فعل التفلسف ليس فعلاً احتكارياً على فئة أو نخبة، إنما هو بالقدر الضئيل من المعرفة والتأمل. في اعتقادي أنّ ما يجعل الفلسفة علماً بعيداً عن اهتمامنا هو ميل الكثير من الكتب الفلسفية لاستخدام المصطلحات المعقدة التي توحي للناس أنّ هذا العلم يتطلب مهارات خاصة لاستيعابه والتفاعل معه. رغم أنّ هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق. والحقيقة أنّ الفلسفة البرجوازية تحاول اصطناع ذلك في محاولة منا لإبقاء العوام في جهالة من تقبّل الفلسفة والخوض فيها لأن فيها (وهم يعلمون ذلك جيداً) مشروعاً لعقول متفتحة وعارفة بكوامن الأمور أو على الأقل وعيها ومن ثم مناقشتها.
فيما يلي أحاول تناول مفهوم الفلسفة بشيء من التبسيط دون إخلال، وأرجو أن أكون موفقاً في ذلك.
(عدل بواسطة هشام آدم on 01-07-2008, 07:34 AM) (عدل بواسطة هشام آدم on 01-07-2008, 07:35 AM)
01-07-2008, 08:19 AM
abubakr salih
abubakr salih
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 8834
مناهج التعليم العام فى السودان تعانى قصور عظيم فى شتى المناحى و اخيرا اصيبت بنكبة التدجين الايدلوجى الاسلاموى و ذى ما بيقولوا اهلنا "هو فى البئر و وقع فيهو فيل" ابرز مظاهر هذا القصور فى رائى يتمثل فى غياب تدريس الفلسفة كاحد المقررات الدراسية فى المدارس الثانوية خاصة فى المساق الادبى، اذا توجد بعض التجارب الناجحة لتدريس الفلسفة فى المدارس الثانوية فى بعض الدول العربية مثل مصر و تونس و المغرب على ما اعتقد. هذا الغياب اثر كثيرا فى تكوين وعى المتعلمين السودانيين و ضيّق عليهم "شُباك" النظر فى قضايا العالم " المــادى و الاجتماعى" من حولهم، و ضيّع عليهم فرصة الحصول على مبأدى بسيطة فى التفكير كانت من المكن ان تعينهم على التبصر فى مشاكل الدنيا ام بنايا قش! و بالتالى اصبح اى مجهود معرفى فى هذا المجال يعتمد على المحاولة و المجهود الفردى او التخصص الاكاديمى العديل و الفلسفة قراية ما بتأكل عيش فى السودان، رغم انها بتدخل فى اكل العيش و المعايش و حلة الملاح
المهم يا اخوى الله يعينك و يوفخيك ..و لى قدام اٍنا لك من المشجعين
01-07-2008, 09:43 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
أوافقك الرأي تماماً فيما ذهبت إليه من أهمية إدراج الفلسفة في المناهج الدراسية لاسيما المرحلة الثانوية، أسوة بعلم النفس الذي دخل في المناهج التربوية لبعض الدول العربية مؤخراً. هنالك عزيزي أبوبكر تهميش بيّن وواضح للفلسفة رغم ما لها من أهمية بالغة في فهم وتفسير كثير جداً من الظاهرات الاجتماعية، ورغم ارتباط الفلسفة بالعلوم ذلك الارتباط الوثيق إلا أنّ الدعاية البرجوازية تحاول دائماً إظهار الفلسفة وكأنها علم هامشي لا دور أساسي له. والعكس كما قلنا هو الصحيح تماماً، وكما قلت أنت فإنه يدخل تماماً في أكل العيش والمعايش وحلّة الملاح .
لذا فإنني سوف أعمد إلى التبسيط بحيث يستطيع القارئ فهم واستيعاب واكتشاف سهولة هذا العلم وكيفية الاستفادة منه بقدر ما أستطيع. أشكرك وأشكر لك دعمك المقدّر.
01-07-2008, 11:24 AM
محمد الأمين موسى
محمد الأمين موسى
تاريخ التسجيل: 10-30-2005
مجموع المشاركات: 3470
أخي الفاضل هشام آدم.. أشكرك كثيرا على الإطلالة من هذه كوة الفلسفة على تفكيرنا كسودانيين.. ذلك أن عدم القدرة على التفلسف يعني بالضرورة الابتعاد عن الحكمة، ويعني تبسيط الأمور تبسيطا مخلا، ويعني مهارات ضعيفة في الجدل والحجاج، ويعني الكسل الفكري الذي يقعد الإنسان ويحرمه متعة التساؤل والرؤية عبر عدسات النسبية.. ولكن أرى أن جهدك يتطلب مبادرة من الطرف الآخر - المتلقي، لأن تبسيط الفلسفة يحتاج إلى جهد في التلقي. إن تبسيط الفلسفة لن يفيد إلا كطعم لحث الدماغ وإرغامه على الاشتغال، ذلك أن الفلسفة لا تتورع في التغلغل في كل العلوم ابتغاء محاولة فهم ما يجري في الكون... نحمد الله أننا درسنا في المغرب حيث الفلسفة - على قول الجاحظ - ملقاة في الطريق.. متعة الفلسفة لا تضاهى. أتمنى لك التوفيق في هذه المحاولة المقدرة.
01-07-2008, 11:54 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
بالطبع لا أطرح نفسي أستاذاً، ولكنني أتوقع أن تفجّر هذه الأطروحة مزيداً من النقاشات الجادة والممتعة بعيداً المماحكات غير الخلاقة. بعدنا يا عزيزي عن الفلسفة – في رأيي – هو أحد الأسباب الرئيسية في صراعاتنا اللاموضوعية وعدم وضوح الرؤية لدينا سواء في القضايا الاجتماعية أو السياسية أو حتى الأدبية منها. الفلسفة تتيح لنا فهم أبعاد هذه الأمور بصورة أكثر وضوحاً، ومن لا يملك نصيباً من الفلسفة لا يملك أيّ شيء. هي إنما دعوة للتفلسف وتعاطي الفلسفة بطريقة ميسّرة وبسيطة لتكون في متناول الجميع لأنني أؤمن بأن الفلسفة مخرجنا الوحيد للنور والحقيقة، وبأنها للجميع وليست حكراً على طبقة مثقفين أو مستنيرين. سوف أشرع غداً بتناول أول باب في هذا الموضوع، والفرصة متاحة للجميع للنقاش بكل تأكيد.
01-08-2008, 05:53 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
هـل الفلسفة صعبة؟ يعتقد الكثيرون أن دراسة الفلسفة شيء صعب ويتطلب مهارات وقدرات ومعارف خاصة، وفي الحقيقة فإن الطريقة التي صيغت بها الكتب البرجوازية حول الفلسفة كانت تعمل على تثبيت هذه المعلومات الخاطئة في الأذهان. وبشكل عام فإن دراسة العلوم بشكل عام لابد أنها لها بعض الصعوبات وكذلك دراسة الفلسفة، ولكن وبكل تأكيد فإن هذه الصعوبات قابلة جداً للتذليل. لأن منبع الصعوبة يكمن في أن الفلسفة تناقش وتدرس وتطرح أشياء جديدة بالنسبة للكثيرين. لذلك فإننا منذ البداية سنحاول إعادة النظر في بعض التعريفات المغلوطة في اللغة المتداولة، وذلك كمنهج لتذليل أولى الصعوبات التي تواجه دارس الفلسفة أو المتعاطي معها.
السؤال البديهي الذي لابد لدارس الفلسفة أن يطرحه على نفسه هو (ما الفلسفة؟) وهنالك العديد من الكتب الفلسفية وغيرها تناولت باقتضاب أو بإسهاب تعريف الفلسفة، حتى أنّ تعريف الفلسفة أصبح من أكثر التعريفات الشائعة، لدى الدارسين، ولكن ما تزال هنالك فكرة عالقة في أذهان البعض أن كلمة (الفيلسوف) تعني الإنسان الغارق في الخيال والتأملات أو أنه شخص حكيم متفائل وبالتالي فإنه لا يحمل أي هـمّ . والواقع أن العكس تماماً هو الصحيح. فالفيلسوف هو الذي يبحث (بشكل دائم) عن إجابات دقيقة لبعض الأسئلة. وإذا كنا نعتبر أن الفلسفة تريد إعطاء تفسير لمشاكل وظواهر الكون كالأسئلة الفلسفية المعروفة (كيف وجد الكون؟ كيف سينتهي؟ ... إلخ) فذلك يعني أن الفيلسوف يهتم بكثير من الأشياء وأنه على عكس ما يشاع (يحمل هماً كبيراً).
لتعريف الفلسفة ببساطة نقول إذن : إن الفلسفة علم يريد شرح الكون والطبيعة دراسة المشكلات الأكثر عمومية لأن المشكلات الأقل عمومية تدرسها العلوم. فالفلسفة إذن هي امتداد للعلوم بمعنى أنها ترتكز عليها وتتعلق بها. ومن خلال العديد من الأطروحات الفلسفية لتقديم إجابات دقيقة لمشكلات وظواهر الكون توصل الفلاسفة على مـرّ العصور إلى طريقتين في ذلك. الطريقة المادية والطريقة المثالية. وهنا سوف نتكلم عن كل طريقة أو مذهب (كما تم الاتفاق على تسميتها) على حدا.
01-08-2008, 07:37 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
الفلسفة كما قلنا هي دراسة المشكلات الأكثر عمومية وأن هدفها هو شرح العالم والطبيعة والإنسان بالضرورة. ورغم هذا التبسيط فإن الكثيرين منا يعتقدون أن دراسة الفلسفة صعبة وربما كانت هذه الصعوبة ناجمة كذلك عن تنوع واختلاف المدارس الفلسفية. هذه الكثرة بالتأكيد تخلق نوعاً من الإرباك والغموض. والأمر بكل بساطة أن هنالك تيارين أساسيين في الفلسفة أو يمكن أن نسميهما "تصورين" متعارضين هما:
1- التصور العلمي للعالم 2- التصور اللاعلمي للعالم
فعندما بدأ الفلاسفة تفسير العالم والطبيعة والإنسان وكل ما يحيط بنا كان عليهم أن يقيموا تمايزات. نحن أيضاً نستطيع أن نتحقق من هذا التمايز في الأشياء. فمنها المادي الذي نستطيع أن نراه وأن نلمسه ومنها وقائع لا نستطيع أن نراها أو نلمسها أو نقيسها كأفكارنا مثلاً. نصنف إذن الأشياء هكذا : أشياء مادية وأشياء غير مادية. وتبعاً لهذا التقسيم والتمايز تمايز الفلاسفة والمذاهب والدراسات الفلسفية. ما هي المادة وما هي الروح؟
الأشياء كما قلنا تتمايز بين المادي والروحي، ولكن علينا أن نوضح أن هذا التمايز يتخذ أشكالاً مختلفة ويعبّر عنه بكلمات مختلفة كذلك. وهذا يمكننا أن نقول عما هو غير مادي (روح/فكر/وعي/نفس.... إلخ) كما أنه يمكننا أن نقول عما هو مادي (طبيعة/عالم/كون/وجود ...إلخ) فالفلاسفة عندما يتكلمون عن الوجود والمادة فإنهم يتكلم بالضرورة ما هو مادي وما هو لا مادي.
ولتعريف الفكر (الروح) و الوجود (المادة) يمكننا أن نقول: الفكر هو الفكرة التي نكونها عن الأشياء. بعض هذه الأشياء تأتينا من الإحساسات عادة وتتعلق بمواضيع مادية، وبعضها الآخر كفكرة الله واللامتناهي والفكر نفسه لا تتعلق بمواضيع مادية. والأساسي هنا أنه لدينا آراء وأفكار ومشاعر لأننا نرى ونحس. فالمادة (الوجود) هو ما تعرضه وتظهره لنا حواسنا. إنه بصورة عامة كل ما يحيط بنا وهذا ما ندعوه بالعالم الخارجي. ولنأخذ مثلاً على ذلك. عندما أقول (لديّ ورقة بيضاء) فإن معرفتي بأنها بيضاء هي (فكرة) وحواسي هي التي أعطتني هذه الفكرة، ولكن المادة هي الورقة بالذات. لذلك عندما يتكلم الفلاسفة عن العلاقات بين الوجود والفكر أو بين المادة والروح أو بين الوعي والدماغ ... إلخ فإنما يتناولون السؤال نفسه يعني (أيهما أسبق المادة أم الروح؟) وهذا هو موضوع الفلسفة الأول والأهم.
01-08-2008, 08:41 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
كل منا يتساءل عن مصيره بعد الموت، ومن أين أتى هذا العالم وكيف بدأ وكيف تكوّنت الأرض. ومن الصعب القبول بوجود أزلي فلدينا ميل دائم للتفكير بأنه في لحظة من اللحظات لم يكن هنالك شيء وأن لكل شيء بداية ونهاية. ولذلك كان من السهل تصديق تعاليم الدين. ونجد أننا نتساءل أيضاً : أين هي أفكارنا، ومشاعرنا. وبالتالي فإن هنالك مشكلة معرفة العلاقة بين الروح والمادة ، بين الدماغ والفكر. طبعاً هنالك عدة طرق لطرح السؤال. مثلاً: ما هي العلاقة بين الإرادة والقدرة؟ فالإرادة هنا الروح والفكر. والقدرة هي ما هو ممكن أي هو الوجود/المادة. ونصادف أيضاً مسألة العلاقة بين (الوعي الاجتماعي و (الوجود الاجتماعي) إذن فالسؤال الأساسي في الفلسفة يطرح بأشكال مختلفة، ونرى كم هو مهم أن نعرف دائماً كيف يطرح هذا السؤال عن علاقة المادة والروح. وكما قلنا من قبل فإن الإجابات دائماً تنحصر في مسارين فقط: (جواب علمي) و (جواب غير علمي)
وبناء على ذلك فإن الفلاسفة اتجهوا إلى تحديد موقفهم من هذا السؤال المهم. وانقسموا بين (فلاسفة مثاليين) و (فلاسفة ماديين) ولكن قبل الخوض في مذهب كل من هذين التيارين الكبيرين في الفلسفة، أعتقد أنه من المهم التنويه أو الإشارة إلى نقطة غاية في الأهمية. فهنالك خلط في المعنى علينا فضحه وبسرعة لأن كلمة (مادي) يُفهم بشكل مبتذل جداً. ويُعبّر عنه بالشخص الذي لا يفكر إلا بإشباع رغباته وملذاته المادية فعن طريق التلاعب بلفظ (المادية) التي تحتوي على لفظ (مادة) يعطى للمادية معنى خاطئ تماماً. وبدراستنا للمادية (بمعناها الفلسفي والعلمي) سنعيد لها دلالتها الحقيقية، فكون الإنسان مادياً لا يمنعه أبداً من أن يكون لديه مثل أعلى وأن يناضل من أجل انتصار أفكاره ومبادئه. لقد عرفنا أن الفلسفة تريد تفسير المشكلات الأكثر عمومية، ولكن عبر تاريخ البشرية لم يكن التفسير هو نفسه. فالأولون حاولوا شرح الطبيعة والعالم، ولكنهم لم يفلحوا فالعلوم هي التي تتيح بالفعل تفسير العالم والظاهرات التي تحيط بنا، والحال أن الاكتشافات التي سمحت بتقدم العلوم هي حديثة الظهور.
إن جهل الأولين كان إذن حاجزاً في طريق أبحاثهم، ولذلك وبسبب هذا الجهل نشاهد عبر التاريخ ظهور الأديان التي تريد هي أيضاً تفسير العالم، ولكن بواسطة قوى فوق الطبيعة ، وذلك شرح وتفسير لاعلمي. والحال أن العلوم ستتقدم شيئاً فشيئاً عبر القرون وسيحاول الناس تفسير الكون بالوقائع المادية انطلاقاً من التجارب العلمية. ومن هنا أي من هذه الإرادة التي تريد تفسير الأشياء بالعلوم ولدت الفلسفة المادية. علينا إذن وقبل الخوض في تفاصيل الصراع بين المادية والمثالية أن نتذكر دائماً أن المادية هي نزعة التفسير العلمي للكون. أيّ أن الفلسفة المادية هي فلسفة ضد الجهل تماماً.
01-08-2008, 09:00 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
إن جهل الأولين وعدم معرفتهم بالعالم وبأنفسهم، واعتمادهم على الوسائل التقنية البسيطة والبدائية للتحكم بهذا العالم، دفعهم إلى إلقاء مسئولية كل ما يدهشهم على كائنات فوق طبيعية، فمن خلال مخيلتهم التي تثيرها الأحلام أحياناً فيتعايشون وأبناء جنسهم توصلوا إلى التصور التالي: لكل منا وجود مزدوج، وفكرة (مزدوج) هذه بلبلتهم وحملتهم على الاعتقاد بأن أفكارهم وأحاسيسهم حصلت (ليس بفعل جسدهم) ولكن بفعل مصدر (خاص) وهو النفس التي تقطن هذا الجسد وتفارقه عن الموت. بعد ذلك نشأت فكرة خلود النفس والحياة الممكنة خارج المادة (الجسد).
كذلك فإن ضعفهم وقلقهم أمام قوى الطبيعة وأمام جميع هذه الظاهرات التي لم يفهموها والتي لم تساعدهم حالة التكنيك على قهرها أيضاً كالتناسل والعواصل والفيضانات والبراكين واندلاع النيران .. إلخ. كل ذلك حملهم على افتراض وجود كائنات قادرة على كل شيء تقبع خلق هذه القوى وهذه الظاهرات وعبروا عنها في الآلهات، وعبروا عن الظواهر الطبيعية بأنها حالات تعبيرية لهذه الآلهات. فعطاء الأرض تعبير لرضا هذه الآلهات، واندلاع العواصف أو البراكين هي تعبيرات لغضبها. ولم يعرفوا أن الطبيعة محايدة تماماً تجاه الإنسان. وأن لهذه الظاهرات أسبابها ومسبباتها العلمية والمادية. وبالتالي فإنهم تخيّلوا آلهات خيّرة وآلهات شريرة. وآمنوا بهذه الآلهات أو الكائنات التي لها قدرة أكثر وأكبر من قدرة الإنسان ولكنهم صوروا هذه المخلوقات على شكل إنسان أو حيوان وجسدوها مادياً. ولم تعتبر النفوس أو الآلهة كأرواح خالصة فيما بعد.
وهكذا نصل للفكرة القائلة أن هنالك في الواقع أرواحاً تعيش حياة خاصة بها مستقلة عن الأجسام تماماً ولا حاجة بها لهذه الأجسام حتى توجد. بعد ذلك طرح هذا السؤال بشكل أكثر دقة وبما يتناسب مع الدين على هذا الشكل (هل الله هو الذي خلق العالم أم أن العالم وجد منذ الأزل؟) ووفقاً للإجابة عن هذا السؤال انقسم الفلاسفة إلى معسكرين كبيرين. فالذين تبنوا التفسير غير العلمي قبلوا بفكرة خلق الله للعالم. (أي أنهم أكدوا أن الروح هي التي خلقت المادة) مثلوا المذهب المثالي. وأولئك الذين بحثوا عن تفسير علمي للعالم والذين اعتقدوا أن الطبيعة أو المادة هي العنصر الأساسي كانوا ينتمون إلى المذهب المادي. ولم تكن المثالية أو المادية تعني في الأصل غير هذا. فالمثالية والمادية هما إجابتان متعارضتان ومتناقضتان بالنسبة للمشكلة الأساسية في الفلسفة. فالمثالية هي التصور اللاعلمي، والمادية هي التصور العلمي للعالم.
وبالتأكيد سوف نتطرق لأدلة هذا الحكم في سياق الكلام، غير أننا نستطيع أن نقول أنه على الرغم من ملاحظتنا بالتجربة وجود أجساد مجرّدة من الفكر كالأحجار والمعادن والأرض فإننا لا نستطيع إيجاد أرواح بدون أجسام. وبالتالي فإنه عندما يطرح سؤال كالتالي (كيف يحدث أن الإنسان يفكر؟) لا يمكن أن يكون هنالك سوى إجابتين مختلفتين ومتعارضتين كلياً:
الجواب الأول: الإنسان يفكر لأن له نفساً الجواب الثاني: الإنسان يفكر لأن له دماغاً.
وتبعاً لتبنينا إحدى الإجابتين نكون ملزمين بحلول مختلفة للمشكلات التي تنتج عن هذا السؤال. وتبعاً لإجابتنا نكون إما مثاليين أو ماديين.
01-08-2008, 09:02 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
قبل الكلام عن المثالية لا بد لنا كذلك أن نوضح اللبس اللغوي الحاصل للمثالية، كما وضحنا اللبس اللغوي الذي حصل للمادية، فثمة فارق كبير بين (المثالية الأخلاقية) و (المثالية الفلسفية) فالمثالية الأخلاقية تقوم على أن ينذر الإنسان نفسه من أجل هدف ما من أجل مثل أو قيم ما وهذا الأمر لا يعد حصراً على المثاليين فلقد رأينا كيف أن المادي قد تتوفر فيه هذه الخصلة الأخلاقية. أما المثالية الفلسفية فهو مذهب أساسه تفسير العالم بواسطة الروح. إنه المذهب الذي يجيب على السؤال الأساسي في الفلسفة قائلاً أن الفكر هو العنصر الرئيسي الأول والأكثر أهمية. والمثالية إذ تؤكد على الأهمية الأولى للفكر تؤكد أنه هو الذي يحدث الوجود وبعبارة أخرى أن الروح هي التي تحدث المادة. وهذا هو الشكل الأول للمثالية، ولقد وجدت هذه المثالية أقصى نموها في الأديان مؤكدة أن الله (الذي هو روح خالصة) هو خالق المادة. فالدين الذي ادعى وما زال يدعي أنه خارج المناقشات الفلسفية هو في الحقيقة التمثيل المباشر والمنطقي للفلسفة المثالية. والحال أن العلم بتدخله عبر القرون سرعان ما أصبح ضرورياً لتفسير المادة، وتفسير العالم والأشياء بشيء آخر غير الله وحده. لأن العلم بدأ من القرن السادس عشر بتفسير الظاهرات الطبيعية بدون أن يأخذ الله في الحسبان ودونما حاجة إلى فرضية الخلق. ولمناهضة هذه التفسيرات العلمية والمادية والإلحادية مناهضة أجدى كان من الواجب أن تدفع المثالية بعيداً وأن ينفى حتى وجود المادة نفسها. وهذا ما كرس له باركلي والذي يطلقون عليه (أبو المثالية). لقد كان هدف باركلي الأول والأوحد تحطيم المادية. ومحاولة البرهنة أن الجوهر المادي غير موجود. وبصيغة أخرى أن المادة لا وجود لها وأنه من المفارقة إدعاء العكس. وعليه فإنه يتوجب علينا إلقاء بعض الضوء على فلسفة باركلي المثالية ومن ثم نقدها.
يقول باركلي "إن المادة ليست ما نظن عندما نظن أنها موجودة خارج أذهاننا. نحن نظن أن الأشياء موجودة لأننا نراها ونلمسها ولأنها تولد فينا هذه الإحساسات نعتقد بوجودها. ولكن إحساساتنا ليست سوى أفكار نحملها في ذهننا. فالأشياء التي ندركها بحواسنا ليست إذن شيئاً آخر غير أفكار، والأفكار لا يمكنها أن توجد خارج ذهننا.
إذن الأشياء موجودة بالنسبة لباركلي ، وهو لا ينكر طبيعتها ووجودها، ولكنه في الوقت ذاته يؤكد أنها لا توجد إلا بشكل إحساسات تعرفنا بها، ثم يستنتج أن إحساساتنا والمواضيع إنما تكوّن شيئاً واحداً. الأشياء الموجودة (هذا مؤكد) ولكنها موجودة فينا (في ذهننا) وليس لها أي حقيقة واقعية خارج الذهن. نتصور الأشياء بواسطة البصر، ندركها بواسطة اللمس ويخبرنا الشم بالرائحة والذوق بالطعم والسمع بالصوت. هذه الإحساسات المختلفة تمنحنا أفكاراً تجعلنا نعطيها اسماً مشتركاً ونعتبرها مواضيع. فنلاحظ مثلاً لوناً وطعماً ورائحة وشكلاً وصلابة معينة مجتمعة إلى بعضها البعض فنعتبر أن هذه المجموعة شيء متميز نطلق عليه لفظة (تفاحة) وتؤلف مجموعات أخرى من الأفكار نسميها: حجر وشجر وكتاب ... إلخ. نحن إذن ضحية وهم فلسفي عندما نظن أن بوسعنا معرفة الأشياء والعالم كأشياء خارجية لأن كل ذلك لا يوجد إلا في ذهننا. ويبرهن باركلي على ذلك لأنه يرى أن الأشياء الواحد لا يمكن أن يكون مختلفاً في ذاته في ذات الوقت (حار وبارد في نفس الوقت) ومثلاً فإذا كانت إحدى اليدين حاراً والأخرى باردة وأنهما مغموستان في وعاء مملوء بالماء معتدل الحرارة في نفس الوقت، فإنه سيظهر أن الماء ساخن بالنسبة لأحدى اليدين وبارد بالنسبة للأخرى. وبالتالي فهو يؤكد على أنّه إذا كان من الممكن وجود الأشياء مختلفة في اللحظة نفسها فينبغي الاستنتاج أن هذا الشيء لا يوجد إلا في ذهننا. وبالتالي فإن باركلي يجرّد الموضوعات والأشياء من جميع خصائصها.
ويضرب لنا باركلي مثلاً آخراً بقطعة قماش حمراء فيقول: أنتم تقولون إنها حمراء، ولكن هل هذا أكيد؟ أنتم تظنون أن الأحمر هو في القماش نفسه، هل هذا مؤكد؟ أنتم تعلمون أن هنالك حيوانات لها عيون مختلفة عن عيوننا ولا ترى هذا القماش أحمر، كذلك الإنسان المصاب باليرقان يراها صفراء. إذن ما هو لون هذا القماش. إذن فالمسألة نسبية. وبالتالي فالأحمر ليس في القماش وإنما في عيوننا أي فينا وفي أذهاننا. وتقولون أن هذا القماش خفيف ولكنه إذا سقط على نملة فمن المؤكد أنها ستجد ثقيلاً فمن على حق نحن أم النملة؟ وتقولون أنه حار، وإذا كنتم محمومين فإنكم ستجدونه بارداً. ويصل في النهاية إلى نتيجة أننا واقعون نتيجة سراب وأن الأشياء لا توجد إلا في أذهاننا فقط.
01-08-2008, 08:28 PM
عمار عبدالله عبدالرحمن
عمار عبدالله عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 02-26-2005
مجموع المشاركات: 9162
شكرا علي هذه الكوة المعرفية.... متمنيا ان لا ياتي من يذهب بهذا البوست بعيدا....
بالنسبة لوصف الفلسفة الغير مادية بانها فلسفة غير علمية..
هل مصطلح علمي هنا في ت مشتق من العلم , نقيض الجهل... ام تناولك له باعتباره تعريفي للفلسفة المادية,, وبالتالي اعتبار بقية الفلسفات الاخرى ايضا عليمة (بمدلوها المناقض لعدم المعرفة)
ارجي قلمك اني لك من الناظرين
01-09-2008, 05:59 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
أولاً اسمح لي أنّ أزيل عني الأستاذية التي خلعتها عليّ، فما أطرح نفسي هنا أستاذاً، وهنالك من هم أعلم مني في الفلسفة ومنزلقاتها التاريخية. كل ما هنالك أنني رأيت أنّ من واجبي أن أصحح معلومة خاطئة لدى الكثيرين ممن يتخوفون من دراسة الفلسفة بحجة أنها دراسة صفوية أو نخبوية، وأنها مستعصية الفهم، في حين أنها مثلها كبقية العلوم تحتوي على صعوبة المعرفة وبساطة الفهم.
أما بالنسبة لسؤالك فلفظ "علمي" هنا مشتق من العلوم sciences وليس من المعرفة knowledge وكما ذكرت وكما سيتضح كذلك من خلال المزيد من التوضيح والتعمق في تأريخانية علم الفلسفة والمدارس الفلسفية سوف نعرف ونفهم كيف أننا لا يمكننا أن نسمي المذاهب المثالية مذاهب علمية لأنها لا تعتمد في صياغة وتقرير نظرياتها الفلسفية على الحقائق والتجارب والنظريات العلمية، بل ترتكز في الأساس على مبدأ غيبي أو فلنسميه روحي/نفسي/أثيري أيّ شيء أو تسميه يمكن تصنيفها في غير خانة المادية. وسنرى كذلك كيف أن المثالية تسخر كثيراً من الواقع الفعلي باعتبار أنه ليس إلا سراب فلسفي ليس إلا. في الوقت الذي تتطور فيه المذاهب المادية جنباً إلى جنب مع تطوّر العلوم. بل لا توجد حركة مادية بلا حركة علوم.
01-09-2008, 06:42 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
عرفنا كيف يحاول باركلي القول بأنه ليس ثمة شيء اسمه واقع خارجي وأنّ الواقع الخارجي ما هو إلا سرابات تخص أذهاننا وأنه لا يوجد واقع خارج أذهاننا. والواقع أننا عندما نجرّد المواضيع من خصائصها نتوصل إلى القول أن المواضيع لا توجد إلا في فكرنا وهذا بالتالي يعني أنّ المادة فكرة. وقبل أن يأتي باركلي بهذا الكلام كان فلاسفة اليونان يقولون أن بعض الصفات كالطعم والصوت لم تكن في الأشياء نفسها وإنما في أذهاننا نحن. وهذا كان صحيحاً. ولكن الجديد في نظرية باركلي هو أنه يمد هذه الملاحظات على صفات الأشياء جميعها. لأن فلاسفة اليونان ميّزوا بين نوعين من الصفات: (الصفات الأولية) أي تلك التي تكون في الأشياء كالوزن والمقدار والمقاومة ... إلخ. و (صفات ثانوية) أي التي في داخلنا نحن كالرائحة والطعم والحرارة ... إلخ. ولكن باركلي طبّق على الصفات الأولية نفس الموضوعة المطبقة على الصفات الثانية. أي أن جميع الصفات وجميع الخصائص ليست في المواضيع بل في أذهاننا. فإذا نظرنا إلى الشمس نراها مستديرة ومسطحة (ببعد واحد) والعلم ينبئنا أننا نخدع أنفسنا وأن الشمس ليست مسطحة أبداً. نحن إذن نجرّد (بمساعدة العلم) بعض الخصائص المغلوطة التي نعطيها للشمس ولكن بدون أن نستنتج من ذلك أنها ليس موجودة كما يفعل باركلي.
اختصار: يقول المثاليون أن (الروح تخلق المادة) وهذا هو الشكل الأولي للمثالية التي تنعكس في مختلف الأديان حيث يؤكد أن الروح خلقت العالم. هذا التأكيد يمكن أن يكون له معنيان: فإما أن يكون الله قد خلق العالم وأنه (الله) يوجد فعلاً خارجاً عنا. وهذه هي المثالية اللاهوتية المعروفة.
وإما أن يكون الله قد خلق سراب العالم مانحاً لنا أفكاراً لا تنطبق على أيّ حقيقة مادية. وهذه هي المثالية الفلسفية النقيضة للمادية. لذلك يؤكد المثاليون على أن (العالم لا يوجد خارج أفكارنا) بمعنى ليس هنالك عالم واقعي إلا في أفكارنا نحن، وهذا ما يريد باركلي أن يبينه بتأكيده أننا نرتكب خطأ عندما نلحق بالأشياء صفات وخصائص خاصة بها بينما هذه لا توجد إلا في أذهاننا فالمقاعد والطاولات بالنسبة للمثاليين موجودة حقاً ولكن في فكرنا فقط وليس خارجاً عنا. لماذا؟ لأن (أفكارنا هي التي تخلق الأشياء)
بكلمة أخرى: الأشياء هي انعكاس لفكرنا إذ بما أن الروح هي التي تخلق سراب المادة بالفعل، وبما أن الروح هي التي تمنح فكرنا فكرة المادة وبما أن الإحساسات التي تنتابنا أمام الأشياء لا تتأتي من الأشياء نفسها بل من فكرنا فقط فإن مصدر واقعية العالم والأشياء هو فكرنا. ونتيجة لذلك فكل ما يحيط بنا لا يوجد خارج ذهننا، ولا يمكن أن يكون إلا انعكاساً لفكرنا، ولكن بما أن روحنا بالنسبة لباركلي عاجزة بمفردها عن خلق هذه الأفكار وبما أنها على كل حال لا تستطيع أن تفعل بها ما تريد (كما يحصل لو خلقتها من ذاتها) فيجب القبول بأن روحاً أخرى أكثر قدرة هي التي خلقت هذه الأفكار. (الله) إذن هو الذي خلق روحنا وفرض علينا جميع أفكار العالم التي نصادفها فيه.
هذه هي الأطروحات الرئيسية التي ترتكز عليها المذاهب المثالية. وهذه هي الأجوبة التي تقدمها للسؤال الأساسي للفلسفة.
ولكن ما هو جواب المادية على ذات السؤال؟
01-09-2008, 08:44 AM
emad altaib
emad altaib
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 5300
Quote: كل ما هنالك أنني رأيت أنّ من واجبي أن أصحح معلومة خاطئة لدى الكثيرين ممن يتخوفون من دراسة الفلسفة بحجة أنها دراسة صفوية أو نخبوية، وأنها مستعصية الفهم، في حين أنها مثلها كبقية العلوم تحتوي على صعوبة المعرفة وبساطة الفهم.
هدفك جميل ونبيل واصل ... متابعين كامل الود
01-09-2008, 09:11 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
أشكرك على المتابعة، وأتمنى فعلاً أن نستفيد جميعاً من هذا البوست. وألا أكون مخلاً في منهج التبسيطية الذي أتبعه في الكلام عن الفلسفة. بالصورة التي تجعل القارئ يرتبك في حين أن الغرض هو إزالة الغموض عن هذا العلم الشيّق والذي أعتبره من أهم العلوم الإنسانية قاطبة.
لك تحياتي وخالص المودة
01-09-2008, 09:12 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
المادية قلنا أنه بالنسبة إلى المسألة التالية: (ما هي العلاقة بين الوجود والفكر؟) لا يمكن أن يوجد إلا جوابان اثنان متعارضان ومتناقضان. وعرفنا إجابة المثالي على هذا السؤال والحجج المقدمة للدفاع عن الفلسفة المثالية. وعلينا الآن تمحيص الإجابة الثانية عن هذه المسألة الأساسية (أكرر أنها المسألة الموجودة في أساس كل فلسفة) والنظر في الحجج التي تأتي بها المادية للدفاع. فضلاً عن كون المادية فلسفة مهمة جداً. إنه من الضرورة إذن معرفة المذهب المادي معرفة جيّدة لأن تصورات الفلسفة المادية غير معروفة على الوجه الصحيح وأن هذه التصورات قد تم تزويرها. لأننا في تربيتنا وتعليمنا الذي تلقيناه سواء في المراحل الدراسية بكل تدرجاتها وحتى على مستوى العادات والمعيشة والتفكير فإننا جميعاً مطبوعون (دون أن نعلم) بالتصورات المثالية.
من أين تأتي المادية؟ قلنا أن الفلسفة هي باختصار الجهد المبذول لتفسير الكون ولكننا نعلم أن هذه التفسيرات تتغيّر تبعاً لحالة المعارف الإنسانية وان موقفين اثنين تبنيا تفسير العالم : الأول لا علمي يستعين بروح أو بعدة أرواح عليا لقوى فوق الطبيعة. والآخر علمي يرتكز على الوقائع والتجارب. وكل مذهب دافع عن فكرته. لذلك كانت الفكرة الأولى التي وجب التنويه إليها منذ البداية هو فهم المادية على أنها (التفسير العلمي للعالم) وإذا كانت المثالية قد ولدت من جهل الإنسان* فإن المادية قد نشأت من صراع العلوم ضد الجهل والظلامية. ومن أجل ذلك حوربت المادية ومن أجل ذلك لم تعرف كثيراً شكلها الحديث المتمثل في (المادية الديالكتيكية) إن لم نقل لم تزل مجهولة وغير معروفة في العالم.
كيف تطورت المادية ولماذا؟ إن تاريخ الفلسفة يظهرلنا شيئاً حياً ودائم الحركة فيها. على عكس ما يدعيه المثاليون الذين يزعمون أن المادية لم تتطور منذ عشرين قرناً. لقد تقدمت المعارف الإنسانية العلمية عير القرون ففي بداية تاريخ الفكر (بالتحديد في عصور الإغريق) كانت المعارف شبه معدومة وكان العلماء الأولون فلاسفة في نفس الوقت، لأن الفلسفة كونت في تلك الحقبة كلاً متكاملاً مع العلوم الناشئة لأن الواحدة كانت امتداداً للأخرى. بعد ذلك أي عندما أدخلت العلوم في تفسيرها لظواهر الكون بدأت تزعج المثاليين ومن ثم تولد نزاع بين الفلسفة والعلوم. ولأن العلوم كانت متناقضة مع الفلسفة الرسمية في تلك الحقبة أصبح من الضروري أن تنفصل عنها. أضف إلى ذلك فإنه ليس لدى العلوم ما هو أكثر إلحاحاً من التخلص من حشو الكلام الفلسفي ومن أن تترك للفلاسفة أوسع الافتراضات لتهتم هي بالمشكلات المحددة. تلك المشكلات التي بدأ حلها ينضج وعندها يحصل التمايز بين العلوم والفلسفة. وبمعنى آخر أنها كانت بحاجة إلى هامش من الحرية للإجابة على التساؤلات الفلسفية المطروحة.
لكن الفلسفة التي ولدت مع العلوم وارتبطت بها وخضعت لها تقدمت وتطورت معها لتتواصل مع المادية الحديثة التي هي مادية ماركس وأنجلز إلى أن تجمع من جديد العلم والفلسفة في المادية الديالكتيكية. ومن المهم أن أنعرف أنا المادية والعلوم مرتبطتان أحدهما بالأخرى وأن المادية تخضع بصورة مطلقة للعلم.
بقي علينا أن نعرف أسس المادية وأن نعرّفها.
* هنالك قوى ثقافية وسياسية كانت تعتنق التصورات المثالية وتدافع عنها.
الأخ الأستاذ هشام آدم.. اشكرك..واقدر المجهود المبذول في سبيلنا..نحن معك نتابع..ونتعلم ونراقب..نحن بعيدين عن الفلسفة..ولكن لنا قراءات متفرقة عن الفلاسفة..فانا اقوم بطباعة ما تكتب واحتفظ فيه..وبعدين عندي "سعالات" ليك في الموضوع..لك كامل التقدير على هذا التنوير..
