يوم من أيام فاطنة

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 09:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-28-2007, 07:12 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
يوم من أيام فاطنة

    ____________________________

    ( الحلقة الأولى )



    امرأة بسمرة داكنة، في الأخير من عقدها الرابع، شلوخها الستة بصمات الزمن الواضح على وجهها الهادئ الذي يغطيه ظل الجدار الجالوصي. تلف حول نفسها - بغير عناية - ثوبها القاتم. بعض الشعرات السوداء وقليل من الشعر الأحمر المُذهّب ينساب من تحت ثوبها الذي وضعت طرفه على رأسها. تجلس مرتدية سفنجة خضراء. على بنبرها في وسط المنزل، وأمامها صينية الشاي الصفيح، عليها سُكّرية وملعقة نيكل صغيرة ، وكباية شاي ممتلئة حتى النصف، وبعض قطع الخبز الناشفة. الحوش - الذي يتسع بالكاد لدجاجاتها السبع، وسَخَلَتِها الوحيدة، ولها وأبناءها الأربعة ولصينية الشاي - هو عالمها، ومملكتها التي تنعم فيها بالراحة، وتشعر فيها بأنها في قلب الدنيا النابض.


    تغمم فاطنة ببعض الأغاني القديمة وهي تحتسي شاي الصباح، تهش بين الفينة والأخرى الذباب من على كباية الشاي وقطع الخبز الناشفة. وعندما تنتهي تبلل ما تبقي من كسرة الخبز بما تبقى من شاي بارد في كبايتها وترميه إلى الدجاجات التي تنتشر في كل ركنٍ من أرجاء الحوش. أذكارها البسيطة "يا الله يا كريم" .. "يا لطيف لطفك ورضاك" هي الكلمات التي تبلل بها لسانها كل صباح. تتجه نحو غُرف البيت المبني من الجالوص، تنزع قشّة من الجدار وتفرك بها أذنها برفق. مشيتها المتثاقلة، وسبحتها التي تتدلى من صدرها، تلك الشقوق في مؤخرة قدمها، السواد المُحبب الذي على شفتيها بعضٌ من الأبجديات التي تتذكرها عندما تسمع اسم الحاجة فاطنة.


    تدخل الفرندة بالجدران الزرقاء حتى المنتصف والبيضاء من الناحية العلوية، صورة الشيخ البرعي بالأبيض والأسود معلّقة على الجدار عند مدخل الفرندة. وفي الجانب الآخر منه صورة قديمة لفريق المريخ وآية الكرسي المكتوبة بخط اليد، وفي الركن القصي شفانيرة قديمة. وراء الباب الحديدي المتهالك غرفة صغيرة بسريرين ودولاب صغير و حمار ملابس أزرق اللون. تنزع الغطاء - من ناحية القدم - وهي تنادي:

    " مزمّل، إبراهيم، وجدي، يا الصادق . . . قوموا يا أولاد. المدرسة."


    ويتكرر النداء عدّة مرات. هذا هو واجبها الذي لا يُنازعها عليه مُنازع. فرغم أن أولادها ليسوا بصغار، ولكنها تستمتع بأن توقظهم كل يوم. "المدرسة" كلمة تُطلقها الحاجة فاطنة على كل شيء: الجامعة التي يدرس فيها الصادق - ابنها الأكبر -، المعهد الفني الذي يلتحق به مزمّل. إنها تعشق أمومتها حتى النخاع، وتستمتع بذلك أيّما استمتاع.


    تخرج من باب الغرفة الحديدي بميلان مقداره عشرون درجة، وتُحدث جلبة لدى خروجها، تلك الجلبة هي التي توقظ الأبناء الأربعة فعلياً. تتجه الحاجة فاطنة إلى الغرفة المجاورة، في الناحية الأخرى من الفرندة. وباب حديدي آخر متهالك.


    في تلك الغرفة سرير دبل خشبي عتيق، ودولاب كبير عليه شنطة حديدية وأكياس بها ملابس شتائية قديمة. كمودينو خشبية تحمل العديد من زجاجات العطر البلدي القديم: خُمرة ومسك وصندل وميسو في مرآة الكمودينو صورة من أواخر السبعينيات لشابة جميلة تجلس على كرسي مرتدية فستان الزفاف، ومن خلفها شاب طويل القامة ببدلته الرسمية. الصورة قديمة لدرجة أنها متكسّرة الأطراف. إنها صورة حفل زفاف الحاجة فاطنة على زوجها عوض الزين. النائم على سرير الدبل. وعوض، اسمه الحقيقي "عوض قِسْم السِيد و"الزين" لقب أطلقته عليه خالته "مَلْكَة" يوم زفافه.


    عوض قسم السيد غفير في بنك وطني يعمل بنظام ورديات ليلية. يعود إلى منزله بعد صلاة الفجر مباشرة، ويتوجه بعدها فوراً إلى فراشه، فلا يستيقظ حتى وقت العصر. الشماعة مليئة بالملابس ولكن بعضها متسخ والبعض الآخر غير مستعمل إطلاقاً. تتجه فاطنة إلى شماعة الملابس، تمسك بجلابية بُنّية وتخرج الجزلان من إحدى جيوبه وتخرج بعض النقود وتخرج في هدوء. ولكي لا تُحدثَ جلبة لدى خروجها أو دخولها، فباب غرفتهما مفتوح الضرفتين دائماً.


    مَلْكَة هي الأخت غير الشقيقة لأم عوض قسم السيد، ولكنها كانت الأقرب إلى قلبه، فلطالما كانت تدللّه كما تدلل بنتها الوحيدة ابتسام. كانت مَلْكَة تتمنى أن لو أنجبت ولداً، ولكنها ترملت قبل أن تُحقق ذلك الحلم، ثم أنها كانت ترى في عوض الزين ولدها الذي لم تُنجبه بطنها. وعاشت بعد وفاة زوجها مخلصة لعهدها له. وكان عوض الزين يحبها كما لو كانت أمه "وقية". عوض الزين الذي كان يحمل من أبيه "قسم السيد الرضي" الشيء الكثير، كان لا يعجبه لونه لما يُسببه له من مشاكل وسط زملائه الذي كانوا يوسعونه سخرية، ويقال أن جدهُ الأكبر كان تركي الأصل، وقيل أنه كان مصرياً قدم إبان فترة الحكم الثنائي وبقي ضمن القلائل الذين بقوا حتى فترة الخديوي اسماعيل في مشروع الجزيرة. واستوطنوا الحصاصيا. وهناك العديد من القصص التي تُحكى وتُحاك عن أصل هذا الجد الحلبي الذي انقطع أثره. ولكن عوض الزين كان سودانياً في لهجته وحتى في ملامحه ما خلال لون بشرته.
                  

07-28-2007, 08:13 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    _____________________________

    ( الحلقة الثانية )



    كانت "وقية" أم الزين، ابنة شيخ القرية، رِكَابِية ولها في فناء القرية مَسِيد يحفل بالزوار وأصحاب الطريقة الذين لا يفتأون عن الذكر والتسبيح. وجاء ذكرها في إحدى قصائد المَدِيح التي يرددونها في ليالي جلسات الذكر الخضراء. وبقدر ما جاهدت لكي تتزوج من موظف خرطومي، إلاّ أن أباها أصر على تزويجها من "علي ود حِمِيدة سائق بنطون المنطقة، لحسن سِيرته. ولكن وفاة والدها مزّق ذلك الوعد قبل أن يتحقق. وتزوجت فاطنة من "قسم السيد" الخرطومي الذي كان في مأمورية لمدة شهرين، حين رآها وهي تحمل الزوّاد للمسيد، فشغفها حباً. تزوجها وانجبا "عوض قسم السيد الرضي" النائم على سرير الدبل.



    تلتقي الحاجة فاطنة أبنائها وهم على وشك الخروج من المنزل فتناول كل واحدٍ منهم مصروفه الذي أخذته من جيب جلابية الزين البُنية وهي تدعو لهم "الله يوفق المقاصد يا أولادي." يخرج الأبناء الواحد تلو الآخر، غير أن "وجدي" - آخر العنقود - يتلكّأ لكي يحظى بحضنٍ دافئ من أمه، وقُبلة تطبعه على خده قبل أن يغادر. وبالتأكيد فله النصيب الأكبر من المصروف. يخرج الأبناء، ويخلو البيت ويعم السكون إلاّ من شخير الزين.


    تتجه الحاجة فاطنة إلى مطبخها الذي لا باب له. أزاحت المشلعيب المتدلي من الجدار بيدها، وبصوتها المحشرج تصيح "بِس .. بِس" وتركل القطة التي يُصر وجدي على الاحتفاظ بها داخل المنزل. لم تكن عِلاقة الحاجة فاطنة بالقطة على ما يرام، ولكن القطة كانت كمن اعتادت على الركل من قدميها، بل وكانت تعشق المراوغة من سفنجتها الخضراء التي كانت دائماً ما ترميها بها كلما اقتربت من المطبخ. تخرج القطة من المطبخ بسرعة، بينما تتجه الحاجة فاطنة مباشرة إلى جانبٍ ما من المطبخ. تضع الصينية الصفيح داخل الطشت وتملأ بيديها كيلاً من الأرز المخبأ في جردل بلاستيكي مُغطى بقطعة قماش بيضاء. تضع الأرز في الصينية بعد تنشيفها، وتخرج من المطبخ. تقف الحاجة فاطنة في وسط الحوش، وتلقي بالأرز إلى أعلى، فتتطاير أسراب الحمام وتحط في فناء الحوش بأصوات حويصلاتها التي تُضفي على حوش الحاجة فاطنة بعض الصخب الإضافي، وتشارك الدجاجات الحمام وجبة الإفطار.


    في الطرف الآخر من السور، رأس يظهر نصفه ونصفه الآخر مختفي خلف الجدار الجالوصي "حاجة فاطنة .. صباح الخير" تلتف الحاجة فاطنة وترد التحية "أهلين يا عزيزة، كيفك والأولاد كيف؟" حوار مدته ربع ساعة بين الجارتين من خلف الجدار. حوار دافئ حميمي، يحتوي على النشرة اليومية وأخبار الحي، وأبناء وبنات الحي، تعرف من خلاله الحاجة فاطنة تاريخ الحي ومشاريعها القادمة: عزاءات - طهور - صفاح - أفراح - عيادات مريض - ولادات ... إلخ.


    * إنتِ الزين ده ما ماشي مع الرُجال الليلة؟
    - وين ؟
    * أجي . . . إنتي ماك عارفة؟
    - يطرشني ما سمعتا حاجة.
    * قالوا ماشين الليلة يترسوا البحر. والله يا فاطنة قالوا الخريف ده جاي شديد الدورة دي.
    - سجمنا . . . والله يا عزيزة ما عندي عِلم. لكن أكيد ماش. ما إنتِ عارفة بيجي من الشغل هلكان، ويتكوّم فوق السرير وما بيقوم إلاّ العصُر.
    * عاد لكن يا فاطنة، راجلك ده الله يعاين ليهو ساي. هو ما بيقدر يخلي دوامو صباحي مع باقي الرُجال؟
    - عاد سمعتي ليكي غفير صباحي يا بت أمي؟ إنتِ أبو شهاب أخبارو شنو؟
    * أبو شهاب؟ فوق العليهو، نقلوهو كوستي.
    - كوستي؟ كوستي فوق شنو؟
    * قالوا كوستي المراريا ضارباها.
    - هو عليكي الله يا عزيزة قِلّة فِحّيصين هناك؟
    * أنا عارفة يا فاطنة! ياهو مترمّدنين ساااي وحيات الله.
    - غايتو،، الله يدي العافية بس.


    بعض النسمات الخفيفة تزيح عن رأس الحاجة فاطنة طرف ثوبها فيظهر شعرها القصير المختلط بالسواد وقليلٍ من الإحمرار. تتجه الحاجة فاطنة نحو الحوض تحمل الجردل الممتلئة بالماء المتسخ وترش به أطراف الحوش، وتظل تغرف الحوض حتى تفرغه تماماً مما كان به ماء متسخ، ثم تعود لتضع الجردل في مكانه، ثم تتجه صوب شجرة الحناء الوحيدة، تطير منها فجأة حشرة الزنّان، تقترب بهدوء وتنحني - بظهرها المحني أصلاً - لتفتح صنوبر المياه، تضع الجردل تحت الصنوبر، ثم تحمل الجردل الممتلئ إلى الحمام، وترمي عليه كُوز ليطفو على وجه الماء كقارب صيدٍ عتيق. تدخل مجدداّ الفرندة تجلس على إحدى الأسرة المتواجدة فيه وتبدأ في تمشيط شعرها القصير، تُقسّم شعرها إلى ضفيرتين صغيرتين وتمسح شعرها بالزيت، ومن ثمّ تتمدّد على السرير بطريقة هادئة. تضع يدها تحت خدها والأخرى فوق فخذها وتغمض عينيها وتغفو. متلحّفةً بثوبها القاتم نفسه.


    تحت السرير الذي تنام عليه الحاجة فاطنة، قطّة وجدي تتمطّى أيضاً استعداداً للقيلولة، تلتف حول نفسها وتغط في سباتٍ عميق. العلاقة بين وجدي وأمه الحاجة فاطنة هي ذات العلاقة بيت حبّات الأرز وسرب الحمام. علاقة متفردة جداً. فتارة تعامله كأنه رجل كامل الرجولة، وتارة أخرى تعامله على أنه طفلٌ صغير. وفي الحالتين لا يخلو الأمر من بعض الدلال والقبلات التي تبخل بهما على بقية إخوته. كان أخوته يطلقون عليه اسم "يوسف" تيمناً بسيدنا يوسف عليه السلام. ولكن لا أحد يُنكر أن الحاجة فاطنة تحب أبنائها الأربعة أكثر من أي امرأة أخرى في الحي المُطلّ على النيل.
                  

07-28-2007, 09:19 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    ___________________________

    ( الحلقة الثالثة )


    تستيقظ الحاجة فاطنة على صوت سُعال الزين، وهو ذاهب إلى الحمام، معلّقاً بشكيره على كتفه، حافي القدمين. "عوض الزين" الذي رسم الزمان على وجهه كل تقاسيم التعب والجهد، ترك له بعض الملامح التي يحبها فيه الناس. سماحته وطلاقة وجهه، وطيبته التي هي أحد أهم ما يميّز وجهه المُنهك. شاربه الذي يغلب عليه اللون الأبيض، لأنه فقط لا يُخضّبهما بالحناء كما تفعل فاطنة. وجنتيه اللتان تغوران إلى الداخل، حاجبه الذي يظهر عليه علامة السجود بوضوح - ربما لأن بشرته فاتحة - ولكنها كانت علامة مميزة على جبينه. طاقيته المُنقّطة التي إذا خلعها لا يكاد يعرفه أحد. الناس في هذه القرية الصغيرة، تعوّدوا رؤيته بها، ولم يُذكر أنه قد خلعها قط. حتى أبنائه لا يعرفون ما تحت الطاقية. لذا فقط صرّح بعضهم بأنه أصلع، بينما قال آخرون، أنه ذو "جلحتين"* عريضين فقط. ولكنهم اتفقوا جميعاً على طيبة هذا الرجل، وعلى استحقاقه لقب "الزين".


    لم يعهد أحد من جيران الحاجة فاطنة أن سمعها وهي تنادي زوجها بشيء آخر غير "الزين" حتى غدا اسماً له. بعض زملائه في العمل يأتون الحي للسؤال عنه عندما يتغيّب - وهو نادراً ما يتغيّب - فيسألون عن "أبو الصادق" فلا يكاد يعرفه أحد، ويسألون عن "عوض قسم السيد" - وهو الاسم المسجّل في السجلات الرسمية لديهم - فلا يعرفه أحد. وعوض الزين هو الوحيد في القرية الذي يحمل ثلاثة أسماء: عوض الزين والزين وعوض قسم السيد.


    يدخل عوض الزين الحمام ليجد - كالعادة - جردل الاستحمام مملوءاً بالماء يأخذ الكوز ويبدأ في الاستحمام. تناديه الحاجة فاطنة بصوتها المحشرج:

    * الصابون ورا كُرْعينك يا الزين، أوعا تتزحلق وتقع زي كل مرّة، عظامك دي ما ناقصة.


    لا يرد عوض الزين، ولكنه يلتفت إلى الوراء ليجد صابونة الفنيك وراءه فيبدأ بغمر جسمه بالصابون. وما هي إلاّ دقائق. يخرج عوض الزين من الحمام بقدمه الحافية. فتهرع الحاجة فاطنة لتضع على مدخل الفرندة قطعة من الشوال ليمسح فيها الزين قدميه قبل أن يدخل البرنده.


    * أعمل ليك شاي، ولا تتغدى طوّالي؟
    - لا لا إنتي جهزي الغدا لغاية أنا ما أصلي الظهر.


    تنطلق فاطنة إلى المطبخ لتجد قطة وجدي قد سبقتها إلى هناك ولكنها هذه المرة آثرت الجلوس أمام المطبخ وليس داخله. تبدأ فاطنة بإعداد الطعام، بينما وقف الزين في بِرِش الصلاة، برش معقوف من الجانبين. كبّر، ثم بدأ يصلي. خشوعه في الصلاة يُضفي على ملامحه 45% طيبة إضافية. وهو إن وقف للصلاة لا يضع يديه على صدره، إنما يسدلهما على جانبيه. ينتهي عوض الزين من صلاته ويجلس على البرش وهو يقرأ آية الكرسي، وبعض التسابيح مُلقياً نظرة غير متفحصة على أركان المنزل من حوله. يلف طاقيته، ثم ينهض ليضع برش الصلاة جانباً "لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين" يدخل الغرفة، ينحني أمام السرير ليخرج من تحته مذياعه الصغير.


    يرفع الأريل ويتجه نحو الفرندة وهو يضبط الموجة على إذاعة أمدرمان. ربما كانت القطة تعبث بالمذياع ليلاً، فيُضيّع الموجة في كل مرة! يتمدّد على السرير، ويضع المذياع في حجره، ووردي يتغنّى ( توعدنا وتبخل بالصورة . . . ) وعوض الزين عندما يسمع صوت وردي يدخل في حالة من التجلي ينسى فيها شيب شاربيه، وتلك الكرمشة التي على يديه ويرحل في سماوات من الطرب الذي يأخذه بطريقة تخاطرية إلى أيام الجيلي، وبوابة عبد القيوم، وكُبري أمدرمان، وخور طقّت، وشباب أشجار النيم والمسكيت، وسينما كلوزيوم، ولولاري الطوب الأحمر، والسوق الشعبي والشهداء، وليالي شارع الموردة والشنقيطي والثورات، والخالة مَلْكَة وأستاذ اسماعيل، والشيخ صالح الخيّاط، وعم سعيد الكوارعجي، ومطاردته لأولاد الحِلّة وهم يصيحون "الحلبي مُقفّل . . من صُغرو مُغفّل"، شريط ذكرياته الذي ما زال مُحافظاً على نقاوته كما هو.


    عندما يسمع صوت أقدام فاطنة وهي قادمة، ينهض ليحضر الحصير من زاوية الفرندة ثم يفرشها على الأرض. تضع فاطنة الصينية ثم تغادر:


    - تعالي يا فطّوم اتغدي معاي . . . ماشة وين؟
    * دقيقة أجيب ليك الشطة

    ويجلس الاثنان يتناولان غدائهما سوياً على أنغام وردي العطرة، بينما ما يزال عوض الزين يتمايل وهو يأكل. إنه يعشق محمد وردي حتى النخاع ويحفظ جميع أغانيه.


    * آ الزين .. دايرين لنا جاز. الفي قرّب يكمل.
    - سَمَح.
    * عشان ما تقول ما قُلتا ليك.
    - سمح يا فطّوم . . . أها الأولاد أديتيهم المصروف؟
    * آآي .
    - والجديد في الحِلّة شنو؟
    * مافي شيتن جديد .. بس قالوا محاسن بنت المبروك دَفَقَت أمبارح.
    - يا حول الله . . دي المرة التانية تدفق.
    * حكمة الله يا الزين، عاد تقول شنو.
    - ماشة ليها الليلة؟
    * بس الأولاد يجوا من المدرسة بقوم أمشي ليها طوّالي.
                  

07-28-2007, 10:25 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    __________________________

    ( الحلقة الرابعة )



    ( هنا أمدرمان .. نشرة الثالثة من إذاعة جمهورية السودان .. تجري الاستعدادات على قدمٍ وساق في جميع محافظات ولاية الخرطوم والولايات الواقعة على محاذاة النيل الأبيض استعداداً لخريف هذا العام. فيما صرّح والي ولاية الخرطوم أن الحكومة قد اتخذت جميع الاحتياطات اللازمة وأعدت خطة مسبقة من شأنها تقليل أضرار الفيضان. وتهيب الولاية بجميع المواطنين اتخاذ الحيطة والحذر تحسباً لأي طارئ ..... )


    - سجمي .. أنا ما نسيت أقول ليك، عزيزة جارتنا بتقول رجال الحِلّة الليلة كلهم مارقين يترسوا البحر.
    * عزيزة بنت مريوم قالت ليكِ كده؟
    - آآآي والله.
    * بس خليني أصلي العصر، وبعد داك نشوف الجماعة ديل مارقين متين.


    ينتبه الاثنان على صوت جرّ السِلك، يُفتح باب الشارع، يدخل وجدي مرتدياً لبس الكاكي قادماً من مدرسته. يحمل في يده اليسرى رُزمة كتب ودفاتر. إحدى أرجل بنطاله مكفوفة والأخرى مسدولة كما هي، وزرار قميصه السفلي مقطوع.


    - سجم خشمي. . مالك يا وجدي. اتشاكلتَ مع منو تاني؟


    ( تنهض فاطنة بتثاقل، بينما يرمق عوض الزين ولده بنظرات سُفلى دون أن ينبس ببنت شفة. تحاول فاطنة أن تركض ولكن رجلها التي نمّلَهَا الجلوس حال دون أن تفعل، فوقفت على باب الفرندة، تنظر إلى آخر العنقود وهو واقف وسط الحوش، وبقعة حبر كبيرة على جانب صدره الأيسر )


    - آ ولدي ما قلنا ليك بطّل الشيطنة دي.. اتشاكلتا مع منو الدورة دي؟
    * مع ود الجعلي.
    - ليه عمليك شنو؟
    ( يصيح عوض الزين من مكانه ) " هو في زول بيقدر يعمل ليوسف ده حاجة؟ "
    - دقيقة يا الزين خلينا نشوف الحكاية شنو.
    * الزول ده مرازيني ..
    - ليه عملتا ليهو شنو؟
    * ما علمتا ليهو حاجة.
    - يعني مرازيك بلا سبب؟


    ( يخلع وجدي حذاءه الباتا ويضعه تحت أول سرير في الفرندة بينما تضع الحاجة فاطنة كفّها على كتفه وتُربّتُ عليه، وهو يدخل إلى داخل البرنده، يجلس على السرير المقابل لصورة فريق المريخ القديمة .. ويُكمل )


    * أولاد الجعلي ديل مش عندهم مزرعة آخر المحطة؟
    - أها ...
    * أمبارح أنا وأولاد الحلّة كلنا كنّا ملمومين هناك. قمتا أنا مسكتا الكروكة أكشكش بيها على الطير.
    ( مقاطعة له ) : وإنتِ مالك ومال الكروكة؟
    * دقيقة يا أم الصادق .. المشكلة ما في كده.
    - أها ... ( تطلق تنهيدة عالية )
    * المشكلة إنو أنحنا لغاية ما جينا مارقين من المزرعة حبال الكروكة كانت سليمة. جاي الجعلي الليلة بيقول لي إنو أنا قطّعت الحبال، وقال لي إنو ولدو معتصم هو اللي قال ليهو أنا اللي كنت بلعب بي الكروكة.
    - وطبعاً مسكت وشاكلت ود الجعلي... مش؟


    يتراجع عوض الزين، ليسند ظهره على السرير واضعاً يده فوق ركبته بعد أن ثناها واضعاً قدمه على الأرض:
    = إنت أصلك شكّال وشليق من يومك. ودلع أمك ده هو اللي حيوديك في ستين داهية.
    - حسي يا الزين أمو دي مالها؟ أنا اللي قلتا ليهو يتشاكل مع أولاد الناس؟
    * يا جماعة والله العظيم ما انا اللي قطعت الحبال أولاد الحِلّة زاتهم شاهدين.


    وبدأ الحوار العائلي - رغم احتداده - يسوده نوع من الدفء الذي هو ديدن عائلة الزين، ودائماً تنتهي مثل هذه المواقف والحوارات بأن يضحك الجميل، ويظلون يتسامرون حتى ينتهي الموضوع. ولكن هذه المرة كان أذان صلاة العصر هو الفيصل الذي أنهى الحوار اللذيذ. فنهض عوض الزين متكئاً على ركبته ( ياااااااا الله ) ونهضت فاطنة لتحمل الصينية وتذهب بها إلى المطبخ:


    - أكلتَ يا وجدي، ولا أسخّن ليك تاكُل؟
    * أكلت يا أم الصادق.


    تنحني الحاجة فاطنة وتحمل الصينية، والقطة تراقبها مُمنيةً نفسها بقطعة لحم أو خبز تُعطيها إياها، أو تقع على الأرض مُصادفة. ظلّت القطة تُراقب حتى استقامت الحاجة فاطنة في وقفتها، عندها ركضت القطة مُسرعةً إلى المطبخ وجلست أمامه في انتظار الحاجة فاطنة. تصرخ الحاجة فاطنة وهي ترى القطة من بعيد:
    - يا وجدي والله الكديسة دي كان ما رميتا بره البيت ده أنا بضبحا ليك.


    تدخل الحاجة فاطنة إلى المطبخ تنحني قليلاً حتى لا تصطدم بالمشلعيب المتدلي من مِرق سقف المطبخ، تضع الصينية. وانحنت مرة أخرى لتغرف بيدها ماءً من الموجود داخل الطشت، غسّلت يديها. وخرجت وهي تغمغم "الحمد لله رب العالمين، يا رب أدِم النعمة". في الحوش، يجلس عوض الزين على البنبر وأمامه إبريق الوضوء مُشمّراً كُمّه ورافعاً جلابيته إلى ما فوق ركبتيه لتظهر ساقاه النحيلتان قليلتا الشعر "الله أكبر .. الله أكبر، لا إله إلاّ الله" تقف الحاجة فاطنة في وسط الفرندة وهي تقول:


    * حسي إنتا مُش اتوضيت وصليت الظهر يا الزين؟
    - بي عُزري، والكُبُر شين يافطّوم. الزول بقا ما بيتحمّل.
    * قصِّر حِسّك، الجيران ما يسمعوك. خلاص أنا بسوق وجدي معاي ونمشي لحدِ ناس محاسن أكفّر ليها.

    ( يصرخ وجدي من الداخل )
    - أنا جاي تعبان وداير أنوم يا أم الصادق. كان بتستني لغاية بعد المغروب بمشي معاك.

    ( تلتف برأسها فقط وهي تقول )

    * يا عيب الشوم، المغرب شنو يا وجدي المرة دفقت من أمبارح أقوم أمشي ليها تاني يوم المغرب؟ نساوين الحلة حياكلو وشي.

    ( ينهض عوض الزين بعد أن فرغ من وضوئه وهو يرخي كُم جلابيته ويمسح ما تبقى من ماء على وجهه بكفه )
    - خلاص يا فطّوم .. شوفي كان عزيزة جارتنا دي حتقدر تمشي معاكِ وأمشوا سوا. وجدي شنو اللي يمشي معاكِ مشاوير النسوان دي؟


    وفي الداخل كان وجدي قد خلع لبسه الكاكي ورماه على طرف حمار الملابس الأزرق، وارتدى الرِدا وفانيلة داخلية ونام على سريره بينما أدار مروحة الطرابيزة بعد أن وجهها نحوه.
                  

07-28-2007, 11:01 AM

asmhan hashim

تاريخ التسجيل: 06-14-2007
مجموع المشاركات: 185

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    الاخ/هشام ادم


    دائما على باب الانتظار اقف على امل ان اجد كتابك الرائعة والوصف الدقيق الجميل الذى يجود به قلمك ..

    تحياتي
                  

07-28-2007, 11:31 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: asmhan hashim)

    ______________________

    الأخت : أسمهان هاشم

    أشكرك على متابعة "يوم من أيام فاطنة" هذه القصة المظلومة

    لك كل الود وخوالص التحية
                  

07-28-2007, 11:38 AM

abuguta
<aabuguta
تاريخ التسجيل: 04-20-2003
مجموع المشاركات: 8276

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    هشام ادم

    تحياتى
    افتقدناك

    خليك فى قصصك الجميلة دى
    لا بجيبلك ملثمين ولا ملثمات

    الوسطية حلوة ياود امى...لا تيقى راسا تنقطع
    ولا ذيلا تنبتر

    تحياتى

                  

07-28-2007, 11:41 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: abuguta)

    ________________________

    شكراً لأبو قوتة على المتابعة
                  

07-29-2007, 07:23 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    ______________________

    ( الحلقة الخامسة )



    ترتدي الحاجة فاطنة ثوبها الأسود المنقط بدوائر بيضاء صغيرة، وتبحث تحت لحاف السرير عن محفظتها اليدوية. تقف أمام مرآة الكومدينو، وتضفي بعض اللمسات الأخيرة على شعرها كي لا يظهر من تحت الثوب المنسدل على رأسها. تضع المشط جانباً ثم تخرج أسوارها الذهبية الثمانية من علبة كريم "بِرِيل" قديمة، تضعها على ساعديها بالتساوي أربعة أسوار في كل ساعد، ثم تفتح إحدى أدراج الكومدينو لتخرج طرحة قديمة بلون غامق مربوطة بعقدة سميكة، تفتح العقدة بعناية وتضع قاعدة القماشة على كفها الأيسر وتُبعد العقدة بيدها اليمنى، مجموعة من الأقراط والخواتم الذهبية من بينها خاتم جنيه وسوار ثعبان و"احفظ مالك"*، تحتفظ بها الحاجة فاطنة في قلب الطرحة القديمة. تُخرج خاتم الجنية وتعيد عقد الطرحة مرةً أخرى. تفتح شنطتها اليدوية لتجدها خاوية إلاّ من بعض الجنيهات المقطوعة، ودبوس شعر، وروشتة قديمة، وعلبة إسبرين بها حبتين فقط. تنتقل إلى الدولاب وتفتح الضرفة الخاصة بها، مجموعة من الثياب على إحدى الأرفف وتحت الثياب ورقة جريدة مفروشة، ترفع الحاج فاطنة الثياب والجريدة لتجد مجموعة من الأوراق المالية فئة الخمسمائة جنيه، تأخذها وتضعها في الشنطة.


    تخرج من غرفة النوم بعد أن ارتدت حذاءها "دكتور شول" الأسود، والحاجة فاطنة لا تزال تتذكر ذلك اليوم الذي اشترى فيه عوض الزين "دكتور شول" لها وهما في مِصر لتلِد وجدي هناك بطلبٍ من "مَلْكَة" خالة الزين التي انتقلت مع ابنتها ابتسام لتدرس الجامعة هناك. وكلما رأت "دكتور شول" تذكرت قاهرة المُعِز، وحواري إمبابة الضيّقة، وبيوت شُبرا الُموحية بالدفء، وأصوات الباعة ورنين أجراس الدراجات، وطقطقت الرجال وهم يلعبون "عشرة طاولة" في "قهوة السماحي" وعبد الحليم حافظ من مسجّل نفس القهوة، وأصوات كثيرة تتذكرها الحاجة فاطنة كلّما ارتدت "دكتور شول": أصوات النساء والرجال والأطفال وسنابك خيل الحناطير، أبواق التكاسي "العباسية - مصر الجديدة" بائعة الكوشري وهي تنادي "أرّب ع الكوشري اللي هُوّا"، سوق الأناتيك والمشربية "صباحَك فُل يا باشا، صباحِك إشطة يا هانم"، والنساء الواقفات على البلكونات وأحاديث الهواء الطلق أمام الناس وأصوات العابرين. وصوت تنفيض الغبار عن السجاديد بالمنفضة الخُوص، رائحة عِرق السوس، وشَعر البنات، وكُوز الضُرة، ضريح السيدة زينب، وميدان التحرير، والشمس التي لا تحرق بقدر ما تُداعب الوجوه والأسحنة، صوت الطُروماي والبيانولا. كل هذه الذكريات التي ما زال "دكتور شول" يحتفظ بها في ورقة صغيرة مكتوب عليها "صُنع في مصر".


    تخرج الحاجة فاطنة بعد أن وضعت قليلاً من المحلبية في باطن قدمها لتضفي لمعة على الحناء التي في قدميها، لزوم إخفاء الشقوق. تتأبط الحاجة فاطنة شنطتها اليدوية، وتتفحص أركان البيت قبل أن تُغادر، تصيح وهي في المطبخ:


    * يا وجدي، الغدا في المطبخ .. كان أخوانك جو.


    تمد رأسها على الغرفة التي بها وجدي، لتجده غارقاً في النوم، فتخرج في صمت، تقف في وسط الحوش وتنادي على جارتها عزيزة لترافقها:


    - ياللا ياللا أنا مارقة.


    وتتجه إلى باب المنزل. الشارع كالعادة في مثل هذا الوقت، يعج بالعابرين، النساء اللواتي يحملن القُفف متجهات إلى سوق الخُضار، سيدة عائدة من سوق الفحم الذي يبعد شارعين عن بيت الحاجة فاطنة، مدرسة البنات الابتدائية على ناصية الشارع، ثلاث أولاد وبنتين يلعبون السِيجا أمام بيت هَمّد النَظُورجي، أصوات أطفال آخرين في الجانب القصي من الميدان تتعالى: "سَكّج .. بَكّج .. سَكّج .. بَكّج". وشجرة نَبَق كبيرة تتدلى من بيت فريال الحنّانة تاركةً ظلاً ينام تحته كلبٌ عجوز بجوار مزيرة قديمة. السماء مُلبّدة بالغيوم، تنظر الحاجة فاطنة إلى السماء وتغمغم "الله يستر" تخرج عزيزة بنت مريوم وينطلقان سوياً.


    في الجامع يقف الشيخ عبد القيوم بعد صلاة العصر، يتلو بعض الأذكار والدعوات بأن يُخفف الله فيضان هذا العام، ويؤمّن المصلون من ورائه ثم يختم حديثه بأنه عليهم ألا ينتظروا دعم الحكومة التي لم تُرسل حتى الآن ولا شوّال رمل واحد، بل لم تمر سيارة حكومية بشارع الحي منذ فجر اليوم. أحدهم قام وقال:


    * يا جماعة لازم نشوف لينا حل غير موضوع الشواويل دي. الشواويل دي زي الغربال جوّاها رمل يعني ممكن الموية تخش فيها وتمرق من الناحية التانية. أنا بقول لو نشوف لينا زنكي ولا خشب ولا أي حاجة تانية.


    وبدأ رجال الحي يتداولون هذا الموضوع، وكل واحدٍ فيهم يدلي بدلوه فيه وأرغوا وأزبدوا. وكان عوض الزين في هذا كله مستمعاً جيّداً، فهو ينصت حتى إذا قرّر الجميع أمراً، كان أول المبادرين. في هذه الأثناء كان "مُزمل" ولد عوض الزين، قد عاد إلى المنزل حاملاً مسّجلاً في يده، ليجد المنزل خالياً إلى من وجدي وقطته التي فضلّت النوم تحت شجرة الحناء.


    دخل غرفته وحمل بعض الملابس ثم أتجه إلى الحمام، وضع الثياب ثم بدأ بتنظيف حوض الحمام من الماء المتسخ، وبعد أن أكمل حمامه دخل المطبخ وتناول غداءه فيه. ثم جلس في الفرندة ووضع جهاز التسجيل أمامه وبدأ في فكّه وإصلاحه. مُزمل الذي التحق بالمعهد الفني منذ سنتين يعشق فك وتصليح الأدوات الكهربائية. يُحضر معه بعض الأدوات ليقوم بإصلاحها في المنزل مقابل أجر رمزي. كما أن أهل الحي بلا استثناء رجالاً ونساءً يحضرون له أدواتهم المُعطّلة ليصلحها لهم: مكوة، مسجل، فيديو، تلفزيون، ووكمان. حتى أن الحاج "عبد المطلب" أحضر له في مرّة ساعة منبه جلبها مع من أرض الحجاز عندما ذهب إلى هناك للحج. وميزة هذه الساعة المنبهة أنها تؤذن وقت صلاة الفجر، ولكنها تعطلّت فجأة بعدما وقعت منه على الأرض، ولم تعد تؤذن عند صلاة الفجر كعادتها. فقام مُزمّل بإصلاحها وأعادها له. وفي اليوم التالي، جاء الحاج عبد المطلب، يشكو من أن صوت المؤذن في الساعة لم يعد جميلاً مثلما كان سابقاً، فقال له عوض الزين مُداعباً:


    * بيكون وجدي ختّ ليك مؤذن سوداني بدل المؤذن السعودي يا عبد المطلب.


    بعض سكان الحي ينادي مُزمّل بالـ( باشمهندس ). وهو نسخة بالكربون من أبيه حتى في طِباعه، على عكس إخوته الذين أخذوا الكثير من أُمهم الحاجة فاطنة.
                  

07-29-2007, 08:45 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    ___________________________

    ( الحلقة السادسة)



    في الجانب الآخر يخرج الرجال من الجامع متجهين صوب البحر، يحملون أدواتهم وقد اتفقوا على جمع ما يتيّسر لهم من شواويل وأكياس، ومن ثمّ يعبئونها بالرمل. وقف عوض الزين وخلع جلابيته البنية وعلّقها على شجرة شوكية قريبة، أوثق ربط التِكّة ثم نزل إلى القيف حاملاً جرّافته وبدأ في العمل بكُل جِد. دبّت الحركة والنشاط في تلك المنطقة، وهناك بعض الأطفال الذين جنّدهم آبائهم لخدمة الرجال العاملين في المتراس فقد قام بعضهم بإحضار حافظات المياه الباردة، ويقوم هؤلاء الأطفال بإمداد الرجال بالماء عند الطلب. وكلّما فرغت حافظة أسرع أحدهم لملئها مرةً أخرى من أقرب منزل. ساهم سُكان الحي بما يستطيعون فمن استطاع جلب شواويل، فعل. وبعضهم جلب أكياس ضخمة، وبعضهم لم يجد إلاّ أكياس المخدات، بينما جلب البعض الآخر قطع قماش كبيرة. استمر العمل في بناء المتراس حتى بعد المغرب. حتى أصيب الرجال بالإنهاك والتعب. فقرروا العودة وإكمال العمل غداً صباحاً.


    كان عوض الزين ذو الجسم النحيل، قد أصابه ما أصابه من إرهاق وتعب، وبرزت عروقه الخضراء في ساعديه وجبينه. كان العرق يتصبب منه بغزارة، فوضع جلابيته على كتفه واتجه إلى البيت ممسكاً حذاءه بيده بعد أن اتسخ بالطين. جرّ عوض الزين سلك باب منزله، ليجد مُزّمل وأخاه إبراهيم قد أخرجا السرائر إلى الحوش، وما أن شاهداه حتى نهضا جالسين. سلّم عليهما ثمّ سأل عن "الصادق" فأخبراه أنه جاء وخرج إلى الفرن. أعطى جلابيته إلى إبراهيم لكي يُعلّقها على حمار ملابس غرفة نومه، ورمى بحذائه جوار شجرة الحناء، حمل البنبر ودخل الحمام حتى يُزيل ما علق بقدميه من طين:

    - يآبا .. أجيب ليك صابون؟
    * هنا في صابون.
    - دي بروة يابوي. أجيب ليك واحدة كاملة؟
    * لا لا .. دي كفاية. ... إنتَ أُمك لسه ما جات؟
    - لا لسه ما جات.


    صمت عوض الزين وهو منهمك في غسيل قدميه بعناية، ثم خرج ليجلس إلى أقرب سرير في الحوش. كان إبراهيم في هذه الأثناء قد عاد بعد أن علّق جلابية والده.

    * وإنت يا إبراهيم ما مشيت مع أخوك الصادق ليه؟
    - هو قال حيمشي بالعَجَلة وحيجي راجع سريع.
    * صليتو المغرب ؟

    ( كلهم بصوتٍ واحد )

    - آآآي.
    * وين وجدي؟ لسه نايم؟
    - وجدي عند الجيران.
    * أمشي ناديهو يا إبراهيم، قول ليهو أبوك دايرك.


    وبينما انطلق إبراهيم إلى باب المنزل، نهض عوض الزين متكئاً على كتف مزمل قائلاً له:

    - تعال يا مُزمّل شوف لي الرادي ده مالو، صوتو بيشخشخ.


    جلس عوض الزين وابنه مزمل في الحوش بعد أن نزع مزمل غطاء مذياع والده العتيق، وبدأ بتفحص أجزاءه الداخلية وهو يقول:

    - إنتا يا أبوي، الرادي ده ما بقى قديم، اشتري ليك واحد جديد.
    * آ ولدي الرادي ده بتاع جِدّك
    - أوكي .. ما تبيعو، سيبو واشتري واحد تاني
    * إنتا بس قول ما بتعرف تصلّحو بس. خلي الحركات بتاعتك دي. مُش كفاية خرّبتَ النبّاه بتاع عمّك الحاج عبد المُطلّب؟

    يضحك مزمّل وهو يقول:

    - والله عشان كلامك ده ياأبوي أنا أخرّبو ليك، أخليهو ما يتكلّم زاتو.


    يضحك الجميع. ويتمدد عوض الزين على السرير، بينما ينهمك مُزمّل في إصلاح المذياع. يرفع عوض الزين رأسه إلى السماء وهي مُلبّدة بالغيوم وضوء طيّارة يبدو من بعيد.

    * آآآآخ يا ولدي، عارف أول مرّة ركبت فيها الطيّارة أنا وأُمّك كان متين؟
    - متين؟
    * قبل 17 سنة لمّا مشينا مصر لي حبوبتك مَلْكة إنتا كان عندك أربع سنوات وكتها. حبوبتك حلفت علي ستين يمين إلاّ نجي مصر علشان أُمك تلِد هناك.
    - والله يا أبوي أنا ما متزكر حاجة كله كله... إنتو ما قعدتو هناك كتير ... مُش؟
    * لا .. لا .. رجعنا بعد الأربعين طوالي. لكين اللي قال إنو مصر أُم الدنيا ما كضّب. ده حتّى النيل بتاعا ما زي نيلنا ده. ما عارف ليه أنحنا بس اللي خريفنا ده بيهيّج النيل.
    - بيكون عشان السد العالي يا أبوي.

    ( مُقاطعاً له )

    * بسسسسس، أيوا كده.. كده يا دوووب صوت الرادي بقا واضح، الله يديك العافية.
    - بس علشان تعرف ولدك ده بمشهندس قدر الدنيا. إنتا داير ليك سلك كهربا يا أبوي، الرادي ده ما بنفع معاهو حُجار البطارية.
    * حسي إنتا بتفهم أكتر من الخوّاجات؟ وبعدين هي وينا الكهربا زاتا؟ خادم الفكِي مجبور على الصلاة. كدي بس شوف لي إذاعة أمدرمان.


