رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 06:26 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-13-2006, 09:36 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2



    ___________
    الرسالة الخامسة عشر:


    هاهنا الحزن يأخذ شكل إنسان .. أو طير بلا أجنحة .. أو يغدو شبحاً يحوّم في زريبة الجسد المترهل. يدخل في شكل تثاؤب ويخرج في شكل تجاعيد. الحزن يا حبيبتي لا يعني بالضرورة البكاء ولا يشترط اقفهرار الوجه. هو إنما شيء كالروح يسكن في دواخلنا ويتغذى على ملامحنا ، شيء يراهن على سنوات العمر واستقامة الظهر. عندما ترى الأشياء ببعدٍ واحد ولون واحد ولا تجد في تلك الأشياء ذات الرائحة ولا الطعم. الحزن والألم أخوة في الرضاعة. الحزن يدخل على الوجوه الواجمة بكامل أناقته ويجلس القرفصاء. يمدد رجله اليسرى ، له طعم الزنجبيل برائحته الغريبة وطعمه الحارق غير القابل للذوبان.



    لا يفوق حزني الآن إلاّ شوقي إليك ، ولا يعبرني شيء غير ملامحك المبتسمة (كما هي) بصورتها الكاملة والملوّنة ، وبقية الأشياء – كما قلت – تبهتُ أو تذوي. تتصاعد الأنفاس ساخنة أو فاترة من رئة أنهكها النيكوتين وأتربة العاصمة.



    ذهبت إلى العاصمة بالأمس ، لم أخبر أحداً بذلك ، تفاجئوا بي وأنا أمامهم. حتى أنا لم أخطط لذلك إلاّ متأخراً. الطريق الصحراوية من هنا إلى العاصمة مدّت لسانها الإسفلتي في وجهي وكأن العاصمة تهرب مني. لا عليكِ .. فالحزانى سوداويو الرؤية دائماً. كانت الطريق طويلة على غير عادتها ، ورغم أني اعتدت فيما مضى على هذه الرحلة شبه الأسبوعية إلاّ أنها كانت رحلة بائسة هذه المرة. ولأول مرة لم أعد مكترثاً بارتقاب اللافتات المرورية التي على الطريق ، لم أهو حساب المسافة وهي تقصر كلما اتجهت غرباً. الشيء الوحيد الذي كنت أفعله بانتظام هو تعاطي التبغ و (قزقزة) التسالي.



    الجميع بخير والحمد لله. أبي كان نائماً عند وصولي. هذه عادته دائماً ينام كالعصافير بعد صلاة العشاء والغريب أنه لا ينام إلاّ على أريكته الحصرية وهو يشاهد (الجزيرة) أو (العربية) مؤخراً. والدي روتيني قح ، لا يوتره إلاّ أن يطرأ على برنامجه اليومي طارئ.



    أمي كانت تصبغ شعرها بالحناء بعد أن وضعت كيس النايلون على يديها مستخدمة فرشاة أسناني القديمة ورغم احترازها الشديد إلاّ أنها – في كل مرة – تضطر لتغيير ملابسها بعد أن تتسخ بالكامل. أختي الصغرى كانت على وشك النوم فاستيقظت لسماع صوتي. ما زالت تعاني من الاكتئاب المسكينة. أفرحها جداً أني أهديتها رواية لحنّا مينا وفي منتصف الكتاب تقريباً وضعت لها عملة ورقية من فئة الخمسمائة ريال. كم أشفق عليها كثيراً .. ليست هي الوحيدة التي أشفق عليها ، إنما أشفق على كل الفتيات اللواتي في مثل سنّها. هذه البلاد يا حبيبتي تقتل فينا أشيائنا الجميلة ، تقتل فينا حاسة تذوق الحياة والتمتع بها. ما ذنبها وهي ذات الثلاثين خريفاً أن تصبح كامرأة في الخمسين ، لا تكاد تقدر على شيء. كلنا في الهم مطحونون يا حبيبتي .. غير أني لا أبالي بنفسي كثيراً فأنا بدأت أعتاد على ذلك. ولكنها – أختي – لا تستحق ، فهي فتاة طيبة تحب المزاح كثيراً.



    يسمونها (فنديقة) لأنها قصيرة كالفندي. والفندي في لغتنا وتد مدبب في أوله يستخدمه المزارعون والنساء لربط بهيمة الأنعام. غير أنها عندما كانت صغيرة حرّفت – ببراءة الأطفال – اسمها من (فنديقة) إلى (فنّيبة) فأصبح اسمها إلى يومنا هذا ، وهي أقصرنا قامة وأطولنا ابتسامة ووداعة. لها الله هذه الفنّيبة ليتني أستطيع مساعدتها ولو بالقليل. لا تعلمين كم شعرت بالسعادة الغامرة وهي تخلط ابتسامتها الأنثوية الجميلة بدمعة أخوية رقيقة عندما اكتشفت النقود بين صفحات الرواية. أحسست عندها أنني أضفت إلى عمرها عامين أو يزيد.



    في الصباح .. بينما والدي يتجهّز لصلاة الجمعة، أسرّت لي أمي بشيء، فقد أخبرتني وهي لا تكاد تقلع عن الفرحة الطازجة أن أختي التي تزوجت مؤخراً ..قد تحمل في بطنها جنيناً عن قريب!! هي لم تخبر أبي ولا حتى شقيقتي .. ولكنها تدري أنني سوف أفرح بهذا الخبر أيما فرح .. عندها لا أدري .. تذكرتك عندما أخبرتني عن مكالمتك بها وكيف أن صوتها الذي بنكهة البن التركي كان يوحي لك بصداقة وشيكة بينكما ، وكأن هذا كان بالأمس فقط. ربما كان ذلك هو أكثر ما أفرحني في رحلتي الأخيرة إلى العاصمة ، وما عداه كان روتينياً لا يحمل الجديد.



    عني .. فأنا بخير. ولا ينقصني شيء إلا رؤيتك الغالية والتي أتمناها على الدوام. كوني بخير حبيبتي .. فأنتِ الجانب الوحيد المضيء في هذه اللوحة المسماة (حياتي). كم أتمنى يا حبيبتي أن لو أستطيع أن أفرحك كما أفرحت شقيقتي. كم أتمنى أن أراكِ لا تغادركِ الابتسامة. كم أتمنى أن لو أقدر أن أختطف النجوم من السماء – هكذا عنوة – وأجعل منها خرزات قلادة تعلقينها على جيدك البض. كم أتمنى أن لي ملك سليمان وعصا موسى إذاً لسخرتهما فيما يجعلك سيدة العالم ، مليكة على عرشٍ لا تلمسه الأيدي ، ولا تطاله الأمنيات. ولكنها تظل محض أمنيات .. ألا قطع الله اليد القصيرة.



    إلى خطاب آخر حبيبتي .. وفي انتظار ردك على هذه الرسالة. لك من التحايا ما يليق بك.

                  

05-13-2006, 10:23 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)

    __________
    الرسالة السادسة عشر:


    وما زلت يا حبيبتي في دوائر الأحزان أمارس هواية النساء العواجيز ، أفلت بكرة خيط ملوّنة ثم أعود ألملمها مرة ثانية. أنسج كنزة من الصوف بحجم كف ثم أعود أحرر الصوف من العقد. وبين كل فتلة وأخرى نفس شهقة مرعبة لا تخرج إلا عندما تكتمل الدورة التنفسية! الأفق صار أقرب من جدار غرفتي الصغيرة ، هذا يعني أنني في نهاية العالم أو مبتداه. أنا لم أعد كسابق عهدي على أي حال. تتناوشني مناقير الذكريات تنهش جلدي وتترك اللحم ! لست أدري على وجه الدقة ماذا أريد.



    قبل أيام أوقفني شرطي بينما أنا أعبر الشارع إلى الجهة الأخرى عائداً من عملي بعد العاشرة مساءً . سألني عن هويتي ، فناولتها له في برودٍ روتيني ، وضع الهوية إلى جواره ثم قال لي اركب معنا. إنها سفينة نوح التي لا تحمل معها من كل جنسية إلا زوجاً واحداً. أردت أن أسأله عن السبب أردت أن أعترض ، ولكنني ركبت معهم بكل خشوع ، فلا طائل من الكلام ولم تكن لي رغبة في (المناكفة) فأشرطته اللامعة التي يعلّقة على كتفه كفيلة بأن تنهي الحوار لصالحه. نحن يا حبيبتي في هذه محض (أجانب) رغم أننا أفصح منهم لساناً !! وفي مخفر الشرطة جلست على كرسي خشبي طويل أزرق اللون. مخفر الشرطة عالم مجنون تماماً كعالم الخارجي ، غير أنه أشد دكنة أو زرقة. بعد ساعة مرّ عليّ أحدهم (شرطي فضولي) سألني بلهجته التي تشبه إلى حد بعيد صوت اصطكاك باب حديد قديم : وش عندك؟ فرفعت رأسي – في خشوع - : لا أدري !! حاول الشرطي أن يستشف من ملامحي علامات استخفاف غير أنّه لم يجد غير وجه بائس حزين ومتعب ، فانصرف.



    بعد ساعة أخرى ، جاء (كبيرهم الذي علّمهم السحر) دخل فوقف الجميع ، إلا (الأجانب) قال بصوتٍ آمر: أدخلهم الواحد تلو الآخر. ولأن (الأجانب) مصنّفون في هذه البلاد حسب أبجدية اللغة العربية فقد كنت أولهم. دخلت عليه لأجده شاباً لا يتجاوزني إلا بسنتين على الأكثر. رفع عينيه دون أن يرفع رأسه وسألني نفس السؤال بنفس النبرة الحديدية : وش عندك؟ فأجبته نفس الإجابة ، غير أنه أعاد السؤال ، فأخبرته أنني كنت في طريقي إلى البيت عائداً من عملي ، فالتقطتني سيارة الشرطة دون أن أعرف سبباً لذلك. عندها أمر بالشرطي وسأله عن مخالفتي فقال له : إقامته منتهية !!! تفحّص الضابط هويتي جيداً فلم يجدها كذلك .. فقال بكل سماجة: الله يهديك بس .. التجديد في الورقة من الخلف !! سلّمني الضابط هويتي وهو يقول بذات السماجة: اتوكل ع الله يا زول !!! هكذا بكل هذه البساطة؟ كانت الساعة تدق الواحدة صباحاً وأنا لم أنم ولم أرح جسدي منذ أن استيقظت صباحاً عند الساعة السابعة. عقدة الحكاية أنه كان عليّ أن أعود على قدمي حيث يندر مرور عربات الأجرة في ذلك المكان.



    أتعرفين ماذا يعني هذا يا حبيبتي؟ يعني أننا في هذه البلاد محض دمى لها ورق ثبوتيّة. وقتنا لا قيمة له عندهم، كرامتنا لا قيمة لها عندهم، نحن أنفسنا لا قيمة لنا عندهم. وجدتني عندها أتدحرج في دائرة حزنٍ أكبر. اكتشفت في نهاية الأمر أن الشرطي (أصلحه الله) كان يمسك بهويتي بالمقلوب فلم يتمكن من قراءة التاريخ الصحيح. لا بد أن اللوم يقع عليّ دون شك كان يجب أن أعطيه الهوية من الجهة الصحيحة.



    عدت إلى غرفتي ولا ألوي على شيء .. حتى أنني لم أشأ أن أتذكر تفاصيل ما حدث ، كل ما أردت أن أفعله هو أن أضبط ساعتي وأنام حاضناً صورتك التي أنزلتها من الجدار فوق سريري.



    في الصباح كان كل شيء يعيد ترتيب نفسه ، الألوان .. الروائح .. الوقت .. الطقس .. زجاج نافذتي الذي شاب بفعل الرطوبة .. كل شيء إلاّ أنا وأنت داخلي!! قلت في نفسي : طالما أننا لا نتغيّر فهذا يعني أن عنصر الإناسة داخلنا مازال يعمل ولم يتعطّل بعد. فحمدت الله سراً وخرجت.



    عن الخبر السار الذي وعدتك به ، فلقد ضاع الحلم كما يضيع الزبد في الماء يا حبيبتي .. وبلغة المحاكم (يظل الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء) ولا راد لقضاء الله !!! لا بأس فمازال عنصر الإناسة حياً يرزق داخلنا .. ولن يخبو الأمل حتى تفارق الروح هذا الجسد.



    تحياتي إلى أسرتك الكريمة وإلى الجميع .. وإليكِ قبلاتي الحارة والأشواق الطازجة.
                  

05-13-2006, 03:23 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)

    _________
    تلغراف سريع:

    من فرحي البيّ
    قلعتا الخوف
    وكستني بسالة
    قت ليها النية
    متين نتلم
    والحال بطالة
    قلت لي غنيّة
    وإنتا معاي
    مستورة حالة
    بت سودانية
    ومحبوبتي
    ولفتاتا غزالة



    _____

    (عدل بواسطة هشام آدم on 05-13-2006, 03:29 PM)

                  

05-14-2006, 10:57 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)

    ___________
    الرسالة السابعة عشر:

    تحية عاطرة .. وبعد ،،،


    الأمنيات الجميلة التي تمرّ مرّة في كل عام ، وتحديداً في عيد رأس السنة ، تبدأ كبيرة بحجم الآمال وحجم فرقعات الألعاب النارية وفرحة الأطفال ، ثم تبدأ – كلوح الثلج – بالذوبان يوماً بعد يوم خلال العام. لتختفي تماماً قبل رأس السنة الجديدة. لتعود دورة الأمنيات مرّة أخرى بالتجدد.



    في كل عام يا حبيبتي تنسلخ جلودنا القديمة التي ضاقت بنا ، وتنمو جلود أخرى لتضيق هي الأخرى مع نهاية العام. في كل عام يا حبيبتي .. يولد الأطفال ، ويموت الأصدقاء. وفي نهاية كل عام لا نعود نتذكر فرحتنا بمن أتوا ولا حزننا على من رحلوا. ونحن بين الحزن وبين الأمل نموت كل يوم. تمتلئ صدورنا بالحزن كما بالأوكسجين.



    هنا – على ظهر هذه الأرض يا حبيبتي - لا يعيش إلاّ السيئون ، بينما تمرّ قوافل الراحلين محمّلة بروائح الطيّبين والبسطاء والرائعين آخذين معهم ما خبأته عيونهم اللامعة من بريقٍ يحمل سرّ خارطة الجزر السعيدة. جزر لا تراها إلاّ عيونهم .. يرونها رؤيا العين ، بينما نلهث نحن وراء خارطةٍ خطأ. أو نتيه في الطريق إليها ولا نصل.



    الموتى .. وأرواحهم التي تحوّم على رؤوس البيوت ليلاً .. والنسائم التي تحمل رائحة الموت وصورة الأسلاف التي يقطع نصفها العلوي شريط أسود قاتم ، وصرخات أرواح النائمين ، وصوت دعوات الأمهات اللائي لا ينمنَ ، وحوقلات الرجال القابضين على أطراف الأسرّة الخاوية إلاّ من وسادتين! هذا كل ما نملك من تحويشة الزمن لزمنٍ آخر قادمٍ لا محالة. لا تفرحي يا حبيبتي إن طال عمري ، فهنا على هذه الأرض لا يعيش إلاّ السيئون كما قلت!



    كلنا يخبأ في جيبه – من حيث لا يدري – كومة من الحزن والخوف وكأنهما مادة الحياة وسرّ هذه الأنفاس المتصاعدة والحمى التي لا تزول بصادق الدعوات! لا ترقيني إلاّ بغنوة هادئة ولمسة من يديكِ يا يسوعية المسح. ويا حبذا قبلة على حين غفلة. آآآآهٍ كم أشتاق أن أسمع صوتك الآن !!!



    حزينة هذه الرسالة ، أليس كذلك؟ كذلك أنا.



                  

05-14-2006, 04:25 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)

    ____________
    الرسالة الثامنة عشر:


    عندما يعتدل المزاج . . تمر أمام عيني في إحداثية الرؤية الوهمية (سينما اللاوعي) بعض الصور المتحركة ، لي ولك ، ونحن نقف على شاطئ رملي عريض الاتساع ، ليس فيه من الأصوات غير صوت صرخات الموج المنتحر على الشاطئ ، وأصوات النوارس التي لا نراها. والسماء خالصة الزرقة وكأنها مرآة للبحر. شاطئ مليء بالأصداف وألعاب الأطفال الرملية ، خالٍ من نفايات المصطافين ، ومن خفر السواحل. نركض فيه حتى تنقطع أنفاسنا ، فيمد أحدنا الآخر بأنفاسه عبر قبلة طويلة الأجل ، قبلة تحمل نكهة البحر والرطوبة. بعينين مبتلتين بالرغبة والشوق.


    في إحداثيات البحر ثمّة دلافين تتقافز من بعيد تنادي علينا ، ثم تغطس مرةّ أخرى وكأنها تخالسنا النظر ثم تعود لتخبر صديقاتها الأخريات .. قبيلة من الدلافين في إحداثية داكنة الزرقة من البحر. ونحن لا نكترث كثيراً بكل هذا الضجيج الجميل.


    أفرش قميصي الكاروهات على الرمل لتجلسي عليه ، وأتمدد واضعاً رأسي على حجرك .. ناظراً إليكِ من الأسفل وأنت تداعبين شعري وتنظرين إليّ بنظرةٍ أكثر صفاءاً من وجه السماء الخالي من الغيوم (حب الشبّاب) !!


    نلعب كالأطفال بالرمل ، تصنعين تلّة صغيرة وتضعين على قمّتها بعض الأصداف ، وأهدّ التلّة برفسة من قدمي ، نتعلّم كيف نصنع من الرمل المبتل كريات صغيرة نتقاذف بها تماماً كما الأطفال عندما يفلتون من رقابة الكبار .. ثم ننزل إلى الماء ، بحر عذب غير مالح .. نغتسل فيه من الرمل العالق في أيدينا وفي الأجزاء الداخلية من ملابسنا ، ونتراشق بالماء .. أحملك بين ذراعي .. أفهم كيف أن الماء قد أبان لي استدارة نهدك كاملاً من وراء قميصك الـT-Shirt البمبي.



    هذا البحر على امتداده لا يخيف .. وبقعة الدلافين كالسراب تبتعد كلّما اقتربنا منها ، كأنها تستدرجنا إليها .. والنوارس التي ترافقنا في مشوارنا المتثاقل .. كأنها - بأصواتها المتعالية - (طقطاقات) في زفّة مائية!!



    عندها حبيبتي .. أجدني مبتسماً .. وأشعر ببرودة جميلة تدخل من بين أظافري كما يفعل الشيطان .. أيتها الفتاة التي لا تعرف غير الصفاء وتتقن الحنين .. أيتها التي تجعلني أشعر بأنني طفلها وماردها .. وتشعرني بأن بوصلة هذه الدنيا لا تتجه إلاّ غرباً حيث تكون. أيتها التي تخرجني من ملّة الاتجاهات لؤمن بوحدانية الاتجاه الذي هي فيه .. أن أسكن بين عينيها تاركاً هذا العالم يضيق كما يشاء ليتسع في عينيها بقدر ما أشتهي ... أيتها الفتاة التي تعني أمي وصديقتي وأختي وحبيبتي وابنة الجيران وكل النساء في دنياي .. عندما تختزل النساء في واحدة !!



    أحبك وأحب طعم قبلتك اللذيذة .. عندما تغمضين عينيك تاركة بين شفتك العليا والسفلى ما يكفي لكي أدخل من مجرى الهواء وأسكن كل الزوايا زاوية زاوية .. أتمدد كالماء المسكوب فأكون في كل خلاياكِ في وقتٍ واحد .. أتعلّم أن أكون داخلكِ هواءً تملئين به صدرك ولا أخرج .. أو دماءاً تزور الخلايا كل ساعة ولا أتخثر .. كم أتمنى يا حبيبتي أن أفتح كتاب تاريخك وأمزق بأسناني كل صفحة تحمل بقعة حبر غير مرغوب فيها .. كم أتمنى أن أكون لكِ كل شيء ، كما أنّك لي كل شيء.


    وإلى أن تتحقق الأمنيات أو حتى نتوقف عن التمني .. أتمنى أن تكوني بخير دائماً وبلّغي تحياتي الخالصة لأسرتك الكريمة ولأختك الصغرى والبقية.


    وصية:
    ألوي لي أرنبة أذن أختك الشقية .. وقولي لها : هشام يشتاق كثيراً لمناغشاتك ومشاغباتك
                  

05-14-2006, 04:37 PM

Rasha Hatim
<aRasha Hatim
تاريخ التسجيل: 05-01-2006
مجموع المشاركات: 1681

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)

    لا اريد ان افسد هذا السرد الجميل بالتداخل,

    واصل ولك حبنا,, "امانة ما تعبت ساعي البريد "
                  

05-15-2006, 10:02 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: Rasha Hatim)

    __________

    Quote: امانة ما تعبت ساعي البريد


    والله يا رشا
    البوسطجي كتلو زمااااااان ورجع تااااااااني صحا ...

    أشكرك على المرور وسلامي للأسرة

                  

05-15-2006, 12:59 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)

    ___________
    الرسالة التاسعة عشر:



    بالأمس .. بينما أنا أستعد للنوم ، طرق الباب .. فعرفت من صوت الطرق أنه جاري السكّير .. فتحت له فدخل وهو يتأفف .. كانت الرطوبة قد نالت منه على ما يبدو .. جلس وهو يتأمل أضواء السهّارة الزرقاء : يا عيني يود يا رومانسي !! في كل مرّة يعيد على مسامعي أنه معجب بغرفتي الصغيرة واعتنائي بها ، وكيف أنه بدأ يحسدني على (الدلع) الذي أدلّعه لنفسي .. في الغرفة التي بمساحة (5م × 4م) سريران وخزانة ملابس متوسطة الحجم .. ومكتبة ، ونافورة مياه صغيرة في إحدى الزوايا تضيء ليلاً .. وتحفة على شكل صدفة كبيرة بداخلها كرة زجاجية مضيئة وسهّارة. على الحائط صورة كبيرة لكِ .. وأعلى خزانة الملابس صورتان لي عندما كنت في جاكرتا .. وصورة صغيرة لأبناء أختي (حازم) و (حاتم) قبل أن يتعلّما نطق ( خالو ) جيداً .. وبعض الفواتير المتناثرة على صندوق هدايا صغير أضعه فوق التلفاز. الأرضية رخامية تتوسطها سجادة matching مع لون خزانة الملابس البنّية. على الجانب الأيمن لدى دخولك الغرفة توجد ثلاثة مآخذ كهربائية Plugs واحدة للإضاءة والثانية لجهاز الإستريو والثالثة أعلّق عليها لوحة مكتوب عليها بخط (الجلي كوفي) آية الكرسي ..



    أخرج علبة المياه المعدنية من الثلاجة ، وعلبته التي لا تفارقه من جيبه وبدأ بخلطته السرّية (نبيذ بنكهة السفن أب) .. وبدأ يشرب بينما تمددت على سريري وأنا أستمع إليه وهو يحكي لي عن أمنياته وأحلامه في هذه الحياة. أخبرني أنه لا يتمنى شيئاً من هذه الدنيا غير أن يهاجر إلى بلاد العم سام وبعد زغطة كبيرة قال :
    Sam calls me يا هشام ويجب أن ألبي النداء ... آآآآه لو يعرف عمّو سام أنا مشتاق ليهو قدر شنو!!

    كانت خطرفته ذلك اليوم عن تلك الأمنيات القديمة التي شعر أنها بدأت تتحقق عندما واتته فرصة الخروج من الوطن :

    حسيت إنو انطلاقتي حتكون من هنا .. من أرض الحرمين !!