استاذنا الفاضل هشام.. لك التحية.. ضايقني جاد..حين رأيت بعض العلماء يحاولون إيجاد حل "لتبريد كوكب الأرض"..وتعديل المناخ..في الوقت الذي تجد فيه..رواد الفلسفة المثالية لدينا..ينتظرون حلول تأتي من السماء هكذا..وإن نجحت تلك الحلول التي يطبقها العلم..كان الجواب "أن الله سخرهم لنا"..فماذا ترى يا استأذنا هشام آدم في هكذا فهم؟.. وجود موائد مفتوحة للفلسفة..لتغذية عقول الناس..بالعلم الصحيح للمادية والمثالية.. كما شرحتهما لنا..سيقود إلى صفوة..كثرة النوادي في رياضة كرة القدم يؤدي لإيجاد فريق قوي يتكون من 11 فردا..تمثل صفوة..لماذا لا يكون للفلسفة صفوة من الفلاسفة؟..أظن أن افلاطون كان برجوازيا وكذلك ارسطو من بعده..ولكنهم أفادوا الفلسفة؟..فلماذا ترفضون برجوازية الفلسفة؟ كما أن جميع العلوم المتخصصة على رأسها العلماء الذين يمثلون برجوازية علمية؟.. ثم يا استأذنا هشام ماذا لو قادنا العلم المادي إلى اكتشاف عوالم أخرى تركض فيها أنواع من أنواع الحياة كما نعرفها أو بأي شكل كان..ما مدى تأثير ذلك على التعارض القائم بين الفلسفة المادية والمثالية؟.. كامل التقدير والشكر لك..
01-09-2008, 07:04 PM
محمد الأمين موسى
محمد الأمين موسى
تاريخ التسجيل: 10-30-2005
مجموع المشاركات: 3470
Quote: أين موقع الفلسفة الإسلامية مما ذكرت حتى الآن؟
الأخ : محمد الأمين موسى
في الفلسفة، ليس ثمة شيء يدعى بالفلسفة الإسلامية وغير الإسلامية، هناك إسهامات الفلاسفة المسلمين في هذا المجال، وسوف أفرد مساحة خاصة نتناول فيه إسهامات ابن رشد والتوحيدي والكندي وغيرهم.
أشكرك أيها العزيز على المتابعة والإثراء
01-10-2008, 06:30 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
المثالية تقدم حلولاً وتفسيرات لا علمية، وهذا ديدنها منذ باركلي وحتى قبل باركلي كذلك. ولكن لا يجدر بنا أن نقلق حيال ذلك، فطالما يتطور العلم فإن الفلسفة المادية تتطوّر معها وتكون شديدة الالتصاق بها داحضة كل الإدعاءات والجهالات التي تطلقها الفلسفات المثالية. ويجب علينا أن نتذكر أن الفلسفة المثالية إنما تولد من خوفنا إزاء العالم بكل ما فيه من ظواهر، وليس خوفنا فقط وإنما جهلنا كذلك. وإذا توصّل العلم إلى اكتشاف "عوالم" أخرى بالضرورة فإنها ستكون عوالم مادية، وإلا لما استطاع العلم قياسها وملاحظتها. يجب علينا أن نتذكر دائماً أن المذهبين "المادي" و "المثالي" متناقضين تماماً ولا يوجد بينهما أيّ قاسم مشترك. العقل المثالي لا يسمّي الأشياء بأسمائها الحقيقية، إنما يفضي عليها توهيماته الخاصة حتى أنّ أسماء الأرواح أو "الجوكات" التي كانت تمثل الخير والشر ذات يوم تطوّر بتطور العقلية التوهمية وبقدرة الإنسان على التجريد، فأطلق الشر على كائن من صنع خياله، سمّاه "شيطان" أو "إبليس" وأطلق الخير على كائن من صنع خياله كذلك سمّاه "ملائكة، وجعله مقابل الشيطان (ضدّه أو نقيضه) وبهذا فإننا نرى أنّ لا وجود لأي اعتراف بالإنسان والإرادة الحرّة التي تحدث عنها نيتشه. وأكرر مرّة أخرى "الطبيعة محايدة تماماً تجاه الإنسان" الخير والشر مجردات ومفاهيم وليست كائنات أو قوى روحية. وعندما يفعل الإنسان أمراً فإن ذلك لم يكن بفعل وسوسة شيطانية أو بفعل إلهام ملائكي، إنما كان بفعل إرادة حرّة.
أما بخصوص موضوع "برجوازية الفلسفة" فالأمر يا عزيزي لا يتعدى اختلاف مفاهيم ليس إلا. فكارل ماركس كان برجوازياً بالفهم المتداول للبرجوازية، ولكنه كان المنظّر الأكثر حذقاً في فلسفة البروليتاريا وهو صاحب النظرية الماركسية ونظرية فائض القيمة التي تنير للجميع فضائح الرأسمالية بجميع أطوارها وأشكالها. وبالتالي فالأمر ليس رفضاً لبرجوازية الفلسفة أو الفلاسفة، إنما للفلسفة البرجوازية التي تستند على ثلاثة أمور غاية في الخطورة:
أولاً : الاستناد والانطلاق من الجهل والخوف البشري في وضع المقولات الفلسفية لتفسير العالم. ثانياً: مساندة مصالح القوى الرأسمالية أو بشكل عام "السلطة" وبالتالي تكون الفلسفة البرجوازية نصيراً للمصالح السياسية أكثر من كونها نصيراً للفكر الإنساني. ثالثاً : تعمل الفلسفة البرجوازية على إقناع الناس بصعوبة الفلسفة وذلك باستخدام المصطلحات والتوهيمات الفلسفية بحيث يظل العامة دائماً بعيداً عن الحراك الفلسفي "الجهل" دون أن يخوضوا أو على الأقل يشهدوا السجال الفلسفي الدائر بينهم وبين الماديين، وبالتالي فإنهم يعملون على تغييب العقول لأن مصلحتهم في ذلك. ولا تنس دور الفلاسفة المثاليين في تمكين سلطة الكنيسة في عصور أوروبا المظلمة، وما تلا ذلك من جهل وتخلّف في العلوم حتى حدثت الثورة على الكنيسة.
سوف يتم مناقشة هذه المسألة بقليل من التفصيل لاحقاً، وربما كان يتوجب علينا أن نطرح هذا السؤال (من هو البرجوازي؟) لكي ينجلي الأمر تماماً.
Quote: لأن الفلسفة كونت في تلك الحقبة كلاً متكاملاً مع العلوم الناشئة لأن الواحدة كانت امتداداً للأخرى. بعد ذلك أي عندما أدخلت العلوم في تفسيرها لظواهر الكون بدأت تزعج المثاليين ومن ثم تولد نزاع بين الفلسفة والعلوم. ولأن العلوم كانت متناقضة مع الفلسفة الرسمية في تلك الحقبة أصبح من الضروري أن تنفصل عنها. أضف إلى ذلك فإنه ليس لدى العلوم ما هو أكثر إلحاحاً من التخلص من حشو الكلام الفلسفي ومن أن تترك للفلاسفة أوسع الافتراضات لتهتم هي بالمشكلات المحددة. تلك المشكلات التي بدأ حلها ينضج وعندها يحصل التمايز بين العلوم والفلسفة. وبمعنى آخر أنها كانت بحاجة إلى هامش من الحرية للإجابة على التساؤلات الفلسفية المطروحة.
لكن الفلسفة التي ولدت مع العلوم وارتبطت بها وخضعت لها تقدمت وتطورت معها لتتواصل مع المادية الحديثة التي هي مادية ماركس وأنجلز إلى أن تجمع من جديد العلم والفلسفة في المادية الديالكتيكية. ومن المهم أن أنعرف أنا المادية والعلوم مرتبطتان أحدهما بالأخرى وأن المادية تخضع بصورة مطلقة للعلم.
من اجل اثراء النقاش في هذا الموضوع الجميل لدينا مداخله بسيطة
ان الاكتشاف الذي يحمل قيمته الكبيرة بحًد ذاته قد يغطي مساحة من الظاهرة قد يفسّرجانبا من الفكرة قد ينشر شعاعا علي جهة محدودة من الحقيقة لكي يضيئها ولكن تبقي دائما مساحات وجوانب اخري من الظواهر والافكار والحقائق لا يكفي الاكتشاف_ ان علي مستوي النوع اوعلي علي مستوي الكم_ لتفسيرها واضاءتها لابد من اكتشافات اخري واضاءت متتالية تاخذطابع التتابع والتكامل وتسلط علي الحقائق والظواهر والافكار من اطرافها جميعا ويسهم فيها خط طويل من المفكرين وعقول متالقة لا يحصيها عد...من مقال لدكتور عماد الدين خليل ان هذا الميدان وفي مجال العلوم النظرية ( الصرفة ) والتطبيقية ( التقنية)قدمت للانسان خدمات جلي لايستطيع احد ان ينكرها ولا ينكر دورها الفعال في استمرار الحضارات وبخاصة الحضارة الغربية المعاصرة... ولكن العلوم الانسانية شهدت صيغة اخري في العمل صيغة الانفراد والذاتية والادعاء والتضخيم . ولذالم تستطيع ان تقدم الي الانسان عشر ما قدمته العلوم النظرية والتطبيقية . ولهذا ايضا الت الي الفشل والسقوط الواحدة تلو الاخري .فعلي سبيل المثال , لماذا يصرً عقل فذ(كهيغل) علي الجدل او الديالكتيك او التقابل المتضاد بين الحقائق والتجارب يقتصر علي نطاق ( الفكرة)؟ ولماذا يجيء (ماركس)و(انجلز)بعده لكي يديناه علي احادية نظرته, بل علي وضعها المقلوب لكنهما ما يلبثان ان يقعا في الخطا نفسه فيتشنجان علي نظرية الديالكتيك المادي اي الجدل في نطاق المادة وحدها. انهما يتهمان ( هيغل) بانه وضع فلسفة ((تمشي علي راسها)) لكنهما وهما يسعيان لتعديل الوضع الفلسفي قدما فلسفة تمشي علي بطنها بحثا عن الخبز وحده .. اما كان الاولي ان يتجاوز ( هيغل) تشبثه بالفكرة,وان يبعد (ماركس)و(وانجلز) قليلا عن الارضيةالماديةوان يحاول الطرفان وضع وصيغة للجدل اكثر شمولية تتضمن الفكري والمادي معا؟ ثم لماذا يصًر الطرفان علي ان الجدل بين الافكار او الصيغ المادية ياخذ طابع التناقض والتضاد ويقود دوما الي الاصطراع . الايتحتم ان تضاف اليه صيغ اخري للعلاقة تاخذ طابع ( التبادل )بدلا من التضاد؟ تبادل في الاخذ والعطاء دونما ضروره تدفع لصراع محتوم .ودونما اطراح لبعض العناصر من هذا الجانب او ذاك . ..(من نفس المقال) اسئلة كثيره تدورعلي بال الانسان .. ولك كل الود الحار
01-10-2008, 10:31 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
Quote: يحاول الطرفان وضع وصيغة للجدل اكثر شمولية تتضمن الفكري والمادي معا؟
الأخ العزيز: عماد الطيّب
لم تكن أنت (أو الدكتور عماد الدين خليل) أول المتطرقين لهذا الموضوع، أي محاولات التوفيق بين المادية والمثالية، وبالتالي محاولة إيجاد تيار فلسفي (ثالث) سميّ بمذهب (اللاأدرية) والتي بالتالي لا بد أنّ نمّر عليها، وسوف أفنّد لك آراء هذا التيار ونرى سوياً كيف أنه لا يمكننا أبداً التوفيق بين المادية والمثالية بتاتاً وعلى أيّ اعتبارات تم قبول ذلك. ولكن وعلى صعيد شديد الخصوصية، فإنني أرى أن الماركسية (وليس المادية الديالكتيكية) قد أهملت في نظريتها جانب التحليل النفسي وبالتالي يمكننا مناقشة الأمر بشكل من التفصيل في مرحلة أكثر تقدماً.
على كل حال لا يجب أن نقفز بالزانة فوق التسلسل التاريخي لتطور العلوم والفلسفات والذي أحاول السير عليه (ما استطعت) في هذا الخيط، رغم الأهمية البالغة للنقاط التي تطرقت إليها، وأنا شخصياً اعتبرها نقاط ذكية وموضوعية. وهو (تقريباً) السؤال الذي يخطر على بال دارسي الفلسفة بشكل عام.
لك التحية أيها العزيز، وأشكرك على الإضافة وعلى الإثراء
الاستاذ هشام التحيات الصادقات.. لا نزال في انتظار التبسيط الجميل المنهج الذي تقوم به للفلسفة..ولكني فوجئت بالتوقف من طرفكم..عل ذلك فقط لاسباب خارجة عن وقتكم..وكم يؤسفني ان لا تواصل المشوار ..والهبوط الناعم لقصة الفلسفة الذي بداته..معى آخرون في حيرة من أمرهم..نرجو إزالة مخاوفنا..وتقليل وقت انتظارنا..كامل الود..
01-15-2008, 11:56 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
تجدني في غاية الأسف لهذا التوقف المفاجئ فعلاً، ليس لشيء إلا لإهمال وتقصير من جانبي. فاعذرني أخي العزيز. سوف نتابع مشوارنا مع الفلسفة بالمنهجية التبسيطية التي اتبعناها منذ البداية وأتمنى أن تعم الفائدة علينا جميعاً.
أكرر لك اعتذاري مرّة أخرى
01-15-2008, 12:18 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
كنا قد توقفنا عند سؤالنا عن ( ما هي أسس المادية الفلسفية )
وللإجابة على هذا السؤال، علينا الرجوع إلى المسألة الفلسفية الأساسية (مسألة العلاقات بين الوجود والفكر، أيهما رئيسي). لنعرف أن الماديين يؤكدون على وجود صلة محددة بين الوجود والفكر ، أي بين المادة والذهن. بالنسبة لهم الوجود والمادة هما الحقيقة الأولى أو الشيء الأول، والذهن هو الحقيقة الثانية أو التالية الخاضعة للحقيقة الأولى. إذن بالنسبة لهم ليس الذهن أو الله هو خالق العالم والمادة، ولكن العالم والمادة هي التي تخلق الذهن أو الأفكار. لأن الذهن لا يراد به هنا (الدماغ) بل التفكير والعمليات الدماغية. والذهن ليس سوى أعلى نتاج للمادة. لذلك فإننا إذا أعدنا السؤال المطروح سابقاً (كيف يحدث أن الإنسان يفكر؟) أجابنا الماديون بأن الإنسان يفكر لأنه يملك دماغاً وأن الفكر هو نتاج الدماغ فلا فكر عندهم بدون مادة أو بدون جسد.
وبالتالي فالوجود والمادة هي أشياء واقعية بالنسبة للماديين أي أشياء موجودة خارجة أفكارنا وليست بحاجة للفكر أو للذهن حتى توجد. كذلك الذهن لا يمكن أن يوجد بدون مادة، فليس هنالك نفس خالدة ومنفصلة عن الجسد. فالأشياء التي تحيط بنا توجد مستقلة عنا على عكس ما يدعي المثاليون وهي التي تهبنا أفكارنا، وأفكارنا ليست سوى انعكاس الأشياء في دماغنا. لذلك أمام الوجه الآخر من السؤال عن العلاقات بين الوجود والفكر (ما هي العلاقة بين أفكارنا عن العالم المحيط بنا، والعالم نفسه؟ وهل يستطيع فكرنا أن يعرف العالم الواقعي؟ وهل يمكننا في تصوراتنا أن نكون انعكاساً صادقاً للواقع؟ وتسمى هذه المسألة في اللغة الفلسفية بـ(مسألة مطابقة الفكر والكائن) فإن الماديون يؤكدون ويقولون (نعم) نستطيع معرفة العالم، والأفكار التي نكونها عن هذا العالم تزداد صحة، لأننا نستطيع دراستها بواسطة العلوم، وهذه العلوم تبرهن لنا دائماً بالتجربة أن الأشياء التي تحيط بنا تتمتع فعلاً بواقعية خاصة بها، مستقلة عنا، ويستطيع الناس إعادة إنتاج هذه الأشياء جزئياً وخلقها اصطناعياً.
ولكي نتجنب الإطناب في هذه النقطة، نوجز فنقول أن الماديين يؤكدون على التالي أمام المشكلة الفلسفية الأساسية:
أولاً : المادة هي التي تنتج الذهن واننا علمياً لم نصادف أبداً ذهناً بدون مادة
ثانياً: المادة موجودة خارج كل ذهن وليست بحاجة للذهن لتوجد لأنها تملك وجودا خاصاً وبالتالي فإنه على عكس ما يدعي المثاليون ليست أفكارنا هي التي تخلق الأشياء بل الأشياء هي التي تعطينا أفكارنا.
ثالثاً : باستطاعتنا معرفة العالم. والأفكار التي نكونها عن المادة والعالم تزداد صحة، بما أننا نستطيع بواسطة العلوم تحديد ما نعرفه سابقاً واكتشاف ما نجهله.
الآن وقد تعرفنا على المذهب المثالي والمذهب المادي؛ لا بد أن هنالك سؤالاً ملحاً يطرح نفسه ( من على حق الماديون أم المثاليون؟ ) وهذا ما سأتطرق إليه في المبحث التالي
01-16-2008, 11:53 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
لنتذكر أنه يجب علينا أولاً ملاحظة أن هذه الأطروحات هي متعارضة ومتناقضة من جهة، ومن جهة أخرى أننا قبل أن ندافع عن هذه النظرية أو تلك فإن هذه النظرية تقودنا إلى نتائج مهمة جداً بما يترتب عليها. ولكي ندرك من هو على حق يجب أن نرجع إلى النقاط الثلاث التي أوجزنا بها كل الحجج:
المثاليون يؤكدون على الآتي: • الروح تخلق المادة • المادة لا توجد خارج فكرنا فهي إذن ليست سوى وهم بالنسبة إلينا. • أفكارنا هي التي تخلق الأشياء.
بينما يؤكد الماديون عكس ذلك تماماً. ولتسهيل عملنا يجب علينا أولاً أن ندرس ما يقع تحت الحس المشترك، وما يثير دهشتنا كثيراً • هل صحيح أن العالم لا يوجد إلا في فكرنا؟ • هل صحيح أن أفكارنا هي التي تخلق الأشياء؟
هاتان حجتان تدافع عنهما المثالية وتؤدي نتائجهما كما في جميع اللاهوتيات إلى السؤال الثالث: • هل صحيح أن الروح تخلق المادة؟
إن هذه الأسئلة مهمة جداً لأنها تتعلق بالمشكلة الأساسية في الفلسفة وبالتالي سنرى من على حق عند مناقشتها، لأنها هامة جداً بالنسبة للماديين بمعنى أن الإجابة عن هذه الأسئلة مشتركة بين جميع الفلسفات المادية وبالتالي في المادية الديالكتيكية.
01-16-2008, 12:10 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
قبل دراسة هذا السؤال يجب علينا أن نحدد وضع لفظين فلسفيين نحن مدعوون لاستعمالهما، ونجدهما غالباً في قراءاتنا للفلسفة، وهما:
الواقع الذاتي (أي الواقع القائم فقط في فكرنا) الواقع الموضوعي (وهو واقع قائم خارج فكرنا)
فالمثاليون يقولون أن العالم ليس واقعاً موضوعياً بل هو واقع ذاتي. ولإظهار أن العالم والأشياء لا توجد إلا في فكرنا، جزأ باركلي الأشياء بحسب خصائصها (لون، مقدار، كثافة .. إلخ) وبيّن لنا أن هذه الخصائص التي تتغير تبعاً للأشخاص ليست في الأشياء نفسها، ولكن في ذهن كل منا. ونستنتج أن المادة هي مجموعة خصائص غير موضوعية، وإنما ذاتية وهي بالتالي غير موجودة.
فإذا أخذنا مثال الشمس من جديد، فإن باركلي يسألنا: هل نحن نعتقد بالواقع الموضوعي للاسطوانة الحمراء، ويبيّن لنا اعتماداً على منهجه في مناقشة الخصائص أن الشمس ليست حمراء وليست اسطوانة، إذن ليست الشمس واقعاً موضوعياً لأنها غير موجودة بذاتها وإنما هي واقع ذاتي لأنها لا توجد إلا في فكرنا.
بينما يؤكد الماديون أنه مهما يكن الأمر، فالشمس موجودة ليس لأننا نراها اسطوانية وحمراء لأن ذلك هو الواقعية الساذجة. واقعية الأطفال والناس والأوائل الذين لم يملكوا سوى حواسهم لمراقبة الواقع بل يؤكدون (مستعينين بالعلم) أن الشمس موجودة فالعالم يتيح لنا بالفعل تصحيح الأخطاء التي تدفعنا حواسنا لارتكابها.
ولكن يجب علينا (في مثال الشمس هذا) طرح سؤال بوضوح: سنقول مع باركلي أن الشمس ليست اسطوانية وليست حمراء ولكننا لن نقبل باستنتاجه نفي الشمس كواقع موضوعي. لأننا لا نناقش خصائص الأشياء بل نناقش وجودها. نحن لا نناقش لنعرف هل حواسنا تخدعنا وتشوه الواقع المادي، ولكن لنعرف ما إذا كان هذا الواقع موجوداً خارج حواسنا.
يؤكد الماديون وجود هذا الواقع خارجاً عنا ويقدمون حججاً (هي العلم نفسه). فماذا يفعل المثاليون ليبينوا لنا أنهم على حق؟ يناقشون الكلمات، ينفقون خطباً طويلة ويكتبون صفحات عديدة. ولنفترض للحظة أنهم على حق، فإذا لم يوجد العالم إلا في أفكارنا فهذا يعني أنه لم يوجد قبل وجود الناس.
نحن نعلم أن ذلك غير صحيح لأن العلم بيّن لنا أن الإنسان ظهر متأخراً جداً على الأرض، سيقول المثاليون وقتها أنه قبل الإنسان كانت هنالك الحيوانات وأن الفكر كان يقيم فيها، وأن أية حياة عضوية لم تكن ممكنة عليها. بعضهم أيضاً يقول أنه حتى ولو وجد النظام الشمسي وحده والإنسان لم يوجد أبداً. فالفكرة والروح موجودتان في الله. وهكذا نصل إلى الشكل الأسمى للمثالية. وعلينا أن نختار بين الله والعلم. فالمثالية لا يمكن أن تستقيم بدون الله، والله لا يمكن أن يوجد بدون المثالية.
لنر إذن كيف تطرح مسألة المادية والمثالية: من هو على حق؟ الله أم العلم؟ الله : هو الروح الخالصة الروح التي تخلق المادة، وذلك تأكيد بدون إثبات. العلم يبيّن لنا بالممارسة والتجربة أن العالم هو واقع موضوعي ويسمح لنا بالإجابة عن السؤال: هل صحيح أن أفكارنا هي التي تخلق الأشياء؟
وسوف نجيب على السؤال في المبحث التالي
01-16-2008, 12:21 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
لنأخذ مثالاً على ذلك، سيارة تمر في نفس اللحظة التي نجتاز فيها الشارع بصحبة مثالي يناقشنا لمعرفة هل الأشياء هي ذات واقع موضوعي أم واقع ذاتي. وهل صحيح أن أفكارنا هي التي تخلق الأشياء. من المؤكد أنه إذا أردنا ألا تدهسنا السيارة أن ننتبه جيداً إذن. إذن المثالي مضطر (في الممارسة) أن يعترف بوجود السيارة، بالنسبة إليه، عملياً لا فرق بين سيارة موضوعية وسيارة ذاتية. وهذا أمر بالغ الصحة حتى أن الممارسة تقدم البرهان على أن المثاليون هم ماديون في الحياة.
نستطيع في هذا المجال إيراد أمثلة عديدة، نرى فيها ان الفلاسفة المثاليين والذين يدعمون هذه الفلسفة لا يترددون عن ارتكاب بعض السفالات "الموضوعية" ليحصلوا على ما ليس سوى حقيقة ذاتية بالنسبة إليهم.
ولهذا السبب بالأحرى لم نعد نصادف أحداً يؤكد (كما يفعل باركلي) بأن العالم غير موجود. فالحجج هي أكثر تنويعاً وأكثر تمويهاً. ولذا فإن لينين أن المحك الحقيقي لفضح المثاليين هو (الممارسة) ويؤكد بالتالي على ارتباط (الممارسة) و (النظرية) لأن الممارسة هي التي تبيّن لنا صحة أو خطأ نظرية ما. ففي مثال السيارة السابق بيّن أن العالم واقع موضوعي وأنه ليس سراباً يخلقه ذهننا.
يبقى علينا أن نرى الآن وحيث أن النظرية اللامادية لباركلي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أمام العلم. ولا أن تصمد أمام معيار الممارسة ما إذا كانت الروح تخلق المادة كما تؤكد جميع استنتاجات الفلسفات المثالية والأديان واللاهوت.
فهل صحيح أن الروح تخلق المادة؟
01-17-2008, 11:48 AM
emad altaib
emad altaib
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 5300
العزيز: هشام ادم نفهم من مماسبق ان باركلي في خضم دفاعه وتصديه انحازه الي الفلسفة المثالية التي هي تتفق مع الفلسفه المادية بالاعتماد علي التجربة العلمية والادراك الحسي ولكن الادارك الحسي عندهم لا يتعلق بذات الاشياء وانا بمعانيها وصورها الذهنية وهذا ادي الي الصراع بين المادية والمثاليه حول اثبات الوجود المادية ونفيه ؟؟ هذا الصراع يؤدي الي الشك وقد ظهر لدي ( ديفد هوم) وقد انكره حتي العقل والذات؟؟
Quote: (من هم علي حق الماديه ام المثالية)
مع العلم ان كل من هما نظريه وياتي السؤال لماذا لايكون الدين طرف ثالث في الاحقية؟؟ وهل توجد احقية مطلقة في الفلسفة ؟؟؟ جاءت في كتاباتك, مشكلة الفلسفة والتي هي تعني العلة الاولي , فما هي مشكله المصدر للعالم ؟؟؟ انتظر الاجابة منك! الفلسفه المثاليه لا تستطيع ان تدافع عن نفسها واسالك وهل الفلسفة الماديه تفسر نشوء الكون من المادة وفقاً لمبادئها؟وكيف وجدت العناصر الاساسية للكون؟ ولك كل الود الحار
ــــــــــــــــــــــــــ الاخ العزيز : هشام ادم سلام وتحايا
Quote: على كل حال لا يجب أن نقفز بالزانة فوق التسلسل التاريخي لتطور العلوم والفلسفات
لم اقفز بالزانة وقد تتداخلت في قلب الموضوع .. وعندما ذكرت انت هدفك هو تبسيط الفلسفه سالت نفسي اين فلسفة ارسطو وافلاطون وسقراط الذين هم كانوا قبل الميلاد وفلاسفة الاغريق .! وتشككت هل في نفس يعقوب حاجة ؟ وفضلت ان يقضيها!.. واراك تسهب في الفلسفة الماديه والمثاليه كل هذا حتي تتسني لناالمشاركة معك عندما درستنا الفلسفه علي يد الدكتور عبد المتعال لم تكن البدايه هكذا اخ هشام فكان مبحث الاخلاق والمعرفه والوجوديه في المقدمه.. وهذا الذي حببها اليناالتسلسل المنطقي ..وفلسفة الجمال مشوقة ومحفزة لغير دارسيها. اخ اتنمي منك واعرف انك حريص علي الامانة العلميه ان تورد لدينا المراجع التي كتب منها وان كانت المباحث لك يجب ان تكون ممهوره باسمك حتي لا يختلط علينا الامر فلقد مررت علي كثير مما كتب اعلاه في المادية..في(المرجع : كتاب " مبادئ أولية في الفلسفة" لجورج بولتزر نقلته إلى العربية وقدمت له فهمية شرف الدين عن مجلة أقلام تلاميذية العدد1 كل هذا من اجل حوار هادف وموضوعي مثل ما تدعو الفلسفه ..! عزيزي لك كل الود الحار :غدا سوف ارد علي المداخلة الجديدة
لم أكن أعني فلسفة أرسطو وسقراط عندما جلبت عبارة (القفز بالزانة) إنما كنت أعني الكلام عن (الفلسفة التوفيقية) المسمّاة (اللاأدرية) التي تحاول أن توجد فلسفة أخرى أو ثالثة وسطية بين المادية والمثالية، ولذا رأيت أنه من الطبيعي التقيّد بالتسلسل التاريخي لتطور العلوم والفلسفات حتى يأتي الحديث عن هذه الفلسفة التوفيقية. وعلى العموم يا عزيزي، فإن الكلام عن مقدمات علم الفلسفة والمنطق والجمال والأخلاق (رغم موضوعاتها المشوّقة) رأيته نوعاً من الإطالة غير المحببة، لأنها لا تخدم الخط الرئيس في هذا الصدد.
أما بالنسبة للمراجع يا عزيزي، فبالتأكيد أنّ جورج بوليتزر كان أحد المناضلين الماركسيين القلائل الذين فهموا الماركسية والمادية الديالكتيكية فهماً جيداً وحاولوا في مرحلة ما (عندما كان في الجامعة العمالية في فرنسا) أن يبسّط الفلسفة لطلابه ويحارب التعقيدات بجميع أنواعها، ولكنه لم يكن الوحيد من اتبع هذا المذهب، إنما كان كيريلينكو على سبيل المثال أو حتى كورشونوفا قد اتبعا ذات المنهج عندما تحدثا في كتابهما (ما هي الفلسفة) ذات النهج، بل إنهما في ذلك الكتاب تناولا المصادر الأولى للمعرفة وتتبعا ذلك الخيط منذ أزمنة سحيقة. وأنا أتمنى أن تراجع بوست ( الفلسفة ) و ( الفلسفة - 2 ) ومن كلٍ نستفيد ونتعلّم يا عزيزي.
لك التحية على هذا الإثراء الجميل والمفيد.
01-17-2008, 01:30 PM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
باركلي كان يلّقب بأبو المثالية، كما كان ديدرو يلقب بأبو المادية. والمذهب المثالي (للتأكيد) لا تتفق مع المادية أبداً بل ولا يمكن لهما أن يتماثلا في أي منحىً من المناحي لا التجريبية ولا التطبيقية. باركلي لا يعتمد على التجريب، بل على العكس تماماً، فكما اتضح من الأمثلة السابقة فهو لا يعترف بواقعية الواقع الخارجي إنما يعتبرها سراباً فلسفياً ويرى أن كل الأشياء إنما هي انعكاس لأفكارنا نحن، فيقول أن أفكارنا هي التي تخلق الأشياء، ولكن لينين في إحدى كتبه التي خصصها لمعارضة المذهب الباركلي قال أنّه ليس أمامي المثالي إلا أن يكون مادياً في ممارسته، بمعنى أن الأفكار التي يطرحها المثالي (لاسيما في مذهب باركلي) لا يمكن التعاطي معها في الممارسة والتجاربة، ولو كان باركلي صادقاً لما سمح للخوف بأن يتملّكه عندما رأى عربة تمر من أمامه، لأن السيارة (وكل الأشياء المادية الأخرى في فلسفته) غير موجودة وجوداً موضوعياً بل موجودة وجوداً ذاتياً ، وبالتالي فإنه من المستحيل أن تدهسه السيارة! وهذا أمر يرفضه العقل. ويرفضه الواقع. وبالتالي فباركلي وغيره مما يؤمنون بمذهبه ليسوا إلا ثرثارين لا أكثر، ولا يمكنهم إثبات صحة نظريتهم الفلسفية بالتجربة. لأنه كما قلنا من قبل فإن الممارسة هي المحك الحقيقي لأي نظرية فبها يثبت صحة النظرية من عدمها. وقد قلنا من قبل الفارق الوحيد والأساسي والجوهري بين المادية والمثالية تكمن في الإجابة عن السؤال الفلسفي (المسألة الفلسفية الأساسية) : أيهما أسبق الفكر أم الطبيعة. الروح أم المادة؟ وبالتالي فإن المثالي ينزع دائماً نحو تصديق القوى غير المادية (الروح) وهو بالتالي لا يعتمد في إثبات صحة نظرياته على (العلم) وذلك على عكس المادي الذي لا يمكنه أن يكون أيّ تصورات فلسفية دون أن يصطحب معه العلم.
الصراع بين المادية والمثالية بالفعل أدى إلى نشوء فلسفة طرحت نفسها كفكر توفيقي وهو مذهب اللاأدرية والتي تبناها هيوم (كما ذكرت أنت) بالإضافة إلى كانط. وهذه هي المسألة التي وددتُ أن نؤجل الحديث عنها حتى يأتي وقتها. فالكلام عن اللاأدرية وتفنيد حججها موضوع سابق لأوانه في هذه المرحلة.
أما عن قولك (لماذا لا يأتي الدين كطرف ثالث) فأنا لا أدري هل تقصد طرف رابع على اعتبار أن ثمة ثلاثة مذاهب فلسفية هي: المادية والمثالية واللاأدرية؟ أم تعني أنّك ترفض طرح اللاأدريين وتطرح الدين كطرف ثالث في هذا الصراع؟ وأيّـاً كان ردك يا عزيزي، فالدين طرف أصيل في هذا الصراع حيث أنه يمثل المذهب المثالي بأجلى صوره. فما اللاهوت مثلاً إلا شكل من أشكال المثالية التي تفسر العالم تفسيراً لا يعتمد على العلم بل يعتمد على افتراض قوى (روحية) أو فوق مادية. وهذا هو الدين تماماً. إذن فالدين شريك أصيل في هذا الصراع في الأصل.
الفلسفة المادية لا تعترف بالمطلق أبدا. لماذا؟ لأنها (كما قلنا ونقول دائماً) تعتمد على العلم والعلم متطوّر، وبالتالي فالمادية تتطوّر مع تطوّر العلوم. فإذا كنا نقول بأن الأرض مسطحة ذات يوم، لأن العلم الممنوح لنا ذلك الوقت قد أثبت ذلك، فإننا نأتي في حقبة أخرى ونقول أن الأرض ليست مسطحة بل هي كروية، لأن العلم أثبت ذلك، ونأتي اليوم لنقول أن الأرض بيضاوية وليست كروية لماذا؟ لأن العلم أخبرنا بذلك. ولكن المثالية تعترف بالمطلق، فالحقيقة الوحيدة التي لم يختلف عليها أيّ مثالي حتى قبل باركلي هي أنّ هنالك قوى فوق مادية هي التي تتحّكم بهذا العالم، وهم يعزون الظواهر الطبيعية لهذه القوى الروحية، تماماً كما كان يفعل الإنسان البدائي الذي كان يظن أن الأمطار (هذه الظاهرة الطبيعية) ما هي إلا علامة من علامات رضا الآلهة، وأن البراكين (هذه الظاهرة الطبيعية) ما هي إلا علامة من علامات سخط أو غضب الآلهة... وهكذا فكل ظاهرة طبيعية مرجعها الأساسي للقوى الفوق مادية. وبالتالي فالمسألة لديهم مطلقة. ولكن أشكال المادية تختلف والمصطلحات التي يستخدمونها تختلف ولكن الجوهر واحد في كل حين.
لم أفهم أخي العزيز ما عنيته بـ(مشكلة المصد للعالم) فماذا تقصد بمصد العالم؟ حتى وإن كان مقصدك (مصدر العالم) فإنني لم أفهم مقصد السؤال فأسألك أن توضح لي أكثر حتى أتمكن من مناقشة هذه النقطة معك.
أما بخصوص تساؤلك الأخير حول تفسير نشوء الكون، فإن العلم هو من يجيب عن هذا السؤال وليس الفلسفة المادية، الفلسفة المادية والعلم في بحث دائم عن إجابات لهذا السؤال وأسئلة كثيرة أخرى، فكما قلت من قبل فإن الهدف الأساسي من الفلسفة المادية هو (تقديم تفسيرات علمية للعالم) ودون العلم فلا يمكن للمادية الإجابة على هذا التساؤل إلا بمزيد من البحث العلمي. وسوف نرى كيف تطور الفلسفة المادية مع تطوّر العلوم، وبالتالي كيف يمكن للمادية الإجابة على هذا السؤال ولكن بالتدريج.
أشكرك يا عزيزي على إثراء هذا الموضوع بالآراء والمناقشة
01-17-2008, 06:26 PM
emad altaib
emad altaib
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 5300
ـــــــــــــــــــــــــ االعزيز : هشام ادم في السؤال السابق كنت اقصد مصدر الكون ؟ مشكله الفلسفه هي العله الاولي الله ام الماده؟ ـــــــــــ
ان الاديان كلها عقائد ينبثق عنها نظام كامل لحياة البشريه ويقوم مسعي السلوك الانساني ويرسم منهاج الكائن البشري ليرتقي من مستوي الحيوانيه الدونية الي مستويات عليا وراقيه ., كذلك ليست وظيفة الدين ان يقدم تفسير تفصيليا للكون كيف نشاء؟ وما هي الاطر التي مر فيها؟وما هي عناصر التي تتكون منها؟ وما هي التفاعلات بين هذه العناصر؟ إلى غير ذلك من هذه المسائل. وليس في الاسلام شيء من ذلك إذا ما رجعنا إلى المصادر الاساسية للاسلام.
كل ما يقوله الدين في هذا المجال أنه يرد الكون إلى علة علياً إنه يعتبر «اللّه» هو السبب النهائي الاعمق والأعلى للتكوين «ويحتم على تسلسل العلل والاسباب أن يتصاعد إلى قوة فوق الطبيعة وفوق المادة» أما المسائل المتقدمة وأمثالها فهي مجال العلم. وموقف الدين الاسلامي من العلم يتكون من عنصرين:
الأول: التشجيع على البحث والمعرفة، وذلك بفتح الآفاق أمام العقل البشري، وإزالة المعوقات التي تعترض طريقه وتعرقل سيره «حرم الاسلام السحر، والشعبذة، والكهانة، والقيافة»(1) فالاسلام يشجع، ولا يخطط، لأن التخطيط ليس من وظيفته وإنما هو وظيفة العقل الباحث، ولأن للعلم قوانين تطوره الخاصة التي تنجم عن تطور المعرفة، وتنوع الاكتشافات.
الثاني: إن موقف الدين الاسلامي بالنسبة إلى كشوف العلم وانتصاراته موقف مؤيد - واكرر: بالنسبة إلى العلم، أي إلي ما ثبت باليقين والحس والتجربة، فهو يعترف به، ويباركه ويعتبره مظهراً من مظاهر خلافة الانسان في الأرض. أما الظنون، أما الفرضيات والنظريات فلا قيمة لها، ولا تنال من الدين الاحترام بوصفها علماً لأنها ليست علماً، وإنما هي ظنون (من مطارحات فكريه محمدمهدي شمس الدين) ــــــــــــ مهما يكن من امر فإن بعض المفكرين بسبب من تضخم احساسهم بالقدره علي الكشف وبان كشفهم هذا قادر علي الامتداد لتغطية جوانب الحقيقة كافة وتفسير كل شيء بسبب من هذا يتجاوزن احيانا دوائرهم ويوغلون في مجالات ودوائر اخري للمعرفة قد لا يملكون من الادوات والوسائل ما يمكنهم من ان يحققوا فيها ما حققوه هناك في حقل تخصصهم وابداعهم واذا كان الدافع لهذا السلوك واضحاًفماذا الذي يدفع ( الاتباع) الي تقبل هذا الموقف واعتبار معطيات المفكر حتي في مجالات تبعد عن تخصصه بمثابة الحقيقة النهائيةهي الاخري؟ ان هذا بالذات ما يحدث بالنسبة للماركسين علي سيبل المثال وهم يتعاملون مع اكتشافات (ماركس) في حقول الاقتصاد والفلسفة والتاريخ فيرونها جميعا بمثابة الامور التي تتجاوز حدود الحقائق الاختبارية الي نوع من القدسية التي يتحتم الا يمسّها احد باية صيغة من صيغ التساؤل والشك فإذا كان (ماركس)في حقل الاقتصاد قدّم في دائرته كشوفا ذات قيمة فماذا الذي يحتم علي لتباعه قبول كل معطياته وكشوفاته في مجالين اخرين قد لا يكون صاحب القول الفصل فيهما وهما الفلسفة والتاريخ؟ ان الفلسفة التي تتعامل مع المادة لا يمكن ان تمنحنا قناعات كافية ان لم تبدا من المختبر وتنبثق عن اسس فيزيائية علمية كما يفعل رجال من امثال (هايزنبرغ)و(اينشتاين)و(كاريل)وغيرهم والبحث في التاريخ مالم يستكمل تفاصيل وجزئيات وكل عصر وبيئة لا يمكن ان يمنحنا نتائج نهائية. وعلي ضؤ هاتين الحقيقتين البديهتين يمكن ان نقّيم معطيات (ماركس) في هذين الحلقتين ونحن لازلنا نذكر عبارة الباحث الاقتصادي (اوسكارلانكه) وهو احد اكبر اخصائيين اقتصاد الدول النامية فهو بعد ان يستعرض جهود الكتاب الذين اهتموا بدراسة اقتصاد مجتمعات ما قبل الرسمالية منذ عصر (ماركس) وحتي عصر (بورشييف)يقول ما معناه ((ولكن هذه الدراسات جميعها مفككة لذلك فإن الاقتصاد السياسي للنظم الاجتماعية ماقبل الرسمالية لما يخرج بعده الي حيز الوجود باعتباره فرعا منظما من فروع الاقتصاد السياسي))ولكن هل يكفي هذا كله لفك الارتباط الوثني بين الاتباع والارباب وتجاوز تقاليد قرون طوال سادة الفكر المادي ولاتزال؟ (قالوا عن الاسلام) صفحة44 ولك كل الود الحار.اخ هشام متابعك واصل
01-17-2008, 11:34 PM
AMNA MUKHTAR
AMNA MUKHTAR
تاريخ التسجيل: 07-31-2005
مجموع المشاركات: 13702
Quote: يعنى هسه يا هشام آدم نقوم نصدق كلامك ده ..ونتفلسف براحتنا ومافيش حد أحسن من حد ؟
آمنة مختار يا حربية .. كيفك؟ المقصود هنا يا أمونة، هو إنو الفلسفة في متناول الجميع، وباستطاع أي زول تعلّم الفلسفة والإلمام بها، لأنها ما صعبة زي ما بيتخيّل الناس. صعوبة الفلسفة جات من وين طيّب؟ لأنو في كتب فلسفية بتبالغ في استخدام المصطلحات الفلسفية، ولما يجي واحد رمتالي زيّنا كده يقراها يتخلع، ويتخيّل ليهو إنو الفلسفة دي شعر ما عندو ليها رقبة، وده اللي دايراهو الفلسفات البرجوازية، دايرة العالم دي يكونوا جاريين ورا لقمة العيش وبس
أتمنى أن تنجح في تبسيطك يا ابن ادم لتقع في فوهة الصمت وتكسر قلمك وتأخذ الماعز لأعلى و أبعد جبل في السودان و تنتظر رحمة هلاكك الذي لا مفر منه. رحمنا الله جميعاً !!!
01-19-2008, 07:42 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
Quote: أتمنى أن تنجح في تبسيطك يا ابن ادم لتقع في فوهة الصمت وتكسر قلمك وتأخذ الماعز لأعلى و أبعد جبل في السودان و تنتظر رحمة هلاكك الذي لا مفر منه. رحمنا الله جميعاً !!!
والله يا مسعود قريت كلامك ده سبع مرات، وبرضو ما فهمت منو حاجة معليش يا أبو السعود أصلو الفهم قِسم ، وربك يمكن ما قاسم لينا بيهو
المسألة الفلسفية الأساسية كما ذكرنا من قبل هي ( أيهما أسبق المادة أم الفكر) مهما اختلفت تسميات المادة: طبيعة/كون/عالم ... إلخ ومهما اختلفت تسميات الفكر: روح/الله ... إلخ. فمناط المبحث الفلسفي في المقام الأول هو إيجاد تفسيرات للكون والعالم، والإجابات على التساؤلات الوجودية والفلسفية في المقام الأول. وما كان انقسام الفلاسفة بين مثاليين وماديين إلا ناتجاً بشكل أساسي عن اختلاف إجابتهم على السؤال السابق. فمن يقول أنّ الفكر أسبق على المادة هو إنما مثالي حتى وإن رفض ذلك وعلّل له، ومن يقول أنّ المادة أسبق على الفكر، هو مادي حتى وإن أنكر ذلك وعلّل له. وكما قلنا من قبل فإن المذهب المادي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلم وبحركته وبالتالي فإن المادية متطورة. والمثالية متطورة كذلك وما (الله) إلا أعلى تطور لأشكال المثالية. ودائماً يا عزيزي عندما نتكلم عن (الدين) لاسيما في الفلسفة، فإننا لا نقصد ديناً بعينه، وإنما نقصد الفكر الديني الذين يتناول المسألة الفلسفية بشيء من التأطير في ما أسماه بعلم اللاهوت أو الثيولوجيا، وهي أعلى تطوّر في شكل الفكر الديني الذي بدأ بتخمينات متفرقة حول افتراض كائنات لامادية/فوق مادية تمتلك قوى خارقة فوق طبيعية هي التي تتحكم في العالم وتتحكم في حركته ومن ثم تطورت هذه الفكرة إلى افتراق آلهات ثم بدأ عدد الآلهات يتقلص عبر تاريخ البشرية إلى أن ظهرت نظرية الله الواحد الذي يتحكم في آلهات أصغر أو أقل منه ثم ظهرت فيما بعد مسألة التجسيد العياني لهذه الآلهات فظهرت الوثنيات والطوطم ثم ظهرت في حقبة أكثر حداثة ديانات التوحيد التي تحدثت عن إله واحد للكون. وهنالك فارق جوهري أريد أن أنبّه إليه يا عزيزي بين الدين وبين المثالية الفلسفية فالمثالية الفلسفية ما هي إلا الأساس الفلسفي للديانات فكما أنّ المادية الفلسفية هي الأساس الفلسفي للماركسية فكذلك الشيء ذاته بالنسبة للدين والمثالية الفلسفية.
أما فيما يتعلق بمسألة تشجيع وتأييد الأديان للعلم فهذا أمر فيه نظر يا عزيزي، وما نحن الآن بصدد طرح أبستمولوجيا للدين فهذا أمر يحتاج إلى خيط نظري آخر وربما نتطرق إليه لاحقاً أو في نهاية هذا البوست، ولكن كل ما نريد أن نقوله في هذا المقام هو أن لفظة (دين) لا تعني الديانة الإسلامية بشكل محدد.
أما فيما يتعلق بتناولك ما جاء به ماركس وموقف الماركسيين من ذلك، فهو داخل في مسألة (نقد الفكر الماركسي) أو (نقد النظرية الماركسية) ولا يتسع المقام لتناول مثل هذا الأمر، فمن ناحية فإن نقد الماركسية يتطلب أولاً شرح النظرية والإلمام بها، وليس من المنطقي أن ننقد نظرية من غير طرحها وتناولها بالشرح والتفصيل. ولكن مبدئياً يمكننا القول بأن ثمة اتجاهات ذهبت لنقد الماركسية والبعض يرى أن النظرية الماركسية هي واحدة من أهم بل وأخطر اكتشافات التاريخ البشرية مثله مثل نظرية دارون ونظرية التحليل النفسي لسيجموند فرويد ونظرية شوان وشلايدن للخلية العضوية وغيرها من الاكتشافات والنظريات التي ساهمت في دفع عجلة الفكر الإنساني حتى وإن جاء نقدها أو الإضافة عليها فيما مراحل لاحقة.
01-19-2008, 08:46 AM
معتز تروتسكى
معتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839
Quote: وهنالك فارق جوهري أريد أن أنبّه إليه يا عزيزي بين الدين وبين المثالية الفلسفية فالمثالية الفلسفية ما هي إلا الأساس الفلسفي للديانات فكما أنّ المادية الفلسفية هي الأساس الفلسفي للماركسية فكذلك الشيء ذاته بالنسبة للدين والمثالية الفلسفية.
سؤال يا أخي هشام: أيهما أسبق المثالية الفلسفية أم الدين؟ الأديان السماوية تقول: إن الدين بدأ مع آدم أبي البشرية.
01-19-2008, 10:28 AM
Abdel Aati
Abdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072
Quote: سؤال يا أخي هشام: أيهما أسبق المثالية الفلسفية أم الدين؟ الأديان السماوية تقول: إن الدين بدأ مع آدم أبي البشرية.
الأخ العزيز : محمد الأمين موسى
ربما تكون الصياغة الأدق هي (أيهما أسبق: الفلسفة أم التدين؟)
وبهذه الصيغة يكون التدين أقدم ، ولكن مفهوم الندين متغيّر، إن أخذنا في الاعتبار أن التدين كان في بداياته اعتبار أن ثمة قوى خارقة فوق طبيعية تتحّكم في هذا العالم، وبدأت علاقة الإنسان بهذه القوى تأخذ أشكالها المختلفة (كما سبق) إلى أن وصلت إلى الديانة التوحيدية ابتداءً من إبراهيم صاحب أول مذهب توحيدي على وجه الأرض. وهذا ما تعترف له بها الديانات السماوية التالية: اليهودية والمسيحية والإسلام. على أنّ الدين بمفهومه الأكثر بدائية بدأ قبل ذلك بكثير. وبالتحديد عندما بدأ الإنسان يبحث عن أساليب اتقاء الشر واستجداء الخير بصفة عامة. ولم يكن الإنسان وقتها قادراً على التجريد.
ولكن هنالك سؤال يفرض نفسه: هل كان الإنسان البدائي أو المجتمعات البدائية بحاجة إلى دين أو قانون ينظم حياتها؟ للإجابة على هذا السؤال يمكننا أن نلجأ إلى طريقتين: هما البحث في الكتب المقدسة لنرى ما يقوله لنا الدين، أو نبحث في العلم: علم الإناسة (الانثربيولوجيا) وعلم السيسيولوجية وعلى الجيولوجيا والأحافير وغيرها من العلوم التي تعطينا إجابات تقريبية لمسائل مثل: عمر الأرض ، وبداية الكون، والحقب التاريخية.
الدين يقول: الدين بدأ منذ بداية البشرية، والبشرية في الأديان السماوية تبدأ منذ (آدم) ورغم ذلك فإننا نجد أن أول دين توحيدي في المجتمعات البشرية (امتداد لبقية الديانات السماوية) لم يبدأ إلا منذ (إبراهيم) فكيف يمكننا تفسير هذا الفارق الزمني. علماً بأن آدم عاش 130 سنة وبعده عاش شيت ولده وعاش 105 سنوات ثم بعده أنوش وعاش 90 سنة ثم بعده قينان وعاش 70 سنة ثم بعده مهللئيل وعاش 65 سنة ومن بعده يارد وعاش 162 سنة ثم من بعده أخنوخ وعاش 65 سنة ثم بعده متوشالح وعاش 176 سنة ثم بعده لامك وعاش 182 سنة ثم بعده نوح الذي كان من أبنائه تارح وسام، وتارح هذا الذي جاء منه إبراهيم. هذا كما تذكر كتب العهد القديم.
وفي القرآن نجد (ام كنتم شهداء اذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الها واحدا ونحن له مسلمون) وكذلك (وقالوا كونوا هودا او نصارى تهتدوا قل بل ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين) وكذلك (قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون) وكذلك (ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) وكذلك (قل صدق الله فاتبعوا ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين) وكذلك (ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم خليلا) وكذلك (قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين) وكذلك (ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين) والعديد من الآيات القرآنية التي تؤكد على تأريخانية الحنفية الإبراهيمة في ديانة التوحيد. هذا إضافة إلى سؤالنا الأكثر موضوعية وإلحاحاً: هل كان (آدم) أبو البشرية أم أبو الإنسانية؟ لأننا في القرآن نجد الآية (إن الله اصطفى ادم ونوحا وال ابراهيم وال عمران على العالمين) والاصطفاء لا يكون إلا بوجود (خيارات) فإن قلنا بأن الله اصطفا آدم فإنه لا بد لنا أن نخمّن أن آدم تم اصطفاؤه من بين مجموعة بشرية محددة، وهذا يقودنا إلى الاقتناع أخيراً بأن قبل (آدم) حياة بشرية سابقة وبالتالي حياة أسبق للديانات. كذلك يمكننا أن نسأل: ما هي الديانات السماوية إن لم تكن اليهودية والمسيحية والإسلام؟ ألم تبدأ المسيحية بعيسى واليهودية بموسى والإسلام بمحمد وكان الثلاثة أتباعاً لملّة إبراهيم؟
عموماً هذا الكلام قد يكون انحرافاً عن مسار البوست الأساسي وبالتالي الخروج عن موضوع الفلسفة إلى الكلام عن تاريخ الأديان وتاريخ البشرية. ومع ملاحظة أن الإجابة على سؤالنا قد يوضح لنا اتجاهاتنا الفلسفية وبالتالي يحدد لنا في أي المسارات الفلسفية نقف نحن.
نتكلم الآن عن الفلسفة الثالثة والتي تسمى (اللاأدرية)
عرفنا فيما سبق أن ثمة مذهبين أساسيين فقط في الفلسفة هما: المادية والمثالية. وربما قد ألمحنا فيما سبق أن ليس جميع المثاليون بنفس صراحة باركلي في طرح أفكارهم وآرائهم المثالية، ما يجعل أمر الكشف عن الأفكار المثالية أقل سهولة مما قد نتخيّل. ولذا نجد أن لينين يقول في كتابه "المادية والمذهب النقدي التجريبي" أن المثاليين المحدثين قد بدؤوا في طرح أفكارهم المثالية بطريقة أكثر تصنعاً وغموضاً معتمدين في ذلك على استعمال المصطلحات "الجديدة" ليس من أجل شيء، إلا لخلق الالتباس على الناس في محاولة لجعل أفكارها تبدو لهم مقبولة (على اعتبارها الفلسفة الأحدث) كما يقول لينين. وحتى قبل ظهور هذا المذهب التوفيقي (اللاأدرية) كانت المسألة الفلسفية الأكثر أهمية هي (كما سبق وقلنا) تقف عن حد أيهما أسبق الفكر أم المادة. ورأينا كيف أن الإجابة على السؤال لا يحتمل إجابة ثالثة.
جاءت الفلسفة التوفيقية هذه لتقول لنا أنه من غير المفيد أن نعرف طبيعة الأشياء لأننا (حسب زعمهم) لن نصل أبداً إلى (حقائق) بل إلى (مظاهر) ولهذا سميّت هذه الفلسفة باللاأدرية. فهم يرون أنه من الصعوبة بمكان الإجابة على السؤال الفلسفي (أيهما أسبق الفكر أم المادة) لأنه من المستحيل بالنسبة إليهم التأكد من حقيقة الكون وأصله هل هو أصل مادي أم روحي. ويعتمدون في ذلك على أن الحواس لا تتيح لنا إلا إدراك (المظاهر) فقط. ومثال ذلك:فإذا كان هنالك شخصان يرتدي كل واحد منهما نظارة ملونة بلون مختلف (واحد أزرق) و (واحد أصفر) فإن كل واحد منهما سيرى العالم يلون نظارته وإنه سوف يستحيل على كليهما أن يعرف لون العالم والأشياء الحقيقي إن لم يخلق النظارة التي يرتديها. وهما بالتالي يرون أن الماديين والمثالين يمثلون هذين الرجلين. روّاد هذه الفلسفة:
أهم روّاد هذه الفلسفة هما (هيوم) و (كانط) وكان هيوم في معرض ما قدّمه من محاكمات فلسفية يؤمن بكل ما يقع تحت الحس المشترك أي (وجود كون خارجي) غير متربط بنا، ولكنه في نفس الوقت يرفض قبول هذا الوجود كواقع موضوعي. فالوجود بالنسبة إليه (أو وجود الأشياء) بالنسبة إليه هو عبارة عن نسخة copy والإحساسات التي تستنتج هذا الوجود لا يمكن أن تكون قادرة على إقامة صلة (أيّة صلة) بين الذهن والموضوع. وبشكل مختصر قليلاً : فهو يريد أن يقول أننا نعيش وسط الأشياء تماماً كما في السينما، فشاشة السينما تمثل نسخة المواضيع ولكن ما وراء الشاشة (النسخة) فإنه لا يوجد شيء على الإطلاق. وإذا سألت اللاأدري (كيف يعرف ذهننا المواضيع؟) فسوف يقول لك (عن طريق طاقة ذهننا نفسه، أو عن فعل أي فكر لا مرئي ومجهول أو عن أي طريق آخر نجهله)
تعتبر هذه النظرية من النظريات الفلسفية المنتشرة جداً والتي تجد قبولاً واستحساناً لدى العديد من الدارسين للفلسفة والمهتمين. ولكن هل فعلاً كلام اللاأدريين صحيح؟ هل فعلاً لا يمكننا إلا أن ندرك مظاهر الأشياء وليس حقائقها؟
Quote: ألا تقتضي الأمانة أن تذكر يا أخ هشام أن تشير إلي أنك تنقل الموضوع من كتاب جورج بوليتزر
مبادئ أولية في الفلسفة هشام ياخ تثبيت المصدر مسألة اساسية في البحث العلمي والامانة تقتضي منك ان تقول انك تنقل من هذا الكتاب بدلاً عن ان توهم الناس ان كاتب محتوى البوست واذا لم تقم بتصحيح الوضع فسأقوم بوضع صور ضوئية للكتاب لاثبات السرقة..
01-20-2008, 02:42 PM
محمد الأمين موسى
محمد الأمين موسى
تاريخ التسجيل: 10-30-2005
مجموع المشاركات: 3470
أخي الفاضل هشام.. تقول إن الدين التوحيدي بدأ مع سيدنا إبراهيم عليه السلام.. ألا ترى معي أن سيدنا نوح وقبله إدريس وآدم كانوا يدعون لتوحيد الله؟ إن تساؤلي السابق ورد لأنك أشرت إلى ، المثالية الفلسفية تشكل أساس الدين وهذا يقتضي أنها سابقة للدين، بينما من أوردت أسماءهم من الفلاسفة المثاليين أتوا بعد ظهور الأديان سواء كانت سماوية أو غير سماوية.. أي أن الأمر قد يكون معكوسا. ولك التحية والتقدير على الجهد الذي تبذله في تبسيط الفلسفة.
01-21-2008, 08:37 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
Quote: أخي الفاضل هشام.. تقول إن الدين التوحيدي بدأ مع سيدنا إبراهيم عليه السلام.. ألا ترى معي أن سيدنا نوح وقبله إدريس وآدم كانوا يدعون لتوحيد الله؟ إن تساؤلي السابق ورد لأنك أشرت إلى ، المثالية الفلسفية تشكل أساس الدين وهذا يقتضي أنها سابقة للدين، بينما من أوردت أسماءهم من الفلاسفة المثاليين أتوا بعد ظهور الأديان سواء كانت سماوية أو غير سماوية.. أي أن الأمر قد يكون معكوسا.
الأخ العزيز: محمد الأمين موسى
في الآيات التي أوردتها لك في مداخلتي السابقة وهي جزء يسير من آيات أكثر تبدأ تأريخ الحنفية من عهد إبراهيم ولا تبدأها بإدريس أو نوح أو آدم رغم أسبقية هؤلاء على إبراهيم، وأنا قلت في معرض مداخلتي أن (التدين) أسبق وهذا توضحه الآيات. فإن كان آدم توحيدياً ونوح كذلك وإدريس فلم نجد القرآن يوصي الرسول فيما يوصيه بأن يتبع ملّة إبراهيم حنيفاً (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين( وكذلك أمره له وللمؤمنين (قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين( وكذلك قوله (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين( وكذلك يوصي المؤمنين من اليهود والنصارى بذات الشيء؟ لماذا لم يقل لهم مثلاً (واتبعوا ملّة أبيكم آدم) طالما أنّ آدم كان أول موحّد. لماذا نجد القرآن دائماً يؤرّخ الوحدانية بإبراهيم؟
من المعروف أخي العزيز أن ملّة إبراهيم هي الديانة التي تفرّعت منها اليهودية والمسيحية ثم الإسلام بعد ذلك، أي أنها الأساس الأول لكل الديانات السماوية، فلم نسمع بديانة إدريسية ولا آدمية ولا نوحية، بل بدأت بالديانة الإبراهيمية (الحنفية) ثم جاءت الرسل على ذات النهج التجديدي لنفس الديانة. وإن كنا سنتحدث عن المناهج التجديدية في الدين فإننا يجب عندها أن نقف عن حدّ التفريق بين (النبي) و (الرسول) ولماذا نجد البعض قد كوّن ديانة في حين جاء الأغلبية مذكرين بالديانات السابقة فقط. فلماذا لم تكن ليونس أو يوسف أو ذو الكفل أو شعيب ديانة قائمة بذاتها، في حين كان ذلك لموسى (اليهودية) ولعيسى (المسيحية) ولمحمد (الإسلام) لاسيما إذا عرفنا أنّ المصدّر واحد! عموماً أخي العزيز فبعيداً عن كل ذلك فإنني قد لا أتوقف كثيراً حول مسألة البحث عن أسبقية الدين أم المبادئ الفلسفية له.
ولكن دعني أطرح عليك سؤالاً ( هل الدين له علاقة بالفلسفة؟ )
01-20-2008, 09:59 PM
AMNA MUKHTAR
AMNA MUKHTAR
تاريخ التسجيل: 07-31-2005
مجموع المشاركات: 13702
Quote: وباستطاع أي زول تعلّم الفلسفة والإلمام بها، لأنها ما صعبة زي ما بيتخيّل الناس
عارف يا هشام ..ويا زوار بوسته..( من المهتمين بالفلسفة).. غايتو أنا عندى رأى ممكن يكون غريب شوية..ويمكن يكون غبى.. ألا وهو : لا أظن ان الفلسفة علم بوسع أى كان تعلمه بل هى موهبة ربانية والانسان اما أن يولد فيلسوفا بالسليقة..أو أن يكون عنده استعداد فطرى للنفاذ الى جوهر الأمور وليس ظاهرها.. وهذه موهبة لا يمتلكها أى انسان ..وليست فى متناول كل من هب ودب حتى لو قرأ ودرس مليون كتاب للفلسفة
فالانسان كى يصل الى درجة الفيلسوف ..لابد أن يتمتع بنفاذ البصيرة..
نعم ان كتب الفلسفة بما تحويه من مصطلحات وتعابير هى فى متناول أى انسان ويمكن لكل من نال قدرا من التعليم أن يحفظ مافى بطون هذه الكتب من أقوال الفلاسفة ويقشر بيها( وهذا شئ منتشر لدرجة الطمام).. ولكن ان لم يكن متمتعا بالقدرة على النظر الى ( الحقائق كما هى ) وليس كما تبدو ظاهريا فلن (يستطيع) أن يكون فيسلوفا حقيقيا مهما أدعى..
مجرد رأى..
01-21-2008, 08:40 AM
معتز تروتسكى
معتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839
خالص التحايا صديقى العزيزابو الشوش هشام آدم ياسيدي ماكده ، لكن خليها ساى زحمة السنيين ، بوستك ده واقف لي في حلقي عشان الواحد يشارك بجيدة لكن زى ماقلت ليك خليها بالنية .. لكن واصل وشكرا كتير على التنوير ..رغم انى عايز اجي واختلف معاك باى طريقة عشان تحصل استفادة ولو اتقمص دور ديالكتيكي. .
التحايا النواضر..
01-21-2008, 09:13 AM
هشام آدم
هشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249
كلامك يا أمونة صحيح بنسب. لأن مسألة الموهبة دي ما أعتقد أنها واردة في حكاية الفلسفة. فهل يمكن فعلاً إنو نعتبر فعل التفلسف موهبة مثلها مثل موهبة العزف والغناء والتمثيل والرسم وقرض الشعر؟ المسألة دي فيها نظر. ولكن أعتقد أن الفلسفة تتطلب توافر شرط هام وهو (المعرفة الوجودية) أو الكونية بالضرورة لأن غير الملم بهذه المعارف لا يمكن له أن يفهم الفلسفة بشكل أو بآخر. يجب علينا عند تناول الفلسفة أن نعرف - بشكل ولو سطحي – عن الكون والإنسان والتاريخ والعلوم خاصة في هذا الوقت لأنو الفلسفة تطوّرت كثيراً بعد الطفرة العلمية الكبيرة اللي حصلت واللي قاعد تحصل يوم ورا التاني.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة