دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
اسرائيل و دارفور ..... بحث جدير بالقراءة
|
مركز الراصد للدراسات السياسية والإستراتيجية، الخرطوم ---------------------------------------------------- كشف وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي (آفي ديختر) في محاضرة خاصة أكتوبر 2008م: أن صانعي القرار بإسرائيل كانوا قد وضعوا خطة للتدخل في دارفور عبر الذراع الأمريكي وقال "كنا سنواجه مصاعب في الوصول إلى دارفور لممارسة أدوارنا المتعددة بمنأى عند الدعم الأمريكي والأوروبي" مبيناً أن تدخلهم في دارفور حتمي وضروري حتى لا يجد السودان المناخ والوقت لتركيز جهوده باتجاه تعظيم قدراته لصالح القوة العربية . وقد تناولت المحاضرة التي ألقاها (آفي ديختر) والتي كانت بعنوان "أبعاد الحركة الإستراتيجية الإسرائيلية القادمة في البيئة الإقليمية" محاور مهمة ومفصلية ركَّزت على ثلاثة خيارات أساسية للحركة الإستراتيجية في البيئة الإقليمية تتمثل في :- 1. استخدام القوة العسكرية لحسم التحديات الصعبة والخطيرة التي يتعذر حسمها بالوسائل الأخرى الدبلوماسية ، وخلق الفوضى وإثارة الصراعات واستخدام قوى داخلية وتوظيفها لتؤدي المهمة بدلاً من التدخل المباشر. وأشتر ديختر إلى أنه سيتم استعمال القوة العسكرية إذا ما اختلفت الخيارات الأمريكية في المنطقة بعد انتخاب رئيس أمريكي جديد وانسحاب القوات الأمريكية من العراق ومناطق أخرى . 2. التوظيف لجماعات إثنية وطائفية أو قوى معارضة لديها الاستعداد مقابل دعم تطلعاتها للوصول إلى السلطة . 3. العودة إلى إقامة أو تجديد تحالفات إسرائيل مع دول الجوار على غرار حلف المحيط الذي شكله (ديفيد بن قوريون) في منتصف الخمسينات مع تركيا وإيران وإثيوبيا في نطاق إستراتيجية شد الأطراف أي شل قدرات دول مثل العراق وسوريا والسودان حتى لا تستخدم في المواجهة مع إسرائيل وتحيد الشطر الأكبر منها على حدود دول الجوار (إيران ، تركيا ، إثيوبيا) . في الظروف الحالية – بحسب أقوال ديختر- زاد عدد دول الجوار التي بمقدورها أن توظف في نطاق شد الأطراف ، وتتمثل هذه الدول في تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وإثيوبيا وأوغندا وكينيا في مواجهة السودان . واستشهد ديختر بما قاله بن قوريون وهو يحصي مزايا وفوائد إستراتيجية شد الأطراف التي طبقت في نطاق التعاطي مع سوريا والعراق والسودان وبالتالي مصر ، وعزا إلى بن قوريون قوله : "نحن لا نملك القدرة على الدخول في مواجهة جبهوية مع كل الدول العربية (دفعةً واحدة وفي وقتٍ واحد) ولكننا نملك الخيارات الأخرى لإضعاف هذه الدول واستنزاف طاقاتها وقدرتها على التخوم أي من خلال علاقاتها مع دول الجوار أو الجماعات والأقليات التي تعيش على التخوم". وقد استهل (ديختر) وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي قوله : إن البعض في إسرائيل يتساءل : لماذا نهتم بالسودان ونعطيه هذا القدر من الأهمية ؟ ولماذا التدخل في شؤونه الداخلية في الجنوب سابقاً وفي الغرب (دارفور) حالياً طالما أن السودان لا يجاورنا جغرافياً ، وطالما أن مشاركته في إسرائيل معدومة أو هامشية وارتباطه بقضية فلسطين حتى نهاية الثمانينات ارتباطاً واهياً وهشاً؟ وفي معرض إجابته على تلك التساؤلات أشار إلى عدة نقاط وذلك كما يلي :- • إسرائيل حين بلورت محددات سياستها وإستراتيجيتها حيال العالم العربي انطلق من عملية استجلاء واستشراف للمستقبل وأبعاده وتقييمات تتجاوز المدى الحالي أو المنظور . • السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه كان من الممكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لدول عربية رئيسة مثل مصر والعراق والسعودية، لكن السودان ونتيجة لأزمات داخلية بنيوية تمثلت في صراعات وحروب أهلية في الجنوب استغرقت ثلاثة عقود ثم الصراع الحالي في دارفور ناهيك عن الصراعات حتى داخل المركز الخرطوم ، تلك الصراعات تحولت إلى أزمات مزمنة وفوتت الفرصة على تحوله إلى دولة إقليمية مؤثرة تؤثر في البنية الإفريقية والعربية. • كانت هناك تقديرات حتى مع بداية استقلال السودان أنه لا يجب أن يسمح لهذا البلد رغم بعده عن إسرائيل أن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي لأن موارده إن استثمرت في ظل أوضاع مستقرة ستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب . وأضاف : " وفي ضوء هذه التقديرات كان على إسرائيل أو الجهات ذات العلاقة أو الاختصاص أن تتجه إلى هذه الساحة وتعمل على مفاقمة الأزمات وإنتاج أزمات جديدة حتى يكون حاصل هذه الأزمات معضلة يصعب معالجتها فيما بعد " . • كون السودان يشكل عمقاً استراتيجياً لمصر ، هذا المعطى تجسد بعد حرب الأيام الستة 1967م عندما تحوَّل السودان إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية إضافةً إلى ليبيا، مشيراً إلى أن السودان أرسل قوات إلى منطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف التي شنتها مصر منذ عام 1968 – 1970م . وأضاف " كان لابد من العمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة رغم أنها تعج بالتعددية الإثنية والطائفية ، لأن هذا من المنظور الإستراتيجي الإسرائيلي ضرورة من ضرورات دعم وتعظيم الأمن القومي الإسرائيلي". وقد عبَّرت عن هذا المنظور رئيسة الوزراء (قولدا مائير) عندما كانت تتولى وزارة الخارجية وكذلك ملف إفريقيا عام 1967م عندما قالت: " إن إضعاف الدول العربية الرئيسية واستنزاف طاقاتها وقدراتها واجب وضرورة من أجل تعظيم قوتنا وإعلاء عناصر المنعة لدينا في إطار المواجهة مع أعداءنا ، وهذا يحتم علينا استخدام الحديد والنار تارةً والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارةً أخرى" . وكشفت – حسب ديختر – عن أن إسرائيل وعلى خلفية بعدها الجغرافي عن العراق والسودان مضطرة لاستخدام وسائل أخرى لتقويض أوضاعهما من الداخل لوجود الفجوات والثغرات في البنية الاجتماعية والسكانية فيهما . وأورد (ديختر) بعض المعطيات عن وقائع الدور الإسرائيلي في إشعال الصراع في جنوب السودان انطلاقاً من مرتكزات قد أقيمت في إثيوبيا وفي أوغندا وكينيا والكنغو الديمقراطية (زائير سابقاً) ، مشيراً إلى أن جميع رؤساء الحكومات في إسرائيل من بن قوريون وليفي أشكول وقولدا مائير واسحاق رابين ومناحيم بيغن ثم شامير وشارون وأولمرت تبنوا الخط الإسرائيلي في التعاطي مع السودان بالتركيز على تفجير بؤرة أزمات مزمنة ومستعصية في الجنوب وفي أعقاب ذلك قي دارفور . هذا الخط الإستراتيجي كانت له نتائج ولا تزال أعاقت وأحبطت الجهود لإقامة دولة سودانية قوية عسكرياً واقتصادياً قادرة على أن تتبوأ موقع الصدارة في البيئتين العربية والإفريقية . وفيما يتعلق بدارفور اعترف (ديختر) بالقول : "في البؤرة الجديدة في دارفور تداخلنا في إنتاجها وتصعيدها ، وكان ذلك حتمياً وضرورياً حتى لا يجد السودان المناخ الوقت لتركٍّز جهودها باتجاه تعظيم قدراته" . وأضاف: "ما أقدمنا عليه من جهود على مدى ثلاثة عقود يجب أن لا يتوقف لأن تلك الجهود هي بمثابة مداخلات ومقدمات التي أرست منطلقاتنا الإستراتيجية التي تعتبر أن سودانا ضعيفا ومجزأ وهشا أفضل من سودان قوي وموحد وفاعل" . واعترف (ديختر) أن صانعي القرار في إسرائيل كانوا من أوائل المبادرين إلى وضع خطة للتدخل الإسرائيلي في دارفور في 2003م مرجعاً الفضل في ذلك لرئيس الوزراء السابق أرييل شارون ، حيث أثبتت – حسب ديختر- النظرة الثاقبة لشارون والمستمدة من فهمه لمعطيات الوضع في غرب إفريقيا بصورة عامة والوضع السوداني على وجه الخصوص صحتها ، مشيراً إلى قول شارون خلال إجتماع للحكومة في 2003م حين قال:"حان الوقت للتدخل في غرب السودان وبنفس الآلية والوسائل وبنفس أهداف تدخلنا في جنوب السودان". وعندما سئل (ديختر) عن نظرته لمستقبل السودان على خلفية أزماته المستعصية في الجنوب والغرب وعدم الاستقرار السياسي في الشمال وفي مركز القرار ، كان رد (ديختر) " هناك قوى دولية تتزعمها الولايات المتحدة مصرَّة على التدخل المكثف في السودان لصالح خيارات تتعلق بضرورة أن يستقل جنوب السودان وكذلك إقليم دارفور على غرار استقلال إقليم كوسوفو" وأشار إلى أن الإستراتيجية الإسرائيلية حيال السودان والتي ترجمت على الأرض في جنوبه سابقاً وفي غربه حالياً استطاعت أن تغيّر مجرى الأوضاع في السودان نحو التأزم والتدهور والانقسام ، ومن ثم أصبح يتعذر الحديث عن تحوُّل السودان إلى دولة إقليمية كبرى وقوة داعمة للدول العربية التي تطلق عليها دول المواجهة مع إسرائيل.
|
|
|
|
|
|
|
|
|