الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 05:08 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-12-2009, 05:55 PM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي

    ماركس لم يزر السودان أبداً..

    كتاب البحر كتاب يتغير يا أحباب سفينتنا

    والنواتي الفائق من يتنبأ قبل التغيير

    وأخطاء النوتي الفائق تعني

    أن النجم القطبي يغيّر موقعه

    مظفر النواب

    (1)

    كان من الممكن ألا أكتب هذا المقال، مطلقاً، لو انعقد مؤتمر الحزب الشيوعي، إذ كان من المفترض أن يناقش أو على الأقل يفتح القضايا والموضوعة فيه، بغض النظر عن حسمها أو مواجهتها. ولكن تأجيل المؤتمر لأسباب غير معلومة أو غير مقبولة ومعقولة، جعلني أتيقّن وليس افترض، أن الحزب الشيوعي السوداني جزء أصيل من أسباب الأزمة السودانية المتجهة بنشاط نحو الكارثة. فالحزب الشيوعي احتكر بامتياز، أحياناً بجدارة واستحقاق وأحياناً أخرى بوضع اليد والريادة، قضية التقدم والحداثة والتغيير. لذلك، انعقد عليه كثير من الأمل حتى بين الفئات غير الشيوعية، وأيدته في الانتخابات وساندته في مواقف كثيرة ودافعت عن وجوده باعتباره فعلاً قاطرة للتقدم والتغيير. واستحق الاسم الذي روجه «الكيليتون» «Calyton» وهو القطار الصغير «والاسم لموظف بريطاني بالسكة حديد» الذي يجر العربات الكبيرة. فقد كان الحزب الشيوعي صغيراً وقليلاً في عضويته العددية قوي النفوذ المعنوي والتنظيمي ونجح في توجيه السياسة السودانية في منعطفات مهمة في تاريخ الوطن. فقد كان يمتلك روح المبادرة والجسارة ولكن الآن نردد: وفي الليلة الظلماء يفتقد القمر. ولكن القمر للأسف الى محاق وخسوف وضاعت أنواره في البيروقراطية والشيخوخة والتردد. ولم يعد القمر يضئ لنفسه ويحل مشكلاته الداخلية، ناهيك عن أن يمتد للوطن جميعه.

    (2)

    النهوض بالبلاد من خلال برنامج يعود بنا إلى شعارات ومبادئ الثورة الوطنية الديمقراطية التي ارتفعت عقب الاستقلال، ولكنها تعرضت لانتكاسات وهزائم عديدة. كان بعضها ذاتياً أي تسببت فيه القوى صاحبة المصلحة الحقيقية حين حاولت حرق المراحل والتوجه إلى مرحلة الثورة الاشتراكية دون تنفيذ مهام مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية. ولأن هذه القوى لم تكن تملك أدوات تغيير جماهيرية أيدت بنصف قلب انقلاب 25 مايو 1969 واخطأت مرة اخرى حين حاولت تصحيحه بانقلاب 19 يوليو 1971. فقد كان الحزب الشيوعي كطليعة ثورية يملك قدرات تنظيمية عالية، داخل الحزب وبين القوى الديمقراطية، وأخرى على الواجهات مثل اتحادات الشباب والعمال والنساء والمزارعين والمهنيين. ولكن الضعف النظري والفكري لم تنقذه القدرات التنظيمية ولا الدينامية السياسية. وكانت النتيجة فقدان الحزب للمبادرة ولجأ إلى تحالفات اقرب إلى استجداء شرعية الوجود والعمل، وأقصد بذلك تجربة الحزب الشيوعي في التجمع الوطني الديمقراطي خلال فترة معارضة النظام الحالي والممتدة حتى اليوم.

    ظل الحزب الشيوعي متمسكاً بأساليب عمل عتيقة وحول كلمة شيوعي في اسمه إلى نوع من الطوطم (Totem) أو الفتشية (Fetischism) وكلاهما عند الانثروبولوجيين بمعنى إضفاء قدسية على شيء من خلال ترميزه. إذ تربط بعض القبائل نفسها بحيوان أو شجرة أو ظاهرة طبيعية، وينتسب إليها. وتعتبر الاضرار بهذا الطوطم سوف يضر بها «أقرب الى السبر» لذلك، تحمي هذا الطوطم الرمز وتمنع المساس به او الاضرار به. اما الفتشية او الصنمية، فيعرفها البعض «مفهوم يدل على عقلية أو موقف معرفي بدائي يصور القوى الطبيعية وأحاسيس المجموعة في صور مادية وينسب لها روحاً وحياة وحركة خفية ويمنحها قوة التدخل في الأحداث وتغييرها «يوسف الصديق: المفاهيم والألفاظ في الفلسفة الحديثة. تونس، الدار العربية للكتاب، 1980، ص98». والمقصود ان الجماعة هي التي تعطيه القدرة. وتذكر فكرة الحزب ايضاً باسطورة بيجمليون (Pygmalion) التي حولها شو الى مسرحية «سيدتي الجميلة» فالنحات في الأصل والمتبني للفتاة، خلقها او كونها، ثم فقد السيطرة عليها رغم انه صانعها! وفي علم الاجتماع يصنع البشر ظاهرة ما ثم تصبح موضوعية خارجة عنه تتحكم فيه وتسيّره. ويكاد هذا التوصيف ينطبق على الحزب الشيوعي السوداني، صنعه بشر وأصبح خارجهم ومهيمنا عليهم عوضاً عن العكس. ونحن لا يهمنا اسم الوردة بل يهمنا عطرها ورائحتها!

    (3)

    قاد النقاش حول الابقاء على اسم الحزب الى نوع مما يمكن تسميته «الصحوة الماركسية» على نفس منوال «الصحوة الاسلامية» فقد استجدت ظروف جعلت بعض الحركيين الاسلامويين يتذكرون ان الاسلام هو الحل! ونفس الشيء ينطبق على بعض الشيوعيين استيقظوا ليكتشفوا دور الماركسية في السودان ممثلة في الحزب الشيوعي. وامتلأت صفحات الجرائد بكلمات مثل: الماركسية، وماركس، والاهتداء بالماركسية او الاسترشاد بالماركسية. وكتب الاستاذ تاج السر عثمان، خلال الثلاثة الشهور الاخيرة عن الماركسية، ما يعادل ما كتبه خلال ثلاثين عاماً سابقة عن الماركسية. هذه ليست مشكلة، ولكن ما يقلق هو القول بأن الماركسية لا تتعارض مع الدين «راجع كتابات تاج السر في (الصحافة)، (أجراس الحرية) وغيرهما، وحوار مع السيد سليمان، (اجراس الحرية) 27، 28 سبتمبر 2008 وسبقهم الأستاذ كمال الجزولي في مجلة (الخرطوم الجديدة) العدد الثاني يوليو 2005، ص36، ود. صدقي كبلو، صحيفة (الاضواء) 16 يناير 2005». وسأعود لنقاش هذه القضايا خلال الحلقات القادمة.

    (4)

    قصدت بالعنوان الجانبي «ماركس لم يزر السودان أبداً!» أن أقول أن الماركسية لم تدخل السودان بل عرف السودان حركة شيوعية أقرب إلى جبهات التحرر الوطني ضد الاستعمار واكمال مهام ما بعد الاستقلال. وحتى بالنسبة لهذا الوضع، تساءل البعض: هل كانت ضرورة ذاتية أي نابعة من التاريخ السوداني الخاص، في نهاية اربعينيات القرن الماضي؟ أي هل نضجت الظروف الاجتماعية، الاقتصادية والتاريخية بحيث تتطلب استدعاء وتبني النظرية الماركسية لبناء حزب شيوعي سوداني. لا أريد القول باستيراد الافككار فهذا تعبير خاطئ وخبيث يهدف الى عزلنا عن تطورات الانسانية والعالم. ولكن علم اجتماع المعرفة والافكار الماركسي نفسه، يرجع نشأة الأفكار والمعرفة إلى ظروف ومعطيات مادية ملموسة هي التي تنتج الأفكار حسب مراحل تاريخية محددة. لذلك، كانت مهمة الحزب الشيوعي السوداني صعبة وتعسفية في نشر الماركسية في السودان، حتى في أبسط صورها. وحاول سودنة الماركسية وإلباسها عراقي وسروال ومركوب، والأهم من ذلك في يدها إبريق وسبحة، إذ حاول أن تكون متدينة ومؤمنة. ورغم كل التنازلات والانتقائية لم تنتشر الماركسية وإن كانت الشيوعية قد انتشرت بين نخبة يسارية. فقد أقام الحزب الشيوعي السوداني تماهياً بين الشيوعية والماركسية، فصارت التحليلات الاقتصادية تسمي تفسيراً ماركسياً رغم أنها غير مغطية نظرياً وفكرياً بأي أسس من الفلسفة أو النظرية الماركسية عدا مراحل التاريخ الخمس للتطور المجتمعي البشري. يضاف إلى ذلك التنظيم اللينيني الستاليني.

    كانت الماركسية بعيدة عن المزاج السوداني حتى المثقف منه، وقد يعود ذلك نسبياً إلى نظام التعليم البريطاني والذي لا يهتم بتدريس الفلسفة ويقوم على قواعد عملية تهدف إلى تخريج موظفين جيدين وليس مفكرين. هذا وقد واجهت الحزب الشيوعي مشكلة ما يسميه: التعليم والتثقيف داخل الحزب. ويلاحظ الاستاذ تاج السر عثمان نفسه هذه الصعوبة لأن النشاط العملي يطغى على النشاط الفكري داخل الحزب. ففي ورقة لسمنار العمل الثقافي في الحزب بتاريخ 3/9/2005 يكتب:

    «منذ تأسيس الحزب احتلت قضية التعليم النظري فيه مكانة متقدمة لما لها من ارتباط وثيق بتوسيع وترسيخ نفوذ الحزب السياسي والفكري وسط الجماهير.. فبعد ست سنوات من تأسيس الحزب لخصت وثيقة» في سبيل تقوية حزبنا وتوسيعه الصادرة في 1952 هذه القضية على النحو التالي:

    1- ضعف العمل النظري.

    2- عدم نشر الماركسية وتقريبها للشعب.

    3- ضعف ترجمة الكتب الماركسية. ص1.

    وهنا تبرز اكبر اشكاليات الحزب الشيوعي السوداني وهي العلاقة بين النظرية والممارسة او العمل. ورغم نجاح الحزب تنظيمياً، تقول الوثيقة سابقة الذكر «إننا لم ننجح حتى الآن في بعث حركة سياسية حقيقية تحت قيادتنا.. السبب الأساسي في ذلك هو الفشل في القيام بأعباء النضال الفكري والايديولوجي». وتسببت هذه الفجوة في الانقسامات والخلافات داخل الحزب، ومما عقد الأمور غياب الحوار الفكري وهذا شيء طبيعي مع غياب الأفكار والفكر نفسه بين الاعضاء. ولجأ الحزب كثيراً إلى الحسم التنظيمي هرباً من الحسم الفكري حماية «لوحدة الحزب» وغالباً ما يتم محاصرة ولعن الأفكار المختلفة من خلال وصفها بالانتهازية والانقسامية والردة «لاحظ الحمولة الدينية لهذا الوصف» ولكن المعركة الفكرية لم تتوقّف وتجددت بأشكال جديدة، حتى اليوم.

    ويكتب عبدالخالق محجوب عن الظاهرة:

    «وفي تثقيف الكادر واجه الحزب مرة أخرى نفس الأفكار التي صرعها في عام 1947 والتي كانت ترمي إلى عزلة النظرية عن العمل ولا ترى في النظرية منهاجاً للتفكير بل محفوظات وشعارات جامدة. ورغم أن الاتجاه الثوري الشاعر باحتياجات الحزب في تلك الظروف بوجوب وضع الأسس الثابتة لتثقيف الأعضاء اعتماداً على منجزات التطبيق السليم للماركسية اللينية على ظروف بلادنا، كان قوياً في هذه النقطة من الناحية النظرية باعتماده على تراث الحزب في الصراع الداخلي منذ عام 1947 إلا أنه لم ينجح في تلك الفترة في إحداث تحول عملي في اتجاه الحزب في تثقيف أعضائه. رغم عشرات البرامج التثقيفية المعلنة ورغم القرارات حول وجوب تجميع محصول الحزب في الماركسية اللينية المطبّقة على المشاكل المعاصرة».

    وتتكرر الملاحظة بصورة أدق:

    «عدم وجود جهاز فعّال للتعليم الحزبي والتثقيف. فقد ظل العمل يجري طيلة هذه الفترة في إطار مكتب للدعاية وبين كادر خبير متخصص يقوده رفيق مسؤول. وبالرغم من المجهودات المختلفة صعوداً وهبوطاً والتي بذلت من قبل مكاتب الدعاية فإنها لم تستطع أن تخلق جهازاً يشمل الحزب بمستوياته من المرشحين حتى حلقات الكادر القيادي، لم نستطع أن ننمي بين هذه الحلقة الاتجاه الثابت للتثقيف الذاتي. صحيح كانت هناك صعاب من ضمنها عدم وجود كادر مثقف قادر على هذه العملية.. وغياب هذا الجهاز أدى الى انحباس منجزات الحزب الشيوعي في حقل تطبيق الماركسية في اطار سطحي لا يتمشى مع ما يقابل حزبنا من مهام (....) ويكفي ان نشير مثالاً للضعف والتدهور في هذا الشأن الوضع بين تنظيمات الطلبة الشيوعيين، فقد اتضح ان اعضاء بقوة اكثر من سنتين في التنظيم لم يطلعوا على لائحة الحزب ولم يدرسوا ابجديات الماركسية» (الماركسية وقضايا الثورة السودانية، الطبعة الأولى، ص186).

    هذه الظاهرة الخاصة بالضعف والقصور النظري، لازمت أغلب الاحزاب الشيوعية العربية، إذ غلبت فيها الشيوعية التي يمثلها الحزب الطليعي على الفكر الماركسي والنظرية الماركسية كمنهج وطريقة تحليل وتفكير، وكعلم اجتماع واقتصاد وفلسفة. فقد كانت شيوعية أكثر منها ماركسية. يلاحظ فيصل دراج بصورة عامة:

    (فالفكر الماركسي العربي، باستثناءات قليلة، ارتضى بماركسية كتبية وافدة، معتبراً أن التنوير كله في حزب «الطبقة العاملة» الذي يسترشد بمبادئ ماركسية طريفة، تستند إلى «التفاؤل التاريخي» لا إلى معطيات المعرفة الموضوعية 2005: 106). ويعبر مناضل ممارس من الطراز الأول بصدق عن هذه الاشكالية او الازدواجية المتنافرة في الاحزاب الشيوعية العربية، يقول الشيوعي المصري محمد يوسف الجندي:

    «.. كان لتوجه حدثو العملي والنضالي تأثير عليّ، واصبحت أهمل الى حد كبير العمل الفكري والثقافي الذي يحتاج الى جهد مكتبي كبير، ويبدو ان بعض الاتجاهات التي تعتبر المثقفين بورجوازيين، وتعطي الأفضلية للعمال أو البروليتاريا، وهو الأمر الذي كان شائعاً في توجهات بعض الحركات الشيوعية في العالم وفي بعض ممارسات البلاد الاشتراكية، كان له تأثير ايضاً على تكويني. ولولا ذلك لكان في إمكاني أن استفيد من فترة الاختفاء في الاطلاع والبحث والكتابة، ولكان في ذلك اشباع معنوي لي، ولكن ذلك لم يتم الا بشكل ضئيل. 2000: 6-87.

    كانت الأحزاب الشيوعية تفضل، في الغالب، النشاط العملي على النشاط الفكري غير المحمود والذي قد يرسِّخ السلوك البرجوازي. يحكي قلعجي أن خالد بكداش أكد تكليف أن أحد الأطباء الشيوعيين المعروفين في القدس، من قبل الحزب هناك، بتوزيع المنشورات ولصقها على الجدران، فسأله قلعجي «أليس هناك شيوعيون عاديون يمكن أن يقوموا بهذا العمل بدلاً من اسناده إلى طبيب معروف يمكن الإفادة منه في مجال أكثر أهمية؟ فكان رده «هناك كثيرون ولكن القصد من اسناد هذا العمل إليه هو اذلاله وسحق الرواسب البورجوازية في نفسه وهو يقوم بمهمته بصدر رحب» ص297. ولكن في واقع الحال حدث العكس تماماً، إذ لم يتحول البورجوازي الصغير إلى بروليتاري في سلوكه، فهو لم يستطع أن يخون طبقته بل حاول الكادحون تقليد البورجوازية.

    ويورد عبدالخالق محجوب تحليلاً دقيقاً لهذه الظاهرة بين المزارعين، فقد كان من المتوقع تحويلهم إلى شيوعيين جيدين وقادة، ولكن ما حدث فقد صار الكادر مسخاً لا ينتمي لا للقرية ولا للمدينة. والنتيجة، فهو «يأخذ من المدينة قشور العادات ويصبح فيلسوفاً يحب الأفندية». وقد حدث هذا بالفعل عام 1958 في مشروع الجزيرة حيث انعزل بعض الشيوعيين المزارعين وأصبحوا يحاكون كادر المدينة ويحبون الأفندية. «اصلاح الخطأ.. ص59».

    نواصل
                  

01-12-2009, 06:01 PM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    الصحوة الماركسية.. «الحلقة الثانية»


    مـــاركس لـم يـــزر الســـودان أبــــداً..
    ظل التأرجح بين تفضيل العملي وإدانة التنظير ظاهرة مستمرة. وكان على الحزب الشيوعي ابتكار طريقة جديدة خاصة به للتعامل مع الشعار المعروف «لا حركة ثورية بلا نظرية ثورية» وأن يخلق بدقة العلاقة بين الحركة والنظرية دون تناقض، وإن كانت الحركة قد غلبت النظرية في حالة الحزب الشيوعي السوداني. وقد حدث صراع حول مفهوم «التطبيق الحي للماركسية اللينينية على ظروف بلادنا» او ما أسمته وثيقة «الماركسية وقضايا الثورة السودانية التطبيق الخلاق والمستقل للماركسية» ص183 فقد اتهم البعض بمحاولتهم عزل الماركسية عن الواقع، ولكن المشكلة كانت في ابعاد البعض للماركسية او بالأصح بروز فجوة بين النظرية والتطبيق. وكانت هذه الوضعية نتيجة ميل الحزب الشيوعي السوداني نحو ما يسمى في التجربة الروسية الشيوعية الأولى «الماركسية الشعبية» والتأكيد عليها كأيديولوجية تجميعية «تمثل أداة تمييز ايديولوجي للحزب. فهناك حاجة نفسية الى وضع حدٍّ فاصل بين الحزب الشيوعي والاحزاب الاخرى يقوم على الاثبات للذاتية الطبقية. ورغم ان الوحدة بين النظرية والتطبيق، هي إحدى دعائم الماركسية الأصلية»، فقد ضحت بها قيادة الحزب في سبيل التوفيق وإقامة الانسجام بين الايديولوجية والعقلية التي كانت سائدة بين جماهير الحزب مايتاس 1975: (60-68).
    كان عبدالخالق محجوب شديد الاهتمام بما يسمى «المستوى الفكري للأعضاء» أي ضعف معارفهم الماركسية، وذلك لأن هذه القضية هي السبيل الوحيد لتحويل الحزب الى قوة جماهيرية مؤثرة. وحين ناقش هذه المسألة في المؤتمر الرابع بوصفها قضية التعليم الحزبي، توصل الى ما دعاه المعالم الرئيسية التالية:
    أولاً: لقد قدمت الماركسية في الفترة الأولى لبناء حلقات الحزب الشيوعي وتنظيماته الأساسية كعموميات بواسطة الكادر المثقّف الشيوعي في احتكاكه المباشر بطلائع الجماهير الثورية. وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة للتعليم الماركسي في الحزب الشيوعي السوداني. ومن هذه الحلقات بدأ تعليم الماركسية للأعضاء الوافدين بتبسيط العموميات اعتماداً على الكتب الماركسية المترجمة.. الماركسية.. ص184.
    كان من المفترض أن تكون هذه الوسيلة في المرحلة المبكّرة، مؤقتة وكفعل طارئ ولا يستمر لمدة طويلة. ولكن مع توسع الحزب وتزايد علاقاته بالنضال الجماهيري، كما تقول الوثيقة، وتصديه لحل قضايا ملموسة، كان لا بد أن تبدأ المطالبة من قبل الأعضاء بتقديم أمثلة من الواقع توضح العموميات الماركسية التي تدرس. فالعموميات الماركسية لم تعد تكفي وحدها لتعلم الماركسية بالإضافة إلى تطوّرات وتعقيدات جديدة تتطلّب تعميقاً في فهم الماركسية لتقديم حلول صحيحة لها.
    انفتح الشيوعيون في مرحلة صعود الحركة الوطنية ثم بعد الاستقلال أكثر على العالم الخارجي مما أتاح دخول الأدبيات الشيوعية وانتشرت الكتب والمجلات. ومكّن كثير منهم من الحصول عليه والتعرف على ما فيها. وكانت النتيجة حسب الوثيقة «لهذا بدأ الاقبال على التعليم الحزبي بالطريقة القديمة يتراجع، وكان على حزبنا ان يرفع من مستوى هذا التعليم إلى مستوى تقديم الماركسية مطبّقة على ظروف بلادنا. وقد أدى ضعف هذا العمل إلى الأزمة المستمّرة في ميدان التعليم الحزبي والذي أصبح يتميّز بالتقطع ثم الذبول أخيراً.. ص 184.
    تحكّمت عموميات الماركسية في التكوين الفكري للحزب الشيوعي ولم يستطع التغلّب على نقائص النشأة الأولى، فقد كانت بعض طلائع المثقفين في الأربعينيات ذات صلة ثقافية بالخارج من خلال الحصول على سلسلة left Book club Series أما الكتب الماركسية التي تعرف عليها الشيوعيون ودرسوها ثم علموها لآخرين، فقد كانت المؤلفات الرئيسية التالية: 1) تطور المجتمع. 2) اقتصاد محرك التاريخ. 3) المادية الجدلية. 4) المادلية التاريخية. وهما من تأليف ستالين. 5) محاضرة عن الدولة والثورة. 6) فائض القيمة. 7) رأس المال المأجور. افادة لعباس علي في الشيوعي 152.. ويقول الجزولي سعيد رأينا الكتاب الماركسي عند هاشم السعيد، كانت كتباً صغيرة مطبوعة في دمشق، منها: (أسس اللينينية والمسألة الوطنية لستالين) (الشيوعي 150)، وكان اتجاه التقليل من النظرية سائداً يحكي احمد سليمان عن بدايات انضمامه، وأنه لم يكن يميل إلى الكتب النظرية والفلسفية. يقول عن احد الاجتماعات: «وكان العزيز سعد قد تربى سياسياً في منظمة اسكرا قبل توحيدها، مع «ح.م.» وكان كأغلبية مثقفيها تستهويه النظريات (....) ويستلهم الحلول السياسية للمعضلات والمشاكل حتى اليومية منها من تجربة الرفاق الروس والصينيين. ولكن مشكلة إرساء العمل الثوري بمدني او الجزيرة. لم تكن بالنسبة لي مسألة نظرية بقدر ما كانت عملية وواقعية. فالسؤال يدور حول كيفية الوصول الى المزارعين وعن كيفية ضمان استمرار العمل الثوري.. ص80
    يلاحظ المتابع لموقف الحزب الشيوعي من الفكر والتثقيف، ان الشكوى لم تنقطع والنقد تواصل وأشارت كل وثائق ودورات واجتماعات لجان الحزب الشيوعي الى الضعف الفكري في القيادة او الكوادر والقاعدة الجماهيرية. فمنذ انقسام عام 1952 ظهر الابتعاد عن الفكر والتنظير رغم ان الخلاف في بعض جوانبه كان حول السائد أي التطبيق الحي أو الخلاف للماركسية على الواقع. ولكن تطور الحزب أنتج وضعاً بعيداً عن الأهداف المرغوبة لفهم الماركسية، يكتب تاج عثمان «والصراع ضد الاتجاه الانقسامي غلَّب الجانب العملي ودفع الاتجاه النظري إلى الوراء وأحجم عدد كبير من الزملاء المهتمين بالثقافة والتربية الفكرية من مناقشة النظرية ورفع دورها في الحزب خوفاً من الوصف أو الدمغ بتهويل دور النظرية، فالوضع كان يتطلّب توازناً بين النشاط العملي والنظري، فالمستوى النضالي المتقدّم للحزب لم يواكبه مستوى فكري متقدّم يوجه هذا النضال: «سمنار العمل الثقافي، ص2
    كان الحزب الشيوعي يحاول تحصين أعضائه وكوادره من الأفكار الأخرى من خلال الإدانة المسبقة والتحذير منها وليس بتكثيف وتعميق الصراع الفكري. وهذا يعني تسليح الشيوعي بنظرية ماركسية متماسكة ومتسقة منطقياً وناجعة عملية. ولكن الحزب اكتفى بأن الشيوعيين لا بد لهم من الابتعاد عن هذه الأفكار ومناقشتها ودحضها. وهناك العديد من الأفكار والتيارات أعلن الحزب الشيوعي الحرب عليها تمتد من أفكار ماو حتى وجودية سارتر. ففي دورة اللجنة المركزية في يناير 1963 أطلق الحزب حرباً على الاتجاه الصيني، ويقرر محجوب «استطعنا حماية حزبنا منه. وكانت الحماية تثقف على نقطتين: أولاً: وحدة الحزب وهي التي جاءت عبر سنوات من فكرة الانقسام، ثانياً: خلال النشاط العملي الذي برهن على سلامة الخط السياسي لحزبنا: قضايا.. ص29. ومن الواضح أن الانتصار عملي دون أي اشتباك فكري قد يهز قناعات الشيوعيين السودانيين. إذ نلاحظ أن الحماية تقف على نقطتين مرتبطتين بالنواحي التنظيمية فقط وهما الوحدة والنشاط العملي ولا يأتي أي ذكر للقضايا النظرية والفكرية. ويتكرر نفس الموقف بالنسبة «لتعرض البلاد لتيارات الفلسفة الوجودية وتيارات مختلفة من الفكر الاوروبي الممزق» ص30. وبقي الحزب الشيوعي السوداني بعيداً عن المعارك الفكرية الكبرى وقنع «بتكريب» التنظيم وبالتالي ظلت المكتبة السودانية شبه خالية من المساهمات الشيوعية السودانية المميزة، خاصة حين نقارنه بالحزب الشيوعي اللبناني، والذي أنتج مفكرين من أمثال رئيف خوري وعمر فاخوري وجورج حنا ومهدي عامل وكريم مروة. وظلت مجلته «الطريق» تصدر بمستوى رفيع لأكثر من ستين عاماً. واكتفى الحزب الشيوعي السوداني بالمديح العالي الذي أعطاه صفة أكبر حزب شيوعي في العالمين العربي والافريقي.
    تنتهي كل اجتماعات الحزب الشيوعي بالإشارة والتنويه بأن الحزب يعاني من ضعف نظري واضح في القيادة والقاعدة. ففي ثورة اكتوبر 1964 ورغم الزخم الجماهيري الذي حرّكه الحزب الشيوعي بفضل نفوذه المعنوي، ولكنه أقل كثيراً على المستوى النظري والفكري. ورغم اشتراك الحزب الكبير بأعضاء ومتعاطفين داخل حكومة اكتوبر، فقد واجه أزمة حادة إذ لم يستطع أن يقدّم مشاريع قوانين ودراسات حول جهاز الدولة والاقتصاد، كما لم يكن لديه جهاز متخصص في شؤون مشكلة الجنوب. والأهم من ذلك، كما تقول وقائع دورة اللجنة المركزية 24/9/1965. ضعف الكادر المتفرّغ القيادي النظري وتركيزه على العمل السياسي وعدم تخصصه في فرع من فروع المعرفة الماركسية (للمزيد راجع الشيوعي 159).
    نشرت في هذه الفترة وثيقة مهمة وهي «الماركسية وقضايا الثورة السودانية» وهي تمثل نص التقرير العام المجاز في المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي السوداني في اكتوبر 1967، وكان لا بد أن تتعرّض للوضع الثقافي والنظري في الحزب والذي اعتبرته متخلّفاً رغم أهمية تطويره.
    أرجعت ذلك إلى أسباب عدة، من أهمها حسب الوثيقة ص185 ما يلي:
    1- الأشكال التنظيمية التي قامت في الحزب والمبنية على فرع العمل وفرع السكن. هذا الشكل ليس خاطئاً ولكنه طبق بطريقة حالت دون توفير الكادر اللازم للتعليم الحزبي بين مؤسسات الطبقة العاملة، وهذا الكادر هو بالطبع كادر المثقفين الشيوعيين. وكان الالتحام بيد كادر المثقفين والكادر الشعبي في المراحل الأولى لبناء الحزب قد أسهم في تقديم الماركسية ولكن الوضع اختلف لعدم تطبيق هذا الشكل التنظيمي بجد وبصورة أفضل.
    2- عدم وجود جهاز فعّال للتعليم الحزبي والتثقيف. فقد ظل العمل يجري طيلة الفترة السابقة في إطار مكتب الدعاية وبين كادر خبير متخصص يقوده رفيق مسؤول. وقد أدى غياب هذا الجهاز الى انحباس منجزات الحزب الشيوعي، من حقل تطبيق الماركسية في اطار سطحي لا يتمشى مع ما يقابل الحزب من مهام، وما يتحمله الكادر والاعضاء من مسؤوليات بين الحركة الجماهيرية.
    يبدي كاتب الوثيقة ضيقاً وتبرماً واضحين حين يكتب:
    «ولا عذر للبدائية في هذه الظروف. ففي الحزب كادر مثقف. وللحزب امكانات في كادره المتفرغ الذي يجب ان يتحول في مسؤولياته للتصدي لقضية التعليم الحزبي والتثقيف. وبين الكادر المثقف الشيوعي هناك اعداد علينا تحويلها للعمل كمدرسين للماركسية في فروع الحزب» (6-187) وهذا يعني، وفق الوثيقة أن يتحوّل المكتب القائد للدعاية والتثقيف إلى جهاز متصل بكل فروع الحزب الشيوعي بواسطة فرق مدرسي الماركسية الذين عليهم تدريبهم ومداومة تعليمهم وامدادهم بالمناهج والمواد اللازمة للتعليم ص87.
    امتلك الحزب الشيوعي، بالفعل، امكانات كبيرة في مجال النشر والإصدارات ولكنها توقّفت، ليس لأسباب مالية مثلاً، ولكن لأسباب فكرية ونظرية. إذ يعود تكريس النشاط العملي على حساب النشاط الفكري والنظري ليحرم المثقفين الشيوعيين من الوقت والمزاج ورؤية أهمية هذا الجانب. إذ يلهث المثقف الشيوعي خلف مهام إدارية ويقتل الوقت في اجتماعات ماراثونية، كما يقول الشيوعيون أنفسهم: لسلخ جلد النملة. فقد أصدر الشيوعيون الموجودون في مصر منتصف أربعينيات القرن مجلة «ام درمان» لتدعو شعار الكفاح المشترك مقابل شعار وحدة وادي النيل تحت التاج المصري. وقد أصدرت المجموعة الأخيرة مجلة اسمها «السودان». وصدر الامتياز باسم محمد أمين حسين ورئيس التحرير عبده دهب، والذي يقول إنها كانت توزع عام 1946 ثلاثة آلاف نسخة، وارتفع التوزيع بعد ملاحقة صدقي باشا لها إلى ثمانية آلاف نسخة «رفعت السعيد، ص749». وفي داخل السودان كانت «اللواء الاحمر» هي احد اقدم اشكال الصلة مع الجماهير بالاضافة لاصدار المنشورات وكتابة الشعارات على الجدران والاجتماعات المصغرة. وسبقتها مجلة الكادر صحيفة اللجنة المركزية عام 1947 وقد تحول اسمها الى الشيوعي عام 1954. وهذا هو العام الذي صدرت خلاله -2 ديسمبر 1954- جريدة الميدان لسان حال الجبهة المعادية للاستعمار. و«الوعي» مجلة الثقافة الماركسية والتعليم الحزب و«المنظم» مجلة المكتب التنظيمي. وكانت «الفجر الجديد» المجلة العلنية التي أصدرها عبدالخالق محجوب بداية 1957 واستمرت حتى يناير 1958 وتوقفت بعد صدور اربعة أعداد، ثم عاودت الصدور عام 1965 وتوقفت بعد صدور أربعة أعداد، في ديسمبر 1965 ويمكن اعتبار «الجهاد» صحيفة علنية للحزب صدرت في نوفمبر 1951 نتيجة اتفاق مع صاحب امتيازها عبدالمنعم حسب الله مقابل استلامه للعائد المادي للجريدة في مدينة ام درمان. ولكن الاتفاق ظل سارياً حتى سبتمبر 1952 حين ضغط المصريون عليه لايقاف حملة الجريدة على النظام المصري لإعدامه خميس والبقري، وأخيراً استرد جريدته من الحزب. وكانت للحزب صلات وثيقة مع صحف علنية مثل «الصراحة» وأسسها عبدالله رجب عام 1949 و«أخبار الاسبوع» ورئيس تحريرها عوض برير. وأصدر الحزب صحيفة «الضياء» ورئيس التحرير الطيب التجاني الطيب. وأصدرت صحيفة لجنوب السودان اسمها Advance التقدم ورأس تحريرها كل من الأساتذة: جوزيف قرنق والتجاني الطيب، وكان الحزب الشيوعي قريبا من دور نشر مثل دار الفكر، ودار شهدي ودار الوسيلة.
    نواصل
                  

01-13-2009, 03:21 AM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)




    تعقيب علي د. حيدر ابراهيم علي

    حول مقاله: الصحوة الماركسية: ماركس لم يزر السودان ابدا

    تاج السر عثمان

    الخرطوم: بري
    [email protected]

    كتب د. حيدر ابراهيم علي في صحيفة (الصحافة) الصادرة بتاريخ: 5/1/2009م مقالا بالعنوان اعلاه،
    وبعد الاطلاع علي المقال، أود أن ابدي عليه الملاحظات الآتية:

    1- غير صحيح ما أورده الكاتب أن مؤتمر الحزب تأخر (لأسباب غير معلومة أو غير مقبولة ومعقولة)،
    فقد أوضح الحزب ذلك في صحيفة الميدان الصادرة بتاريخ: الثلاثاء: 30/12/2008م، وهي أسباب معقولة
    وموضوعية، هذا فضلا عن أن المؤتمر ليس مكان المناقشة والتي جرت بشكل واسع في مؤتمرات قواعد الحزب،
    بل يرسم السياسات والخلاصات والوجهة العامة للحزب ويجيز مشروعي البرنامج والدستور الجديدين،وينتخب
    اللجنة المركزية الجديدة أي هو خلاصة وتتويج لمناقشة فتحها الحزب الشيوعي السوداني منذ اغسطس 1991م
    وتم تلخيصها في خمس كتيبات وتم نشرها، اضافة الي نشر مشاريع التقرير السياسي و البرنامج والدستور
    للرأي العام المحلي والعالمي، وشارك معنا الكثيرون من القوي الوطنية والديمقراطية في المناقشة علي
    صفحات الصحف ومنابر الحزب في ندوة الاربعاء الاسبوعية بالمركز العام، واستمع الحزب لوجهات النظر
    المختلفة من المتخصصين، واستفاد منها كثيرا، وبالتالي أري ان الحزب الشيوعي وسع من دائرة المناقشة،
    فكيف يكون( جزء اصيل من أسباب الأزمة السودانية) وكيف يكون قد (احتكر بامتياز الريادة وقضية التقدم
    والتغيير) كما يقول الكاتب؟!!!، ولماذا نقلل من جهد القوي الأخري في المساهمة، ونحمل الحزب الشيوعي
    اكثر مما يحتمل في احتكار التقدم والحداثة؟!!!، فحركة التقدم والحداثة، كما يعلم د. حيدر، بدأت قبل
    ظهور الحزب الشيوعي ومع فجر الحركة الوطنية في عشرينيات القرن الماضي، واسهم الحزب الشيوعي فيها
    بقدر ماساهم الاخرون، وقد تحدثت عن ذلك بتفصيل في كتاب انجزته بعنوان(تقويم نقدي لتجربة الحزب
    الشيوعي السوداني، دار عزة 2008م). فالحزب الشيوعي ليس وصيا علي حركة التقدم والحداثة ولايحتكرها.

    2- لجأ الكاتب الي أساليب غير موضوعية ولاتساعد في النقاش مثل عبارات(الشيخوخة والتردد والبيروقراطية)
    ( وفي الليلة الظلماء يفتقد القمر) (ولم يعد القمر يضئ لنفسه ويحل مشكلاته الداخلية، ناهيك عن أن
    يمتد للوطن اجمع)، واذا كانت هذه الصورة حقيقية فما الذي يزعج د. حيدر؟ ولماذا يرهق نفسه في كتابة
    هذا المقال؟!! ولماذا يرهق نفسه في الهجوم علي الشيوعية والماركسية بهذه الطريقة غير الموضوعية؟؟!!

    أما الحديث عن الطوطم(الشيوعي) فهو حديث لا معني له، لأن مفهوم الشيوعية يرتبط بمرحلة متقدمة في
    تطور التشكيلات الاقتصادية – الاجتماعية رسم ماركس وانجلز ملامحها العامة ولم يخوضا في تفاصيلها باعتبار
    أن العلم في المستقبل هو الكفيل بالاجابة، وتتلخص هذه الملامح العامة في : ان المرحلة الشيوعية تمثل
    بداية التاريخ الانساني الخالي من كل اشكال الاستغلال الطبقي والعنصري والديني والجنسي والقومي،
    وتتوفر فيها للانسان احتياجاته الاساسية في: التعليم والصحة والضمانات الاجتماعية مثل حق الامومة
    والطفولة والشيخوخة، ويزول فيها قانون القيمة الخاص بحركة السلع في المجتمع الرأسمالي، ويتحقق
    فيها تطور الفرد الحر باعتباره الشرط لتطور المجموع الحر، وتضمحل فيها الدولة كجهاز للقمع وتصبح
    قريبة من الناس وفي خدمتهم...الخ.

    واذا كان الأمر كذلك فما علاقة ذلك (بالطوطم)( والصنمية)؟؟؟!!!!

    3- أما الحديث عن الصحوة الماركسية فهو حديث مردود، فالماركسية اصلا لم تمت حتي تتم صحوة لها، رغم
    مااصابها من داء الجمود في الفترة الستالينية، وكما قال الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا بعد انهيار
    التجربة الاشتراكية ان (الذي مات ليس الماركسية، بل التصور الستاليني الجامد لها ، اما ماركس
    الفيلسوف المفكر العميق فهو حي بيننا)، وكما كان يقول الفيلسوف الفرنسي سارتر( الماركسية لن تموت
    أو تزول لأن الظروف التي اوجدتها ما زالت قائمة، فالماركسية قامت علي نقد المجتمع الرأسمالي،
    وطالما ظل المجتمع الرأسمالي قائما بكل بشاعته وركائزه، فان مشروعية النقد تكون قائمة، وبالتالي
    فان الماركسية ستظل جذوتها متقدة)، ويعلم د. حيدر التطور الهائل الذي حدث في الفكر الماركسي مثل
    مساهمات: لينين وغرامشي ولوكاتش، وبول باران وسمير امين، والتحام الماركسية بالنضال العملي من
    أجل توفير احتياجات الناس الاساسية فيما يسمي بلاهوت التحرير في امريكا اللاتينية، ونقد استغلال
    الدين لخدمة مصالح طبقية ودنيوية، فهدف الماركسية اساسا قام علي دراسة الواقع من اجل فهمه
    وتغييره وليس تفسيره فقط، ولم يكن هدفها المحاربة الفوضوية للاديان، وقد انتقد انجلز في مؤلفه
    (انتي دوهرينغ) تصور الاستاذ الجامعي الاشتراكي (دوهرينغ) الفوضوي في النظرة الي الدين، وأشار
    انجلز الي ضرورة أن تطرح الدولة الاشتراكية حرية العقيدة والضمير، اما ماركس في كتاباته الأخيرة
    فقد كان يركز علي أن هدف الاشتراكية العلمية أو الشيوعية ليس محاربة الاديان، بل الهدف تحرير
    الانسان، وليس هدف الاشتراكية احلال الالحاد محل الدين، أو احلال دين محل دين، هذا فضلا ان الحزب
    الشيوعي السوداني ليس منتديا فلسفيا، بل حزب يضم كل يقبل برنامجه ودستوره الذي ينص علي احترام
    معتقدات الناس، أي ان الالحاد ليس شرطا من شروط العضوية للحزب،وهذه أشياء يعلمها د. حيدر جيدا
    كمثقف ومع ذلك لجأ في محاربته للماركسية والشيوعيين لاستخدام سلاح الدين عندما أشار في مقاله
    ( أن مايقلق هو القول بأن الماركسية لاتتعارض مع الدين) كما جاء في كتابات تاج السر عثمان،
    ود. صدقي كبلو، وسليمان حامد والاستاذ كمال الجزولي، وبالتالي، فان د. حيدر انحدر في عدائه
    للحزب الشيوعي الي استخدام سلاح صدئ تجاوزه الزمن وتخلي عنه حتي الاعداء التقليديين، بعد تجربة
    قوانين سبتمبر 1983 ونظام الانقاذ، وهو استغلال الدين في محاربة الحزب الشيوعي السوداني.

    4- مقال حيدر انتقائي في معالجته لنقد الحزب الشيوعي لسلبياته رغم فضيلة النقد الذاتي بهدف
    اصلاح الخطأ في نشاطه، وكان هذا ديدن الحزب الشيوعي منذ تأسيسه، اي استخدام المنهج العلمي
    النقدي والذي لايعرف الرضي عن النفس من اجل الاقتراب من الواقع ودراسته بهدف استيعابه وتغييره،
    حتي تم ترسيخ هذا المنهج في وثيقة المؤتمر الرابع(الماركسية وقضايا الثورة السودانية). ومنهج
    وثيقة المؤتمر الرابع لاعلاقة له بما أشار اليه د. حيدر بأن الحزب الشيوعي (حاول سودنة الماركسية
    والباسها عراقي وسروال ومركوب، والاهم من ذلك في يدها ابريق وسبحة، اذ حاول أن تكون متدينة
    ومؤمنة) وهو حديث غريب لاعلاقة له بالماركسية ، كما يقول الكاتب( فقد أقام الحزب الشيوعي السوداني
    تماهيا بين الشيوعية والماركسية، فصارت التحليلات الاقتصادية تسمي تفسيرا ماركسيا رغم انها غير
    مغطية نظريا وفكريا بأي أسس من الفلسفة أو النظرية الماركسية عدا مراحل التاريخ الخمس للتطور
    المجتمعي البشري، يضاف الي ذلك التنظيم اللينيني الستاليني)، وهذا القول لامعني له اذ ما معني
    ( التماهي بين الشيوعية والماركسية؟؟)، وماهو فهم د. حيدر للماركسية؟؟، فاي انسان مبتدي في
    دراسة الماركسية يعلم: أن جوهرها دراسة الواقع ونقد الاوضاع الاقتصادية الرأسمالية الجائرة التي
    تكرس الاستغلال والتوزيع غير العادل للثروة وكل اشكال الاضطهاد الطبقي والاثني والقومي والجنسي. اما
    ماأشار اليه د. حيدر حول اللوحة الخماسية لتطور المجتمعات البشرية فهذا فهم خاطئ لا علاقة له
    بماركس الذي كان يركز علي خصوصية ودراسة كل مجتمع بطريقة مستقلة وعدم تعميم اللوحة الخماسية
    الخاصة بالتاريخ الاوربي لكل المجتمعات البشرية، حتي أن ماركس أشار في مؤلفه(مقدمة في نقد
    الاقتصاد السياسي) الي نمط سادس يختلف عن اللوحة الخماسية اطلق عليه نمط الانتاج الآسيوي مثال
    (الهند، الصين، مصر.)، وقد تحدثت عن ذلك بتفصيل في دراسة انجزتها عن(الستالينية وتجربة الحزب
    الشيوعي السوداني)، ويمكن أن يرجع لها د. حيدر في موقع الميدان علي الانترنت أو موقع تاج السر
    عثمان في الحوار المتمدن). اضافة لدراسات انجزها تاج السر عثمان عن خصوصية وسمات تكوينات ماقبل
    الرأسمالية في السودان والتي صدرت في مؤلفات مثل: تاريخ النوبة الاجتماعي 2003، لمحات من تاريخ
    سلطنة الفونج الاجتماعي 2004م، تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي 2005م، التاريخ الاجتماعي لفترة
    الحكم التركي 2006م، اضافة لدراسات اخري انجزها ماركسيون سودانيون، فجوهر الماركسية دراسة
    المجتمع السوداني بذهن مفتوح من اجل استيعاب واقعه وخصائصه وتغييره.

    وخلاصة ما اورده د. حيدر بأنه هجوم غير مؤسس منهجيا وعلميا علي الحزب الشيوعي، واذا كان
    هناك من فائدة لما يسمي(بالصحوة الماركسية) فقد كشفت مدي التصور الخاطئ لد. حيدر للماركسية
    ولتجربة الحزب الشيوعي السوداني ،كما كشفت مدي نظرته السلبية المسبقة للحزب الشيوعي، وانطبق
    عليه قول الشاعر المتنبئ :

    ومن يك ذا فم مر مريض

    يجد مرا به الماء الزلالا.

    هذا فضلا أن الحزب الشيوعي السوداني منذ تأسيسه عام 1946م، عاش اكثر من 50 عاما في ظروف عمل
    سري لم تكن مساعدة علي تطوره النظري والفكري، وتوسيع نفوذه السياسي والجماهيري والديمقراطية
    داخله، ذلك ان الديمقراطية لاتزدهر في جو تصادر فيه الحريات الديمقراطية.

    مع تحياتي وتقديري للصديق د. حيدر ابراهيم علي، وخلاف الرأي لايفسد للود قضية
                  

02-03-2009, 03:56 AM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    (الصحوة الماركسية) الحلقه الثالثه
    ماركس لم يزر السودان أبداً!!
    لزوم
    ? ليس من أغراض هذه المقالات الهجوم أو التعدي على أي جهة ولكنها محاولة للمساهمة في محاولات تجديد الفكر الاشتراكي، وموجهة للأجيال التي تحتاج لقدر من معرفة التاريخ لممارسة النقد.
    ? الكاتب غير مؤهَّل لاستخدام «سلاح الدين الصدئ» ضد أي جهة لأن هذا السلاح يستخدم ضده أيضاً.
    بقي سؤال التثقيف يشغل الحزب الشيوعي باستمرار خاصة خلال هذه الفترة بسبب التحولات الداخلية (انقلاب الانقاذ الإسلامي) والخارجية (انهيار المعسكر الاشتراكي). فهذه معطيات مهمة تستحق التحليل والدرس والتنظير لاتخاذ مواقف جديدة على ضوئها تحدد مستقبل الحزب الشيوعي وتكيّفه مع عصر المعلومات وثورة المعرفة. يحدثنا تاج السر عثمان عن المحاولات التي جرت في الفترة 1996-2005، ففي التاريخ المذكور 1996 تم إعادة تكوين مكتب التعليم الحزبي بعد تقلّص عضوية المكتب السابق بسبب انقسام الحاج وراق وهشام عمر النور ووفاة عبدالمنعم سليمان وهجرة محمد سعيد القدال ومحمد سليمان وعلي سعيد. وتحوّل الاسم إلى مركز التثقيف المركزي ووضعت له أهداف جديدة (توسيع مفهوم العمل الثقافي في الحزب الذي يشمل التثقيف الذاتي وتكوين المكتبات والاهتمام بالعمل الثقافي كواجب ثابت في أجندة الفروع، وتكوين مكتب ثقافي في كل منطقة، وضرورة وجود مسؤول ثقافي في كل فرع والاهتمام بالنشاط الثقافي العام في مجالات الفروع، كل هذا وغيره يخرجنا من مفهوم التعليم الحزبي الضيق (ص5)، وقد أعد المكتب مشاريع محاضرات، ويلاحظ أن العمل الثقافي اعتمد على المحاضرات وما زالت المجلات والكتب غائبة تماماً.
    لجأ الحزب الشيوعي السوداني إلى أساليب هي أقرب للفتوى الدينية في محاولاته لايجاد إجابة أو حلٍّ لكل موضوع أو مشكلة، بصورة نهائية وقاطعة. ولم يسأل الحزب النظرية نفسها حين تقع الأخطاء، بل غالباً ما يعتبر الأخطاء ذات طابع تنظيمي أو سلوكي. في حوار شيّق بين سارتر وجماعة المانيفستو الإيطالية التي طرحت عليه السؤال التالي:
    ? فهل تعتقد أن صورة الحزب هذه التي اعتمدتها واعتمدنا نحن كذلك في الخمسينيات يجب أن تتغير لأن الظرف تغيَّر أم يجب تغييرها لأن التحليل النظري الذي بنيت عليه تشوبه عيوب لم تبرز بوضوح إلا اليوم؟
    - سارتر: لا شك أن تحليلنا يومها كانت تشوبه عيوب نظرية.
    (مجلة مواقف عدد 9 مايو/ يونيو 1970، ص79).
    هذا نموذج للنقد الذي يمارسه الماركسيون الأوروبيون كل فترة أخرى ويتجه نحو جذر المشكلة أو الخطأ. ولكن الحزب الشيوعي السوداني، يأبى ألا يبتعد عن الممارسة والعمل على حساب التوقّف عند النظرية. ويأتي كتاب (إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير دليلاً ساطعاً على هذا التوجه داخل الحزب الذي يرى الخطأ في العمل وليس في النظرية أو بعض أجزائها. هناك اهتمام مبالغ فيه بـ(الخط، أو البرنامج) واللائحة والعمل الجماهيري، وكل هذه تجسيدات للنظرية، لأن النظرية هي التي تنتج تنظيمها الفاعل، فالحزب الشيوعي السوداني، يفكّر في الطبقة العاملة ولكن لضعفها يعمل وسط الكادحين والفقراء بينهم عمال في واقع ويظل ثابتاً لدى مفاهيم الطبقة العاملة ودور الطليعة حسب الرؤية اللينينية- الستالينية يتبعها وقع الحاضر، محاولاً عدم الانحراف والتحريف.
    يقدّم كتاب (إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير) وثيقة مهمة تؤكِّد البحث عن نقاء الشيوعية وتكوين الشيوعي «المثالي» الجيد. ولكن السؤال المهم: هل تم اصلاح الخطأ بعد حوالى أكثر من أربعين عاماً على صدور الكتاب في صيف 1963؟ بقيت كثير من السلبيات والنقائص التي نقدها وأدانها الكتاب، حيّة ونشطة، بل تزايدت في حالات عديدة. ويمكن قراءة الوثيقة كتاريخ داخلي للحزب الشيوعي منذ نشأته الأولى، فقد لخصت «تجربة الحزب» حسب نص الوثيقة (ص5) ويصطدم القارئ بكمية السلبيات التي عاشها الحزب ويتساءل كيف تعايش الشيوعي السوداني مع هذه الأخطاء والانحرافات؟ رغم أن الوثيقة توحي بأن إصدار الوثيقة أصبح ضرورة بعد أن اشتد الصراع الفكري داخل الحزب ضد أفكار وممارسات العزلة واليسارية الطفولية) وتصف الوثيقة بالتفصيل السلوكيات الغريبة والأسئلة قائمة: كيف ظهرت هذه العيوب في حزب يوصف نفسه دائماً بأنه (جديد)؟ وكيف استمرت حتى وقت نقدها في الوثيقة وبالتأكيد بعدها؟ تقول الوثيقة «حيث جنحت قيادات بعض المناطق -وخاصة في مديرية النيل الأزرق والمديرية الشمالية- نحو الإثارة والشعارات وتواتر إصدار وتوزيع المنشورات والكتابة على الجدران دون التفات لبناء الحزب، واستقرار قواعد حياته الداخلية، والتعليم الحزبي فسادت حياة الشللية المغلقة على نفسها بين الشيوعيين، وملء الفراغ بالثرثرة عن شؤون الحزب والتحليلات الفطيرة والساذجة عن ضعف النظام العسكري، والتعالي على العمل البسيط اليومي بين الجماهير (...) وأصبحت صلة الحزب بالجماهير وحيدة الجانب ومحصورة في المنشورات أو البيانات أو صحيفة اللواء الأحمر، فإذا لم تصدر منشورات أو بيانات، أحس العضو بالوحشة والفراغ. فلم تكن لفروع الحزب برامج عملها للصلة المتنوّعة والدائمة بالجماهير في مجالاتها، ولم تكن تراقب نشاط الأعضاء بين الجماهير». (ص5-6).
    انشغل الحزب الشيوعي السوداني بعملية إصلاح الخطأ في فترة بدأ نظام عبود فيها يضعف وكان لا بد للحزب الشيوعي من تهيئة نفسه للمرحلة القادمة. لذلك تقدّم شعار المؤتمر الثالث: (اجعلوا من الحزب الشيوعي السوداني قوة اجتماعية كبرى). وهذا يعني هذا تجاوز برنامج (في سبيل السودان) والذي أقره المؤتمر الثالث مطلع عام 1956، حيث تقول وثيقة (اصلاح الخطأ): «بالطبع لا يمكن أن يكون ذلك البرنامج خالداً وخلاصة ثابتة لمعرفتنا بوطننا، فالعمل اليومي والتجارب التي نواجهها تزيد معرفتنا ببلادنا وتغني خبرتنا وينعكس ذلك في ما نكتب ثم في تعديلات أو تغييرات البرنامج ذاته. وبالفعل نجد اليوم كثيراً من المعارف التي توصلنا إليها منذ عام 1956 حتى الآن لا مكان لها في ذلك البرنامج، كما نجد نقاطاً أخرى ظهرت فيه واتضحت عدم صحتها ولكن رغم هذا يمكننا القول إن برنامجنا يحوي الحد الأدنى والمعقول من معرفة ظروف وطننا». (ص17-18).
    يحاول الحزب الشيوعي تجديد نفسه من خلال البرامج والتنظيم ولكنه يصطدم مع وحدة الحزب مقابل التجديد، والذي يعنى بطريقة أو أخرى من بعض الثوابت المعتمدة نهائياً. لذلك، في نفس الوقت الذي تطالبه الوثيقة بالتجديد وان البرنامج السابق ليس خالداً ولا مقدّساً، فإنها تكرر الحديث عن النضال «ضد الاتجاهات الغربية من تحريف وجمود». أو «ضد الجمود في النظرية واليمينية في العمل». وتتحدّث الوثيقة عن نقاط المعرفة الأساسية، وهي تتمثل في:
    - السودان قطر مترامي الأطراف تسكنه قوميات مختلفة.
    - يوصف السودان اقتصادياً بأنه متخلّف.
    - بالسودان طبقات اجتماعية حديثة، هناك الجماهير العاملة في المصانع والمكاتب، هناك البرجوازية، هناك أشباه الاقطاعيين من أصحاب المشاريع الزراعية الكبيرة وشيوخ القبائل وهناك المزارعون بأقسامهم المختلفة.
    - استطاعت الثورة السودانية خلال تطورها الجماهيري، انجاز الاستقلال. ولكن لا بد من دعم للاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي.
    - لانجاز هذا التقدم لا بد من الوحدة الشعبية القائمة على التحالف بين الجماهير العاملة والمزارعين في الأساس بوصف أولئك الطليعة الثورية وهؤلاء الأغلبية الساحقة من سكان البلاد.
    - يرى الشيوعيون السودانيون بدراسة الوضع العالمي وظروف بلادهم أنه من الممكن إحراز هذا التقدّم بالنضال الجماهيري وبالطرق السلمية حتى لا تتعرّض البلاد لهزات. (18-19).
    كان هذا التحليل خلف الوصول إلى نتيجة في صراع عام 1947 تقول: «إن بلادنا بها طبقات ثورية وأن بها كتلة من الشيوعيين يمكن لهم بل واجبهم أن يكونوا حزباً شيوعياً مستقلاً»، ولكن هذه الفرضية رغم وقوف الأغلبية معها داخل الحركة، إلا أنها تسببت في خلافات أعمق وأدت إلى الانشقاق والانقسام، وقد تكون هذه الفرضية هي المعيار لكل التهم التي طالت من يحيدون عنها. فقد تشكّك بعضهم في وجود طبقات ثورية، والآخر في ضرورة بناء حزب شيوعي مستقل في السودان. وانطلقت من صندوق باندورا هذا معظم الخلافات.
    توقع الحزب الناشئ الاقتراب من الجماهير وكسبها لصفة لو اكتسب الشيوعي السوداني معرفة بظروف بلاده ودراستها على ضوء النظرية الشيوعية العامة. وتشير الوثيقة إلى أن الحد الأدنى للمعرفة بالوطن موجود في البرنامج «سبيل السودان». ويبقى المطلب الثاني إلى جانب المعرفة بالوطن، وهو تنمية المعارف القائمة على الماركسية. وهنا يبدأ الصراع، فالوثيقة تطالب بالكفاح ضد اتجاهين خطرين في دراسة ظروف الثورة السودانية، هما: الاتجاه التحريفي واتجاه الجمود القصدي. فهناك تطوّر يحدث بعد الانتقال من المراحل الأولى إذ بعد حصول المعرفة الأساسية والتي تساعد في الوصول إلى الجماهير والارتباط يتحدد ما يمكن أن ينجز ومالا يمكن أن ينجز وعلى الشيوعيين أن يقدِّموا للجماهير البرنامج ويقربوا لهم الماركسية اللينينية في خلاصة تجاربهم ومبادئهم العامة، أي الأفكار الشيوعية التي تقنع بها الطلائع للانضمام إلى حزب العاملين. ويؤكّد محجوب في هذه النقطة: (وهذا هو أول تلامس بين حلقة الكادر الحزبي والأقسام المتقدّمة من الجماهير الثورية. ومن هناك كان المسلك في هذا الحيز جزءاً من المسلك إزاء الجماهير الثورية، وتحسينه جزءاً من الحملة لتحسين صلاتنا بالجماهير ودعماً) (ص21) فرض المجتمع السوداني التقليدي المحافظ على الحزب الشيوعي الاهتمام (بالمسلك) خاصة بين القيادات. لأن هذا المجتمع يهمه نموذج السلوك والاخلاق الجيدين بغض النظر عن معرفته وعلمه وانضباطه الحزبي والتزامه الايديولوجي. بالتأكيد الماركسية لا تفصل بين المعرفة والممارسة، بل هي ممارسة عارفة. ولكنها لا تنظر لها من ناحية اخلاقية بحتة، بل بسبب مضمون النظرية نفسه. وفي حالة السودان، يمكن أن يفرض كثيراً من القيم المضادة للتحديث والتقديم لتقوية عملية الضبط الاجتماعي داخله حسب معايير محافظة. وقد يقبل السوداني العادي مسلك شيوعي، ولكن يرفض افكاره بل يستغرب ان يسلك (هذا الشيوعي) مثل هذا السلوك السوداني (الأصيل). ألا توجد أخلاق شيوعية أصيلة أيضاً قد تكون أحياناً أرقى من أخلاق الأمر الواقع؟
                  

02-03-2009, 04:01 AM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    (الصحوة الماركسية) الحلقه الثالثه
    ماركس لم يزر السودان أبداً!!
    لزوم
    ? ليس من أغراض هذه المقالات الهجوم أو التعدي على أي جهة ولكنها محاولة للمساهمة في محاولات تجديد الفكر الاشتراكي، وموجهة للأجيال التي تحتاج لقدر من معرفة التاريخ لممارسة النقد.
    ? الكاتب غير مؤهَّل لاستخدام «سلاح الدين الصدئ» ضد أي جهة لأن هذا السلاح يستخدم ضده أيضاً.
    بقي سؤال التثقيف يشغل الحزب الشيوعي باستمرار خاصة خلال هذه الفترة بسبب التحولات الداخلية (انقلاب الانقاذ الإسلامي) والخارجية (انهيار المعسكر الاشتراكي). فهذه معطيات مهمة تستحق التحليل والدرس والتنظير لاتخاذ مواقف جديدة على ضوئها تحدد مستقبل الحزب الشيوعي وتكيّفه مع عصر المعلومات وثورة المعرفة. يحدثنا تاج السر عثمان عن المحاولات التي جرت في الفترة 1996-2005، ففي التاريخ المذكور 1996 تم إعادة تكوين مكتب التعليم الحزبي بعد تقلّص عضوية المكتب السابق بسبب انقسام الحاج وراق وهشام عمر النور ووفاة عبدالمنعم سليمان وهجرة محمد سعيد القدال ومحمد سليمان وعلي سعيد. وتحوّل الاسم إلى مركز التثقيف المركزي ووضعت له أهداف جديدة (توسيع مفهوم العمل الثقافي في الحزب الذي يشمل التثقيف الذاتي وتكوين المكتبات والاهتمام بالعمل الثقافي كواجب ثابت في أجندة الفروع، وتكوين مكتب ثقافي في كل منطقة، وضرورة وجود مسؤول ثقافي في كل فرع والاهتمام بالنشاط الثقافي العام في مجالات الفروع، كل هذا وغيره يخرجنا من مفهوم التعليم الحزبي الضيق (ص5)، وقد أعد المكتب مشاريع محاضرات، ويلاحظ أن العمل الثقافي اعتمد على المحاضرات وما زالت المجلات والكتب غائبة تماماً.
    لجأ الحزب الشيوعي السوداني إلى أساليب هي أقرب للفتوى الدينية في محاولاته لايجاد إجابة أو حلٍّ لكل موضوع أو مشكلة، بصورة نهائية وقاطعة. ولم يسأل الحزب النظرية نفسها حين تقع الأخطاء، بل غالباً ما يعتبر الأخطاء ذات طابع تنظيمي أو سلوكي. في حوار شيّق بين سارتر وجماعة المانيفستو الإيطالية التي طرحت عليه السؤال التالي:
    ? فهل تعتقد أن صورة الحزب هذه التي اعتمدتها واعتمدنا نحن كذلك في الخمسينيات يجب أن تتغير لأن الظرف تغيَّر أم يجب تغييرها لأن التحليل النظري الذي بنيت عليه تشوبه عيوب لم تبرز بوضوح إلا اليوم؟
    - سارتر: لا شك أن تحليلنا يومها كانت تشوبه عيوب نظرية.
    (مجلة مواقف عدد 9 مايو/ يونيو 1970، ص79).
    هذا نموذج للنقد الذي يمارسه الماركسيون الأوروبيون كل فترة أخرى ويتجه نحو جذر المشكلة أو الخطأ. ولكن الحزب الشيوعي السوداني، يأبى ألا يبتعد عن الممارسة والعمل على حساب التوقّف عند النظرية. ويأتي كتاب (إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير دليلاً ساطعاً على هذا التوجه داخل الحزب الذي يرى الخطأ في العمل وليس في النظرية أو بعض أجزائها. هناك اهتمام مبالغ فيه بـ(الخط، أو البرنامج) واللائحة والعمل الجماهيري، وكل هذه تجسيدات للنظرية، لأن النظرية هي التي تنتج تنظيمها الفاعل، فالحزب الشيوعي السوداني، يفكّر في الطبقة العاملة ولكن لضعفها يعمل وسط الكادحين والفقراء بينهم عمال في واقع ويظل ثابتاً لدى مفاهيم الطبقة العاملة ودور الطليعة حسب الرؤية اللينينية- الستالينية يتبعها وقع الحاضر، محاولاً عدم الانحراف والتحريف.
    يقدّم كتاب (إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير) وثيقة مهمة تؤكِّد البحث عن نقاء الشيوعية وتكوين الشيوعي «المثالي» الجيد. ولكن السؤال المهم: هل تم اصلاح الخطأ بعد حوالى أكثر من أربعين عاماً على صدور الكتاب في صيف 1963؟ بقيت كثير من السلبيات والنقائص التي نقدها وأدانها الكتاب، حيّة ونشطة، بل تزايدت في حالات عديدة. ويمكن قراءة الوثيقة كتاريخ داخلي للحزب الشيوعي منذ نشأته الأولى، فقد لخصت «تجربة الحزب» حسب نص الوثيقة (ص5) ويصطدم القارئ بكمية السلبيات التي عاشها الحزب ويتساءل كيف تعايش الشيوعي السوداني مع هذه الأخطاء والانحرافات؟ رغم أن الوثيقة توحي بأن إصدار الوثيقة أصبح ضرورة بعد أن اشتد الصراع الفكري داخل الحزب ضد أفكار وممارسات العزلة واليسارية الطفولية) وتصف الوثيقة بالتفصيل السلوكيات الغريبة والأسئلة قائمة: كيف ظهرت هذه العيوب في حزب يوصف نفسه دائماً بأنه (جديد)؟ وكيف استمرت حتى وقت نقدها في الوثيقة وبالتأكيد بعدها؟ تقول الوثيقة «حيث جنحت قيادات بعض المناطق -وخاصة في مديرية النيل الأزرق والمديرية الشمالية- نحو الإثارة والشعارات وتواتر إصدار وتوزيع المنشورات والكتابة على الجدران دون التفات لبناء الحزب، واستقرار قواعد حياته الداخلية، والتعليم الحزبي فسادت حياة الشللية المغلقة على نفسها بين الشيوعيين، وملء الفراغ بالثرثرة عن شؤون الحزب والتحليلات الفطيرة والساذجة عن ضعف النظام العسكري، والتعالي على العمل البسيط اليومي بين الجماهير (...) وأصبحت صلة الحزب بالجماهير وحيدة الجانب ومحصورة في المنشورات أو البيانات أو صحيفة اللواء الأحمر، فإذا لم تصدر منشورات أو بيانات، أحس العضو بالوحشة والفراغ. فلم تكن لفروع الحزب برامج عملها للصلة المتنوّعة والدائمة بالجماهير في مجالاتها، ولم تكن تراقب نشاط الأعضاء بين الجماهير». (ص5-6).
    انشغل الحزب الشيوعي السوداني بعملية إصلاح الخطأ في فترة بدأ نظام عبود فيها يضعف وكان لا بد للحزب الشيوعي من تهيئة نفسه للمرحلة القادمة. لذلك تقدّم شعار المؤتمر الثالث: (اجعلوا من الحزب الشيوعي السوداني قوة اجتماعية كبرى). وهذا يعني هذا تجاوز برنامج (في سبيل السودان) والذي أقره المؤتمر الثالث مطلع عام 1956، حيث تقول وثيقة (اصلاح الخطأ): «بالطبع لا يمكن أن يكون ذلك البرنامج خالداً وخلاصة ثابتة لمعرفتنا بوطننا، فالعمل اليومي والتجارب التي نواجهها تزيد معرفتنا ببلادنا وتغني خبرتنا وينعكس ذلك في ما نكتب ثم في تعديلات أو تغييرات البرنامج ذاته. وبالفعل نجد اليوم كثيراً من المعارف التي توصلنا إليها منذ عام 1956 حتى الآن لا مكان لها في ذلك البرنامج، كما نجد نقاطاً أخرى ظهرت فيه واتضحت عدم صحتها ولكن رغم هذا يمكننا القول إن برنامجنا يحوي الحد الأدنى والمعقول من معرفة ظروف وطننا». (ص17-18).
    يحاول الحزب الشيوعي تجديد نفسه من خلال البرامج والتنظيم ولكنه يصطدم مع وحدة الحزب مقابل التجديد، والذي يعنى بطريقة أو أخرى من بعض الثوابت المعتمدة نهائياً. لذلك، في نفس الوقت الذي تطالبه الوثيقة بالتجديد وان البرنامج السابق ليس خالداً ولا مقدّساً، فإنها تكرر الحديث عن النضال «ضد الاتجاهات الغربية من تحريف وجمود». أو «ضد الجمود في النظرية واليمينية في العمل». وتتحدّث الوثيقة عن نقاط المعرفة الأساسية، وهي تتمثل في:
    - السودان قطر مترامي الأطراف تسكنه قوميات مختلفة.
    - يوصف السودان اقتصادياً بأنه متخلّف.
    - بالسودان طبقات اجتماعية حديثة، هناك الجماهير العاملة في المصانع والمكاتب، هناك البرجوازية، هناك أشباه الاقطاعيين من أصحاب المشاريع الزراعية الكبيرة وشيوخ القبائل وهناك المزارعون بأقسامهم المختلفة.
    - استطاعت الثورة السودانية خلال تطورها الجماهيري، انجاز الاستقلال. ولكن لا بد من دعم للاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي.
    - لانجاز هذا التقدم لا بد من الوحدة الشعبية القائمة على التحالف بين الجماهير العاملة والمزارعين في الأساس بوصف أولئك الطليعة الثورية وهؤلاء الأغلبية الساحقة من سكان البلاد.
    - يرى الشيوعيون السودانيون بدراسة الوضع العالمي وظروف بلادهم أنه من الممكن إحراز هذا التقدّم بالنضال الجماهيري وبالطرق السلمية حتى لا تتعرّض البلاد لهزات. (18-19).
    كان هذا التحليل خلف الوصول إلى نتيجة في صراع عام 1947 تقول: «إن بلادنا بها طبقات ثورية وأن بها كتلة من الشيوعيين يمكن لهم بل واجبهم أن يكونوا حزباً شيوعياً مستقلاً»، ولكن هذه الفرضية رغم وقوف الأغلبية معها داخل الحركة، إلا أنها تسببت في خلافات أعمق وأدت إلى الانشقاق والانقسام، وقد تكون هذه الفرضية هي المعيار لكل التهم التي طالت من يحيدون عنها. فقد تشكّك بعضهم في وجود طبقات ثورية، والآخر في ضرورة بناء حزب شيوعي مستقل في السودان. وانطلقت من صندوق باندورا هذا معظم الخلافات.
    توقع الحزب الناشئ الاقتراب من الجماهير وكسبها لصفة لو اكتسب الشيوعي السوداني معرفة بظروف بلاده ودراستها على ضوء النظرية الشيوعية العامة. وتشير الوثيقة إلى أن الحد الأدنى للمعرفة بالوطن موجود في البرنامج «سبيل السودان». ويبقى المطلب الثاني إلى جانب المعرفة بالوطن، وهو تنمية المعارف القائمة على الماركسية. وهنا يبدأ الصراع، فالوثيقة تطالب بالكفاح ضد اتجاهين خطرين في دراسة ظروف الثورة السودانية، هما: الاتجاه التحريفي واتجاه الجمود القصدي. فهناك تطوّر يحدث بعد الانتقال من المراحل الأولى إذ بعد حصول المعرفة الأساسية والتي تساعد في الوصول إلى الجماهير والارتباط يتحدد ما يمكن أن ينجز ومالا يمكن أن ينجز وعلى الشيوعيين أن يقدِّموا للجماهير البرنامج ويقربوا لهم الماركسية اللينينية في خلاصة تجاربهم ومبادئهم العامة، أي الأفكار الشيوعية التي تقنع بها الطلائع للانضمام إلى حزب العاملين. ويؤكّد محجوب في هذه النقطة: (وهذا هو أول تلامس بين حلقة الكادر الحزبي والأقسام المتقدّمة من الجماهير الثورية. ومن هناك كان المسلك في هذا الحيز جزءاً من المسلك إزاء الجماهير الثورية، وتحسينه جزءاً من الحملة لتحسين صلاتنا بالجماهير ودعماً) (ص21) فرض المجتمع السوداني التقليدي المحافظ على الحزب الشيوعي الاهتمام (بالمسلك) خاصة بين القيادات. لأن هذا المجتمع يهمه نموذج السلوك والاخلاق الجيدين بغض النظر عن معرفته وعلمه وانضباطه الحزبي والتزامه الايديولوجي. بالتأكيد الماركسية لا تفصل بين المعرفة والممارسة، بل هي ممارسة عارفة. ولكنها لا تنظر لها من ناحية اخلاقية بحتة، بل بسبب مضمون النظرية نفسه. وفي حالة السودان، يمكن أن يفرض كثيراً من القيم المضادة للتحديث والتقديم لتقوية عملية الضبط الاجتماعي داخله حسب معايير محافظة. وقد يقبل السوداني العادي مسلك شيوعي، ولكن يرفض افكاره بل يستغرب ان يسلك (هذا الشيوعي) مثل هذا السلوك السوداني (الأصيل). ألا توجد أخلاق شيوعية أصيلة أيضاً قد تكون أحياناً أرقى من أخلاق الأمر الواقع؟
                  

01-12-2009, 06:12 PM

الهادي هباني
<aالهادي هباني
تاريخ التسجيل: 06-17-2008
مجموع المشاركات: 2807

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    الأخ الفاضل ناظم

    إسهاما مني لإثراء النقاش
    حول هذا الموضوع قصدنا أن
    نقدم الرأي الآخر في الرابط
    التالي

    http://sudaneseonline.com/thagaf17.html

    و هو رد قيم من تاج السر عثمان
    علي مقال حيدر ابراهيم القيم أيضا
    و المثير للجدل و الحوار
                  

01-12-2009, 06:33 PM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    عزيزي الهادى

    لك التقدير
                  

01-12-2009, 10:11 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    Quote: لجأ الكاتب الي أساليب غير موضوعية ولاتساعد في النقاش مثل عبارات(الشيخوخة والتردد والبيروقراطية)( وفي الليلة الظلماء يفتقد القمر) (ولم يعد القمر يضئ لنفسه ويحل مشكلاته الداخلية، ناهيك عن أن يمتد للوطن اجمع)، واذا كانت هذه الصورة حقيقية فما الذي يزعج د. حيدر؟ ولماذا يرهق نفسه في كتابة هذا المقال؟!! ولماذا يرهق نفسه في الهجوم علي الشيوعية والماركسية بهذه الطريقة غير الموضوعية؟؟!!



    - أما الحديث عن الصحوة الماركسية فهو حديث مردود، فالماركسية اصلا لم تمت حتي تتم صحوة لها، رغم مااصابها من داء الجمود في الفترة الستالينية، وكما قال الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا بعد انهيار التجربة الاشتراكية ان (الذي مات ليس الماركسية، بل التصور الستاليني الجامد لها ، اما ماركس الفيلسوف المفكر العميق فهو حي بيننا)، وكما كان يقول الفيلسوف الفرنسي سارتر( الماركسية لن تموت أو تزول لأن الظروف التي اوجدتها ما زالت قائمة، فالماركسية قامت علي نقد المجتمع الرأسمالي، وطالما ظل المجتمع الرأسمالي قائما بكل بشاعته وركائزه، فان مشروعية النقد تكون قائمة، وبالتالي فان الماركسية ستظل جذوتها متقدة)، ويعلم د. حيدر التطور الهائل الذي حدث في الفكر الماركسي مثل مساهمات: لينين وغرامشي ولوكاتش، وبول باران وسمير امين،


    الحزب الشيوعي السوداني ليس منتديا فلسفيا، بل حزب يضم كل يقبل برنامجه ودستوره الذي ينص علي احترام معتقدات الناس، أي ان الالحاد ليس شرطا من شروط العضوية للحزب،وهذه أشياء يعلمها د. حيدر جيدا كمثقف ومع ذلك لجأ في محاربته للماركسية والشيوعيين لاستخدام سلاح الدين عندما أشار في مقاله( أن مايقلق هو القول بأن الماركسية لاتتعارض مع الدين) كما جاء في كتابات تاج السر عثمان، ود. صدقي كبلو، وسليمان حامد والاستاذ كمال الجزولي، وبالتالي، فان د. حيدر انحدر في عدائه للحزب الشيوعي الي استخدام سلاح صدئ تجاوزه الزمن وتخلي عنه حتي الاعداء التقليديين، بعد تجربة قوانين سبتمبر 1983 ونظام الانقاذ، وهو استغلال الدين في محاربة الحزب الشيوعي السوداني

    وماهو فهم د. حيدر للماركسية؟؟، فاي انسان مبتدي في دراسة الماركسية يعلم: أن جوهرها دراسة الواقع ونقد الاوضاع الاقتصادية الرأسمالية الجائرة التي تكرس الاستغلال والتوزيع غير العادل للثروة وكل اشكال الاضطهاد الطبقي والاثني والقومي والجنسي. اما ماأشار اليه د. حيدر حول اللوحة الخماسية لتطور المجتمعات البشرية فهذا فهم خاطئ لا علاقة له بماركس الذي كان يركز علي خصوصية ودراسة كل مجتمع بطريقة مستقلة وعدم تعميم اللوحة الخماسية الخاصة

    وخلاصة ما اورده د. حيدر بأنه هجوم غير مؤسس منهجيا وعلميا علي الحزب الشيوعي، واذا كان هناك من فائدة لما يسمي(بالصحوة الماركسية) فقد كشفت مدي التصور الخاطئ لد. حيدر للماركسية ولتجربة الحزب الشيوعي السوداني ،كما كشفت مدي نظرته السلبية المسبقة للحزب الشيوعي، وانطبق عليه قول الشاعر المتنبئ :

    ومن يك ذا فم مر مريض

    يجد مرا به الماء الزلالا.
    الاخ ناظم
    تحية خاصة
    رغم المشغوليات الشديدة وعدم توفر الوقت لتصفح البورد وغيره ناهيك عن الكتابة الا اننى اصبت بكآبة عند قراءتى رد تاج السر ، واذا سلمنا بصحة ما كتبه الرجل ، فان د. حيدر ابراهيم :
    ١- يرهق نفسه فى الهجوم على الشيوعية والماركسية بشكل غير موضوعى
    ٢- يورد السر سبب الارهاق لاقترانه بعلة ففم الدكتور (المريض) مر لا يستسيغ الماء الزلال !
    ٣- د. حيدر لا يختلف عن الاخرين حينما يتهم الحزب الشيوعى بالالحاد فهو يستخدم سلاح الدين ضد الحزب الشيوعى !
    انظر لعدم الامانة عند السر رغم ان القاصى والدانى يعلم جوهر نقد حيدر ومن المعروف انه كان قد دافع عن الحزب الشيوعى دفاعا جيدا فى وجه الهجمة الاصولية وحادثة معهد المعلمين الشهيرة فى رائعته (الاسلام السياسى)
    ومع ذلك يأتى السر ليمارس هذا النوع من الابتزاز الرخيص معه !!!!!
    ٤- د. حيدر لا يفهم الماركسية !
    ثم يأتى السر ليستشهد بسارتر وجاك دريدا حول الماركسية وكان فهم هذين المفكرين لا يتعارض مع فهم السر او ما يعرف بالماركسية الكلاسيكية orthodox marxism
    وهذه النقطة الاخيرة هى ما سوف اتوسع فيه برغم المشغوليات وذلك من اجل توضيح حقيقة اساسية هى ان الثيمة التى طرحها د.حيدر ابراهيم وهى تغليب الجانب الحركى والتنظيمى على العمل الفكرى تعتبر من علل الحزب الشيوعى الاساسية فعلا ، فوجود اطروحات فكرية لا تفرّق بين الماركسية الجديدة neo-maxismاو ما بعد الماركسية post-maxismمن ناحية ، وما طرحه ماركس وطبقه الاتحاد السوفييتى (العظيم ) سابقا، من ناحية اخرى ، وايراد دريدا وسارتر كنماذج من قبل من يتصدون للعمل الثقافى المركزى فى الحزب الشيوعى ، لهى اكبر دليل على صحة الثيمة التى يطرحها د. حيدر
                  

01-12-2009, 10:43 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: أما الحديث عن الطوطم(الشيوعي) فهو حديث لا معني له، لأن مفهوم الشيوعية يرتبط بمرحلة متقدمة في تطور التشكيلات الاقتصادية – الاجتماعية رسم ماركس وانجلز ملامحها العامة ولم يخوضا في تفاصيلها باعتبار أن العلم في المستقبل هو الكفيل بالاجابة، وتتلخص هذه الملامح العامة في : ان المرحلة الشيوعية تمثل بداية التاريخ الانساني الخالي من كل اشكال الاستغلال الطبقي والعنصري والديني والجنسي والقومي، وتتوفر فيها للانسان احتياجاته الاساسية في: التعليم والصحة والضمانات الاجتماعية مثل حق الامومة والطفولة والشيخوخة، ويزول فيها قانون القيمة الخاص بحركة السلع في المجتمع الرأسمالي، ويتحقق فيها تطور الفرد الحر باعتباره الشرط لتطور المجموع الحر، وتضمحل فيها الدولة كجهاز للقمع وتصبح قريبة من الناس وفي خدمتهم...الخ.


    طبعا طوطمية ، ترشيح ماركس للطبقة العاملة لرسالة التاريخ واقامة المجتمع الاشتراكى عن طريق دكتاتورية الطبقة العاملة ، وصولا الى المجتمع الشيوعى طوطمية وهى لا تختلف عن دولة الحلاج والصوفية بس الفرق بين الاثنين الاعتراف (بالمعرفة العرفانية) فى حالة الصوفية وهو انسجام مع النفس غض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا بينما تبقى ادعاءات ماركس العلمية هى العلة ، مع ان تنبؤ ماركس لا تسنده اىّ شواهد (تجريبية) ، وهى من الاشياء التى اجمع عليها كل علماء الاجتماع الحديث بما فيهم منظرى الماركسية الجديدة !ولذلك اتجهوا الى التنظير لدولة الرفاهية (welfare state) وهى الموضوع الذى اتناوله كما وعدت فى المداخلة اعلاه
                  

01-12-2009, 11:30 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    فى عجالة سريعة سوف اتعرض بالتفصيل للصدام الذى حدث بين سارتر (الوجودية) existentialismوالاحزاب الشيوعية فى الستينات من القرن الماضى كما سوف اتعرض لجاك دريدا واسهاماته فيما بعد الحداثة، وذلك لتوصيح عدم المام مسؤول العمل الثقافى المركزى لحقائق التاريخ والفلسفة.
    يهمنى الان عرض مبسط لاهم التيارات التى الهمتها الماركسية ومشروعها الانسانى بعد موت ماركس . اضافة الى الشيوعية السوفيتية التى اسسها لينين وتروتسكى وجدت بعد الحرب العالمية الثانية الاتجاهات التالية :
    Austro-marxism
    existential marxism
    French structural Marxism
    humanist Marxism
    critical Marxism

    وابدا باهمها وهى القبل الاخيرة
    اواصل
                  

01-12-2009, 11:56 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    كان واحدا من اهم الاتجاهات الماركسية ما صار يعرف بمدرسة فرانكفورت Frankfurt schoolوالتى تأسست على يد ماكس هوركايمرMax Horkheimerوثيودور ادورنو Theodor Adorno فى عشرينات القرن الماضى ، وقد تاسست هذه المدرسة اساسا على خلفية نقد المشروع الماركسى التقليدى الدوغمائى او العقائدى سواء اكان فى ثوبه الشيوعى او الاشتراكى الديمقراطى . اهم ما يميز مدرسة فرانكفورت انها قامت بتطوير المشروع الماركسى من بعده الاقتصادى والسياسى الى قلب البعد الثقافى والتركيز على دور الثقافة بشكل اساسى . فقدمت دراسات ومعارف مجيدة فى الفن والادب والموسيقى والثقافة الشعبية . هذا بالاضافة الى دورها الخطير فى مزاوجة وتركيب الفكر الماركسى وعلم النفس فقدمت اضاءات فلسفية لا تقدر بثمن حول خلفية المجتمع الصناعى الحديث فجاءت اعمال كل من :
    ادورنو ١٩٦٧م Adorno
    جامين ١٩٦٩م Jamin
    فروم ١٩٤١م Fromm
    هوركهايمر ١٩٧٢م Horheimer
    لوينثال ١٩٦١م Lowenthal
    ثم العظيم ماركيوز ١٩٥٥م Marcuse
    واواصل
                  

01-13-2009, 00:03 AM

Badreldin Ahmed Musa
<aBadreldin Ahmed Musa
تاريخ التسجيل: 07-03-2008
مجموع المشاركات: 1467

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    طلعت الطيب

    سلام

    الخيط الحالي جذاب، سنساعد بالنقاش لاحقا!

    ---------------------------------------------------------------------
    يا اخي انا ما زلت انتظر ان تعرفني باسهامات المرحوم الخاتم عن المرأة!!
                  

01-13-2009, 00:32 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    الاخ ناظم
    اسف لو اغرقنا البوست ، لكن فى اعتقادى ان ما اقوم به قد يبدو للبعض لا علاقة له بالموضوع الاساسى ، لكنى رايت توضيح تغليب الحركى على الفكرى فى الحزب الشيوعى السودانى وشرح فرضية د. حيدر بكثير من المهلة .
    المشروع الماركسى بدأ كمشروع انسانى ارتبط بعصره ومعطيات ذلك العصر ، ولكن سرعان ما تبين ان ذلك المشروع (بكلياته) اصبح معيق وقد افضى للسيطرة بدلا عن التحرر. ولذلك اتعرض لتلك الحركات (الاصلاحية ) التى حاولت لاحتفاظ بنبل المشروع وامكانيات تحقيقه وتحرير الانسان . وهى مثلها مثل الحركات الاصلاحية الدينية حينما يحاول الاصوليون التشبث حرفيا بالمشروع الاصلى .
    دعوة السر مثلا للاحتفاظ بالحلم الشيوعى والتمسك بالتحليل الطبقى الماركسى بشكله القديم لا تختلف فى جوهرها عن نموذج الوهابية او الحركات السلفية بالجهاد فى عالم نووى وتعدد الزوجات الخ...
    الجوهر فى الامر هو ان الاحتفاظ (بنقاء المشروع) يصبح هاجسا للاصوليون ولذلك لا نندهش لبعض المفردات التى يتم اسقاطها فى ادبيات الحزب الشيوعى كما نوه د. حيدر مثل (الردة) وغيرها . كذلك فان استخدامه لعنوان مثل الصحوّة الماركسية على شاكلة (الصحوّة الاسلامية) اختيار موّفق لان النص يعطى البعد النفسى للمعنى المراد اذا كان هو الجمود العقائدى فى حالة الحزب الشيوعى وهو استخدام لماح من الدكتور لان استخدام النص مهم جدا فى التحليل السياسى وهى من المظاهر الفكرية والفلسفية لما بعد الحداثة . وساتعرض الى دور النص فى التحريض بل ومٍسؤوليته فى تصعيد حرب فيتنام على ايام الرئيس الامريكى لندون جونسون على الرغم من انجازاته المعروفة لصالح حركة الحقوق المدنية.
    كان للنص (الخطاب)دور كبير فى توريط ادارة جونسون فى الحرب وساعود لاضاءات ما بعد الحداثة للنص الانجليزى الشهير الذى اعلنته ادارة جونسون وهو sustained reprisal

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-13-2009, 06:00 PM)

                  

01-13-2009, 02:19 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    كان رواد مدرسة فرانكفورت كثيرى الشك والحذر من الجنة الاشتراكية التى تاتى بها دكتاتورية البروليتاريا، ولكن تشاؤمهم العميق هذا قادهم الى تكوين وعى نقدى عالى تجاه العوائق الموجودة فى المجتمعات الرأسمالية الغربية وفى الطبيعة الانسانية الذى يعيق الالمام بجوهر مشروع التحرر. ذلك التشاؤم الشديد لم يدفعهم لتقبل الثقافة الرأسمالية ، ولذلك كتب هيربرت ماركيوز ان انعدام الرؤية تجاه التحوّل الى الاشتراكية يقود بدلا عنها الى :
    ١- رفع الوعى النقدى تجاه الثقافة والمؤسسات الرأسمالية
    ٢-اعادة التأكيد على اهمية مشروع التحرر الانسانى
    فى كتابه (الرجل ذو البعد الواحد) قدم ماركوز رؤية نقدية التطور التكنولوجى وتأثيره السلبى على الفرد وحريته (حريتها ).
    تطورت هذه المدرسة فيما بعد على يد هابرماس الى ما بعد الماركسية ... وهو وضوع اخر .
    لكن ما يهمنا هنا هو ان كل مدارس الماركسية الحديثة او المعاصرة اتجهت الى التنظير المتمحوّر حول السؤال المهم والاساسى وهو:
    لماذا فشلت الثورة الاشتراكية فى الغرب وامريكا الشمالية؟
    وفى محاولاتها للاجابة على التساؤل ، تمخضت لتلد مشروعين نظريين:
    الاول : الاجابة تأتى بسبب تطور ما اسمته بدولة الرفاهية welfare state وتدخلها لتنظيم الاقتصاد الرأسمالى والمجتمع الرأسمالى.
    ثانيا: بروز ونمو الطبقات الوسيطة
    أمنت الاتجاهات الماركسية الحديثة فى الغرب على ان الدولة الرأسمالية تقوم بادارة عمليتين متناقضتين بشكل اساسى وهما انها من جهة تحرص على تنمية رأس المال الخاص وتأمين استمرار تراكمه، ولكنها من جهة اخرى ادركت اهمية المحافظة على الاستقرار الاجتماعى . وهذ يعنى انه على الدولة ان تبتكر طرق ووسائل حتى ( تقوم بدور المحايد ) وهذا يدخلنا فى نظريات (اضفاء الشرعية ) اذا صحّت الترجمةlegitimation
    بناءا على نظريات اضفاء الشرعية هذه فان على الدولة الرأسمالية ان تنهض بأعباء اقتصادية ذات طابع اجتماعى وذلك حتى تأمن الازمات الاجتماعية .ولذلك فان هذه الدولة لا تسييرها المعايير والمصالح الاقتصادية فقط بل لا بد من دفعات لا يؤمنها شىء سوى ولاء جماهيرى ما . ويتم تمدد الدولة لتملأ مساحات كانت تشغلها من قبل مصالح رأس المال الخاصة ، عن طريق لفت الانتباه الجماهيرى واتجاهات الحوار العام مما يدفع بالجماهير واهتمامها الى ولوج ذلك الحيّز وتلك النفوز التى كانت مصالح خاصة ، فتتحول بذلك تلك القضايا الى خيارات عامة خاضعة للجماهير فى كلما يتعلق بالتحكم والتخطيط المستقبلى. وهذا كلها عمليات تتم فقط حينما تتوفر الديمقراطية كما يقول هابرماس.
    وبذلك اصبح هناك اجماع على اهمية ترسيخ الديمقراطية من قبل الاتجاهات الماركسية المعاصرة واتجاهات ما بعد الماركسية على السواء.، قولا وفعلا.
    اما الاجندة الخاصة التى ما زالت تتشكك فى الدور الجوهرى للديمقراطية التعددية فقد اصبحت طابع لصيق بالاصوليات الدينية والمنظمات الماركسية الكلاسيكية وبعض الحركات القومية ضيقة الافق.

    يتم ضبط وتدقيق المعلومات بالرجوع الى :
    READING IN CONTEMPORARY
    SOCIOLOGICAL THEORY:
    FROM MODERNITY
    TO POST MODERNITY
    BY DONALD MCQUARIE
    Prentice Hall,Upper Saddle River, New Jersy 1995

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-13-2009, 05:52 PM)

                  

01-13-2009, 06:07 AM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    طلعت

    كل سنه وانت طيب

    التساؤلات والتحليل المنطقى هو الطريق الامثل لواقع ارحب للبشريه

    واصل يا عزيزي
                  

01-13-2009, 05:01 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    الاخ ناظم
    شكرا على هذه الاستضافة الرحبة . كنت بالامس قد كتبت اخر مداخلتين وانا فى قمة التعب والارهاق بعد يوم عمل طويل ولذلك شعرت باهمية ان اردف مداخلة اخرى لتوضيح فكرتى الاساسية . وعادة لا اكتب حينما اكون بذلك المستوى من التعب لان الكتابة مسؤولية ، ولكن عزائى فى ذلك هو وكما كتب د.حيدر ابراهيم من قبل ما معناه انه لا فائدة فى المثقف ان لم ينفعل وفى كونه يصير باردا مثل (الخرتيت).
    كنت قد تعرضت من قبل وفى مداخلات اخرى الى انعدام ديمقراطية الانتاج الفكرى فى الحزب الشيوعى لان الاجتهادات الفكرية دائما تاتى من الامين العام او ممن (ينوب عنه ) وهى فكرة كان قد طرقها من قبلى واشار اليها المرحوم الخاتم عدلان.
    الملاحظ ان (الانابة ) هذه او الوكالة تتم ليس من اجل رفع المشاركة الجماعية وانارة الطريق لرؤى ومشاركات اكثر ديمقراطية ولكن من اجل تكريس اكثر للظاهرة ، اى ابعاد الاخرين و (احتكار) التنظير ورفض النقد والترفع عنه فليس بالامكان (احسن مما كان) والماء داخل دار الحزب ما يزال (زلالا) ما دام امثال حيدرابراهيم (من المرضى واصحاب الغرض ) بعيدين وغير قادرين على تلويثه!!
    فتخيل عزيزى القارىء بعد كل التدهور الفكرى والثقافى ، وحوجتنا الماسة لاهل التجربة والخبرة بل مشاركة كل الوطنيين فى بناء هذا الوطن المتهالك ناهيك عن قامات مثل د.حيدر ابراهيم على ، ياتى مسؤول العمل الثقافى ليمارس هذا النوع من (التنفييرالمتعمد)والتشكيك فى النوايا !!
    اليس هناك طرق اخرى افضل لتوضيح الخلاف فى الرأى مع الدكتور؟
    اواصل فى توضيح الجزء الاخير من فرضيتى والقائمة على جوهر الخواء الفكرى لمن يتصدى للعمل الثقافى المركزى وانا فى غاية الحسرة لان مثل تلك المهام كان يقوم بها نفر من امثال المرحوم عمر مصطفى المكى (حسب معطيات فترة الخمسينات والستينات ).
    قمت اعلاه بتعريف مبسط بمدارس الماركسية الجديدة وما بعد الماركسية لكى اوضح حقيقة مهمة ، وهى ان هذه المدارس والافكار ليس لها اية علاقة بالعديد من افتراضات ماركس الاخيرة مثل المفهوم الفلسفى القائم على الكلية universal essence,totality, or center as basis for social thoughts والمركزية . ولتوضيح المسألة اكثر قمت بعمل مقارنة بين الحركات الدينية الاصلاحية وبينها . فالاسلام كدين جاء اصلا من اجل احقاق الفضيلة والسمو بالاخلاق وتحقيق العدل الاجتماعى قد تمّ تابيد كثير من وسائل متّبعة فى القرن السابع وما بعدها مما ساهم فى مصادرة مشروعه الاصلى هذا ورأينا فى السودان كيف اصبحت الافكار السلفية قادرة على تبرير سلوكيات اجرامية لو اخذنا فقط كل من ابراهيم شمس الدين او نافع كنماذج . ولا يمكن باية حال من الاحوال مقارنة هذه النماذج بافكار وسلوك الشهيد الاستاذ محمود محمد طه او افكار المعتزلة (اهل التوحيد) لان هذه الافكار الاصلاحية حاولت ان تربط فكرة الخلاص البشرى بقضايا العدل الاجتماعى بذهن مفتح وان تقوم بتحرير المشروع الاساسى الذى جاء به المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم, من اسر الجمود بل ذهبت ابعد لطرق قضايا حساسة فى اطار المحبة الالهية مثل قضايا التوحيد وازالة تناقضاتها الفلسفية ومن اهمهما قضية عدم خلود ابليس فى النار على اعتبار انه من مخلوقات الله التى كانت تطلع بدورها المنوط بها فى الترميز للشر الذى لا يمكن معرفة الخير بدونه وهى استخدامات جيّدة لفكرة الديالتكيك اللاهوتى قبل ظهور هيجل نفسه ، او مسألة خلق القران حيث لايمكن للاشياء مهما كانت قيمتها ان تشارك الله فى الخلود لاعتبارها مخلوقات
    ولذلك لا يمكن الاستشهاد او المقارنة بين ما يمثله الاستاذ محمود و ما يمثله الجلاّد نافع والمساواة بينهما فقط لان كليهما ينتمى الى الدين الاسلامى او يسمى مسلما لا من الناحية الانطولوجية (طبيعة المقارنة) و لا المعرفية (الابستمولوجية) على الاطلاق وهى بالضبط تعادل فى اطار الافكار الوضعية البشرية المقارنة بين مشروع ماركس الاول (الكلى ) وبين المذهب الوجودى الذى يمثله سارتر او المدرسة الاستراتيجية Strategic postmodernismوهى من مدارس ما بعد الحداثة كما عبّر عنها الفيلسوف الفرنسى جاك دريدا لانه خطأ ابستمولوجى قاتل ، وهذا ما سأقوم بتوضيحه انشاء الله

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-13-2009, 09:21 PM)

                  

01-13-2009, 07:09 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    الاخ بدر الدين احمد موسى
    تحية طيبة
    لا اعلم سبب اصرارك على مسالة ايراد رأى المرحوم الاستاذ الخاتم عدلان فى المرأة خاصة واننى كنت قد اتيت من قبل باقتباس من دراسته (آن اون التغيير) لاعطاء القارىء فكرة حول ذلك الامر والاقتباس مرة اخرى هو التالى :

    Quote: ٨- لقد تكون الحزب الشيوعى على خلفية من الرؤى الشاملة ، وعلى ايمان عميق بعملية ثورية واحدة تحدد مصائر البشرية جمعاء ، وعلى المسؤولية الاخلاقية النبيلة تجاه الانسانية كلها وخاصة كادحيها . وغالبا ما ينسى الكثيرون أن الهدف النهائى للماركسية هو الانسان . ليس الطبقة ولا الحزب ولا الدولة . بل الانسان الفرد ، المتحرر من كل هذه المؤسسات المشار اليها ، باعتبارها قيودا خارجية على فعاليته الانسانية الحرة ، التى يجب ان يسمح لها بالتطور تطورا غير محدود . ان هذا الهدف النهائى المتمثل فى التحرر الانسانى الشامل ، سيبقى على الدوام حافزا للمسيرة الانسانية ، ومفجرا للطاقات البشرية ، ودافعا لتخطى الانسان لذاته وواقعه . ولكن وسائل الوصول الى ذلك الهدف النهائى ستختلف على الدوام . بل ان الانسانية ستتوقف فى كل محطة هامة من مسيرتها الصاعدة ، لتعيد النظر فى الوسائل التى اعتمدتها بالامس . وستتبنى وسائل اكثر تقدما اصبح استخدامها ممكنا بفضل المسافة التى قطعت ، والمعارف التى تراكمت . وهذا ما عبرنا عنه بأن كل لحظة من لحظات الانسانية أصبحت لحظة تنظير . ولذلك فان اضفاء اية قيمة مطلقة على الوسائل ليصبح مسألة غير علمية - كما ان الاهداف نفسها ، الانسانية من حيث الجوهر ، سيتم تعميقها وتوسيعها وتوضيحها .
    لقد تمت صياغة المشروع الماركسى بالتركيز على لحظة التعميم النظرى . والعكس ذلك فى الفكر والممارسة معا . وكان ذلك على حساب الخصوصية ، الامر الذى أصاب الممارسة الثورية بأضرار فادحة . وتمّ التركيز على الاهداف النهائية ، على حساب الاهداف الجزئية كوسائل فقط ، مع انها تشتمل على غائيتها الخاصة ، والتى لا يمكن الوصول الى غاية نهائية - ان كان ثمة شىء كهذا - بدونها .
    وقد عومل البشر أنفسهم كوسائل فقط فى كثير من لحظات التاريخ المأساوية ، مع أن كانط كان قد حذر من ذلك قبل ماركس بكثير .
    وقد أستبان الآن مدى التعقيد الذى ينطوى عليه المجتمع الانسانى المعاصر . ومدى التعقيد الذى تنطوى عليه عملية تحريره . مما يجعل التركيز على خصوصية الجماعة البشرية ، الموجودة فى هذا القطر او ذاك ، فى هذه القارة او تلك ، والبالغة مستوى معينا من تطور القوى المنتجة ، ومن قوانين الاجتماع ، وموروثات الثقافة ، أمرا لازما لصياغة اى برنامج سياسى او مشروع للنهضة . كما ان التركيز على الجزئى ، وعلى الاهداف المرحلية يصبح من مقتضيات النظرة العلمية ذاتها . وقد اوضحنا ان كل ذلك لا يتم على حساب المشروع الانسانى العام ، ولا على حساب الاجيال القادمة . بل العكس يضعها على قاعدة ارفع من التطور الانسانى . ويرفع عنها عبء الوصاية التى يصوغ لها مسبقا شروط حياتها ، مع انها اكثر قدرة من هؤلاء الاوصياء . هذه الاعتبارات تملى علينا النزول من سماوات الثورة العالمية ، ومآلات الانسان النهائية ، الى الاحتياجات الماثلة لشعبنا ،ومجتمعنا ، فى هذه اللحظة من التاريخ ، وفى هذه البقعة من الارض .


    ٩- ان الحزب الذى يتوق اليه شعبنا هو حزب القوى الحية فى المجتمع من منتجين بأدمغتهم وأيديهم ، ومن رأسماليين مرتبطين بالانتاج والوطن ، ومن أقليات قومية ودينية وثقافية ، فى قوة اجتماعية كبرى تواجه التخلف بكل أشكاله ، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، وتواجه المجاعة وسوء التغذية ، ونسبة وفيات الاطفال المأساوية ، والسكن العشوائى وانعدام المياه والدواء ، وتخلف التعليم وتدنى الثقافة ، ورداءة المواصلات ، وبؤس وبدائية الكساء ، وتخلف قوانين الاحوال الشخصية ، ودونية المرأة . قوة اجتماعية كبرى تغادر الامس السياسى الى المجرى العميق للسياسة السودانية ، والمجتمع السودانى . قوة تصل السلطة وتبنى نظاما ديمقراطيا معززا ووطيدا . قوة اجتماعية كبرى ، وحزب سياسى حديث وتقدمى . يتحدث لغة الشعب ، ويأخذ من كل انجازات العصر.


    عموما الموضوع يتصل بما نحن بصدده الان وهو ان الماركسية الجديدة التى يحاول الاستاذ تاج السر عثمان مسؤول العمل الثقافى المركزى ان يوّحد بينها وبين الماركسية الكلاسيكية orthodox Marxismعلى شاكلة (كلو عند العرب ماركسية او صابون) وان يبيع تلك الفكرة ويحاول تسويقها فى سوق الكساد الفكرى والثقافى السائد فى السودان بسبب الهجمة الاصولية الدينية وانقلابها العسكرى فى نهاية ثمانينات القرن الماضى ، اود ان اوضح هنا ان هذه الماركسية الجديدة التى تسود العالم لا علاقة لها بالمشروع الاصلى سوى استلهام نقد ماركس للرأسماية بشكل عقلانى واهتمامه بمسألة التحرر الانسانى على اعتبار ان الاخير يمثل حلقة مهمة فى التاريخ الانسانى لا يمكن تجاهلها او القفز فوقها . فى هذا الاطار قامت الماركسية الجديدة بالمزاوجة والتركيب الجيد بين النظريات الاجتماعية ذات المدى الطويل والقصير micro and macro social theories اذا صحّت الترجمة العربية .وهذا ما ساعدها على اعادة بعث او استدعاء مشروع التحرير الاصلى باعادة اختبار واضافة ابعاد سيكولوجية وعوامل تتعلق بالدوافع الانسانية re-examine the pschychological and motivational basis of Marxism theory .
    وقد كان من فوائد التركيب وعادة مزاوجة المشروع الماركسى fruitfull cross- fertilization هو اعادة الاهتمام بتحرر المرأة feminismوهى الحركة الفكرية والاجتماعية والثقافية التى انطلقت مع بداية السبعينات تقريبا على خلفية نقد المشروع الماركسى الكلاسيكى على اعتبار انه انتج خطاب ذكورى مهيمن Marxism paradigm had produced a male - centered discouse that ignored and denigrated the problems, contributions and specific role of women مما ساهم فيما بعد الى مزواجة وتركيب ما عرف بادبيات حركة التحرر النسوية الاشتراكية socialist - feminism literatureهى ليست موضوعنا الان ابعد من الثيمة التى ظللت اطرحها هنا فيما حدث من تطور للمشروع الماركسى لدرجة ان اية محاولة للمقارنة بينه وبين المشروع الماركسى الاول تعتبر محاولة فاشلة وسلعة لا يمكن تسوييقها ابدا لاّ فى حدود ابقاء الحزب الشيوعى على امراضه وعلله الحالية من عداء للديمقراطية فى الممارسة تجسدت فى العداء لكل ما هو انسانى ما دام يأتى من الغرب لان الغرب (شر مطلق ) حتى اشفقنا على الحزب الشيوعى والذى صار مؤخرا لا يختلف عن المؤتمر الوطنى الحاكم كثير من حيث الافكار والتوجهات (راجع مواقف الحزب الشيوعى الاخيرة من دخوله المجلس الوطنى الى العداء للمحكمة الجنائية الدولية!!!!!)
    وهى مهمة ظلّ يروج لها الاستاذ تاج السر عثمان بامتياز
                  

01-13-2009, 10:01 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: ومن يك ذا فم مر مريض

    يجد مرا به الماء الزلالا.

    هذا فضلا أن الحزب الشيوعي السوداني منذ تأسيسه عام 1946م، عاش اكثر من 50 عاما في ظروف عمل
    سري لم تكن مساعدة علي تطوره النظري والفكري، وتوسيع نفوذه السياسي والجماهيري والديمقراطية
    داخله، ذلك ان الديمقراطية لاتزدهر في جو تصادر فيه الحريات الديمقراطية.

    مع تحياتي وتقديري للصديق د. حيدر ابراهيم علي، وخلاف الرأي لايفسد للود قضية


    المفارقة بين ما تحتهما خط بذكرنى بخطاب الاستاذ منعم الجاك حينما ذكر ما معناه ان مسؤول الامن الذى مارس معه التعذيب فى المعتقل يمكن ان يأتى مع أسرته فى زيارة لاسرة منعم فى اطار زيارة عائلية ، هكذا وبكل اريحية على اعتبار انه كان يؤدى فى عمله .. لاحظ ايذاء الاخرين هو من واجبات مسؤول الامن !!!
    عدم الحساسية المتجسد فى الايذاء اللفظى والمعنوى والذى لا يختلف كثيرا عن التعذيب البدنى من حملات الشواء الادمى، ثم الاعتذار هكذا وبكل اريحية ظاهرة محيّرة فى سودان ما بعد حكم الجبهة الاسلامية

    ثم انظر الى العبارات التالية التى تتردد فى المقال :

    Quote: فان د. حيدر انحدر

    وماهو فهم د. حيدر للماركسية؟؟، فاي انسان مبتدي في
    دراسة الماركسية يعلم:


    اليس هناك طريقة افضل فى نقد افكار الرجل ؟
    اليس هو التعالى الذى ليس له اىّ مبرر على رجل يعتبر من رموز مؤسسة علوم المجتمع فى السودان؟
    واتساءل وربما يتساءل القارىء معى من اين نال كاتب المقال ذلك المقام وما هو الاستحقاق الذى دفعه الرجل حتى يمارس هذا التعالى مع مؤسساتنا الاكاديمية الوطنية ورموزها !!!!!!!!!
                  

01-14-2009, 04:51 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    بسبب سيادة مبدأ خضوع الهيئات الدنيا للهيئات العليا الذى يفرضه الشكل التنظيمى المركزى الصارم ، لا يستطيع احد فى الجزب الشيوعى محاسبة الاستاذ مخمد ابراهيم نقد على تصريحاته المتعلقة بالتمسك بعدم خضوع البشير للمحكمة الدولية استنادا على مقررات مؤتمر القمة الافريقى ولا احد يستطيع محاسبة سلم على قرار دخول المجلس الوطنى . لكن يلاحظ ان الموقفين لا يجدان سندا من غالبية عضوية الحزب ولذلك يتم التحايل على موقف نقد الى يشكل حماية للبشير من العدالة الدولية بالتشكيك فى مصادر الخبر نفسه !!! ومن تلك المحاولات اصدار بيان (مضاد) لامتصاص غضب العضوية !
    اعتقد انه ومن الاسباب الرئيسية التى تقف وراء سيادة الحركى التنظيمى على الفكرى داخل الحزب الشيوعى السودانى يعود الى تطبيق المركزية الديمقراطية لانها تحول التنظيم الى خلايا عسكرية وادوات لتنفيذ قرارات القيادة ، ومن الملاحظ ان الظاهرة موجودة فى كل الاحزاب الشيوعية تقريبا .
    مع التامين على ملاحظة د. حيدر ابراهيم فى استثناء الحزب الشيوعى اللبنانى ، واعتقد ان ذلك حدث لاسباب ثقافية خاصة بذلك الحزب وهو يؤكد ما ذهبت اليه ولا يدحضه، حيث من الملاحظ ان ذلك الحزب قام بركل المركزية الديمقراطية كأول خطوة فى جهوده نحو الاصلاح بعد انهيار حائط برلين.
    كذلك اعتقد ان طابع الخطاب التهكمى الذى يمارسه تاج السر عثمان مع د. حيدر يعود الى ظاهرة اليقين الفكرى التى تميز سكولوجية اعضاء التنظيمات العقائدية بشكل عام ممن وصفهم المرحوم الخاتم ب(المعصومون من الاهتزازات) بالرغم من تخصص الاخير فى علوم المجتمع والذى كان يجب ان يوضع فى الاعتبار على الاقل هذا طبعا اذا تجاوزنا الكذب فى حقه وكونه يستخدم سلاح الدين الصدىء فى محاربة الحزب الشيوعى وغيره من مثلها من تراهات!!
                  

01-14-2009, 05:40 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    حينما حدث الانقسام الشهير فى اليسار الذى اعقب تظاهرات عام ١٩٦٨م فى فرنسا بين الحركة الاجتماعية الجديدة بقيادة سارتر واخرين ، وبين الشيوعية الاوروبية ، لم يكن ذلك الخلاف سوى تعبيرا عن الاختلاف الجوهرى بين الاثنين حول مفاهيم اساسية فى الماركسية ولذلك لم تكن مصادفة ان يتبنى الحزب الشيوعى الفرنسى خطابا عدائيا تجاه حركة اليسار الجديد التى يقودها سارتر متهما اياه بأنه على خلاف بيّن مع (الماركسية ) على اعتبار انهم قد فارقوا اهم مفاصل مفاهيمية فى الماركسية وهى :المركزية فى التنظيم ، النظام و سياسة الطبقة . وفى الوقت الذى قامت فيه حركة اليسار الجديد التى يقودها الوجودى سارتر بتأكيد مفاهيمها للمشروع الماركسى واصلاحاتها حوله بالتأكيد على : مفهوم الادارة الذاتية ، التعبئة العفوية للجماهير والتحالفات القائمة على التعددية The French new left stressing self- management, spontaneous mass action, and pluratistic coalitions, considered the French communist party (PCF) to be bureaucratic,authoritarian, and lifeless لاحظ الاحزاب الشيوعية صارت تعتمد المبدأ الاخير فى التحالفات اخيرا بما فى ذلك الحزب الشيوعى السودانى !) .
    وكان ذلك الموقف يمثل رفض حازم لاهم مرتكزات الماركسية الكلاسيكية وهى ما عرف بالحكاية الماركسية الكبرى Grand Narrativeوقد كان واضحا رفض سارتر للعديد من مفاهيم الماركسية التقليدية لمصلحة العوامل الثقافية
    على انى ساوضح فيما بعد موقف مدرسة فرانكفورت المخالف للوجودية و والموقف والذى كان يمثله التوسير وكيف نفسر تحالفه مع الشيوعية الاوروبية ؟
    وهل كان ذلك التحالف يؤكد توافقا ما مع الماركسية الكلاسيكية ام لا؟
    لكن فى كل الاحوال لا ندرى من اين اتى تاج السر بحكاية التصالح بين الماركسية بفهمه الكلاسيكى والوجودية !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

    عفوا تم التعديل الاخير لاضافة واو قبل كلمة التوسير حتى لا يحدث خلط ما

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-14-2009, 05:49 PM)
    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-14-2009, 06:37 PM)
    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-14-2009, 08:00 PM)

                  

01-14-2009, 07:01 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    كان موقف مدرسة فرانكفورت النظرى الذى ظل يميز تلك المدرسة وهو القائم على التمسك بالديالكتيك الهيجيلى الذى تبناه ماركس ( بعد قلبه كما ادعى ) وربما يمتد ذلك الموقف النظرى الى يومنا هذا حينما تجذّر على يد هابرماس فى التركيب الذى احدثه مع التحليل النفسى الفرويدى وهو اتجاه لا يستطيع احد ان ينكره صاحب تطوّر هذه المدرسة العظيمة منذ نشأتها .
    لكن بالرغم من تمسك المدرسة بالحكاية الكبرى فى الماركسية والذى يعود الى تبنى ما عرف فى ادبياتها بديالكتيك التنوير dialectic of enlightenment الاّ انها قامت بالتركيب مع ما يناسب مشروعها التنويرى وهنا اعنى ادخال نظريات ماكس فيبر حول العقلانية والبرواقراطية ونسجهما فى ممارسة نظرية عالية التضاد مع المفاهيم الكلية فى الماركسية holismوبالتحديد ادعاءات ماركس التى تربط عقلانيته الكلية بالتحرر الانسانى ( لانها قادت الى السيطرة بدلا عن التحرير).
    بالمقابل لموقف فيبر المتردد ازاء الحداثة ( حيث اكّد على الطابع المتمدن للعلم فى المؤسسات البرجوازية) ولذلك جاءت النظرية النقدية لتتعامل مع العقلانية كمنطق ثقافى سائد cultural logic of total domination وتم النظر الى القوى المنتجة فى الراسمالية على انها ادوات تقريبا تعمل فى النهاية فى اتجاه تحكّم ثقافى لم يخطر على بال ماركس نفسه فى يوم من الايام.
    لكن فى كل الاحوال فان موقف لويس التوسير المتحالف مع الشيوعية الاوربية على عكس موقف سارتر الذى اشرنا اليه ، لا يعود هو الاخر الى التجانس مع الموقف الفكرى التقليدى فى الماركسية .
    وهو يعود الى بناءات تمت على اعمال كلود ليفى شتراوس الذى كان على خلاف مبكّر مع الوجودية existentialist - subjectivism ويمكن تفسير موقف التوسير المخالف لليسار الجديد بكل انواعه فى انه يعود فى الاساس الى الدعوة التى اطلقتها البنيوية structuralists تلك الدعوة المتعلقة باهمال كتابات ماركس الاولى والتركيز على كتاباته الاخيرة حول اسلوب الانتاج والاشكال الموضوعية المنافية للذاتية :
    subjectless structures
    وهى دعوة تذكرنا الى حد كبير بالناسخ والمنسوخ فى ادب الفكر الجمهورى فى السودان فى اتجاه الاصلاح الدينى .

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-14-2009, 08:04 PM)

                  

01-14-2009, 06:41 PM

Al-Mansour Jaafar

تاريخ التسجيل: 09-06-2008
مجموع المشاركات: 4116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صناعة تجميد الإشتراكية (Re: ناظم ابراهيم)

    صناعة تجميد الإشتراكية


    المنصور جعفر
    الحوار المتمدن - العدد: 1805 - 2007 / 1 / 24
    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=86821



    الثــورة العلميـة وعلم الـثـورة: مفاهيم الأزمات وأزمات المفاهيم:

    تَُخيل "الثـورة العلميــة-التكنولوجية" في الإعلام السائد كعدو للثورة الإجتماعية وكنهاية للصراع الإجتماعي الطبقي وأيضاً كنهاية للتاريخ ولعلومه، وكوصفة جاهزة ضد تطور الإشتراكية من خيال الى علم!! كما يفتعل نوع علومي من العداء ضد الإشتراكية العلمية، رغم ان ما يسمى ثورة علمية هو عبارة عن حلقة من حلقات تطور ومرحلة من مراحل سيرورة إنتظام المعارف وانتاج العلم الممتدة في التاريخ.


    فبدءاً من إكتشاف النار وأدوات الصيد والزراعة والكتابة ووصولاً لتطور أدوات الصناعة والتجارة وتفاعلاتهما في الحواسيب وما إليها، كانت سيرورة تطور العلم كلها عبارة عن ثورات تحقق وتلبي إحتياجات إجتماعية للإنسان من حال الإكتشافات الفردية العفوية والحرفية إلى حال "صناعة المعرفـة وتسليعها" التي نشأت بتأثير حاجات الصناعة والتجارة وسيطرتهما وهيمنتهما على الحياة.


    فإحتياجات الزراعة والإصطناع وتبادل منافعهم ومعاملاتهم مثلت القوة المركزية الدافعة في التاريخ لحركة الكشوف العلمية ولما يسمى حالاً بـ"الـثورة العلـميـة". رغم الإختلافات وإستمرار الصراع بالعالم حول "معنى" أو"حقيقة" أو"صحة" "مفهوم" أو مضمون كلمة ‌العلم وكافة الكلمات الكنهية التي وضعناها بين المزدوجات.


    كما ان الإستخدام السياسـي المبتذل لمفهوم الثورة العلمية لإعاقة علم الثورة الاجتماعية لايتفق والمفاهيم الأولية للعلم سواء تلك المتعلقة بوجوده الخام أو بمعرفته، أو بتقييماته الأخلاقإجتماعية، أو بمفاعيله. ولتحديد مدى التوافق والتعارض الموضوعي في الطبيعة بين وجود الإنسان ووجود معرفته ووعيه وإتساقهما مع صيرورة تقدمه وحتميتها سنفحص بعض الكلمات المرتبطة بهذا الوضع:



    فـكلمة "العلـم"، رغم إختلاف المفاهيم عنها وتطورها، تعبر عن حال نشاط عقلي منظم يتكون فقط بمعرفة الأشياء بواسطة الحواس والذهن بحساب مكوناتها وأبعادها وأسبابها وآثارها وإمكانات تقديرها والتحكم بها وتغييرها تلبية لحاجات الإنسان ونفعه، بصورة تميز المناهج النظرية للمعرفة والاستخلاص وفق أسلوب دراستها وفهمها هذه الأشياء.


    وبنية العلم الأساس هي وحدة لكل من الدراسـات التجريبيـة كالعلوم الطبيعية والإجتماعية، والدراسـات التجريديــة التي تشمل الرياضيات والفلســفة وكذلك الإعتقادات، بالرغم من تصوير الإعلام السائد، للعلم كموضوع مضاد لهندسة الإجتماع وفلسفة التاريخ وقوانينه العامة.


    ونهـج الـعلـم الذي يماثل عقـل الـعلـم يتكون بالتدليل المجرد على أية فكرة سواء بالبرهان المنطقي الذي توصل له أرسطو وأنجزه أقليدس هندسياً أو بالكشوف التجريبية التي بدأها الفلاسفة والعلماء العظام في الحضارات الأقدم و(الإسلام) وبوبها بيكونRoger Beckon، بمنطق.


    والمنطق كعظم للمنهج هو عملية عقلية جامعة بشكل معين لعدد من العمليات العقلية الأولية لمعرفة الموضوع وإبرازه للعقل: كعملية تحديد الموضوع، وعملية إستقراء أبعاده وحركته، وعملية إستنتاج طبيعة عناصره أو علاقاته او حركته، وعملية إستخراج قوانين الموضوع بمافيها من تعميم للمتكرر وتخصيص للإستثناء، إضافة لعملية تدوين هذه العمليات بلغة تثبت الفكرة المعينة عن موضوع البحث بصورة ترتبط بقواعد اللغة في الخبر والإنشاء في الزمان، والقيام بشرح وتفسير ماهو ماضي والتقديم المعلل لماهو مضارع.. وإلى ذلك تقعيد أسئلة الموضوع وإجاباته بشـكل بارع يبقيها قاعدة راسخة للتعامل معها والإنطلاق منها ويبقي موضوعها مجالاً مفتوحاً للدرس.


    وحال الأمر كله بأسسه ونهجيته ونطقه كحال أسس الإشتراكية العلمية في المادية الجدلية والتاريخية اللتين تستشفان لنفسهما البنى والقوانين العامة للطبيعة والمجتمع وتاريخه، وآليات تطور هذه البنى والمظاهر العامة جداً لهذا التطور، بفلسفتها الثورية لتغيير وضع الإنسان فيه من مهمش ومستغل إلى وضع أفضل يع الإنسان فيه حريته وأسبابها.


    وطبيعــة العلــم كحال حسية إحصائية مادية جدلية تاريخية ونسبية تتجسد ببنى ومجالات عديدة العناصر والعلاقات والأشكال، متماشجة ومتناسقة شكلاً، وفكرة، ولغة، ونظرية، وهندسة، وعلاقات رياضية، وتركيبا ماديا، ونتاجاً. لذا، فالبناء المادي للفكرة وتجسيدها التاريخي وتطبيقها في ظروف متشابهة أو مختلفة يساعد على التعامل العلمي مع الموضوع المدروس برصد عناصره وخصائصه وسيرورته.


    ويقوم نسق البناء المادي القائم الآن لإستغلال الإنسان وتهميشه بوضع العلم فعلياً في مواجهة العقل، بربط تدرجي للعلوم بالتسيير الإمتلاكي للحياة المرادف للزيف والموت، وكمنتج أساسي لواقع الإستغلال والتهميش الذي يضع فيه نمو الإحتكارات العلم كضد للتحرر الثوري الإجتماعي لأسس عمل ومعيشة ووجدان وعقل الإنسان.


    والعملية العلمية كوحدة للتعامل مع موضوعات البحث هي عبارة عن منتظمات متناسقة لـ: وصف وتصنيف الظواهر وتوضيح خواصها وصلاتها، وجمع النتائج وتقنينها، ووضع فروض منطقية وتقديرات، وتطبيقها، وكذلك تطويـر وتـنميـة موضوع البحث بل وتنمية العـمليـة العـلميــة ذاتها وكذلك علمها نـفسه وفلسفته ومنطقه.

    ولأن العملية العلمية في مجملها وفي تفاصيلها تتأثر بالبيئة الإجتماعية التي توجد بها، لذا تقل واقعاً درجة الحياد في العلوم الإجتماعيـة وفي الأنساق والتطبيقات الإجتماعية للعلوم الطبيعية، وتتفاوت فيها وبها التقديرات لإمكانات الثورات الإجتماعية السياسية وعلاقاتها بالتغير وبالتغيير الإقتصادي والثقافي للطبيعة في شكلها الإجتماعي.


    ويتماشج تطـور العـلـم وتقدمه مع الظروف الإجتماعية-الإقتصادية لنشوئه بتـلافـيـف عملية الإنتاج حيث يصبح الإنتاج وتقدم أفكاره والإكتشافات المتعلقة به وبنشاطه ومواضيعه وأدواته وعلاقاته هو النواة والعصب المركزي/ الثمبـثـاوي، لوجود العلم وتقدمه. فقد نشأت علوم الطبيعة وتكونت بتراكم المعارف بالزراعة وسقوط أمطارها ورفع المياه ونقلها بأنواع الري، وكذلك بمتطلبات البناء والملاحة والنسيج والتعدين، وبولادة الصناعة والتجارة للحواسيـب.


    وكذلك كان لوجود العلم وتطوره علاقة ماديـة وعقليـة بوجود وتقسيم وفصل العمل الذهني عن العمل العضلي ونتائجــه، وقد نشأت هذه العلاقة بسياق تطور المجتمعات وتقسيم العمل فيها بربط الأعمال العقلية من درس للواقع وتحديد للأهداف والوسائل، بالطبقة المسيطرة إجتماعياً ومشاريعها للسيطرة على الحياة ومألآتها. وبهذا الإرتباط الذي نشأ منذ القدم بين سيطرة طبقة معينة على حياة المجتمع وبين تحدد علم المجتمع بواقعه وحاجاته وأهدافه ووسائل تلبيته لها وكيفيته، تأثر تكون العمليات والمؤسسات العلمية.


    وقد نشأت في دراسة ومعرفة الظواهر الطبيعية والإجتماعية إتجاهات تصف عناصر الظواهر في جمودها وسكونها، وبعضها مغرق في التحليل المادي بما يصل إلى حال تصوير الحياة كلها ظاهرة مادية فيزياوية مجردة أو بيولوجية محضة! وكذلك برزت إتجاهات تعتبر الأشياء ظواهر فكرية ولغوية تسمي بها الأشياء وفق نوازع دفينة كامنة في وضع الذهن وذات الإنسان لا أثر فيها لموضوعية وجود هذه الأشياء في الطبيعة أو للوجود الموضوعي للعقل الإنساني في الطبيعة في تسميتها وصياغتها.


    وتقوم بعض هذه الإتجاهات في تحيزها الطبقي بتحوير جوانب من عملية العلم أو بعض نتائجه، وفقاً لمصالحها، وتقوم باستخدامها كمواد مضادة للتحرر الثوري للبشريــة الكادحة.


    وتوفر هذه الإتجاهـات العلمية قوة متعددة الأشكال مادية ومعنوية منضبطة ومتحركة بشكل يضاد تحرر العقل البشري من الإعتقاد بنظام التملك الخاص لوسائل الإنتاج والخدمات الإجتماعية العامة وإستئثار الملاك بمعظم عائدات إنتاج وعمل الكادحين على هذه الوسائل، وهو أصلاً شكل من التفكير في الوجود الطبيعي والإجتماعي يتصور هذا الوجود حالأ جمد معزول عن نمو وتطور وتغير أحوال الإجتـماع والإقتصاد والسياسة الشيء الذي تعززه عبر التاريخ بعض التصورات الدينية والعلموية الخاطئة.


    فإستخدام الإحتكارات العدو ية لشيوعية الإنتاج وخيراته في المجتمع، بعض الفقرات العلمية في تناولات مختلفة، بأسلوب بتر جزء من الكل لتوجيهه إلى غير وجهته، كما بمأثور نزع القول من سياقه في الآية القرآنية (ولاتقربوا الصلاة)، مستغلة إعتقاد بعض الناس بأن التملك الخاص للوسائل العامة وخيراتها هو قدر إلهي مؤبد ودائم خلقه الله تعالى (الذي لايظلم نفس شيئاً) لطبقة إجتماعية معينة بتملكاتها، وترببها على الناس وطغيانها لإجبارهم على العمل عندها، ولصالح النظام الإمبريالي الذي ولدها، وبمقابل يقل عن قيمة عملهم في السوق!


    وباللجاجة بالعلم والعلمية تدعم هيمنة الإعلام الرأسمالي قبول البسطاء لتهميش وجودهم ومجهوداتهم عند توزيع ثروة وسلطة مجتمع هذا الإنتاج والإكتفاء منه بالفتات الذي يلقى لهم.


    وعادة ما تتشكل الأفـكار العـلميـة من إكتشافات مادية محددة وكمية من التصورات، لذا فهي تتكون وتنشأ متنازعة بأساليب التفكير والوضع الجدلي للحياة الإجتماعية والطبيعة المعكوس في العقل بآليات الحواس والتاريخ والثقافة والآيديولوجيا، مما يسم العلم بطابعين عمومي ونسبي، يسمان بدورهما عددياً ونوعياً، مجمل البنى العلمية بطابع أو إتجاه معين كالإتجاه الـحيوي أوالإتجاه الميكانيكي السكوني، أو الجدلي التاريخي، أو الإتجاه اللـغـوي الذي يرى الواقع مجرد ظاهرة لغـوية تسمي فيه العقول الأشياء حسب ماتهوى.

    وكماسبقت الإشارة، فعادةً ما تستخدم الرأسمالية حججاً نسبية وسكونية لـنفي العلمية التاريخية والإجتماعية لسيرورة وشموليـة وحركية الثورة الإجتماعية، ولعزل وجودها عن الطبيعة والتاريخ والوعي. وأكثر مايكون ظهور هذا النفي السكوني وتصوره للحياة وكل ما يتعلق بالثورة الإجتماعية ومقوماتها وصيرورتها وأثارها وتنميتها فبالدعاية العلمية للرأسمالية ضد "الإشتراكيــة العلميــة".


    وبهذا النوع من الدعاية السياسيـة ضد الشيوعيـة وتحرر المجتمعات الذي تتبناه قوى التجديد العلماني والديني تشيد المؤسسات والتوكيلات التجارية للعلم والإعلام بجميع أنواع الثورات في الحياة بل وتؤكد مستوى التغيير الجذري الذي أحدثته في مجالاتها بحرفي الألف واللام كما بصياغتها ونشرها مفاهيم ومصطلحات: الثورة الصناعيـة، والثورة الزراعية والثورة التكنولوجية، والثورة التعليمية، والثورة الجنسية وثورات العلاج والإتصالات والفضاء والأزياء والسياحة والألعاب الألكترونية والتصوير وحتى ثورة النانوكمبيوتر، بينـما ترفض هذه الإتجاهات (العلمية) في ذات الوقت التغييـر العقلاني الجذري لأسس العمل في المجتمع وتحريره من التملك الخاص وآثاره الوخيـمة.


    فعملياً توافق إتجاهات العلوم العدو يـة للتغيير الجذري للمجتمع على إمتلاك بعض الناس لموارد ووسائل الإنتاج الإجتماعية وإستئثارها بمعظم عوائد عمل المجتمع وتحكم شركاته الخمسمائة الأكبر بنظام إنتاج محدد لأنواع وكميات وأسعار السلع ومقتر للأجور ومحدد بالتالي لحجم الضرائب التي توفرها للحكومات ولحيـاة البشر وظروف معيشتهم مما يجبر الناس واقعياً على خدمة رأس المال على حساب تنمية ذواتـهم وأسـرهم وآمـالهم.


    وإتجاه التفكير السكوني في الدعاية ضد الشيوعيـة وضد مؤسساتها في عقل التحرر الإجتماعي، يبتذل ثورات العلم نفسها بتأبيده العمل المضني والحرمان في حياة البشر ويتجاهل أن هذه الثورات إرتبطت بتاريخ وعلم البشرية السابق لها وبالعلماء المهجرين (إختيارياً) وبظروف البلاد والمجتمعات التي ربت طاقاتهم وحرمت منها بفعل نظام العمل المحلي والدولي، وهذا الإبتذال والتجاهل يرتبط بالتناقض الجذري لهذا الإتجاه السكوني في الحياة مع دعايته المتبجحة عن تحكمه بكل هذه الثورات، إذ يدين ممارسة الثـورة الإنسانيــة!!


    وعلامتي التنبيه والتعجب من الأمر فلأنه نقيض منطقه وتاريخه، فمادام هذا الإتجاه السكوني يقبل ويدبر حدوث الثورة في كافة البنيات الجزئية من المجتمع فمن الأولى عليه قبول الثورة الكلية للإنسان بهذا المجتمع.


    وتنمية لهذا التأول نناقش بعض أولياته في الوجود الإجتماعي للعلم وتأثيره وتأثره بعلاقات الإنتاج الإجتماعي وقواه وبمجمل الصراع الطبقي وتشكلاته في الإنتاج والمعرفة والوعي بالأشياء، كما نناقش توازن أو خلل توزيع الجهود والمنافع الجماعية والفردية في العمل والمعيشة، والنظام السياسي الذي يصوغ هذا التوازن والإختلال في المجتمع، وموقف وآيديولوجيا كل طبقة تجاهه وطبيعتها ومضموناتها المحافظة الخرافية أو الثورية العلمية تجاه هذا التوازن أو الخلل وممارستها له ووقوعها فيه.
    …………………………………………………………………………………………


    في الماركسيــة الجديدة:

    هي بنية كتابة وحركة ماركسية-(لينينية) لطيفة ودقيقة منعقدة وقائمة بكينونة "الوعي|المركز ومجالاتهما" في بنية إتسقت بهذي الكينونة في وطابعها النظري القارئي والشارح أكثر مما هو قائم بالأعمال. وفي تحليل (مجتمعي) سوسيولوجي و(علم معرفي) إبستمولوجي لموقع هذه البنية في المجتمعات التي نشات فيها نسقياتها وبنيتها النظرية يمكن الإشارة إلى أن الأعمال التي تعطى صفة "الماركسية الجديدة" نشأت بتناقض المدرستين الفلسفيتين العقلانية والإنطباعية التجريبية وتحول وعي ماركس من الهيجيلية إلى الهيجيلية الثورية إلى الشيوعية، أي من البنية الذاتية والتأملية المغلقة لكمون الفكرة والروح في العالم، إلى المعرفة الثورية لتغيير العالم. حيث حركة الوعي ونموه هي المركز المحرك للوعي والمولد للوعي الثوري الجديد. كجملة لتطور ووجود نظرية الثورة الإجتماعية، وكنوع أدق من الفلسفة المادية التاريخية، بل وفلسفة عليا للماركسية ####-Marxism، وببعض الأحيان أوليـة Prior، (تعطيها) السمات الإجتماعية الدقيقة، والطابع الفردي للوجود العام، تحولها أو تتحول بها إلى محولات كهرنظرية أو إلى بلازما للمعارف والعلوم والفلسفات أو ميكروشيبسات في كمبيوتر الماركسية.

    وقد تواشج وجود الماركسية الجديدة بالصراعات الأساسية والتأسيسية لمفاهيم وعمليات العلم والمعرفة في ذاتها وموضوعها، وصراعات الوجود الأول لفكر ماركس وأنجلز نفسهما، ثم صراعات مفاهيم وأنشطة المعارف وتطبيقاتها وتعارضاتها في تقييم القيمة في المجتمع وظلالها في عمليات الثورة والدولة والعلاقات الدولية، مما تميز بخلافات لينين وتروتسكي وستالين وتروتسكي، بإعتبارهم وليدو بيئات عرقية وطبقية وفكرية مختلفة، مما ألطف عرضه وبيانه بكتاب كارل مناحيم عام 1929 المسمى "علم إجتماع المعرفة" Sociology of Knowledge ثم بإنعقاد "مؤتمر العلم" في لندن عام1931 وما تلاه من تقدير لعملية إتساع وتحدد معايير وموضوعات وبنى المعرفة والعلم وتطبيقاتهم وفق تطورات المنطق وعلوم النفس والمخ والإجتماع والمعرفة والثقافة.

    فمن تناقض المدرستين الفلسفيتين العقلانية والإنطباعية التجريبية في الفلسفة والعلوم والمعارف والأنشطة الحياتية أحدث الوعي الثوري تطورات كمية ونوعية في العلم ترتبط جذورها وفروعها بـالآتي:


    1- جهود "مدرسة وارسو" في المنطق ورائدها لوكاتشفيتزLukasiewicz الذي جعل من النصف (0.5) حقيقة ثالثة مع حقيقتي "الصحة" و"الخطأ".

    2- كشف كواين Quine للـجانب الميتافيزيقي من المنطق بإثباته وجود ميتافيزيقيا بكل تنظير العلمي وعناصر فكرية أولية شارحة (بداهات).

    3- أعمال ستراسون Strason في "فلسفة العناصر"

    4- "النظرية النقدية" في علم الإجتماع بمدرسة فرانكفورت

    5- اعمال دي سوسر وألتوسير في "البنيويـة"

    6- العوامل الطبيعية في التحليل النفسي. مدرسة فيينا."الماركسية التحليلية"

    7- أعمال جولدمان في التحليل الإجتماعي البنيوي للنصوص الأدبية

    8- أعمال برتراند رسل في "إستقلالية المنطق"

    9- تطور كتلة من علوم المخ وعلم النفس والسلوك واللغة وعلاقاتها بالكبت والحرية واللغة مما تناولته أعمال بافلوف وفرويد ونقاده وشومسكي.

    10- تطور فلسفة الإدارة الشعبية بنظريات ماو في الصين وجيلاس اليوغسلافي وعلم السودان جعفر محمد علي بخيت في "الحكم الشعبي" و"اللامركزيـة"ونفي الدولـة

    11- تطور الإعلام والإتصال بنظريات باكارد، وماكلوهان، وهيبرماس

    12- تطور فلسفة التعليم بنظريات إسرائيل شافيير في التعليم الخلاق. والتعليم الشعبي، ونفي المدرسة

    13- إرتقاء نظريات الثقافة بنشوء "الحسـاسيـة الجـديـدة" و"الوعـي الجـديـد" و"المابعدية" بطاقات جورج لوكاتش في"الوعي الطبقي"، وباشلار في "القطع"، واوسكار لانغ في "الكتل والأجزاء" وسوسر والتوسير في "البنيوية"، وسارتر في "الوجودية"، وماكدونالد في الثقافة الجماهيرية، وماركوز في "التحرر"، وفوكو ودريدا "حفر النصوص" و"التفكيك"، وكذلك سميرأمين وشومسكي وإدوار سعيد في نقض امبرياليـة العقل ومركزيته الأنجلوساكسونية.

    14- تطور علوم السياسة والإجتماع بظهور الأمم المتحدة، وتنظير ماو لصراع الريف والمدينة، وظهور عدم الإنحياز الإيجابي، و"اليسار الجديد"، وتأسيس "الجباه والحركات الشعبية" في جهة سياسية. وفي جهة أخرى: تواشجت تطورات علم الإجتماع السياسي بموضوعات "المجتمع المدني"، ودعاوى الكينونة الذاتية للفرد كواحد متميز ثم سربل مفهوم الكينونة بموضوعات الثورة الجنسية والحضور الجنسي كمكون أساسي للفرد والمجتمع، وقد طور هذا الحضور الجنسي أكاديميا ًإلى قضايا نظرية وعملية للتحليل الجنساني، تعالج كبـت وقمع وحجاب هذا الوجود الجنسي، وإجتماعياته.

    15- نظريات دي سـوسـر، وشومسكي في اللغة، + ظهور لاهوت التحرير.

    16- الذوقيات الجديدة في الشعر والفن والأدب الجديد كالسوريالية والتعبيرية ومسرح اللامعقول والواقعية السحرية وفن القمامة.

    17- بروز اعمال سويزي وباران وأندريه جندر فرانك وسمير أمين في علم الإقتصاد السياسي وتوسع مفاهيم المركز والهامش، والحركة الشعبية، والقطع وفك الإرتباط مع الإستعمار. في جهة و في جهة اخرى ظهور مفاهيم الماكرو إقتصاد التي تهتم كينزياً بالدخول العامة والنمو والتوازن الذاتي، ومفاهيم الميكروإقتصاد المهتمة بعلاقات متخذي القرار الإقتصادي كالمستهلك والمنتج والأسعار.

    18- بروز أعمال دي سوسر وفوكو ودريدا في مجالات السفسطة الحديثة وقطع التواتر وكسر النمطية والتصورات الخطية المفردة، وكشف الوجود الكلي للعقل كلغة والكتابة كخيال وتصور مغلق ومفتوح في آن واحد معاً

    19- نظرية "الإستقلال الثقافي" بجهود شارلس موراي Charles Murray

    20- النشر الكثيف لفلسفتي النسبية والفوضى في علم الإجتماع السياسي

    21- التنظير الجديد لليبرالية (السوق، والمجتمع المدني، وحقوق الإنسان)

    22- نشـاط حركة النسوية/الأنثوية بتياراتها

    23- ظهور موضوع "البيئـة" كـ"فلسفة للطبيعة" وكمحور للتنمية المستدامة

    24- توسع علوم العلاقات العامة والتسويق وإدارة الأزمات

    25- "التوجه الإشتراكي" لـ"نظرية العدالة" بجهود الأستاذ جون راولز John Rawls

    26- نمو علوم الفلك، الفيزياء، الكيمياء، الأحياء (فوضى، بلازما، جينات)


    فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي كانت معركة بين الوجهات القومية والوجهات الإمبريالية لرأس المال، برزت هذه التطورات في الإعلام والمؤسسات البرجوازية للبحث العلميورافقت إشتداد الصراع في العالم بين قوى التـحرر في جهة وقوى الإحتـكارات في جهة ضد حول ما يرتبط بنفي أو تعزيز وجود الماركسيـة-اللينينيـة كبنية نظرية فاعلة في تطور العلم بـفضل:

    1- فهم الأسس والعوامل المادية للطبيعة، والنظر التاريخي للمجتمعات

    2- المنطق الجدلي الصاعد لعناصر الطبيعة والوجود الإجتماعي

    3- أسلوب طرحها الشمولي (التفكيكي والتركيبي) للأجزاء والكتل والعلاقات

    4- المدارس والإتجاهات الراسخة لها بكل مجال علمي أساسي

    5- تشديدها على الطبيعة الموضوعية التاريخية والإجتماعية للعلم والمعرفة

    6- إثرائها الإجتماعي للظواهر النظرية والمادية من حيث نقدها أو النفع بها

    7- وجودها السياسي الذي يعمم تنظيم وتخطيط إنتاج العلوم والمعارف وتطبيقها

    فبهذه العناصر السبعة يمكن التوكيد على أن الماركسية-اللينينية مثلت بشكل عام حضوراً موجباً ومباشراً أكثر من أي بنية سياسية أو علمية أخرى في بنية التطورات النظرية والعلمية والثقافية في العالم.

    بيد ان العامل الأساس في فهم دور هذه التطورات في إحداث تغيير متناسق مطور أو مشوه مدمر للطبيعة الإجتماعية يكمن في فهم وضعها الطبقي. فـالشيوعيـة كعلم تـحرير للبروليتـاريا، تهتم بالطبيعة الإجتماعية للأشياء ووضعها في سياق العملية التاريخية لتحرر المجتمع البشري من نظم التمييز والإستغلال واستلاب الوعي.


    لذ فان العرض الستعشريني السابق للمفردات الأبرز بعملية تطور أجزاء وكتل من المعارف والعلوم القديمة، يؤشر إلى ان جدل وتتال عمليات النقد والتجاوز والقطع والبناء المعرفية والعلمية ولد في زمن الإتصالات السريعة تنظيرات جديدة في كل مجال بما يرتبط أفقياً ورأسياً بعملية جدلية لتقعيد الإشتراكية علمياً أو تشريك التقعيدات العلمية، او لمحو الإشتراكية العلمية من الأذهان.


    وتختلف الحالة الجدلية لإعتبار الإشتراكية العلمية في تطور العلوم حسب الظروف الموضوعية والذاتية لكل مجال ومفرداته وعلاقاته، لكنها تفوق بالطبع وضع "أ" من الأنشطة النظرية ضد "ب" من الأنشطة النظرية. كأن توضع الفيزياء ضداً للتاريخ، أو الجغرافيا ضداً لعلم لإجتماع، فلكل منها مجال، وطبيعة، تستبطنه ويستبطنها، ولكل بنيته وحركيته وعلاقاته وسيروراته في المجرى العام لتطور المجتمع ولتفتح العقل البشري على قوانين الطبيعة والمجتمع وعناصره..


    وعلى ضوء ما تناوله كريس هيرمان Criss Herman في كتابه المسمى "نظريـات وتقديـرات" Theories and Narratives و و مافيه من وزن لفظي مواشج للعنوان معاكس لعنوان كتاب عدو الشيوعية الأشهر كارل بوبر: "نظريات ودحوض" يمكن التأشير إلى إن التنظيرات والأعمال المسماة بإسم "الماركسيـة الجديـدة" تقوم في تنقيتها أو تخليصها أو تثويرها أو تحريرها أو تنميتها لأعمال ماركس أو (تجاوزها) للماركسية-اللينينية بعملية : تأسيس متنوع لبلورات وطنية )خالصة( لكائن فكري جديد متعدد الأشكال يسميه البعض باسم "الماركسية"مثلما في أوربا، أو "الحرية" كما في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أو"الإسـلام" كما هو إسم للتحرر" في عالم القرءآن من التعددات الزور في القيم ومن الربوبيات الزائفة في المجتمع المرتبطة بهذا التعديد ووربوه. وقد برزت في عالم الإسلام، قيامات سوسيولوجية لأجزاء من ما يسمى "الماركسية الجديدة" ببعض أعمال فيلسوف الباكستان محمد إقبال، والجزائري مالك بن نبي، والإيراني علي شريعتي، والمعلم الكيني علي مزروعي، والمصري سيد عويس، والمغربي طه عبدالرحمن، وغيرهم ممن كشفوا التناقض بين عالمهم(الحق) وعالم الإمبريالية.
    فقد نظرت الوشائج الماركسية الجديدة في جوانب من أعمالهم لتحرير الوعي من حال وأسار البنية الهيجيلية- التي تنظر للوجود كحال مغلقة ثلاثية المراحل تتكون إرتقاءاً من عناصر ثلاث هي:

    1-الوعي،

    2- الإستلاب والإغتراب،

    3- الدرس والتامل وتجلي الوعي.


    لذا فإن تلك الماركسية الجديدة تعمد بشكل لينيني دقيق لإعتبار الوجود السائد في الأذهان عن العالم المعاصر وتفاصيله بما فيه من نظرات الصراع الطبقي، جزءاً من بنية الوعي المغترب الذي ولده التملك الخاص لوسائل الإنتاج والخدمات العمومية، لذا ترى الماركسية الجديدة ان الفكاك من الإستعمار يرتبط بتأسيس مستقل ذاتياً لمجمل تنظيرات وممارسات التحرر، وليس بتقليد مرجعية تحرر. ولعل لهذا التصور (الخاص) صلة بفكرة فرادة المعرفة، والرغبة في إنتاج وطني خالص للأفكار والتنظيرات الإجتماعية. وهي فكرة تنفي وحدة الوجود البشري وخبرته المشتركة العامة. ففكرة مايسمى باسم "الفكر الذاتي الخالص" تتعامل مع الفكر والوعي بإعتبارهما ذوي أقانيم ثابتة متصلة بمجالات جغرافية وعرقية وثقافية معينة.


    ووفقاً لهذا التقعيد العنصري للفكر يضحى التغيـر الإجتماعي خروجاً عن المفاهيم والأعراف والتقاليد الوطنية، وتعد الدعوة لتغييرات إجتماعية تخريجات تخالف ما أجمعت عليه الأمة وعقيدتها، لا عمليـة إنسانية عقليـة ترمي لتغيير معين لمصلحة طبقة معينة في المجتمع. كما إن إهمال تغيير العلاقات الصناعية باعتبار ان المجتمع مازال متخلفاً!، يشكل نبذاً لأهمية الصناعة في تطوير المجتمع، ويسفه المركزية الموضوعية للإنتاج الصناعي المخطط وعلاقات الإنتاج في تقدم المجتمعات من حال النقص والعشواء في تلبية الحاجات إلى حال من الإكتفاء والتوزيع المنظم للموارد.

    ولكن إن إستبعدنا هذا التفكير السالب من عملية تحليل أبعاد تكون "الماركسية الجديدة" وحصرناها في المجال الثقافي-السياسي الممتد من لوكاتش والوعي الجديد وحتى نظرات وتجارب الطريق الثالث، وصولاً إلى عدو اة العولمة والمنتديـات الإجتماعيــة الراهنة، أي حصرناها فى مستوى الإنتاج الرأسمالي السائد للفلسفة والنظريات والأنشطة الثقافية والسياسية والمدنية المرتبطة بها، نجدها تعمل على تأسيس ماسمي عندها بـالوعي الجديد بعمليتين مترابطتين هما:

    1- نفي مركز البنية المتعامل معها كمؤسسة وسيطرة ونفي أهمية ذاك المركز في الوجود.سواء أكانت هذه البنية مجتمعاً أوطبقة أو حزباً، نظام سياسي أو دولة

    2- نفي أهمية المركز الداخلي لهذه المؤسسة |السيطرة وعلاقات توليده. أيما كان هذا المركز ديمقراطياً أو رأسمالياً، ثورياً أو رجعياً

    وهو نفي يرتبط بتنظير "القطع" في عملية المعرفة، لجاستون باشلار Bachlar وتلميذه جونجلهايم Gongelhaim حول لزوم القطع مع الأطر القديمة لتأسيس الجديد، مما أثر على مفاهيم "الظاهرة والوجود" وأثرى به لويس التوسيير البنيوية، وساعد فوكو في حفرياته العقلية وتفكيكه لخطية النصوص وسلطتها المركزية الخفية.


    وبتطور الوعي بمسائل المركز والبنية والتفكيك والتساؤل الإبداعي والسفسطة الحديثة وتشكلاتها بمجالات الفن والأدب، والأكاديميا، والبنى والأحوال الدولية والإجتماعية والفردية والإنسانية وعموم نظم الإعتقادات والثقافة، تبلورت ظاهرة النفي داخل الماركسية-اللينينية.فقد تجلت هذه الظاهرة بدعوات إلى "تنقية الماركسية" [..من اللينينية] وذاعت هذي الدعاو باسم "الماركسيـة" التي امتدت كظاهرة منذ خلاف المناشفة مع لينين وستالين وحتى عملية التجديد الراهنة.


    وكان مفهوم (الماركسية) المعزول من سياقه التغييري قد نشأ كظاهرة ملتبسة بصراعات سوسيولوجية ودولية ذات جذور داخل الحركة التقدمية في أوربـا وروسيـا بين كتلة إشتراكية -قبل ظهور ماركس كشمس للعدالة الإجتماعية- كانت قد إرتبطت باتحاد العمال اليهود "البوند" ورأت في "الثورة" مجرد ناسفة للإقطاع فقط ومولدة لمجتمع الحداثة الذي يرادف عندها مجتمع الإصلاح المضطرد حيث دأبها المتصل فيه هو إصلاح تطوره الرأسمالي، بينما قامت ضدها منذاك الزمان كتلة ماركسية-تغييرية رأت ضرورة وموضوعية النفي الحاسم لكل أشكال الإستغلال والإستلاب بفرض السيطرة المباشرة للقوى المستغلة والمهمشة على تنظيم الموارد والسلطات العامة وقيادة عملية التقدم الإجتماعي.


    وإذ كانت معارضة لاسال LaSalle قائد الدولية الثانية لدعاوى ماركس ذات منحى تخفيضي|خفاضي للطابع العلمي الجديد للإشتراكية الذي حاول ماركس وانجلز إطفاءه على الوجود القديم للإشتراكية المشوب بتصورات ذهنية مجردة وتعصبات قومية|يهودية ضيقة. فكذلك كانت معارضة المناشفة للينين، تعتبر "اللينينية" أيضاً تحديداً للماركسية، ثم عدتها صيغة ستالينية لتحول "الماركسية" لبنية استبداد [عدوة منتجيها لليهود] كما ترى أن البنية التقنينية العامة للماركسية-اللينينية تمثل بنية جامدة تتناقض مع حال تحرر الوعي الذي جسده ماركس، مفضلة وجود "الماركسية" كحال نفي مستدام لعملية ليننة ماركس وتصنيمه وتحويله إلى [مجرد] حزب شيوعي يتمركز وسكرتيره العام في قيادة العملية السياسية بدلاً عن أن يضحى الواقع السياسي...[البرجوازي] ببنوكه ورأسماليته موجهاً للماركسية!! مما يتعلق بفهم بحوثي للماركسية.


    فبطرح نار الماركسية بديلاً لرمضاء الشيوعية يتجلى هذا النوع من "الماركسية" بتحويل أعمال ماركس من كينونتها الثورية الإجتماعية إلى روح فكرة وفضاء معرفي مفتوح للهيام العقلي والتأمل والكشف. وحيث تتحول عملية التغيير الإجتماعي من حال موضوعية بآليات محددة لنفي آليات محددة أخرى للقمع والإستغلال والتهميش، إلى حال ذوقيـة من الإستحضارات وفضاءات للتجريب وإلى إرتقاءات وجدانية تشابه عملية تكريس الإيمان بأكثر من إتصالها بعملية تنظيم عملية ثورية سياسية!! وقد صبغت هذي الفلسفة الظاهرية تعامل الماركسية مع الماركسية-اللينينية مع تجلي الرؤية الهيجيلية الجديدة بكتابات باشلار ولوكاتش وما سمى بـ الوعي الجديد بتحول "وعي ماركـس" و"الوعي بماركس" عبر مراحل أو عمليات قـطع مع البنية القديمة كوسيلة لتطور الوعي وليس كنتيجة له.


    وقد تجلت نزعات التفكير المثالي وتناوله السكوني لظاهر الأحداث بالشكل في تناول جورج لوكاتش، الدارس بعمق لـ(هيجل الشاب)، لموضوع تحول وعي ماركس كتحول لبنية تفكير عبقري لإرتباطه فقط بإتجاهات العلم وبالثقافة البروليتارية ولإقترانه ببنية ثنائية ذات طرفين محددين هما (الإضطهاد والإستلاب + والتحرر منه).

    والصورة الرأسمالية السائدة لماركس كعالم يفتح له العلم طريق التحرر، صورة شبه ميكانيكية غالت في إعتبار عبقرية ماركس وفضل العلم و "الثقافة البروليتارية" ومهمشة لإعتبار إرتباط وعي ماركس بمسألة ذات اهمية في تاريخ تحـررالإنسـان كالدور الطبيعي-الإجتماعي للطبقة العاملة وعموم الكادحين وتنظيمهم الثوري في قيادة عملية تحرير ذاتهم ومجتمعهم من الإمتـهان.


    ولعل صعوبة المسألة الجذرية في فهم "الماركسية الجديدة" أن هذه "الماركسية الجديدة" لا تعكس مجموعة متناسقة من الأراء بل هي أسم أطلقته مؤسسات البرجوازية في حربها ضد الشيوعية على مجموعة متنوعة وفي بعض الأحيان متناقضة من الجهود النقدية الإجتماعية والثورية المعرفية المرتبطة بمسائل البنى العامة والخاصة والمنطق والعلاقات والمركز والهامش، والخصائص الإجتماعية والنفسية والذوات والظروف والشكول المحلية والدولية للتراث الإنساني والتصورات والإبداعات والتطبيقات الشعبيـة لمفاهيم "التحرر" و"التقدم" و"الوطنية" و"العدالة" و"الديمقراطية"، مما ظهر بشكول متنوعة كتنظيرات وموضوعات وأنشطة بالجامعات والمؤسسات الثقافية بدول البرجوازية الكبرى وأيضاً كذلك في مايمكن تسميته بـ(هامش) النضال السوفييتـي الماركسي-اللينيني من ماو الى مارلو

    وزعمي في موضوع تكون هذه "الماركسية الجديدة" هو إرتباط تكونها بتطويرات عدداً في علوم المنطق والمعرفة والنفس والإجتماع كما بأعمال "مدرسة فيينا" في علوم النفس و"مدرسة فرانكفورت" في علم الإجتماع، و"مدرسة وارسو" في علم المنطق، وأعمال باشلار في فلسفة المعرفة وبإنفتاح التحليلات السوسيولوجية، وبالتمحيصات المادية البحتة التي أثرتها فلسفات وعلوم الطبيعة. وهو ما يختلف في طابعه البحثي والأكاديمي والثقافي ومشدوهيته العقلية لإدامة البحوث وفتح التنظيرات على التفكير وفتح التفكير على التنظيرات في دائرة عقلية مغلقة، إختلافاً ملحوظاً عن إهتمام الماركسية-اللينينية بالصراع الطبقي والثورة، وبالنضال للتغيير كوسيلة واقعية لتطوير كافة البنى الإجتماعية وضمنها التفكير والتنظير.

    وإضافة لتشابه خطى المعرفة والمعالجة التي كرستها المدارس الثلاث فبالإمكان الإشارة إلى إحتمال وجود صلات سياسية بينها تشير إليها حركات ولقاءات أرنست ماخ وكاوتسكي وتروتسكي وجورج لوكاتش وباشلار بحلقات فينا وفرانكفورت ووارسو وروابطهم بالحلقات التقدمية في العالم الأوربي-الأمريكي للتنظير العلمي خصوصاً مع تصاعد عداء ستالين وهتلر للمسألة اليهودية بعد إزدهار الرأسمالية والدور البارز لبعض اليهود فيها.

    ويرجع أصل المسألة اليهودية في التاريخ الأوربي الحديث لقهر نظم الملكية الإقطاعية المقدسة لليهود (الأغراب) وحرمانهم من حقوق أهل الملة وأصحاب الأرض الشائعة آنذاك مما ربطهم بسكنى المدن والإشتغال بالحرف الفنية والنظرية. ونتيجة لذاك الوضع كان لعدد كبير من اليهود آنذاك دور خلاق وفاعل في تاريخ الصناعة وفي صناعة الأفكار والنظريات التحررية لأجل تحررهم من السوم والإضطهاد في أوربا الإقطاعية والإنتقال بها وبأنفسهم من حال القهر والحرمان الى حال الحرية والتقدم الإجتماعي في تلبية الحاجات وتأسيسهم للحركات النقابية والسياسية والمدارس العلمية، وتنظيراتها.


    وقد ذاعت"المسألة اليهودية" بتدمير السوفيت للنظام القيصري الإقطاعي، وكذلك إبان تحول الشيوعيون بقيادة ستالين الى سياسة الترويس. وفيما بعد المؤتمر العشرين مع تكون "الطبقة الجديدة العازلة" (الموظفين-التجار) في مجتمعات الشيوعية. ومع إنتشار أفكار مسارياك Masaryk الماسونية المتأخرة عن "الإنسـانيـة" وما سماه (نية الروس لإستعباد للعالم بالشيوعية)، بشكل أثر في تقدير الوعي القومي لطبيعة الشيوعيـة كعملية تحرر شامل خاصة مع تخيل تروتسكي لحال "الإشتراكية العالمية اللابيروقراطية" بمعنى الخالية من ستالين.

    وعامةً فقد كانت "المسألـة اليهوديـة" مسألة مركزية عالمية في ظل وجود ظاهرة المركزية الأوربيـة، وظاهرة الوجود اليهودي الكبير في أوربا.


    وقد شكل وجود وأعمال ومصالح عدد من اليهود في أوربا محاور هامة في تاريخ تقدم الحرف والتجارة وفي تكوين المذهب البروتستانتي بطابعه الثقفي الحنبلي، وفي إثراء الجدل العقلي حول قراءة الوجود الطبيعي والإجتماعي، ورفعة شأو العقل والعلم والتاريخ وفحص العلاقة بين أساليب المعيشية والتفكير في عصر النهضة، وتطور الصناعة، وتقدم الحياة المدنية، منذ ثورات البرجوازية ومارافقها من تطور ظواهر الإعتداد المجتمعي في الداخل و "الإستعمار" في الخارج ومابينهما من أحوال "المسألة القوميـة" فالحربين العالميتين ونشاط اللوبيات اليهودية بالولايات المتحدة وبريطانيا، وتدمير الإتحاد السوفييتي وبقية النظم الإشتراكية في أوربا وصولاً لتمزيق يوغسلافيا وبروز التحالف الأنجلو-امريكي بتطور الإستعمار الحديث من ما وراء منابع النيل إلى ما وراء الفرات شرقاً وغرباً، فإعلان الحرب على الإرهاب.



    وإضافة لتأثير "المسألة اليهودية" أسهم إضمحلال التشدد في مركزية العمل الشيوعي في تبلور أحوال لتشكل ماسمي بـالماركسية الجديدة التي تختلف عن الماركسية اللينينية بطابع موغل في الأكاديمية وبالنسق التجريبي الثقافي الذي يعتني بخصوصية ثقافة كل مجتمع ويبتغي بلوغ آفاق الإشتراكية من خلال العناية بالشفرات الثقافية التقليدية للقوى (الثورية) في كل مجتمع في ظل حال شاملة من تطور الصراع والقمع العالمي مع نشاط الإمبريالية وتراجع الأحزاب الشيوعية عن آيديولوجياتها الثورية بعد المؤتمر العشرين ثم تمزق حركات التحرير بهذه التراجعات وتصاعد الانتقادات لسياسات المؤتمر العشرين بتفارق أوضاع الأحزاب الشيوعية الداخلية أو السوسيولوجية عن مبادئها الآيديولوجية بإعادتها الإعتبار لمفاعيل التبادل النقدي للمنافع محلياً ودولياً على حساب العقلانية الإدارية للبطاقات البديلة للنقود.


    وقد تزامن تكون وأعمال "الماركسية الجديدة" مع إشتداد الحرب الباردة ضد الشيوعية وضمنها الحرب الفكرية والآيديولوجية التي كان أشهرها كتابات فيخنشتاين في "الثورة المضادة" وكارل بوبر في "المجتمع المفتوح وأعدائه" وأزايا برلين في تأريخه الصوري للثقافة الروسية وفي روايته الخبيثة الحذقة المسماة "القنفذ والثعلب".
    وقد كانت كلها إعمال رفضت الشيوعية بحجة "حريــة الإنسان" في مجتمعات تمتلك فيها البرجوازية موارد الإنتاج والعيش ووسائله إمتلاكاً خاصاً! إضافة لتحكم البرجوازية في الخدمات العامة وتحديدها مستوى المعيشة وحياة الدولة من خلال تحكمها في الأسعار والأجور والضرائب!!


    ولكن بهذا الإطار الميتاماركسي أو اللاماركسي أو الجزءلينيني إتسعت "الماركسيـة الجـديـدة" بنواحيها التقدمية المضادة للتمركز لأجزاء من كتابات في الإقتصاد والإدارة والإجتماع رفدتها أعمال نظرية مهمة لكل من: بول باران، وبول سويزي، أندريه جندر فرانك، سمير أمين، ومهدي عامل، وعبدالرحمن بابو، وصلاح العمروسي، وأليكس كولازنتكيس، وجعفر محمد علي بخيت، ومحمود عبدالفضيل، وبيار بوردو، وسيد حريز، وسيد عويس...وأخرين.

    وفي ثقافة الماركسية الجديدة يمكن صف عدد هائل من المثقفين الثوريين و(المتفردين) من شاكلة بوردون أو وليام موريس بدءاً من لوكاتش وجرامشي وباشلار إلى مارلو والتوسير وسارتر وفانون وماركوز ومزروعي وشريعتي وشومسكي، وإدوار سعيد، وإقبال، إسماعيل المهدوي، وأحمد صادق سعد، ومالك بن نبي، وطه عبدالرحمن.إلخ.

    وفي الجانب الثقافي-السياسي الحركي والتنظيمي لتشكل الماركسية الجديدة كحال فكرية في واقع العالم الثالث تختلف بنزعة الخصوص الثقافي عن الماركسية-اللينينية تبرز أعمال ورؤى لكل من دوس، إقبال، إدريس كوكس، جيمس التريندادي، محمد حسين ريحان، أحمد فؤاد، أحمد حمروش، محمد حسنين هيكل، راشد البراوي، جعفر كرار، عبدالله زكريا، محمد أبوالقاسم حاج حمد، وتلابير ولد مريام.

    وبشكل ناسب أعباءهم السياسية أثرت الأعمال النظرية لعدد من المناضلين الذين تمركزوا برئاسات الحركات السياسية والدول في تكوين كتابات ضد-مركزيــة في المستوى الدولي كأعمال روزا، وتروتسكي، ثم ماو، وتيتو، وبرلنجوير، وسوكارنو، وناصر، وبن بركة، وبن بيلا، ونكروما، ونيريري، وكابرال، وجيفارا، وجورج حبش، وقسطنطين زريق، ومارسيل إسرائيل، وفهد، وجوناثان (جو) سلوفو، وجوزيف قرنق، وجون قرنق..إلخ حيث رفدت أعمالهم كتابات تميزت بإستهداف تفكيك علاقات التمركز والإحتكارات مع تباين في أساليبها.

    والرابط الذي نعتقد وجوده بين "المسألة اليهودية" وتشكل مايسمى بـ"الماركسية الجديدة" جسده كارل ماركس في كتابه "المسالة اليهودية" الذي كان ينتقد فيه كتاب "المسألة اليهودية" لبرونو باور الذي صدر عن براونشفايغ سنة 1843، وإدعى فيه برونو أن تحرر اليهود كأقلية من هيمنة الدين ووضعيتهم الدينية على تفكيرهم السياسي سيحرر الدولة والمجتمع بأسره! حيث قام ماركس بدحض تصور بورنو، مقيماً "المسألة الموضوعية" بدلاً عن المسألة اليهودية"، مبيناً فيها نقطتين:

    *مسألة علاقة الدين بالدولة

    *التناقض بين التحيز الديني والتحرر السياسي.


    ثم عزز ماركس دحضه ضد برونو بتساؤل نورد نصه:
    (( لا يكفي بأية حال من الأحوال أن نبحث: من الذي سيقوم بالتحرِر ومن الذي سيحرر؟ فعلى النقد أن يقوم بشيء ثالث. عليه أن يسأل: بأي نوع من التحرر يتعلق الامر؟ أي شروط تقع في صلب التحرر المطلوب؟

    إن نقد التحرر السياسي نفسه هو النقد النهائي للمسألة اليهودية وذوبانها الحقيقي بـ"مسألة العصر العامة"، و لأن باور لم يرفع المسألة إلى هذا المستوى فإنه يسقط في التناقضات...أنه لم يتناول بالبحث العلاقة بين التحرر السياسي والتَحرر الإنساني ، وهو بذلك يضع لا يمكن تفسيرها إلا بخلط غير نقدي بين التحرر السياسي و التحرر الإنساني العام....لا ندعي أن عليهم أن يتخلوا عن محدوديتهم الدينية، ليزيلوا حواجزهم الدنيوية بل نزعم أنهم سيتخلون عن محدوديتهم الدينية حالما يزيلون حواجزهم الدنيوية. إننا لانحول المسائل الدنيوية إلى مسائل لاهوتية، وإنما اللاهوتية إلى دنيوية. نحل الغيبيات في التاريخ، بعد أن إنحل التاريخ وقتا كافيا في الغيبيات………………………..

    وحيث تبدو حدود التحرر السياسي في الحال في قدرة الدولة على تحرير نفسها من حاجز لا يكون الإنسان متحررا منه فعلا، وفي أن الدولة يمكن أن تكون دولة حرة [تلاعب لفظي على كلمة Freistaat|Free State التي تعني أيضا جمهورية] دون أن يكون الإنسان حرا. فإن باور نفسه يعترف ضمناً بذلك حين يضع الشرط التالي للتحرر السياسي: «يجب إلغاء كل امتياز ديني بوجه عام بما في ذلك احتكار الكنيسة التمتع بالامتيازات، وإذا كان البعض أو العديد أو الغالبية العظمى لا تزال تعتقد أن عليها أن تؤدي واجبات دينية، فإِن هذا الأداء مسألة خاصة تماما متروكة لها.» وهكذا يمكن للدولة أن تكون قد إنعتقت من الدين، حتى حين تكون الغالبية العظمى متدينة. ولا تكف الغالبية العظمى من خلال ذلك أن تكون متدينة، بأن تكون متدينة في حياتها الخاصة.((


    كذلك تبدو في خضم نصوص نقد ماركس لكتاب "المسألة اليهودية" لبورنو إرتباط (إتساع) أو غلو الأفكار القومية اليهودية أو أفكار "اليهودية السياسية" بمنظور محدود لإمكانات الثورة الإجتماعية وإعتبارهم إياها مجرد عملية خاصة نشأت في ظرف تاريخي خاص للتخلص فقط من الإقطاع وسطواته الدينية-الدنيوية وفتح الطريق لحياة حرة للإنسان لا سبيل فيها لممارسة (العنف) ضد المظالم العامة. وبهذا المنظور المحدود نشأ الإعتقاد بإن الثورة كعملية سياسية خاصة نجحت في القيام بمهمتها ولم يبق لمجتمعات البشر سوى ممارسة دائبة لإصلاح النظام الحديث الذي نشأ بعد الإقطاع وهو النظام الرأسمالي لتوزيع الموارد والجهود والثمرات الضرورة لمعيشة الناس، وهو إصلاح يرتبط حسب هذا المنظور بتحسين أحوال التعليم والرقي بالممارسة الإنتخابية والبرلمانية، وبتوسيع النشاط الرأسمالي أفقياً ورأسياً، وتحسين شروط العمل، وهي إصلاحات تتناقض في طبيعتها وبنيتها مع طبيعة وبنية النظام الرأسمالي المهلكة للأسس والأفاق الإجتماعية. ولكن بورنو إسترسل موصلاً تقدم الحالة اليهودية بالحالة الإستعمارية! وإزاء رسملة بونو للمسألة اليهودية، قام ماركس بتوضيح وقتية هذا الإرتباط وجلبه كثير من المصائب على العالم وعلى اليهود مستقبلاً فبتركيزهم ثروات هذا النظام بين أيديهم، ونشرهم الفقر في ماحولهم يسببون فيه الظلم ويغامرون بأن يكونوا محل غضب عمال العالم وشعوبه المستغلة بأسرهم، وأن يكونوا هدفاً لثورتهم للتخلص من الظلم.

    ولكن، وفق ظروف تطور الرأسمالية والإستعمار و..الصهيونية سادت في العالم مقترحات بورنو وتركزت في أغلب دول العالم رأسمالية حيث أصبحت البنوك العظمى المملوكة للبرجوازية اليهودية السطوة الكبرى في تقرير كافة شؤون معيشة الناس، في كافة الدول وأضحت للأفراد المرتبطين مجتمعاً وثقافة بقوى هذه البنوك سطوة أكبر في مجتمعاتهم حيث شغلوا المناصب الهامة والمواقع المائزة في الحكومات الحديثة وهو ما عمق في التنظيرات الغربية للماركسية أساليب التهادن والإصلاح، وجر الحال الماركسية من حال الثورة الطبقية والنضالات الشعبية المتقدة للتحرر الشامل إلى حال متنوع من التنظير والبحث الأكاديمي المحدود ضمن سياق الثقافة البرجوازية الاوربية مقترن بحال من المطالبة الميتة بإصلاحات يعرف الجميع أن المؤسسة البرجوازية تواصل تفتيتها والتحايل عليها،

    وفي هذا السياق المحدود لتناول الوعي والثورة كقضايا نظرية مفصولة عن كينونتها الحزبية الطبقية والأممية في الصراع الإجتماعي ضد الإمبريالية العالمية نشأت في الجوانب الاوربية من العالم حالة من تحررية محدودة سميت "الماركسية الجديدة" وهي حال تختلف في سعة وجزئية تناولاتها الجزئية لموضوعات الجنس والموسيقى والموسيقى وحماية البيئة وحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين إختلافاً واضحاً عن حال الماركسية الجديدة التي تتبين في النصوص والممارسات النضالية الأمريكية الجنوبية والأسيوية والأفريقية حيث نشأت متقدة وقداحة في الأدب السياسي المنعقد بالتطورات الثورية في أمريكا الجنوبية والصين وكوريا وبعض نواحي النضال الأفريقي.


    وعلى ذلك ففي مواجهة الصلابة الطبقية الإجتماعية الوطنية والدولية لحال"الإشتراكية العلمية" أيام ماركس وإنجلز وفي مواجهة نفس الصلابة في "الماركسية اللينينية" في عهد البناء الستاليني للإتحاد السوفيييتي ونجاحه في مواجهة الدعاوى الإقطاعية القيصرية والدعاوي القومية الشوفينية والدعاوى الإمبريالية، نشأت حالة الماركسية الجديدة زمن الحرب الباردة حال نظرية وعملية منفتحة بخطوط علم إجتماعية.



    الماركسية الجديدة والمحافظة الجديدة

    مما سبق عرضه يمكن القول بإن للماركسية الجديدة منابت عددا ومسارب شتى، كما يمكن عقدها برؤية ذاتية للمصالح البرجوازية تبناها كثير من دعاة التحرر اليهودي في مواجهة ماركس أولاً ثم في مواجهة الماركسية-اللينينية منذ ماقبل قيام الثورة الإشتركية العظمى في سنة 1917 وحتى اليوم.


    وكانت أشهر حلقاتها في فرانكفورت، وفيينا، و وارسو، حيث إصطف العلماء اليهود يدافعون بأمانة شديدة عن إمكان تعدد النظرات للواقع وتباين المداخل والتطبيقات بشأن الإشتراكية تجاه المفاهيم الماركسية والماركسية الللينينية التي قامت بربط علم تحرير البروليتاريا بقواعد الفلسفة العلمية الماردية والتاريخية والمحركات الأكثر موضوعية في الحياة كالمجتمع البشري ونشاطه العملي ونظامه وعلاقاته الإنتاجية واوضاعه الطبقية وحركة هذه الطبقات ضمن وضد هذا النظام .


    وقد جسد تروتسكي بشكل واضح التعبير السياسي المميز عن هذه التوجهات في مواجهة المسار الوطني والعسكري الذي خاض به لينين ثم ستالين (معركة) مواجهة التخلف والإستغلال في روسيا والمستعمرات والدفاع عن الإشتراكية والقيم الإنسانية في مواجهة الإستعمار والنازية والفاشية.

    وفي نيويورك التي يمكن لبعض الناس عدها القاعدة الخارجية لتروتسكي في العشرينيات والثلاثينيات كان بمعهدها قاعاتان للطلاب يجتمع في الأولى التروتسكيون وتنظيمهم "الرابطة الإشتراكية" وكانت الثانية للطلاب اللينينيون-الستالينيون وتنظيمهم "الرابطة الشيوعية". وبرز من القاعة الأولى أرفينغ كريستولIrving Kristol باعتباره أحد قادة حركة المحافظة المحدثة بعدما نشر مذكراته بعنوان إنطباعات محافظ محدثReflections of a Neoconservative في عام 1983 وكان فصلها الأول بعنوان "مذكرات تروتسكي".وكان تروتسكي خصماً عنيداً للينين ولستالين ثم للإتحاد السوفييتي كله ثم عدوا للشيوعية.


    ومنذ الخمسينيات كان كريستول مع ماكس شاخمانMax Shachman أحد قادة الحزب الإشتراكي -التروتسكي- قد بدأ بتردد وحذر التحول إلى نظام الحزبية-الرأسمالية الأمريكية وأضحيا مع جاكسون Henry. S. Jackson ومورافيشك Muravchik بناة ورعاة لقادة "اليمين الجديد" New-Conservativism في الولايات المتحدة مثل بول وولفتيز، وبيرل، وديك شيني، الذين قادوا إقامة نظام عالمي إمبريالي جديد وقاموا مع المنشفيك الجدد في روسيا وحزب السوفييت بعملية تفكيك الإتحاد السوفييتي، وبدأوا الهجوم الإعلامي والإقتصادي والعسكري على الدول الرافضة لخصخصة مواردها وشنوا الحملة ضلالية دموية على العراق واعلنوا عداءهم لحركات الشيوعية ولحركات الإسلام ولحركات القومية ولحركات السلام ولحركات البيئة-الخ



    ومن أهم مثيويولوجيات اليمين المحدث هي ميثيولوجيا"نهاية الإيديولوجيا" التي كنف عليها في الولايات المتحدة جيش من بحاثة المخابرات وعلى رأسهم سيمور ليبست Symour Lipset و بال Daniel Pal، مستندين في هذا النوع من البحوث على تناول صوري للغة ونسبيتها واللغو بهذه النسبية والصورية لنفي القوانين العامة للتفكير ونفي ضرورة القوالب الفكرية لإصطناع الإصطلاحات وتحويل الوقائع الطبقية الحية الى مفردات وصور ورموز ذهنية.


    و إبان عام 1950 كان كريستول Irving Kristol قد أسس في برلين ما سمى بـأسم : "مؤتمر الحرية الثقافية" Congress for Cultural Freedom، كما اسس في لندن في عام 1953 نشرة الثورة المضادة | المحافظة المسماة إنكاونترEncounter )التواشج) التي خصصت لحشد كتاب عددا ضد الإتحاد السوفييتي وكانت ألمعهم حنا أرندت Hanah Arndt عاشقة مُنظر النازية وصاحبة كتاب ليبرالية السوق "أصول التوليتارية" Origins of Totalitarianism الذي غدا في واقع العالم مبرراً لهيمنة قوى السوق في السياسة وتخفيت طغو الإمبريالية، وتلوين الحروب الدموية وحصارات التجويع والقمع ضد المجتمعات والدول والحركات التقدمية. وكانت الحرية بمفهومها البرجوازي|الفردي اللاإجتماعي هي المفردة المركزية في حركة المحافظة الجديدة وإعتداداها بالقوتين الأمريكية والإسرائيلية كسبيل رئيس لصياغة العالم وفق ماتراه.



    الماركسيــة- اللينينيــة نقطــة تحــول التاريــخ والمعرفــة :

    بسياق معلن للأزمة المزدوجة، يظهر في الأحزاب الشيوعية إقتراح تجريبي بإعتبار "الماركسيـة" [غير الماركسية اللينينية] مجرد واحدة من مصادر المعرفة في برنامج الحزب ؟! دون أن يقدم الإقتراح حدوداً أو علامات تميز وتشرح طبيعة هذه المعرفة وأسسها وأهدافها الطبقية. والمقترح قد يكون دافعه مواجهة أزمة النظرية بعد إنكسار وتكسير الدولة السوفييتية، وهو حدث يعطي التعامل الحدسي معه نتائج خاطئة ككل تعامل ردود الفعل العفوية والتلقاء مع أحداث التاريخ، بينما التعامل الإنجع بالجدل مع التاريخ ككل يكون في صيرورته الطبقية الداخلية الممتدة، لا مع لحظة من لحظاته، فالتاريخ (ككل) هو وحده الذي يعطي إمكانية أكبر للعقل لفهم الأحداث في جملتها، ولتجديد المعرفة الثورية في كلية تكونها من وفي التاريخ، كمعرفة مرتبطة بمضمون التاريخ لا بالتأثر الإنطباعي بمظاهره المتغيرة وتقييمها خارج قوانينه الرئيسة.

    والماركسية-اللينينية التي تنتقص مقترحات التجديد مكانتها المصدرية في برامج الأحزاب الشيوعية تمثل في تاريخ المعرفة نقطة تحول وقطع وتجاوز للتراكم العفوي والبرجوازي للأفكار للنظريات والمعارف والفلسفات التي صاغها الإنسان للمستقبل.


    فقد كانت الماركسية-اللينينيــة مؤثل ومحرك وماكينة الطبقة العاملة وعموم الكادحين لتأريخ المعرفة، وتكوين المجتمع والعقل الإنساني، فبعد اليونان وإبن طفيل وديكارت وسبينوزا وكانط وليبنز وفصلهم الشديد بين أحوال الطبيعة والمادة والظاهرة والمعرفة والتغيير أسست الماركسية-اللينينية تحويل العقل من حالة العفوية والتأمل والتجريب والتناقضات المنطقية الهيكلية والإجرائية في المعرفة وموادها وتطبيقاتها إلى نطاق مادية الطبيعة وعناصرها في تاريخيتها وجدليتها. وإندغم هذا التحويـل الذي أشر ماركس وأنجلـز ولينين نقاطه المعاصرة في العلم الحديث مثلما إندغم العلم بهذا التحويل وبمفرداته بعلوم عددا منها الفلسفة والفيزياء، والرياضيات، والأحياء، والتاريخ، والإقتصاد، والإجتماع، والسياسة، والحقوق، والنفس، والمعرفة، والأدب، والجمال.


    وبعد هذا الجدل في تاريخ المعرفة الإنسانية بين الإندغام والتفرد في موضوعات المادية والجدل والتاريخ والعلم والمجتمع والماركسية اللينينية، تتحول عملية فرز المعرفة الإنسانية أو الفكر الإنساني برمته وتقديمها أو تقديمه كمصدر خالص لبرنامج الحزب، تتحول إلى عملية إرتداد لمراحل قديمة من تاريخ تطور الفكر والمعرفة، كان فيها الوعي العلمي والوعي الإجتماعي في مرحلة ماقبل المعايير. كما إن الإقتراح بسحب المكانة المصدرية للماركسية اللينينية يخلق سوقاً موازية لـ وإستغنائية عن: تنمية الفكر والمعرفة الثورية، فالإقتراح بأخذ مجمل الفكر الإنساني يقوم بتعويم علم الثورة الإجتماعية، الذي كان من المتوجب الإعتناء باستراتيجياته وتاكيتيكاته على المستويات النظرية والعملية المتنوعة.


    والماركسيــة-اللينينيــة كأسلوب فكري وعملي نضالي طبقي عمالي وثوري لمعرفة جدل التأريخ وتغييره، أثرت جدل هذا الجدل وساهمت في تفتح النقد الخطي والنقد البنيوي للأفكـار والموضوعات والمطالبة إما بفتح أو بتعيين أو بمد خطوطها وحدودها وأبنيتها ونقاطها حتى أصبح الفكر العلمي المعاصر بمكوناته المختلفة وتكويناته متصلاً ومتحركا ومندغماً مع الصراع الإجتماعي، بلاحياد متوهم، وأصبح من المتعذر جمع نواصيه ومصادره خارج تخصصات معينة وفلسفات جامعة، دعك عن ممارسة التغيير الطبقي به.


    إن إقتراح بناء نظرية ثورية جديدة بما يسمى إعتبار الماركسية )مجرد مصدر( مماثل لمصادر المعرفة الإنسانية الأخرى هو إقتراح مختل، فالماركسية-اللينينية بحد ذاتها ليست قائمة في الواقع السياسي كمصدر للمعرفة العامة، بل هي آلة معرفـــة وممارسة جديدة وهي المعرفـة والممارسة الثوريـة الإجتماعيـة التي تكسب وتكتسب من بعض المعارف والممارسات العامة حيويتها الإجتماعية. وكان ضرورة لإقتراح المساواة الإعتباطية بين السياقات العلمية والنضالية تبيين مفهوم هذه "المعرفــة الإنسانيـة" وتعيين حدود عناصرها وبنيتها وشكل وطبيعة وجودها في كل البرامج السياسية لنقدر بها الفائدة التقدمية الإجتماعية للماركسية-اللينينية بكر لطيـف لعنوان كتب العداء للشيوعية: "الماركسيـة في الميــزان"*.

    فوضع الماركسية-اللينينية في (الميزان) يحتم تقديرها موضوعاً بالقيام بمعرفة وحساب ومسطرة ميزان الفلسفات والبرامج الحزبية الآخرى كمناهج وشرائع سياسية للشرائح والطبقات الإجتماعية التي تكون الواقع ودورها كبوصلة مرشدة لهذه المصالح الإجتماعية في غابات وصحاري العمل والسوق والحكم.


    وبشيء مكثف من تلك المقارنة والبحث أكد المؤتمر الأيديولوجـي للحـزب الشيوعـي الأمريكــي الذي عقد في الولايات المتحدة في أكتوبر 1999 قبل إنتفاضة سياتل: ((إن الماركسية-اللينينية هي التكنولوجيا الإجتماعية الأرقى بإستمرار في تاريخ البشرية)) وفي هذا السياق الفلسفي التقني-السياسي جاءت طروح الأحزاب الشيوعيــة الأوربيــة والحزب الشيوعـي اليابـــاني.


    ويمكن القول بإن توكيد المؤتمر وتوكيدات الأحزاب الشيوعية الأوربية والآسيوية لكون الماركسية اللينينية تمثل أقصى التطورات الجمعية لفلسفات التغيير الإجتماعي واشج أسس الفهم المادي للطبيعة والتاريخ بطابعها الجدلي الثابت والمتحول وبسيروراتها المتوالية وطفراتها وتوكيدها صحة العناصر المادية التاريحية الجدلية المتنوعة التي تشكل بنية الماركسية اللينينية من نقاط وعلاقات وتمثلات وصور وأحوال مثل:

    (المادة والحركة والتناقض، والتغير والتطور، والعمل والإنتاج، توزيع الموارد والجهود والثمرات والطبقات الإجتماعية وعلاقات الإنتاج، وبنيات البنى التحتية والبنى الفوقية، والصراع الطبقي، وعلم الجمال، إضافة للتشكيلات الإقتصادية-الإجتماعية، ودور الجماهير في التاريخ، والتاريخ نفسه، وحقيقة ظواهر ومفاعيل الرأسمالية والإستعمار والإمبريالية، والتحرر الوطني وحق تقرير المصير وحكم الشعب، والثورة، وتوحيد وتنظيم الكادحين في حزب شيوعي|ثوري ركن حرب للطبقة العاملة والجيش (السياسي) الثوري للكادحين الذي يهدف لتدمير وقمع الإحتكارات وإشاعة وسائل الإنتاج والخدمات العمومية والجمال).



    وقد نتجت كل هذي العناصر بتفتح العلم منذ إكتشاف النار وحتى فلسفة الفلسفة وبنضالات شعوب العالم منذ ثورات العبيد والإقنان والثورات الأمريكية والفرنسية وكميونات باريس ومارسيليا وصولاً إلى الثورة الإشتراكية الأولى ومتوآلياتها القامعة للإحتكارات بديكتاتورية الطبقة العاملة. لذا فوجود عناصر الماركسية اللينينية بواقع الحياة الإجتماعية ليس بنقيض أدلوجي للمعرفة أو للثورة لأنها تتقدم في ذاتها وتشكيلاتها بفعل جدل الحياة نفسه الكامن فيها والقائمة به، مما يدفع بالسـؤال المرير في هذه الزمن الإحتكاري:


    ماهو الشيء الضـروري للمعرفة الذي يحتم تقليل مكانة الماركسية-اللينينية في برنامج حزب شيوعي؟

    ما هـو المعيــار المتفوق أوالعدو ل لها الذي أستخدم أو يستـخدم كأداة لتثقيفها أو لثلمها؟ أهي الفلسفة النفعية؟ أو هي أفكار الإصلاح الإجتماعي ؟

    أن محاولة الاجابة الموضوعية تتطلب تقدير البنية الثورية الاجتماعية للمادية التاريخية في الوعي والواقع كضرورة للتحرر من الإستغلال والتهميش المحلي والإمبريالي.وهي ضرورة تتطلب تثبيت وجود الأحزاب الشيوعية وتثبيت المكانة المركزية للماركسية اللينينية فيها.


    ففلسفة الماركسية اللينينية هي الأداة العقلية لدراسة وتغيير الواقع والوعي المتصل به. كما ان برامج هذه الفلسفة تقدم أجذر التحليلات الموضوعية للواقع في ماديته وتاريخيته وجدليته، وهي بتقديمها الأسلوب الجذري لفهم وتغيير الواقع والوعي المتصل به، تمكن فعلاً من التغيير الجذري للوعي والواقع. كما فعلت من قبل بأشكال جزئية كبرى في روسيا والصين وعدداً من دول العالم الثالث، بالإعتماد على تنظيم الموارد الذاتية للشعوب والتخطيط العلمي لتطورها دون ان تقوم بأي عمليات إستعمار قديم كان أو جديد.


    التنمية الآيديولوجية العلمية الثورية للعمل الشيوعي:

    أن التحرر الشامل لبلادنا ومجتمعاتنا من القمع والإستغلال والتهميش يتطلب تنمية الحركة الشيوعية لأيديولوجيتها لا التخلي عنها، وذلك بـ:

    1- تغيير أسلوب الفصل بين المصالح الوطنية والطبقية

    2- نقد المباينـة بين تطوير قوى وعلاقات الإنتاج

    3- إعادة النظر في الإنتنظام بتحالفات تقودها المصالح الجزئية لقوى البيروقراطية والبرجوازية المحلية والدولية.

    كما يجب الإنتباه إلى أن محاربة ما يسمى بـ"مظاهـر الجمود" تتطلب أمراً أعمق من تقليل المكانة المصدرية المركزية للماركسية-اللينينيـة في برنامج الأحزاب الشيوعية أو محاولة إسقاط "اللينينيـة" من الإصطلاح الفلسفي وجر الماركسية بعيداً عن اللينينية إلىمواقع التأمل والتجريب، وتجاهل الحقائق المرتبطة بوجود صراع إجتماعي وطبقي والإرتباط بقضاياه الجذرية وقواه الطليعية وهي الطبقة العاملة ونبذ الإلتزام بالتغيير السياسي الإجتماعي التقدمي لأوضاعه.

    وأظهر مايكون الجمود ففي جانب التنظيــر الإصلاحـي (للإنتقال من الأوضاع الأقل للأكثر أشتراكية) في ظروف الإمبريالية الجديدة. فالإجتهاد في وبنظرية هذا الإنتقال ضعيف: فلا إهتمام نظري يذكر بتكوين مجالس إنتاج أو بحال تمثيل الطبقة العاملة أو المناطق المهمشة أوالفئات العمرية أو المرأة أو التخصصات في الهيئات الحزبية الشيوعية والإجتماعية القائدة، كما لافعالية حزب في تحرير الحياة الإقتصادية لعضويته أو لجماهيره، الأمر الذي كلس بنية الحزب، وتكتيكاته نتيجة العزلة عن الطبقات الكادحة والقوميات المستعمرة، والإرتباط بمراكز وقوى السيطرة الإجتماعية-السياسية في الدولة بدلا من إندغامه بمهمشيها. وفي مايلي من صفحات سنحاول تناول الجزء البارز من ظواهر الجمود الفكرية ودعاويه التي يتستر بها:


    بعض الدعاوى السياسية الجامدة أوالمستدعية للجمــود:

    1- جعل الحزب قوة إجتماعية )لا قوة للثــورة الإجتماعية = ) ( عزله عن الكادحين(:
    فجعل الحزب قوة إجتماعية وليس قوة للثــورة الإجتماعية، جمد حيوية علاقة الحزب مع الكادحين
    فبناء القوة الجماهيرية في مجتمع تقليدي يختلف عن بناء قوة ثورية فيه. ونتيجة لهذا الإبتسار التضخمي إختلط عدة وعددا حابل الإصلاح بنابل السخط.

    2- (الحلول الواقعية لمشاكل الجماهير) وهي خفاض لتطلعات الجماهير:
    شعار الحلول الواقعية يفرض حلول تمارئي مضموناً أو أسلوباً الأوضاع والقوى السائدة، ويسكن قدرات الكادحين الجماهيرية، وذلك بـ(ـإقناعها)بقبول رضاء الدولة وقواها، كأساس فعال لتحقيق مطالبها.

    3- (نقدالجمود/التجديد/الإنفتاح) وهي شعارات تواري الجمود الحقيقي:
    الدعاوة المتصاعددا مذ هزيمة الجيش الأمريكي بفيتنام هي دعاوة نقد الجمود/التجديد/الإنفتاح وهي سلاح سياكودلوجي يدفع الى اللامعيارية واللامنهجية، ففي الواقع المادي لاتوجد نظرية متصلبة بل توجد ممارسة محددة لقراءاتها ولإستخراجاتها تفرضها مصالح طبقية و شرائحية معينة.



    وإتهام الشيوعية بالتصلب والجمود بالمنطق الشكلي الجامد الذي تستخدمه بعض تنظيرات التجديد المطروحة بأسلوب: (إما.كذا..أو.الدمار) وبدلالة أحدية سقيمة هي( إما نار الإشتراكية القديمة بطريقها الواحد البيروقراطي-العسكري أو البرلماني، أو جنة إستنفاذ الرأسمالية لإمكاناتها !!) لكأنما لا مخرج من سوق أم درمان هذه، وألا مجال بهذا التناقض الماثل الذي نعيشه لتقدم ثوري إشتراكي للمجتمع؟!

    وإذ تتحدث بعض موجهات تجديد برنامج الحزب الشيوعي السوداني عن البحث عن نظرية ثورية جديدة تراعي عدم إستنفاذ الرأسمالية لإمكانات تطورها كشكل نظر عملي جديد! فهذا دليل على حال إلتباس ولاتاريخية ولامنهجية ولامعيارية تسود مجتمعتنا، وعلى خلل سياسة قياداته الحزبية التي لاترى مخرجاً من سياسات التطور الرأسمالي المدنية أوالعسكرية .

    وكانت الأقلية العدوة للثورة والشيوعية من حزب العمال الإشتراكي الديمقراطي الروسي (المنشفيك) مرتبطة بـ"إستنفاذ الرأسمالية لذاتها" وكذلك كان الحال في حزب العمال البريطاني (الإشتراكي الديمقراطي): فمنذ تأسيسه بداية القرن العشرين، إرتبط نصف قيادات وسياسات الحزب بهذا الطرح بينما إرتبط نصفه الأخر بدور "الدولـة" كصانع أعظم للتغيير والتجديد الإجتماعي-السياسي. وفي الكتاب التوثيقي المسمى "تاريخ حزب العمال البريطاني"، لاندرو ـثـورب Andro Thorpeفإن تيـار "إستنفاذ الرأسمالية لإمكانات تطورها" كان-ولم يزل- تياراً دافعاً للتطور الرأسمالي لحدوده القصوى، اللاإنسانية، بزعم ان رأس المال سيبتدئ بعد وصوله للحدود (القصوى) بالتحول للنقيض!! كما اللافتة المصرية الطريفة: بكره البيع بالمجان.


    ومنطقاً فإن فلسفة هذا الإنتظـار للثورة تتجاهل بتجديداتها البرجوازية (الوضع الواقعي لديالكتيك "الحداثـة" و"الجمود") كقوة دفع للتطور الرأسمالي في الأحزاب الإشتراكية بنتائجه المروعة بأوربـا وأمريكا، وفي عالمنا المستضعف، جاءت مقترحات التجديد في مقدم القرن الواحد والعشرين متابعة لمقررات للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي الذي إنعقد في فبرايرعام 1956 إذ ذهب ذاك المؤتمر الذي صيغت عضويته وأٌعد تقريره لإستيعاب قوى وسياسات بقايا البرجوازية-والبيروقراطية داخل الحزب الشيوعي لإعادة تفعيل قانون القيمة-النقود في مجال حيازة المنافع والسلع في المجتمع دون تفعيل قوانين القيمة والنقود نفسها في مجالات الإنتاج والإدارة وعائدات العمل!


    فبالتبعية لأعمال هذا المؤتمر تتجاهل مقترحات التجديد تأسس إتحاد السوفيت وإزدهار الإنتاج والخدمات العامة فيه وإنتصاره في الحرب العالمية وبلوغه أقطار السماوات والأرض، وفق أنسنة وعقلنة الإقتصاد والتخلص من نقوديته، وقدمت كل هذا التقدم الإنساني العظيم كـ(جمود في النظرية والنشاط السياسي) وألقت أعباء معاركه وسلبياته على سيكولوجيا شريرة لستالين معتبرة شخصه وأسلوب حكمه المخطط الذي أنتجته الشيوعية هو المصدر لكافة أخطاء ومصائب بناء الإشتراكية بمنطق إن وجود ثمرة تالفة يعني أن الشجرة كلها تالفة.

    وتركز التهمة الجزافية والشماعة الشهيرة لتعليق تخلف بناء الحركة الشيوعية في بلادنا على أن الملخصات التي أعتمدت بإتحاد السوفييت في عهد ستاليـن بإسم "الماركسيـة-اللينينيـة" إختـزلت ثـراء الفكر الإشتراكي بمجلداته الضخمة وألقت عقلانيته مكتوفة في بحر الدوغما! والإتهام بالإختزال المخل به إفتراء: فالتلخيص عامةً هو مجرد عملية إختصار علمية معتادة مألوفة للأفكار والأعمال النظرية الواسعة، تقوم بجمع وضرب وجبر وحساب مثلثات وجذور الكلمات والعلاقات اللغوية الحاملة والمعبرة عن الفكرة مختزلة عناصرها وعلاقاتها وبنية مفاهيمها في صياغة لغوية أقل عدداً في كلماتها وأكثف في معانيها، كما في عملية الجبر في الرياضة أو عملية تصغير الخرائط أوعملية قمس المفاهيم في القواميس.


    ومنطقاً يمكن القول أن الضرورة العلمية-السياسية لتبسيط وتركيز إتساع مؤلفات ماركس وأنجلـز ولينين وعدد من المفكرين والمنظرين الشيوعيين وصراعاتهم الفكرية إرتبطت بضرورة تقديم لب أعمالهم لجمهور الطبقة العاملة والزراع والحزبيين وراغبي الإطلاع مثلما قدمت القواميس النمطية ملخصات معرفة عصر الأنوار!!


    ومن المعروف أن الإتحاد السوفييتي، وطن الإختصارالشهير، قد أعتنى في حين تأسيسه وإزدهاره بمفاهيم الماركسية-اللينينية بمحو الأمية وبالتربية والتعليم والبحث العلمي، مثلما أعتنى بالأدآب والفنون، كما أصبحت ممارسة التثقيف والنقد الذاتي والجماهيري في العهد المذكور طابعاً للحياة الحزبية والعسكرية الشيوعية. ويذكر أن إتحاد السوفييت قام بطبع وتقديم وترجمة ونشر المؤلفات العلمية للفكر الإشتراكي ونصوصه التأسيسية وتوزيعها، على الأقل من كتاب فردريك إنجلز الشهير: "تطـور الإشتراكيـة من خيال إلى علـم" وماركس بـ"نقـض برنامج غوتـا"، وحتى "رأس المال" حيث توسع الإتحاد في دراسات نصوص الأفكار والتطبيقات الإشتراكية إلى مستويات كمية ونوعية عالية.


    ومازال مجال البحث الإشتراكي العلمي متقداً بالتنظيرات وبنضال الشعوب والحركات الثورية وجهود مثقفي الإشتراكية العلمية في انحاء الفكر والحياة. وإن اطفأت أليات الإمبريالية والإشتراكية الديمقراطية في الزمن الراهن الكثير من هذه الأعمال متجة لتجميد الإشتراكية في القالب الفطير لأعمال ما قبل ماركس وإنجلز ولينين وستالين والسائرون على خطهم نقداً وتعديلاً وإضافة.


    وقد أسست عقول عديدة وساهمت بهذا العمل الأيديولوجي الكبير، وهي عقول أكاديمية وعلمية تأسست على النضال الشيوعي للكادحين والفلسفة الثوريـة المادية التاريخية والجدلية أشهرها عقول لوناشارنسكي ولوكاتش وبافلوف وحتى بوهر Niles Boher مؤسس ميكانيكا الكم. ولايعقل هؤلاء رد جمود أي فكر لمجرد وجوده مبسطاً وملخصاً وقاموسياً بين الناس، أو إلى نشر الناس له، كحق قرروه وناضلوا به، دعك عن أثر بلايين النسخ من روائع الأداب والفنون المثرية للوعي البشري بالحقيقة والجمال في إستيعاب مغازي الكلمات إن لم نرد الحديث عن أثر إرتفاع مستوى التعليم في عهد ستالين وإنمائه إمكانات الإطلاع على كافة مؤلفات ماركس ولينين وإغزار هذا التعليم لإمكانات إستيعاب وفهم الناس لها وإبداعهم منها في معارك البناء والدفاع عن الوطن والإشتراكية والإنتصار لها ضد أقوى دولة راسمالية في العالم آنذاك وهي ألمانيا النازية.


    كذلك يمكن فهم السياق الديكتاتوري التجاري الذي حاصر هذه المؤلفات والإمكانات التي مثلتها في حاضر السوفييت جراء سياسات المؤتمر العشرين التي إنتصرت لجهة نظر المنشفيك وخروجهم على هذه الملخصات وإنفتاحهم الفكري والطبقي بالضرورة وهي جهة نظر موجبة لتقييم المنافع بالنقود، وما أفرزته من اوضاع سوقية في المجتمع والحزب والدولة إنتهت بها بعد عقود ثلاثة إلى حطام دولة كانت إحدي قوتين أعظم في العالم.
                  

01-14-2009, 07:15 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صناعة تجميد الإشتراكية (Re: Al-Mansour Jaafar)

    الاخ المنصور جعفر
    تحية طيبة
    اعتقد انك قمت باغراق البوست لان المادة التى قدمتها ليس لها علاقة بثيمته الاساسية بل تؤكدها وهى الخطأ القاتل الذى ارتكبه مسؤول العمل الثقافى المركزى فى الحزب الشيوعى السودانى والتى تدل على عدم اطّلاعه الكافى . لانك اتيت بمادة تؤكد الخلاف بين اليسار الجديد او الماركسية الجديدة بكل انواعها مع الماركسية التقليدية ( التى تعتبرها انت صحيحة وتعتز بنقائها) ، مع ان تاج السر اتى بما يفيد ان الماركسية شىء واحد اكد على صحته حتى سارتر ودريدا ( زى قصة الاسلام واحد لا يتجزء عند اهل الهوس الدينى ).
    عموما ادعوك الى نقل مساهمتك اعلاه الى بوست منفصل لانها تتعلق بموضوع مختلف وهو الخلاف الفكرى والفلسفى بين الماركسية (النقية) والاخريات من ماركسيات جديدة ، وانا اؤكد لك التزامى بمناقشتك فى ذلك البوست .
    مع تقديرى
                  

01-14-2009, 09:06 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صناعة تجميد الإشتراكية (Re: طلعت الطيب)

    كانت اول كتابات دريدا قد ظهرت فى كتاب صعب القراءة وهو ( علم القواعد اللغوية والكتابة المختلفة) اذا صحّت ترجمتى المتواضعة ، وقد ظهر هذا العمل فى العام ١٩٦٧م اى قبيل الانتفاضة الطلابية فى فرنسا والتى اشرت اليها بعاليه بعام واحد فقط.
    وكان دريدا يهدف اساسا الى نقد الحداثة وقد شكّل مع فوكولت ولاكان تيار ما بعد الحداثة الاسترتيجى للتفريق بينه وبين التيار (الراديكالى ) وقد اشترك الفلاسفة الثلاثة بل قل اتفقوا على المبادىء الثلاثة الاتية:
    اولا - الالتزام الكامل باعادة قراءة وتفسير اعمال اهم كتاب الحداثة الكلاسيكيين من امثال نيتشة وفرويد وآخرين
    ثانيا - القناعة بأن اللغة او (الخطاب) يعد مرتكز اساسى لاى علم يتعامل مع الانسان (العلوم الانسانية)
    ثالثا - الرفض القاطع لكل من (المسألة الاساسية فى الفلسفة )، والكلية ، والمركزية
    وكما يرى القارىء فان المبدأ الاخير قائم برمته على نقد الماركسية التقليدية
    وكما يقول هابرماس فان ثلاثتهم يشتركون فى خاصية هامة وهى الدور الحاسم للغويات The linguistic turn
    يلاحظ ان الشىء الوحيد الذى يميز تيار ما بعد الحداثة الاستراتيجى هو المبدأ الثالث والخاص بنقد اساسيات الماركسية التقليدية وقد كان الاجدر بالسيد تاج السر ان يلتفت لهذه الخاصية لانها لم تكن فقط كافية لتوضيح مفارقة دريدا للماركسية التقليدية التى يؤمن هو بها ويحاول تاكيد صحتها باستصدار شهادة زور من الفيلسوف دريدا حيث ان مفارقتها للماركسية ليست فقط( مفارقة الطريفى لجملو كما يقول مثلنا السودانى الشهير) كما نرى ، بل لانها خاصية جعلت علماء الاجتماع يضعون هؤلاء الفلاسفة فى خانة ( ما بعد الحداثة) واعتبارهم اهم فلاسفة ما بعد الحداثة وفى هذا وحده جهل بشىء لو تعلمون عظيم فى حق من يشتغلون فى الحقل الثقافى!!!!
    اواصل فى اعطاء القارىء بعض مذاق لاعمال الفيلسوف جاك دريدا

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-15-2009, 00:05 AM)

                  

01-14-2009, 11:36 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صناعة تجميد الإشتراكية (Re: طلعت الطيب)

    الاخ ناظم
    القارىء العزيز
    تبقت لى مداخلة واحدة فى الوقت الراهن ساقوم بتكريسها لمعالجة الفكرة الاساسية لاعمال الفيلسوف الفرنسى دريدا ولاعطى القارىء الطعم (الشهى) المتعلق باعمال ما بعد الحداثة . وقد كنت ساكتفى بالمداخلات السابقة لو كان الامر متعلقا بنقد كتابات تاج السر عثمان لانها فى تقديرى امتداد للوضع السىء لمثقف السودان ولقوى الحداثة بالتالى لشعبنا المغلوب على امره . وهذه اشياء منغصة قد تمتد وتطول ولكن ساهتم بالمداخلة الاخيرة لاننى سأحاول من خلالها اعطاء معنى لكتابات د. حيدر ابراهيم على وقد كتب الدكتور عند تأسيسه للمركز فى القاهرة حول اهمية محاربة ( ثقافة المشافهة).
    وفى تقديرى ان د. حيدر يعبر عن اهتمامه بأمر ما من خلال الكتابة حتى لو قدر له طرق الموضوع عن طريق ندوة او ما شابه . ولشرح الامر احاول ان اقدم له من خلال اعمال دريدا وصحبه من كتاب ما بعد الحداثة .
    يعتقد دريدا ان نقد الحداثة صاحبته اشكالية كبيرة وهى اهماله لثقافتها ولغتها ، وان اهم ما يميز ما بعد الحداثة هو مقدرتها على نقد الحداثة ودحضها .
    لاعطاء القارىء فكرة يمكن المقارنة بين هابرماس كاحد فلاسفة الحداثة الراديكالية وبين دريدا ، ففى محاولة الاول اعطاء تعريف لمصطلح تحررى emancipatory ومصطلح ثقافة culture فانه قام بمحاولة تحسين وترقية مفهوم الكلمتين.
    ولكن دريدا وجماعته يعتمدون استخدام المصطلح اللغوى بتغييبه والابقاء عليه فى نفس الوقت وذلك من اجل جذب الانتباه الى محدوديته كمفهوم concept.
    فى اللغة الفرنسية فان كلمتى difference و differance تنطق بنفس الطريقة بمعنى ان السامع لا يحس بالفرق بين الكلمتين ولكن الفرق يظهر عند كتابة الكلمتين فالاولى تعنى نفس المعنى فى اللغة الانجليزية وهو فرق اما الثانية فمعناها ارجاء الشىء الى حين .
    فى المداخلة القادمة سوف اوضح الفرق الثقافى الهائل بين الكلمتين اى بين ثقافة المشافهة وبين الخطاب المكتوب .
    وبعدها, ليبقى هذا البوست عاليا لانه يعالج قضية فى غاية الخطورة نأمل ان يجد تشخيص الدكتور النقد الموضوعى المطلوب بعيدا عن ظواهر (الماء الزلال ) التى ظل مسؤول العمل الثقافى المركزى للحزب الشيوعى يتحفنا بها . واذا اتفق الناس عى صحة النقد او بعضه يبقى السؤال المهم ، هل يمكن علاج الظاهرة ؟ وكيف
    هل هى تستعصى على العلاج؟
    اذن ما العمل ؟
                  

01-17-2009, 06:29 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صناعة تجميد الإشتراكية (Re: طلعت الطيب)

    وهم المشافهة ونقد الحداثة عند جاك دريدا

    تعوّدنا فى السودان ومنذ الصغر على تحاشى النظر فى عين الاب او العم او الاستاذ او اىّ شخص كبير فى السن كنوع من (الادب )، ويبدو ان اخوتنا واخواننا الاثيوبيين تربوا على نفس السلوك . وعلى ايام حكم منقستو تدفق العديد من طلاب اللجوء الى الغرب طلبا للامن والاستقرار. وقد علمت من اكثر من مصدر موثوق ان عددا كبيرا ممن تقدموا بطلبات اللجوء قد تمّ رفض طلباتهم بسبب انعدام المصداقية .كان السبب فى ذلك يعود الى حد كبير لظاهرة تحاشى النظر الى المتحدث (كنوع من الاحترام) وقد فشل طلاب وطالبات اللجوء فى النظر الى ضابط الهجرة اثناء الجلسات (eye contact).
    غياب الفهم التعددى للثقافات كان عائقا امام الهجرة الكندية فى التعامل مع ظاهرة اللاجىء الاثيوبى وهو امر تمّ تلافيه فيما بعد.
    تعتبر ثقافة الحداثة ان المشافهة اكثر مصداقية من الخطاب المكتوب ويتحول هذا الاعتبار الى احتفاء خفى يمارس تاثير عاليا على المواطن ولذلك تعتبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة فى نفس الوقت مثل التلفزيون اشد تأثيرا على المواطن نظرا لتميزها (بالحضور والمواجهة).
    بالرجوع الى الفيلسوف جاك دريدا ومثله المختار من اللغة الفرنسية حول كلمتى difference و differance حيث تتطابق الاولى مع المعنى الانجليزى وهو اختلاف او فرق ، بينما تعنى الثانية تأجيل الشىء الى حين وهو يطابق المعنى الانجليزى deferred. وقد لاحظ دريدا ان نطق الكلمتين واحد وقد لا يميز (السامع) الفرق فى المعنى بينما لا يمكن (للقارىء) ان يخطىء المعنى حيث الفرق بين الكلمتين واضح عند الكتابة.
    المقارنة بين الكلمتين تعطى فكرة حول تغييب المعنى فى ثقافة المشافهة وذلك بعكس الكلمة المكتوبة . ولكن برغم ذلك فان ثقافة الحداثة تحتفى بالمشافهة ، لماذا؟
    كان هذا واحدا من نقد ما بعد الحداثة لثقافة الحداثة وربما ادرك الرئيس الامريكى المنتخب اوباما وعنى تماما بهذا الجانب المهم بطبيعته ( والمبالغ في اظهار اهميته بسبب ثقافة الحداثة).
    حين قدّم الرئيس الامريكى ابراهام لنكولن خطابه الشهير فى جيتزبيرغ فى ١٩ نوفمبر عام ١٨٦٣، لم يستوعب الشعب الامريكى معانى ذلك الخطاب العظيم رغم انه كان يشير بشكل اساسى الى المعركة التى قتل فيها اكثر من واحد وخمسين الف مواطن امريكى ، وقد كانت الحرب الاهلية اكبر كابوس يمر على المجتمع الامريكى على الاطلاق حتى يومنا هذا . وقد كانت قيتزبيرج كما نعلم بمثابة الفجر الذى اعلن امكانية تحقيق الوحدة فوق الارض الامريكية والاهم من ذلك هو ان الخطاب التاريخى كان قد جسّد الامكانية الفعلية لتحرير الرقيق.
    لم يدرك الشعب الامريكى اهمية الخطاب الاّ بعد كتابته وتوثيقه، فقد كان الخطاب المكتوب هو الذى مكّن الناس من الوقوف على اهميةالمعانى الاخلاقية الكبيرة ومدى مساوىء الحرب الاهلية ، وقد كان الخطاب المكتوب هو بمثابة النقش على الوجدان الامريكى , يمكن لكل من يتشكك فى ذلك ان يزور الاماكن التى دارت بها معارك الحرب الاهلية الامريكية ليرى ما اذا كان هناك شىء لم يتم نقشه او كتابته .
    لذلك يقول دريدا ان ثقافة الانسان وتاريخه ما هما الا نقوش للمعانى الانسانية مكتوبة ومسجلة فى الانصبة التزكارية وارض المعارك والقرى والمناطق الحضرية ، انها الثقافة التى تترك اثارها وعلاماتها الظاهرة على جسد الامة. ولكن هذه المعانى يتم تاجيلها deferred حتى نستوعبها فيما بعد ولكن بعد حدوث الوقائع الحقيقية وبمزيد من الجهد او قليل من خلال وسائل مثل الكتابة والتسجيل الفنى.
    وحينما يتعلق الامر بالمجتمع، فالواقع يقول ان الاختلافات الاجتماعية حقيقة واقعة وهى مشكلة موجودة مثل الاختلافات الطبقية والعرقية والجندرية . هذه الخلافات قد يستطيع سياسى ما ان يخفيها ويبتذلها من خلال (خطبة عصماء) ولكن لكل من (يقرأ) كتابات حول غيتوهات المدن التى يمزقها الفقر، او قرى دارفور التى حاق بها الدمار التام او النساء من ضحايا العنف والاغتصاب ، او نصب تذكارى لمحارب شاب صغير , فانه فقط حينئذ تصبح هذه الفوارق اكثر وضوحا وتصير الحقائق اشد ايلاما .

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-17-2009, 06:30 AM)
    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-17-2009, 01:30 PM)

                  

01-17-2009, 09:19 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صناعة تجميد الإشتراكية (Re: طلعت الطيب)

    Quote: كان الحزب الشيوعي يحاول تحصين أعضائه وكوادره من الأفكار الأخرى من خلال الإدانة المسبقة والتحذير منها وليس بتكثيف وتعميق الصراع الفكري. وهذا يعني تسليح الشيوعي بنظرية ماركسية متماسكة ومتسقة منطقياً وناجعة عملية. ولكن الحزب اكتفى بأن الشيوعيين لا بد لهم من الابتعاد عن هذه الأفكار ومناقشتها ودحضها. وهناك العديد من الأفكار والتيارات أعلن الحزب الشيوعي الحرب عليها تمتد من أفكار ماو حتى وجودية سارتر. ففي دورة اللجنة المركزية في يناير 1963 أطلق الحزب حرباً على الاتجاه الصيني، ويقرر محجوب «استطعنا حماية حزبنا منه. وكانت الحماية تثقف على نقطتين: أولاً: وحدة الحزب وهي التي جاءت عبر سنوات من فكرة الانقسام، ثانياً: خلال النشاط العملي الذي برهن على سلامة الخط السياسي لحزبنا: قضايا.. ص29. ومن الواضح أن الانتصار عملي دون أي اشتباك فكري قد يهز قناعات الشيوعيين السودانيين. إذ نلاحظ أن الحماية تقف على نقطتين مرتبطتين بالنواحي التنظيمية فقط وهما الوحدة والنشاط العملي ولا يأتي أي ذكر للقضايا النظرية والفكرية. ويتكرر نفس الموقف بالنسبة «لتعرض البلاد لتيارات الفلسفة الوجودية وتيارات مختلفة من الفكر الاوروبي الممزق» ص30. وبقي الحزب الشيوعي السوداني بعيداً عن المعارك الفكرية الكبرى وقنع «بتكريب» التنظيم وبالتالي ظلت المكتبة السودانية شبه خالية من المساهمات الشيوعية السودانية المميزة،
                  

01-17-2009, 02:20 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صناعة تجميد الإشتراكية (Re: طلعت الطيب)

    (ثم يذكر أنه كان لا يخرج ليلة الى موقفه من السياج الا وفى نفسه حسرة لازعة، لأنه كان يقدر أن سيقطع عليه استماعه لنشيد الشاعر حين تدعوه اخته الى الدخول فيأبى فتخرج فتشده من ثوبه فيمتنع عليها ، فتحمله بين زراعيها كأنه الثمامة ، وتعدو به الى حيث تنيمه على الارض وتضع رأسه على فخذ أمه ، ثم تعمد هذه الى عينيه المظلمتين فتفتحهما واحدة بعد اخرى ، وتقطر فيهما سائلا يؤذيه ولا يجدى عليه خيرا ، وهو يألم ولكنه لا يشكو ولا يبكى لأنه كان يكره أن يكون كأخته الصغيرة بكّاء شكّاء)

    من كتاب الايام لطه حسين
                  

01-18-2009, 01:14 AM

Al-Mansour Jaafar

تاريخ التسجيل: 09-06-2008
مجموع المشاركات: 4116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
صناعة تجميد الإشتراكية (Re: ناظم ابراهيم)

    ((مادة تؤكد الخلاف بين اليسار الجديد او الماركسية الجديدة بكل انواعها مع الماركسية التقليدية))


    الأستاذ ناظم ابراهيم

    الأستاذ طلعت الطيب


    الإحترام


    السلام عليكم ورحمة الله



    خطأ موغل في العداء للشيوعية بإتجاه تقديرك إلى أن مادة مقال "صناعة تجميد الإشتراكية" هي تحبيذ لما تسميه "ماركسية تقليدية"


    الفرق بين مأسميته ماركسية تقليدية وماركسيات حديثة هو فرق بين الماركسية-اللينينية ذات الطبيعة الشمولية المتكاملة: التغييرية الثورية بقيادة الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي وإيديولوجيتها العلمية وتنظيمها المركزي الديمقراطي ونضالهاالتحرري الوطني والأممي والطروح التغييرية الجزئية التي تتوسل بفكر ماركس في قرآءة الأزمة العامة ولكنها تصطنع حلولاًً جزئية ومحاور فوقية للتغيير كما في جهد كثير من العلماء ومنه المقال الحيدري. وفي مواجهته يبقى السؤال كيف يمكن تغيير نظام إقتصادي إجتماعي ثقافي سياسي معين دون تغيير العلاقات المؤسسة لوجوده؟

    في الختام أعتقد مع د.حيدر إبراهيم علي ان كثير من العلماء والمفكرين ذوي الإسهامات الكبرى في تقدم العالم لم يزوروا السودان.


    ولكم مع الود التقدير والإحترام


                  

01-18-2009, 09:34 PM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    عزيزي ذو النون

    كل سنه وانت بخير


    ليس كافيا ان نتعرف على وجهة نظر الاخر فينا بل ينبغى ان ندرك الطريقه التى يقيم بها الامور

    من المهم ان ان نعرى الكلمات اى لا نحملها بافكار سابقه او مواقف تاريخيه جامده


    تقديرى
                  

01-19-2009, 00:14 AM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    إذا أردنا لماركس ان يبقى حياً، أي ان نعيده من الصقيع الجامد الى دفء الحياة، فعلينا ان نفعل، كما فعل هو مع ديالكتيك هيغل، أي ان نوقف ماركس على قدميه بعد ان أوقفناه طويلاً على رأسه.
                  

01-19-2009, 05:04 AM

Al-Mansour Jaafar

تاريخ التسجيل: 09-06-2008
مجموع المشاركات: 4116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    يااا سيدنا ناظم


    لك التحايا الجميلات رسلاً ووسنا


    إنت الشمس تطلع عليك من كل باب




    السلام عليكم ورحمة الله



    قلت ياسيدي ((ان نعرى الكلمات ))


    وهذا خطأ


    فالمعنى أيما كان هو مجرد تعبير بكلمات ذات معنى، لا يوجد معنى خال من الكلمات


    لا توجد كلمة بلا معنى، لنعري كلمة ما فهذا ينطوي على إتهام لها بأنها تدلس معنى آخر والإتهام نفسه فكرة مسبقة مبنية على حكم معاني سابقة


    لا يوجد دليل منطقي مادي تاريخي على وجود سياق محايدأو جديد فكل المساقات والسياقات قتلت بحثاًوإستعمالاً منذ عصر إدريس النوبي الذي قيل إنه بوب الأسماء كلها وهو "هرمز" أو "إينوك" خارج السودان القديم وكذلك في عصر الحجية والسفسطة التي إستهلكت كل السياقات وأوضحها بدأ بقورياس وإنتهى بسقراط مع إنقلاب الديمقراط على التكنوقراط وعموم الفيثاغورثيين وكذلك في عصر الفلسفة "أفلاطون" الفلسفة التي فكرت في التفكير وفي طبيعة إتجاهات الكلام وتراتبه، بداية من محاوراته إلى جمهورية أراء أهل مدنه الفاضلة (الغابرة في سنار والخرطوم ومروي وبابل والإسكندرية)القديمة أوالمجددة بدعواه التي رمى إليها وإلى كتابه "القوانين" وكذلك في عصر توطد العلم بالفلسفة بتصنيفات أرسطو لعناصر "الطبيعة" و ما بعد "الطبيعة" أو الطبيعة العليا جعل أرقاها التاريخ وأرقاه السياسة وأرقاها النقاش العام وكذلك ما جاد به الزمان حتى ماركس وإنجلز إذ نصبا الفلسفة العلمية واقفة على قدميها بدلاً من حالتها القديمة، فاتحاً بجمعه الفلسفة والعلم والتاريخ كياناً ذهنياً جديداً هو "الوعي"... وكذلك ما أشتغل فيه إلى الآن من بناء كيان ذهني جديد هو "التأثيل" وهو كينونة أن تأخذ شفرة المعاني ميسمها المادي والتاريخي وأن تأخذ شفرة المادية كينونتها التاريخية وشفرة التاريخ كينونتها المادية بميسم عياني مثلما ميسم "القرْءآن" قبست المعاني في "التأثيل" محاولاً الإشراق بها.


    سبر المعاني وتمحيصها وجعل البصر إليها حديد عمل ضروري للثقافة وهو في حد ذاته ما يسميه فقه الإسلام بـ "النظر" وهو أيضاً الثقافة في معناها الحروفي، مما لا مندوحة منه فهو ضرورة تنمية إلا إن عملية السبر نفسها لا بد لها من معالم موضوعية موجهة وإلا أضحت حالة إستغراق ذاتي أو هوام فنضالنا ضد نظام الإستغلال والتهميش معقود لا بالتدقيق في كفاءة التعبيرات وخلوص الممارسات فحسب بل معقود بتغيير ثوري منظوم للأسس الطبقية التي إنتجت الإستغلال والتهميش ضداً لكينونة حرية وكرامة الطبقة العاملة وعموم المهمشين في المدن وفي الأرياف.


    أهل المعاني ودالات الإصطلاحات البصري والدؤلي والجرجاني، وباشلار، وإبن حزم وفيخنشتاين وريكور وكل الظاهريين وألتوسير وشومسكي وكل الماديين الجدليين البنيويين وما بينهم إذ يحاولون تحرير الكلمة أو قبض المعنى فذا شأن عظيم كذلك المقال الحيدري ولكن حفر المعاني والمعرف والعقول في نهج "الصحوة الماركسية" وتناول الماركسية بميسم ديني من قبل ثقافة بعض الرفاق لا يتفق والإتجاه المائز في خطابات السكرتير العام إلى نبذ الإلحاد وترك الشيوعية.


    إختلافي مع المقال الحيدري أن الحزب لا يعاني مرض الجمود العقيدي بل ومنذ تولي المناشفة أمور الشيوعية بعد المؤتمر العشرين1956 فإن الحزب صار فضفاضاً يعاني الترهل والتفكك الفلسفي والعملي. والمؤتمر القادم ليس "صحوة ماركسية" تنبعث من عيد الحج إلى النصوص أو إلى المواقف البطولية أو مراجعة الأخطاء الإنتهازية في الفلسفة والتحريفية في الممارسة، بل هو الآن في حاضر التبعثر الفكري والتشتت في المواقف العملية أقرب ما يكون في صورته العامة إلى صورة يوم القيامة، الفرق الواضح فيه عن ذاك اليوم والمشكلة الماثلة عياناً وبيانا هي "تعدد الآلهة".



    له ولك السلام



    (عدل بواسطة Al-Mansour Jaafar on 01-20-2009, 06:56 AM)

                  

01-19-2009, 03:34 PM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    (الصحوة الماركسية) الحلقه الثالثه
    ماركس لم يزر السودان أبداً!!
    لزوم
    ? ليس من أغراض هذه المقالات الهجوم أو التعدي على أي جهة ولكنها محاولة للمساهمة في محاولات تجديد الفكر الاشتراكي، وموجهة للأجيال التي تحتاج لقدر من معرفة التاريخ لممارسة النقد.
    ? الكاتب غير مؤهَّل لاستخدام «سلاح الدين الصدئ» ضد أي جهة لأن هذا السلاح يستخدم ضده أيضاً.
    بقي سؤال التثقيف يشغل الحزب الشيوعي باستمرار خاصة خلال هذه الفترة بسبب التحولات الداخلية (انقلاب الانقاذ الإسلامي) والخارجية (انهيار المعسكر الاشتراكي). فهذه معطيات مهمة تستحق التحليل والدرس والتنظير لاتخاذ مواقف جديدة على ضوئها تحدد مستقبل الحزب الشيوعي وتكيّفه مع عصر المعلومات وثورة المعرفة. يحدثنا تاج السر عثمان عن المحاولات التي جرت في الفترة 1996-2005، ففي التاريخ المذكور 1996 تم إعادة تكوين مكتب التعليم الحزبي بعد تقلّص عضوية المكتب السابق بسبب انقسام الحاج وراق وهشام عمر النور ووفاة عبدالمنعم سليمان وهجرة محمد سعيد القدال ومحمد سليمان وعلي سعيد. وتحوّل الاسم إلى مركز التثقيف المركزي ووضعت له أهداف جديدة (توسيع مفهوم العمل الثقافي في الحزب الذي يشمل التثقيف الذاتي وتكوين المكتبات والاهتمام بالعمل الثقافي كواجب ثابت في أجندة الفروع، وتكوين مكتب ثقافي في كل منطقة، وضرورة وجود مسؤول ثقافي في كل فرع والاهتمام بالنشاط الثقافي العام في مجالات الفروع، كل هذا وغيره يخرجنا من مفهوم التعليم الحزبي الضيق (ص5)، وقد أعد المكتب مشاريع محاضرات، ويلاحظ أن العمل الثقافي اعتمد على المحاضرات وما زالت المجلات والكتب غائبة تماماً.
    لجأ الحزب الشيوعي السوداني إلى أساليب هي أقرب للفتوى الدينية في محاولاته لايجاد إجابة أو حلٍّ لكل موضوع أو مشكلة، بصورة نهائية وقاطعة. ولم يسأل الحزب النظرية نفسها حين تقع الأخطاء، بل غالباً ما يعتبر الأخطاء ذات طابع تنظيمي أو سلوكي. في حوار شيّق بين سارتر وجماعة المانيفستو الإيطالية التي طرحت عليه السؤال التالي:
    ? فهل تعتقد أن صورة الحزب هذه التي اعتمدتها واعتمدنا نحن كذلك في الخمسينيات يجب أن تتغير لأن الظرف تغيَّر أم يجب تغييرها لأن التحليل النظري الذي بنيت عليه تشوبه عيوب لم تبرز بوضوح إلا اليوم؟
    - سارتر: لا شك أن تحليلنا يومها كانت تشوبه عيوب نظرية.
    (مجلة مواقف عدد 9 مايو/ يونيو 1970، ص79).
    هذا نموذج للنقد الذي يمارسه الماركسيون الأوروبيون كل فترة أخرى ويتجه نحو جذر المشكلة أو الخطأ. ولكن الحزب الشيوعي السوداني، يأبى ألا يبتعد عن الممارسة والعمل على حساب التوقّف عند النظرية. ويأتي كتاب (إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير دليلاً ساطعاً على هذا التوجه داخل الحزب الذي يرى الخطأ في العمل وليس في النظرية أو بعض أجزائها. هناك اهتمام مبالغ فيه بـ(الخط، أو البرنامج) واللائحة والعمل الجماهيري، وكل هذه تجسيدات للنظرية، لأن النظرية هي التي تنتج تنظيمها الفاعل، فالحزب الشيوعي السوداني، يفكّر في الطبقة العاملة ولكن لضعفها يعمل وسط الكادحين والفقراء بينهم عمال في واقع ويظل ثابتاً لدى مفاهيم الطبقة العاملة ودور الطليعة حسب الرؤية اللينينية- الستالينية يتبعها وقع الحاضر، محاولاً عدم الانحراف والتحريف.
    يقدّم كتاب (إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير) وثيقة مهمة تؤكِّد البحث عن نقاء الشيوعية وتكوين الشيوعي «المثالي» الجيد. ولكن السؤال المهم: هل تم اصلاح الخطأ بعد حوالى أكثر من أربعين عاماً على صدور الكتاب في صيف 1963؟ بقيت كثير من السلبيات والنقائص التي نقدها وأدانها الكتاب، حيّة ونشطة، بل تزايدت في حالات عديدة. ويمكن قراءة الوثيقة كتاريخ داخلي للحزب الشيوعي منذ نشأته الأولى، فقد لخصت «تجربة الحزب» حسب نص الوثيقة (ص5) ويصطدم القارئ بكمية السلبيات التي عاشها الحزب ويتساءل كيف تعايش الشيوعي السوداني مع هذه الأخطاء والانحرافات؟ رغم أن الوثيقة توحي بأن إصدار الوثيقة أصبح ضرورة بعد أن اشتد الصراع الفكري داخل الحزب ضد أفكار وممارسات العزلة واليسارية الطفولية) وتصف الوثيقة بالتفصيل السلوكيات الغريبة والأسئلة قائمة: كيف ظهرت هذه العيوب في حزب يوصف نفسه دائماً بأنه (جديد)؟ وكيف استمرت حتى وقت نقدها في الوثيقة وبالتأكيد بعدها؟ تقول الوثيقة «حيث جنحت قيادات بعض المناطق -وخاصة في مديرية النيل الأزرق والمديرية الشمالية- نحو الإثارة والشعارات وتواتر إصدار وتوزيع المنشورات والكتابة على الجدران دون التفات لبناء الحزب، واستقرار قواعد حياته الداخلية، والتعليم الحزبي فسادت حياة الشللية المغلقة على نفسها بين الشيوعيين، وملء الفراغ بالثرثرة عن شؤون الحزب والتحليلات الفطيرة والساذجة عن ضعف النظام العسكري، والتعالي على العمل البسيط اليومي بين الجماهير (...) وأصبحت صلة الحزب بالجماهير وحيدة الجانب ومحصورة في المنشورات أو البيانات أو صحيفة اللواء الأحمر، فإذا لم تصدر منشورات أو بيانات، أحس العضو بالوحشة والفراغ. فلم تكن لفروع الحزب برامج عملها للصلة المتنوّعة والدائمة بالجماهير في مجالاتها، ولم تكن تراقب نشاط الأعضاء بين الجماهير». (ص5-6).
    انشغل الحزب الشيوعي السوداني بعملية إصلاح الخطأ في فترة بدأ نظام عبود فيها يضعف وكان لا بد للحزب الشيوعي من تهيئة نفسه للمرحلة القادمة. لذلك تقدّم شعار المؤتمر الثالث: (اجعلوا من الحزب الشيوعي السوداني قوة اجتماعية كبرى). وهذا يعني هذا تجاوز برنامج (في سبيل السودان) والذي أقره المؤتمر الثالث مطلع عام 1956، حيث تقول وثيقة (اصلاح الخطأ): «بالطبع لا يمكن أن يكون ذلك البرنامج خالداً وخلاصة ثابتة لمعرفتنا بوطننا، فالعمل اليومي والتجارب التي نواجهها تزيد معرفتنا ببلادنا وتغني خبرتنا وينعكس ذلك في ما نكتب ثم في تعديلات أو تغييرات البرنامج ذاته. وبالفعل نجد اليوم كثيراً من المعارف التي توصلنا إليها منذ عام 1956 حتى الآن لا مكان لها في ذلك البرنامج، كما نجد نقاطاً أخرى ظهرت فيه واتضحت عدم صحتها ولكن رغم هذا يمكننا القول إن برنامجنا يحوي الحد الأدنى والمعقول من معرفة ظروف وطننا». (ص17-18).
    يحاول الحزب الشيوعي تجديد نفسه من خلال البرامج والتنظيم ولكنه يصطدم مع وحدة الحزب مقابل التجديد، والذي يعنى بطريقة أو أخرى من بعض الثوابت المعتمدة نهائياً. لذلك، في نفس الوقت الذي تطالبه الوثيقة بالتجديد وان البرنامج السابق ليس خالداً ولا مقدّساً، فإنها تكرر الحديث عن النضال «ضد الاتجاهات الغربية من تحريف وجمود». أو «ضد الجمود في النظرية واليمينية في العمل». وتتحدّث الوثيقة عن نقاط المعرفة الأساسية، وهي تتمثل في:
    - السودان قطر مترامي الأطراف تسكنه قوميات مختلفة.
    - يوصف السودان اقتصادياً بأنه متخلّف.
    - بالسودان طبقات اجتماعية حديثة، هناك الجماهير العاملة في المصانع والمكاتب، هناك البرجوازية، هناك أشباه الاقطاعيين من أصحاب المشاريع الزراعية الكبيرة وشيوخ القبائل وهناك المزارعون بأقسامهم المختلفة.
    - استطاعت الثورة السودانية خلال تطورها الجماهيري، انجاز الاستقلال. ولكن لا بد من دعم للاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي.
    - لانجاز هذا التقدم لا بد من الوحدة الشعبية القائمة على التحالف بين الجماهير العاملة والمزارعين في الأساس بوصف أولئك الطليعة الثورية وهؤلاء الأغلبية الساحقة من سكان البلاد.
    - يرى الشيوعيون السودانيون بدراسة الوضع العالمي وظروف بلادهم أنه من الممكن إحراز هذا التقدّم بالنضال الجماهيري وبالطرق السلمية حتى لا تتعرّض البلاد لهزات. (18-19).
    كان هذا التحليل خلف الوصول إلى نتيجة في صراع عام 1947 تقول: «إن بلادنا بها طبقات ثورية وأن بها كتلة من الشيوعيين يمكن لهم بل واجبهم أن يكونوا حزباً شيوعياً مستقلاً»، ولكن هذه الفرضية رغم وقوف الأغلبية معها داخل الحركة، إلا أنها تسببت في خلافات أعمق وأدت إلى الانشقاق والانقسام، وقد تكون هذه الفرضية هي المعيار لكل التهم التي طالت من يحيدون عنها. فقد تشكّك بعضهم في وجود طبقات ثورية، والآخر في ضرورة بناء حزب شيوعي مستقل في السودان. وانطلقت من صندوق باندورا هذا معظم الخلافات.
    توقع الحزب الناشئ الاقتراب من الجماهير وكسبها لصفة لو اكتسب الشيوعي السوداني معرفة بظروف بلاده ودراستها على ضوء النظرية الشيوعية العامة. وتشير الوثيقة إلى أن الحد الأدنى للمعرفة بالوطن موجود في البرنامج «سبيل السودان». ويبقى المطلب الثاني إلى جانب المعرفة بالوطن، وهو تنمية المعارف القائمة على الماركسية. وهنا يبدأ الصراع، فالوثيقة تطالب بالكفاح ضد اتجاهين خطرين في دراسة ظروف الثورة السودانية، هما: الاتجاه التحريفي واتجاه الجمود القصدي. فهناك تطوّر يحدث بعد الانتقال من المراحل الأولى إذ بعد حصول المعرفة الأساسية والتي تساعد في الوصول إلى الجماهير والارتباط يتحدد ما يمكن أن ينجز ومالا يمكن أن ينجز وعلى الشيوعيين أن يقدِّموا للجماهير البرنامج ويقربوا لهم الماركسية اللينينية في خلاصة تجاربهم ومبادئهم العامة، أي الأفكار الشيوعية التي تقنع بها الطلائع للانضمام إلى حزب العاملين. ويؤكّد محجوب في هذه النقطة: (وهذا هو أول تلامس بين حلقة الكادر الحزبي والأقسام المتقدّمة من الجماهير الثورية. ومن هناك كان المسلك في هذا الحيز جزءاً من المسلك إزاء الجماهير الثورية، وتحسينه جزءاً من الحملة لتحسين صلاتنا بالجماهير ودعماً) (ص21) فرض المجتمع السوداني التقليدي المحافظ على الحزب الشيوعي الاهتمام (بالمسلك) خاصة بين القيادات. لأن هذا المجتمع يهمه نموذج السلوك والاخلاق الجيدين بغض النظر عن معرفته وعلمه وانضباطه الحزبي والتزامه الايديولوجي. بالتأكيد الماركسية لا تفصل بين المعرفة والممارسة، بل هي ممارسة عارفة. ولكنها لا تنظر لها من ناحية اخلاقية بحتة، بل بسبب مضمون النظرية نفسه. وفي حالة السودان، يمكن أن يفرض كثيراً من القيم المضادة للتحديث والتقديم لتقوية عملية الضبط الاجتماعي داخله حسب معايير محافظة. وقد يقبل السوداني العادي مسلك شيوعي، ولكن يرفض افكاره بل يستغرب ان يسلك (هذا الشيوعي) مثل هذا السلوك السوداني (الأصيل). ألا توجد أخلاق شيوعية أصيلة أيضاً قد تكون أحياناً أرقى من أخلاق الأمر الواقع؟
                  

01-19-2009, 06:02 PM

AnwarKing
<aAnwarKing
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 11481

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)


    العزيز ناظم...شكراً على نقلك لهذه المقالات المعرفية المفيدة...
    العزيز طلعت الطيب...أستفدت كثيراً من شرحك الوافي وأتمنى أن تواصل للآخر...
    ووقفت كثيراً هنا:

    Quote: وفى تقديرى ان د. حيدر يعبر عن اهتمامه بأمر ما من خلال الكتابة حتى لو قدر له طرق الموضوع عن طريق ندوة او ما شابه . ولشرح الامر احاول ان اقدم له من خلال اعمال دريدا وصحبه من كتاب ما بعد الحداثة .


    هذه السمة مفقودة تماماً في جُلّ المثقفين السودانيين...الذين سرعان ما ينتهي إنفعالهم أو نقدهم لأي موضوع بندوة أو محاضرة أو حتى مكالمة تليفونية مع من يفشفش الألم!

    بالمناسبة، عبر هذه المقالات ...أتعرف على مفاهيم أساسية وبصورة سهلة وسلسة جداً...فشكراً لكم لهذا الجهود...
    بصراحة أيضاً: قصة الفروق بين الماركسية والستالينية واللينينية والشيوعية والخ...
    تحتاج لأن توضع في شكل معادلات رياضية سهلة الفهم وكده


    العزيز المنصور جعفر...تحياتي وشكراً على إسهامك أيضاً...

    مودتي للجميع
    أنور
                  

01-20-2009, 05:14 PM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    انور كينج

    الفتى المهموم بالمعرفه والاكتشاف

    جعلتنا نشعر بان العالم ما زال شابا


    كل سنه وانت طيب

    مودتى
                  

01-22-2009, 08:47 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    العزيز انور كينج
    شكرى وتقديرى لقراءتك المتانية لما كتبته فى هذا البوست وااسف فى ذات الوقت فى تأخرى عن الرد نظرا للمشغوليات الشخصية المتعددة التى تحول دون مواصلة الكتابة باستمرار .
    اترك التعليق على الحلقة الثالثة من مقالات د. حيدر الى حين من اجل الاستطراد اكثر فى كتابات الفيلسوف جاك دريدا لاضاءة دور (النص) Textاو الخطاب discourseوهو دور خطير.
    من الملاحظ ان العديد من القائمين على امر الحزب الشيوعى السودانى ومؤتمره الخامس يتحدثون عما اسموه (بالماركسية الثورية) ولكنهم لم يتقدموا بشروحات كافية بعد لشرح المصطلح الغامض ، ولا اعتقد انهم على استعداد لشرحه ما دام اطلاق المصطلح نفسه يمكن ان يخدم الغرض وهو العبور بالمناقشة العامة الى بر ما وذلك على مستوى اللغة فقط ,تفاديا للحوار الفكرى والفلسفى لما حدث فى السودان من وصول ( الاسلام الاصولى الى السلطة السياسية) او السقوط المدوى لما كان يعرف بالاتحاد السوفيتى العظيم والكتلة الاشتراكية !
    الاسئلة التى لا اتوقع لها اجابة ابدا فى الوقت الراهن هى:
    اين تصنف الماركسية الثورية ؟ هل هى نفسها الماركسية التقليدية ام الماركسية الجديدة؟ وما هى ملامحها وخصائصها وكيف يمكن الجمع بين (المركزية ) و(الديمقراطية التعددية) ، وهل نحن بصدد تغيير ثورى ام اصلاح؟
    اسئلة متعددة لا اعتقد ان المؤتمر الخامس نفسه معنى بها او قادر على الاجابة عليها لانه مشغول بالتركيز بشكل مرضى على وحدة الحزب وليس على السلامة الفكرية ، وهو ذات الحزب الذى اصطنع من قبل التوفيق بين اكبر متناقضين وهما اطلاق شعار (التحوّل الى قوى سياسية كبرى ) والتحوّل الى (حزب شيوعى) فى ذات الوقت ، ثم استحداث تحالفات فضفاضة كان اولى بها الحزب نفسه من خلال تبنى اسم متواضع وانجاز تحالف اكثر ديمقراطية مع العناصر الوطنية والديمقراطية بالنزول عن مآلات الثورة العالمية التى يفرضها اختيار اسم (الشيوعى ) للحزب ، والتواضع فى التعامل مع الواقع السودانى وقضايا التخلف الماثلة الان .. واهم من ذلك هو ان ذلك التحالف تكمن اهميته فى وضع طاقات الجيل الحالى فى انجاز يخدم الاجيال القادمة ، وهنا تأتى اهمية التحالف من اجل اجيال لم نراها بعد ، اى بناء الحد الادنى الذى يقدم انجازا تستطيع هى ان تبنى عليه انجازا اخر تتركه للاجيال التى تليها وهكذا..
    اعكف الان على مداخلة قادمة لتوضيح حقيقة مهمة وهى الدور الذى تلعبه النصوص فى تغيير الواقع وتزييفه من خلال عقد مقارنة بين ( نص كالماركسية الثورية) والخطاب الذى كان يقدمه البرنامج التالفزيونى الشهير (ساحات الفداء ) لتبرير تصعيد الحرب فى الجنوب ، ثم كيف لعب النص دورهه فى تبرير حرب فيتنام . وسنرى ان طريقة بوش التى استخدمها مع الكونجرس فى تمرير قرار احتلال العراق كان قائما على تزوير الحقائق المتعلقة بامتلاك صدام سلاح نووى ، تختلف عن طريقة الرئيس الامريكى السابق ليندون جونسون فى استخدام حيلة التلاعب بالنصوص من اجل اقناع الكونجرس بتصعيد الحرب فى فيتنام الشمالية.

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-22-2009, 09:01 PM)
    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-22-2009, 09:51 PM)

                  

01-22-2009, 09:36 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    بمثل ما كانت زيارة الشاب ذو الاثنين وعشرين ربيعا شارلز داروين لغابات الامازون فى البرازيل على ظهر المركب الملكى بيجل ، صدمة كبيرة لافكار الحداثة وما قبلها من حيث التفكير الغائى Teology كانت زيارة كلود ليفى شتراوس لقبائل الامازون وكتابته مذكراته الشخصية (المناطق المدارية الحزينة) the sad tropical اذا صحت ترجمتى لاسم المذكرات ، تأتى هذه الزيارة بنفس القدر من الاهمية فى احداث صدمة مماثلة لمفهوم (المركزية) او للمركز centre او المدارس البنائية structural وربما كانت تلك المزكرات والتى بنت على مفاهيم دوركهايم ( البنائى العظيم) فى الميثولوجيا ، كانت تلك هى بدايات ما عرف بالانقلاب اللغوى الذى the linguistic turn استخدمته الحداثة الراديكالية ببراعة على يد مفكر مدرسة فرانكفورت العظيم يورغن هابرماس وممثلى مدارس ما بعد الحداثة من امثال دريدا , لنقد العديد من اشكاليات الحداثة، . ومن المعروف ان ثلاثينات القرن الماضى وهو وقت زيارة شتراوس الى البرازيل كانت هى نفسها التى شهدت صعود النازية. حيث كانت الافكار الفاشية والنازية تجسيدا لكل ما يمكن ان تتمخض عنه مدارس البنائية ( ومن ضمنها الماركسية ) من سوء وقسوة وتنكيل بالبشر وبالحريات واقصاء وتهديد للسلام العالمى - اذا تركت دون نقد واصلاح ثم تجاوز. تجربة المدارس البنائية التى تهمل الثقافة والمعانى الانسانية وتركز على دور البناءات الاجتماعية فقط فى تحليل اتجاهات الوعى ، قد تجذرت فى انتشار النازية كفلسفة بكل قسوتها اللاحقة وسماتها الغائية والمركزية، ومن هنا بدا اهتمام فلاسفة مدرسة فرانكفورت وفلاسفة ما بعد الحداثة بنقد اعمال الحداثة ممثلة فى نيتشة وفرويد وكارل ماركس وهيجل واعادة قراءة كل شىءdeconstruction بما فى ذلك الداروينية نفسها
    اواصل

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-22-2009, 09:57 PM)
    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 01-22-2009, 10:12 PM)

                  

01-22-2009, 11:40 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    من المعروف ان التخلف الذى تعانى منه المجتمعات السودانية بشكل عام ومجتمعات جنوب السودان بشكل خاص ، كانت تفرض على قوى الحداثة (التى تشمل المؤسسة العسكرية السودانية وقيادة الاحزاب السياسية)، او بعبارة اخرى كانت تستدعى تعاطفا اكبر مع الجنوب وتفهما للاسباب التى دفعت الجيش الشعبى لتحرير السودان والحركات المسلحة الاخرى من قبله الى حمل السلاح والمطالبة باعادة تقسيم الثروة والسلطة . ولكن هذا الطلب المشروع والواقع المعروف تحوّل الى النقيض بفضل الخطاب الذى استخدمته القوى الاسلاموية بعد انقلابها الشهير ، حيث قامت باستخدام النصوص الدينية المقدسة فى تبريرها لتصعيد الحرب وقد لعب البرنامج التلفزيزنى الشهير (ساحات الفداء) وغيره من اعمال مما كان تلفزيون السودان يقدمه كان اهمها ترويج الخزعبلات عن الكرامات التى تحدث لنصرة (الجيش الشمالى المقدس) ومليشيات الجبهة الاسلامية والتى تنتهى بما عرف (بعرس الشهيد) نموذجا حيا لهذا النوع من استخدامات النص . وربما كانت طبيعة التفكير الغيبى فى بلد شبه امى مثل السودان تبرر نجاح مثل هذا التزييف ،
    اذا ما قمنا بمقارنة ذلك مع حرب فيتنام ، نرى ان استخدام مشابه للنص قد جرى ، الاّ انه كان استخداما عقلانيا فى حالة المجتمع الامريكى ، اذ كانت الولايات المتحدة ما زالت تحت تاثير الحرب الباردة وسياسات جوزيف مكارثى. كان الرئيس الامريكى ليندون جونسون وعلى اثر هزيمته لبيرى جولدوتر فى الانتخابات، قد التزم بتنفيذ جندين اساسيين ، وهما تقوية سيادة النفوذ الامريكى على مستوى السياسة الخارجية ، واحداث تحوّل نحو ما اسماه بالمجتمع الامريكى العظيم great American societyعلى مستوى السياسة الداخلية فقام بتقديم ٦٣ تشريع اجتماعى وبذلك اصبح الرئيس الامريكى صاحب اكبر اصلاحات اجتماعية فى كل تاريخ الولايات المتحدة الامريكية . والاصلاحات العظيمة التى انجزها الرئيس جونسون لصالح حركة الحقوق المدنية لا يستطيع ان ينكرها الاّ مكابر . على ان تأثير هذه الاصلاحات العظيمة والتى كان من ضمنها قانون الافيرماتيف اكشن الشهير الذى اعطى الاقلية من السود فرص افضل فى الوظائف وفى التعليم، كان تاثير هذه الاصلاحات سلبا على دور الولايات المتحدة الامريكية فى الحفاظ على السلم العالمى بل كانت كلمة المجتمع الامريكى العظيم تعنى ضمن ما تعنى فرض نفوز الولايات المتحدة بالقوة ! اى انها جاءت خصما على دور الولايات المتحدة خارجيا.
    دون فهم هذه الحقائق لا يمكن استيعاب اسباب التصعيد الامريكى العسكرى المباشر فى شمال فيتنام او ما كان يعرف بالهند الصينية. حيث تبقى مسألة الخطر الشيوعى وحدها غير كافية لتفسير التورط التدريجى للولايات المتحدة فى حرب فيتنام .
    كانت حادثة (بليكو) والتى مات فيها تسعة امريكيين وعدد من المستشارين زريعة جونسون لاصدار اوامره لبدء العمليات لعسكرية الشهيرة المعروفة باسم (السلاح الملتهب) حيث قام سلاح الجو الامريكى بقذف اهداف متعددة داخل فيتنام الشمالية كعمل انتقامى ،اثناء زيارة رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى الكسندر كوسيجين لهانوى وكان ذلك فى فبراير من العام ١٩٦٤م.
    ثم كان الخطاب الذى قدمه جونسون بلغة تكساسية قحة يدور حول ( اننا لن نترك جنودنا يقفون مكتوفى الايدى وسلاحنا فى المخازن ، ازاء ما يحدث من اعتداء فى الهند الصينية) ثم كان التجاوب معه واضحا من خلال خطاب هارفاردى (نسبة الى جامعة هارفارد) كان اكثر تجريدا وتماسكا صاغه مكجورج بندى مستشار الرئيس جونسون تحت عنوان العمليات الانتقامية المستمرّة Sustained reprisal من اجل تأمين سلامة جنوب فيتنام . كان المنطق الداخلى المتماسك للخطاب ( غض النظر) عن صحته هو المسؤول عن تمرير العملية العسكرية الشهيرة باسم الرعد القادم The Rolling Thunder فى الكونجرس وزيادة عدد الجنود الى نصف المليون . وقد استطاعت مذكرة بندى نظريا معالجة الواقع من خلال تزييفه ، حيث صوّرت للمجتمع الامريكى الرئيس جونسون (صاحب الاصلاحات الاجتماعية العظيمة) يهدف من خلال تلك الاجراءات الى انجاز السلام من خلال الحرب !
    وقد كانت المذكرة بشكل عام عبارة عن خطاب متماسك لكنه يتلاعب بالالفاظ من اجل تزوير الواقع وتشويهه Deconstituting Reality ولذلك جاءت فيه جمل غريبة مثل ( علينا تدمير القرى من اجل المحافظة عليها ) وهى شبيهة بالتعامل مع مرض وبائى ما .. هذا النوع من الخطاب يعرف بالتفكير المذدوج Doublethink وهو منطق نظرى يتم استخدامه عادة فى حالة عدم وجود اسباب وجيهة على الارض تبرر الاعتداء العسكرى.
    هذا طبعا لا يعنى ان ما حدث فى فيتنام كان وهما وانما كان يتشابه مع ما حدث فى الجنوب وجبال النوبة، لا يمكن تفسير او تبرير الفظائع التى حدثت على ارض الواقع ، لان من ماتوا او تعرضوا للبطش والتعذيب والاغتصاب انما كان بفعل تبرير وتزييف للواقع حدث على مستوى (الخطاب او النصوص المكتوبة) ، اى انهم ماتوا فطايس فى الواقع كما قال الترابى.
    من الملاحظ ان الاثار المكتوبة عن حرب فيتنام سواء اكانت مذكرات جنود او تقارير او دراسات اكاديمية فى الجامعات او نقوش على لوحة القتلى فى واشنطون دى سى او نقوش واحزان باقية فى النفوس ، كانت كلها تؤكد هذه الحقائق ، ربما تكون بعض الاعمال الفنية قد بالغت فى تصوير الحقائق مثل فيلم صائد الغذلان الشهير Deer Hunter حينما تعرّض للعبة الروليت الروسية الشهيرة التى زعم ان الجنود الفيتناميين كانوا يمارسونها مع الاسير الامريكى ، ربما كان ذلك العمل الفنى قد قصد به التخفيف من وطاة الاحساس بتأنيب الضمير التى عانى منها الجنود بشكل خاص والمجتمع الامريكى بشكل عام بعد الحرب والتى ربما تتكرر الان بفضل حماقات بوش فى العراق .
    لكن فى نهاية الامر يهمنا ان تحليل النصوص وكشف دورها فى تزييف الحقائق هو عمل جيّد ، خاصة اذا اخذنا فى الاعتبار ان علوم المجتمع مثلها مثل العلوم الاخرى تحاول ايجاد مرجعيات (تجريبية صارمة).. المنظور البديل هذا فى التعامل مع النصوص يعتمد على اربعة افتراضات ، يهمنا فى هذا الاطار التعرّض الى الافتراض الاخير وهو:
    - التاويل والتفسير المنطقى يقدم ويضيف فى النهاية فهما كافيا الى الظاهرة.
    وفى اعتقادى ان هذا الافتراض منطقى ومقبول ...
                  

01-23-2009, 02:24 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    الملاحظ ان كمية النيران والقذائف التى يتم القائها على الاهداف الارضية سواء اكانت اهداف عسكرية او مدنية لاتتناسب مع الواقع ولكنها تتناسب فقط مع (النص التبريرى) اذا اعتبرنا اصوات القنابل وازير الطائرات المغيرة هى نفسها لغة عسكرية ذات صوت عالى كصدى للنص الذى يتم على اساسه الهجوم military code. يصدق ذلك على الغزو الامريكى لفيتنام او الغارات الجوية التى يقوم بها الجيش السودانى على دارفور ، او الغزو الامريكى للعراق او غزو اسرائيل لغزة مؤخرا.
    من الثابت ان الهدف من القذف الجوى الامريكى لفيتنام الشمالية كان قطع امدادات البترول، ولكن ذلك القذف لم ينجز اهدافه، اذ تمّ تدمير حوالى ٧٠ % فقط من المنشآت وبقى ٣٠% وقد كانت اكثر من كافية لتزويد الجيش الفيتنامى بحاجته من الوقود . نفس الشىء يصدق على غزو العراق فيما عرف بعملية (الذهول والصدمة) أو ضرب مدينة غزة بواسطة الطيران الاسرائيلى مؤخرا ، اذا ما قمنا بمقارنه الهدف من الغزو باهدافه المعلنة . فقطع امداد الاسلحة عن حماس مثلا لا يمكن ان يتم دون الاتفاق مع دور الجوار خاصة مصر ، اما عزل حماس وخطابها المتطرف فلا يمكن دون تحسين الاوضاع الفلسطينية على ارض الواقع . اما ضرب القرى فى دارفور جوا ، فحدث ولا حرج حيث نتساءل عن اسبابه المعلنة اصلا.!
    المهم فى كل الاحوال ان زيف الخطاب نفسه تكشفه طبيعة الغزوات وكثافة النيران والعنف الذى لا يناسب مع الواقع بقدر ما يحاول ان يكون موازيا للخطاب الزائف ومنماهيا معه، ويكون عنيفا عادة بقدر عنف الخطاب النظرى نفسه.
    ظاهرة الخطاب المتصاعد داخل الحزب الشيوعى مع اقتراب موعد المؤتمر الخامس حول (الماركسية الثورية) وهى كلمة فضفاضة يلاحظ تصاعدها كلما اقترب المؤتمر العام نفسه والذى علمنا ان هناك ترضيات ومساومات كثيرة تمت بشأنه قبل انعقاده مما يعنى ان قراراته حول القضايا الاساسية صارت معروفة سلفا ، وهى مصادرة اخرى للديمقراطية ، فهو اذن مؤتمر مؤجل لاكثر من اربعة عقود يتم طبخ قراراته سلفا بواسطة ما عرف بالقيادة التاريخية ..عموما عقد المؤتمر نفسه شىء ايجابى يعكس الضغوط التى واجهتها القيادة ورغبة اعضائه الملحّة وتبقى اهمية الانتظار لحين عقده اذ ربما تكون المعلومات الواردة عما سمعناه مع ترضيات ومساومات غير صحيحة .
    اواصل فيما بعد متابعة ملاحظات د. حيدر ابراهيم وربما التعرّف على ظاهرة (الماركسية الثورية) كنص خطابى صرف يحاول كما قلت العبور بالحزب وتناقضاته العميقة قضايا المؤتمر العام الخامس الشائكة دون دفع الاستحقاق الخاص بمواجهة القضايا الفكرية والسياسية الملحّة ، اى المحافظة على وحدة الحزب كشىء مقدس من خلال افضل استخدام ممكن للعلاقات الاجتماعية والاغانى والادب الثورى والكورالات .
    ولذلك تبقى اهمية تعرية مثل ذلك الخطاب مسألة مهمة وذلك من اجل قضية الاصلاح الديمقراطى داخل الاحزاب الوطنية
                  

01-23-2009, 06:47 AM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)






    " الحق يحتاج إلى رجلين.. رجل ينطق به ورجل يفهمه ".

    (جبران خليل جبران)

    *

    (عدل بواسطة ناظم ابراهيم on 01-23-2009, 06:54 AM)

                  

01-23-2009, 08:07 AM

AnwarKing
<aAnwarKing
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 11481

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية . حيدر ابراهيم علي (Re: ناظم ابراهيم)

    Quote: وذلك من اجل قضية الاصلاح الديمقراطى داخل الاحزاب الوطنية
                  

01-28-2009, 02:32 AM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الصحوة الماركسية.. (Re: ناظم ابراهيم)

    الصحوة الماركسية..

    ماركس لم يزر السودان أبداً..!

    (الحلقة الرابعة)

    د . حيدر ابراهيم علي

    مركز الدراسات السودانية
    [email protected]

    رفضت وثيقة (اصلاح الخطأ) المسلك الذي يضر (بنقاء) الماركسية وقبول الجماهير معاً. وقد تصطدم مهمة إعادة التكوين معرفياً وسلوكياً للشيوعي بصعوبات محددة. فهذه العملية هي في الواقع – حسب الوثيقة – صراع ضد عقليات مختلفة وغريبة. وفي هذا الصراع يسعى الحزب الى تحصين الشيوعي من الانحرافات ويحاول غرس ثقافة فرعية داخل الثقافة الكبرى وأعطاء فكر رافض لأنه جديد. ولكل ذلك شروط توردها الوثيقة: (ولا يمكن للمرء ان يكون شيوعياً الا اذا اكتشف وتثبت من أنها خاطئة ثم عمل ثانياً على التخلص منها (يقصد العقليات المختلفة والغريبة). في الصراع لكي يقنع الانسان بتلك النظرية. ولكي نغير من مسلكه الاجتماعي ونحوله من شخص غير شيوعي الى عضو في الحزب الشيوعي، لابد ان نشن حرباً ضد العقلية البرجوازية الصغيرة في المعرفة، ضد عقلية التخلف القبلي، ضد الآثار الضارة للثقافة الغربية. وضد افكار الجمود الفكري) (ص21-22). بالتأكيد سوف يتحمل الحزب الشيوعي عبئاً ضخماً في صراع مع كل هذه العقليات والتيارات والمواقف. وهذا يفسر ايضاً إنشغال الحزب غير المنقطع مع عضويته قبل الآخرين، في صراع يجعل الحزب في حالة استعداد دائم للمعارك – الفكرية والسلوكية.

    كانت عقلية البرجوازية الصغيرة هي محور هذا الصراع. تشير الوثيقة الى العيب الاساسي في فكرها وسلوكها، حين تقول: (البرجوازية الصغيرة وخاصة في المدن تسلك سبيل الدراسة المعزولة وتجنح الى الفصل بين النظرية والعمل ومرجعها النصوص دائماً لا الحياة ومتطلباتها. وتحاول بهذا ان تخضع الحياة للنصوص) (ص22) فقد كان – حسب الوثيقة – الاحتجاج بالنص، خلال نقاشات الانقسام عام 51 – 1952، هو دليل الثورية والقدرة على الاقناع. ويعترف الشيوعيون أنهم ظلوا يعانون من هذا الاتجاه، ويرجعون وجوده واستمراره الى (حصر التثقيف في حدود محاضرات ملخصة من الكتب الماركسية ومنقولة عنها دائماً تماماً). فقد كانت هذه الوسيلة الأسرع والاسهل لتقديم هذا الفكر الصعب الذي يرتكز على اساس فلسفي طويل في مصدره الأول (اوروبا الغربية). ولكن صعب التخلص من هذا الوضع المعطّل، نقرأ في الوثيقة، (عندما يفهم التثقيف الماركسي بأنه هذه المحاضرات، وعندما يفهم ان برنامج الحزب ولائحته ليسا وثائق التعليم الماركسي، وعندما يفهم ان منجزات الماركسية اللينينية المطبقة على واقع البلاد خاصة في مجلتي (الشيوعي) و(الوعي) بانهما ليسا مواد للتثقيف... فان ذلك هو نفس اتجاه البرجوازية الصغيرة في المعرفة، في الثقافة، في القراءة والتعليم، والطلائع الثورية للجماهير وهي تنضم للحزب الشيوعي، تلحق بها اضراراً كبرى إذا تلقت التعليم بتلك الطريقة، ستنعزل عن الحياة وعن الجماهير التي حولها ولا تحاول ان تتعلم منها بقدر ما تحاول اخضاع تفكيرها لنصوص محفوظة لا حياة فيها) (ص22).

    رغم استخدام الحزب الشيوعي السوداني لمفهوم البرجوازية الصغيرة بكثافة وفي تحليلات كثيرة وفي (الشتم) الثوري ايضاً الا ان المصطلح ظل ملتبساً ومثيراً للجدل، ولم يحاول الشيوعيون اجلاء هذا المفهوم بطريقة علمية ثم سودنته اي تطبيقه على واقع سوداني محدد تاريخياً. ويقول سمير أمين – عن حق – وهو يعرف المفهوم: (انا اعتقد انه عند نستخدم مصطلح البورجوازية الصغيرة فان ذلك يشير دائماً الى ضعف التحليل، لأنها تعني فعلاً كل شئ ولا شئ) (26:1994) فالتحليل التقليدي الماركسي يقسم المجتمع الرأسمالي الى طبقتين: البورجوازية والبروليتاريا، وان البورجوازية الصغيرة هي فئات وسطى بين الاثنين. ويعيد نمط الانتاج الرأسمالي انتاجها باستمرار باشكال جديدة وهي مترددة بين القطبين. ولكن في مجتمعات العالم الثالث – ومنها السودان – فالبورجوازية ضعيفة كذلك البروليتاريا، والنتيجة وجود "طبقات" او "فئات" بعضها هامشي. وبالتالي لا تتسق البورجوازية الصغيرة في العالم الثالث مع التحليل الماركسي التقليدي العام. ففي مصر مصلاً كون المشروع البورجوازي الوطني الممثل في الناصرية البورجوازية الصغيرة من خلال التعليم والتصنيع والتحديث وتوسعت القاعدة التي استوعبت الأموال الخارجية في المدارس والجامعات.. الخ (أمين، ص27) اسهبت قليلاً في تعريف مصطلح البورجوازية الصغيرة لأنني لاحظت ان الحزب الشيوعي يهتم باستخدام المفاهيم والمصطلحات اكثر من تعميق معناها ودلالاتها. وهذا ما قاد الى ما تشكو من الحزب الشيوعي اختلاط السياسي بالفكري والنظري. فالوثيقة ترى البرنامج واللائحة أدوات للتعليم الماركسي. وهذا صحيح على مستوى تطبيق الماركسية على الواقع. ولكن لابد من التمكن من الجوانب النظرية والفكرية للماركسية أولاً. وهذا وضع معقد لأن الحزب الشيوعي يخشى العزلة والانعزال ويضحي بجدل العلاقة بين النظرية والواقع (او التطبيق). فنحن نجئ الى الواقع مسلحين بالنظرية لفهمه وتغييرها، ثم نعود من الواقع الى النظرية لكي نجددها ونؤكد جدليتها اي ارتباطها بالواقع.

    تمتلئ صفحات وثيقة (اصلاح الخطأ) بالعيوب التي نقلتها البورجوازية الصغيرة الى صفوف الحزب الشيوعي وطالت الكوادر مما سيتسبب في كوارث كثيرة لبناء وجماهيرية الحزب. فالانفصام بين عمليتي التعليم او التثقيف والتعلم، أدى الى خصال مدمرة، تقول الوثيقة: (ان بعض كادرنا من العمال بين المزارعين عانى أضرار ذلك الاتجاه، ففقدوا شعبيتهم التي رشحتهم لعضوية الحزب الشيوعي وأصبحوا ثرثارين أكثر منهم عاملين، أصبحوا وعاظاً وفلاسفة اكثر منهم مناضلين يستجيبون للحياة ويلحظون كل جديد فيها) (ص22). الا يمكن ان يكون الفيلسفون مناضلاً ؟ ومن عيوب البورجوازية الصغيرة – حسب الوثيقة – جنوحها الى التباهي بالمعرفة وكأن للمعرفة حدوداً او كأن هناك مفكرين خلقوا لذلك الغرض ومنفذين لا قدرة لهم على التفكير (ص23) ومن مظاهر الاتجاه البرجوازي الصغير في تعليم الماركسية – حسب الوثيقة – (توخي كل ماهو سهل وتحاشي وعورة التفكير ومقابلة النظرية بالواقع ومن ثم الهجوم على التعميم) (ص24) ورغم بعض الغموض في هذه العبارة، ولكن يؤخذ على القيادين عدم قراءة تقارير ودراسات الاعضاء، بعمق وجدية، ومع ذلك يخرجون بنظريات عامة. فالمطلوب الدراسة الواقعية الملموسة حيث يمكن اكتشاف حالات خاصة يمكن مراعاتها دون الخروج عن التعميم والذي هو أساس اي نظرية.

    تواصل الوثيقة تعداد السلبيات وتنتقل الى جوانب اجتماعية وثقافية أخرى. فتتحدث عن الاتجاهات الناجمة عن التخلف القبلي وخاصة في القرى "وأهم مظاهرها التعصب للقديم دون نقده والاعراض عن المعرفة الجديدة وعدم الثقة فيها) (ص25) فهناك اقسام من الذين ينضمون الى الحزب الشيوعي ويظلون في نفس الوقت متمسكين بنظريات عتيقة. ويساعدهم بعض المثقفين الشيوعيين الذين يعتقدون ان الارتباط بالشعب معناه التسامح مع تلك الافكار العتيقة وتشجيعها. وفي نفس الوقت، النضال ضد عقلية الثقافة الغربية الحديثة في دور العلم المختلفة، في شكل المسالك الفكرية الضارة. فالثقافة الغربية – حسب الوثيقة – كانت في عنفوانها تعبر عن الرأسمالية الناهضة وكانت ذات طابع حي ولكنها اليوم تعبر عن أزمة طبقتها بالحيرة والقلق. ومن هنا يعبر كتابها عن التحلل وعدم التقيد والالتزام بموقف المجتمع. ورغم ان المجتمع السوداني لا يعاني مثل هذه الوضعية ولكن لانتقال الثقافة تأثيره ويطل الطلاب على العالم من نافذة الغرب اكثر من اي نافذة أخرى بسبب منع الافكار المخالفة. (ص25-26)، ونجد مع هذا الاغتراب الفكري اغتراباً تاريخياً، فهناك مثقفون متأثرون بالنظرية العربية القديمة في العلم: النصوص، الاستشهاد، والحواشي والهوامش. ويتعرض لهذا الاتجاه الدارسون للغة العربية والعلوم الاسلامية اكثر من غيرهم. (ص26).

    يتميز عبدالخالق محجوب بالدقة والذكاء اللماح ولكن الايديولوجيا غَّيبت عنه الفروق داخل كل من الحضارة الغربية والحضارة العربية القديمة. فقد تعامل مع الغرب كفكر واحد ومطابق للرأسمالية وتعامل مع الوصف الجغرافي باعتباره تصيفاً فكرياً وطبقياً معمداً. كما ان الحضارة العربية القديمة ليست كلها رجعية وسلفية محافظة فهناك ابن رشد والمعتزلة والقرامطة وابن خلدون وابوحيان التوحيدي وقد وقع في فخ التحليل الايديولوجي الذي يصنف كل شئ جوهرياً اي غير قابل للتعدد والتغيير.

    ينظر الحزب الشيوعي السوداني الى نفسه كحزب جديد ومختلف ونقرأ في البرنامج: (ان تنظيم الحزب الشيوعي يختلف عن تنظيم الأحزاب الأخرى وهذا نابع من أنه ليس طليعة لجماهيره العاملة وفصيلتها المتقدمة فحسب، وانما من كونه أرقى فصائلها تنظيماً) (ص) ونتيجة لذلك "يضع الحزب الشيوعي شروطاً عالية لعضويته فيقصرها على خيرة ابناء الشعب وأشدهم اخلاصاً لقضية الثورة وأكثرهم استعداداً للتنظيم واقدرهم على التضحية ونكران الذات" ويهتم الحزب الشيوعي بالتنظيم القوي أو ما يسميه "تكريب" التنظيم اي خلوه من الترهل والتسيب.

    (نواصل
                  

02-03-2009, 03:53 AM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية.. (Re: ناظم ابراهيم)

    الصحوه الماركسيه (الحلقه الخامسه)

    ماركس لم يزر السودان أبداً!
    حاولت وثيقة (إصلاح الخطأ) معالجة مشكلات تكوين العضوية وحمايتها من النزاعات الخاطئة والغربية التي يتحدث عنها الحزب باستمرار. وترى الوثيقة منذ البداية وجود عيوب في توصيل النظرية الماركسية (اي تدريسها) في (مستوى الطلائع التي ترغب في الانضمام للحزب او تنضم اليه) «ص26»، فمن الملاحظ أن المرشحين ينجذبون إلى الحزب عدة مثل الدفاع عن قضايا مئوية أو الإعجاب بالنضال السياسي أو التأثر بالفكر الماركسي ثقافياً أو منجزات المعسكر الاشتركي. وتتطلب فترة الترشح الارتقاء بوعي المرشحين الى مستويات أعلى من الثورية. وتلاحظ الوثيقة: (ان عشرات بل مئات من المرشحين يفتر حماسهم في تلك الفترة ويبتعدون عن الحزب لا لتقاعس منهم بل لعجز الحزب الشيوعي عن اتقان العمل في هذه الفترة وعن سوء تقدير أهميتها. ولكن من ناحية أخرى هناك عيوب خاصة بالعناصر الجديدة التي تنضم للحزب والتي تحتفظ بالكثير من نظراتها الخاطئة المنبعثة من أصولها الطبقية ومن حياتها اليومية ومن مصادر ثقافتها). «ص27». والدراسة الشيوعية خلال الفترة الوجيزة لا يكفي -كما تقول الوثيقة- أن تخلق من المناضل شيوعياً ناضجاً، لأن التكوين الشيوعي يتم داخل الحزب وخلال صراع طويل ضد كافة الايديولوجيات الغربية، ومن خلال النضال العملي، وفي تجارب العمل اليومي، ويتطلب هذا الصراع الصبور من أجل تخليص الاعضاء من تأثيرات الأفكار غير العمالية.
    يمكن فهم ظاهرة تساقط عضوية الحزب الشيوعي، حسب هذا الفهم، فالعيوب تلازمهم، ولكن فترة الترشح لا تقوم بواجبها كاملاً. وتقول الوثيقة: «... أو كأنما الحركة الجماهيرية يمكن أن تنقل الوعي الشيوعي للمناضلين تلقائياً، وإذا كان الناس وهم يلجون أبواب الحزب، تتطهر اذيالهم فجأة وتكتمل ثوريتهم، فما القيمة لوجود حزبنا وما دوره في الحياة؟) «ص28». ويفترض أن يعيد الحزب إعادة تنشئة العضو بقيم جديدة. كما أن عملية التعلم المستمر من داخل وخارج الحزب ضرورة لتكوين العضو يضاف إلى ذلك السلوك الشخصي في بلد كالسودان واحترام معتقدات الناس وثقافاتهم مهما بدت متخلّفة. ورغم هذه الغايات النبيلة التي سعى اليها الحزب الشيوعي، إلا أن الحزب الشيوعي السوداني في الواقع والممارسة كان مختلفاً. وهناك فرق بين ما يجب أن يكون وما كان فعلاً. فهناك عيب تكويني في الحزب الشيوعي يكمن في تبنيه للحزب اللينيني الشيوعي، أو ما يسميه ستألين أسلوب اللينينية في العمل والنشاط التنظيمي. ويرى لهذا الأسلوب خاصتين هما:
    1- الاندفاع الثوري الروسي.
    2- الروح العملية الأميركية.
    ويصف الاندفاع الثوري الروسي بأنه (ترياق ضد الجمود والرتابة وروح المحافظة، وركود الفكر، والخضوع العبودي لتقاليد الاجداد. ولكن هذا الاندفاع قد يصبح ثورية فارغة احسب كلمات ستالين: داء تكلف الابتكار الثوري وهوس البرامج الثوري هذا داء ينشأ من الإيمان الأعمى بقدرة المرسوم ان يدبر كل شيط ويبدل كل شيء. (أسس.. ص154). وينعت لينين هذا بصفة الغرور الشيوعي، ويقول:
    «ان الغرور الشيوعي هو صفة رجل عضو في الحزب الشيوعي، إلا أنه لم يطرد منه بعد. يتصور أن بوسعه أداء جميع مهماته عن طريق المراسم الشيوعية) «المصدر السابق، ص154».
    يطالب لينين، الإقلال من الثرثرة السياسية والعبارات الطنانة، والإكثار من العمل البسيط اليومي، والأكثر من الانتباه لأبسط الوقائع التي هي، مع ذلك، حيوية للبناء الشيوعي). (نفس المصدر السابق).
    وكان لينين يرى أن الروح الأميركية هي، على العكس، ترياق ضد أحلام الفارغين الثورية (أو المانيلوفية مانيلوف أحد أشخاص قصة غوغول «الأرواح الميتة» يوصف بالغباوة واحلام الفارغين) والابتكارات الخيالية، وهو يمدح هذه الروح بأنها: «القوة، التي لا تكبح لا تفرّق العقبات، ولا تعترف بها، هي القوة التي، بثباتها الحاذق، تكتسح العقبات من كل أنواع وكل درجة ولا تحجم عن السير إلى النهاية التي تبدأها، مهما كانت ضئيلة الشأن، إنها القوة التي بدونها لا يمكن تصور عمل بنائي جدي: (أسس.. ص155) ولكنه يستدرك بأن الروح الأميركية عرضة لأن تتحوّل الى ضرب من الروح التجاري الضيق الحالي من المبدأ ان لم نقترن بالاندفاع الثوري الروسي. ويعني ان يكون الشخص نشيطاً ومهماً ولكن بلا آفاق ثورية، ويؤكد ستالين: «ان الاندفاع الثوري الروسي، مقترناً بالروح العملية الأميركية، ذلك هو جوهر اللينينية في عمل الحزب والدولة. ان هذا الاقتران فقط هو الذي يعطينا النموذج الكامل للمناضل اللينيني في العمل) «ص156».
    افتقد الحزب الشيوعي القدرة على الجمع بين الصفتين اللازمتين للحزب والعضو الجيدين، فهو يواجه الانتماءات القبلية المختلفة عن الاندفاع الثوري الروسي وتبقيع في الواقع القبلي الانشطاري للسودان. ويرون عبدالخالق سيرة نشأة حركة مزارعي الجزيرة وكان بعض قادتها من قبيلة الحلاويين وأبلوا في النضال (فبدأ بعض الرفاق من تلك القبيلة يطلقون تعممات عن ثورية قبائلهم وعن تخاذل القبائل الأخرى من «المقاطيع» و«الململمين». وقد حاولت العناصر المعادية لحركة المزارعين إحداث انقسام فيها على أسس قبلية (...) إن الكثير من الرفاق يتخذون موقف اللامبالاة من هذه النظريات» (صلاح ص25) وسبب اللامبالاة أنهم ما زالوا جزءاً من الانتماء القبلي ومن الغريب أن بعض الشيوعيين يستخدم كلمة «عبد» أو «عب» ببساطة حين يصنف سكان بعض مناطق السودان. وفي مناقرة مع أحد الرفاق الشيوعيين أبديت غضبي على أن يقدم شيوعي مثل هذا التصنيف، فأجاب مازحاً: (العب عب والمرة مرة!) ناسفاً فكرة المساواة داخل بين جميع السودانيين وبين المرأة والرجل.
    كان الحزب الشيوعي يجاهد في إن ينتج حزباً غير متخلفين في مجتمع وثقافة متخلفتين. ولذلك حين كان يحلل الصراع داخل الحزب بأنه انعكاس لصراع طبقي، لم يكن دقيقاً. خاصة وقد أخذ على عوض عبدالرازق تحويل علاقات الأعضاء إلى شللية قرابية، فهذه ليست ظاهرة مرتبطة بل هي ظاهرة تعكس مستوى التطوّر الاجتماعي في علاقات السودانيين ورغم جهود الحزب الشيوعي في عملية التثقيف إلا أنه لم يكن من الممكن القفز على التاريخ مرة واحدة. ويقدّم الحزب الشيوعي انجازاته في هذا المجال:
    (تم دعم مكتب التعليم الحزبي ووضع كورس التعليم الحزبي المقرر موضوع التنفيذ وأسست مدرسة حزبية في مركز الحزب لتخريج معلمين للمناطق المختلفة، تمكنت من تخريج أكثر من خمسمائة معلم إلى جانب تقديم دراسات متخصصة لعدد كبير من الكوادر النقابية والقيادات النسوية والخطابية. كذلك فتحت مدارس مماثلة في عدد من المناطق لذات الغرض. كما حدثت طوافات كوادر متخصصة في مختلف أنشطة الحزب ومجالات المعرفة الأخرى، على المناطق. وعقدت سمنارات متخصصة في المركز وعدد من المناطق عالجت قضايا الاقتصاد والاصلاح الزراعي والعمل التنيظيمي... الخ. وانتظم الى حدٍّ كبير صدور المجلة الداخلية (الشيوعي بصوت مجلة المنظم؟ لعكس وتعميم تجارب الفروع والمناطق) «المدخل لتجديد لائحة الحزب، ابريل 1998».
    لم تثمر هذه الجهود لعلة مميتة في تكوين التنظيم وهي صفة «الجمود» التي قتلتها الكتابات بحثاً، ولكن لم ينقطع الحديث عن تأثيرها على تطور ونمو الحزب. ويبدو أنها تكاد تتحول من علة عارضة ألى خلل بنيوي يصعب التخلص منه دون تغييرات جذرية لم يقدم عليها الحزب لأنها قد تطال ما يمكن اعتباره ثوابت مثل اسم الحزب والبرنامج واللائحة. ويصف البعض الفترة الممتدة في المؤتمر الرابع 1967 حتى الآن، بأنها فترة جمود تمثلت في ان «الحزب الذي تعوزه الكوادر القيادية الموهوبة والمدربة، لن يستطيع إثراء النظرية، ولا تطوير برامجه، ويمتلئ خطه السياسي بالاخطاء ويفيض، وتبقى قضايا تنظيم الجماهير وقيادتها مجرد حلم. فأداء الكادر وابداعه القيادي، ونشاطه هو العامل الاول والحاسم والضروري الذي من خلاله يتحدد تأثير الحزب وسط الجماهير: (مخطوطة باسم معتز عضو لجنة مركزية: الحزب الشيوعي المفقود، الجزء الأول 1998، ص7) ويرصد العضو العديد من السلبيات ويرى أن مسائل وأحداث على غاية الأهمية والخطورة لم تأخذ حظها من البحث والمتابعة، مثل قضية الكادر سابقة الذكر التي ظلت مؤجلة على الدوام منذ عام 1967 وترتبط بها اساليب ومناهج العمل القيادي، وتشير الى قضية خطيرة وهي عدم مناقشة التسرب والنزيف المستمر للعضوية من 78،71،70،69،68،62،1947 و1991 وما بعدها، وذلك بسبب الاستقالة، الفصل، الهجرة، اللجوء (ص13) ويمسك بجوهر الأزمة وهو فقدان المبادرة، اذ يكتب (ان كل الكادر والعضوية أصبح يفزع من المبادرة وتحولوا الى متلقين). «ص23». وبالتالي فقد الحزب النفوذ والاحترام وسط الجماهير على أساس ان اي تنظيم «يقاس وزنه بمدى تأثيره ونفوذه ومدى اهتمام الجماهير بما يطرح وقبولها له، ولا يقاس بعدد العضوية وتركيبته الطبقية. الشيوعيون في كل المناطق الصناعية لم تتجاوز عضويتهم الخمسين، واكبر الفروع اربعة عشر زميلاً منتظماً بين اكثر من 12 ألف عامل) «ص63». فالجماهير تعني النفوذ وسط الجماهير.
                  

02-10-2009, 01:15 AM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية.. (Re: ناظم ابراهيم)

    (الصحوة الماركسيه) الحلقة السادسة


    ماركس لم يزر السودان أبداً!
    خرجت المناقشات المفتوحة والمكتوبة بالذات بعدد من الصعوبات التي تواجه العمل الجماهيري والقيود التي عطلت اتساع العمل، ومنها:
    1- ضعف وجدب الحياة الداخلية للحزب.
    2- لا يتوافر الخط السياسي الواضح، والتكتيكات المعلومة المتفق عليها، والواجبات المحددة المعتمدة على الخط التنظيمي السليم.
    3- ارتباك العمل القيادي في سكرتارية المديرية في فترة شبه العلنية وآثار ذلك الممتدة حتى الآن.
    4- ضعف العلاقات مع القوى السياسية الأخرى وغياب العمل المشترك بالضرورة.
    5- تحاشي دراسة تجارب العمل السياسي الجماهيري وتعميمها وتعميم تجاربها مما جعل المراحل متقطعة.
    6- غياب المعايير الصحيحة لاختيار الكادر القيادي الذي عليه تقديم المساهمات والمبادرات في ظل اوضاع متغيرة باستمرار. (المخطوطة السابقة، ص95).
    تمحورت المناقشات بصورة تشبه الاجماع، حول ضعف الكادر لاسباب مختلفة، وقد أثر ذلك على تنظيم الحزب، ونضاله على كافة الجبهات: الفكرية والسياسية والاقتصادية والتنظيمية. ويقول أحدهم: « فلم يعد هناك القادة الشيوعيون المعروفون على نطاق الوطن: بين العمال وقفنا عند الشفيع، وفي السياسة وقفنا عند السكرتير العام (يقصد عبدالخالق) وفي النساء وقفنا عند فاطمة» (المخطوطة، ص178) ونضيف بين المزارعين عند شيخ الامين. ويرى البعض ان قضية الكادر في الحزب قديمة وضعت في أجندة المؤتمر التداولي عام 1970 بالتصويت «ولم تتم مناقشتها بالتآمر»، ظلت محظورة في المناقشة حتى الآن. وكانت النتيجة عدم اكتمال مقومات العمل القيادي وبالتحديد تحسين ودعم التركيب القيادي وتحسين تكوين الكادر الشيوعي، حسب قرارات دورة سبتمبر 1984. ومن أهم مظاهر الجمود والانحراف عدم الالتزام بمبادئ تنظيمية أولية، فعلى سبيل المثال ينص الدستور على عقد المؤتمر العادي كل عامين. ويتساءل بعض المناقشين عن اللجنة المركزية الحالية ومن تبقى منها وكيف تعمل ؟ فقد حل المكتب السياسي محل السكرتارية المركزية. وهذه الوضعية وثيقة الصلة بوجود وغياب اللجنة المركزية لان المكتب السياسي او اللجنة السياسية «هي الهيئة المركزية القائدة لعمل الحزب في الفترة ما بين اجتماعات المجلس العام». وينسحب الأمر على المكاتب المركزية التي تكون لخدمة متطلبات عمل اللجنة المركزية. ومسؤولية المكتب السياسي ينحصر فقط في الاشراف على تلك المكاتب.
    يشكو المناقشون من عدد من السلبيات نتجت عن الحالة التي يعيشها الحزب منذ المؤتمر الرابع رغم الظروف الموضوعية التي مرت بها البلاد سياسياً واقتصادياً، والظروف الذاتية التي عاشها الحزب وبالذات تداعيات 19 يوليو 1971. وهذه السلبيات لابد من مناقشتها لمعرفة مداها والقدرة على التخلص منها وتجديد روح ودور الحزب الشيوعي في هذه المرحلة الحرجة. وهي تتمثل في ضعف الكادر القديم، ضعف مستوى فروع الحزب وقد أشارت وثيقة التحضير لمؤتمر الفروع المنعقد في 25 مايو 1967: «من بين الاختلالات الأساسية في اداء الفروع بل أولها: غياب وجهة ومناهج العمل في مختلف الجبهات اي غياب المرجعية التي تعبر عن العقل الجماعي للفرع». وجاء في العدد الثالث من النشرة الداخلية «الشرارة»:
    (امتلأت الساحة السياسية بالمغتربين السودانيين في بلدان عديدة، بفيض من التنظيمات الحزبية الجديد والمنابر والتجمعات الفكرية والتيارات السياسية، جميعهم يدعون تمثيل القوى الحديثة ويرفعون شعار وحدة القوى الاشتراكية او وحدة قوى اليسار. ويطرح اغلبهم شعار حل الحزب الشيوعي. وجهتنا العامة هي ان نصارع كي لا يبني هؤلاء تنظيماتهم على انقاض الحزب الشيوعي. نحن حقيقة لا نمثل كل القوى الحديثة. ليس لدينا الرغبة في ان نكون عراب هذه القوى او الأب الروحي لها. وندرك تماماً ان الشعار المناسب اليوم لتفعيل المقاومة الشعبية ضد نظام 30 يونيو الفاشي، ليس شعار وحدة قوى اليسار او جبهة القوى الاشتراكية بل هو لواء التجمع الواسع، ولكن آن الأوان كي ينتقل الفرع من العام الى المحدد والملموس. أليس من المهم ان يرصد الفرع في اطار عمله السياسي، هذه التنظيمات والمنابر؟
    تشكو الحياة الداخلية من العقم - كما ذكر بعض المناقشين - حيث يكشف جدول اعمالها عن ذلك، اذ لا شئ سوى «نقاط ميتة» وترديد: تنظيم، مالية، ميدان.. الخ. وفي نفس الوقت يهمل العمل في عشرات الميادين من العمل الاصلاحي في الأندية والتعاونيات والعمل الثقافي. ويضيف البعض «بأن مديريات بأسرها تنزع اعضاءها من حياتهم وارتباطهم بالجماهير وتحشرهم في اجتماعات طويلة حملة مرتين في اسبوع: واحد تنظيمي والثاني سياسي ولا يدري احد ما الفرق» (صلاح 74). ورغم ان عبدالخالق قد تعرض لهذه الممارسة عام 1963 الا انها ظلت قائمة لانه لم يتم اصلاح الخطأ، يقول: «وطول الاجتماع دون مبرر هو تعذيب للاعضاء. صحيح اننا ننجز ماهو مطروح من أعمال في اجتماعاتنا، ولكن فرع الحزب الذي يجتمع بالساعات الطوال لابد ان يكون مرتكباً لخطأ ما. فلو ان الاجتماع حضر له بعنايته ومسئوليته (....) فان ذلك الاجتماع سيكون مريحاً ومثمراً، ان الكثير من العناصر المناضلة وخاصة من العمال يحومون حول الحزب خوفاً من تواتر الاجتماعات وطولها الذي يسل الروح من الجسد. كما ان الكثير من العناصر الثورية التي انضمت الينا فرت بجلدها بعد ان جربت تلك الاجتماعات» (صلاح، ص39) ويهتم بهذا الموضوع باعتبار ان الاهتمام باجتماع الحزب هو مسؤولية فيما يختص بصلة الحزب الشيوعي بالجماهير.
    ركز كثيرون في المناقشات على اتجاه خلق الجديد رغم محاولات فرض القديم البالي. ويرى البعض ان ضعف الامساك بقضية الخط التنظيمي وعمليات البناء تحتاج لرفع حالة اليقظة الثورية التي لا تزال ضعيفة ولا ترتقي لمستوى التآمر ضد الحزب والديمقراطية. وطالبت المجلة الداخلية «الشرارة» باعادة النظر في مفهوم الطليعة والتعامل مع الديمقراطيين وطرحت توصيات لتبني القضايا التالية كأرضية مناقشة:
    1- قضايا العصر (المتغيرات).
    2- برنامج العمل السياسي.
    3- التعددية الحزبية.
    4- مفهوم الديمقراطية.
    5- طابع التغيير.
    6- ترتيبات الفترة الانتقالية.
    7- قضايا المناطق المهمشة.
    8- حقوق الانسان.
    9- المغتربون (المهاجرون).
    * دراسة التحالفات المهنية والتوجه إليها كمجموعات.
    * اجراء الرصد الدقيق في فروع الحزب للعناصر الديمقراطية وتلمسها وتحديدها والوصول اليها.
    * مزيد من النقاش لتحديد معنى التحالف مع الديمقراطيين بصورة دقيقة.
    * ضرورة الخروج للجماهير ونبذ روح الانكماش والتوجه بصيغ علمية ملموسة.
    من الضروري التوقف عند قضية «حل الحزب الشيوعي» كما وردت في المناقشات، فهذه فكرة قديمة لم يتوقف طرحها داخل الحزب، خاصة في فترات الأزمات، ولكنها في الظروف تبدأ بالغاء او حل او دمج الحزب الشيوعي في واحد جديد. ففي بعض التجارب وبالذات بعد قرار حل الحزب الشيوعي عام 1966، ظهر اسم الحزب الاشتراكي السوداني عام 1967 وحزب العمال والفلاحين عام 1968 ثم جاء انقسام 1970. وفي تلك الفترة كان البحث عن الشرعية وتجنب الملاحقات القانونية، سببا في الدعوة الى اعادة النظر في الاسم. وذلك لان الاصرار على الاسم القديم يعني تحول الحزب الى السرية وهذا نفي لشعار المؤتمر الرابع - لاحقاً - تحويل الحزب الشيوعي. وكان رأي عبدالخالق ان السرية لن تمنع محاربة الافكار الماركسية تحت اي مسميات أخرى طالما استمرت القوى التقليدية والرجعية في تصعيدها حملتها ضد الشوعية والاحساس بخطورتها على وجودها. كما رفض اتجاه ابعاد الماركسية والتركيز على الاشتراكية العلمية بوصفها بديل كامل ومقبول، باعتبار ان الماركسية اللينينية تمثل فرعاً من فروع الماركسية. وهي ذات مفهومات مختلفة حين استعملت في بلدان عربية وافريقية وقد دخلت في تنظيمات تلك البلدان عناصر البرجوازية الوطنية من لديهم مواقف ضد الماركسية. وتعرض لخشية البعض اتهام الحزب الشيوعي بالعمالة للخارج والإلحاد، وتوصل الى ان هذه المسائل سيبرهن على تهافتها بالفعل لا بالقول ان نشاط الحزب الشيوعي نابع من الوطن ويستلهم مصالح جماهير الشعب، كما لا يستفز مشاعرها الدينية والقيمية عموماً.
    ليس من الممكن ختام هذا الجزء الخاص بالتنظيم دون التعرض لقضية حازت على كثير من الاهتمام وهي شخصية زعيم الحزب الشيوعي، عبدالخالق محجوب، وانقسم حولها الشيوعيون اكثر من انقسامهم حول قضايا الحزب الفكرية والسياسية، فقد كان عبدالخالق شخصية كارزمية كاسحة داخل حزب طليعي مكون أساساً من مثقفين طموحين وناقدين باستمرار. فقد تطلب مستوى المجتمع والثقافة السائدتين في السودان وجود أب او زعيم قبيلة او شيخ او شرتاي او رث على رأس الحزب، يملك صفات تلك الشخصية بالاضافة الى قدرات سياسية حديثة، فالاحزاب داخل النظام الاجتماعي الأبوي او العشائري تكتسب أغلب قوتها وجاذبيتها من شخصية الزعيم الكارزمية وليس العكس. ورغم ان أجهزة الحزب هي التي تصعد الزعيم، الا ان وجوده هو الذي يعطيها الشرعية وتستمد منه القدرة على جذب الناس للتنظيم. لذلك لا تتغير القيادات الحزبية من خلال الوسائل الحزبية العادية، الا بالموت او حل الحزب وفرض قيادة أخرى مثلاً وهي تولد ميتة.
    كان عبدالخالق هدفاً جيداًَ للشيوعيين المغادرين للحزب، فقد نقرأ عن «الشيوعية الأصول» او الستالينية عند عبدالخالق، حسب وصف د. فاروق محمد ابراهيم، او دكتاتور مسؤول عن تصفية الحزب حسب احمد سليمان المحامي او وصفه الشاعر صلاح احمد ابراهيم باناني - الإله والساحر الافريقي، وغيرها الكثير من الأوصاف والنعوت. ولا اكرر قصة خروتشوف مع الشيوعيين الصامتين زمن ستالين، فقد صنعوا ستالين وهنا عبدالخالق ثم انقلبوا تبرئة للذمة فقط. وذلك لأن عبدالخالق لم ينزل من السماء بل اختارته وحمته أجهزة الحزب وقبلت به وشاركت في ابعاد زملاء من الحزب، وردد الاتهام ضده بالانتهازية والتحريفية، وساعدت بهمة في عمليات اغتيال شخصية جرت داخل الحزب. كانت مسؤولية جماعية والخروج المتأخر او القسري لا يغدرهم ولا يعطيهم الحق في جعل عبدالخالق حائط مبكى او قميص عثمان. ويبدو ان الشعور بالذنب يلاحقهم طويلاً خاصة وان الشيوعي يخرج من الحزب ولكن الحزب لا يخرج منه مهما فعل.
                  

02-16-2009, 04:39 PM

ناظم ابراهيم
<aناظم ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 3734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحوة الماركسية.. (Re: ناظم ابراهيم)

    الصحوة الماركسية.. (الحلقة الأخيرة)

    نحو حزب جديد أو كيف تكون شيوعياً جيّداً؟
    يبرز سؤال جذري عند الكتابة عن الحركة الشيوعية في السودان، ويمكن سحبه على العرب والأفارقة والآسيويين وكل بشر العالم الثالث، وهو: لماذا يصبح السوداني شيوعياً؟ اي السؤال عن الأسباب والملابسات التي تجعله يقوم بهذا الاختيار الايديولوجي من ضمن كل الايديولوجيات التي تملأ العالم. وهذا السؤال لا يبحث عن الاختيار الفردي بل عن الظروف والعوامل الاقتصادية، والاجتماعية، والتاريخية التي تقف خلف الاختيار. فإنسان العالم الغربي الرأسمالي لا يزعجنا بهذا السؤال. لأن وجوده في مجتمع رأسمالي يجعل احتمال اختياره الشيوعية او الاشتراكية عالياً.
    حين فسر عبدالخالق محجوب أسباب اعتناقه الشيوعية أثناء المحاكمة العسكرية في دفاعه الذي بدأ في القائه امام القاضي ثم منع من الاستمرار فيه. وكان عقب اعتقاله في 18 يونيو 1959، فهو يقدّم نفسه وطنياً ديمقراطياً أكثر منه شيوعياً مباشرة. فقد شعر -حسب قوله- بعجز الأحزاب مبكراً. وهو يعرّف نفسه «أنني أنتمي لذلك الجيل من الشباب الذي تفتحت أذهانه وتنبهت آذانه على صوت الوطنية السودانية في الاربعينيات في تلك الفترة ونحن في معية الصبا نتلقى العلم في المدارس الثانوية اتسع نطاق تفكيرنا من محيط جدران قاعة الدرس الى نطاق وطننا بأسره» (ثورة شعب، ص320).
    ويصل الى موقف ضد الرأسمالية من خلال تحليل الاستعمار. فهو يأخذ على الاحزاب عدم توحدها وتواطؤ بعضها مع الاستعمار. ويركز على الفكرة الاخيرة فقد أصر نفر في الاحزاب في اثبات نص في وثيقة الاحزاب يدعو للتحالف مع بريطانيا وهدد بالانسحاب وتكوين وفد آخر. ويسأل محجوب عن سبب هذا الاصرار وأي مصلحة يخدم؟ ويقول إنه لم يجد تفسيراً لأنهم كانوا يعتبرون الحركة الوطنية حرباً بين كل السودانيين والمغتصبين. وراح يبحث عن تفسير بعد فشل تلك النظرية، ورجع يقرأ كل ما وقعت عليه يده من تاريخ للنضال الوطني في الهند ومصر وأوروبا ولم يجد ما يصبو إليه، إلى أن عثر على كتاب صغير اسمه (المشكلة الوطنية ومشكلة المستعمرات) بقلم جوزيف ستالين، ويواصل محجوب: «إنني لم أصل إلى النظرية الماركسية اللينينية عبر طريق النضال السياسي وحسب رغم أن هذا وحده يكفي. ولكني توصلت إليها في بحثي عن الثقافة التي تنسق عقل الإنسان ووجدانه وتباعد بينه وبين التناقضات العقلية والعاطفية التي عاشها جيلنا وما زالت تعيشها الأغلبية من المثقفين السودانيين (ثورة شعب، ص1-322).
    كان مدخل محجوب الى الشيوعية فكرياً وثقافياً وليس حزبياً وتنظيمياً، وهذا الجانب جاء لاحقاً ولكنه استولى عليه كلية. فهو كمثقف وليس زارعاً او صاحب املاك -كما قال- كان من الطبيعي ان يبحث عن طريقة لتطوير فكره وتوسيعه. ولكن (محجوب) يحدد نوع الثقافة التي يريدها «لم أكن أهدف الى اي ثقافة ولكن الثقافة التي تعطي تفكيراً غير مضطرب او متناقض للظواهر الطبيعية والاجتماعية.
    إن الكثيرين يقرون ان الثقافة الغربية ينقصها التناسق وهي مضطربة لا استقرار لها. وليس أدل على هذا الاضطراب من تزعم الفلسفة الوجودية لهذه الثقافة. ويضيف في موضع آخر: «إن تجربتي البسيطة توضّح أنني لم آخذ الثقافة الماركسية لأنني كنت باحثاً في الأديان، ولكن لأنني كنت وما زالت أتمنى لبلادي التحرر من النفوذ الأجنبي. أتمنى وأسعى لاستقلال بلادي وانهاء الظروف التي حطت علينا منذ عام 1898، أتمنى وأسعى لإسعاد مواطني حتى تصبح الحياة في السودان جديرة بأن نحيا. ولأنني أسعى لثقافة نقية غير مضطربة تمتِّع العقل وتقدِّم البشرية الى الامام في مدارج الحضارة» ظهر هذا الحديث في صحيفة (الايام العدد 306 بتاريخ 5/10/1954) بعنوان: (كيف أصبحت شيوعياً) ردّاً على منشور مدسوس يهاجم الدين الإسلامي وينادي بحياة الشيوعية.
    يلاحظ غلبة الطابع الوطني على تفسير عبدالخالق محجوب لدرجة تعميم تهمة الاضطراب على كل فكر الحضارة الغربية. وينسى ان أصل الماركسية هو الحضارة الغربية وليس أية حضارة أخرى تدعي الاتساق. وحتى الوجودية التي يلغيها لم تبتعد عن الماركسية كما مثّل ذلك رائدها جان بول سارتر صاحب كتاب «نقد العقل الجدلي» والمواقف المعادية للرأسمالية في بلاده والعالم كله. وهذا يعني أن مثقف العالم الثالث حين يعتنق الماركسية يرى فيها وسيلة للتحرر والتقدّم في وطنه أولاً. ويقول العروي في هذا الصدد «والمفهوم الذي يصل تفكير مثقف العالم الثالث بماركس هو مفهوم التأخر التاريخي. وهذا مفهوم لا يحتاج إلى جرد وتحليل ونقد من طرف الفلاسفة وإنما هو من معطيات التجربة اليومية، يستخلصها المثقف مباشرة من معاناته للحياة» (العروي، 149:1973). ولذلك افتقد الشيوعي السوداني والعالمثالثي عموماً، باستمرار النظرية الجدلية وغاب هيجل. وظلوا بعيدين عن ما يسمى (تجديل الماركسية) -حسب العروي- وبالتالي ابتعد عن دراسة الواقع في تفاصيله الدقيقة وبقي أسير ترسيمات المراحل الخمس في التاريخ التي اعتمدتها ملخصات لينين وستالين وغيرهم عن حركة التاريخ. وكانت مشكلة الأحزاب الشيوعية خارج أوروبا وفي أفريقيا وآسيا بالذات، هي أن ثورة أكتوبر 1917 ملهمة والاتحاد السوفيتي (العظيم) نموذجاً. فقد أخرجت تلك الثورة روسيا القيصرية من التخلّف إلى رحاب التقدّم باتجاه التصنيع والقوة. وقد اختصر لينين حقيقة الثورة في الكهرباء زائد السوفيت (المجالس). لذلك كان لينين وستالين أقرب إلى الشيوعي السوداني أو العالمثالثي من ماركس وهيجل.
    هل يعني ما تقدّم أن لينين لم يكن ماركسياً؟ بلى، ولكنه حاول تطبيق الماركسية على واقع اسوأ وأكثر تخلفاً من وضع السودان أو فيتنام أو كوبا. فروسيا في 1917 كانت في وضع مزر رغم محاولات التغريب والتصنيع السابقة. وقد حاول لينين تطوير فهم الماركسية جدلياً ولكن في ظروف هيمنة الامبريالية، او كما عرفها ستالين «ان اللينينية هي ماركسية عصر الاستعمار والثورة البروليتارية. وبتعبير أدق: اللينينية هي نظرية وتكتيك الثورة البروليتارية بوجه عام، ونظرية وتاكتيك دكتاتورية البروليتاريا بوجه خاص» (أسس، ص7). ويرى ستالين ان ما يميز اللينينية، عادة، هو ذلك «الطابع الكفاحي الى حد فائق العادة، والثوري الى حد فائق العادة. وهذا صحيح تماماً. بيد أن هذه الخاصية في اللينينية يعود تفسيرها إلى عاملين إثنين: أولهما، أن اللينينية قد انبثقت من صميم الثورة البروليتارية فلا يمكن إلا أن تحمل طابع هذه الثورة. وثانيهما، أنها نمت وتقوت في المعارك ضد انتهازية الأممية الثانية» (ص8)، والشيوعية في السودان انبثقت من صميم ثورة التحرر الوطني، كما أنها نمت في المعارك ضد من يريدون تصفية الحزب الشيوعي ولا ضرورته. لذلك لم تتوقف صراعاتها وتعددت في الحركة الشيوعية السودانية الانقسامات والانشقاقات، ومالت الشيوعية السودانية الى ان تكون لينينية وفي بعض الاحيان ستالينية اكثر منها ماركسية، لاسباب بعضها تثقيفي وفكري وبعضها عملي نفعي (Pragmatic) قد يناقض المنهج الجدلي. ولذلك هناك من يرجع جمود الحزب الشيوعي السوداني لهذا التوجه والذي يفقده ايضاً الاستراتيجية الواضحة ويجعله في حالة تكتيك لا تنتهي. ويقارن «محمود يس» هذا الوضع بموقف الاشتراكي الديمقراطي الالماني برنشتاين: «الحركة كل شيء والهدف النهائي لا يساوي شيئاً» (مقال بعنوان: في الذكرى الستين لتأسيسه، الحزب الشيوعي والعمل النظري في sudanile 3/10/2006)، وتقود البراقماتية بالضرورة إلى الانتقائية او الاختيار بين مواقف عديدة لاختيار أنسب المواقف لمقابلة الحدث المعين او الظرف المحدد.
    وضعت فترة ظهور الحزب الشيوعي السوداني المؤسسين والقيادة المبكرة للحزب امام خيار وحيد هو الاندماج في زخم الحركة الوطنية مثل المظاهرات، الاحتجاجات والمواكب ضد الجمعية التشريعية وتكوين النقابات... الخ، على حساب التكوين النظري والفكري الذي يتطلب قدراً من العزلة بالضرورة. وهكذا أصبحت مفخرة الحزب: الالتحام بالحركة الوطنية وتوجيهها أحياناًَ خصماً على الإعداد الفكري الدؤوب لأعضاء الحزب وسيظل الحزب الشيوعي يكرر في كل نقد ذاتي لعمله بصياغات مختلفة ما يلي:
    «الأزمة الفكرية هي أصل الأزمات التي يعاني منها الحزب إضافة للجهل بالمجتمع» (التلخيص الختامي للمناقشة العامة، الكتاب الثاني، الخرطوم، يونيو 2006، ص92).
    كانت مهمة تأسيس وبناء حزب جديد وقوي، هي الهاجس والاستراتيجية التي شغلت الشيوعيين لدرجة أن أصبح الحزب غاية في حدّ ذاته وليس وسيلة لتحقيق برنامج اشتراكي أو ديمقراطي- وطني. وعرف الشيوعيون الحزب الجديد بأنه «الحزب الذي يستوعب بين صفوفه الطلائع الثورية للجماهير ويخلق من بينها بالتدريب النظري والعملي، ومن خلال حركة نضالية متصلة، قادة قادرين على توعية الطبقة العاملة برسالتها التاريخية والارتقاء بها الى مستوى الطلائع. على توحيد الطبقة العاملة وحلفائها في جبهة وطنية ديمقراطية، وعلى قيادة مجموع الحركة الثورية في سبيل التقدم الاجتماعي والاشتراكية»، ويركز الشيوعيون السودانيون على الطبقة العاملة «بحكم دورها التاريخي، هي أكثر طبقات مجتمعنا ثورية، وقد رشحها ذلك كي تصبح القوة الرئيسية لتحويل المجتمع تحويلاً ثورياً، وكي تصبح زعيمة لجميع القوى المناهضة للرأسمالية. وهذه الطبيعة الطبقية هي التي تجعل الحزب الشيوعي، دون سائر الاحزاب السودانية الاخرى، الاكثر ثورية ونضجاً ووضوحاً وأصالة، هي التي تجعله الأجدر والأقدر على التصدي لمهمة التحويل الثوري للمجتمع السوداني» (البرنامج، ص50).
    لذلك، يمكن اعتبار كل معارك الحزب الشيوعي السوداني ماهي الا محاولة لتأكيد ماركسية- لينينية وطليعية حزبهم. ويدعو عبدالخالق محجوب «على حزبنا ان يراعي في تكوين كادره نقاء الماركسية في حزبنا وتطوير التفكير العلمي» (قضايا ما بعد المؤتمر، 54:2004) وكلمة «نقاء» لها دلالة أصولية وصوفية أو (Puritans) في المصطلح الغربي. اذ يستحيل أن نجد فكرة او عقيدة خالية من الشوائب. وهذا ما أغراني باستخدام مصطلح فتشية الحزب (Fetishism) عند وصف النقاء الماركسي الثوري في الحزب الشيوعي السوداني اخترت مفهوم الفتشية في وصف عملية البحث عن النقاء بسبب دلالاتها السحرية والتقدسية.
    ظل الحزب الشيوعي السوداني مشغولاً طوال تاريخه مشغولاً بعملية «التنقية» المستمرة من العناصر «الانتهازية» والمنشقة و«المرتدة» والتحريفية والبرجوازية الصغيرة والاتجاهات اليسارية الطفولية والجمود العقيدي (اصلاح الخطأ، ص20) فالحزب الشيوعي كان يستشعر عدواناً وصراعاً من الداخل والخارج اي بين اعضائه ومن الاحزاب البرجوازية والتقليدية التي تحاصره وتحاول منعه من الانتشار وسط الجماهير. ويشدد الحزب الشيوعي على أهمية الاستمرار في إدارة الصراع وعدم التوقف أو التهاون والتهوين من الخطرين الداخلي والخارجي «المهم هو ادارة الصراع الفكري العميق المثمر واشتراك مجموع الاعضاء في هذا الصراع الذي يؤدي الى تطور الحزب وتنمية وحدته والى تقوية هذه الوحدة ووقوفها سداً منيعاً امام المحاولات الرامية لافقاد الحركة الثورية مركزها الاول وكي لا تسود في الأيام القادمة اتجاهات البرجوازية واتجاهات اليمين بين الحركة الثورية، حتى تغرقها وحتى تجهض الحركة الجديدة من مرحلة التطور الوطني الديمقراطي العام في البلاد» (قضايا ما بعد المؤتمر، ص62-63) كان هذا الخوف والشعور بالخطر سبباً في قيام تنظيم حديدي اعتمد بالفعل على الشكل اللينيني الستاليني، رغم عيوب هذا الشكل. وسار على هدى نصيحة لينين: «فبدون حزب حديدي متمرّس بالنضال، ومتمتّع بثقة كل من هو شريف في الطبقة المعينة، حزب يعرف يلاحظ حالة الجماهير ويؤثر في حالتها، تستحيل قيادة هذا النضال بنجاح» (أسس اللينينية، ص146).
    حسم الحزب الشيوعي السوداني واختار في الماركسية جانبها اللينيني، وهذا خيار واضح في أدبيات الحزب وكل الكتابات والبرامج واللوائح. وكان الحزب الشيوعي بعيداً منذ نشأته عن التفاعل مع التأويلات الماركسية المتنوّعة ويورد عبده دهب أن حدتو منعت الشيوعيين السودانيين في مصر من العمل مع التنظيمات الشيوعية. فقد تقدم شوارتز بطلب رسمي يتضمن السماح للسودانيين بالعمل لفترة مع المنظمات المختلفة حتى يكتسبوا خبرات متنوعة ولكن طلبه رفض (السعيد، ص؟؟) واعتقد ان فرصة قد ضاعت فعلاً للاحتكاك الايجابي، ولكن الخوف من الانشقاقات ومن تأثير منظمات مثل الايسكرا او الخبز والحرية. وكانت هذه المنظمات ذات توجهات تروتسكية وسيريالية. وفي فترة لاحقة تعددت الاصوات الشيوعية في اوروبا بالذات الحزب الشيوعي الفرنسي والشيوعي الايطالي، فقد ظهرت هناك الشيوعية الاوروبية التي حاولت الجمع بين الاشتراكية والديمقراطية والمثل الانسانية مقطعة فكرة دكتاتورية البروليتاريا. ولكنها لم تجد صدى بين صفوف الحزب الشيوعي السوداني بنموذجه اللينيني.
    كان لينين مجتهداً ومطوّراً للماركسية، حاول استخدام العقل الجدلي كأداة للتحرر والثورة تقديم نظرية للثورة الاشتراكية في عصر الامبريالية. ولكن تطبيق الماركسية في روسيا وليس في المانيا او انجلترا كان له أثره السلبي والقاتل. فقد أجبره تأثير روسيا الاستبدادية القيصرية، على الاعتماد على دور التنظيم الحديدي المركزية ودوره الطليعي. ويصل -كيلاني- إلى استنتاج صحيح حين يكتب: «وهذا يعني أن النظرية والوعي بإتيان من خارج الطبقة العاملة، فأعلى من شأن الطليعة على حساب الحركة العمالية. ولاحقاً، الاعلاء من دور الحزب على حساب الطبقة، والمركز على حساب قواعده، والتنظيم والانضباط الحزبي على حساب تعددية الآراء والديمقراطية.
    فأصبح الحزب وبالتالي قيادته يعادل الحقيقة والعلم والعصمة من الخطأ، اما الطبقة ووعيها فيساوي العفوية والخلط بين الاشياء، والذي يقترب من الجهل» (13:1998) ومن هذا الفهم تترسخ الدكتاتورية في العمل الحزبي والذي يأخذ شكل الوصاية على هذه الطبقة التي تحتاج لفكر الطليعة وتهتدي به بلا تساؤلات لأن لوائح الحزب لا تسمح حتى ولو تحدّثت كثيراً عن المناقشات الداخلية. وذلك لسبب بسيط وهو أن شبح الانقسام يلوح دائماً في الأفق. ولغارودي مقولة مهمة قالها بعد خروجه من الحزب الشيوعي الفرنسي: «روح الحزبية تجعل من المشاركة بأخطاء الآخرين واجباً» (121:1992) فالمقصود أن روح التضامن الحزبي تلحم كل محاولات الاختلاف والتي تأتي من النقد والنقد الذاتي. وهذا شعار يتكرر دون ان ينفذ. وهنا تبرز اشكالية أخرى، عبّر عنها دوبرية بقوله: «ليس في وسع المرء ان يتحزب ويفهم الظاهرة التي هي الحزب» (23:1986) فهو مندمج داخل الظاهرة وبالتالي يصعب أن يراها مثل الملاحظ الخارجي.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de