    بدأ يحكي لي مغامرات أو (مجازفاته) الغريبة والمضحكة في سبيل خروجه من أرض الوطن :
    البلد طاردة يا هشام !!
    كانت هذه المتلازمة التي كان يختم بها قبل أن يحتسي كأسه في كل مرّة. حكى لي عن فتاة كانت تهيم به حباً .. وكيف أنه ظنّ أن الحياة ابتسمت له عندما رآها أول مرة. قال في سرّه : هذه هي الفتاة التي كنت أحلم بها. مال على شقّه الأيسر وهو يأرجح كأس النبيذ بيده:
    "ما أعجبني فيها أنها متعلّمة ، مثقفة .. دائماً كنت أحلم بفتاة تفهمني دون أن أتكلم .. تعرف من ملامح وجهي ماذا أريد .. فتاة لا تحوجني للكلام بقدر ما تحوجني للنعاس على صدرها !! نحن يا هشام أطفال بشوارب .. كلمة تودينا وكلمة تجيبنا .. تعبت من استهلاك العواطف والبحث عن شريكة. كم كنت أتمنى أن لو أغمض عيني ثم أفتحها لأراها ماثلة أمامي بشحمها ولحمها ، فتاة لا تشبه بقية الفتيات .. عندما وجدتها قلت أنني سوف لن أتركها أبداً .. قالت لي منذ البداية: لن أحوجك يا حبيبي لخوض معارك خاسرة فأنا أنثى تعرف حدود أنوثتها وأعرف حدودك عندي .. قالت لي : أريدك أن تتقبلني كما أنا ، دون أن تحاول تغييري. قالت لي : أريد فقط أن أعيش في سلام ..

    ابتسم بتثاقل وهو يرتشف كأسه :
    منذ اليوم الأول عرفت أنها تريد قطعة ديكور إضافية لمنزلها .. كنت أريدها كما هي .. ولكنها كانت تريد شخصاً لا تنطبق مواصفاته عليّ .. هي تريد رجلاً لا يتذكر رجولته إلا عندما تشاء ذلك ، رجلاً لا يغضب ولا يثور ولا يخرج من طوره حتى إذا دعته الضرورة إلى ذلك .. وابتسم ساخراً وهو يقول: يبدو أنها كانت تريد Snowman !! وبلسان أثقله السكر بالكاد سمعته يقول :customized واحد!!



    أحسست بمرارة في صوته وهو يتكلم ويحتسي كأسه الأخيرة بنهم .. لا أخفي عليكِ يا حبيبتي فقد شعرت بالخوف عليه .. هكذا هي الدنيا وهكذا هم الناس يا عزيزتي عندما يهون الناس في عيوننا تهون كل القيم الأخرى .. فيهون الحب وتصبح له اشتراطات : الرجال يريدون ماليكانات ، والنساء يردن خيالات مقاته !! أحدهم يريدها دمية باربي جميلة ، الآخر يريدها من النوع الذي لا ترتدي البنطلون ، وآخر يريدها من ذلك النوع الذي لا تتكلم إلا من وراء حجاب ، وآخرون يريدونها فقط بديلاً عن العادة السرية ، وآخرون لإرضاء أمهاتهم!! إحداهن تريده ثوراً تناطح به ، وأخرى تريده من النوع الذي لا يسأل كثيراً ، وأخريات يردن رجلاً ( حِمشاً ) ، وأخريات يردن رجلاً بديلاً عن ظل (الحيطة) يهربن به من لقب العنوسة ، وأخريات يرين في الرجال نجاحاً يضاف لنجاحاتهن ، وبعضهن يكرهن حتى رائحة الرجال!!!



    تذكرت وهو يحكي لي قصته القديمة قصةً أخرى لرجل تزوّج من إحدى الناشطات في حقوق المرأة ، كانت تتلو على مسامعه - كل يوم - مستجدات المؤتمرات النسائية الدولية .. فحفظها عن ظهر قلب .. قرأت له كتباً ومنشورات عن المساواة بين الرجل والمرأة وكيف أنهما متساويان أمام الله والقانون .. وليلاً عندما تسمع صوت أقدام توقظه : يا راجل قوم شوف مين اللي بره شكلو في حرامي .. مش إنتا الراجل؟!! يبدو أن النساء والرجال متساوون أمام الله والقانون ولكنهما لا يتساويان أمام (الحرامي) !!!



    هيييييي يا حبيبة .. الدنيا مليئة بالمتناقضات والمفارقات العجيبة .. كيف لي أن أفتح أعين الجميع عليكِ ليعلموا أي النساء أنتِ ؟ كيف لي !!!



