|
رسالة مفتوحة للإعلامية منى الشاذلي
|
الأستاذة الإعلامية / منى الشاذلي مذيعة قناعة دريم – برنامج الساعة العاشرة
تحية طيّبة وبعد
أرجو أن يتسع وقتك لقراءة هذه الرسالة عن آخرها لأهميتها البالغة والتي تأتي على خلفية حلقتك الأخيرة التي تضمنت موضوع الساعة (تداعيات مباراة مصر والجزائر) والذي استضفتِ به عدداً من الشخصيات لم أتعرّف منهم إلا على السيّدة المحترمة فردوس عبد الحميد. وأصدقكِ القول –سيدتي- أن السبب المباشر في كتابة هذه الرسالة هي الإشارة التي وردت في برنامجك المشار إليه إلى موضوع أحداث حديقة مصطفى محمود المأساوية، وقد تكون فرصة جيّدة لتعريف من لا يعرف بتفاصيل وحيثيات هذه الأحداث الذي جاءت الإشارة إليه بصورة عابرة في الحلقة المشار إليها أعلاه.
أولاً: أحب أن أنتهز هذه الفرصة -وهي الأولى من نوعها بالنسبة إليّ التي أخاطبكِ فيها بصورة مباشرة- لأشكرك على برنامجك الرائع في الحقيقة على اعتباري أحد متابعيه المستديمين، وعلى اعتباري من أشد المعجبين بحرفيتك المهنية التي لا أشك فيها على الإطلاق وحيادك الذي لمسته بوضوح في كثير من القضايا التي تناولتها في برنامجك، وأتمنى أن يحتذي كثير من الإعلاميون حذوك وأسلوبك في تناول الموضوعات من جميع الزوايا ومحاولاتك الجادة والحريصة على تغطية كافة جوانب الموضوعات التي يتناولها البرنامج بصورة يخرج بها المشاهد والمتابع بتصورات كاملة عن الأحداث والمرئيات المتعلقة بالموضوع المطروح.
ثانياً: قبل الخوض في صلب الموضوع، أرى أنه من الواجب تمهيد الأمر بالتطرّق إلى موضوع الساعة (تداعيات مباراة مصر والجزائر) دون الخوض في تفاصيل شائكة ومعقدة لأنه من الواضح جداً أن الأمر أكبر من مجرّد حمى وهوس كروي محتدم وحرب إعلامية رياضية، ودون طرح أسئلة من نوع: من البادئ بإثارة المشكلة؟ فإنني أقول: إن الأمر –يا سيدتي- بمنتهى البساطة قد يُحسم إذا حاولنا الإجابة بكل صدق وشفافية عن السؤال الذي طرحه الأخوة المصريون عبر برامج الفضائيات المصرية المتعددة: "ليه كده؟ وليه إحنا بالزات" ويبدو أنني لستُ مضطراً –كسوداني- أن أوضح موقفي المبدئي من الشعب المصري، أو العلاقة التي تربط بين البلدين، فالأولى معلومة لأسباب أسرية عائدة إلى جذوري المصرية وحيث هي محل مولدي والرابطة العاطفية التي تربطني بمصر وشعبها دون انحياز أو تفضيل أو حتى مساومة أو مزايدة عليها على الإطلاق، والأخرى سمجة ومملة ومُكررة وأعني بذلك الكلام عن وحدة المصير المشترك لأبناء وادي النيل، ووحدة التاريخ والجغرافيا وما إلى ذلك، فهو كلام عاطفي ومستهلك كثيراً، رغم حقيقته.
