الدم الذي تكلّم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 10:54 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-09-2006, 12:01 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الدم الذي تكلّم

    ___________
    الدم الذي تكلّم


    لطالما أراد شريف أن يعرف سر الحزن والوجوم الذي يخيّم على وجه أمه ، ولكنها كانت في كل مرة تبتسم وتقول له بأنها قلقة عليه وحسب. ورغم أنه لم يكن ليقتنع بذلك ، إلاّ أنه لم يصرّ عليها لمعرفة الحقيقة. وكم كانت فرحة سعاد غامرة عندما أنهى شريف ثانويته بنجاحٍ يمكنه من الدخول للجامعة ودراسة الطب. لكن شريف كان يعشق دراسة القانون. لطالما تمنى شريف أن يكون محامياً أو قاضياً.


    سعاد التي كرست حياتها لابنها الوحيد شريف ، كانت تبيع الشطائر والحلوى على ناصية إحدى مدارس البنات في الحي المجاور. ورغم أنها فرحة بنجاح ابنها الذي كان هو أمل حياتها ، إلاّ أنها لا تعرف كيف ستوفر له مصاريف الدراسة الجامعية ، فهي تعرف أن الدراسة الجامعية مكلّفة جداً. كانت سعاد تحلم دائماً بأن ترى شريف مرتدياً البالطو الأبيض معلّقاً السماعة الطبية على كتفه. كان كل شيء في عيني سعاد يهون في سبيل تحقيق هذا الحلم الذي راودها وكافحت من أجل لسنوات محسوبة من عمرها ومن شبابها.


    وبينما كانت سعاد تجلس بجوار طبليّتها تفكر في توفير المصاريف الجامعية ، خطر في بالها فكرة ظنّت أنها سوف تكون الوسيلة الأسهل والأسرع التي سوف توفر لها ولابنها حياة سعيدة. فقط كانت تحتاج إلى بعض الجراءة ، والقليل من العزيمة لتنفيذ هذا الأمر. وكان شريف في ذلك الوقت يحتفل مع أصدقائه بنجاحه وتفوقه ، وأعدت الشلّة حفلة صغيرة بهذه المناسبة في نادي الميناء. اجتمع في هذه الحفلة أصدقاء شريف المقربون : عليشمسعودالتاج.


    سعاد .. الفلاحة القادمة من أبيس إبان حرب الاستنزاف ، مع النازحين من صعيد مصر ومن بعض مناطق النوبة والسويس وأبيس وسملّوط كانت كغيرها المئات من الذين رمتهم الحرب على أعتاب المدن المصرية هرباً من جحيم الحرب والفقر. انتقلت من مدينة إلى مدينة برفقة أبيها الذي أقعده العجز وجدت نفسها في قلب مدينة تعج بالحركة. لم تعرف أين تذهب وماذا يتوجب عليها أن تفعل. فهي لا تعرف غير الزراعة. ولم تتقن يوماً أمراً آخر غير حلب الجواميس وتعليفها. وجدت سعاد نفسها تعمل في البيوت وفي مصانع الدباغة وفي كبائن الطوب الأحمر. وبعد أن كانت قدماها تغرس في الطين بدأت تعتاد على الأرض الجيرية من تحتها.


    في بورسعيد كما في كل مكان يفصل بين الأحياء الفقيرة والغنية شارع. ربما كان شارعاً ضيقاً ولكنه يحمل كل التباين المتوفر على ظهر هذه الأرض. وفي الجهة المقابلة لهذا الشارع النائم على الإسفلت بيوت فارهة لا يجرؤ الفقراء الاقتراب منها إلاّ للتسوّل أو اختلاس النظر لجنائن تلك البيوت، وملامح قاطنيها ، وكأنهم نجوم سينمائية. يراقب الفقراء من خلاف الأسوار سيدات القصور وهنّ يجلسن على الأرائك الفارهة المتأرجحة ، يضحكن وهن يتكلمن عن آخر دور عروض الأزياء ، وعن جمال المدن الأوروبية ، وعن أسعار الذهب الأصفر والأبيض والألماس. والأطفال يراقبون نظرائهم من الأغنياء وهم يلاعبون القطط المدللة والكلاب الغريبة التي لا تشبه الكلاب السائبة في شوراعهم الفقيرة. يتعجبون وهم يرون الأطفال يلعبون بسيارات تتحرك لوحدها بمجرد ضغطة زر على جهاز يمسكون به في أيدهم الناعمة. يركضون خلفها بينهما هم يركضون خلف عربات الكارو التي تحمل الرغيف الساخن من الأفران إلى الميناء ليظفروا برغيفٍ يسقط سهواً عند انعطاف الكارو.


    في مكان آخر بعيد .. يلقي بسلسلة مفاتيحه على الطاولة الأبنوسية بإهمال ، ويدخل غرفته وهو ينزع ربطة عنقه. يقف جوار خزانة الملابس ويطيل النظر في المرآة ، وكأنه يرى نفسه لأول مرة. أحس بأنه يمقت نفسه وتقاسيم وجهه التي يراها على المرآة ، وفجأة يلمح في المرآة صورة زوجته تقف ورائه في قلق.

    * هل أنت بخير حبيبي؟

    يلتفت إليها بسرعة وهو يحاول - ما استطاع – أن يخفي ملامحه البائسة والمزدرية ، ويرسم ابتسامة باردة.

    - آآآ أجل .. أنا بخير عزيزتي.
    * لا تبدو كذلك. هل من خطب؟
    - لا لا .. فقط إرهاق بسيط ، يبدو أن هذه القضية سوف لن تنتهي على خير قبل أن تقتلني.
    * حبيبي .. ألن تنس للحظات فقط أنّك قاضٍ؟ عندما تخلع عباءة القضاة في مكتبك ، اخلع معها هذه الجدية التي ترهقك. فقط من أجل صحتك. فأنا أحتاجك. يتقلّدها بابتسامة وهو يمسح على شعرها الكستنائي:

    - أعدك يا حبيبتي أنني سأحاول. فقط أحتاج لبعض الوقت.

    يحتفظ منير الشرقاني في مكتب منزله بجميع ملفات القضايا التي حكم فيها ، يراجعها قضية قضية. يحاول جهده بأن يكون قاضياً عادلاً. ويرهق نفسه من أجل ذلك. زوجته أنعام عبد المولى ابنة تاجر الأقمشة الأشهر في بورسعيد ، تظل في انتظار زوجها بينما هو منهمك في عمله. وربما هذا ما جعلها تشعر باكتئاب مزمن. حاولت أن تقنع منير بأن يأخذ إجازة يسافرا فيها إلى خارج البلاد للنزهة ، لا سيما أن ولدهما أحمد لم يستمتع بإجازة عائلية كبقية رفاقه منذ سنتين ، هو عمر تقلّد منير الشرقاني لمنصب كبير القضاة في محكمة الاستئناف العليا.


    أخبرته بأنها بدأت تشعر بهذا الاكتئاب وبأنها أصبحت بحاجة ماسة لزيارة طبيب نفسي. ربّت منبر على كتف زوجته وقبّلها على رأسها وهو يقول :

    - أعلم أنني مقصّر في حقك يا عزيزتي .. أعدك بأنني سوف آخذ إجازة في أقرب فرصة لنستمتع فيها ببعض الوقت.

    منير الشرقاني رجل أحب حياة العزوبية وأنفق على راحة نفسه كثيراً في اللهو والمجون حتى أوشك على الإفلاس ، ووجد في زواجه من ابنة تاجر الأقمشة المخرج الوحيد من إفلاسه. وكان عبد المولى الدرديري تاجر الأقمشة المشهور في ضواحي بورسعيد يحب منير ويتنبأ له بمستقبل زاهر إذا ما استقام وانتبه إلى عمله. وكان يرى فيه رجل أعمال ناجح لما يمتاز به من نباه وفطنة لا تخفى على أحد من الذين تعاملوا معه. لم يجد منير بداً من الزواج بأنعام رغم أنهما لم يكونا على علاقة مسبقة. وكأغلب زيجات الطبقة الارستقراطية في بورسعيد كان زواج منير الشرقاني من أنعام عبد المولى صفقة تصب في مصلحة منير وعبد المولى.


    لم تختلف حياة منير بعد الزواج ، كما لم تختلف حياة أنعام .. فلكلٍ حياته الخاصة التي كان يحياها. الأمر الجديد فقط هي الجلسات شبه اليومية لأنعام مع طبيبها النفسي. في كل يوم ترتدي أنعام إحدى فساتينها الفارهة واضعة على كتفيها فرو الثعلب الإيطالي الصنع. تضع قبلة أرستقراطية على خد منير وهو يربّت على يديها قبل أن تغادر لموعدها مع طبيبها النفسي.


    في إحدى صباحات بورسعيد الرطبة ، يقف منير الشرقاني أمام المرآة يسّرح شعره الناعم بعض أن وضع مثبّت الشعر. ورشّ جسمه بكثير من العطر. ارتدى نظارته الشمسية ، ثم التفت إلى السرير حيث تنام أنعام رمقها بنظرة عاجلة وغادر المنزل. دخل مكتبه في وسط المدينة. فوقفت شاهيناز سكرتيرته الحسناء:

    - صباح الخير أستاذ منير
    * صباح الخير شاهيناز . هل من جديد ؟
    - نعم .. هنالك سيدة كانت تسأل عنك.
    * سيدة تسأل عني؟ ما اسمها؟
    - لم تقل اسمها ،،، ولكنها قالت بأنها سوف تعود مرة أخرى.
    * حسناً ... جهزي لي ملف قضية العتباني بسرعة. فالجلسة بعد أقل من ساعتين ، ويجب أن أراجع ملف القضية.
    - حاضر أستاذ.

    يدخل منير مكتبه ، يضع الحقيبة السمسنايت على إحدى الكراسي الجلدية ، ويرمي بجسده على كرسيّه خلف المكتب ويؤرجح نفسه قليلاً قبل أن يعتدل في جلسته ويبدأ بتحريك الفيريرو. قطعة من النيكل مكوّنة من ست كور معدنية إذا ضربت أولها ثانيها لم يتحرك منها إلاّ آخر كرة فيها. وتبدأ بالحركة مصدرة صوت طرقعة يحبها منير كثيراً. تدخل عليه شاهيناز وهو يمعن النظر في الفيريرو. تضع الملف على مكتبه:

    - هل تريد مني شيئاً آخر يا أستاذ.
    * (دون أن يرفع رأسه) : لا .. لا .. أغلقي الباب وراءك.

    تخرج شاهيناز بهدوء .. وقبل أن تغلق الباب جيداً يسمع منير ضجة على الباب:

    - لحظة من فضلكِ سيدتي .. يجب أن أستأذن لكِ بالدخول.
    * قلتِ لكِ يجب أن أراه ... الآن.
    - لا يصح سيدتي .. أرجوكِ.

    ويندفع الباب بقوة .. وتدخل السيدة رغماً عن السكرتيرة. يقف منير وهو ينظر باندهاش ويلوّح لشاهيناز بأن تخرج:

    - سعاد ؟
    * لم تكن تتوقع أن تراني ثانية .. أليس كذلك؟
    - ما الذي جاء بكِ إلى هنا ؟ وكيف عرفتِ عنوان مكتبي الجديد؟
    * لم يكن صعباً أن أعرف مكتب أشهر محاميي بورسعيد يا منير بيه.
    - لم تتغيّري يا سعاد .. أكثر من أربعٍ وعشرين سنة .. ولم تتغيري.
    * أنت مخطأ .. فقد تغيّرت كثيراً .. انظر إلى يدي كيف أصبحتا ناشفتين ، انظر إلى شعري كيف تقصّف. لم أعد سعاد الجميلة التي أغراها سيدها ذات ليلة. وراودها عن نفسها. أتذكر أم أنّك نسيت يا منير بيه.
    - أخفضي صوتكِ رجاءً .. نحن في المكتب.
    * لا تريد الفضيحة؟
    - يمكن أن نلتقي في أي مكانٍ آخر يا سعاد. ولكن ليس في المكتب. أرجوكِ
    * الآن ترجوني يا منير بيه؟ هي إنما كلمة ورد غطاها يا منير بيه ، وسوف أغادر مكتبك فوراً. أريد منك 500.000 جنيه نقداً وعداً . ماذا قلت؟
    - ماذا ؟ 500.000 جنيه؟ هل هذا ابتزاز؟
    * سمّه كما شئت .. ولكني أسميه مكافأة نهاية خدمتي لديك. أسميه ثمن السنوات القاسية التي عشتها بعد أن طردتني من فلّتك بعد أن أخذت مني ما تريد. أسميها ثمن التشرّد الذي عانيت منه ، ثمن الليالي الباردة التي قضيتها على الأرصفة بدون غطاء ، ثمن الصرخات والألم وأنا أضع مولداً تخلّيت عنه بكل جبن ، ثمن نظرات الناس إليّ وهم يسألونني عن الذي كان سبباً في مجيء هذا الطفل ولم أكن أستطيع أن أخبرهم.
    - ولكنني لم أكن أعلم أنك قد حملتِ مني يا سعاد.
    * ماذا كنت ستفعل إذا علمت؟ هل ستعلن للجميع أنك أبو الطفل؟ أم سوف تعترف أنك قد ضاجعت خادمتك في ليلة سولت لك فيها نفسك هذا الأمر؟ هل ستقف بكل شجاعة ولتضع هذه النقطة السوداء في ملف مستقبلك الناصع؟؟؟ لا أظن يا منير بيه.
    - ولكن ....
    * هي كلمة ورد غطاها يا منير بيه .. أريد 500.000 جنيه عداً ونقداً ..
    - وإذا لم أكن أملك هذا المبلغ؟
    * سوف أقتلك ... أتسمع ؟ سوف أقتلك. أمهلك عشرة أيام من الآن. فكّر في الأمر جيداً. ألا يستحق مستقبلك هذا المبلغ؟ وأعدك بأنك لن تر وجهي بعدها أبداً .. كل ما أريده هو أن أربي ابني وأن أضمن له حياة كريمة فقط. ألا يستحق ابنك أن يحيا كما تحيا أنت؟ فكر بالأمر جيداً قبل أن ترد عليّ
    - أستطيع أن أعطيكِ ردي عليكِ الآن.
    * لا أريدك أن تستعجل بردٍ قد تندم عليه. فلو ظننت أنني أمزح أو أهدد فقط ، فأنت بالتأكيد مخطأ. أنا لا أجامل في مستقبل ابني يا منير بيه. وتأكد أنني أعني ما أقول. فكّر ملياً في الأمر وإذا قبلت فسوف تجدني أمام مدرسة النصر الابتدائية يومياً فأنا أبيع للأطفال الحلوى والشطائر. وسوف أكون بانتظارك.
    - وما الذي يضمن لي أنّك سوف لن تطالبيني مجدداً بأية مبالغ أخرى؟
    * ( وهي تبتسم) : لو كنت فاعلة .. لفعلت ذلك منذ أربعة وعشرين عاماً.

    خرجت سعاد ، تاركةً منير بيه غارقاً في دهشته وخوفه ربما. وبعد أن أغلقت الباب ورائها. رمى منير جسده على الكرسي وهو يفك ربطة عنقه. لقد كان نسي أمرها تماماً. لم يخيّل إليه أبداً أن ماضيه سوف يعود ليظهر له مرة أخرى. لقد كانت ملامح سعاد جادة ويبدو أنها سوف تنفذ تهديدها إذا لم يستجب لها. ماذا يفعل. هو لا يملك هذا المبلغ من المال. فهو لم يستطع بعد أن يكسب ثقة أنعام حتى يأخذ منها ما يريد. هذا النعيم الذي يعيش فيه هو من مال حماه عبد المولى ، ومن مال زوجته. فلولاهما لما استطاع أن يفتح مكتبه الفخم هذا في وسط المدينة. إن مستقبله المهني والأسري مرهون بيد سعاد إذا هي نفّذت تهديدها له. رفع منير سماعة الإنتركوم :

    - شاهيناز ... اتصلي على أحمد فهمي ، اطلبي منه تأجيل جلسة العتباني.
    * حاضر يا أستاذ.

    كان يتوجب على منير أن يفكر بسرعة. كان عليه أن يحاول إيجاد حلٍ لهذه المشكلة بحيث يضمن له ألا يتسرب الأمر لزوجته أو حماه أو حتى أحد أصدقائه في العمل. حتى لا يتأثر مركزه. وفي ذات الوقت ، كان عليه أن يأخذ تهديد سعاد بعين الجدية فهذا الأمر لا يقبل المراهنة أبداً.


    ويمر اليوم الأمر والثاني والسابع ... وسعاد تجلس كالمعتاد أمام المدرسة بجوار طبليتها ، وتلمع عينيها كلّما توقفت سيارة فارهة أمامها ، تمسك بقلبها وتطلق زفرة حارة عندما تنزل من السيارة طفلة لتدخل المدرسة. وتقول لنفسها : " أعلم أنني لن أستطيع أن أنفّذ تهديدي فأنا لا أملك الجرأة لأقتل . وتذكرت كيف كانت أمها تضربها عندما تعجز عن ذبح ذكر البط في أبيس" كانت سعاد تعوّل على أن هؤلاء الأثرياء يخافون على سمعتهم وعلى مكانتهم الاجتماعية أكثر مما يخافون على أي شيء آخر. كانت سعادة خائفة ، وتدعوا ربها سراً أن ينتهي هذا الأمر على خير.




    يتبع .........
                  

07-09-2006, 12:44 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: هشام آدم)

    _____________

    كان منير الشرقاني كلما مرّ يوم يزداد عصبية وقلق عن اليوم الذي قبله. حتى لاحظت عليه زوجته هذا التغيير. ولكنه كان في كل مرّة يتحجج بعمله وبمشاغله الخاصة. ولأنها كانت منشغلة عنه بجلساتها مع الطبيب النفسي ، فلم تكن تكلّف نفسها عناء أكثر من لمسة يد على شعره وكلمتين خفيفتين عابرتين. وقف منير في وسط منزله وهو ينظر إلى زوجته وهي تهم بالخروج ، وقف أمام النافذة ، رآها تركب السيارة الفارهة ، تأمل منظر حديقة الفيلة وكأنه يودع كل هذه الأشياء. هل يعقل أن يذهب كل هذا في غمضة عين؟ ومن أجل ماذا؟ من أجل ماضٍ كان يجب أن يكون ميتاً الآن؟ ميتاً ؟؟؟ يبدو أن الموت هو المخرج الوحيد لمنير من هذه الورطة.


    نعم .. لا أحد يعرف بهذه العلاقة القديمة بينه وبين سعاد. وسوف لن يشك أحدهم به عندما يجدون سعاد غارقة في دمائها. نعم .. لا رابط بينه وبينها. إنه رجل قانون ويعرف جيداً كيف تسير إجراءات رجال المباحث في مثل قضايا القتل. سوف يبحثون في نطاقها .. المقربين منها ، عمّال المدرسة ، لا أحد يستطيع أن يربط بينه وبينها بأي حالٍ من الأحوال.


    ارتاح منير لهذه الفكرة. بيد أنه كان لا بد أن يفكر جيداً في الطريقة التي يمكن بها أن ينفذ الخطة بصورة كاملة دون أن يترك أي أثر أو دليل يدينه. كان منير ينشغل يوماً بعد يوم بالتفكير بهذه الجريمة التي من شأنها أن تحمي مستقبله ومركزه من الانهيار ربما إلى الأبد.



    ذات يوم وبينما يهيم منير بسيارته في شوارع بورسعيد وهو غارق في التفكير فوجئ بفتى يعبر الشارع بسرعة ليتوقف أمام سيارته تماماً. ضغط منير على كوابح سيارته بكل ما أوتي من قوة. وفجأة سقط الشاب أمامه. خرج منير من سيارته مسرعاً ليطمئن على الشاب الذي دهسه. فوجده يتألم ممسكاً بساقه. حمله إلى سيارته وانطلق به إلى المستشفى. وهناك بعد أن تأكد من سلامة ساقه ومن عدم وجود أي كسور مسح منير على رأس الشاب وهو يحمد له سلامته. وسأله عن الوجهة التي يمكن أن يقله إليها. أخبره الشاب بأنه يقطن حياً فقيراً .. عندها قفزت الفكرة إلى رأس منير: الفقراء يقفون كالبلهاء أمام بريق النقود. شاب في مثل سن هذا الشاب سوف لن يقاوم إغراء النقود ، وهو لا يعرف عني شيئاً .. لا يعرف اسمي ولا محل عملي وربما لا يعرف ماركة السيارة التي أقودها. ربما كان هو الشخص المناسب الذي يمكنه أن ينفذ لي الجريمة. وفي طريق العودة .. بدأ منير يمهّد لخطته:

    - هل تعمل؟
    * أنهيت دراستي الثانوية .. وأنا الآن على أعتاب الجامعة.
    - ما اسمك؟
    * شريف .
    - ماذا تنوي أن تدرس؟
    * أتمنى أن أدرس القانون .. ولكن أمي تتمنى أن تراني طبيباً
    - لا بد أنها تعبت كثيراً من أجلك .
    * إنها تبذل ما في وسعها من أجل أن تراني ناجحاً في دراستي.
    - جاء دورك الآن لكي تريحها .. أليس كذلك.
    * ليس قبل أن أنهي جامعتي.
    - فلنكن واقعيين ، ألا تحتاج الجامعة إلى مصاريف؟ ثم ماذا بعد أربع سنوات من الدراسة والتعب؟ محامي تحت التمرين لمدة سنتين ؟ ثم من أين لك أن تفتح مكتب محاماة خاص بك؟ إن الأمر مكلف وطويل.
    * إذاً ماذا عساي أن أفعل .. هذه هي الحياة. ثم أنني سوف أحاول أن أعمل في الفترة المسائية كي أوفّر ثمن الرسوم الدراسية.
    - لن تستطيع أن توفق بين الدراسة والعمل. أنت ما تزال شاباً مندفعاً .. ماذا سوف يوفّر لك العمل المسائي؟ رسوم الجامعة ، أم ثمن الكتب والمراجع؟ أنت بحاجة لمن يأخذ بيدك ويقفز بك قفزة عالية.
    * قفزة عالية؟ كيف؟
    - ما رأيك لو وجدت 10.000 جنيه في جيبك؟
    * ماذا ؟؟ 10 آلاف ماذا؟ لا بد أنّك تمزح.
    - أنا لا أمزح هل يحقق لك هذا المبلغ حلماً ما ؟
    * بالتأكيد .... ولكن
    - ولكن ماذا ؟
    * من هذا الذي سوف يعطيني هذا المبلغ ؟ ومقابل ماذا ؟
    - أنا من سيدفع لك هذا المبلغ .. وفوراً إن أردت.
    * ماذا ؟ هل تعني أنني قد أحصل على 10.000 جنيه الآن ؟ لا بد أنني أحلم
    - لا .. أنت لا تحلم .. إنها فرصة عمرك يا شريف. أنت شاب تستحق كل خير.
    * ولكن لماذا تريد مساعدتي .. وأنت بالكاد تعرف اسمي؟
    - سوف أعطيك المبلغ مقابل خدمة سوف تسديها لي.
    * خدمة ؟ أي خدمة يمكن أن يقدمها شاب فقير مثلي لرجل ثري مثلك؟
    - هنالك امرأة تهدد مستقبلي الأسري والاجتماعي. إنها تهددني بالقتل أو بالفضيحة. كل ما فعلته طيلة هذه السنوات قابل لأن ينهار في لحظة. كل ما أريده منك هو أن تخلصني من هذه المرأة.
    * كيف ؟
    - أن تقتلها ....
    * ماذا ؟؟؟؟ أقتلها ؟؟؟؟ سيدي هل تمازحني ؟؟
    - هي طلقة نارية واحدة في صدرها وتحصل على 10.000 جنيه فوراً .. هل تعرف ما الذي يمكنك فعله وإنجازه بمبلغ كهذا ؟؟
    * ولكن ...
    - لا تتردد .. أنت ما زلت شاباً وأمامك الآن فرصة يتمناها الجميع. لن تستطيع أن تجمع هذا المبلغ ولو بعد عشرين سنة. فكر جيداً في الأمر ... ولكن فكر بسرعة. سوف أعطيك 5.000 جنيه والباقي بعد أن تنفذ العملية ... ولا تخف فقد أعددت خطة محكمة ، إذا اتبعتها فسوف لن يتمكن أحد من معرفة الأمر.
    * 10.000 جنيه ؟؟؟ ولكن سيدي .....
    - سوف أتركك هنا الآن .. ولكن لا تستعجل في الرد عليّ الآن.


    كانت كلمات منير تنزل على شريف وكأنها مياه باردة. لم يستطع أن يعرف تحديداً فيما يجب عليه أن يفكر أولاً .. هل يفكر بما سوف يمكن أن يحققه بالعشرة آلاف جنيه؟ وبما يمكن أن يحققه له هذا المبلغ؟ وبما يمكن أن يقدمه لأمه التي تعبت كثيراً من أجل أن تراه سعيداً .. لا شك أن هذا المبلغ سوف يجعلها تتخلى عن بيع الشطائر والحلوى على ناصية الشارع. يمكنه أن يشتري ما يريد بهذا المبلغ. ولكنه بعد أن يكاد يطير فرحاً من هذا الحلم ، يتذكر أن عليه أن يقتل امرأة لا يعرفها ولا تعرفه ، وربما انكشف أمره ، وعندها سوف يكون مصيره السجن والموت شنقاً .. إذاً هل يرفض عرض هذا الرجل الثري؟ وإذا رفض هذا العرض ، ترى متى يمكنه أن يتحصل على فرصة أخرى كهذه التي بين يديه؟ متى يمكنه أن يمتلك عشرة آلاف جنيه دفعة واحدة؟ أم يا ترى عليه أن يبذل قصارى جهده في أن ينفذ جريمته دون أن يعرف به أحد وبعدها يحقق حلم حياته بأول دفعة مالية كبيرة يستلمها طوال عمره ؟؟


    كان التفكير ، والتفكير العميق يشغل بال شريف ، لدرجة أنه لم يرد التحية على أصدقائه : عليش والتاج اللذان كانا جالسين على إحدى المقاهي الشعبية في الجهة المقابلة للشارع الذي كان يسير عليه مطأطأ الرأس وهو يركل علبة عصير فارغة بقدمه.


    في اليوم التالي ، وجد شريف نفسه متوجهاً إلى حيث اتفق مع الرجل الثري على اللقاء. وعند وصوله هناك . وجد الرجل الثري في انتظاره. ففتح باب السيارة وركب معه في هدوء. نظر إليه ، فوجده ينظر إليه وكأنه يريد أن يسمع منه الرد:

    - أعتقد أنني لا أملك أن أرفض هذا العرض. ولكنني أريد المبلغ كاملاً.
    * لن تتحصل على المبلغ كاملاً الآن. سوف أعطيك خمسة آلاف جنيه الآن والباقي عندما تكمل العملية بنجاح.

    مدّ منير يده إلى طبلون السيارة أخرج منه مظروفاً فاخراً بني اللون. مدّ المظروف لشريف وهو يقول:


    - في هذا الظرف سوف تجد صورة المرأة التي يجب أن تقتلها وستجد القيمة التي اتفقنا عليها. يجب أن تعرف أنني أثق بك. إن كنت متردداً فأرجو أن تترك الفرصة لشخصٍ غيرك. فهنالك الكثيرون ممن لن يضيّعوا هذه الفرصة من بين أيديهم.

    أمسك شريف بالمظروف بقوة وهو يقول :

    * حسناً .. سوف أفعل ما بوسعي.
    - تذكر عليك أن تنجر هذه العملية خلال يومين فقط ،، وإلا نفّذت المرأة تهديدها.
    * حسناً ...





    يتبع .........
                  

07-09-2006, 01:07 PM

غادة عبدالعزيز خالد
<aغادة عبدالعزيز خالد
تاريخ التسجيل: 10-26-2004
مجموع المشاركات: 4806

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: هشام آدم)

    الأخ هشام
    نص جدير بالمتابعة
    اعود الية بتروى

    خالص الود
    غادة
                  

07-10-2006, 01:01 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: غادة عبدالعزيز خالد)

    _________

    Quote: الأخ هشام
    نص جدير بالمتابعة
    اعود الية بتروى

    خالص الود
    غادة

    waiting
                  

07-09-2006, 01:08 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: هشام آدم)

    _________

    فتح شريف باب السيارة وخرج ، لتنطلق السيارة بسرعة وتختفي عن ناظريه. في هذه الأثناء وبينما كان شريف واقفاً وهو غارق في التفكير وفي الدهشة ، وجد نفسه محاطاً بأصدقائه ، عليش والتاج ومسعود.

    (عليش) : وأخيراً .. أيها العفريت !!!
    (مسعود) : لا بد أنك وقعت على كنز يا شريف ، من هذا الثري الذي كنت معه في سيارته؟
    (التاج) : على مهل يا رفاق ... دعونا نسمع منه.
    (مسعود) : ما بك يا شريف ، لماذا لا ترد علينا ؟

    التفت شريف إلى أصدقائه وهو يقول :

    - أتدرون ما بداخل هذا الظرف ؟
    (عليش) : جواز سفر؟
    (التاج) : هل تنوي الهجرة يا شريف ؟
    (شريف) : ما بداخل هذا المظروف خمسة آلاف جنيه.
    (عليش) : ماذا ؟؟؟؟ خمسة آلاف جنيه ؟؟؟؟ هل تمزح
    (مسعود) : لا بد أنك تمزح يا شريف
    (التاج) : يا شباب مهلاً .. دعونا نفهم منه. هل فعلاً توجد خمسة آلاف جنيه داخل المظروف يا شريف ؟
    (شريف) : نعم .. إنها خمسة آلاف جنيه عداً ونقداً ... ( جنيه ينطح جنيه )
    (عليش) : ومن أين لك هذا المبلغ ؟
    (شريف) : هذا الثري الذي كنت معه في السيارة أعطاني إياها ..
    (مسعود) : شريف .. هل أنت بخير؟ هل أصبح الأثرياء يوزعون ثروتهم هكذا ؟
    (التاج) : أكيد انت تمزح يا شريف .. لماذا لا تقول لنا الحقيقة يا رجل ؟
    (شريف) : الحقيقة ما أقول .. هذا المظروف به خمسة آلاف جنيه
    (عليش) : هل وهبها لك هكذا لوجه الله تعالى ؟ أم لسواد عينيك ؟؟؟
    (شريف) : لا هذه ولا تلك ...
    (مسعود) : إذاً ؟؟؟!!
    (شريف) : إنها الدفعة الأولى من عملية يريدني أن أقوم بها.
    (التاج) : عملية ؟
    (عليش) : أي عملية هذه التي يكون أول عربون لها خمسة آلاف جنيه ؟
    (شريف) : إنه يردني أن أقتل له سيدة ، وإذا نفذت الجريمة فسوف يعطيني خمسة آلاف جنيه أخريات.
    (الجميع) : ماذا ؟ تقتل ؟؟؟
    (شريف) : ما رأيكم ؟
    (عليش) : هل تعي ما تقول يا شريف؟
    (شريف) : لم أكن أصدق القول كما أنا الآن. إنني في حيرة من أمري يا رفاق .. أفتوني في أمري هذا. هل أرفض العرض أم أقبله؟


    جلس شريف إلى رفاقه وبدأ يسرد عليهم الموضوع منذ تلك الحادثة التي تعرض لها. وحكى لهم كل ما قاله له ذلك الرجل الثري ، وكيف أنه أحس به صادقاً وبأنه فقط يريد أن يضمن ألا ينهار مستقبله ، وكيف أنه كان خائفاً أيضاً وهو يصف له تفاصيل الخطة التي وضعها للنيل من تلك السيدة.


    (عليش) : ومن هي هذه السيدة ؟
    (شريف) : لا أدري ... ولكن صورتها واسمها وعنوانها داخل المظروف كما قال لي ذلك الرجل الثري.
    (مسعود) : ومن يكون هذا الثري.
    (شريف) : لا أدري ..
    (التاج) : أيعقل هذا يا شريف ؟؟ كيف لا تعرف اسمه.
    (شريف) : كما قلت لكم ، لقد بهرني العرض ، فلم أفكر في أن أسأله عن اسمه.
    (عليش) : لا يهمنا اسمه الآن يا شباب .. الأهم الآن .. ماذا سوف تفعل يا شريف. هل سوف تقتل تلك السيدة فعلاً؟
    (مسعود) : شريف لا يقتل .. شريف لا يضيّع مستقبله بيده
    (التاج) : خذ المبلغ وأنسى الموضوع ، وأتحدى أن يبلغ ذلك الرجل الشرطة عنك.
    (عليش) : وماذا عن الخمسة آلاف جنيه الأخرى؟ هل من الأفضل أن يكتفي بخمسة آلاف أم الأفضل أن يأخذ العشرة كلها ؟؟
    (شريف) : ولكن الباقي لا يمكنني أن أتحصل عليه إلاّ إذا قتلت تلك السيدة.
    (التاج) : اسمع كلامي يا شريف ... خذ المبلغ وأنسى موضوع القتل.
    (شريف) : ولكن .....
    (عليش) : لا تسمع كلام هذا المعتوه يا شريف... طالما أن الرجل قد وضع خطة محكمة ، فتوكل على الله ونفّذ العملية ...
    (مسعود) : عليش .. هل أنت مجنون؟ هل تريد لشريف أن يقتل ؟
    (عليش) : هذا أفضل من العيش في حياة الفقر .. هؤلاء الأثرياء لا يهمهم خمسة آلاف ولا عشرة آلاف جنيه ولا حتى مائة ألف .. قد ينفقونها في حفلة عيد ميلاد. متى يمكن لشريف أن يحظى بفرصة كهذه ؟؟ بعد عشرين سنة؟ بعد خمسين؟ حتى وإن تحصل عليها بعد هذا العمر سيكون قد تساقط شعره واعوّج ظهره وضعف بصره. اسمع نصيحتي يا شريف ... فلتذهب تلك السيدة إلى الجحيم طالما أن موتها سيكون سبباً في أن تعيش حياة كريمة ولو لبضعة أيام.
    (مسعود) : لا يا شريف لا تصغ إليه. أن تعيش فقيراً شريفاً خير من أن تصبح غنياً تتلطخ يدك بالدم.
    (التاج) : ها يا شريف أين ذهبت بتفكيرك ؟


    كان شريف غارقاً بتفكيره ، وما زال يتأرجح بين أن يفعل وألا يفعل. تتناوشه الهواجس والمخاوف والرغبة. يغلب عليه الخير تارة والشر تارة. ماذا يفعل بالفضيلة والخير طالما أنه سيظل فقيراً معدماً ؟ هل هو سعيد بان تظل أمه تبيع الشطائر أمام مدرسة البنات الابتدائية؟ ألا يرغب كبقية الشباب في أن يريحها وأن يحمل عنها القليل من العناء فيمد إليها يد المساعدة؟ هذه العشرة آلاف جنيه قد تساعده كثيراً في أن يبدأ مشروعاً صغيراً يأكل منها وأمه بالحلال. أي حلال وهي نقود أتت من حرام؟ وهل وجد سبيلاً للغنى بالحلال ورفضه؟ ثم أن هذه المرأة تستحق الموت. ألم تهدد هذا الرجل بالقتل من قبل؟ لماذا تهدد هذه المرأة رجلاً بفضيحته أو قتله إن لم تكن تستحق القتل فعلاً ؟ ولماذا أكون أنا اليد التي يبطش بها الأغنياء ليظلوا أغنياء؟ لماذا أنا من يتوجب عليه أن يحمل جريرة هذا الجرم وحده ؟ ربما لأنني فقير ومحتاج . أين كانت هذه الحاجة قبل هذا العرض؟ لماذا لم تفكر بأنك فقير ومحتاج إلاّ الآن؟


    (عليش) : أفتح المظروف ودعنا نرى النقود ولو لمرة واحدة.

    وقف شريف وقد أضمر أمراً ما في سرّه.

    (شريف) : سوف لن أقتل تلك السيدة أو غيرها.
    (مسعود) : أحسنت يا شريف .. هذا هو شريف الذي أعرفه.
    (التاج) : والنقود ؟
    (شريف) : سوف أرمي المظروف في بالوعة المياه.
    (عليش) : لا .. لا تفعل .. إن لم تكن ستفعلها أنت فدع الفرصة لنا .

    ويأخذ شريف الظرف ويرمي بها في بالوعة الصرف الصحي. يقفز عليش ليلحق بالمظروف قبل أن يقع. ولكنه لم يستطع. أحس عليش بغضب عارم. فوقف ناهضاً وأمسك بتلابيب شريف وهزّه بعنف:

    (عليش) : أمجنون أنت؟ إذا لم تكن رجلاً بما يكفي .. فلماذا اتفقت مع الرجل إذاً ؟؟؟ إذا كنت خائفاً فلماذا لم تدع لنا هذه الفرصة؟
    (شريف) : لن أقتل تلك السيدة يعني لن أقتل تلك السيدة.
    (عليش) : لم نصر عليك لقتلها ، ولكن ... النقود .. الخمسة آلاف جنيه... أنت مجنون ... إذا كانت تعجبك حياة الفقر هذه فأنا لا تعجبني ولست بمجنون مثلك لأركل فرصة ذهبية كهذه. وسوف ترى.


    ركض عليش إلى حيث منتهى مصب بالوعة الصرف الصحي .. وهو يمني نفسه بأن يجد ما بداخل المظروف سليماً. انطلق وحده ، وظل مسعود والتاج مع شريف:

    - لا بأس يا شريف .. أنت تعرف عليش. المهم أنك فعلت ما يرضي ضميرك وكفى.




    يتبع .........
                  

07-09-2006, 01:17 PM

معتز تروتسكى
<aمعتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: هشام آدم)

    up
                  

07-10-2006, 01:02 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: معتز تروتسكى)

    ________

    Quote: up


    thanks for upping the post
                  

07-09-2006, 01:17 PM

نادية عثمان

تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 13808

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: هشام آدم)

    عودا حميدا مستطاب ياهشام

    وكن بالف خير دوما
                  

07-09-2006, 11:27 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: نادية عثمان)

    ____________

    وفي الجانب الآخر .. انبطح عليش على مقربة من مكب مجرى الصرف ليجد الظرف وسط كومة من الأخشاب المبلولة والأوراق وعلب العصير وأكياس النايلون الفارغة. فمّد يده وأخرج الظرف. وبسرعة بدأ يفتح الظرف ليتأكد من أن النقود ما زالت سليمة. وصرخة بقوة عندما وجد رزمة النقود لم يصبها الماء إلاّ قليلاً وبدأ يتدحرج على الأرض من فرط فرحه وسعادته. وبدأ يقبّل رزمة النقود وهو يقول : أحمدك يا رب.



    ولكن سعادته تلك تحولت إلى وجوم وإلى دهشة صاعقة عندما نظر إلى الصورة المرفقة في الظرف ليكتشف أن صاحبة الصورة هي سعاد أم شريف. عندها فرك عينيه مرة وأخرى ليتأكد من الصورة جيداً ، وتأكد أكثر عندما قرأ العنوان. يا إلهي .. إنها هي بدون شك. ولكن لماذا يريد هذا الثري أن يتخلّص من أم شريف؟ ما الذي يربط بينهما ؟ وبماذا تهدد سعاد - المرأة الفقيرة الضعيفة - هذا الثري؟ نهض عليش وركض ليبلغ شريف بالأمر .. فلا بد أن يعرف بذلك ، وبما يكيد لها هذا الثري.



    ولكنه في الطريق توقف ، وبدأ يفكر. ربما تضيع مني النقود إذا عرف شريف بالموضوع. ثم لا تنس أن هنالك خمسة آلاف جنيه أخرى في الانتظار. بماذا تفكر أيها العليش الشيطان. إنها أم صديقك ورفيق دربك. هل جننت لتفكر في هذا الأمر؟ ولكنني كرهت حياة الفقر ، والعوز. ألا يكفي أنني تركت الدراسة بسبب هذا الفقر .. ألا تكفي الإهانات التي أسمعها كل يوم من أصاحب السيارات الفارهة وهم يرمون لي ببعض الملاليم بعد أن أغسلها لهم. ألا يكفي الذل الذي أراه كلما لمحت أطفالاً يحملون في جيوبهم مصروفاً يعادل ما أجنيه خلال شهر كامل من الذل والتعب والإهانات ؟ أليس من حقي أن أعيش أنا أيضاً .. أليس من حقي أن أملك ثمن الآيسكريم عندما أشتهيه؟ أو ثمن الكباب الذي ظللت لأكثر من عشرين عاماً أكتفي بشمّه دون أن يعرف لساني طعمه؟ أليس من حقي أن أرتدي ملابس جديدة؟ وحذاءً جديداً ؟ لماذا عندما أمسك بيدي أول رزمة نقود حقيقية وذات قيمة يكون طريقها الدم؟ ودم من؟ دم أم صديقي ؟؟؟ إذاً ربما كان الأجدى أن أحتفظ بهذا المبلغ ، وأعود إليهم لأخبرهم بأنني لم أتمكن من إيجاد الظرف. ولكن ماذا سيحل بأم شريف؟ ربما اتفق ذلك الرجل الثري مع شخص آخر وقتلها. وماذا عن الخمسة آلاف جنيه الأخرى؟؟ إذا كانت الخمسة آلاف جنيه تفعل الأعاجيب فهل تتصور ماذا يمكن أن تفعل عشرة آلاف جنيه في هذا الزمن ؟


    ألم يقل ذلك الرجل بأنه وضع خطة محكمة؟ إذاً لن يعرف أحد بأنني القاتل ، ثم أنّ شريف نفسه لا يعرف أن أمه هي المرأة المستهدفة؟ ولكن ... أتهون عليك العشرة؟ ألم تعاملك الخالة سعاد كابنها شريف؟ ألم تكن تستلف منها ثمن تذكرة السينما عندما يرفض أبوك أن يدفع لك؟ أنت الآن يا عليش أمام خيارٍ صعب. إما أن تعيش أم صديقك وتموت عندها كل الأحلام الوردية التي يمكن أن تتحقق ، أو أن تموت الخالة سعاد ويعيش حلمك والطريق الطويلة للمتعة والاستمتاع. إنها بالفعل فرصة العمر التي لا تأتي إلاّ مرّة واحدة.



    فكرّ في الأمر يا عليش .. صديقك وأمه ، أم نفسك وحلمك ؟؟؟





    وللقصة بقية...
                  

07-10-2006, 02:56 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: هشام آدم)

    __________

    لم يعد عليش إلى أصدقائه ، إنما توجه إلى جسر اللمبي حيث كان من المفترض أن يلتقي شريف بالرجل الثري – كما حكى شريف - ، وعندما وصل إلى هناك ، وجد نفس السيارة الفارهة التي رأى شريف ينزل منها آخر مرّة.



    أحس عليش بأن قدماه أصبحتا ثقيلتين في المشي ، وهو يقترب من السيارة شيئاً فشيئاً. كانت السيارة من نوع فور كراون فيكتوريا سوداء مظللة ، وعلى جسدها الأسود اللامع انعكاس الإضاءة على الجسر. وقف عليش أمام السيارة مباشرة. وفجأة وجد أن زجاج النافذة ينزل على مهل لتبدو له ملامح رجل وسيم جداً ، يعج الجانب الأيسر من شعره بالشيب ليضفي على وسامته وسامة أخرى. لاحظ الرجل المظروف في يد عليش :


    * هل أنت من طرف شريف؟
    - أنا صديقه يا بيه
    * استدر من الناحية الأخرى واركب بسرعة.


    تحرك عليش بسرعة ، وفتح باب السيارة وركب وهو ينظر إلى الرجل ، وعرقه يتصبب منه:


    * أين شريف؟
    - شريف لن يستطيع أن ينفذ المهمة. أنا من سيقوم بهذه المهمة بدلاً منه.
    * أنت ؟ وهل تعرف بالاتفاق الذي دار بيني وبين شريف؟
    - بالحرف ...
    * وهل تعرف يا ترى أن اليوم هو آخر موعد لتنفيذ المهمة؟
    - اطمأن يا باشا .. سوف يكون كل شيء على يرام .. ولكن ..
    * ولكن ماذا ؟
    - ألا ترى أن المبلغ بسيط ؟
    * بسيط ؟
    - أعني أنني سوف أعرض نفسي للخطر ، وربما لو أمسكت بي الشرطة فسوف يكون مصيري الإعدام دون شك.
    * إذاً ؟؟
    - ما رأيك بعشرة آلاف جنيه قبل العملية ، ومثلها بعد انتهاء العملية؟
    * ما اسمك يا فتى ؟
    - اسمي عليش يا بيه .. محسوبك عليش.
    * اسمع يا عليش إذا كنت تخاف على نفسك .. فبوسعي أن أجد ألف شخص غيرك ينفذ العملية وبربع هذا المبلغ.
    - ولكن ...
    * هل ستنفذ العملية .. أم أبحث عن شخص آخر غيرك ؟
    - ممممم .. ومتى سأستلم بقية المبلغ وأين؟
    * بعد التنفيذ مباشرة ، هنا في نفس المكان .. اتفقنا ؟
    - اتفقنا
    * مدّ يدك إلى طلبون السيارة ، افتح ستجد ظرفاً خذ.
    - ماذا يوجد داخل هذا الظرف؟
    * به مسدس كاتم صوت. كن حذراً يجب ألا تخطأ النشان أيها الفتى.
    - لا تقلق يا باشا .. سوف تسمع أخبار تسرّك هذه الليلة.


    وفي هذه الأثناء كانت سعاد تضع يدها على قلبها كلما توقفت سيارة بالقرب منها. سعاد التي لم تعرف الخوف حتى والطائرات الإسرائيلية ترمي بقنابلها الآثمة على أرض سيناء في حرب الاستنزاف ، قلبها اليوم عصفور يكاد أن يطير كاسراً قفصها الصدري كلما سمعت بوق عربة عابرة. وما أكثرها في هذا المكان.


    وبينما هي كذلك ، مرّ عليها شريف. قبّل يدها وجلس إلى جوارها. مسحت سعاد بيدها الحانية على رأس شريف وهي تسأله:


    * ما بك يا حبيبي ؟
    - لا شيء يا أمي .. فقط أشعر ببعض الملل.
    * أين أصدقائك عنك اليوم؟
    - تركتهم قبل قليل.
    * هل تشاجرتم ؟
    - لا أبداً ..
    * إياك يا شريف أن تغضب من أصدقائك. الأصدقاء يا ولدي هم سندك في هذه الدنيا . هم ثوبك وأنت من ثوبهم. ومن الصعب أن تجد أصدقاء أوفياء في هذا الزمن.
    - (وهو يقبّل يدها) : أعلم ذلك يا أمي .. ولكننا لم نتشاجر. فقد أحس بالضجر.
    * مم يا حبيبي ؟
    - لا أدري .. ولكن ربما كنت قلقاً على موضوع الجامعة.
    * لا تقلق .. طالما أنني على قيد الحياة ، فلا أريدك أن تقلق على نفسك.
    - أمي .. أريد أن أحمل عنك العبء قليلاً .. لقد تعبت من أجلي بما يكفي .. وقد جاء دوري أن أحمل عنك الآن.
    * لا تتعجل .. غداً عندما تصبح طبيباً سوف أرفع رأسي وأفاخر بك الجميع .. وعندها فقط يا شريف أستطيع أن أموت وأن مطمئنة عليك.
    - لا تقولي ذلك ... أمد الله في عمرك يا أمي .. ألا تريدين أن تحملي أبنائي ؟؟
    * ياااااا ... ومن ترى سيعيش حتى ذلك اليوم ؟
    - سوف تعيشين حتى تري أحفادك أيضاً يا ست الكل.


    يضحك الجميع وهم يراقبون وقف سيارات أولياء الأمور المنتظرين خروج بناتهم من المدرسة:

    - ألن تذهبي إلى البيت الآن يا أمي .. لقد أوشك المدرسة أن تغلق أبوابها.
    * لا .. سوف أنتظره قليلاً
    - تنتظرين من ؟
    * نعم ؟ ماذا قلت ؟
    - قلت تنتظرين من ؟
    * آآآ .. أقصد الفرج يا ابني .. سأنتظر الفرج .. ربما يأتي أحدهم فيشتري مني حلوى أو شطيرة .. من يدري .. اذهب أنت إلى البيت وسوف ألحق بك بعد قليل.
    - حسناً


    ينهض شريف بعد أن يمسح كفيه على ركبته .. ثم يغادر في هدوء ، وسعاد تراقبه بكل حنان الأم ، وهي تدعو له في سرها بأن يوفقه ويسدد خطاه. وتدعو الله أن يطيل في عمرها وأن يعطيها القوة والصبر حتى تتمكن من أن تكمل رسالتها على أكمل وجه. أن تفرح به يوم أن يستلم شهادته الجامعية ، أن يرزقه الله ببنت الحلال التي تملئ عليه دنياه بالستر وراحة البال وبيته بالأطفال. تشعر سعاد أن ذلك الوقت هو الوقت المناسب للموت والرحيل عن هذه الدنيا. هي إنما لا تريده أن يستشعر فقد الأب.


    وفي مكان آخر ، كان منير يهيم بسيارته في الأرجاء .. فهو يشعر بقلق شديد. كان يخشى ألا يتمكن عليش من تنفيذ الخطة التي وضعها له وينكشف أمره. فهو يبدو عليه أرعناً وليس كصاحبه شريف. ولكن ماذا كان عساه أن يفعل. لقد وقع وانتهى الأمر. لم يكن بإمكانه أن يتراجع من خطته لا سيما وأن شريف أخبر صديقه وربما كان قد أخبر أشخاص آخرين.


    لم يرغب منير بالذهاب إلى منزله لا سيما وأنه سيكون خاوياً بعد أن ذهبت أنعام إلى جلستها مع الطبيب النفساني. فقرر أن يذهب إلى أحمد حلمي .. صديقه الذي يشعر معه بالراحة. أمسك منير بهاتفه النقال ، وطلب أحمد حلمي على جواله فوجده خارج الخدمة. كان يريد أن يتأكد من وجوده في الفيلا قبل أن يذهب إليه.


    وصل منير إلى فيلا أحمد حلمي ، فوجد سيارة زوجته فوقف غير بعيد ، وأطفأ أنوار سيارته. بدأ يتساءل بينه وبين نفسه. ترى ماذا تفعل أنعام هنا؟ ترى هل أحمد حلمي بخير؟ هل جاءت أنعام لتسأل أحمد عن سبب تغيّري في الآونة الأخيرة؟ هو يعلم غيرة النساء التي قد تجعلهن يشطحن كثيراً في تفكيرهن. أطفأ محرك السيارة. وتوجه إلى المنزل. وقبل أن يصل إلى باب المنزل رأى خيال زوجته من وراء النافذة وهي تقف شبه عارية ، ثم خيال صديقه أحمد حلمي وهو يحتضنها ويقبلها ويدور بها في نفس المكان.


    عندها شعر منير بأن دمه يفور في عروقه. هل تخونه أنعام مع صديقه أحمد؟ لماذا؟ هل هذا هو جزاء إخلاصه لها؟ لقد ظلت أنعام تخدعه طيلة هذه المدة وتوهمه بأنها تذهب إلى جلسات مع طبيب نفسي في حين أنها كانت تأتي إلى صديقه وتخونه معه. وهذا الأحمد حلمي ، صديقي حتى قبل أن أعرف أنعام وأعرف والدها. كيف استطاع أن يخونني مع زوجتي؟ ولماذا زوجتي دوناً عن نساء العالم؟ لقد كان صديقي منذ أيام العربدة القديمة. لم يكن أحدنا يجرؤ أن يطمع في فتاة غيره حتى في غيابه. فكيف يخونني مع زوجتي الآن؟


    هل يعاقبني الله على ما فعلته الآن؟ هل هذا هو انتقامه؟ أم أنها دعوات سعاد التي كانت ترفعها في وجهي وأنا أطردها من الفيلا بعد أن قضيت وطري منها؟


    بدأ منير يستعيد شريط ذكرياته القديمة منذ البداية. منذ دخل عليه العم فرغلي وبيده سعاد وهي شابة في ريعان شبابها :

    - صباح الخير يا بيه
    * صباح الخير يا فرغلي ..
    - لقد جلبت لك فتاة تنظف لك الفيلا كما طلبت.
    * فعلاً ؟ اقتربي قليلاً …….. ما اسمكِ ؟
    = سعاد يا بيه.
    * هل سبق لك أن عملتِ في بيوت من قبل؟
    = هذه أول مرة يا بيه .. ولكنني سأفعل المستحيل من أجل أن أقلب لك هذه الفيلا لجنة.
    * جيد .. جيد
    - إنها فتاة مسكينة يا بيه وأمينة .. على ضمانتي أنا الشخصية.


    وتذكر كيف أنها بدأت تتسلل إلى قلبه ، ويسيل لعابه كلما وجدها منحنيه لتلمّع أرضية الفيلا الرخامية. أعجبه فيها قوامها وأغراه الشيطان أن يراودها لا سيما وأنها فتاة مسكينة ومنكسرة الجناح. حين طلب منها أن ترتب له غرفة نومه. وكيف أنه حاصرها هناك ونزع عنها ملابسها وهي تستغيث وترجوه أن يتركها لحال سبيلها. ولكن صرخاتها تلك كانت تزيد من رغبته الحيوانية المجنونة. كان كلما صرخت سعاد أحس بنشوة بالغة تعتصر صدره وتجعل الدماء تفور في عروقه. فشق جلبابها وفعل فعلته وهي تصرخ وتبكي. وبعد أن انتهى منها خرّ إلى جوارها منتشياً ، وهي تلملم ثيابها الممزق في حزن بالغ وهي تكرر جملة واحدة : ( حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا بيه ).


    هل هذه هي عقوبة الله على فعلته؟ هل يعاقبه الله بذنب سعاد في زوجته؟ هل هذا هو الانتقام الإلهي؟ لقد أحس منير بأن ما كان ينوي الدفاع عنه والإبقاء عليه : بيته وزوجته ومركزه لا وجود له. هو حتى لن يستطيع أن يكاشف زوجته بمعرفته لأمر خيانتها. فوالدها يملك أن يعيده إلى حيث كان، بإمكان والدها بجرّة قلم أن يقيله من منصبه وأن يسحب منه مكتبه الفخم في وسط المدينة بمكالمة هاتفية. إذاً لماذا يخاف من تهديد سعاد له؟ هل ستفضحه؟ وماذا يعني؟ هل بعد ما رائه شيء يستحق أن يدافع عنه؟ هل بعد ذلك فضيحة أدهى وأمر؟ هل ستقتله ؟ ربما كان ذلك في نظره أهون عليه من الحياة مقيداً بحبال لا يملك أن ينزعها عن رقبته إلى أبد الدهر. وربما كان موته هو القرار الوحيد الصائب الذي يتخذه في حياته.


    عاد منير إلى سيارته ، أغلق الباب والنوافذ ولكنه لم يدر محرك السيارة بل ظل سارحاً في نفسه وفي حالته التي وصل إليها. هو الآن بين مفترق طرق. كيف سيوقف عليش من تنفيذ خطته التي رسمها له؟ يا إلهي ربما هو الآن في طريقه إلى التنفيذ. يجب أن يسرع ليوقف هذه الجريمة التي سوف يكون هو سبباً فيها. فلقد شعر منير بأن لا حاجة لقتل سعاد ، فموتها لن يغيّر من الأمر في شيء. لقد أوشكت الساعة على الحادية عشر ليلاً .. يجب أن يسرع وأن يبحث عن عليش ، حتى ولو اضطر إلى أن يقلب بورسعيد رأساً على عقب.


    أصبح منير يقود سيارته كالمجنون ، وهو يبحث في وجوه المارة والجالسين على المقاهي وعلى أسوار الجسر. وفجأة تقع عينه على شريف. يتوقف بسيارته ويفتح زجاج النافذة. وينادي عليه:

    - شريف .. يا شريف.

