دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
الهامش في الأدب السوداني
|
الأدب السوداني -كغيره من الآداب الأخرى- مخاض سلسلة من الأزمات والصراعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولا يمكن تصوّر أدب منفصل تماماً عن واقعه حتى في أشكاله الأكثر سذاجة وترفاً. والواقع السوداني -كما أراه- واقع يشكو الوهن جراء تتالي الأزمات لاسيما الاقتصادية عليه، وهو بالتالي انعكس مباشرة على الأدب بجميع أجناسه. وإن أحببنا أن نخوض في هذا الصدد متجاوزين لمحنة المثقف والمبدع السوداني؛ فإننا سنجد أنفسنا في مواجهة مع هذا المحك لا محالة، فليس لنا ألا ننظر إلى واقع الكتابة دون أن نغوص عميقاً في تداعيات الأزمات والصراعات المجتمعية التي تعمل هي الأخرى على خلق أزمات على مستوى الأفراد، وربما يكون من نافلة القول حساسية المبدع إزاء مثل هذه الأزمات. وكما بقية الآداب الأخرى فإن المشهد الثقافي السوداني مصاب بهذه الأزمات المجتمعية، ولكن الاختلاف بين الأدب السوداني وبقية الآداب الأخرى يأتي من تسلّط الأزمات الفردية الناتجة من الأزمات المجتمعية الكبرى، إذ يُمكننا القول بأن المثقف والمبدع السوداني أكثر حساسية من غيره تجاه مثل هذه الأزمات، ولكن السبب في ذلك ليس بالطبع مصدر واحد، ولكي نناقش هذه الأسباب فإنه يتوجب علينا إعادة قراءة الخارطة السيكولوجية للمبدع السوداني ولواقعه الضيّق.
يشكو واقع المبدع السوداني من إشكالية التهميش الذاتي، إذ يقبع بداخل كل مبدع هاجس حقيقي بالتهميش، وهذا التهميش ليس بالضرورة أن يكون في شكل تدني في نسبة التقدير الذاتي للمبدع، ولكنه قد يأتي في شكل تضخم الأنا بداخله بدرجة تحول بينه وبين التفاعل الإيجابي مع قضايا مجتمعه؛ وبالتالي الانتشار المناسب. إذن فإن هاجس التهميش الذاتي يأتي بصورتين داخل المبدع السوداني: أحدهما يكون بتدني تقديره لذاته، وذلك في صور كثيرة جداً أقلها، إحساسه المتعاظم بالدونية الإبداعية إزاء المبدعين الآخرين، والأخرى –وهي عكسها تماماً- تضخم الأنا التي لا تساعده على التأقلم والتكيّف مع الواقع الاجتماعي بشكل متسق.
ولأن تضخم أنا المبدع السوداني هو ما يجعله في عزلة عن الحراك الثقافي والأدبي من حوله، فإنه وبطريقة دفاعية مباشرة يميل إلى إقصاء الآخرين بذات القدر الذي يستشعر به لنفسه من الداخل، فالعملية تماماً تأتي في شكل ميكانيكي يأخذ منحى الضغط إلى الداخل والطرد إلى الخارج: ضغط أناه إلى الداخل بمزيد من التقوقع، والطرد إلى الخارج بإقصاء الآخرين، وتلعب الأزمات السياسية دورها في تدفع الأزمات الاجتماعية وبالتالي تأطريها في قوالب عرقية محددة تقتضيها الضرورات السياسية، وهي الأخرى تعمل على تحديد دفوعات المبدع السلبية تجاه هذه الأُطر العرقية المنمّطة سلفاً بفعل الحراك السياسي والاقتصادي على حدّ سواء؛ ولذا فإننا نجد بعض الإبداعات السودانية تقبع دائماً في ظل الهامش الذي تتيحه الحركة السياسية وتدفعه أنوات المبدعين الذاتية بالمقابل.
والكلام عن الهامش في الأدب السوداني بهذه الصورة قد لا يختلف كثيراً عما كتبه الدكتور أبكر آدم إسماعيل عن جدلية الهامش والمركز في الثقافة السودانية، فهي حركة لا تنفصل عن وقائع المماحكة الثقافية المطردة، ولكن يهمني هنا أن أربط هذه المسألة بدفوعاتها السايكولوجية في المقام الأول؛ فلا نخطأ كما أخطأت الماركسية عندما أقصت العوامل النفسية في دراستها للتاريخ، بعيداً عن هذه العوامل الهامة في تشكيل بنا الوعي المختلفة التي تعمل جميعاً لتوفير المبررات والمسوغات الملائمة للواقع الاجتماعي الخارجي. فإذا كانت الماركسية ترى أن الوعي الاجتماعي هو الأساس في تكوين الوجود أو الواقع الاجتماعي والأسبق عليه، فإنه علينا قبلاً أن نتعرّف على العوامل النفسية التي ساعدت على تكوين هذا الوعي الاجتماعي في صورة بنا وعي فردية متداخلة ومتشابكة توفرت في ظروف موضوعية مستقلة.
إذن فيمكنني القول بأن تحديد الهامش في الأدب السوداني يعتمد في أساسه على عوامل ذاتية، وليست سياسية اجتماعية موضوعية في المقام الأول، هي إنما حيوات ذاتية مستقلة تتوافر جميعها في الأساس، ثم تتخذ من الأزمات السياسية والاجتماعية وسطاً تتكاثر فيه لتكوّن في النهاية أشكالاً نمطية عامة للتهميش. ويمكن القول بأن الأدب السوداني على هذا الأساس هو عرضة للتهميش الذاتي في المقام الأول وعرضة للتهميش الداخلي "المحلي" في المقام الثاني، وبالتالي فإنه يُصبح في مقابل الآداب الأخرى أكثر حساسية تجاه هذا التهميش، فلا نجد –عندئذ- مفراً من الإدعاء بأن تهميش الأدب السوداني إزاء الآداب الأخرى ليس نتيجة أزمات الأدب العربي والمجتمعات العربية تجاه الأدب السوداني؛ إنما ينبع من الواقع السوداني الأدبي والسايكولوجي، وإن تهمة التهميش التي يواجهها الأدب السوداني ما هي إلا إسقاطات يُمارسها المبدع السوداني على نفسه وعلى الآخرين.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الهامش في الأدب السوداني (Re: هشام آدم)
|
Quote: إذن فيمكنني القول بأن تحديد الهامش في الأدب السوداني يعتمد في أساسه على عوامل ذاتية، وليست سياسية اجتماعية موضوعية في المقام الأول، هي إنما حيوات ذاتية مستقلة تتوافر جميعها في الأساس، ثم تتخذ من الأزمات السياسية والاجتماعية وسطاً تتكاثر فيه لتكوّن في النهاية أشكالاً نمطية عامة للتهميش. ويمكن القول بأن الأدب السوداني على هذا الأساس هو عرضة للتهميش الذاتي في المقام الأول وعرضة للتهميش الداخلي "المحلي" في المقام الثاني، وبالتالي فإنه يُصبح في مقابل الآداب الأخرى أكثر حساسية تجاه هذا التهميش، فلا نجد –عندئذ- مفراً من الإدعاء بأن تهميش الأدب السوداني إزاء الآداب الأخرى ليس نتيجة أزمات الأدب العربي والمجتمعات العربية تجاه الأدب السوداني؛ إنما ينبع من الواقع السوداني الأدبي والسايكولوجي، وإن تهمة التهميش التي يواجهها الأدب السوداني ما هي إلا إسقاطات يُمارسها المبدع السوداني على نفسه وعلى الآخرين |
الأستاذ/ هشام آدم
هذه النتيجة تدخلنا في مناقشة بنية العقل الجمعي والبحث في ماهية مراحل مدارس الأدب المختلفة ,, وبالتالي إثارت تساؤلات هامة هل هذه المراحل الأدبية نتيجة محاكاة و تقليد أم بالفعل هي حصيلة تجارب إجتماعية و سياسية شكلت هذه المراحل..! فحينما يتحدث النقاد عن الرومانسية .. والفوضوية و الواقعية و الواقعية الإشتراكية و من قبلها الطبيعوية فهي مراحل مرت بها الأمم في حقب تاريخية مختلفة يدفعها فكر إنساني يؤسس لكل مرحلة فهل التهميش نبت كإحساس ذاتي منفصلآ عن واقعه و بئته أم هو وليد العاملين الذين ذكرتهما..? أحيي هذه الكتابة التحليلية ولمزيد من الحوار.. ودمت.
| |
|
|
|
|
|
|
|