وبعد التأكيد على هذه النقطة أقول: لماذا –فعلاً- لم نقرأ في وسائل الإعلام العربية والأجنبية عن أحداث عنف في مقابلة الخرطوم مثلما سمعنا عن أحداث المقابلة في القاهرة؟ لقد تناولت جميع وسائل الإعلام العربية وغير العربية ما حدث في القاهرة بوصفه "أحداث عنف" في حين تناولت ما حدث في أمدرمان على أنها مناوشات طفيفة تكاد لا ترقى إطلاقاً إلى وصفها بأحداث عنف. وحيث أنه من غير الممكن أن تتوافق كافة وسائل الإعلام العربي وغير العربي على هذه الجزئية فإن هذا يعني صحّة هذه المعلومة مهنياً على أقل تقدير؛ هذا الأمر يجعلنا –مبدئياً- نغلق ملف الحديث عن تقصير السودان متمثلاً في أجهزته الأمنية في القيام بواجبها على أكمل وجه، أو حتى مجرّد التلميح الذي يأتي على بعض الألسنة عن ضعف إمكانيات أجهزة الأمن السوداني والذي أدى إلى حدوث بعض التقصير الطفيف، في إشارة لا تخلو من إساءة مغلّفة للأداء الأمني؛ وإذا كان لابد من هذه الإشارة إلى ذلك فإنه يتوجب علينا –في المقابل- الكلام عن أداء أجهزة الأمن المصرية التي يبدو أنها لم تنجح –حسب تصريحات الصحف العربية والأجنبية- في القيام بدورها على الوجه الأكمل في حماية البعثة الجزائرية بالقاهرة؛ لذا أرى أنه يجب على وسائل الإعلام المصرية التزام الحياد تجاه هذه النقطة بالتحديد وعدم محاولتها المساس بإمكانيات أجهزة الأمن السودانية لا من قريب ولا من بعيد، فإذا كان الأمن السوداني قد أخفق بمقدارٍ ما، فإن أجهزة الأمن المصرية قد أخفقت بمقدار أكبر بكثير، والعدالة تتطلّب تناول الأمر بهذه الحيادية المباشرة، وليس ذكر الأمر على استحياء كما ولو أنّ الأمر كان فوق طاقة أجهزة الأمن السودانية. لأنه لم تجدر أيّة إشارة من وسائل الإعلام المصرية إلى ضعف في إمكانيات الأجهزة الأمنية لها رغم كل ما تعرضت له من انتقادات عبر وسائل الإعلام المختلفة كما سبق وأشرنا؛ إذ فالأمر ليس له علاقة بالإمكانيات أو القدرات على الإطلاق.
هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى، فإنني كسوداني في المقام الأول، وكإنسان مُحب للعدالة والإنسانية والحق أرى بأن كلاً من الجانبين: المصري أو الجزائري يجب أن يلجأ إلى الجهات المسئولة (سواء القضاء أو الفيفا) لاسترداد حقه إن كان له حق، معتمداً في ذلك على ما يتوفر لديه من قرائن وأدلة مادية دامغة سواء من تسجيلات مرئية أو صوتية أو من شهادات شهود أو وثائق عوضاً عن هذه الحملة الإعلامية التي تعمل على إثارة الفتن بين الشعبين، وعندنا في السودان مثل يقول: "الحدّاث ما سوّاي" وهي تعني أن الذي يتكلّم كثيراً لا يفعل شيئاً. من كان له حق وهو متأكد من أنه مظلوم فعلاً فليتقدم بخطوات عملية نحو استرداد هذا الحق ولرفع هذا الظلم عنه فوراً حسماً للموقف وإيقافاً لهذه المهزلة الحقيقية بدلاً عن تبادل التُهم، وإقحام السودان طرفاً في النزاع، واتهامه بالتواطؤ مع مشجعي الجزائر ضد المصريين مقابل عشر جنيهات ومثل هذا الكلام غير المسئول على الإطلاق! هذا الأمر يزيد من تأجيج نار الفتنة ولا يُقدّم أية حلول تذكر، كما أنه وحسب متابعتي لما يجري لاحظتُ أن كلا الشعبين انقسما إلى ثلاث فئات لا رابع لهما:
الفئة الأولى: فئة مُغيّبة إعلامياً، متحمسة مأخوذة بدافع الغريزة الوطنية، يُصوّر لها إعلام بلدها (غير المسئول طبعاً) أن الأمر أشبه بمعركة وطنية مقدّسة يجب دونها أن تتكاتف الجهود وأن تتوحّد الصفوف، وأن يتسامى الجميع على خلافاتهم الصغيرة من أجل مواجهة "العدو" سواء أكان هذا العدو شعباً بأكمله، أو مجموعة من هذا الشعب.
الفئة الثانية: فئة واعية تماماً لما يجري، وتعلم أن الأمر لا شأن له بكرة القدم على الإطلاق وأن الأمر ما هو إلا حرب إعلامية بين البلدين، أجج أوارها شلّة من المراهقين الإعلاميين غير المسئولين، فهو بذلك يقف بعيداً، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، مما يجعلهم يُصنفون في الغالب في خانة "الخائنين" أو تُنفى عنهم صفة الوطنية في أفضل الأحوال، كما حدث مع بعض الشخصيات.
الفئة الثالثة: فئة تراقب ما يجري بحزن وألم شديدين، دون أن تتمكن من اتخاذ القرار المناسب إما لأن لها مصالح أو روابط دم تجمعها مع البلد الآخر، أو لأنها غير متأكدة تماماً من صحة إدعاءات الأجهزة الإعلامية.
والأمر الهام في هذه النقطة بالتحديد –سيدتي- أن يبتعد الجانبان (المصري والجزائري) عن زج السودان والسودانيين في الأمر، واتخاذها ذريعة أو شمّاعة يُعلقون عليها أخطاءهم، أو يُبدون لهم حبهم إمعاناً في إظهار كراهيته وعداوته للآخر، فالسودان لا شأن له بهذا الأمر على الإطلاق، والشعب السوداني لا يقبل أن يُحابي شعباً على حساب آخر، بل ونسعى دائماً أن تنتهي الخلافات بينهما بما يُرضي الطرفين، وبما يحفظ لكليهما (وللسودان كذلك) كرامته وسيادته، وخلاف الشعبين لا يُرضي أيّ شعب آخر.
وفي هذا الشأن يجدر أن أُشير إلى حق كل دولة أو شعب مظلوم أن ينتصر لحقه وأن يعمل على رفع الظلم عنه، ولكن دون أن يكون آخرون كبش فداء لذلك، فمن حق المصريين أن يفخروا بكونهم مصريين كما هو حق للجزائريين أن يفخروا بكونهم جزائريين كذلك، وكما نفخر –نحن السودانيون- بكوننا سودانيين، بل وكما يحق لكل شعب أن يفخر بدولته وانتمائه، على ألا يعني ذلك نفياً للآخر وإقصاءً له.
وهنا أعيب على بعض الأخوة المصريين الذين أخذتهم الحمية والغيرة على أنفسهم وأوطانهم وكرامتهم إلى نفي الآخر، إلى الحد الذي جعلهم يتصوّرون أنهم بمثابة الأم أو الأخت الكبرى لبقية الدول والشعوب، رغم أنّ خلافهم محصور فقط مع الشعب الجزائري، معتمدين في ذلك على حضارة وتاريخ الشعب المصري الذي لا ينكره أحد بالتأكيد، ولكن فليتذكروا في المقابل أن لكل دولة تاريخها وحضارتها الخاصة بها، والتي تفخر بها أيضاً أمام الجميع، وليس هنالك دولة أو شعب له حق على شعب آخر.
أرى أنه من المُعيب جداً ما ذهبَ إليه بعض الأخوة المصريين في ذكر أنهم كانوا أصحاب فضل على الجزائريين في تعليمهم اللغة العربية، وأنهم علّموهم قراءة القرآن، وأنهم من علّمهم الفن وأنهم كذا وكذا، حتى وإن كان ذلك صحيحاً؛ فصاحب الفضل لا يمنّ بفضله على الآخرين، والبعض (وهم قلّة للأمانة) ذهبوا إلى أن مصر والمصريين وحدهم هم خيار الشعوب، وأفضلها على الإطلاق، ولهؤلاء أقول: إن لكل شعب فضله الذي يعلمه والذي يستفيد منه وحده دون الآخرين، ولا فضل لشعب على الآخر، وإن كان لشعب فضلٌ ما؛ فإننا نسعد له –بكل تأكيد- بهذا الفضل، ولكننا لا نقبل على الإطلاق إشهار هذا الفضل في وجوهنا، وكأننا تبعات نقتات من بقايا حضارتهم وتاريخهم، وللتاريخ عينان تقرآن جيّداً كُل ما يُكتب. وإن أصرّ هؤلاء على إقصاء الآخر ونفيّه، فلابد –حينها- من تذكيرهم؛ علّهم نسوا. ولي من سيّدة مثقفة واسعة الاطلاع مثلك حرز يكفيني جور أن أبوح بفضلٍ لأهل السودان لا نمنّ به على أحد، ولكنه يكفي ألا يُقصينا الآخر في غمرة انجرافه الوطني.
ثالثاً: وهو الأهم في طول هذه الرسالة وعرضها، وهو ما تمت الإشارة إليه في بداية الرسالة من تلميح عابر لحادثة المهندسين وتحديداً في حديقة ميدان مصطفى محمود التي كانت في أواخر ديسمبر من عام 2005م، ولا أريد الخوض في تفاصيلها كذلك، فهي موثقة بالصور والشهادات والإفادات والوثائق، ولكن ما لفتَ نظري في الأمر، أن أحد المتصلين بالبرنامج حاول تناول موضوع السودانيين ضمن تداعيات أزمة مصر والجزائر الأخيرة، واستشهد بهذه الواقعة، وهو الأمر الذي دفعكِ للقول بأن برنامج الساعة العاشرة الذي تُقدمينه لاقى نقداً لاذعاً من قِبل وزارة الدفاع (إن لم تخني الذاكرة) وكان مُلخص النقد متمثلاً في القول: "كيف للبرنامج أن يعترض على إجراءات حكومية متعلقة بأمن الدولة" أو ما شابه.
هذا الحديث –يا سيدتي- يجعلني أطرح تساؤلاً مُحدداً، بالتأكيد بعد شكرك وتحيتك على تناول الحدث وتغطيته، رغم أنني لم أحظ بمتابعة هذه التغطية، ولكنني أثق في حرفيتك شخصياً، وفي نزاهة برنامج الساعة العاشرة بشكل عام، فما الذي يجعل وزارة الدفاع أو أيّ جهة أمنية أخرى تنتقد تعرّض برنامج يتناول قضية كهذه والتعاطف معه؟ ماذا يعني هذا النقد؟ وحيث أنني لم أتابع تغطية البرنامج للحدث بالتأكيد فإنني أميل إلى القول بأن قوات الأمن المصرية لم يُعجبها تعاطف مواطن مصري أو جهة مصرية واعتراضها على إجراءاتها التي اتخذتها ضد اللاجئين السودانيين العُزل وبالطريقة التي رأيناها وتناقلتها وكالات الأنباء العالمية، وتقارير المنظمات الدولية، وإن كان هذا التخمين صحيحاً، فإنه يهدم ما كان يحاول السيّد المتصل الإشارة إليه من حرص المصريين على سلامة وأمن السودانيين، لأن الكلام عن تلك الحادثة جاء في هذا السياق بالتحديد، وإن لم يكن تخميني هذا صحيحاً، فلنا أن نراجع بعض المعلومات عن تلك المأساة التي راح ضحيتها ما يُقارب (27) شخصاً سودانياً لاجئاً داخل الأراضي المصرية والتعرض للبقية بالضرب والشتم والاستهزاء.
سيدتي ... إن الاحترام ليس مُجرّد شعار نرفعه ونتباهى به، بل هو وعي يتبعه سلوك، وما حدث للسودانيين اللاجئين في تلك الليلة كانت مأساة حقيقة بل مجزرة. مجزرة زُهقت فيها أرواح بشرية بالفعل بدواعي أمنية، رغم أنهم لم يفعلوا شيئاً غير مرابطتهم أمام المفوضية العليا لشئون اللاجئين بحثاً عن الأمان والملاذ، حدث ذلك تحت مرأى ومسمع المصريين الذي راح "بعضهم" يضحك في استهزاء وقوات الأمن تصوّب نحوهم بنادق الماء لتفريقهم وهم يقولون: "كان يجب على قوات الأمن أن تتخلص منهم منذ اليوم الأول، لقد صبرت عليهم مصر أكثر من اللازم؛ إنهم مقرفون، حمّوهم بالماء لينظفوا"!!
كل ذلك –سيّدتي- حدثت رغم اتفاقية الحقوق الموقعة بين البلدين 2004م والتي تضمن لكل من أبناء البلدين حق التنقل والإقامة والعمل والتملك في كلا البلدين. وبعيداً عن المفوضية؛ دعينا نتساءل: "ماذا فعلت الحكومة المصرية لهؤلاء اللاجئين؟" هل أجرت عليهم بنود الاتفاقية؟ أتعلمين –سيدتي- أن أحداث العنف المؤسس والمنظم التي قامت بها قوات الأمن المصرية ضد هؤلاء اللاجئين قد شملت أطفالاً ونساءً ورُضّع؟ هل تعلمين أن عدد القتلى في تلك المجزرة بلغ –حسب إفادات شهود العيان- سبعين قتيلاً (وليس جريحاً أو مُصاباً) بينما تناقلت الأوساط الأمنية الرسمية أن عدد القتلى لا يتجاوز (27) قتيلاً. وأنتِ كإعلامية بارزة لاشك أنك تعرفين أن الإحصائيات الرسمية غالباً ما تكون أقل من الفعلي، وأنا هنا أتساءل: "كم هو عدد "الجرحى" من مشجعي المنتخب المصري الذين أفادوا بوقوع مجزرة في الخرطوم؟"
إنني أشيد بالتأكيد بجهدك عبر برنامجك الساعة العاشرة لما بذلته تجاه هذه القضية، وربما تجاه حلها أو على الأقل التعاطف معها، ولكنني أتكلّم عن قوات الأمن المصرية، والذين هم مصريون في النهاية كذلك، لا يُمكن أن يُهان مصري في السودان وترفع الحكومة السودانية بياناً للحكومة المصرية تفيد فيه بأن الحكومة ليست مسئولة عن ذلك لأن هذا الفعل لا يُمثل الشعب السوداني، بل يُمثل القلّة منهم؛ ناهيك عن أن تكون الحكومة هي نفسها من تقوم بامتهانه أصلاً. وما هو قولك إذا علمتِ بأن قوات الأمن المصرية حتى الآن تمنع إقامة ذكرى ضحايا حديقة ميدان مصطفى محمود رغم أنها مُجرّد وقفة سلمية!
ألم تصلك أنباء مطالبات كثير من جمعيات حقوق الإنسان والمنظمات المحلية والدولية منها: منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن راتس ووتش، والمبادرة الشخصية للحقوق الشخصية وغيرها بضرورة تشكيل لجنة للتحقيق في المجزرة، وأن التحقيقات الأولية كشفت عن مخطط كان يهدف إلى تبرئة عناصر قوات الأمن من ارتكاب أيّة جريمة؟ هل بعد كل هذا –سيدتي- تودين الاستشهاد بهذه الحادثة للتدليل على حرص قوات الأمن على سلامة السودانيين داخل الأراضي المصرية؟ الحق أقول؛ هنالك جالية كبيرة جداً من السودانيين المقيمين في القاهرة، ولم يشتك أحد من سوء معاملة أو من خلافه، فيما عدا بعض الممارسات الفردية والمناوشات هنا وهناك بين الحين والآخر، ولكنك بذكرك لهذه الحادثة بالتحديد فتحت جرحاً كان السودانيون يحاولون نسيانه بعون مجيد من الزمن.
يُمكنك –سيدتي- الاطلاع على هذا الرابط http://www.tortureinegypt.net/node/1528 لمزيد من التفاصيل والصور والتقارير حول المجزرة بكل معاناتها، وجُل ما نتمناه –كشعب سوداني- أن يتوقف الأخوة في مصر عن إقصاء الآخر والتعامل معه بفوقية، وكأن التاريخ لا ذاكرة له، أو كأن الآخر هذا لا تاريخ له على الإطلاق. دعينا لا نساوم على عواطف الشعوب؛ فهي تعرف ما تريد، وتفعل ما تريد بإرادتها لا بإرادة الحكومات، ودعينا لا نتكلّم عن العنف والأمن فنحن نعلم تماماً أن الشعوب العربية جميعها مقهورة من حكوماتها، فالحكومة السودانية تنكّل بشعبها أشد تنكيل، ولنا في مجزرة "كلما" في السودان، وما يحدث في دارفور خير مثال على ذلك، فمئات من القتلى ومئات من الضحايا دون أن يرمش جفن لهذه الحكومة، وعشرات من غرقى العبّارة المصرية دون أن تتدخل الحكومة في محاسبة المسئولين، وعشرات من قتلى حوادث القطارات والسكك الحديدية، والانتهاكات اللاإنسانية التي يُمارسها عناصر الشرطة والأمن بالمواطنين سواء في مصر أو في السودان أو حتى في أيّ دولة عربية أخرى، ولا ننسى أن الأمن المصري يتعامل ببشاعة ووحشية شديدة مع المواطنين ولا يكاد شعب يسلم من أذى وقمع حكوماته –يا سيدتي- فلا نُؤلب الناس على بعضهم البعض، فهذا باب للفتن لا نُحب له أن يُفتح على الإطلاق. وأُحب أن أوجّه كلمة أخيرة إلى الشعب المصري الشقيق بحق عبر رسالتي إليك: إن من يُشوّه سُمعة المصريين هو الإعلام المصري غير المسئول، فأرجوكم اختاروا رجالات إعلامكم بحرص فالمُراهقون الإعلاميون كُثر، وهم زارعو الفتنة بين الناس، وهذا ما أراه وما أردتُ أن أقوله.
هشام آدم كاتب سوداني مقيم في السعودية [email protected]
|
|
|
|
|
|