    يلتفت شريف إلى مصدر الصوت ، وعندما يرى الشخص الذي ينادي عليه يتجاهله ، ويمضي في سبيله. ينزل منير من سيارته ويركض خلفه. يمسكه من كتفه ويديره إليه:

    * لماذا لا ترد عليّ ؟
    - ماذا تريد مني؟ أنا لن أقتل لك أحداً ..
    * أنا لا أريدك أن تقتل أن أريدك أن تساعدني أن نوقف جريمة سوف تقع.
    - ماذا ؟
    * ألا تدري أن صديقك عليش تولى الأمر نيابة عنك؟
    - ماذا ؟ عليش؟
    * أجل لقد اتفقت معه على قتل تلك السيدة المسكينة. ولكن يجب أن نوقف ذلك فوراً.
    - وما المطلوب مني الآن؟ إن كنت قد اتفقت مع عليش فهو شانكما معاً .. اذهب وأبحث عنه.
    * أرجوك يا شريف .. أنت الوحيد الذي يعرف أين يمكن أن أجده.
    - أنا لم أره منذ ظهر اليوم.
    * إذاً دلني على مدرسة النصر الابتدائية .. أين تقع؟
    - مدرسة النصر؟ وبماذا تريد هذه المدرسة؟
    * إن السيدة التي كنت أنوي قتلها تعمل بائع حلوى وشطائر جوار المدرسة. ولا بد أنها تسكن في مكان قريب من المدرسة.
    - ماذا ؟؟؟؟؟؟ تعمل بائعة شطائر وحلوى جوار المدرسة؟
    * أجل ..
    - ما اسمها ؟؟
    * هذا ليس هو المهم الآن المهم هو أن …..
    - قلت لك ما اسمها ؟
    * اسمها سعاد … ولكن لماذا ؟
    - ماذا ؟؟؟؟؟؟ سعاد ؟؟؟ أميييييييييييييييييييي


    وينطلق شريف تاركاً منير في حيرته ودهشته ، لقد قال ( أمي ) !!! هل شريف ابن سعاد؟؟ ابني ؟؟؟؟ هل كنت أتفق مع ابني على أن أقتل أمه؟؟ ما هذا القدر ؟؟ أيكون ابني بين يدي وأتركه يضيع مني هكذا ؟ ولأول مرة يحس منير بشيء ما يتحرك في صدره. شيء لأول مرة يشعر به تجاه إنسان. لقد تحركت رغماً عنه عاطفته الأبوية أو ربما إحساسه بالذنب تجاه ولده الذي لم يكن يعرف بوجوده حتى أخبرته سعاد بذلك. وصرخ منير بقوة وهو ينادي عليه :

    * شريف .. شريف … توقف .. انتظرني


    انطلق شريف كالمجنون يقفز فوق الأسوار الحديدية التي تفصل الشوارع ذات الاتجاهين ، ويزيح المارة بيده … كانت هنالك العديد من الأسئلة والوساوس التي تدهور في رأس شريف وهو يحاول أن يسابق الزمن ولكنه لم يكن يفكر إلاّ في أمر واحد فقط ، أمه .. يجب أن يحمي أمه من طمع صديقه الذي لن تحالف مع شيطان نفسه وقرر قتلها وحرمانه منها. كان شريف مستعداً لأن يفعل أي شيء من أجل أن يحمي أمه ، حتى ولو كان ذلك سوف يعني أن يقتل صديق ، أو أن يموت دون ذلك.




    وللقصة بقية...
                  

07-10-2006, 01:04 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: نادية عثمان)

    __________

    Quote: عودا حميدا مستطاب ياهشام

    وكن بالف خير دوما

    Thanks Nadiah
                  

07-10-2006, 06:53 AM

Ibrahim Algrefwi
<aIbrahim Algrefwi
تاريخ التسجيل: 11-16-2003
مجموع المشاركات: 3102

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: هشام آدم)

    ...

    في انتظار البقية يا هشام علي احر ...
                  

07-10-2006, 08:02 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: Ibrahim Algrefwi)

    _____________

    تسمّر شريف في مكانه وهو يرى سيدة ملقاة على الأرض. شعر بأن قلبه سوف يقفز من مكانه. شعر بأن ثمة شيء ما بداخله خرج وطار إليها. شعر بالخوف .. خاف أن يراها وهي ميتة ، خاف أن يصدق أن صديق عمره وطفولته قتل أمه فعلاً من أجل المال. بدأ يرتجف وهو واقف مكانه وصرخ بكل ما أوتي من قوة: ( لااااااا )


    ركض نحوها ، رفع رأسها ووضعها بين ذراعيه .. إنها أمه فعلاً .. أحس بها قبل أن يراها ، شعر بقلبها الدافئ وهو يعتصر نفسه ، فيعتصر قلبه معه. بكى ، وبكى ولم يستطع أن ينطق بحرف واحد. بكى فبللت دموعه خدودها المتسخة بغبار الأرض الجيرية. أمسك شريف برأسها ووضعه على صدرها ويهزها بعنف: لا يمكن أن تموتي الآن يا أم شريف .. لا يمكن أن تموتي الآن. سوف أصبح طبيباً كما كنتِ تحلمين دائماً ، سوف أتزوج وأملئ البيت بأطفال جميلين يلعبون من حولك وينادون عليك ( تيته .. تيته ) كيف تموتين قبل أن تريهم يا حبيبتي ؟



    في هذه اللحظة توقف منير الذي كان قد لحق بشريف بسيارته. نزل منها دون أن يطفأ المحرك ، وترك الباب مفتوحاً ، هرع إليه. مدّ يده وضعه على عنقها:

    * الحمد لله ، ما تزال على قيد الحياة .. يجب أن ننقلها إلى المستشفى حالاً .. هيّا يا بني ..

    حملها بين ذراعيه وانطلق بها إلى السيارة وشريف يركض ورائه. وانطلاقا إلى أقرب مستشفى ، حيث أدخلت غرفة العمليات. وخارج غرفة العمليات. كان شريف جاثياً على ركبتيه واضعاً رأسه بين يديه ، بينما ظل منير يروح ويجيء في الممر. رفع شريف رأسه ، ليجد منير كالأسد المجروح. فنهض واندفع نحوه:

    * سوف أقتلك هنا أيها الوغد.
    - اهدأ يا شريف .. اهدأ يا بني نحن في مستشفى
    * لماذا حاولت قتل أمي .. لماذا ؟ ماذا فعلت لك ؟
    - يا بني أنا لا ......
    * لا تقل بني هذه .. أنتم – الأغنياء – ترخص لديكم أرواح الفقراء بهذه السهولة. تروننا كالحشرات ، تدوسون علينا بأحذيتكم الإيطالية دون رحمة ، دون شفقة. إن ماتت أمي فسوف أقتلك بدون ثمن .. سوف أقتلك .. سوف أقتلك .. أتفهم.


    وراح شريف في نوبة بكاء عارمة .. بينما حاول منير تهدئته. فوضع رأسه على صدره ، ويربت على شعره بكفيّه الراجفتين:

    - لا تقلق يا حبيبي .. سوف تعيش أمك .. ستعيش من أجلك من أجل أن تراك بروب التخرج. لقد كانت تحلم بذلك دائماً .. سوف تعيش يا حبيبي .. فلا تخف. أنا من يستحق الموت. أنا حقير ، ولا أستحق إلا الموت. أنا الذي عشت عمري كله كالحمار ، كالأبله. كنت أفكر في نفسي وحسب. لقد خسرت كل شيء ، ولكني لن أسمح أبداً أن أخسرها .. أتفهم؟


    عندها رفع شريف رأسه وأطلّ عليه بنظرات حزينة ومندهشة. وضع منير كفيه برفق على خد شريف وهو يمسح عنه دموعه: سوف أعوّضك عن كل شيء .. وسوف تعيش أمك يا حبيبي ، وتطمئن عليها حتماً.


    * من أنت؟ أريد أن أعرف من أنت؟ ومن أين تعرف أمي؟ ولماذا حاولت قتلها ، ولماذا تتمنى أن تعيش الآن؟



    وتقاطعت عينا شريف المندهشتين بعيني منير المتحسّر. أراد منير أن يقول له الحقيقة .. أن يقولها له بصوتٍ عالٍ .. ولكنه لم يستطع. خانته العبرة .. وتوقف الكلام في حنجرته .. كما تتوقف الشهادتان في حنجرة محتضر لا يواظب على أداء الصلوات الخمس. ولأول مرة يشعر شريف بشيء غريب تجاه هذا الرجل الثري .. يحس بأن ثمة شبه ما بينهما .. وكما أحس بصدقه لأول مرة ، أحس بصدقه هذه المرة أيضاً.


    وفجأة يخرج الطبيب من غرفة العمليات وهو ينزع عن يديه قفازه الأبيض الشفاف. وعن فمه الكمّامة الطبية ، فاندفع إليه شريف ومنير:


    (الدكتور): لا تقلقا .. الحمد لقد كانت الطلقة بعيدة عن الأعضاء الحيوية. لو انخفضت الطلقة سنتميترين فقط لكانت حالتها أكثر خطورة.
    (شريف): أريد أن أراها يا دكتور.
    (الدكتور): ليس الآن .. هي الآن تحت تأثير المخدر. وسوف تظل كذلك حتى صباح الغد. هي الآن بحاجة للهدوء والراحة أكثر من أي شيء آخر. لقد كانت محظوظة فعلاً.
    (منير) : نريد أن نعرف وضعها الصحي بشكل دقيق يا دكتور.
    (الدكتور) : هل أنت زوجها؟
    (منير) : أأأ .. في الحقيقة لا .. ولكن فقط نريد أن نطمئن عليها وحسب.
    (الدكتور): جسمها ضعيف .. وتغذيتها سيئة. لقد فقدت دماً كثيراً ، ولكن بقليل من المغذيات سوف تستعيد صحتها فوراً .. لا تقلق.


    عندها اتكأ منير على الجدار الذي خلفه ، وكان بارداً ورفع رأسه وهو يقول: الحمممممد لله

    وما أن كاد منير يضع رأسه على الجدار ، حتى انتفض كالملدوغ وهو يقول: عليش !!!

    التفت شريف إلى منير :

    * سوف أنتقم منه هذا الحيوان. لا بد أن أقتله جزاء فعلته.
    - دع لي الموضوع .. سأتركك الآن مع أمك هنا ، وسوف أعود بعد حوالي ساعة من الآن. كل ما أريدك أن تهتم به هي أمك .. إنها بحاجة إليك.


    ربّت منير على كتف شريف وغادر المكان مسرعاً .. كان منير يعرف أن عليش سوف يذهب إلى جسر اللمبي عند الفجر ، حسب اتفاقهما. فركب سيارته وانطلق بها إلى بيته أولاً .. ليجد زوجته وقد عادت ، وما أن دخل الغرفة حتى استيقظت ، وهي تغالب عينيها:

    * منير حبيبي . أين كنت حتى هذا الوقت؟ وكم الساعة الآن؟
    - إنها توشك على الخامسة صباحاً .. كيف كانت جلستك مع الطبيب النفساني ؟
    * أوووووف أصبح الأمر مملاً حبيبي .. ولكن الدكتور قال لي بأن عدد الجلسات سوف يقل عن ذي قبل.
    - جميل ..
    * ألن تأتي لتنام ؟
    - لا .. أنا على عجلة من أمري يا عزيزتي .. نامي أنتِ الآن.
    * على عجلة من أمرك؟ تأتي في وقت كهذا ، وتخرج ؟ ماذا هناك؟
    - لا شيء .. فقط دهست شخص بسيارتي .. ونسيت أوراق السيارة في جيب البدلة الرمادية. سوف أعود بعد أن يقفل الشاويش المحضر.


    وبحركة ميكانيكية تعود أنعام إلى وضعيتها الأولى. بينما يأخذ منير بعض الأوراق من الدولاب ويخرج مسرعاً. ذهب مباشرة إلى الجسر حيث وجد عليش هناك في انتظاره. وما أن رأى عليش أنوار السيارة حتى وقف في منتصف الشارع ، فهو يعلم أن لا أحد يمكنه أن يمر في هذا الوقت غير منير. وما أن توقفت السيارة حتى قفز إليها عليش ، وهو يفرك يديه وينفخ فيهما بفمه:

    * الجو بارد جداً هذا الصباح.
    - ماذا فعلت؟
    * تمام التمام .. لقد أنجزت المهمة.
    - هل قتلت السيدة؟
    * أجل .. كانت مهمة سهلة للغاية.
    - هل أنت متأكد أن أحداً لم يرك؟
    * لا .. لا .. اطمأن لم يرني أحد.
    - جيد جداً ..
    * والآن ، وبعد أن وفيت بوعدي .. عليك أن توفي بوعدك.
    - بالتأكيد .. أين الظرف الذي به الصورة والعنوان ؟
    * لا تخف .. لقد تخلّصت منه.
    - هذا ممتاز. افتح الطبلون لتجد ظرفاً به بقية أتعابك.

    فتح عليش الطبلون ليجد ظرفاً ، به رزمة من النقود. فتحها وهو يرمقها بنظرات متعطشة. ابتسم في وجه منير وفتح باب السيارة ونزل. وانطلق منير بسيارته.




    يتبع.....

    (عدل بواسطة هشام آدم on 07-10-2006, 08:09 AM)

                  

07-10-2006, 08:16 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: هشام آدم)

    ___________

    العزيز الجريفاوي

    صاحب جدلية الروح والجسد ..
    سعيد أنك أحد المتابعين لهذه القصة.
    وأتمنى أن تكون نهايتها مرضية لتطلعاتك
    أو على الأقل أن تأتي كما تحب.


    لك التحية والود أيها الجميل
                  

07-10-2006, 10:22 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدم الذي تكلّم (Re: هشام آدم)

    _____________

    عاد منير إلى المنزل وهو ينزع عنه ربطة العنق ، ويفتح أزرة قميصه. فإذا بأنعام تنزل من سلالم الفيلا :

    * هل عدت يا حبيبي ؟
    - نعم ..
    * هل أنهيت موضوع الحادث؟
    - أجل .. لقد أنهيت كل شيء
    * لماذا لا تطلب من الخدم أن يحضروا لك الإفطار .. تبدو جائعاً ..
    - كل ما أريده أن أناااااااااااااام فأنا منهك ، وبحاجة إلى الراحة.


    بدأ منير في صعود درج السلالم عندما قالت له أنعام :

    - إذا استيقظت ولم تجدني حبيبي فلا تقلق .. فسوف أذهب إلى أبي لأزوره.
    * (دون أن يلتفت إليها) : حسناً .. كما يمكنك البقاء عنده إلى الأبد إن شئتِ .
    - ماذا ؟ ماذا قلت ؟
    * (بعد أن استدار) : قلت لك أنه بإمكانك ألا تعودي مرّة أخرى إلى هذا البيت.
    - هل جننت ؟؟ ماذا يعني هذا الكلام؟
    * يعني أنك طالق يا حبيبتي
    - لا بد أنّك فقدت عقلك ..
    * فعلاً .. لقد فقدت عقلي بالفعل .. أين كان عقلي عندما تزوجت امرأة خائنة مثلك؟!!
    - منير ... هل تعرف ماذا تقول ؟
    * أقول لك أخرجي من بيتي قبل أن أفقد أعصابي أيضاً ..
    - بيتك ؟ يبدو أنك نسيت نفسك يا منير .. إذا كان ما تقوله صحيحاً فأنت من يجب أن يخرج من هذا البيت وفوراً
    * آه نسيت أن أخبرك أنني نقلت ملكية البيت باسمي بالتوكيل الذي معي
    - توكيل ؟ لا شك أنّك تكذب.


    يستأنف منير الصعود البطيء على الدرج وهو يقول:

    * منير الشرقاني لا يكذب .. أعرف القانون كما أعرف راحة يدي .. وأمامك المحاكم وأقسام الشرطة .. يمكنك أن تفعلي ما شئتِ هذا البيت أصبح ملكي .. والسيارة التي بالخارج. (وقبل أن يختفي عن مرمى بصر أنعام ، التفت إليها وقال) ولا تخافي لم آخذ من رصيدك في البنك إلاّ حقي وتعبي ، وتركت لكِ الباقي.


    واختفى منير ، وترك أنعام وهي غير مصدقة لما سمعته .. وفي الجهة الأخرى .. كان شريف نائماً على طرف السرير عندما أحس بيدٍ رقيقة تمسح على شعره:

    * أمي .. حمداً لله على سلامتك.
    - شريف حبيبي ... لا تقلق علي أنا بخير.
    * لقد قلقت عليك بشدة .. أنا أحبك كثيراً
    - أين نحن الآن؟
    * نحن في المستشفى.

    تلتفت سعاد بنظرات تعبة ومرهقة إلى المكان:

    - يبدو أنه مستشفى غالٍ ومكلف.
    * لا تخافي لقد تكلف ذلك الشخص بعلاجك على نفقته.
    - أي رجل؟

    تذكر شريف أنه لا يعرف اسم الرجل بعد:

    * لا أعرف اسمه . ولكنه شخص طيب القلب.
    - هل أعرفه؟
    * هذا ما أريد أن أعرفه منك يا أماه .. فيبدو أنكما تعرفان بعضكما جيداً .. ولكن ليس الآن فأنتِ تحتاجين إلى الراحة والهدوء كما قال الطبيب.


    وفي المساء .. وبينما كان شريف يلقم أمه طبق الحساء الساخن ، إذ فتح الباب ليدخل منير ، وتحاول سعاد النهوض .. غير أنها لم تستطع. ويهرع إليها منير وهو يحاول الحيلولة دون أن تنهض:

    - لا تتحركي يا سعاد . لم يلتئم جرحك بعد.
    * ماذا تريد يا منير؟
    - أريدكِ أن تسامحيني يا سعاد لقد أخطأت في حقك ، وفي حق نفسي. وفي شريف أيضاً. أعرف أنني جبنت من قبل ، ولكنني أعدك بأنني منذ هذه اللحظة رجعت شخصاً آخر غير منير الشرقاني الذي تعرفين. أنا مستعد لأي عقاب تنزلينه عليّ .. ولكن امنحيني فرصة واحدة أتمكن من خلالها أن أعوّض شريف كل ما فاته.


    كان شريف يقلب بصره بين أمه الممدة على السرير تارة وبين منير الشرقاني تارة أخرى محاولاً أن يفهم من حوارهما شيئاً ما.


    (شريف) : من أنت؟ وماذا تريد؟ لماذا حاولت قتل أمي ، ولماذا أنقذت حياتها ؟ وتريد أن تعوضني عن ماذا الآن؟ أنا لا أفهم شيئاً !!! أمي من هذا الرجل؟
    (منير) : من أنا هذه سوف تجيبك أمك عليه .. كل ما أريد أن أقوله أنني شخص قصّر في حقك كثيراً .. ولكن صدقني يا بني لم أكن أعلم بوجودك قبل أن تخبرني أمك عنك. قد لن تستشعر حرارة الندم الذي أعيشه وأحسه الآن. (أدخل يده في جيبه وأخرج ظرفاً ، وقبل أن يكمل شريف دهشته قال وهو يضع الظرف على طاولة قرب سرير سعاد) هذا هو المبلغ الذي طلبته يا سعاد 500.000 جنيه عداً ونقداً ، حسب اتفاقنا وقبل المهلة المطلوبة. ولكني أدفعها لك وأنا سعيد ، ولست خائفاً .. كل ما أرجوه منك يا سعاد أن لا تحرميني رؤية شريف بين الفترة والأخرى.

    ثم تقدّم منير ومسح على رأس شريف وغادر الغرفة وقبل أن يغلق الباب ورائه جيداً عاد ليقول لشريف:

    * بالمناسبة عليش ربما يكون في السجن الآن .. لقد أبلغت عنه الشرطة واتهمته بسرقة 10.000 جنيه كما أبلغت إدارة المستشفى بأن ما حدث لسعاد كان محاولة شروع في قتل. ربما يأتي المحققون اليوم أو غداً صباحاً لاستكمال الإجراءات. لا تخف المسدس ليس باسمي وبصمات عليش عليه. سوف ينال عليش جزائه .. كما سأنال أنا جزائي أيضاً .


    ثم يغادر منير في صمت تاركاً دمعة على عيني سعاد ، ودهشة على وجه شريف. ويغلق باب الغرفة.






    -- THE END --

    (عدل بواسطة هشام آدم on 07-10-2006, 12:58 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de