    في هذه الأثناء يدخل إبراهيم وأخوه وجدي، يجلس وجدي بجوار والده المُمدد على السرير، بينما جلس إبراهيم بجوار مُزمّل. ينحني وجدي على أبيه ويقبّله في رأسه. يدفعه عوض الزين برفق ويلكزه في كتفه: ( يا بكّاش .. يا أونطجي ) جلس الجميع يتسامرون ويضحكون على نور حوش جارتهم عزيزة المُنعكس عليهم، إذ لم يكن لديهم نور في الحوش. وكان عوض الزين كلّما سنحت له الفرصة يُحدث أبنائه عن مِصر وجمال مِصر، وطيبة أهلها، وكان يُحدثهم كثيراً عن خالته مَلْكة كثيراً ويحكي لهم كيف أنها كانت تُحبه وكأنه ابنها. وكيف أنها توسلّت إلى أمه "وقية" كي تسمح لها بتربيته في بيتها مع ابنتهاالوحيدة "ابتسام". وكيف أنها - عندما كان صغيراً - مزّقت ثيابها لتسد به جرحه عندما وقع عن ظهر الحِمار وسقط على فخذه فوق زجاجة مسكورة، ما زال أثر الجُرح في فخذ عوض الزين ظاهراً حتى اليوم.


    وبينما كان عوض الزين يُحدث أبنائه مّزمل وإبراهيم ووجدي عن ذكرياته مع فاطنة في مصر وعن ذكريات طفولته، انسحب سلك الباب، فُتح قليلاً ثم ظهرت دراجة ثم دخل الصادق ممسكاً بالدرّاجة من الخلف، وفي يده الأخرى سَبَت بلاستيكي وضع فيه الخبز. سلّم الصادق على الجميع، أغلق الباب وراءه، أرخى دراجته على الجدار، وتقدّم إلى مصطبة الفرندة ووضع سبت الخبز عليها وسحب بنبراً وجلس عليه.

    - كيفك يا أبوي.
    * الحمُد لي الله .. جبت العيش؟
    - آآي ..
    * الله يديك العافية يا ولدي.
    - الله يعافيك يآبا . . . شنو؟ سامع ناس الحِلّة بيتكلموا قالوا دايرين تعلموا ترس للبحر.
    * آآي .. اشتغلنا فيهو الليلة وبكرة إن شاء الله حنكمّل.
    - يآبا عليك الله إنتَ بتجي من الشُغل تعبان، خلي واحد من الأولاد ديل يمشي يشتغل مع الرجال. وأنا والله لو ما الامتحانات بتاعتي دي كان نزلت معاهم كمان.
    * ليه؟ وأنا مالي، مكسّح؟ ياود إنتا قايل أبوك ده عجّز وله شنو؟
    - لا بس قُلتا ...

    قاطعة الزين:

    * ياولدي العندو في البحر لازم يشتغِل فيهو. بُكرة البحر ده كان رَمَح بيشيلنا كُلنا.
                  

07-29-2007, 09:19 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    ____________________________

    ( الحلقة السابعة )



    أحس الجميع وهم في سمرهم هذا برذاذ يُعلن عن مطرٍ قادم فنهضوا. قام عوض الزين - الذي كان مُمدداً على ظهره - مُتثاقلاً وهو يقول:

    * شكلو في مطَرَة قوية جاية.

    حمل مُزمّل مذياع والده ووضعه فوق الشفانيرة في الركن القصي من الفرندة ثم عاد إلى الحوش، ليحمل مع بقية اخوته لحافات الأسِرّة. بينما حمل وجدي سَبَت العيش ودخل به مُسرعاً إلى المطبخ. وقف عوض الزين داخل الفرندة وهو ينظر إلى أولاده وهم يحملون الفُرش تارةً، وإلى باب المنزل تارةً أخرى. لقد كان قلبُه مُعلّقاً على رتاج الباب. كان يُفكر في الحاجة فاطنة التي لم تعد حتى الآن. انتبه الصادق إلى ذلك فسأل والده:

    - مالك يآبا؟
    * شكلو حنصلي العِشا في البيت.

    قبل ساعة من ذلك، كانت الحاجة فاطنة في بيت محاسن بت المبروك ومعها جارتها عزيزة تجلسان بجوار بعضهما في مرتبة وضعت على الأرض، بينما ترقد محاسن على سريرها، ومجموعة من النساء في أرجاء الغرفة. بخور التيمان يملأ أرجاء المكان حتى بهتت إضاءة الغرفة كثيراً، بعضهن انصرفن في الحديث عن سعر الذهب الذي غلا فجأةً بعد حرب الخليج، وأُخريات يتحدثن عن تغيّر "شروق" بعد عودتها من دبي، فهي أول مرة تخرج فيها من البلد، بعد أن تزوجت من أحد المغتربين العاملين هناك، وكيف أنها أصبحت تزدري الناس، ولا تُحب الحديث مع نساء الحِلّة، والذهب الذي رأتهُ لأول مرة في حياتها أصبح ساعداها ينوءان به من كثرته، وكيف أن وزنها قد زاد عمّا كان عليه قبل سفرها، وكان النسوة يتحدثن عما صرّحت به "شروق" نفسها عن نيتها استئجار منزل في امتداد ناصر:

    * عاد لاكين كان شُفتي شروق بعد جات راجعة؟
    - آآآي .. عاد ما لاكين المَرَة نِظفَت جِنِس نظافة!
    * نظافة شنو يا بت أمي، دي كريمات سااااااي. ما شفتي الدهب الفي يدينا؟ ولا الكٍردان الفي صدُرَا، إن شاء الله دهب الرماد يا يُمّا.
    - جم! هو كان شُفتي التياب الجابتا معاها ، كان تستغربي. جاكوار شنو، ومرسيدس شنو، وتايتنك شنو...
    * هو أصلو راجِلا ده لمّا فيها وين؟ ما قالوا كان مغترب ليهو 11 سنة!!
    - بَرِي .. ما عارفة. لاكين بيقولوا شافا في شريط عِرس. عاد إنتي غبيانة عن المُغتربين ديل؟
    * هو عِرس منو لاكين يا ربي؟
    - بيكون عِرس ناس الرضيّة، ما تتزكري. شروق كانت حااااااااضرة.
    * عاد لاكين ما طِغّت وشافت رُوحا. فوق شنو ما تعرفي. بقت زي "ود دبرك" ما بتقعُد في الواطا
    - آآي لاكين ما عملت ليها جضيمات تحلفي تقولي لِقيمات!
    * ووب علينا أنحنا ديل!!


    وبعض النسوة جلسن صامتات لا يُشاركن في أي حديث، مثل الحاجة فاطنة التي كانت تكتفي ببعض الجُمل المُقتضبة عن تربية الأولاد وصعوبته، والخريف واستعداداته. امرأة واحدة فقط كانت تجلس بجوار محاسن في سريرها المفروش بملاية وردية مُزركشة بالمُخمل، هي "فوزية العطّار" جارة محاسن وزوجة أخيها في ذات الوقت. كانت تجلس بجوارها ممسكة بيدها، وتُمدها بأوراق مناديل الكيلنيكس كلما شعرت أنها بحاجة إليها، بينما كانت عزيزة تتحدث مع أخريات يجلسن إلى جوارها عن "تماضر" كيف بدت في حفل زفافها، وكيف أن الحِنّة التي كانت تضعها على يدها قدّ أخفت تلك الوحمة، وكيف أن مكياجها قد غيّر الكثير من ملامحها، وفستان زفافها "السَمَكَة" المُزركش بالتِرتِر، والذي كلّف الشيء الفلاني. وفجأة تلكز الحاجة فاطنة جارتها عزيزة وتهمس لها:

    - مش نقوم؟
    * آآي والله، أنحنا اتأخرنا شديد.
    - أَرَح!!


    تقف الحاجة فاطنة معتمدة على يديها ترفع مؤخرتها أولاً ثم تستقيم في وقفتها، تلتفت إلى محاسن التي كانت تتكلم سراً مع فوزية، فتقول لها:

    - أها يا محاسن يا أختي، إن شاء الله بالعوض اللي يِفرِّح وما يترِّح.
    * شنو يا جماعة، ما لسّة بدري.
    - بدري وين يا بت أمي، إنتي ماك عارفة المشوار جبّدة كيفن؟ يالله بس نلقى مواصلات.
    * والله بدري يا حاجة فاطنة، ياخي ما تقعدو تتعشّوا معانا عليكم الله.
    - إنشاء الله مرّة تانية.
    * والله ما قصّرتو. الله يديكم العافية.
    - الله يعافيكِ يا بت أمي. .. أها عوّافي
    * الله يعافيكِ.


    تغادر الحاجة فاطنة وبرفقتها عزيزة، وما تزال بعض النسوة منهمكات في أحاديثهن الجانبية. تمر الحاجة فاطنة في طريقها إلى الباب بالفرندة حيث يتمدد "إلياس" زوج محاسن بجواره طاولة صغيرة عليها حُقّة تُمباك وبجانبه علبة نيدو مملوءة بالرمل:

    * أها، نفوتكم بي عافية يا حاج إلياس، معوّضين إن شاء الله.

    ينهض "إلياس" الذي لم يكن منتبهاً:

    - شنو ياجماعة، ما لسّة بدري

    يمد "إلياس" يده للمصافحة، فتلف الحاجة فاطنة كفّها بطرف ثوبها وتصافحه

    * يادوب نِلحّق على المواصلات.
    - ما بتقصّروا والله. كيف أخونا عوض الزين؟
    * بي خير والله.
    - بالله بلّغيهو تحياتنا.
    * يوصل إن شاء الله.


    تخرج الحاجة فاطنة وعزيزة إلى الشارع ويقطعان مسافة طويلة مشياً على الأقدام حتى وصلتا إلى الشارع الرئيسي. تقف الحاجة فاطنة وهي تنظر عبّر الشارع، لا توجد سيارة عابرة في مثل هذا الوقت. بدأت الحاجة فاطنة وعزيزة تتحدثان عمّا دار في بيت محاسن من أحداث وأحاديث متفرقة. وفي تلك الأثناء بدأت الحاجة فاطنة تشعر بقطرات المطر وهي تتساقط على وجهها.

    - سجمنا يا عزيزة، الدُنيا بقت تمّطر.
    * تمطّر؟ ( مدّت يدها لتختبر المطر ) آآي والله بقِت تمطّر.
    - يا الله الزين بيكون رجع وله لسّه؟
    * يتهيأ لي الرُجال ديل بيكونوا انتهوا من المُتراس ده من بدري؟
    - سجمي . . . والأولاد؟
    * يا زولة ما تشفقي. إن شاء الله كلّهم بي خير. المهم المطرة الطاقة فوقنا دي، وأنحنا في نُص الشارع. كافي البلى لا مضلة لا راكوبة شان الواحد يضّارى بيها.
                  

07-29-2007, 10:29 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    _________________________________

    ( الحلقة الثامنة )



    مرّت أقل من ساعة والحاجة فاطنة وجارتها عزيزة واقفتان في انتظار أي عربة تُقلّهما، وما زال الرذاذ يتساقط على المكان، عاكساً لوناً أكثر درامية على الموقف بشكل عام، ورائحة التراب والماء أصبحت هي القاسم المشترك بين فاطنة وعزيزة. كان الشارع مُظلماً إلاّ من الأضواء القليلة القادمة من بعض بيوت الحِلّة. في الجانب الآخر من الشارع صهريج مياه كبير لا يكاد يظهر بألوانه الحقيقية بفعل العتمة. وعربة كارو من غير حمارها واقفة بإهمال في إحدى جنبات الشارع بجوار عامود كهرباء. أصوات كلاب نابحة من جميع الأركان تقريباً، بينما اختفى المارة تماماً.



    هناك هواء بارد خفيف يهب بين فترة والأخرى يجعل الحاجة فاطنة وعزيزة يُعيدان لف ثيابهما في كل مرّة. المكان كلّه مُصاب بالرطوبة والابتلال. لدرجة أن الحاجة فاطنة لفّت حقيبتها اليدوية الصغيرة بطرف ثوبها بشكل جيّد، حتى لا يصيبه البلل. وفجأة تظهر أنوار عربة قادمة من بعيد. فتنفرج أسارير الحاجة فاطنة وعزيزة، ويبدأن في تجهيز نفسيهما للخروج من هذه الحِلّة المقطوعة. ولكن وقبل أن تصل السيارة إلى مكانهما، تنحرف لتدخل إلى إحدى الشوارع الجانبية.


    تبدأ الحاجة فاطنة بالتوتر وتبحث عن شيء ما لتجلس عليه، بينما ظلّت عزيزة واقفة في مكانها، وتارةً كانت تقف في منتصف شارع الزلط لتستكشف العربات القادمة من بعيد واضعةً يديها الاثنتين على خاصرتها، ولكن بدون جدوى. كان الصمت والحركات التي تدل على التوتر هما اللغتان الوحيدتان اللتان كانتا الحاجة فاطنة وعزيزة يتكلمان بهما طيلة فترة انتظارهما. وبعد قليل تقترب سيارة أخرى تظهر أنوارها من بعيد، تصرخ عزيزة لتُبشّر فاطنة التي لم تقم من مكانها هذه المرّة حتى تتأكد. وقفت السيارة أمام عزيزة التي بدأت تأشّر بكلتا يديها. إنها سيارة نقل خاصة "بوكس كبينة" موديل 79م. وهي المواصلات "غير الرسمية" في هذه المنطقة. وكما يقول المثل: "المُضطر يركب البوكس."


    يُفتح الباب الأمامي تخرج منها فتاتان في ربيع العمر، إحداهما تُخاطب عزيزة وتقول لها:

    - تعالي يا خالتي أركبي بي قِدِام عشان المَطَرَة.
    * بارك الله فيكي يا بنتي.

    تصرخ عزيزة وهي تنادي للحاجة فاطنة

    - أرح يا فاطنة اتحركي سريع.

    تركض الحاجة فاطنة بعرجتها وهي تحمل ما تهدّل من ثيابها وهي جالسة بين جنبيها وتركب السيارة، بينما ركبت الشابتان في الخلف مع بقية الراكبين. في منتصف حوض السيارة الخلفي يقف شاب صغير لم يتجاوز السابعة عشر من عمره يحمل في يده حصى صغيرة يضرب بها إحدى جنبات السيارة في إشارة إلى جاهزية السيارة للوقوف أو الانطلاق. يضرب الفتى بحصاه على حديد السيارة وهو يقول:

    - أرح ياااا ...


    تنطلق السيارة بهما بعد أن تنفست الحاجة فاطنة وعزيزة الصُعداء. ورغم أن السيارة كانت تتوقف كثيراً لحمل أو إنزال الرُكاب، إلاّ أن ذلك كان أفضل - لدى فاطنة وعزيزة - من الوقوف في العراء تحت رذاذ المطر الذي لا يتوقف.


    في هذه الأثناء، راح عوض الزين وأبنائه - بعد أن أغلقوا باب الفرندة - يؤدون صلاة العَشاء جماعةً. أمسك عوض الزين سبحته وجلس في تسابيحه وأذكاره وهو ما زال جالساً على برش الصلاة. بينما دخل الصادق إلى الغرفة يُراجع دروسه استعداداً لامتحان الغد، هدوء غريب يلف المكان، تتخلّله أصوات تساقط الرذاذ فوق زنك المنزل، وصوت تسابيح عوض الزين، وزاد على هذين الصوتين، صوتٌ آخر جديد أقلقَ وجدي كثيراً، ألا وهو صوت قِطّته التي حُبست في الخارج فراحت تموء بصوتها. فتح لها وجدي باب الفرندة، فدخلت مسرعة واختفت تحت إحدى الأسرّة. بدأت القطة بتحريك جسمها مُحاولة تنشيف نفسها بينما بدا وجدي متأثراً لأنه نساها في الخارج في هذا المطر.


    - إنتا عارف الله حيسألك من الكديسة دي يا وجدي؟
    * والله يا أبوي كنتا قايلها جوّا
    - ياخي إنتا أصلاً مالك ومال الكدايس!!


    في هذه الأثناء، بدأ المطر بالهطول بغزارة، بدأت سقف البيت الزنكي يُسرّب الماء من أماكن مُتفرّقة، أسرع إبراهيم ومُزمّل لوضع بعض الأواني تحت الأسقف التي تُرشح الماء، فزاد صوتٌ جديد على الأصوات التي كانت تقطع صمت تلك الأمسية المطرية، بينما سمع عوض الزين صوت أبواق سيارة بالخارج. إنها سيارة ترحيل البنك ولا شك. أخذ عوض الزين قطعة من الكرتون جعلها فوق رأسه، وخرج إلى الحوش، فتح الباب فإذا بحافلة الترحيل واقفة وبداخلها "الشفيع" سائق الحافلة:

    * السلام عليكم.
    - وعليكم السلام.. كيفك يا الشفيع؟
    * الحمد لله، مالك ما لابس يا زول؟
    - عليك الله ما شايف المطرة دي؟
    * شنو يعني، ما مشي الشغل؟
    - والله يا الشفيع ياخوي، شكلي ما حقدري أمشي وأسيب الأولاد ديل براهم كده. المطرة دي شكلها ما مُطمّن.
    * يا زول الله في، وبعدين شُغلك أولى.
    - لا والله يا الشفيع، أولادي أولى لي.
    * يعني ما ماشي.
    - لالا الليلة ما حأقدر أمشي.
    * خلاص سَمِح، ما مشكلة. حَمُر على "الفاتح البِعِيو بشوفو كان بيقدر يِسِد مكانك الليلة.
    - آآي مُرّ عليهو وشوف. أنا والله ما حأقدر أمرُق الليلة.
    * ماشي.
    - طيب أنزل أشرب ليك شاي ولا كركدي سُخُن يدفي ليك بطنك.
    * لالا أعفيني عليك الله، إنتا عارف السُواقة في المطرة دي، يا الله ويامين نصل.
    - يا زول الله معاك.
    * يالله مع السلامة.
    - مع السلامة.

    تنطلق الحافلة بتثاقل، بينما يحلقها الكلب العجوز الذي ينام تحت مزيرة "فريال" الحنّانة، وهو ينبح فيها بشدّة، وما هي إلاّ مسافة قصيرة ويصمت الكلب ثم يعود ليلف جسمه وينام في مكانه تحت المزيرة المفضّلة لديه. يدخل عوض الزين إلى البيت وهو يقفز من بُقعة إلى أخرى، متحاشياً الماء الذي بدأ بالتجمّع داخل الحوش. يفتح باب الفرندة ويضع الكرتونة جانباً. ثم يجلس على إحدى الأسرة. ينادي إبراهيم قائلاً:

    - إبراهيم يا ولدي عليك الله حضّر لمبة الجاز .. حسي الكهربا تقوم تقطع.

    ينهض إبراهيم، ويدخل إلى غرفة نوم عوض الزين والحاجة فاطنة - هو يعرف مكان لمبة الجاز - يحملها ويبدأ في تجهيزها ثم يضعها على إحدى الطاولات في الفرندة ويضع بالقُرب منها علبة الكبريت "أبو شُعلة":

    * على فِكرة يا أبوي، الجاز قرّب يكمل.
    - لا حولة الله، أُمّك كانت كلّمتني الليلة العصُر. بس نسيت! الفي دي ما بيكفي؟
    * لا بيكفي إن شاء الله. بس كان كِمِل إلاّ نملها تاني.
    - كان قضّانا باقي الليل ده، بكرة يحلّلها الحلال.
                  

07-30-2007, 06:46 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    ______________________

    ( الحلقة التاسعة )



    في غمرة صمت الجالسين، وأصوات المطر الذي بدأ يهطل بغزارة على زنك البيت، وأصوات قطرات الماء المتساقطة من "مِرِقْ" السقف على الأواني، وصوت تسابيح عوض الزين، فُتح باب المنزل، ودخلت الحاجة فاطنة بطريقة سريعة وأغلقت الباب ورائها، وهي تُغطي رأسها بكيس نايلون. التفت الجميع بمن فيهم قِطّة وجدي للحاجة فاطنة وهي تدخل المنزل، شعر عوض الزين بالارتياح لاكتمال عدد أسرته الصغيرة، كما أحس وجدي بالسعادة كذلك. قِطّته فقط هي التي كانت تُحس بالخوف لرؤيتها، فاختفت تحت السرير. قـام وجدي ليفتح الباب لأمه التي انغرس حذاؤها "دكتور شول" في الوحل، ولم تستطع إخراجه فآثرت خلعه، والدخول سريعاً إلى داخل الفرندة.


    خلعت الحاجة فاطنة الفردة الثانية من حذائها وبدأت تمسح قدميها في قطعة الشوال التي كانت على مدخل الفرندة. مسكت وجدي وقبّلته وسلّمت على الجميع وهي تخلع عنها ثوبها المُبلّل تماماً.

    * شنو يا فاطنة؟ وين لغاية حسي.
    - أسكُت يا الزين، والله برّه في جِنس مَطَرة!
    * بالغتي لاكين، ما قَدُر ده.
    - وإنتا مالك ما مشيت الشُغل؟
    * أمشي كيف وأنا ما عارف ليكي دَرِب؟
    - ليه مالي، شافعة بطِش؟ بعدين مشيت، لقيت ليك النسوان ديل كِده عند محاسن، التقول عندها سِماية بس. لا حول الله....... إنتو الصادق وين؟
    * قاعد يقرا جوّا ... المهم محاسن كيف حسي؟
    - نصييييحة، ما عندها عوجة. إلياس بيسلّم عليك بالمناسبة.
    * الله يسلّمك ويسلّمو. والله طوّلتَ منو.
    - أها وإنتا حتعمل شنو في الشُغل ده.
    * ما حمشي.
    - وكان خصموا عليك؟
    * ما أنا كلّمت "الشفيع" يمشي لي "الفاتح البِعيو" وكان ما لِقاهو، بشوف لي أورنيك* وخلاص.
    - سمح كان كِدا ... آ يا أولاد جهّزوا لمّبة الجاز سريع.
    * هديييييك، جاهزة.
    - أها قبل ما أنسى، جبتا لينا الجاز يا الزين؟
    * لا والله نسيت يافطوم.
    - سجمنا ده كان كِمِل نشوف كيفن باقي الليل ده؟
    * بيكفّي إن شاء الله. إنتي بس أقُعدي، وخُتِّ الرحمن في قلبك.


    جلست الحاجة فاطنة وهي تتفقد البيت بنظراتها المتجولة السريعة وكأنها تبحث عن شيء ناقص عليها أن تفعله.

    - ختيتو الفُنطاس بتاع الموية بره عشان يتملي؟
    * فُنطاس شنو يا ولية. ده وقتو؟
    - الموية البتقطع يوماتي دي يا الزين؟


    نهض إبراهيم مُسرعاً وخرج من الباب الآخر الخلفي للفرندة، فتح غِطاء الفُنطاس وعاد بسرعة.

    - خلاص يا أمي مرقتا ليكي الـفُنطاس بره.
    * فااااااالح.
    - فالح!!!!!


    ويضحك الجميع، والحاجة فاطنة تكتفي بابتسامات خجولة، فهي لا تعرف سبباً لضحكهم. يستمر المطر في الهطول وتزداد غزارة المطر حتى امتلأت الأواني التي وضعها إبراهيم ومُزمّل. بدأ القلق يتسرب إلى قلوب الجميع بمن فيهم عوض الزين نفسه. وساد صمتٌ مُطبق على المكان. أخذ وجدي وإبراهيم ومُزمّل بتفريغ الأواني الممتلئة وسكبها في الحوش ومن ثم وضعها مرةً أخرى. ولكن بدأ سقف البيت كلّه بالتسريب من جميع الاتجاهات.


    وفجأة انقطعت الكهرباء، مما جعل الصادق يخرج من غرفته. أصبح البيت مُظلماً لدرجة شديدة. بينما بدأ البعض في الإنصات لتعويض عدم الرؤية.

    * ده منو ده؟
    - ده أنا ما لِك يا ولية؟
    * ماشي وين في الظُلومّة دي يا راجل، ما تقعُد قَبَلك؟
    - دقيقة ... ماشي أولّع لمبّة الجاز.


    وفجأة يسمع الجميع صوت صراخ قِطّة وجدي

    - اللللله يصُرفِك ... عليك الله ده وقتِك؟

    ( فاطنة وهي مُبتسمة )
    * ما قلنا ليكم الكديسة دي أرموها برّة.


    بدأ عوض الزين في تحسس طريقه في الظلام الدامس، فيرتطم مرّة بقدم السرير، ومرّة بقدم أحد أبنائه حتى وصل إلى الطاولة التي وُضعت عليها لمبة الجاز. تحسّس عوض الزين بيديه الطاولة، حتى وجد علبة الكبريت، أشعل عوداً ولكنه انطفأ قبل أن ينجح في إشعال لمبة الجاز، فحاول مرة ثانية وثالث، ونجح في الرابعة، أخفض اللهب قليلاً حتى لا يستهلك كمية كبيرة من الجاز. وبدأ المكان يُنير إنارة خافتة تَمَكَّن منها الجميع رؤية بعضهم البعض. بينما تركت تلك الإضاءة الخافتة الخجولة ظلاً عِملاقاً لعوض الزين على الجدار وهو يعود بتثاقل إلى سريره. أصبح المكان مخيفاً بتلك الإضاءة الخافتة وتلك الظِلال الكبيرة. دقّق عوض الزين في المكان فوجد قَطّة وجدي وهي على إحدى زوايا الفرندة تلعق ذيلها الذي وطأهُ في الظلام. كان عوض الزين ينظر كأنه يريد أن يرى مدى الإنجاز الذي حقّقه بعبوره حتى هنا في تلك العتمة. ثم بدأ في العودة إلى سريره. كان وجدي ينظر من خلال لهب لمّبة الجاز المتراقصة إلى غزارة المطر في الخارج فصاح قائلاً:

    - دييييشك .. والله في جِنِس مطرة يا جماعة.


    بدأ الأخوة في النظر من وراء اللهب وهُم يحوقلون. والتفت الصادق إلى والده وهو يقول:

    * دي أقوى من بتاعت السنة الفاتت يا أبوي.

    وتلتفت فاطنة على عوض الزين وكأنها تذكرت شيئاً:

    - إنتو كنتو انتهيتو من المتراس يا الزين؟
    * لسه كان باقي فيهو شويّة شُغُل.
    - قدر الفي، ما بيتحمّل لو الليلة بس؟
    * والله ما أظِن يا فطّوم. الله يستُر بس.
    - الله يستُر.


    بعد مُدّة، نهض عوض الزين واقترب من لمبة الجاز وبدأ يُدقق النظر في ساعته اليدوية من طراز "رادو" القديمة، إنها الساعة الثانية عشر والنصف بعد منتصف الليل. لقد استمر المطر في الهطول منذ أكثر من أربع ساعات متواصلة. وما زال الجميع مستيقظون، فلم يستطع أحد النوم في هذا الجو الماطِر، إلاّ قِطّة وجدي التي استقر بها المقام في تلك الزاوية النائية عن الأقدام، بل أنها لفّت ذيلها حولها جيداً. نظرت الحاجة فاطنة إلى عوض الزين وهي تقول:

    * مالك يا الزين؟
    - المطرة دي كتيرة شديد. أكتر من أربع ساعات ونص. المتراس ما حيتحمّل.
    * يا راجل خُتّ الرحمن في قلبك.


    عاد عوض الزين إلى سريره وذهنه مُنصرف تماماً إلى المتراس الذي قام بجهودٍ وعونٍ ذاتي من أبناء الحي، ولم يكتمل بناءه. إنه يعلم تماماً أن المتراس لن يستطيع الصمود في وجه المدّ البحري الذي سوف ينجم عن هذه العاصفة المطرية. ولكنه لم يكن قادراً على تحديد تأثير العاصفة على البحر بصورة دقيقة. وقف فجأة وألقى نظرة إلى الحوش، ليجد أن الماء قد ملأ الحوش بالكامل ورأى بأم عينيه الماء وهو يجري جداول في فناء منزله الجالوصي الصغير. وما هَاَلَهُ أن المياه كانت تجري بسرعة كبيرة نحو جدران البيت، وليس في اتجاه باب الشارع. فازداد قلقه كثيراً، حاول أن يرى من خلال نافذة الفرندة ما يجري في جدار الفرندة الخارجي، ولكنه لم يستطع الرؤية فالظلام كان حالكاً في الخارج، ونور لهب الفانوس بالكاد يُضيء جزءاً صغيراً من الفرندة. كانت الحاجة فاطنة تُراقب عوض الزين بقلق، فهي تعرف أن زوجها لا يقلق من فراغ، ولا يُبين قلقه إلاّ إذا كان هناك أمر يستحق القلق فعلاً، ولكنها كانت تُحاول أن تتمالك أعصابها وألا تنطق بكلمة واحدة، بيد أنها لم تستطع أن تظل مُمددة على السرير، فنهضت واستقامت في جلستها وبدأت تنظر إلى أبنائها واحداً تلو الآخر. وتنظر إلى أركان البيت كمن ينتظر أن يخرج من بين أحشاء زوايا الجالوص شبحٌ ما.
                  

07-30-2007, 08:16 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    ____________________________

    ( الحلقة الأخيرة )



    لم يكن هناك ما يُمكن القيام به. إن الوقت متأخر من الليل، وهذا المطر الغاضب في الخارج لا يرحم الاثنتا عشرة عيناً المشدوهة والمترقبة شيئاً ما. والبرق الخاطف الذي كان يُتيح - في كثير من الأحيان - لعوض الزين أن يرى في لمحة خاطفة بعضاً من تأثير جداول المياه المتدفقة على حائط البرندة الخارجي. الصمت هو الكلام الوحيد الذي كان مصلوباً على أفواه الجميع، وبعض النظرات الخائفة التي لا تعرف طريقها في هذا الضوء الخافت المُوحي بمزيدٍ من الخوف.


    وفجأة صُعق الجميع عندما سمعوا صوت جلبة عالية من مصدر قريب جداً. في البدء لم يعرفوا بالتحديد مصدر الصوت، ولكنه بدا قريباً جداً لدرجة جعلت عوض الزين وأبناءه الأربع للنهوض والإسراع لتفحّص مؤخرة المنزل، بينما وقفت الحاجة فاطنة في مكانها وهي تنظر إلى حيث جهة الصوت. كان الظلام حالكاً لدرجة لا تُمكنها من رؤية شيء، ولكنها لم تجرؤ على أن تتحرك شبراً واحداً من مكانها. فتح عوض الزين باب الفرندة الخلفي وخرج حافياً فوجد نفسه في بركة من الوحل والماء يتدفق سريعاً داخل البيت، فأغلق باب الفرندة وراءه ومنع أبناءه من ملاحقته طالباً إياهم البقاء في أماكنهم. تقدّم تجاه مصدر الصوت رويداً حتى ارتطمت قدماه النحيلتان بكومة طينية كبيرة فاستعان بيديه لمعرفته. وعندما عرِف، كان غير قادرٍ على أن يُصدّق ما اكتشفه. وفجأة سمع صرخة نسائية قادمة من مكانٍ ما غير بعيد:

    * ووووووووووووب عليييييييي!!


    عندها فقط، أسرع عوض الزين ودخل الفرندة، تقترب منه فاطنة بتلك العرجة المتثاقلة يكاد قلبها يفرّ من بين أضلاعها ومن بين خرزات السبحة التي تُعلّقها على صدرها.

    - في شنو يا الزين؟ الكواريك دي شنو؟
    * حيطة البيت وقعت يا فاطنة.
    - ووووووووووووب عليييينا. ووووب عليينا.
    * يا وليه ده ما وقتو. لمّوا البتقدروا عليهو من عفش البيت. لازم نطلع من البيت حسّي.


    لم تستطع فاطنة الحركة للوهلة الأولى، بينما أسرع عوض الزين وأبناءه - كلٌ منهم في اتجاه - لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه. دخل عوض الزين غرفة نومه وبدأ في تحسّس المكان بيديه وهو يرتطم بكل ما أمامه عرقه يتصبب من تحت طاقيته، لم يكن يعرف تحديداً سبباً لهذا العرق في هذا الجو القرس، ربما لم يكن عرقاً ربما كان ماءً نازلاً على وجهه من إحدى مُرُوق السقف. ولكنه لم يكن يأبه كثيراً لنفسه، كان يُريد أن يُنقذ أسرته بأقصى سرعة، كان يعلم أن عامل الوقت في غاية الأهمية، وأنه بقدر ما أسرع بقدر ما كان أفضل له. رفع يديه وأنزل حقيبة الحديد، وفي هذه الأثناء دخلت الحاجة فاطنة تتهادى، وهي تغمغم بكلمةٍ واحدة فقط:

    - يا لطيف .. يا لطيف .. يا لطيف .. يا لطيف.


    بدأ عوض الزين والحاجة فاطنة بحمل ما تمكّنا من إيجاده في الظلام من ملابس وذهب وأوراق مهمة: شهادات ميلاد، جوازات سفر، أوراق جنسية، شهادات تطعيم، شهادة البحث* الخاصة بالبيت. وفي الغرفة المُجاورة، راح الأخوة الأربع يلهثون في حمل ما يستطيعون حمله من كتب مدرسية وملابس وأحذية بينما حمل مُزمّل الأدوات الكهربائية الخاصة به ووضعوها في حقائب. وفي الخارج بدأت أصوات الصراخ تتعالى مُختلطة بصوت الرعد خالقةً جواً إضافياً من الرُعب والهلع. وفجأة سمع الجميع صوت طرق شديد على باب المنزل، وصوت عزيزة تصيح بعلو صوتها:

    - يا فاطنة .. أمرقوا البحر غرّق البيوت.


    ركض وجدي إلى الباب حافياً وحتى دون أن يحتمي بشيء، لقد كان الأمر أصعب بكثير من أن يتبلل شعره السَبيبي، أو تتبل ملابسه. فتح الباب فإذا بشبح عزيزة في الظلام وهي تضع على رأسها حَلّة كبيرة وتقول وهي تلهث:

    * وين أُمّك يا وجدي؟
    - أمي جوّه ...
    * كلّمها أمرقوا سريع البحر غرّق بيوت الحّلّة الورا كُلّها.


    ترك وجدي الباب مفتوحاً وركض مُعفّراً قدميه في الوحل الذي ملأ الحوش تماماً. وقف عند مدخل الفرندة وهو يلهث :

    - قالوا البحر غرّق بيوت الحِلّة الورا.


    وقف الجميع وهم يستمعون إلى وجدي بكل خوف، قلوبهم على حناجرهم وأعينهم لا تعرف طريقها للرمش. وقتها رفع عوض الزين حقيبة الحديد على كتفه ممسكاً بها بيديه الاثنتين وهو يقول:

    * خلاص أرح يا جماعة. شلتو حاجاتكم؟
    فرد الجميع : "أيوه" تحرّك الجميع خارجين من الفرندة وهم يحملون على رؤوسهم وأكتافهم الحقائب والكراتين والأكياس التي امتلأت بما استطاعوا حمله من أغراض. كان الصادق هو آخر الخارجين، فالتفت إليه عوض الزين وهو يقول:

    - آ الصادق، جيب الرادي معاك. ما تنساهو.


    عندها تذكر وجدي أن قِطّته ما زالت بالداخل، فعاد وبدأ يبحث عنها:

    * بِس بِس .. سَتو سَتو


    أخرجت القطة رأسها، فحملها بيده ووضعها داخل قميصه. خرج الجميع من المنزل. كان الشارع سيلاً من المياه المتدفقة حتى كادت الحاجة فاطنة تسقط على الأرض، لولا أن تداركها إبراهيم فسندها. كان سُكان الحي كلهم قد تركوا بيوتهم وغادروها وهم يُرددون جُملة واحدة "لا حول ولا قوة إلاّ بالله".


    انطلق الجميع إلى الشارع الرئيسي وعبروا الشارع إلى الجهة الأخرى. وقفوا هناك وكلهم يلهجون إلى الله بالضَراعة أن يتوقف المطر. ولكن المطر لم يتوقف كان يهطل بغزارة وكأنه لن يهطل بعد اليوم أبداً. واختلطت أصوات الرجال والنساء وبكاء الأطفال بأصوات الرعد وتساقط المطر على بركة المياه التي خلّفها المطر. وظلّوا واقفين في انتظار أن ينجدهم أحد، ولكن دون جدوى. وفي الصباح توقف المطر ولكن لم تُشرق الشمس أبداً وظلّت السماء مُلبّدة بالغيوم، كأنها تقبض بين طياتها ابتسامات الأطفال وأمنيات الأمهات ودعوات الرجال التي لم تفتأ تشقُ عباب البحر الذي أكل البيوت ولَفَظَ عِظِامها خشباً وأعوادَ خيزران.


    وقفت الجموع وهي ترى الحي وقد أصبح جزءً من البحر وبعض الأعمدة والأشجار التي ظلّت واقفةً كشواهِد القبور. وبدت على سطح المياه قطع متناثرة: خشب الدواليب، ملابس الأطفال، سفنجات، عِلب فارغة، وفقاعات وزبد بحري، وكأن البحر يسخر منهم جميعاً فيمدّ لسانه لهم. بعض الأطفال راح يلعب بأطراف ثوب البحر، ويركلونه بأقدامهم الصغيرة، بينما وقف الرجال يتشاورون أحياناً ويتشاجرون أحياناً. كانت الحاجة فاطنة في كل هذا تجلس على الأرض واضعةً ثوبها ويديها فوق رأسها، إنها المرة الأولى التي تبكي فيها الحاجة فاطنة بصدق منذ توفي والدها قبل أربعة أعوام. وسالت دموعها مُنسابة على إحدى تجاويف شُلوخها. إنه الكبرياء عندما ينكسر دخل المرء، فينكسر معه طعم كل شيء. وفجأة تنهض الحاجة فاطنة كمن تذكّر شيئاً ما، نهضت كغير عادتها، فلما تعتمد على يديها ولم ترفع مؤخرتها - كما تفعل في كل مرة -، بل اتكأت على مصطبة كانت تجلس إلى جوارها ونهضت، ولم تلتفت إلى أحد. سارت حافية - كما خرجت من بيتها ليلاً - مُتجهةً ناحية البحر، لم ينتبه إليها أحد، كان كل واحدٍ ينعى نفسه ما أصابه وما أصاب بيته، ولكنها كانت تعرف أن بيتها لا يزال هناك. إنها تعرف مكانه دون أن تكون هناك شوارع ولا علامات؛ فقلبها الذي ما زال يطفو هناك في نقطةٍ ما على البحر حيث تذكرت صورتها وصورة عوض الزين. يا إلهي، كيف لم تتذكر أن تأخذه معها؟ كيف هان عليها أن تترك ذكرياتها المُصوّرة تغرق أمام عينيها بل كيف تغرق القرية نفسها وهي التي علّمت آلاف الرجال والنساء والأطفال السباحة!


    انطلقت الحاجة فاطنة بعرجتها تطأ في كل خطوة - بكل قوتها - على الماء وتقدّمت ولم تلتفت إلى الوراء، رفع عوض الزين رأسه عندما صرخ الناس:

    * يا حاجة فاطنة .. يا حاجة فاطنة. يا عوض الزين قوم ألحق مَرَتك.


    انطلق عوض الزين نحوها يناديها بأعلى صوته، ولكنها لم ترُدّ عليه. وصل الماء منتصف جسمها وهي ما تزال في إصرارها على المُضي قُدماً. حتّى أمسك بها عوض الزين من الخلف:

    - آآآ وليه جنّيتي؟؟ ماشة وين؟
    * خليني يا الزين .. خليني.
    - آآآ وليه مالك؟ ماشة وين إنتي؟ الناس قاعدة تعاين لينا.
    * قُلتْ لك خليني يا الزين. أنا بعرف أعوم.
    - آآآ مَرَة إنتِ ماك نصيحة؟ ماشة وين بس وريني.
    * الصورة يا الزين.. الصورة.
    - صورة شنو؟ كدي قولي بسم الله.
    * صورة عِرسنا يا الزين، نسيتا فوق الكومدينو.
    - يا مرة صورة شنو تعالى مارقة الله يرضى عليك.


    في هذه الأثناء إنطلق أبناء عوض الزين وراء أبيهم وخاضوا البحر ومعهم ثُلّة من شباب الحي:

    * أُمي ...
    - يا حاجة فاطنة ...

    التفتت الحاجة فاطنة وراءها فرأت الصادق وإبراهيم ومُزمّل ووجدي ففاضت عيناها بالدمع، وهي واقفة وسط الماء، يحمل الماء جلابيتها فوق السطح وهي تُمسك بعوض الزين وتروح في فضاءات من البكاء المُر. لم تكن الصورة بالنسبة للحاجة فاطنة مُجرد صورة، أو مجرد ذكريات قديمة جميلة. بل كان بالنسبة إليها أكثر من ذلك. لقد أيقنت الحاجة فاطنة للحظة أنه يتوجب عليها أن تموت غرقاً داخل بيتها المدون بالمياه، على أن تجلس القرفصاء وهي تحوقل. وقفت عزيزة على آخر طرفٍ للماء وهي تنظر إلى ذلك المشهد العائلي وعينيها تُرقرقان بالدمع. لقد كانت تعلم ما تعنيه الصورة لفاطنة تماماً، وكانت تعرف ما يعنيه لها بيتها.


    كانت فاطنة تبكي على الصورة وعلى الحوش وعلى شجرة الحناء التي هي بعُمر أكبر أولادها، وعلى مشلعيب المطبخ، وعلى الصينية الصفيح، وعلى دجاجاتها السبع، وعلى عالم كامل تركته وراءها يغرق في موجٍ لا يرحم ولا يعرف معنىً للتعب ولا الجُهد. كانت الحاجة فاطنة تبكي وتضرب بكفيّها على خدها وهي تقول: "سجم خشمك* يا فاطنة، سجم خشمك". ولأول مرة يبكي عوض الزين!!!!!
                  

07-30-2007, 03:15 PM

معتز تروتسكى
<aمعتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    خالص التحايا
    هشام آدم
    عزيزي ابو الشوش...
    قرات بعض ماكتبته عن هذا الفاطنه فقد كانت بكامل الشفافية وبكامل انسانيتها المجهزه لكل الاحتمالات ؛ بما فيها تلك التى تجردها من امكانية التفريق بين الاحاسيس؛ كان بوسعنا ان نمضغ السؤال لنتذوق طعم الاستفهام ونلقى بالفتات بين صندوق المشاعر المبهمه؛ لكننا نحتمى ببعض الارهاق الذى فى جوقة الاسئلة وهى تقول:-

    ...........


    ساكمل واحاول العودة..

    التحايا النواضر..
                  

07-31-2007, 12:11 PM

عبدالله داش

تاريخ التسجيل: 02-17-2007
مجموع المشاركات: 1454

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: هشام آدم)

    لتحلق هذه الحلقات هنا



    شاهقاً

    شاهقاً
                  

08-01-2007, 11:16 AM

معتز تروتسكى
<aمعتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: عبدالله داش)

    Quote: لتحلق هذه الحلقات هنا



    شاهقاً

    شاهقاً

    ازيك ياوردة...


    عبدالله داش
    وازيك انت مرتين ياعزيزي ..
                  

08-01-2007, 11:27 AM

Wafa Ajjasim


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم من أيام فاطنة (Re: معتز تروتسكى)

    الأديب والقاص الرائع هشام آدم إن شهادتي فيك قد تكون مجروحة ولكنني بصدق أحببت قصة الخالة فاطمة وشعرت بحميمية غريبة تجاه هذه السيدة وحاولت أن أرسم لها صورة ذهنية فلم أجد صعوبة في ذلك فوصفك الدقيق لها ساعدني كثيراً. هذه إنسانة طيبة وحنونة تذكرني، لسببٍ ما، بجدتي رحمها الله فهي أيضاً كانت تطلق اسم "المدرسة" على كل شيء: المدرسة والجامعة والكلية والمعهد وكل شيء ولكن أكثر ما شدني في هذه القصة هو "فضحك لأحاديث النسوة" وكأنك كنت بينهم تماماً. وكثيراً ما أسأل نفسي عندما أقرأ لك قصة ما، ترى هل يكتب هشام هذا قصصاً من واقعه المعايش حتى يُخرجها إلينا بهذه الدقة المتناهية؟ سلمت يُمناك أيها الأسمر المبدع ولك مني أختك أكاليل من الورود
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de