__________________________ الأيقونة قصة قصيرة بقلم : هشام آدم محمد
أخرج كيس التمباك، فتح الكيس، وألقى نظره داخله. كان الكيس مليئاً بالتمباك الجيّد. حشر أنفه في الكيس، واستنشق رائحة التمباك قبل أن يغمض عينيه في نشوة مزاجية عجيبة. لم يتعوّد على سفّ التمباك من غير أن يستنشق رائحته، حتى غدت مزاجية الاستنشاق متلازمة لمزاجيّة التعاطي. بدأ في تكوير السفه بشكل جيد، وهو يراقب حوارات سخيفة في غرفة الدردشة على شاشة كمبيوتره. وضع سفته الماكنة أسفل شفتيه، حتى تدلت وأصبح شكله كأنثى شمبانزي تراقب أطفالها وهم يشاغبون أمامها. بحث في الأسماء المدرجة على الجهة اليمنى من نافذة غرفة الدردشة، ويمرر الماوس على الأسماء وهو يقرأها بعناية: "سكون الليل، الجريح، المشاكس، صائد الفراشات، الوسيم القلبي رادو، فؤادية، مدرسة الحب، الحنونة" توقف عن اسم الحنونة، وقال في نفسه "هذه تنفع" بضغطة كليك من الماوس على الاسم فتح نافذة تحاورية خاصة " هااي .. مرحبا، ممكن نتعرف؟" وتسمّر أمام النافذة الحوارية التي احتوت جملته التقليدية. كان كمن يقف في انتظار نتائج إعلان أسماء الفائزين في مسابقة الأوسكار.
في الجهة الأخرى، كانت قد وضعت وسادة على كرسيها، وجلست بعد أن أشعلت الإضاءة الخافتة، وهي تصوب نظاراتها لنوافذ الحوارات الخاصة في ذات غرفة الدردشة. هنالك ثمانية نوافذ نشطة، بالإضافة إلى ماسنجرها المفتوح. ورغم الهدوء القاتل في جو الغرفة والمنزل، إلا أنها كانت تشعر بزخم غريب، فثمة أربعة نوافذ حوارية مضاءة تدل على ردود، بالإضافة إلى جرس الماسنجر الذي لا يكاد يصمت دقيقة. وبحركة ميكانيكية كتبت على إحدى النوافذ الحوارية المفتوحة حديثة "a.s.l please" ولكنها لم تتعلق بالنافذة كثيراً، فكان عليها أن تنتهي من الرد على سبعة نوافذ أخرى.
في الجهة الأخرى، كان صاحبنا، كلما أوشك على إغلاق النافذة، منّى نفسه بأن صاحبة الاسم المستعار تستحق الانتظار لفترة أطول. حتى لمعة إشارة الرد أعلى النافذة، بجملة مقتضبة "a.s.l please" فتنهد في نشوة، وكأنه صيّاد استشعر حركة السنّارة للتو "male-23-k.s.a & you" وبشغفية متلهفة، جرّ سلة النفايات الصغيرة وبصق فيها التمباك الفاتر من فمه. ومصمص شفاهه الغليظة، وكأنه لا يود أن تعرف أنه يتعاطى التمباك. ثم أخرج علبة سجائره، وأشعل واحدة، وهو يعدّل في جلسته أمام شاشة الكمبيوتر بحماسة أطفال الPlayStation
في الجهة الأخرى .. بدأت بإغلاق النوافذ الحوارية المفتوحة "gtg " وفجأة تكتشف أن ثمة نافذة حوارية وحيدة تبدو في بدايتها. لم تكن لديها رغبة في الاستمرار فهي منذ ساعتين لم تهدأ في الانتقال من نافذة إلى أخرى، بدأت تشعر بزوغان البصر، وتكلّس فقرات عامودها الفقري كأنها مصنوعة من جبس مقاوم للماء. تمعنت في الاسم المستعار "دنجوان" فاستفزها الاسم، نقرت بالماوس على زر الظهور بشكل متخفي. وكرّست جهدها لهذا الدنجوان المتأخر "18-f-ksa"
في الجهة الأخرى، كان الدنجوان ينسى سيجارته في فمه ليمتد رمادها ثلاث سنتميترات دون أن يشعر بها، بل ودون أن يعميه تطاير دخانه القاتم حول عينيه المصابتين أصلاً بالتراكوما. أصابعه النحيلة ترتجف على الكيبورد بفعل النيكوتين، وقلبه كنملة محاصرة بالمياه، لا يتوقف عن الخفقان أو الدوران حول محور.
أسرف الاثنان كثيراً في الحديث... ولم يغادرا حتى أشرقت شمس اليوم الجديد. استأذنت لأن عليها الذهاب إلى الجامعة، بينما تعلّل هو بأن عليه الحضور باكراً في المصنع الذي يملكه، حيث لا يسير العمل إلا بوجوده.
في الجهة الأخرى، تدخل "الحنونة" غرفة المعلمات، وهي تحمل دفاتر الطالبات، تضعها على طاولة زميلتها "أسدي لي معروفاً .. صححي هذه الدفاتر، فقد كانت حماتي معنا بالأمس ولم أستطع أن أراجع الدفاتر" ... وبقيت في حمام المدرّسات ربما نصف ساعة تعيد ترتيب المكياج.
وفي الجهة الأخرى، ينام أخينا العاطل عن العمل حتى الثانية عشر ظهراً. ثم يستيقظ على أصوات الحفريات التي تجريها مصلحة المياه والمجاري في شارع منزله. يجلس على كمبيوتره قبل أن يغسل وجهه، ينقر على أيقونة غرفة الدردشة mIRC بحث في قائمة الأسماء المستعارة، فلم يجدها، أغلق نافذة غرفة الدردشة، وقبّل الأيقونة، وكأنها تحمل من رائحتها شيئاً ما. ومرّ شهر كامل وهو ما يزال يُقبّل أيقونة الmIRC في انتظارها، ولكنها لم تعد.
.
(عدل بواسطة هشام آدم on 07-07-2007, 11:02 AM) (عدل بواسطة هشام آدم on 07-07-2007, 11:17 AM)
07-07-2007, 12:52 PM
ibrahim fadlalla
ibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة