يوم الجمعة .. الساعة كانت تمام الرابعة والنصف عصراً .. الموتى بمقابر حمد النيل بأمدرمان كانوا في مسرح الحدث فقد كانوا ينتظرون في تشوق سماع أصوات (النوبة ) و (الطار) وأصوات الذاكرين الصاخبة التى إعتادوا على سماعها عند كل أسبوع .
كنت برفقة أحد الأصدقاء هنالك ، وقد حضرنا خصيصا لنشاهد حلقة الذكر المعتادة لهذه الطريقة القادرية العركية وهى تنسب الي الشيخ عبد القادر الجيلانى المولود في عام 470هـ والمتوفى عام 561هـ وهى من أوسع الطرق انشارا في إفريقيا علي وجه الخصوص ، وقد دخلت السودان في القرن العاشر الهجرى علي يد رائدها الأول ومؤسس مدارسها بالسودان الشيخ تاج الدين البهارى والذى تفرعت عنه مجموعة الطرق القادرية بالسودان .
وانتقلت الطريقة القادرية العركية طريقة السادة الأعراك عن طريق الشيخ عبد الله العركي من الشيخ حبيب الله العجمي خليفة الشيخ تاج الدين البهاري القطب خليفة القطب الأوحد عبد القــادر الجيلاني وقد أخذها عن شيخه بأورادها وأذكارها كاملةً
تعد حلقات الذكر هنـا بأمدرمان في هذه المقابر تخليداً للشيخ حمد النيل بن الشيخ أحمد الريح بن الشيخ محمد الزاهد بن الشيخ يوسف أبوشرا ، فهو من رواد الحركة الصوفية وأحد رموز الطريقة العركية في هذه المنطقة وله العديد من الأتباع والمريدين ، فأعتاد خلفاؤه وحواره ومريديه وأتباعه من الطريقة العركية على القيام بحلقات الذكر في ثابت إسبوعي عند مرقده بأمدرمان
كانت الأوجه عند حلقة الذكر تظهر عيها علامات الورع والزهد والبساطة ، كان الكل منهمكاُ في الذكر والبعض يعبر عن جذبه السماوي بعد ان يغرق في الذكر . والجذب السماوي هنا هو حالة نفسيّة يشعر فيها المرء بأنه على اتصال بمبدأ أسمى ، أما في الفلسفة فهو نزعة تعوّل على الخيال والعاطفة . وفي الدين من علم القلوب الذي ينتج عن كثرة التصوف وقوة العلاقة بين الفرد والقاعدة الروحية ويسعى إلى تصفية القلوب والتطهّر والتجرد من الذنوب والمعاصي ويؤدي إلى الاتصال بالعالم العلوي .
تبدأ حلقة الذكر في مساحة دائرية صغيرة ثم تتسع لتصبح كبيرة جداً رغم إكتظاظ المكان بالذاكرين الذين أتوا من أبعد الأماكن ليشاركوا في هذه الحلقة التي كادت أن تكون فريضة عليهم .
(حيٌ يا قيوم .. لا.. إله.. إلا.. الله )
رددها أولئك المادحين الذين إصطفوا عند قبة الشيخ حمد النيل بصوت كورالي جميل ولحن روحي عذب ، معلنين بها بداية حلقة الذكر . لترتفع أصوات الذاكرين والمريدين .. لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله .. بإيقاع يسرع عند كل دورة للحن الإيقاعي في الذكر .
كان الكل حافياً في حلقة الذكر ، فلا يسمح لأحد بالدخول للحلقة بنعليه وذلك في إعتقادهم ان الارض التي يؤدى فيها الذكر دائما ماتكون طاهرة بتلك الأذكار فكل الحرص على بقاءها كما هي حفاظاً عليها من الدنس والاوساخ .
كلما مرت دقيقة إزدادة سرعة إيقاع الذكر، وكلما إزدادة سرعة الإيقاع كلما ترى الناس قد إنتابتهم حالة من الجذب السماوي أو السكر الروحي أوغيرها من المسميات التي تعني إنهماك الذاكر في العبادة فعندما يخرج الذاكر عن هدؤه الى فعل حركات غير إرادية كالدوران السريع الجري السقوط أوالقفز وهي كلها حركات غير إرادية تنتج بسبب قوة تركيز الإتصال الروحي بين الذاكر المؤدي للعبادة والقاعدة الروحية في السماء . ومتى صفت الروح من علائق المـادة وشوائب الدنيـا انعكست عليها الأنوار الإلهية فانتشت بروح المحبة القدسية وسـكرت بشراب المشاهد الربانية وتحققت لها السعادة الأزلية والراحة الأبدية.
كانت الأجواء في غاية الروحانية عندما تشاهد بعض المتصوفين وهو يحمل مبخراً ليعطر الحلقة ويزيدهـا روحانية ، والاخر يحمل إبريقا قديماً أخذ شكل التصوف بلونه الأخضر الزاهي يسكب منه الماء على أيدي الذاكرين ليشعرهم ببركة هذه الحلقة ، ويمدهـا بمزيداُ من الروحانيات .
تعد أرض حمد النيل من المحطات الصوفيه الكبيرة جداُ في تاريخ الحركة الصوفية بالسودان .. فأينما ذهبت خارج هذا الوطن لن تجد طقوساً للتصوف كمثل هذه الطقوس التي يؤديها البسطاء الورعين الزاهدين في بلادي من حلقات شيوخنا حمد النيل بأمدرمان والصايم ديمة وأبونا البرعي وزين العابدين وكثيرون من أولياء الله الصالحين ، إن في طقوس حلقات الذكر بمقابر حمد النيل في أمدرمان إرث ثقافي منفرد يجب أن نحرص على حفاظه .
ديل اهلى العركيين نقاء وصفاء .. الان انا احسن حالا هم كرام كرام طيب الله ثرى ابوى الصايم ديمة وكل السادة العركيين وكل الكرام الكرام من اهل القوم شكرا هاشم الطيب على بوستك القيم رجعتنى لا ايام جميلة ونقية تسلم يارب من كل شر ..
Quote: كانوا ينتظرون في تشوق سماع أصوات (النوبة ) و (الطار) وأصوات الذاكرين الصاخبة التى إعتادوا على سماعها عند كل أسبوع .
الاخ هشام شكرا على البوست .... المتميز اذكر ان اصوات النوبة والطار ورحية الذكر ...وشفافية الايقاع ..هى التى جذبت المغنى العالمى جيمى كليف لزيارة حمد النيل ...وقام بتدوين كل ما ادهشهة....ثم اقتبس منها فى بعض اغانية ...
محمد عثمان الحاج ، لك تحياتي والصوفية بصفة عامة يمتازون بالكرم ، النوايا الطيبة الاخلاق النبيلة يجسدون معاني الجمال في لمة (ذكر) بديعة في حمد النيل بأمدرمان ..
ياسر اورغ ياحبيب تحياتي لكـ ، وعندما تسمع أصوات النوبة التي إمتزجت مع الطار واصوات الذاكرين تحس بإحساس جميل للغاية ، وربما كان هذا مادفع الفنان العالمي جيمي كليف لإدخال (النوبة) كآلة موسيقية في مايقدمه من أغاني وقد أعتبر النقاد الفنين أن موسيقى كليف التي إستخدم فيها (النوبة السودانية) من اروع وأنجح ماقدمه كليف في حياته الفنية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة