( إلى صديقي ... الذي لا يزال الأمل مرسوماً على محياه رغم كل هذه السنوات )
منذ صغره ، كان ( مهدي ) يحلم بأن يعيش مُرفَّهاً ... في بيت واسع ... تقبع أمامه سيارة ( لاندروفر ) ... عندما أتي مهاجراً و سكن ( مدينة جدة ) ، كان في إعتقاده الجازم أنه سيجمع المال كما تجمع نسوة القرية أوراق الخُضَر من المزرعة القريبة من بيت جده ... ثم يعود محققا حلمه ... أثار فضوله هؤلاء المهاجرين من معارفه و أصدقائه يعودون في بضع سنوات و آثار النعمة بادية عليهم .. متناسين أيام الفقر المدقع ... فيزداد اقتناعا بالهجرة إلى أي بقعة على هذه البسيطة.. عندما وطئتْ قدماه أرض الغربة .... قادما إليها عبر السودان براً ... ثم عبر البحر إلى المدينة التي يظن أنها ستحقق أحلامه التي تراوده. كان قد وطَّد العزم على عدم العودة حتى ينال مراده مهما كلفه ذلك من أمر. في ذلك البيت الشعبي ، سكن مع أقرباء له ... نساءا و رجالا من أعمار مختلفة و سحنات متباينة. يخرجون في الصباح الباكر و يعودون ليلا منهكين يلعنون الغربة و أصحاب العمل المتحكمين في رقاب الخلق. تجمعهم رائحة البن و ( أطباق الفشار ) مساءاً و يفرقهم النوم الذي يمارس سلطانه عليهم قسراً. أصابه بعض الإحباط ... ( إذن هكذا يجمعون المال ؟ ) ... همهم في سره تجوَّل في أنحاء المدينة .. أحيائها القديمة تشبه لحد ما بعض أزقة ذاك الحي الهاديء في ( أديس أبابا ) ... سوق ( باب شريف ) ... ذكَّره بسوق ( ماركاتو ) ... المباني التي تكاد تعانق بعضها البعض ... أعادتْه إلى ( نازريت ) ... مسقط رأس أمه ( الأورومية ) ... حيث بدأ أولى خطوات دراسته التي لم تستمر طويلاً ... أكثر ما جناه هناك هو إتقانه لكل لغات الأحباش ... فقد تصادق مع ( التقراي ) و ( الولامو ) و ( القُراقي ) و ( الأدرِي ) و ( الكمباتا ) و ( الكونسو ) ... غدا موسوعة حبشية تمشي على قدمين ... يعرف مناطق أثيوبيا كأنه يطالع خارطة جغرافية أمامه ... طرقها و دروبها و عادات أهلها ... و أنساب العشائر و القبائل. ها هو هنا الآن ... كلما مرتْ الأيام ... تتباعد عنه أحلامه التي راودتْه طويلا أثناء اللهث وراء تأشيرة القدوم لهذا البلد الحجازي. لا يكاد يجلس إلى أقربائه إلا نهاية الأسبوع ... أنواع العمل التي عُرِضتْ عليه ليمارسها مقارنة بما سيكسبه .. أصابتْه بالهلع ... أكثر ما جعله مغتبطا أولى أيامه .. كانت تلك الدعوة التي تلقاها من صديق دراسة لقاه مصادفة و هو يجوب شوارع ( جدة ) ... و في تلك الأمسية تناول عشقه القديم .. حزما من ( القات ) ... و فناجيلا من القهوة ( الهررية ) و رائحة ( البخور ) تعبق جو الغرفة الضيقة و هو يستمع للحن قديم للفنان ( منليك )... إنطلق لسانه بكل الألسن الحبشية التي يجيدها ... و كأنه يسترجع ماضي الأيام. و صديقه ( التقراي ) يستزيده من أخبار البلد هناك .. و يسأله عن أخبار ذويه ... ( أبايْنيش ) زوجة صديقه .. تجلس قبالته تسكب قهوتها المعتقة و تنثر حبات البخور على ( المبخر ) .. و ( الصليب على جبهتها ) الذي كان متواريا خلف غلالة خمارها المعصوب على رأسها عند دخولها من خارج البيت ، بات أكثر زرقة في ضوء الغرفة المتعدد الألوان. طافت بخياله للحظات زوجته التي تركها هناك تنتظر أوْبته السريعة التي وعدها إياها. وسط بهرج الأحتفاء و التحليق بعيدا بذكريات الأمسيات في ( أديس ) ... باح لصديقه برغبته في جمع ثروة بأسرع ما يمكن و العودة إلى ( ديار الحبشة ) .. فهو يحلم بأن يعيش هناك كما يعيش الـ ( هابْتَامُج ) ... أثرياء البلد من تجار البن و التوابل و الإقطاعيين الذين إستطاعوا بالكاد المروق من عباءة ( منقستو هايلي ميريام ) ...
أثار انتباهي عنوان بوستك عن هذه الماد الغريبة التي يتم مطاردة واغتيال من يتعاملون فيها لأسباب لا يعرفها إلا الراسخون جدا في علم الفيزياء السري! في انتظار بقية الرواية...
02-04-2009, 07:49 AM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22494
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة