|
|
 سد مروى ...زيارة مــن طـــــرف واحد لا تكفى
|
في بلادي عجب عجاب، ترسم ملامح صورة غير محددة المعالم وربما تشوبها بعض الشوائب ونوائب من لدن نوائب، وفيها ايضا فرح مبتور وعيش مكدور وهم مجبول إلا انني لا اجد أدق توصيف وتشبيه لهذه الحالة الا فيما ما قاله احد الاعراب حينما نزل على سفرة هشام ابن عبدالملك، فبينما هو يأكل إذ تعلقت شعرة بلقمة الأعرابي، فقال له هشام: نـحِّ الشعرة عن لقمتك. قال: و إنك تلاحظني ملاحظة من يرى الشعرة في اللقمة؟ والله لا أكلتُ عندكَ أبداً وخرج وهو يقول:
وللموتِ خيرٌ من زيارةِ باخلٍ
يلاحظ أطراف الأكيل على عمدِ
بهذا المدخل نعرج الى موضوعنا الذي نحن بصدده لكي نوضح بعضا من الحقائق وان كنا نخفي بعضا من جوانب مراراتها لأسباب عدة لا يتسع الافق ولا الزمان ولا المكان لاستيعابها.
ففي بلادي مشروع قيد الانشاء لم تكتمل ملامحه بعد وظل مثار جدل كثيف وضجيج من الاعلام لا ادري ما جدواه وما الفائدة المرجوة من ورائه، وقد سبق هذا المشروع العديد من المشاريع العملاقة دون ان تجد مثل هذا الهرج والمرج والضوضاء واجلها واعظمها مشروع (نفط السودان) الذي ظهر على الناس وهم نيام لا يدرون كنهه، وكذلك مشروع (مدينة جياد الصناعية) الذي ظهر ايضا هو الآخر دون ضوضاء وقس على ذلك في بلادي الكثير الكثير.
الا انني ربما ارى ما لا يراه غيري وانا في خانة (واطي الجمرة) واجد العذر لكل من يمم شطر مقصده الى هذا المشروع بقصد الترفيه والنظر من قرب الى هذا المشروع فربما ينظر الى الامور من زاويته التي تخصه ولا يعير ما يحيط بهذا المشروع أى اهتمام، ففي نظرته حديث لنفسه لا لغيره يفسر به منطق الاشياء من منطلقاته الشخصية وحده حينما يشخص ببصره نحو ذاك المشروع ، إلا اننا نجد نظرة مختلفة لمن عانى من وطأة الحرمان وهذا يحفزني ان اضيف الي هذا المقال ما كتبه د. مصطفي السباعي وهو يحض الناس ان يعيشوا ويتعايشوا في الدنيا وهو يقول: «عش في الحياة كعابر سبيل، يترك وراءه أثراً جميلاً، وعش مع الناس كمحتاج يتواضع لهم، وكمستغن يحسن إليهم، وكمسؤول يدافع عنهم، وكطبيب يشفق عليهم، ولا تعش معهم كذئب يأكل من لحومهم، وكثعلب يمكر بعقولهم، وكلص ينتظر غفلتهم، فإن حياتك من حياتهم، وبقائك ببقائهم، ودوام ذكرك بعد موتك من ثنائهم، فلا تجمع عليك ميتتين، ولا تؤلب عليك عالَمين، ولا تُقدِّم نفسك لمحكمتين، ولا تُعرض نفسك لحسابين، ولحساب الآخرة أشد وأنكى».
فالشق الآخر الذي اكتوى واصطلى بنار ومرارات هذا المشروع غاب تماما على المشهد على الرغم من أنه أول من قال نعم وآثر التضحية من اجله بالغالي والنفيس، ووهب ارضه ونفسه لخدمة هذا المشروع، إلا أنه شربة من كأس من يتدثرون بثياب الواعظينا الذين اوعدوا فاخلفوا وتخلفت معهم الحقيقة المجردة فلم يجدوا بداـ أى المتأثرين ـ ان يستصحبوا معهم قول بعض السلف «عجبت لمن ابتلي بالخـــــوف - كيف يغفـــل عن : حسبنا الله ونعـــم الوكيــــل، وعجبــت لمن ابتلي بمكر الناس به - كيف يغفل عن قوله تعالى : وأفوض أمري إلى الله، وعجبت لمن ابتلي بالضـر - كيف يغفل عن قوله تعالى:رب مسني الضر وأنت أرحم الراحمين،وعجبت لمن ابتلي بالغم - كيف يغفل عن قوله تعالى:لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين».
فمهما يكن من أمر الآلة الاعلامية وتسيير الرحلات فهذا لا يعني بأى حال من الاحوال اختفاء الحقيقة المجردة فحتما سيأتي يوم عاجلا او آجلا الى اظهار ما كان يخفى على عامة الناس وخاصتهم.
فالشاهد ان الذي يجري ويحدث في هذا المشروع لا اعتقد انه عمل سسيجني القائمون على امره مكاسب تذكر على حساب غيرهم وغياب الحقائق الكامنة خلف هذا المشروع ربما يشيب لها الولدان،واصحاب «الوجعة» لم يفنطوا للحظة واحدة بأن احقاق الحق باقي إلى ان تقوم الساعة فهم اكثر آملا في لحظة انصات وطنية خالصة من الخلص في وطنهم ويسعون ليل نهار من اجلها ولسان حالهم يقول:
إذا ما كنت في قوم غريبا..
فعاملهم بفعل يستطاب
ولا تحزن إذا فاهوا بفحش..
غريب الدار تنبحه الكلاب..
إذا جرحت مساويهم فؤادي....
صبرت على الاساءة و انطويت
وجئت إليهم طلق المحيا
كأني لا سمعت و لا رأيت
فجمهور المتأثرين ربما يأملون في كل من زار واستمتع بزيارته لهذا المشروع أن يسأل نفسه وحده دون (الدليل السياحي او المترجم او المرافق) ـ سمه كما شئت ـ وللبر ثلاثة منازل : المنطق،و النظر، والصمت، فمن كان منطقه في غير ذكر فقد لغا ومن كان نظره في غير اعتبار فقد سها ومن كان صمته في غير فكر فقد لها. فنظر العاقل بعقله و خاطره، ونظر الجاهل بعينه و ناظره.
فلماذا غاب عن المشهد المواطن المتأثر؟ على الرغم من أن برنامج الزيارة يشمل زيارة المساكن التي شيدت لهؤلاء المتأثرين الا ان كل هذه الزيارات تجدها محاطة كإحاطة السوار بالمعصم ممن نظموها فالزائر يطوف على هذه القرى وكأن اهلها نيام كنومة أهل الكهف، فبمجرد مرور رتل العربات ألا يشعر الزائر بأن ثمة شئ ما يراد لهذه الرحلة !!؟.
فمازال المتأثرون مصرين على أن المشروع قائم وباقي و«خط احمر» لا يمكن ان تطاله سهام نقدهم،ولكن بالمقابل مازالوا يصرون على ان لهم استحقاقات يجب أن تدفع على حسب ما اقرته الدراسات التي تنطق بالحق والاستحقاق،وأن ينعموا بالاستقرار في وطنهم الجديد الذي ايضاً ظهرت فيه الكثير من الاشكالات في تصدع المباني و شح المياه والكهرباء و الصحة فكل هذا اذا اردنا توضيحه نحتاج الى مجموعة مقالات، فهل مثل هذه المطالب تعجيزية ولاهلها غرض من ورائها أفيدونا أفادكم الله .
ودمتم
|
|
 
|
|
|
|
azz gafar
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست