاد العربي للطباعة، أو نسخة توزيع مكتب أبكس- القاهرة.
    والقضية لم تحسم بعد، ولست أدري من اين يأتي هكذا يقين لمفكري (العر-نوبية) في قضية كهذه بحيث يرون بأن (غالبية سكان مناطق وسط السودان الحالي يمكن إرجاع أصلهم العرقي إلى واحدة من هاتين المجموعتين)- يقصدون المجموعة العرقية النوبية والمجموعة العرقية العربية.
    اللغة والثقافة
    وأول ما ننظر إليه في دعوى وحدة أصل أية مجموعتين هو اللغة، وأول ما يختلف فية النوبة والبداويت هو اللغة. والإختلاف بين اللغات النوبية، فالنوبيون لا يتحدثون لغة واحدة، والبداويت إختلاف واضح وبين لن تمحوه محاولات الترقيع أو الإقحام.
    ومن حيث الثقافة فمحمولات البداويت الثقافية ومحمولات النوبة الثقافية مختلفة. فالأُخر زراع، استقرار حياتهم وطرق كسب عيشهم ومعتقداتهم القديمة قد اثروا في طريقة تفكيرهم وتصورهم للكون ولابد، والأُول رعاة رحل، لمعتقداتهم القديمة وحياة الرعي وعدم الاستقرار تأثير في معارفهم وتصوراتهم والتي تختلف نوعا.
    ويواجهنا فيما يتعلق بالبداويت، من الناحية الأخرى، دعوى عروبتهم. فقد ورد عنهم الكثير حول ذلك. والمؤرخ محمد صالح ضرار يرى (أنهم أمة سامية وأنهم عرب)- كتاب تاريخ شرق السودان- ممالك البجة، المصدر السابق. ومن ذلك ما ورد من أن (ملامح البجة وعاداتهم واخلاقهم فجميعها عربية محضة)، نعوم شقير، كتاب العروبة والاسلام بالقرن الأفريقي ص 37، محمد سعيد ناود. ويقول نعوم شقير (ولقد انقسم البجه الآن إلى عدة قبائل جسيمة، وكلهم يدينون بالإسلام ويدعون النسبة للعرب وماهم بعرب بل ربما كان في بعض خاصتهم دم عربي أما عامتهم فلا مشاحة في أنهم بجه وكلهم يتكلمون اللغة البيجاوية ولا يعرفون لغة غيرها إلا مشايخهم والذين يخالطون العرب منهم على النيل فإنهم يتكلمون العربية أيضا) نعوم شقير، المصد رالسابق- ص 90.
    بل إن ما أعرفه هو أن بعض قبائل البداويت في قصصهم الشعبي ينسبون أنفسهم للعرب، ولا أعرف مجموعة واحدة من البداويت تنسب نفسها للنوبة، ولعله من اليسير تفهم ذلك بما للأمر علاقة بإعتناق البداويت للدين الإسلامي.
    وبعض القبائل النوبية في قصصها الشعبي تنسب نفسها للعرب، والورقة تورد بأن ".. الدناقلة من الجانب الآخر بهم مكون عرقي عربي (من الجنس السامي) كبير" وأنه (للمحس صلة قوية بالخزرج).
    ولا أعرف مجموعة نوبية واحدة تنسب نفسها للبداويت، ولعله من الواضح، أيضاً، أن ذلك من تأثير أشواقهم الدينية.
    والبحث في الثقافة المشاهدة لهذه المجموعات يمكن أن يفيدنا في معرفة الكثير.
    فيما تعلق بالبداويت فإنهم يختلفون عن العرب، في بعض ما يختلفون فيه عنهم، في لغتهم. ولعله من المفيد هنا ذكر بعض التفاصيل.
    فيما يتعلق باللغة، فمن ناحية الأصوات هنالك 12 صوت من العربية تنعدم في البداويت، وهي الثاء، الجيم ’إذ أعتبره حرف جديد على اللغة‘- الحاء- الخاء- الذال- الزاي- الصاد- الضاد- الطاء- الظاء- العين- الغين.
    وإختلاف آخر بين العربية والبداويت وهو التأنيث والتذكير. ففي العربية أداوات للتأنيث وهي التاء، والألف المقصورة، والألف الممدودة. وفي البداويت أداة تأنيث واحدة وهي التاء. وهنالك صيغة أخرى للتأنيث في البداويت وهي التصغير. وهيئة التصغير في البداويت هي أننا لا نصغر الإسم ما لم يكن في تركيبته حرف راء او كان في اصله صوت لام، فنقول: (رِبَ) للجبل، وإذا أردنا أن نقول جبل صغير فإننا نقول: (لِبَ) بتحويل الراء فيه إلى لام. وما كان في أصله صوت لام يصغر بتحويل اللام فيه إلى نون. وكما أسلفنا فإن تصغير الاسم يدل في اللغة على تأنيثه.
    ومن ناحية أخرى، وعلى غير ما في العربية، فإن في البداويت أداة للتذكير وهي الباء. فتقول في الأعداد، مثلا: (مَلُوبْ): إثنان، (مْهَيْبْ): ثلاثة، (أيْبْ): خمسة مذكراً، وتقول: (ملوتْ)، (مهيتْ)، (أيْتْ): مؤنثاً- لاحظ أن الباء في آخر الأسماء في المجموعة المذكرة قد تحولت إلى تاء في المجموعة المؤنثة، وأصل هذه الأعداد في اللغة هو: (مَلُ)، (مْهَيْ) (أيْ).
    وإختلاف ثالث هو "التعريف"، ففي العربية أداة تعريف واحدة هي (أل)، وفي البداويت تسعة عشر أداة تعريف.
    وإختلاف رابع بينهما في النظام العددي. فالنظام العددي في اللغة العربية نظام عشري، والبداويت نظامهم العددي خمسي، بالإضافة إلى أن أسماء الأعداد في البداويت تختلف عن اسماء الأعداد العربية.
    وإختلاف خامس يتمثل في تركيب الجمل، فالعربية تركب جملها: ’فعل- فاعل- مفعول‘: (ركب الولد الجمل)، والبداويت يركبون جملهم: ’فاعل- مفعول- فعل‘، إذ أن ما نقوله للتعبير عن المعنى المذكور يكون ترتيبه (الولد الجمل ركب)، وذلك ما يظهر عندما يتحدث البداويت بالعربية.
    وإختلاف سادس وهو أنه ليس في البداويت صيغة للمثنى.
    وإختلافات كهذه ليست مسألة يمكن تجاوزها أو غض الطرف عنها.
    وفيما تعلق باللغة النوبية فهناك إختلاف "التعريف"، فالنوبية ليس بها أداة تعريف. في ذلك يورد المرحوم الدكتور/ مختار خليل كبارة في كتابة (اللغة النوبية كيف نكتبها) أن الحرف النوبي (λ) وصوته معادل لصوت (L) وأسمه (لمدا)- أنظر الحروف صـ 28- عندما يرد في نهاية الاسم فان مؤداه تعريفي أي أنه أداة تعريف. ويورد المرحوم الأستاذ/ محمد متولي بدر في كتابه (اللغة النوبية)- درس النكرة والمعرفة صـ 55 بأنه (ليس للتعريف علامة خاصة).
    وعبر نقاشات كثيرة حول المادة في المركز النوبي للدراسات والتوثيق- القاهرة قد تم توصلي إلى ذلك.
    والنوبية، وكبعض اللغات النيلية، تستعمل أداه بمعنى (قد) لأداء المعنى التعريفي المطلوب. فإذا قسنا لغة المحس، كمثال، فإنهم يقولون لتبيان عبارة مثل "الرجل خرج": (إدْ فَلوسُ)، وبتحليل العبارة فإن (إدْ) تعني: رجل، و(فلو) هي الفعل خرج، و(سُ) عبارة بمعنى: (قد). أي أن ترتيب العبارة سيكون: (رجل- خرج- قد) أو (رجل قد خرج) وليس ’الرجل‘ معرفا ’خرج‘. بل أن ماسيقوله المحسي للعبارة: ’خرجت المرأة ‘ هو: (إدين فلوسُ). وبتحليل العبارة فإن (إدين) هي إمرأة، و(فلو) هي الفعل خرج، و(سُ) هي (قد)، وسيكون ترتيبهم للعبارة هو (إمرأة- قد- خرج) لاحظ نوع الفعل من حيث التذكير والتأنيث. ولكن من معانى للعبارة (إدين) هو: ’أم‘ وليس إمرأة. إذن فمعنى العبارة سيكون: ’أم- خرج- قد‘، أو ’أم قد خرج‘ وليس ’المرأة‘.
    وفيما يتعلق بصوتيات اللغة النوبية يورد د. كبارة صفحة 28 من كتابه المذكور ستة وعشرين حرفا، نلحظ فيها أصوات الجيم- وصوت ينطق ذال أو زاي أو ظاء- وصوت ينطق سين أو صاد- وصوت ينطق هاء أو حاء.
    وفيما يتعلق بالنظام العددي فالنظام العددي النوبي نظام عشري، ولكن النوبية تختلف عن العربية والبداويت في أسماءها للأعداد. ويرى علماء اللغويات أنه لا يمكن تصور أن أمة ما قد انتظرت غيرها من الأمم حتى تأتي لتعلم الفرد منها كيف يحسب على أصابع الأيدي: واحد، اثنين، ثلاثة - بغض النظر عن اللغة- أو كيف يحسب عدد أفراد أسرته أو ممتلكاته… الخ. أنظر كتاب: مقدمة في فقه اللغة العربية- دكتور لويس عوض- دار سيناء للنشر، القاهرة، صفحة (232).
    والنوبية لا تعرف صيغة المثنى، وللتعبير عن المثنى، مثل البداويت، يسبقون الاسم بالعدد إثنين. ففي البداويت وللتعبير عن عبارة مثل (رأيت ولدين) ستقول ما ترتيبه: (ولدين رأيت) بتقديم العدد، وكذلك النوبية.
    والنوبية تركب جملها: ’فاعل- مفعول- فعل‘ كالبداويت وليس كالعربية ’فعل- فاعل- مفعول‘.
    ومن حيث التذكير والتأنيث فالنوبية تنعدم فيها فكرة الفرز بين مذكر ومؤنث. ومن هنا يأتي ما يجعلنا نعتقد أنه تذكير لمؤنث أو تأنيث لمذكر، بل ويضحك عليهم البعض عندما يحاولون الحديث بالعربية.
    ففي كلام مكون من عدة جمل قد يذكر مؤنثا ولكنه في الجملة التي تليها قد يؤنث مذكرا وفي التالية العكس وبشكل عشوائي.. وهكذا، فهو، وحسب لغته وبرمجة عقليته، ليس في حاجة لتأنيث أو تذكير الاسم.
    ومن حيث الثقافة فمحمولات البداويت الثقافية ومحمولات الثقافة العربية مختلفة.
    صحيح أن هنالك، عموما، مشتركات ثقافية بينهما. فالبداويت مسلمون كلهم، والعرب غالبيتهم مسلمين. والعرب رعاة رحل وكذلك البداويت، وكلتا المجموعتين ترعى الإبل. ولكن وبالنظر إلى واقع البداويت المشاهد اليوم، أو بتتبع ذلك في تاريخهم، فمن الجلي أن البداويت يختلفون عن العرب في عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم مما له اثر واضح في حياتهم وتفكيرهم وتصورهم للكون، بل وحتى في تدينهم.
    والإختلافات التي ذكرناها عن اللغات تعد كل منها سمة تميز كل مجموعة عن الأخرى. وبين المجموعات الثلاث من الإختلافات الثقافية ما ذكرنا. إذن لا مجال من ناحية الثقافة ومن ناحية اللغة، لا مجال للقول بوحدة أصل بين هذه المجموعات إلا أن يكون أماني أو أوهام أصحاب (العر-نوبية).
    عقدة عميقة من اللون الأسود
    ومن الذي لحظته في الورقة تلك الحساسية المفرطة للغاية من الإسم ’السودان‘.
    والإسم ’السودان‘ اسم قديم قدم التاريخ، وهو ترجمة، فيما أعرف، للإسم (أثيوبيا) الذي أطلقه اليونان القدماء على البلاد المتاخمة لحدود مصر جنوباً ويعني: الوجه المحترق من أشعة الشمس أو الأسود. وتبدو واضحة (لملمة) الأفكار في قول مفكري (العر-نوبية): (هذا اللفظ السودان في أحسن أحواله هو وصف للون بشرة المجموعات التي تعيش في وسط وشرق إفريقيا وفي أسوأ حالاته يعني "عبيد".. وإذا كنت في دول المشرق العربي وطلبت من صاحب مسحنة أن يبيعك " فستق عبيد" فسيناولك ما تسمية أنت " الفول السوداني").
    ومن الواضح هنا أن هنالك عقدة عميقة من اللون الأسود، وإحساس بدونية بعيدة المدى.
    وما أود أن أقوله لكل منهم، في هذا السياق هو: هون عليك أخي فأنت، وإن كنت أسودا- مسألة محتملة، فأنت لست عبدا لأحد- مسألة مطلقة. وليس هناك أدنى سبب لشعورك بهكذا دونية حتى لو أسمعوك في الخليج بأنك عبد، وقد حدث ذلك للكثيرين ودونك الكثير من القصص التي تروى حول ذلك، وذلك لا يرجع إلا لمستوى تفكير الشخص الذي يتم التعامل معه وتربيته، ويمكنني أن أأكد لك بأنك لست عبدا لأحد بكل طريقة.
    الصحوة والايجابية
    ويرد في مقدمة الورقة (قبل سنوات كتبنا داعين قادة الرأي الشمالي ساسة ومفكرين ومثقفين إلى الصحيان ومواجهة صورة المستقبل فكرياً وعملياً).
    وحاولت، من باب المعرفة بالشيء، البحث عن المادة التي كتبت في (Sudanile) في 12/6/2006، أي قبل سنتين ونصف فقط، ولم أتمكن من العثور عليها.
    وحين كتابة تلك الدعوة كان (الحريق الإلهي) الذي بثته الدولة قد بدأ في دارفور، بعد الحريق الإلهي في الجنوب وقبله في جبال النوبة وما بينهما في الشرق.
    الصحوة..
    ولا أقول، فقط، بأن تلك الصحوة قد جاءت متأخرة، بل الواضح أيضا أنها ليست صحوة بأي معنى، بل بالأحرى هي مجرد ’حردة‘. فإذا طالب وعمل المظلومون على رفع الظلم عن أنفسهم، ونحن نعرف بأن أسبابهم موضوعية، فليس صحوة بأي حال أن نقول لهم (خوة فرتك، إذا ما إنتو عايزين نحنا كمان ما عايزين)، ونلملم من أوهامنا ما نسند به ’حردينا‘.
    والايجابية..
    يورد أصحاب العرنوبية: (لقد انتهى زمن الفرجة منذ زمن وعلينا ان نبدي شيئا من الايجابية وان نقوم نحن المثقفون بواجبنا الذي ندين به لاطفالنا واهلنا. وواجبنا هو النظر في الامر وبلورة اسس فكرية لبناء دولة قومية مستدامة من المعطيات المتاحة)
    أهي الفاظ نطلقها هكذا بدون مدلولاتها؟
    أين الإيجابية في موقف مفكري (العر-نوبية) مما جرى ويجري في السودان الآن؟
    وكما أسلفنا فلقد اعترفت الورقة بسلبية حاملي الفكرة. يقول مفكرو (العر-نوبية): (فيما يختص بهذا الأمر نحن عموماً مستسلمون، تحركنا الأمواج حيث تشاء. فالخارطة التي تلقيناها من المستعمر نحارب كل من يحاول تعديلها حتى لو كان من أهلها ونرى أن ذلك سيكون نهاية العالم). ويوردون (فهنالك أذن أساس لتلك النزعة الاستقلالية شجعتها سياسة حكومة الإنقاذ القاهرة).
    ألا يذكرني هذا بالمثل القائل: (سكت دهرا، ونطق كفرا).. بلى.
    وإذا تجاوزنا الكيفية التي إستدل بها مفكرو (العر-نوبية) حول (أساس النزعة الإستقلالية) عند أهل الأطراف، مع اختلافنا مع فكرة (النزعة الإستقلالية) هذه، ونبني اختلافنا ذلك على واقع عايشناه في هذا الوطن.
    لقد سعى هذا (الهجين)، قبل خمسين سنة ونيف من الزمان، لنيل استقلاله من المستعمر في تضامن لا مجال لنكرانه، مع الاحتفاظ لكل طرف بمواقفه وآرائة.
    وفيما قبل الاستقلال نعرف عن التعايش الذي ساد المنطقة على علات ذلك التعايش. وكمثال عايشه الكثيرون، وهم ما زالوا أحياء، فقد تعايش هذا (الهجين) في الستينات والسبعينات وما قبله من القرن الماضي. فماذا حدث بعد تلك المرحلة وهي الفترة التي يعيش الوطن تداعياتها الآن؟
    وإذا تجاوزنا الكيفية التي تم الوصول بها الإستدلال حول ذلك، ونكران ذلك الإستدلال لحقائق التعايش، فلا يمكننا أن نتجاوز موقفهم من الدور الذي لعبته (حكومة الإنقاذ) التي وصفوها، وبعضمة لسانهم، ب(القاهرة)، فماذا كان موقفهم من ذلك القهر
    وقهر الإنقاذ المذكور لم يقع على طبقة الأوزون، لقد وقع ذلك القهر على بشر في السودان. وليتصور أصحاب العرنوبية أن لهؤلاء البشر أحاسيس، وأنهم من لحم ودم مثلنا تماماً.
    وقهر الإنقاذ ليس شيئا نظريا أو مجرد ’طق حنك‘، فذلك قهر قد أدى لموت مئات الآلاف من الشباب والنساء والأطفال، وأدى لتهجير مئات الآلاف؛ دع عنك تداعيات أخرى لذلك من معوقين وتفكك أسري يعاني منه المجتمع اليوم، ودمار أضاع من الإمكانات ما أضاع. بإختصار (قهر الإنقاذ) قد أدى إلى الحالة التي نحن فيها اليوم. وبدلا من مواجهة كل ذلك وتحديد آراءهم وطرح بدائلهم حوله، فإن لسان حال العرنوبيين يقول: (بيت ابوك كان خرب شيل ليك منه شيلة).
    فإذا رفض آخرون القهر، واختاروا أن ينازلوا الإنقاذ (القاهرة) باللغة التي تفهمها، فما هو الموقف المنتظر من كل وجدان سليم؟ ما هو الموقف المتماسك منطقيا ووطنيا حيال ذلك؟
    وإذا وجد ذلك القهر رفضا من آخرين من غير بني جلدة المقهورين، وإذا دعم هؤلاء بني جلدتنا المقهورين الذين تقاعسنا نحن عن، ليس دعمهم، بل تقاعسنا عن مجرد قول الحق وصرنا شياطين خرس، فهل الموقف السليم حيال ذلك أن نقول (وتلقفت الامر الجماعات الليبرالية الغربية التي كانت تبحث عن قضايا تتبناها فوجدت ضالتها في قضية دارفور، وفعلت ذلك بهستريا؟)؟ إذن سينطبق علينا المثل القائل (لا نرحم ولا نخلي رحمة تنزل).
    فالظلم- كقيمة- مستهجن ومرفوض في كل ديانة وفي كل معتقد، مستهجن ومرفوض لدى كل وجدان سليم.
    وما هي حقيقة مقولة ان ’الجماعات اللبرالية‘ كانت تبحث عن قضايا، وهل هي غلطة تلك الجماعات إذا وفر (قهر الإنقاذ) لتلك الجماعات قضايا تتبناها؟
    بلورة أساس فكري لبناء دولة أو أمة
    وما يطرحه مفكرو (العر-نوبية) هو بحث عن أسس جديدة لبناء دولة أو أمة، وتورد الورقة: أنه (بالرغم من المثاليات فما زالت الأسس لبناء الأمم هي ما قال عنه علماء السياسية (من أبن خلدون إلي حسن نافعة): تجانس في اللغة والدين والتاريخ والمصالح بدرجات متفاوتة. كذلك أكد علماء الاقتصاد أنه كلما زاد التجانس (النموذج ألأمريكي) كلما زاد النمو والازدهار الاقتصادي (Adelman & Taft, 1971).
    قد يكون ذلك في غالبه صحيح ولكن كان ذلك في زمان آخر.
    فالواقع الدولي يبين بأن الدولة القائمة على مجموعة عرقية واحدة نادرة الوجود في عالم القرن الحادي والعشرين. ونفس الواقع الدولي يبين بأن الشعوب الحية تسعى لتكوين أجسام كبيرة تستطيع من خلالها أن تؤثر وتنافس في عالم اليوم الذي تشابكت فيه المصالح لدرجة لم يكن ليحلم بها إبن خلدون. ولا نعتقد أننا في حاجة لضرب أمثلة في ذلك.
    والحقيقة هي أن المثالي والذي يصعب تحقيقه في زماننا هذا هو ما يقول به أصحاب (العر-نوبية).
    فالدول في عالمنا اليوم نتاج من حركة قديمة، ولم تتوقف، للبشر من منطقة لأخرى ولأسباب مختلفة: المجاعات، الحروب، الأوبئة والكوارث الطبيعية من زلازل وخلافه، باحثين عن مستقر يوفر لهم الأمن ويسر الحياة. وفي تحركهم من منطقة لأخرى يتم إستقرارهم وإختلاطهم بالمجموعات التي يفدون إليها. وعلى المدى تتأسس لهم حقوق وواجبات فيما يسمى اليوم في الفكر الإنساني بالمواطنة.
    والمجموعات الوافدة لمنطقة ما تسعى لمشاركة الآخرين في إدارة أمورها هي أولاً ولا تتركها للآخرين، ومن ثم تسعى للمشاركة في إدارة أمور المنطقة التي تفد إليها. وهنا يجتمع الحراك البشري وتتفاعل الثقافات والأفكار.
    والعرب الذين وفدوا للمنطقة التي نحن بصددها ’السودان‘ قد وفدوا إليها للعمل في أرض المعدن في وادي العلاقي وما حوله، بل إنهم قد حاولوا لدخول للمنطقة وبالقوة. يقول الدكتور جعفر ميرغني عن هجرات العرب للمنطقة: (خرج جماعة منهم كثيرون من جزيرتهم رأسا واستقروا في أرض المعدن بين عيذاب وبين أسوان في وادي العلاقي، وتربصوا هناك يعملون في المعدن وفي التجارة يتحينون فرصتهم لدخول السودان، ومنهم عرب الحجاز قريش وبنو هلال وغيرهم وعرب جهينة وقحطان وعرب ربيعه، وقد كانت لهم محاولات صادقات في الدخول عنوة تحت قوة السلاح إلا أن النوبة والبجا صدوهم مرارا فلبثوا في أرض المعدن قرونا، وهناك خالطوا البجا وتزاوجوا معهم ومن خلال المعايشة والتزاوج والتوالد تمت سودنتهم. فأنا أسمي بلاد البجا المصفاة السودانية الكبرى لأنه لم يتجاوزها عربي فيدخل السودان إلا مسودنا قد تخلق بأخلاق أهل البلاد وتزيا بزيهم وعرف لغتهم وامتزج بمزاجهم)- مقالة "المعربات السودانية"، دكتور جعفر مرغني- مجلة "حروف" العدد (2/3) مزدوج 1991.
    فالعرب قد قدموا للمنطقة صيادي رزق، والواضح انهم قد حاولوا الدخول لأرض النوبة والبداويت، بل وحاولوا الدخول إليها عنوة تحت قوة السلاح.
    وبفشل محاولات الدخول عنوة، بدل العرب من أساليبهم فعملوا على معاشرة هؤلاء الناس وعملوا على الزواج منهم، وليس التزاوج معهم، ففي الغالب لم يتزوج البداويت والنوبيون من نساء العرب إذ انهم، أي العرب، لم يأتوا بأسرهم للمنطقة، وهذا بديهي.
    والواضح أنه كان وراء زواج العرب من نساء أهل المنطقة غرض، وذلك طبعا، بعد ملاحظة العرب الوافدين لعادات هؤلاء الناس من توريث إبن البنت وإبن الأخت عوضا عن إبن الصلب. ويقول إبن خلدون (ثم انتشر أحياء العرب من جهينة في بلاد النوبة واستوطنوها وملكوها وملأوها عيبا وفسادا، وذهب ملوك النوبة إلى مدافعتهم فعجزوا ثم صاروا إلى مصانعتهم بالصهر .. وصار ملكهم لبعض أبناء جهينة من أمهاتهم- لأن أمهاتهم من بنات ملوك النوبة- على عادة الأعاجم في تمليك الأخت وابن الأخت فتمزق ملكهم واستولى أعراب جهينة على بلادهم).
    ويقول دكتور عبدالله الطيب (هذا ويقال إن سبب غلبة العرب على الوسط آخـر الأمر نشأت مـن المصاهرة. وعرف من كانوا هم أهل الدولة بغرب النيل من جعل وراثة السلطة والملك لأولاد البنات، خلافا للعرب الذين كانوا عند كثير منهم الأخذ بقول القائل:

    بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا **** بنوهن أبناء الرجال الأباعد)
    مقالة: العربية فى السودان، د. عبدالله الطيب- مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة- ع 89، ص 57.
    والعرب، مثل أية مجموعة تفد لأرض أخرى، لم يكونوا ليقبلوا أن يعيشوا على درجة أقل من المجموعات التي تعايشها، أو أن يتركوا أمورهم ليديرها غيرهم، هذا إذا لم يتطلعوا إلى السيادة وفرض رؤاهم على الآخرين.
    ولن يخلق تفكير رغائبي، مثل الذي يتعاطاه مفكرو (العر-نوبية)، أمة ولا دولة. فالعرب ومن يدعي أنه عربي سيظل ولفترة طويلة على إعتقاده، والنوبيون سيظلون نوبيين والبداويت سيظلون بداويت، وقد ظلوا على ذلك على مدى آلاف من السنين.
    وإذا أخذنا بتعريف الأمة القائل بأن الأمة (مجموعة من البشر لهم لغة مشتركة، وثقافة واحدة وعادات وتقاليد واحدة، وينحدرون من أصل واحد ويقطنون بقعة إقليمية محددة، وتحدوهم آمال ومصالح مشتركة، ويشعرون بالحاجة إلى أن تحكمهم سلطة واحدة ذات سيادة)، فقد أثبتنا هنا إختلاف اللغات بين المجموعات الثلاث، ووضحنا إختلاف الثقافات، وإختلاف العادات والتقاليد. وأصحاب (العر-نوبية) يعترفون بوجود أصلين لهذه المجموعات وليس أصل واحد.
    أما عن الآمال والمصالح المشتركة فلا أرى آمالا واحدة أومصالح مشتركة لهذه المجموعات إلا في إطار الدولة التي جمعتهم وتجمعهم اليوم- السودان.
    تجربة المجرب
    ولن يسمح البداويت اليوم بأن يتأبطهم آخرون لتحقيق طموحاتهم الصغيرة، إذ تكفيهم تجاربهم السابقة.
    فالبداويت واحدة من المجموعات، كما سماها أصحاب (العر-نوبية)، الطرفية في السودان والذين حملوا السلاح في وجه دولة الظلم، ولم يكلف مفكرو (العر-نوبية) أنفسهم مغبة السؤال: لماذا حمل البداويت السلاح؟. ولم يقل أصحاب (العر-نوبية) شيئا عن التهميش وظلم الإنقاذ للبداويت او حتى ما كان يجري لهم قبل ذلك. لم ينبسوا بكلمة، ولا يفعلون، عن الجهل والمرض والفقر يطحنون البداويت. أليس من مكارم الأخلاق التي يدّعون قولة الحق؟ دع عنك قولة الحق في وجه إمام (قاهر).
    والآن، يريدون أن يتأبطونا لتحقيق أحلامهم الصغيرة.
    لقد أدى البداويت دورهم في مسار تاريخ المنطقة، وشاركوا بفعالية في حرب المستعمر، وتكفيهم في ذلك شهادة عدوهم. إقرأ في ذلك قصيدة: (Fuzzy-Wuzzy) لشاعر الإمبراطورية التي كانت لا تغرب عنها الشمس: (Rudyard Kipling).
    وعن شهادة غيرهم نقتبس من ذات القصيدة التي إقتبس منها، وعلى سبيل (البروباقاندا)، مفكرو (العر-نوبية) أبياتا، والنص هو نشيد: "يقظة شعب" للفنان وردي وشاعرها مرسي صالح سراج، والتي نعتقد أنهم قد قرأوها بمنهج (ويل للمصلين).
    ولمجرد إثبات إنتقائية أصحاب (العر-نوبية) نقتبس:
    شرقنا يوم اللـــقاء كيف سعى **** حين داعـي البـذل بالروح دعا
    كيف بالسيف تـحدى المـدفعا
    ودما بذلـوها ثرة لا تسـتكين **** للقنا .. للقـيد.. للعيـش المهين
    وكانوا قد إقتبسوا الجزء التالي:
    حين خط المجد في الأرض دروبا **** عزم ترهاقا وإيمان العروبة
    عربا نحن حملناها ونوبه
    والبداويت قد حملوا السلاح في وجة الدولة للتهميش والظلامات التي تعيشها قبائلهم. وهم، فوق ذلك، على يقين تام من أن حلول مشاكلهم لن تنجز بمعزل عن حل كل قضايا السودان سواء في بواديه أو وسطه، فالاطراف لا يمكن ان تصح ويستقيم امرها اذا كان القلب مريضا ومعتلا.
    ويحلم أصحاب (العر-نوبية) بدولة قائمة على المكونات التي ذكروها، ولكنهم نسوا أن يتحدثوا عن النظام الذي يريدونه لدولتهم. ونسوا أن يتحدثوا عن الحقوق والواجبات فيها. ولكن يبدو أنهم لم ينسوا الحدود، حدود تلك الدولة: ("أما ما حدود هذه الدولة فأعترف أنه لن يكون سهلاً وسيخضع للتفاوض ولكنها حتماً ستضم أواسط السودان الحالي(الشمالية والجزيرة والبطانة وشمال كردفان والشرق (كسلا والبحر الأحمر)".
    فهل مثلا ستكون الدولة ملكية يتوج فيها ملك نوبي، أم هي عربية إسلامية يحكمها ’أمير مؤمنين عربي‘، أم هي عشائرية سيرتضون فيها بحكم شيخ قبيلة من البداويت؟ مركزية، فدرالية أم لا مركزية؟ هل هي ديموقراطية سيتم تداول السلطة فيها سلمياً؟ وكيف؟ هل تنبني الحقوق والواجبات فيها على العرق أم الدين أم كليهما، أم على خلاف ذلك؟ ويبدو أن الأحزاب في دولة (كوش-نار) ستقوم على أساس عرقي.. أم هل سيمنع قيام أحزاب في الدولة؟ وما هي أسس التنمية في الدولة.
    وقد اضطلعنا في المقترح، وفي فقرة كاملة، على تأصيل جامع شامل حول (الإسم)، وأهمية الحرص على إختياره من حيث معناه أو دلالاته.. وأول من لم يلتزم بذلك التأصيل هم مفكري (العر-نوبية)، فما هي دلالات الإسم: (عر-نوبية) فيما يتعلق بالتنمية، وأين نصيب البداويت في الإسم وهم، أي البداويت، أقدم في المنطقة من الذي بدئ به الإسم؟ أم سيطال التهميش البداويت أيضا في تلك الدولة الفتية وحتى قبل قيامها؟ والجواب يكفيك من عنوانه كما يقولون.
    ويبدو أنه سيتم تأبط البداويت، أرضهم وثروات ظاهرها وباطنها، وبحرهم وثرواته ظاهرة وباطنة، وحوالي مليوني إنسان، ومن ثم تهضم حقوقهم تلبية لأحلام هؤلاء، ويبدو أننا سنبدأ نضالنا منذ الآن لإحقاق حقوقنا.
    يجب أن تكون هذه المسائل واضحة في ذهن أي "مفكر" دع عنك من يريد أن يقيم دولة.
    وربما سيقول قائلهم بأن دولة (كوش-نار) جمهورية. والفكر العرنوبي يؤمن بأن الحقوق والواجبات في الدولة ستقوم على أساس المواطنة، ويدعو إلى دولة ديموقراطية تعددية، تقوم السلطة فيها على تداول سلمي بين أحزاب، ولن تقوم الأحزاب السياسية في الدولة على أساس جهوي ولا عرقي ولا ديني، تتنافس بطرح برامجها على الجماهير، ولا سلطة عليها غير ما رأته الجماهير. والتنمية ستكون متوازنة مع إنحياز إيجابي للمناطق الأكثر تخلفا وبالشكل الذي لا يخلق خللا، ويمكِّن، في ذات الوقت، المناطق الأكثر تخلفا من اللحاق ببقية أجزاء الوطن.
    حسنا، في هذه الحالة سنقول لأصحاب (العر-نوبية) أنه إذا كان ذلك كذلك، فهذا عين ما يريده أهل الأطرف أو المهمشون في السودان، دون زيادة أو نقصان.
    وإذا كان ذلك كذلك حقيقة، فلماذا لا يشمر أصحاب العرنوبية عن سواعدهم ويعملوا بجد، وفي (الزمن الضائع) الذي نلعب فيه، مع كل الذين يؤمنون بأفكارهم هذه في سودان اليوم؟ لماذا؟
    وما يحلم به أصحاب (العر-نوبية) قريب مما جرى في السودان منذ نشأة الدولة في تاريخها الحديث.
    إذ أنه وبعد الحكم التركي ثم الثنائي التركي الإنجليزي واتت ظروف محلية وإقليمية ودولية مختلفة فتم إستقلال البلاد. والسودانيون اليوم يتفقون بكل مشاربهم على أنه، وفي الإستقلال الذي تم، لم يتم الإتفاق على شروط تعايش رضائي بين مكونات الوطن.
    وحسب علمنا فإن من ينادي الآن بالإنفصال أو تقرير المصير أو ماشابه ذلك- ومن الواضح فيما عدا أصحاب (العر-نوبية)- فإنه يتحدث عن عدالة وتأسيس لتعايش رضائي. وتلك هي (الأسباب الموضوعية) لأهل الهامش، فيما أرى، التي رآها أصحاب (العر-نوبية) أنفسهم، فإذا رفض ذلك فما الذي يتبقى؟.
    ولن يؤثر الغبار الذي يثيره أصحاب (العر-نوبية) حول أطروحات الهامش في أي متابع. ولن تؤثر فينا الصفات والأسماء من عيار: (الحركات الانفصالية (الاستقلالية)، وعن أهل الهامش (ويبقوا في دولة الوحدة بدون أي تفكير)، وعن دارفور: "متحدث باسمهم يقول لنا "تقرير المصير لدارفور طلب جدي وليس مناورة". وعن السودان (أننا ركام متنافر خلقة الاستعمار).. الخ. فقد أشبعتنا عشرون سنة من (الإنقاذ) من ذلك حتى أتخمنا.
    ما هو واضح اليوم هو أن كل الطيف السياسي السوداني قد أعاد التفكير فيما جرى، سواء كان مجبرا أو كان ذلك عن قناعة. فالأحزاب السودانية المجتمعة في المعارضة ومنذ إتفاق أسمرا 1995 قد أقرت أسساً لمبادئ التعايش الرضائي، أو لنقل بأنها قد أقرت بخطئها التاريخي.
    ودولة (الإنقاذ) ومنذ ’إتفاق السلام من الداخل‘ 1997 تراوح المعاني التي تحدثنا عنها حول التعايش الرضائي، ولكن هذه الدولة لم تكن جادة لا في توجه أعلنته ولا في إتفاق أبرمته، على كثرة تلك الإتفاقات، وكل ما يجري كان، فقط، مراوغة لكسب الوقت بغرض التمكين.
    والعرنوبيين لم يفتح الله عليهم بكلمة في ذلك.
    والقضية عندي أكبر وأوسع من مجرد ’حردِ‘ ولملمة كل سلبي بغض النظر عن موضوعيته أو عدمها، لدعم فكرة أو تبرير عجز.
    القضية قضية وطن.
    والقضية هي: كيف نضع أسسا لتعايش نرضاه كلنا في هذا الوطن ونعمل جادين على تحقيقها.
    وطن نعلم علم اليقين بأننا قد حشرنا فيه بفعل محمد علي باشا، وتلبية لطموحاته الشخصية قبل حوالي القرنين من الزمان، وبأنه ليس من مجموعاته أو شعوبه من تمت إستشارته في أن ينتمي أو ألاّ ينتمي إليه.
    وطن إذا لم نكن قد إخترناه، لكنه، قد أضحى قدرنا..
    ... وهل الناس عادة يختارون أوطانهم؟
    وطن، أحببناه ونحبه بكل مكوناته وإختلافاته.
    وليسم مفكرو (العر-نوبية) هذه المكونات (ركام متنافر خلقة الاستعمار وبه نقاط انفجار خاصة في أطرافه الجنوبية والغربية) وسنسمي نحن تلك المكونات "تنوعا"- ولا نرى ذلك التنوع نغمة بل نعمة، نعمة تتنتظرنا، نعمة تنتظر حسن إدارتنا لها.
    بلورة اسس فكرية لبناء دولة
    لا شك في أن بلورة اسس فكرية لبناء دولة يحتاج لنظر حديد للتأمل في الحاضر والمستقبل.
    ويقول العرنوبيون أن (واجبنا هو النظر في الامر وبلورة اسس فكرية لبناء دولة قومية مستدامة من المعطيات المتاحة علما بأن الأمر أصبح ملحا اكثر من اي وقت مضى.)
    الجزء الأخير من هذه المقولة، بأن الأمر قد أصبح ملحاً أكثر من أي وقت مضى، صحيح وبلا أدنى شك. فنحن نلعب في (الزمن الضائع) بعد نيفاشا. وبلورة اسس فكرية لبناء دولة يحتاج لنظر في الحاضر ومعطياته المتاحة الحقيقية وليست المتوهمة أو المنتقاة، ويحتاج لنظر في المستقبل بحيث نحقق النماء والإزدهار لشعوب هذه الدولة. ولمفكري (العر-نوبية) هذا الإقتباس:
    ( .. وهكذا يصبح من الجلي أن قيام دول أفريقية مستقلة متحدة في إطار حكومة مركزية ديموقراطية، تمتد من شواطئ البحر الأبيض المتوسط الليبية حتى رأس الرجاء الصالح، ومن المحيط الأطلسي حتى المحيط الهندي، هو وحده الذي سيتيح للأفارقة إمكانية الإزدهار تماما وإثبات قدراتهم في مختلف مجالات الإبداع، وفرض أحترامهم- بل وحبهم- والقضاء على كافة أشكال الرعاية الأبوية، والإسهام في تقدم البشرية بإتاحة فرصة للتآخي بين الشعوب الذي سيكون أيسر خاصة لأنه سيكون تآخيا بين دول مستقلة بنفس الدرجة لا بين مسيطرين ومقهورين) ..
    ويضيف الإقتباس: ( من السهل أن نسترسل لكي نثبت أن استقلال مستعمرة السنغال الصغيرة، وكوت ديفوار، وتوجو، وداهومي.. الخ، لن يكون إلا وهماً لأنه سيتعين على هذة المستعمرات أن تخضع فورا لكافة أشكال الضغوط الخارجية وستدور آليا، بفعل القوى الإقتصادية، في فلك إحدى الدول الكبرى. والحل الفدرالي يقضي على مثل هذا الوضع).
    ما هو رأي مفكري (العر-نوبية) في هذه الرؤية؟
    مما ورد في فكرتهم المطروحة، الواضح أن فكرة وحدة أفريقية مرفوضة من قبل العرنوبين أو هي مستحيلة على إفتراض أحسن ظن فيهم، فهم على عجز تام عن مجرد التنظير للمحافظة على وطن قائم، وهم على تفتيت أكبر قطر أفريقي فقط لأن اسمه تاريخيا كان يعني "سود" أو كان يعني "عبيد" كما استنتج العرنوبيون من قضية (الفستق)، حيث لا أسباب أخرى موضوعية؟.
    ويقول صاحب الإقتباس: (.. هناك إذن واجب علينا أن نؤديه إزاء أوروبا: علينا أن نساعدها على التحرر من العادات القديمة التي إكتسبتها من خلال ممارستها للإستعمار، ودفعها إلى إدراك الوجهة الحقيقية لمصالحها التي لم تعد قادرة حتى على تحديدها. فأوروبا وحدها ضعيفة للغاية وفي حاجة إلى المساعدة للتوصل الى ذلك. غير أنها لن تتأخر في الإقدام على هذا الأمر وعلى أسس ديموقراطية حقا في اليوم الذي ستقتنع فيه بأنها فقدت أفريقيا نهائيا؛ وعندئذن سيبدو الإتحاد الفدرالي الأوروبي الحل بالنسبة لكل الذين كانوا يتساءلون حتى ذلك الوقت عن مصير بلادهم دون مستعمرات).
    هذا رجل مفكر نظره حديد.
    هذا رجل مفكر نظره حديد إستطاع التنبؤ بحيثيات ضرورة قيام (إتحاد أوروبي) قبل أكثر خمسين سنة، وفي وقت كان فيه الأوروبيون يتساءلون، وها هو الإتحاد الأوروبي حقيقة ماثلة للعيان.
    وتبقى مشكلة أفريقا..
    وستبقى مشكلة أفريقا، لأن أمثال أصحاب (العر-نوبية) بعض مفكريها!!
    وصدق من قال: "أننا نعاني محنة كبرى وإن أبرز معالم هذه المحنة هي قصور المفكرين ونكوص المثقفين عن أداء دورهم في إعمال الفكر..ألخ".
    بقى أن نقول أن (الرجل المفكر) صاحب الإقتباس هو "شيخ أنتا ديوب" المؤرخ السنغالي، وأنه قد كتب مؤلفه المذكور عام 1954، وإسم المؤلف هو: ’الأصول الزنجية للحضارة المصرية‘- توزيع دارالعالم الثالث للنشر- القاهرة، ترجمة: حليم طوسون.


    محمد أدروب
                  

02-09-2009, 02:10 AM

محمد أدروب محمد
<aمحمد أدروب محمد
تاريخ التسجيل: 02-06-2009
مجموع المشاركات: 7

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا تقرأ هذا... دولة للنوبة والعرب والبجا ؟؟؟ (Re: محمد أدروب محمد)

    **
                  

02-16-2009, 08:39 PM

هاشم الحسن
<aهاشم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-07-2004
مجموع المشاركات: 1428

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا تقرأ هذا... دولة للنوبة والعرب والبجا ؟؟؟ (Re: محمد أدروب محمد)

    الأخ محمد أدروب،
    تحياتي،
    أولاً حمداً لله على السلامة
    و مرحباً بك فاعلاً و متفاعلاً اونبورد
    ـــــــ
    يبدو أن البوست الأول قد اختفت كل المداخلات فيه بعد مداخلاتك الأولى
    أفاعيل الهكر الله لا كسّبو!!!
    لقدد وددت لو أنقلها هنا جميعاً فنبدأ من حيث توقفنا و حتى نعرف مؤطئ أقدامنا مع تقدم النقاش
    الحمد لله، عوجة مافي تب
    وها عود على بدء و شوية شوية...
    ـــــــ
    كنت، فيما أذكر قد علقت على الورقة الأولي (لـ كاتبيها المجهولين) بأنها في أحسن الفروض محاولة للخروج عن المأزق السوداني
    عبر تحشيد غير منهجي ليس فيه تحديد واضح للأبعاد قيد الدعوة غير (البعد العرقي) ، و بطريقة تحاول فيها الورقة أن تستعير فبما تستعير، تحاول
    استعارة و محاكاة رؤية المفكر المرحوم محمد أبو القاسم حاج حمد في كتابه (السودان ـ المأزق التاريخي و آفاق المستقبل) و لكن دونما أن يلحقها
    عمق محاولة حاج حمد و لا تقعيده لها على متعلقات حضارية و ضرورات جيوبوليتكية تتعلق بالوسط و الشمال و الشرق، و في ذلك نظر، و دونما أن يدعو لاسقلالها في دولة منفصلة عن بقية السودان الذي يقترح له وضعاً فدرالياً في الغرب أو كونفدرالياً في الجنوب بناءً على تلك المعطيات الجيوبوليتيكية التي يسوقها و لا بد أن قد أثرت عليه و عليها سيرورات الواقع السياسي كما شهدناها تجري أمام أعيننا بلا يد منّا ذات أثر في تغييرها، و هو مما قد يجعل كاتبي هذه الورقة من ذوي اليد الفاعلة العليا و إن أبينا.
    ثم أن طرح ورقة (العرنوبية) الذي هنا فيبدو لي و كأنه أقرب إلى التفسيرات التقليدية لورقة عبد الرحيم حمدي الشهيرة ـ أقول التقليدية لأن هناك تفسير آخر
    و أنا أدنى أن أميل إلى تبني منطقه العاقل لا يهرج بالاحتمالات المنصرفة تجاه العرق و الجهة فقط أو يقتصر عليهما بغير شريك ـ تجده في بوست جدير بالقراءة( سـودنةُ الحـلمُ الأمـريكي) و بالتحديد فهنا:حلم فض الشراهة للثروة والسلطة
    ـــ
    ذلك ما كان عن الورقة الأولى، و لم نتستوفها الكيل و لو بالنزر اليسير.فهذه مجرد قراءة مستعجلة وعمومية أقصد بها فتح النقاش على مصادر أخرى ينهل منها و تصب فيه،
    و تبقى التفاصيل جاثمة تنتظر النظر فيها و التعليق .
    و أما الورقة الثانية ( بيت أبوك لو خرب شيل ليك منو شيلة) فهي ـ و ببقراءة أولية فيما يتعلق أساساً بكونها في الرد على الأولى و و لكنها قراءة لا تغفل الأهمية التثقيفية و الفكرية فيها بل وتستفيد منها ـ فهي تبدو لي و كأنها من باب الخطاب البجاوي ـ المكون الذي استصغرته الورقة الأولى ـ في التصدي لخطاب المكونين المتعاليين عليه و هو خطاب لا تنقصه القوة المضادة و لا الحماسة في (دفع الإفتراء العرنوبي) بخطاب من جنسه و نوعه، و بالتالي فهي أيضاً مصابة بكثير من علل الأولى لا يشفيها أن حاولت تقديم بديل جيوبوليتيكي على دعامة من العرق أيضاً لا يبدو هو الآخر أقل إن لم يكن أشد استحالة من خيار الورقة الأولى و في مسوغاته مآزق لا تحصى.
    فإلى حين ميسرة إذن و آفاق جديدة قد تفتحها التعقيبات و التعليقات.
    ـــــــ
    هذا و أجدني في غاية الشوق والرغبة يا أستاذي أدروب لأن تقرأ في هذا البوست الهام جداً للبروفسير أحمد إبراهيم أبوشوك عن كتاب الدكتورة آمال فضل الله حسان
    استبطان الشرف: الخصوبة والغرابة والتكاثر في شرق السودان...آمال حسَّان فضل الله
    فاقرأ لكم تعقيباً فيه بما لا شك سيثرينا بالمعارف و الفوائد....

    تقديري...
                  

02-26-2009, 03:16 AM

محمد أدروب محمد
<aمحمد أدروب محمد
تاريخ التسجيل: 02-06-2009
مجموع المشاركات: 7

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا تقرأ هذا... دولة للنوبة والعرب والبجا ؟؟؟ (Re: هاشم الحسن)

    هاشم الحسن، سلام.
    طالعت مداخلتك، ويبدو أنها إلى إستكمال.
    وسأنتظر إلى حين تكامل أفكارك حول الورقة والرد عليها.
                  

02-26-2009, 03:47 AM

القلب النابض
<aالقلب النابض
تاريخ التسجيل: 06-22-2002
مجموع المشاركات: 8418

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا تقرأ هذا... دولة للنوبة والعرب والبجا ؟؟؟ (Re: محمد أدروب محمد)

    العالم يتجه نحو الوحدة ...

    هل نتجه نحن للتفتت؟؟؟
                  

02-27-2009, 04:43 PM

محمد أدروب محمد
<aمحمد أدروب محمد
تاريخ التسجيل: 02-06-2009
مجموع المشاركات: 7

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا تقرأ هذا... دولة للنوبة والعرب والبجا ؟؟؟ (Re: القلب النابض)

    القلب النابض
    الحقيقة هي أنه دي سيرورة تاريخ ولا يوجد منها مخرج، ولكنه يمكن للبعض أن يسمي نفسه (مفكر) أو ما شابه وأن (يتذاكى) ويحاول أن يعطل العجلة.
    القضية مش هنا، القضية أنه في ناس بيشتروا من السلعة دي.

    وشكرا على المرور
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de