جبريل

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 10:18 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-12-2009, 04:10 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
جبريل

    جبريل

    احتاجوا أربعة عشر رجلاً للقبض عليه، خلا الضابط الذي جلس على مقعد سيارة الشرطة فاغراً فاه كالمصعوق وهو يُراقبهم يوثقون جثته الضخمة بالسلاسل الغليظة، ويشدونه بخوف تاركين مسافة تفصلهم عنه. كان جلد الزنجي المتعرّق يلمع على ضوء البدر الذي تخفى بمهارة صبيانية خلف أغصان أشجار الغابة الصنوبرية الكثة، فبدا كجاسوس يفضحه ظله من وراء الباب. لم ينطق أحدهم بكلمةٍ واحدة، فقط أصوات السلاسل كانت تُزعجه إلى حدّ الهلع، وأجساد العساكر البيض الذين التفوا حوله كذئاب متوحشّة وهي تُحاصر دُباً جريحاً جوار النهر. غرست السنوات الستون مخالبها الحادة على جثته الضخمة المُجعّدة أضفت عليه ملامح مُقززة إضافية.

    لا أحد يعلم متى أو من أين جاء هذا الزنجي الضخم، ولكنه ظلّ يُؤرق مضاجع أهالي القرية طوال أسبوعين. تبوّل أحدهم في ملابسه عندما رآه أوّل مرّة متخفياً وراء الأجمات عند بداية الغابة، وأسقطت امرأة جنينها عندما تفاجأت به وهو يُخالس النظر عبر زجاج النافذة كمارد الحكايات الأسطورية، أو كحارس الموت. وسقطت فتاة عن دراجتها الهواية وكسرت ترقوتها عندما رأته وهو يخرج من النهر عارياً كسفينة قراصنة مهجورة تعوي داخلها أرواحهم الشريرة.

    نجحت عيناه الصغيرتان في التعبير عن هدوئه، ولكن هدوءه ذلك لم ينجح في تهدئة الرجال الأربعة عشر الذين كانوا يتصببون عرقاً وهم يلفون قطعاً من اللبّاد اليابسة على أكفهم مُمسكين بالسلاسل الغليظة وكأنهم يخشون أن يتلاشى من أمامهم كمخلوق دُخاني، أو أن يتخلّص من تلك السلاسل كأيّ أفريقي ماكر بعد قراءة تعاويذ وطلاسم مسحورة.

    نهض الضابط عن مقعده ولم يجرؤ على الاقتراب، وأرشدهم بصورة آمرة إلى ما يتوجب عليهم فعله، فجاءوا بسبع بغالٍ وربطوا أطراف السلاسل بحلقات معدنية حول خاصرتها فلم يفلحوا في تحريكه من مكانه. ثم أمرهم فربطوها في هيكل سيارة الشرطة وذهبوا به إلى المخفر في منظر لا يخلو من الزهو والفزع في آنٍ معاً كأنهم زمرة من الصيادين تمكنوا من اصطياد حوتٍ ما والحشائش التي تعلّقت على جسده كأنها طحالب السرجس البحرية

    وقف أهالي القربة يُراقبون اقتياد الزنجي الضخم عبر زجاج نوافذ بيوتهم الخشبية، تُرعبهم نظرات عينيه الصغيرتين، وعروق ذراعه التي كأغصان شجرة لبلاب ملعونة، وعضلاته المفتولة كأنها محشوة بألياف الجوت أو حشائش الحلفا المُعمّرة مذهولين مما تتركه قدماه الحافيتان من آثار ورائهم على الأرض الطينية المُبتلة وكأنها آثار كائن منقرض في متحف طبيعي.

    فكّر البعض أنهم بإمكانهم حبسه في قفص وعرضه ضمن فقرات السيرك المتنقل دعماً للسياحة الداخلية للقرية، وفكّر البعض الآخر أنه من الممكن الاستفادة من حجمه وضخامته بعد ترويضه في عمليات بناء الجسور واعتقال المُجرمين الفارين أو حتى استجوابهم، وفكّر البعض أنه من المفيد تخديره وإخضاعه إلى تجارب جينية قد تقودهم لمعرفة سرّ ضخامته، ولكن كُل هذه الأفكار تلاشت عندما صرخ بهم قائد العسكر "إنه مُجرم ومكان المجرمين الطبيعي السجن"

    شخص واحد فقط كان ينظر إلى الزنجي الضخم بشفقة، لأنه الوحيد الذي استطاع أن ينظر إلى عينيه الصغيرتين بشجاعة ورأى فيهما ما لم يره البقية، ولكنه خشي أن يتهمه الآخرون بالإشفاق على مُجرم مطلوب للعدالة. كان بين الفينة والأخرى يمد كفّه المهزوزة فيمسح كفّ الزنجي برأفةٍ لا تُرى، شعر بأنه مسئول عنه بطريقة ما، وأرهقه إحساسه بالعجز حياله. كانا يتبادلان النظرات المطمئنة بينما انشغل الآخرون بالجدال ولم ينتبه أحد حتى سمعوا صراخ طفلٍ أمسك به الزنجي الضخم ورفعه عالياً، فأمر الضابط عساكره فحشو بنادقهم بالبارود واستعدوا لإطلاق النار؛ إلا أن المُشفق الوحيد توسّل إليه قائلاً: "أرجوك ... أنا أثق بأنه لن يُصيب الطفل مكروه" وما هي إلا دقائق حتى أفلت الزنجي الصبي فسقط مغشياً عليه ثم أفاق وركض لأمّه فصرخت أمّه: "إنه يمشي!"

    دُهش الجميع لمقدرة الزنجي الغامضة على الإشفاء واعتقدوا أنه ساحر يستخدم سحره للإفلات من العقوبة، فأسرعوا به إلى سجنه، ووضعوه في زنزانة منفردة. ليلاً حاول المُشفق الوحيد التحدث إليه سراً، نظر إلى عينيه الصغيرتين مُباشرة وقال بصوت هامس: "أنتَ لست مُجرماً رغم ضخامة جسدك وبشاعة مظهرك، فأخبرني بكل شيء" زحف الزنجي على ركبه كفقمة مُصابة وأسند كتفه إلى قضبان الزنزانة الباردة وبدأ يقص عليه قصّته، وكانت تلك المرّة الأولى التي يُسمع فيها صوته:

    - أُدعى جبريل، كنتُ في صغري أعشق تربية الطيور والفئران، ربما لم أكن طفلاً اعتيادياً ولكنني أحببتُ الجدّة تارورا جداً لأنها الوحيدة التي كانت تُعاملني كطفل. كانت تحكي لي قصص الأسلاف، وتعصر لي ثمرة البرتقال، وتنسج لي الملابس وتأخذني إلى النهر كل يوم. أذكر أنها قالت لي ذات يوم: "لا تنس أبداً أنك جزء من هذا العالم، والجزء لا شيء!" فهمتُ أنها كانت تعني ألا أغتر بقوتي وبقدراتي الخارقة، عرفتُ منها أيضاً أن لكل إنسانٍ منا قدرة على أن يكون خارقاً ولكن أغلبنا لا يُحسن تطويع قدراته أو حتى معرفتها. جئتُ هنا عبر آلاف الأميال ولا أدري لِم أتيتُ ولكنني واثق بأنه ثمّة حِكمة ما، قدماي قادتني إلى هنا. ربما كانت تلك هي الطريقة الوحيدة لوضع نهاية لحياتي. أتعجبُ من الحكمة التي تقتضي أن أموت وحيداً وغريباً، ولكن هكذا يبدو الأمر في النهاية!

    تحدثا لساعات طويلة حتى سمعا صوت أبو الحناء من مكان ما، يُعلن انبلاج الفجر، فأمسك بيده الضخمة وربّت عليها برفق ثم غادر المكان. استعد الجميع ذلك اليوم لحضور إعدام الزنجي وتغيّب المُشفق الوحيد عن الساحة. لم يجد الضابط تُهمة مُحددة لإعدامه، فهو لم يقم بجُرم ما: لم يكسر ترقوّة الفتاة، ولم يُسقط جنين السيّدة، وفوق ذلك فقد شفى صبياً من مرض عُضال. قام عُمدة القرية وقال:

    - لم يُجرم ولكنه تسبب في الجُرم والإيذاء

    فقرروا ألا يقتلوه وإنما أن يتسببوا في قتله.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de