    سألتقيكِ في الرسالة القادمة إذا شاء الله

                  

05-15-2006, 03:33 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)

    ________
    تلغراف سريع:

    دنيا عجب
    الناس يا بت عمي وشوش:
    - وش قزاز
    - ووش خشب
                  

05-16-2006, 11:02 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)

    _____________
    الرسالة العشرون (الأخيرة) :


    تحية خالصة لوجهه تعالى .. وبعد ،،،


    أبعث إليكِ برسالتي الأخيرة فربما لن أكتب إليكِ ثانية .. أفضّل أن أخبو كنار الشتاء المهجورة على مدافئ البيوت الخشبية .. التي لا يُسمع منها إلا طقطقة الخشب المحروق ، بينما أهلها ينامون في العِلّية. أفضّل السكوت على الكلام الجارح والمجروح .. والهمس على الصراخ في شارعٍ يعج بالصمّ .. أفضّل أن أموت مقتولاً عن أن أعيش قاتلاً مرتزقاً .. أن أعيش وحيداً عن أن تلتف حولي الأقنعة الزيف.



    بدأت يا حبيبتي أكفر بأصابعي وأنا أطيل النظر إليها وإلى مفاصلها المشروخة بالتجاعيد .. ونهايتها التي لم تزل محتفظة بلون حناء قديمة منذ زواج أختي الأخير. أكفر بها لأنها تخون العبارة كلما أمسكت قلماً له صهيل الحبر الجاف. بينما يؤمن البعض أن جرّة أقلامهم - كالعطس – أسهل ما يكون.



    أكتب إليكِ ولي منك ضحكات مارسناها ليلاً .. وأغنيات .. وأحاديث لا تنتهي .. عنّا وعن الناس والأشياء .. وكوميديا خيالاتنا التي لا يزال يرن صداها داخلي كلما أرهفت سمعي إلى صورتك المعلّقة فوق سريري الذي أنام عليه. أطوي كل ذلك وأضعه بعناية في حقيبتي وأغادر.



    أكتب إليكِ وأعلم أنه لا يقرأني أحد غيركِ .. وأتذكر تلك اللحظة الخجولة التي سمعت فيها صوتك لأول مرة .. وأنفاسك الخائفة .. وأنت تتلعثمين وترهقين قاموس اللغة بحثاً عن جملة مفيدة. وصوتي المخدوش بالذكريات المتعفّنة .. لون بشرتي الداكنة الذي يشابه تاريخ أوجاعنا القديمة. لم أسألك عن تاريخك لأنّ ما يخصني هو أنتِ عندما نبتِ على صحرائي كنخلةٍ ضد الجوع وضد العطش وضد الأشف وطقس الصحراء المتبلّد الأحاسيس.



    آآآآآه يا حبيبتي .. كم أحب أن أفضي إليك!!



    عرفت أنّك قرأت المقال الذي نشَرته الصحفية في المجلة الشهرية (العدد الأخير) .. ألم أقل لكِ يا حبيبتي أنها تتخذ من الجبال بيوتاً !! تتكلم عن الدين رغم أنها لا تكاد تحفظ سورتين على بعضهما ، وتتكلم عن الأدب واللغة بينما لا تكاد تفرّق بين التمييز والمفعول المطلق وليس لها نصيب من القراءة إلا الروايات المترجمة ، وتتكلم عن السياسة وذخيرتها ما تقرأه في الصحف اليومية كل صباح !! وهل أضاع الصحافة إلاّ أمثال هؤلاء يا حبيبتي !! أقول الحقيقة؟ لقد أصبحت أتحاشى عامودها الثابت حتى لا أصاب بالغثيان. الصحفيون الذين يظنون أنهم يمسكون بقرون الحقيقة والحكمة ، المؤمنون بأنهم قادرون على فعل ما لا تفعله عفاريت سليمان!!



    بالأمس .. بينما كنت أستعد لمغادرة مكتبي اتصلت بي أختي التي تكبرني بعامين (أم حازم) .. كانت تحمل لي أخباراً ظنّت بأنها سارة .. أخبرتني بأنها وجدت لي عروساً ( لُقطة ) بدأت تصفها لي وتحكي لي عنها : حلبية – طويلة - خريجة كلية الطب – جميلة – وست بيت ممتازة !! ، وأنا لا ألوي على شيء مكتفياً بوضع ابتسامة على شفتي ، وبعض الهمهمات التي تعني المتابعة. وبعد أن انتهت قلت لها في برود : (أنا عايز أكمّل قرايتي) !!! لها الله هذه الأخت الشفوق. تقول أنها تريد أن تطمئن عليّ لا سيما بعد أن عرفت خبر زواج صديقي من حبشية !! ما تزال أمي كذلك تكرر دعواتها لي ببنت الحلال بمناسبة وبدون مناسبة ، ووالدي أخبرني مؤخراً بأن فكرته الأساسية من الرحيل كانت رغبته في الحصول على منزل يتسع للمناسبات (السارة) سيما بعد أن ضاق بيتنا بالمدعوين في حفل زفاف أختي الصغرى.



    وأنا يا حبيبتي .. لا أريد شيئاً غير أن أنام محتضناً صورتك بالشيرت الأسود وتلك الابتسامة التي تجرح كآبتي بالألوان الفرائحية. غرباً حيث تطير أفئدة الناس أطير ، وحيث لا شيء سوى الأذان وأصوات المصلين ونحنحات الأطفال المشاغبين وأصوات حويصلات الحمامات المسالمة ، وأنتِ .. أبيعك قلبي بقبلتين وإردب ذكريات.



    أكتب إليك رسالتي الأخيرة يا حبيبتي .. وأعلم أنني لن أكفّ عن الكتابة عنك .. ورؤيتك في المنام .. وتلاوتك في صلواتي الليلية .. وأن أذكركِ لصديقي السكّير. أغادر علناً حرفة الكتابة على السطر لأكتفي بأن أكتب بين سطرين بقلم مغاير اللون.



    خلف ورقة الكالندر وجدت بيت شعر قديم (وكأنني أسمعه لأول مرة) :
    عين الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ * * * وعين السخط تبدي المساوئ

    عندها بدأت تتبدى لي الكثير من المواقف بشروحاتها ، لأجد تفسيراً لما لم أكن أجده له تفسيراً منطقياً .. عرفت لماذا تتغاضى الأمهات عن شيطنة أبنائهن ، بينما يجاهرن بكراهيتهن للأطفال (الشواطين) ، عرفت لماذا عندما يعطس البعض نضع مناديل الورق على أنوفنا ، بينما نسارع لتشميت البعض الآخر عندما يعطسون ، فهمت سرِ تصفيقنا للخطب العصماء من بعضهم ، بينما تشعرنا ذات الخطب بالملل والضجر عندما نسمعها من آخرين ، عرفت لماذا تراني تلك السيدة المتذاكية بوجهين رغم أن الذين حولها Multi-faces وهذا يفسّر لي سر تفضيل صديقتك للمنزل الجديد رغم أنه رديء التهوية كسابقه. فسّر لي كيف أن الكلام يكون بذيئاً من فم أحدهم في حين يكون نفس الكلام قطعة أدبية تدعو للإعجاب من آخر!!! إنها عنصرية (عين الرضا) وعلى هذا فقيسي .... !!



    آآآآآه يا حبيبة .. ما يحمله الصدر لا يحتمله اللسان. كم تمنيت أن لو استطعت أن أقتلع قلبي بيدي .. إذاً لنزعت منه تلك النكتة الملعونة التي توخز .. لا تخافي عليّ يا حبيبة فأنا كل يوم أتعوّذ من الجهل بالقراءة .. ولي من الذي لا يملكه الآخرون ما يكفيني لكي أكون ..



    ضحكت من كل قلبي عندما - في إحدى ليالي الشرقية الرطبة – شاهدت على قناة Dream 2 لقاءاً مع الدكتورة منى نوال فتحي .. عندما سألتها المذيعة الرقيقة عند فهمها في إضافة اسم والدتها فقالت: أنا فقط حاولت أن أعدّل المعوج ، لأننا جئنا من أم وأب فلماذا يذكر اسم الأب فقط!!! وتذكرت على الفور مقولة الشاعر :

    ليس الفتى من قال أبي * * * إنّ الفتى من قال هاأنا ذا

    ما أضحكني هو ثقتها بأنها كأنشتاين وأديسون وغاليليو وابن رشد وأولئك العظمى الذين (قلبوا) الواقع ، وغيّروا مجرى التاريخ. ماذا يهم إذا كان اسم أبي أو أمي أو كلاهما يتبع اسمي إذا كان اسمي نفسه لا شيء !!!! إنها حمى الأنثوية البغيضة الغارقة في بحر العسل ، ألم أقل بأنّ هنالك نساء يكرهن حتى رائحة الذكورة؟ يسميها أحدهم (دكتاتورية البوليتاريا الجندرية) ما علينا طالما أن الأمور تسير وفق ما شاءت الطبيعة.



    منذ أكثر من أسبوع وأنا أشتكي صداعاً يأتيني في مواعيد مختلفة ، ولا يزول إلا بعد أن يقضي مدّته التي يحددها هو .. أظنّ أنه من قلّة النوم أو المكوث لساعات أمام شاشة الكمبيوتر ،سأذهب اليوم إلى الطبيب ، رغم أني أكره الأطباء ورائحة المستشفيات علّ وعسى. فلا تقلقي ..



    أعذريني يا حبيبتي لأنني قررت التوقف عن مراسلتك .. ولكنها حتمية لا بد منها فلكل بداية نهاية ، ولا أحب أن أنتهي كهذا فجأة .. كوني بخير فهذا هو جلّ أملي



    مخلصكِ إلى الأبد
    هشام آدم محمد
    الثلاثاء 16 مايو 2006م

    (عدل بواسطة هشام آدم on 05-16-2006, 11:15 AM)

                  

05-16-2006, 02:34 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)

    __________

    الأخ بكري أبو بكر

    أتمنى منك نقل هذا البوست إلى المكتبة

    رجاء خاص
                  

05-17-2006, 01:16 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)

    _________
    أكرر طلبي
    بنقل البوست إلى المكتبة

    رجاء خاص
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de