Jacques Derrida,French intellectual,died on October 8th,aged 74
"به وهبت فرنسا للعالم واحد من اعظم الرموز الفكرية في عصرنا" هذا ما عبر عنه الرئيس الفرنسي جاك شيراك عشية اليوم الثاني لرحيل جاك دريدا. وبالرغم من ان دريدا كان يرفض باستمرار اي شيء يقال عنه ،الا انه من المؤكد سيسمح هذه المرة بهذا المديح ان يمر.فقد كان مبتدع ما عرف بالتفكيك - تلك الممارسة غير المعرفة تعريفا جيدا والتي تعمل علي تقويض النصوص بالكشف عن تناقضاتها - كان حقا ، ويا للمفارقة ، من الباحثين الذين يشار اليهم في مجال العلوم الانسانية. كان مثيرا للجدل . فقد اثار اقتراح منحه الدكتوراة الفخرية من جامعة كامبريدج سنة 1992 عاصفة من الاحتجاجات مما اضطر ادارة الجامعة ان تلجأ الي الاقتراع لاول مرة خلال ثلاثين سنة ،لحسم الامر. وكان من التهم الموجهة اليه، هي ان اعماله عبثية وضارة ومضجرة.ومع ذلك منح الدرجة الفخرية باغلبية 204 صوتا مقابل 336 . لا شك ان الاختلاف من سمات المؤسسات الاكاديمية،الا ان الوضع كان هذه المرة مختلفا.فلم تكن المشكلة ، ان افكار واراء دريدا مثيرة للجدل وحسب ،بل انه ليست هنالك اراء وافكار اصلا. وهذه الحقيقة ، اول من يقر بها دريدا نفسه. فقد كان يرفض بشدة اي محاولة لتوضيح افكاره ويناقض نفسه باستمرار،ويقول:" ما اقوم به عصي علي النقد".
ولكن هنالك سوق للابهام دائما.فالماخذ التي عابها سقراط علي اتباع هيرقليطس ،هي نفسها، الماخذ التي يعيبها منتقدو دريدا علي حوارييه التعساء : "الذين اذا سالت احدهم سؤالا ،اخرج ما في جعبته من تعابير ملغزة وانتاشك ببعضها ،فاذا حاولت ان تستفسر عن معني ما قاله ،الجمك بمزيد من المجازات المبتدعة. بحيث انك لا تستطيع ان تمضي معهم الي اي مدي ". ويتسم اسلوب دريدا بالتلاعب بالالفاظ واستخدام الجناسات الضعيفة، واشهر الامثلة علي ذلك اعضاء الذكر المنطقية logical phallusies )، و البلاغة الطنانة المنمقة والاستطراد اللامنطقي، حتي يمكن للقاريءالمنفتح الذهن ان يتهمه بالادعاء والتدجيل.الا ان هذه الحكم ربما يكون قاسيا ،فالرجل باحث جاد ومثابر وهو رغم اضطراب طرحه ، يقدم لبعض الباحثين والطلاب ما يرضي غرورهم .
ولد دريدا بالجزائر. كان ابوه تاجرا من اليهود السفاردين.في سن الثانية عشر،طرد دريدا من المدرسة،بسبب قوانين التمييز العرقي في ذلك الوقت. وفي سنة 1952 تمكن بصعوبة ، من دخول كلية Ecole Normale Superieure للمتفوقين بباريس ، حيث ام هنالك محاضرات ميشيل فوكو. عين سنة 1962 محاضرا في ذات الكلية. وبعد سنتين من تعيينه حضر مؤتمرا بجامعة جونز هوبكنز ببلتمور بالولايات المتحدة،حيث ارسي دعائم شهرته هنالك ، باعلانه عن طريقة مبتكرة وجريئة لمقاربة النصوص الادبية بتعرية الاسس النظرية والايديلوجية التي تستند اليها هذه النصوص .وبزغ نجمه سنة 1967 حينما اصدر ثلاثة كتب من بينها Of grammatologyو writing and difference
ازدهر مذهب دريدا في التفكيك ، بصفة خاصة باقسام الادب المقارن بالجامعات الامريكية، حيث تم مزجه هنالك بالماركسيةوالانثوية ومناهضة الكولونيالية. وحتي بعد ان هجره الاكاديميون الفرنسيون في اوائل الثمانينات عندما لم يجدوا طائل من ورائه، ظل يحظي باهتمام اساتذة الادب بالجامعات الاميريكية،الذين يلحون علي طرح انفسهم كنقاد في الاجتماع والفلسفة والسياسة ، دون ان يكونوا مسلحين باي فكر جاد، بخلاف ترسانة من المصطلحات المستحدثة. وبالرغم من ان دريدا ينفي باستمرار اي مسؤولية له عن العدمية السائبة التي يشيعها اتباعه الذين يتركون انطباعا قويا ان التفكيكية ، قد نجحت في تقويض فكرة الحقيقة الموضوعية،الا ان اعماله يصعب تفسيرها باي وجه آخر بخلاف ذلك .
وحلت الكارثة سنة 1987 حين كشفت صحيفة النيويورك تايمز ، النقاب عن المقالات الصحفية التي كتبها،بول دي مان - صديق دريدا واحد اكبر التفكيكيين بامريكا - الي صحيفة بلجيكية موالية للنازية في الفترة مابين 38-1940 .وقد تزامن ذلك ، في نفس السنة، مع ظهور الادلة علي الماضي النازي للفيلسوف الالماني ، مارتن هيدجر ، صاحب التاثير القوي علي دريدا. فكان رد فعل دريدا علي هذه الاتهامات ، بمثابة الكارثة.حيث لجأ الي استخدام التكنيك التفكيكي للدفاع عن الرجلين من خلال ضباب كثيف من البلاغة الملتوية، في محاولة بائسة لتبرأتهما.وقد تلقف ذلك منتقدوه الذين يعتقدون ان التفكيك يلجأالي المراوغة واللعب باللغة كقناع لاخفاء افلاسه الاخلاقي والفكري. وقد علقت النيويورك ريفيو علي ذلك مازحة ، ان التفكيك يعني انه ليس لك ان تعتذر ابدا.
