دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2
|
___________ الرسالة الخامسة عشر:
هاهنا الحزن يأخذ شكل إنسان .. أو طير بلا أجنحة .. أو يغدو شبحاً يحوّم في زريبة الجسد المترهل. يدخل في شكل تثاؤب ويخرج في شكل تجاعيد. الحزن يا حبيبتي لا يعني بالضرورة البكاء ولا يشترط اقفهرار الوجه. هو إنما شيء كالروح يسكن في دواخلنا ويتغذى على ملامحنا ، شيء يراهن على سنوات العمر واستقامة الظهر. عندما ترى الأشياء ببعدٍ واحد ولون واحد ولا تجد في تلك الأشياء ذات الرائحة ولا الطعم. الحزن والألم أخوة في الرضاعة. الحزن يدخل على الوجوه الواجمة بكامل أناقته ويجلس القرفصاء. يمدد رجله اليسرى ، له طعم الزنجبيل برائحته الغريبة وطعمه الحارق غير القابل للذوبان.
لا يفوق حزني الآن إلاّ شوقي إليك ، ولا يعبرني شيء غير ملامحك المبتسمة (كما هي) بصورتها الكاملة والملوّنة ، وبقية الأشياء – كما قلت – تبهتُ أو تذوي. تتصاعد الأنفاس ساخنة أو فاترة من رئة أنهكها النيكوتين وأتربة العاصمة.
ذهبت إلى العاصمة بالأمس ، لم أخبر أحداً بذلك ، تفاجئوا بي وأنا أمامهم. حتى أنا لم أخطط لذلك إلاّ متأخراً. الطريق الصحراوية من هنا إلى العاصمة مدّت لسانها الإسفلتي في وجهي وكأن العاصمة تهرب مني. لا عليكِ .. فالحزانى سوداويو الرؤية دائماً. كانت الطريق طويلة على غير عادتها ، ورغم أني اعتدت فيما مضى على هذه الرحلة شبه الأسبوعية إلاّ أنها كانت رحلة بائسة هذه المرة. ولأول مرة لم أعد مكترثاً بارتقاب اللافتات المرورية التي على الطريق ، لم أهو حساب المسافة وهي تقصر كلما اتجهت غرباً. الشيء الوحيد الذي كنت أفعله بانتظام هو تعاطي التبغ و (قزقزة) التسالي.
الجميع بخير والحمد لله. أبي كان نائماً عند وصولي. هذه عادته دائماً ينام كالعصافير بعد صلاة العشاء والغريب أنه لا ينام إلاّ على أريكته الحصرية وهو يشاهد (الجزيرة) أو (العربية) مؤخراً. والدي روتيني قح ، لا يوتره إلاّ أن يطرأ على برنامجه اليومي طارئ.
أمي كانت تصبغ شعرها بالحناء بعد أن وضعت كيس النايلون على يديها مستخدمة فرشاة أسناني القديمة ورغم احترازها الشديد إلاّ أنها – في كل مرة – تضطر لتغيير ملابسها بعد أن تتسخ بالكامل. أختي الصغرى كانت على وشك النوم فاستيقظت لسماع صوتي. ما زالت تعاني من الاكتئاب المسكينة. أفرحها جداً أني أهديتها رواية لحنّا مينا وفي منتصف الكتاب تقريباً وضعت لها عملة ورقية من فئة الخمسمائة ريال. كم أشفق عليها كثيراً .. ليست هي الوحيدة التي أشفق عليها ، إنما أشفق على كل الفتيات اللواتي في مثل سنّها. هذه البلاد يا حبيبتي تقتل فينا أشيائنا الجميلة ، تقتل فينا حاسة تذوق الحياة والتمتع بها. ما ذنبها وهي ذات الثلاثين خريفاً أن تصبح كامرأة في الخمسين ، لا تكاد تقدر على شيء. كلنا في الهم مطحونون يا حبيبتي .. غير أني لا أبالي بنفسي كثيراً فأنا بدأت أعتاد على ذلك. ولكنها – أختي – لا تستحق ، فهي فتاة طيبة تحب المزاح كثيراً.
يسمونها (فنديقة) لأنها قصيرة كالفندي. والفندي في لغتنا وتد مدبب في أوله يستخدمه المزارعون والنساء لربط بهيمة الأنعام. غير أنها عندما كانت صغيرة حرّفت – ببراءة الأطفال – اسمها من (فنديقة) إلى (فنّيبة) فأصبح اسمها إلى يومنا هذا ، وهي أقصرنا قامة وأطولنا ابتسامة ووداعة. لها الله هذه الفنّيبة ليتني أستطيع مساعدتها ولو بالقليل. لا تعلمين كم شعرت بالسعادة الغامرة وهي تخلط ابتسامتها الأنثوية الجميلة بدمعة أخوية رقيقة عندما اكتشفت النقود بين صفحات الرواية. أحسست عندها أنني أضفت إلى عمرها عامين أو يزيد.
في الصباح .. بينما والدي يتجهّز لصلاة الجمعة، أسرّت لي أمي بشيء، فقد أخبرتني وهي لا تكاد تقلع عن الفرحة الطازجة أن أختي التي تزوجت مؤخراً ..قد تحمل في بطنها جنيناً عن قريب!! هي لم تخبر أبي ولا حتى شقيقتي .. ولكنها تدري أنني سوف أفرح بهذا الخبر أيما فرح .. عندها لا أدري .. تذكرتك عندما أخبرتني عن مكالمتك بها وكيف أن صوتها الذي بنكهة البن التركي كان يوحي لك بصداقة وشيكة بينكما ، وكأن هذا كان بالأمس فقط. ربما كان ذلك هو أكثر ما أفرحني في رحلتي الأخيرة إلى العاصمة ، وما عداه كان روتينياً لا يحمل الجديد.
عني .. فأنا بخير. ولا ينقصني شيء إلا رؤيتك الغالية والتي أتمناها على الدوام. كوني بخير حبيبتي .. فأنتِ الجانب الوحيد المضيء في هذه اللوحة المسماة (حياتي). كم أتمنى يا حبيبتي أن لو أستطيع أن أفرحك كما أفرحت شقيقتي. كم أتمنى أن أراكِ لا تغادركِ الابتسامة. كم أتمنى أن لو أقدر أن أختطف النجوم من السماء – هكذا عنوة – وأجعل منها خرزات قلادة تعلقينها على جيدك البض. كم أتمنى أن لي ملك سليمان وعصا موسى إذاً لسخرتهما فيما يجعلك سيدة العالم ، مليكة على عرشٍ لا تلمسه الأيدي ، ولا تطاله الأمنيات. ولكنها تظل محض أمنيات .. ألا قطع الله اليد القصيرة.
إلى خطاب آخر حبيبتي .. وفي انتظار ردك على هذه الرسالة. لك من التحايا ما يليق بك.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)
|
__________ الرسالة السادسة عشر:
وما زلت يا حبيبتي في دوائر الأحزان أمارس هواية النساء العواجيز ، أفلت بكرة خيط ملوّنة ثم أعود ألملمها مرة ثانية. أنسج كنزة من الصوف بحجم كف ثم أعود أحرر الصوف من العقد. وبين كل فتلة وأخرى نفس شهقة مرعبة لا تخرج إلا عندما تكتمل الدورة التنفسية! الأفق صار أقرب من جدار غرفتي الصغيرة ، هذا يعني أنني في نهاية العالم أو مبتداه. أنا لم أعد كسابق عهدي على أي حال. تتناوشني مناقير الذكريات تنهش جلدي وتترك اللحم ! لست أدري على وجه الدقة ماذا أريد.
قبل أيام أوقفني شرطي بينما أنا أعبر الشارع إلى الجهة الأخرى عائداً من عملي بعد العاشرة مساءً . سألني عن هويتي ، فناولتها له في برودٍ روتيني ، وضع الهوية إلى جواره ثم قال لي اركب معنا. إنها سفينة نوح التي لا تحمل معها من كل جنسية إلا زوجاً واحداً. أردت أن أسأله عن السبب أردت أن أعترض ، ولكنني ركبت معهم بكل خشوع ، فلا طائل من الكلام ولم تكن لي رغبة في (المناكفة) فأشرطته اللامعة التي يعلّقة على كتفه كفيلة بأن تنهي الحوار لصالحه. نحن يا حبيبتي في هذه محض (أجانب) رغم أننا أفصح منهم لساناً !! وفي مخفر الشرطة جلست على كرسي خشبي طويل أزرق اللون. مخفر الشرطة عالم مجنون تماماً كعالم الخارجي ، غير أنه أشد دكنة أو زرقة. بعد ساعة مرّ عليّ أحدهم (شرطي فضولي) سألني بلهجته التي تشبه إلى حد بعيد صوت اصطكاك باب حديد قديم : وش عندك؟ فرفعت رأسي – في خشوع - : لا أدري !! حاول الشرطي أن يستشف من ملامحي علامات استخفاف غير أنّه لم يجد غير وجه بائس حزين ومتعب ، فانصرف.
بعد ساعة أخرى ، جاء (كبيرهم الذي علّمهم السحر) دخل فوقف الجميع ، إلا (الأجانب) قال بصوتٍ آمر: أدخلهم الواحد تلو الآخر. ولأن (الأجانب) مصنّفون في هذه البلاد حسب أبجدية اللغة العربية فقد كنت أولهم. دخلت عليه لأجده شاباً لا يتجاوزني إلا بسنتين على الأكثر. رفع عينيه دون أن يرفع رأسه وسألني نفس السؤال بنفس النبرة الحديدية : وش عندك؟ فأجبته نفس الإجابة ، غير أنه أعاد السؤال ، فأخبرته أنني كنت في طريقي إلى البيت عائداً من عملي ، فالتقطتني سيارة الشرطة دون أن أعرف سبباً لذلك. عندها أمر بالشرطي وسأله عن مخالفتي فقال له : إقامته منتهية !!! تفحّص الضابط هويتي جيداً فلم يجدها كذلك .. فقال بكل سماجة: الله يهديك بس .. التجديد في الورقة من الخلف !! سلّمني الضابط هويتي وهو يقول بذات السماجة: اتوكل ع الله يا زول !!! هكذا بكل هذه البساطة؟ كانت الساعة تدق الواحدة صباحاً وأنا لم أنم ولم أرح جسدي منذ أن استيقظت صباحاً عند الساعة السابعة. عقدة الحكاية أنه كان عليّ أن أعود على قدمي حيث يندر مرور عربات الأجرة في ذلك المكان.
أتعرفين ماذا يعني هذا يا حبيبتي؟ يعني أننا في هذه البلاد محض دمى لها ورق ثبوتيّة. وقتنا لا قيمة له عندهم، كرامتنا لا قيمة لها عندهم، نحن أنفسنا لا قيمة لنا عندهم. وجدتني عندها أتدحرج في دائرة حزنٍ أكبر. اكتشفت في نهاية الأمر أن الشرطي (أصلحه الله) كان يمسك بهويتي بالمقلوب فلم يتمكن من قراءة التاريخ الصحيح. لا بد أن اللوم يقع عليّ دون شك كان يجب أن أعطيه الهوية من الجهة الصحيحة.
عدت إلى غرفتي ولا ألوي على شيء .. حتى أنني لم أشأ أن أتذكر تفاصيل ما حدث ، كل ما أردت أن أفعله هو أن أضبط ساعتي وأنام حاضناً صورتك التي أنزلتها من الجدار فوق سريري.
في الصباح كان كل شيء يعيد ترتيب نفسه ، الألوان .. الروائح .. الوقت .. الطقس .. زجاج نافذتي الذي شاب بفعل الرطوبة .. كل شيء إلاّ أنا وأنت داخلي!! قلت في نفسي : طالما أننا لا نتغيّر فهذا يعني أن عنصر الإناسة داخلنا مازال يعمل ولم يتعطّل بعد. فحمدت الله سراً وخرجت.
عن الخبر السار الذي وعدتك به ، فلقد ضاع الحلم كما يضيع الزبد في الماء يا حبيبتي .. وبلغة المحاكم (يظل الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء) ولا راد لقضاء الله !!! لا بأس فمازال عنصر الإناسة حياً يرزق داخلنا .. ولن يخبو الأمل حتى تفارق الروح هذا الجسد.
تحياتي إلى أسرتك الكريمة وإلى الجميع .. وإليكِ قبلاتي الحارة والأشواق الطازجة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)
|
___________ الرسالة السابعة عشر:
تحية عاطرة .. وبعد ،،،
الأمنيات الجميلة التي تمرّ مرّة في كل عام ، وتحديداً في عيد رأس السنة ، تبدأ كبيرة بحجم الآمال وحجم فرقعات الألعاب النارية وفرحة الأطفال ، ثم تبدأ – كلوح الثلج – بالذوبان يوماً بعد يوم خلال العام. لتختفي تماماً قبل رأس السنة الجديدة. لتعود دورة الأمنيات مرّة أخرى بالتجدد.
في كل عام يا حبيبتي تنسلخ جلودنا القديمة التي ضاقت بنا ، وتنمو جلود أخرى لتضيق هي الأخرى مع نهاية العام. في كل عام يا حبيبتي .. يولد الأطفال ، ويموت الأصدقاء. وفي نهاية كل عام لا نعود نتذكر فرحتنا بمن أتوا ولا حزننا على من رحلوا. ونحن بين الحزن وبين الأمل نموت كل يوم. تمتلئ صدورنا بالحزن كما بالأوكسجين.
هنا – على ظهر هذه الأرض يا حبيبتي - لا يعيش إلاّ السيئون ، بينما تمرّ قوافل الراحلين محمّلة بروائح الطيّبين والبسطاء والرائعين آخذين معهم ما خبأته عيونهم اللامعة من بريقٍ يحمل سرّ خارطة الجزر السعيدة. جزر لا تراها إلاّ عيونهم .. يرونها رؤيا العين ، بينما نلهث نحن وراء خارطةٍ خطأ. أو نتيه في الطريق إليها ولا نصل.
الموتى .. وأرواحهم التي تحوّم على رؤوس البيوت ليلاً .. والنسائم التي تحمل رائحة الموت وصورة الأسلاف التي يقطع نصفها العلوي شريط أسود قاتم ، وصرخات أرواح النائمين ، وصوت دعوات الأمهات اللائي لا ينمنَ ، وحوقلات الرجال القابضين على أطراف الأسرّة الخاوية إلاّ من وسادتين! هذا كل ما نملك من تحويشة الزمن لزمنٍ آخر قادمٍ لا محالة. لا تفرحي يا حبيبتي إن طال عمري ، فهنا على هذه الأرض لا يعيش إلاّ السيئون كما قلت!
كلنا يخبأ في جيبه – من حيث لا يدري – كومة من الحزن والخوف وكأنهما مادة الحياة وسرّ هذه الأنفاس المتصاعدة والحمى التي لا تزول بصادق الدعوات! لا ترقيني إلاّ بغنوة هادئة ولمسة من يديكِ يا يسوعية المسح. ويا حبذا قبلة على حين غفلة. آآآآهٍ كم أشتاق أن أسمع صوتك الآن !!!
حزينة هذه الرسالة ، أليس كذلك؟ كذلك أنا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)
|
____________ الرسالة الثامنة عشر:
عندما يعتدل المزاج . . تمر أمام عيني في إحداثية الرؤية الوهمية (سينما اللاوعي) بعض الصور المتحركة ، لي ولك ، ونحن نقف على شاطئ رملي عريض الاتساع ، ليس فيه من الأصوات غير صوت صرخات الموج المنتحر على الشاطئ ، وأصوات النوارس التي لا نراها. والسماء خالصة الزرقة وكأنها مرآة للبحر. شاطئ مليء بالأصداف وألعاب الأطفال الرملية ، خالٍ من نفايات المصطافين ، ومن خفر السواحل. نركض فيه حتى تنقطع أنفاسنا ، فيمد أحدنا الآخر بأنفاسه عبر قبلة طويلة الأجل ، قبلة تحمل نكهة البحر والرطوبة. بعينين مبتلتين بالرغبة والشوق.
في إحداثيات البحر ثمّة دلافين تتقافز من بعيد تنادي علينا ، ثم تغطس مرةّ أخرى وكأنها تخالسنا النظر ثم تعود لتخبر صديقاتها الأخريات .. قبيلة من الدلافين في إحداثية داكنة الزرقة من البحر. ونحن لا نكترث كثيراً بكل هذا الضجيج الجميل.
أفرش قميصي الكاروهات على الرمل لتجلسي عليه ، وأتمدد واضعاً رأسي على حجرك .. ناظراً إليكِ من الأسفل وأنت تداعبين شعري وتنظرين إليّ بنظرةٍ أكثر صفاءاً من وجه السماء الخالي من الغيوم (حب الشبّاب) !!
نلعب كالأطفال بالرمل ، تصنعين تلّة صغيرة وتضعين على قمّتها بعض الأصداف ، وأهدّ التلّة برفسة من قدمي ، نتعلّم كيف نصنع من الرمل المبتل كريات صغيرة نتقاذف بها تماماً كما الأطفال عندما يفلتون من رقابة الكبار .. ثم ننزل إلى الماء ، بحر عذب غير مالح .. نغتسل فيه من الرمل العالق في أيدينا وفي الأجزاء الداخلية من ملابسنا ، ونتراشق بالماء .. أحملك بين ذراعي .. أفهم كيف أن الماء قد أبان لي استدارة نهدك كاملاً من وراء قميصك الـT-Shirt البمبي.
هذا البحر على امتداده لا يخيف .. وبقعة الدلافين كالسراب تبتعد كلّما اقتربنا منها ، كأنها تستدرجنا إليها .. والنوارس التي ترافقنا في مشوارنا المتثاقل .. كأنها - بأصواتها المتعالية - (طقطاقات) في زفّة مائية!!
عندها حبيبتي .. أجدني مبتسماً .. وأشعر ببرودة جميلة تدخل من بين أظافري كما يفعل الشيطان .. أيتها الفتاة التي لا تعرف غير الصفاء وتتقن الحنين .. أيتها التي تجعلني أشعر بأنني طفلها وماردها .. وتشعرني بأن بوصلة هذه الدنيا لا تتجه إلاّ غرباً حيث تكون. أيتها التي تخرجني من ملّة الاتجاهات لؤمن بوحدانية الاتجاه الذي هي فيه .. أن أسكن بين عينيها تاركاً هذا العالم يضيق كما يشاء ليتسع في عينيها بقدر ما أشتهي ... أيتها الفتاة التي تعني أمي وصديقتي وأختي وحبيبتي وابنة الجيران وكل النساء في دنياي .. عندما تختزل النساء في واحدة !!
أحبك وأحب طعم قبلتك اللذيذة .. عندما تغمضين عينيك تاركة بين شفتك العليا والسفلى ما يكفي لكي أدخل من مجرى الهواء وأسكن كل الزوايا زاوية زاوية .. أتمدد كالماء المسكوب فأكون في كل خلاياكِ في وقتٍ واحد .. أتعلّم أن أكون داخلكِ هواءً تملئين به صدرك ولا أخرج .. أو دماءاً تزور الخلايا كل ساعة ولا أتخثر .. كم أتمنى يا حبيبتي أن أفتح كتاب تاريخك وأمزق بأسناني كل صفحة تحمل بقعة حبر غير مرغوب فيها .. كم أتمنى أن أكون لكِ كل شيء ، كما أنّك لي كل شيء.
وإلى أن تتحقق الأمنيات أو حتى نتوقف عن التمني .. أتمنى أن تكوني بخير دائماً وبلّغي تحياتي الخالصة لأسرتك الكريمة ولأختك الصغرى والبقية.
وصية: ألوي لي أرنبة أذن أختك الشقية .. وقولي لها : هشام يشتاق كثيراً لمناغشاتك ومشاغباتك
| |
|
|
|
|
|
|
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)
|
___________ الرسالة التاسعة عشر:
بالأمس .. بينما أنا أستعد للنوم ، طرق الباب .. فعرفت من صوت الطرق أنه جاري السكّير .. فتحت له فدخل وهو يتأفف .. كانت الرطوبة قد نالت منه على ما يبدو .. جلس وهو يتأمل أضواء السهّارة الزرقاء : يا عيني يود يا رومانسي !! في كل مرّة يعيد على مسامعي أنه معجب بغرفتي الصغيرة واعتنائي بها ، وكيف أنه بدأ يحسدني على (الدلع) الذي أدلّعه لنفسي .. في الغرفة التي بمساحة (5م × 4م) سريران وخزانة ملابس متوسطة الحجم .. ومكتبة ، ونافورة مياه صغيرة في إحدى الزوايا تضيء ليلاً .. وتحفة على شكل صدفة كبيرة بداخلها كرة زجاجية مضيئة وسهّارة. على الحائط صورة كبيرة لكِ .. وأعلى خزانة الملابس صورتان لي عندما كنت في جاكرتا .. وصورة صغيرة لأبناء أختي (حازم) و (حاتم) قبل أن يتعلّما نطق ( خالو ) جيداً .. وبعض الفواتير المتناثرة على صندوق هدايا صغير أضعه فوق التلفاز. الأرضية رخامية تتوسطها سجادة matching مع لون خزانة الملابس البنّية. على الجانب الأيمن لدى دخولك الغرفة توجد ثلاثة مآخذ كهربائية Plugs واحدة للإضاءة والثانية لجهاز الإستريو والثالثة أعلّق عليها لوحة مكتوب عليها بخط (الجلي كوفي) آية الكرسي ..
أخرج علبة المياه المعدنية من الثلاجة ، وعلبته التي لا تفارقه من جيبه وبدأ بخلطته السرّية (نبيذ بنكهة السفن أب) .. وبدأ يشرب بينما تمددت على سريري وأنا أستمع إليه وهو يحكي لي عن أمنياته وأحلامه في هذه الحياة. أخبرني أنه لا يتمنى شيئاً من هذه الدنيا غير أن يهاجر إلى بلاد العم سام وبعد زغطة كبيرة قال : Sam calls me يا هشام ويجب أن ألبي النداء ... آآآآه لو يعرف عمّو سام أنا مشتاق ليهو قدر شنو!!
كانت خطرفته ذلك اليوم عن تلك الأمنيات القديمة التي شعر أنها بدأت تتحقق عندما واتته فرصة الخروج من الوطن :
حسيت إنو انطلاقتي حتكون من هنا .. من أرض الحرمين !!
بدأ يحكي لي مغامرات أو (مجازفاته) الغريبة والمضحكة في سبيل خروجه من أرض الوطن : البلد طاردة يا هشام !! كانت هذه المتلازمة التي كان يختم بها قبل أن يحتسي كأسه في كل مرّة. حكى لي عن فتاة كانت تهيم به حباً .. وكيف أنه ظنّ أن الحياة ابتسمت له عندما رآها أول مرة. قال في سرّه : هذه هي الفتاة التي كنت أحلم بها. مال على شقّه الأيسر وهو يأرجح كأس النبيذ بيده: "ما أعجبني فيها أنها متعلّمة ، مثقفة .. دائماً كنت أحلم بفتاة تفهمني دون أن أتكلم .. تعرف من ملامح وجهي ماذا أريد .. فتاة لا تحوجني للكلام بقدر ما تحوجني للنعاس على صدرها !! نحن يا هشام أطفال بشوارب .. كلمة تودينا وكلمة تجيبنا .. تعبت من استهلاك العواطف والبحث عن شريكة. كم كنت أتمنى أن لو أغمض عيني ثم أفتحها لأراها ماثلة أمامي بشحمها ولحمها ، فتاة لا تشبه بقية الفتيات .. عندما وجدتها قلت أنني سوف لن أتركها أبداً .. قالت لي منذ البداية: لن أحوجك يا حبيبي لخوض معارك خاسرة فأنا أنثى تعرف حدود أنوثتها وأعرف حدودك عندي .. قالت لي : أريدك أن تتقبلني كما أنا ، دون أن تحاول تغييري. قالت لي : أريد فقط أن أعيش في سلام ..
ابتسم بتثاقل وهو يرتشف كأسه : منذ اليوم الأول عرفت أنها تريد قطعة ديكور إضافية لمنزلها .. كنت أريدها كما هي .. ولكنها كانت تريد شخصاً لا تنطبق مواصفاته عليّ .. هي تريد رجلاً لا يتذكر رجولته إلا عندما تشاء ذلك ، رجلاً لا يغضب ولا يثور ولا يخرج من طوره حتى إذا دعته الضرورة إلى ذلك .. وابتسم ساخراً وهو يقول: يبدو أنها كانت تريد Snowman !! وبلسان أثقله السكر بالكاد سمعته يقول :customized واحد!!
أحسست بمرارة في صوته وهو يتكلم ويحتسي كأسه الأخيرة بنهم .. لا أخفي عليكِ يا حبيبتي فقد شعرت بالخوف عليه .. هكذا هي الدنيا وهكذا هم الناس يا عزيزتي عندما يهون الناس في عيوننا تهون كل القيم الأخرى .. فيهون الحب وتصبح له اشتراطات : الرجال يريدون ماليكانات ، والنساء يردن خيالات مقاته !! أحدهم يريدها دمية باربي جميلة ، الآخر يريدها من النوع الذي لا ترتدي البنطلون ، وآخر يريدها من ذلك النوع الذي لا تتكلم إلا من وراء حجاب ، وآخرون يريدونها فقط بديلاً عن العادة السرية ، وآخرون لإرضاء أمهاتهم!! إحداهن تريده ثوراً تناطح به ، وأخرى تريده من النوع الذي لا يسأل كثيراً ، وأخريات يردن رجلاً ( حِمشاً ) ، وأخريات يردن رجلاً بديلاً عن ظل (الحيطة) يهربن به من لقب العنوسة ، وأخريات يرين في الرجال نجاحاً يضاف لنجاحاتهن ، وبعضهن يكرهن حتى رائحة الرجال!!!
تذكرت وهو يحكي لي قصته القديمة قصةً أخرى لرجل تزوّج من إحدى الناشطات في حقوق المرأة ، كانت تتلو على مسامعه - كل يوم - مستجدات المؤتمرات النسائية الدولية .. فحفظها عن ظهر قلب .. قرأت له كتباً ومنشورات عن المساواة بين الرجل والمرأة وكيف أنهما متساويان أمام الله والقانون .. وليلاً عندما تسمع صوت أقدام توقظه : يا راجل قوم شوف مين اللي بره شكلو في حرامي .. مش إنتا الراجل؟!! يبدو أن النساء والرجال متساوون أمام الله والقانون ولكنهما لا يتساويان أمام (الحرامي) !!!
هيييييي يا حبيبة .. الدنيا مليئة بالمتناقضات والمفارقات العجيبة .. كيف لي أن أفتح أعين الجميع عليكِ ليعلموا أي النساء أنتِ ؟ كيف لي !!!
سألتقيكِ في الرسالة القادمة إذا شاء الله
| |
|
|
|
|
|
|
|