ومع ذلك كانت ايضا لدريدا اهتمامت مثمرة.فقد وقف مع حقوق المهاجرين الجزائريين في فرنسا، وعارض التمييز العنصري وقاد حملات التضامن مع المعارضين الشيك.وقد بدات شهرته في التصاعد بعد ان ضعف نفوذه. حيث خرج من انكفائه السابق وبدا يرحب بالمقابلات والحوارات الصحفية والتقاط الصور.وبدا اهتمامه يتحول بعيدا عن الفلسفة والادب حتي انه عبر صراحة عن سخطه علي ، كوميديا، ودي آلن :" تفكيك هاري".واخذ يهتم بالقضايا الاخلاقية والسياسيةالا انه حتي في هذه القضايا من الصعب متابعته. وفي سنواته الاخيرة اظهر اهتماما متزايدا بالدين حتي ان بعض رجال الدين بدأوا يهتمون بكتاباته. كان الله في عونهم.
* The Economist ,October,23rd,2004 الترجمة من عندنا(النص الكامل للمقال)
** phallusy الفالوس وهو قضيب الذكر سيما في حالة الانتصاب كرمز للفحولة والاخصاب. وphallic تعني ذكري او ذكوري نسبة الي الذكر. والجدير بالذكر ان :الفلك في اللهجة السودانية تعني قضيب الذكر!
(عدل بواسطة Agab Alfaya on 12-09-2004, 08:24 AM) (عدل بواسطة Agab Alfaya on 12-10-2004, 06:51 PM)
12-09-2004, 05:40 AM
Agab Alfaya
Agab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015
Quote: ولكن هنالك سوق للابهام دائما.فالماخذ التي عابها سقراط علي اتباع هيرقليطس ،هي نفسها، الماخذ التي يعيبها منتقدو دريدا علي حوارييه التعساء : "الذين اذا سالت احدهم سؤالا ،اخرج ما في جعبته من تعابير ملغزة وانتاشك ببعضها ،فاذا حاولت ان تستفسر عن معني ما قاله ،الجمك بمزيد من المجازات المبتدعة. بحيث انك لا تستطيع ان تمضي معهم الي اي مدي ".
Quote: وبالرغم من ان دريدا ينفي باستمرار اي مسؤولية له عن العدمية السائبة التي يشيعها اتباعه الذين يتركون انطباعا قويا ان التفكيكية ، قد نجحت في تقويض فكرة الحقيقة الموضوعية،الا ان اعماله يصعب تفسيرها باي وجه آخر بخلاف ذلك .
Quote: ازدهر مذهب دريدا في التفكيك ، بصفة خاصة باقسام الادب المقارن بالجامعات الامريكية، حيث تم مزجه هنالك بالماركسيةوالانثوية ومناهضة الكولونيالية. وحتي بعد ان هجره الاكاديميون الفرنسيون في اوائل الثمانينات عندما لم يجدوا طائل من ورائه، ظل يحظي باهتمام اساتذة الادب بالجامعات الاميريكية،الذين يلحون علي طرح انفسهم كنقاد في الاجتماع والفلسفة والسياسة ، دون ان يكونوا مسلحين باي فكر جاد، بخلاف ترسانة من المصطلحات المستحدثة.
Quote: وقد بدات شهرته في التصاعد بعد ان ضعف نفوذه. حيث خرج عن صمته السابق وبدا يرحب بالمقابلات والحوارات الصحفية والتقاط الصور.وبدا اهتمامه يتحول بعيدا عن الفلسفة والادب حتي انه عبر صراحة عن سخطه علي ، كوميديا، ودي آلن :" تفكيك هاري".واخذ يهتم بالقضايا الاخلاقية والسياسية
Quote: وفي سنواته الاخيرة اظهر اهتماما متزايدا بالدين حتي ان بعض رجال الدين بدأوا يهتمون بكتاباته. كان الله في عونهم.
كنا قد تحدثنا في بوست :تفكيك موت دريدا، عن تراجع خطاب ما بعد الحداثة منذ الثمانينات . وبدون الانتباه لهذا التراجع لا يمكن ملاحظة التحولات التي طرات علي خطاب دريدا فيما يخص رد الاعتبار للتفكير العقلاني الذي كان يصفه بالحضور الميتافيزيقي . وقد تجلي ذلك في كتابات دريدا في سنواته الاخيرة مثل كتاباته عن ماركس وامريكا الدولة الخارجة عن القانون وماذا حدث في 11 سبتمبر واحاديثه عن العولمة والارهاب والدين ، ان الذين يتحدثون عن التفكيك هنا لا يميزون بينه وبين هذه التحولات. وقد اشارت الايكونمست الي ذلك في قولها:
Quote: وبدا اهتمامه يتحول بعيدا عن الفلسفة والادب حتي انه عبر صراحة عن سخطه علي ، كوميديا، ودي آلن :" تفكيك هاري".واخذ يهتم بالقضايا الاخلاقية والسياسيةالا انه حتي في هذه القضايا من الصعب متابعته. وفي سنواته الاخيرة اظهر اهتماما متزايدا بالدين حتي ان بعض رجال الدين بدأوا يهتمون بكتاباته. كان الله في عونهم.
وهذا ما اشارت اليه وسنعود للحديث بشكل مفصل اكثر عن تحولات خطاب دريدا .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة