|
أشباح بامسيكا
|
_________________________________
بقدمين عاريتين، يركض الصبي "بامسيكا" هارباً من سيده "اسكوجفانكسي" البدين ذو الشاربين الناهضين إلى أعلى، بسترته الرمادية القاتمة، ناجياً، من المجزرة تلك؛ بعصا الناي التي يخبأها دائماً في ذراعه، رابطاً إياها بعصابة من قماشٍ قديم. غير مكترثٍ بالمطر المزعج، وأصوات الخيول التي تجر العربات، وأصوات المارين في كل مكان، وصيحات الباعة المتجولين. يركض، وكأنه يعلم تماماً إلى أين يتجه. يعبر الجسر الخشبي الذي يرقد تحته النهر الفاتر، ويستلقي على عُشبة خضراء مبتلة. يُسدل قبعته القماشية على وجه المتعرّق ليلتقط أنفاسه. وهو يسترد ما حدث.
لم يُعجب السيد "اسكوجفانكسي" أن يكون عبده ذو العشرين عاماً - الذي اشتراه وسمّاه - محبوباً بين نزيلاته في بيت الطالبات الذي يملكه. وكم حاول "اسكوجفانكسي" أن يظفر بناي "بامسيكا" ليكسره على ظهره. إنه الشيء الذي يجذب هؤلاء الفتيات إليه. ياله من عازف بارع هذا اللعين! كانت بدانة "اسكوجفانكسي" وشاربه الكث، يخفيان الكثير من محاسنه الرجولية، ولكنه لم يكن ليقاوم شطيرة التفاح التي تتقنها زوجته "جوسليكا". كان يغيظه أنه ورغم دكانة بشرته تجلس إليه جميلات السكن الداخلي، للاستماع إلى موسيقاه "الآسرة" كما سمع إحداهن تقول!
ينهض "بامسيكا" بتثاقل بعد أن التقط أنفاسه، خلع قبعته القماشية، وأخرج الناي من ذراعه وتأمله جيداً وبدأ يعزف مقطوعته المفضّلة. لم يكن "بامسيكا" يطيق البكاء هكذا في وضح النهار، ولكن المطر كان يمحي بذكاء آثار دموعه التي لم يستطع أن يُمسكها، فراحت - مع كل زفرة من الناي – تسيل على خده، تُلهمه الإحساس المُفعم، تقذف به داخل الناي ليخرج مع كل فتحة من فتحات الناي. توقف قليلاً، نظر إلى الضفة الأخرى فأحس بالخوف اللصيق، فنهض وركض حتى اختفى بين رذاذ المطر وضباب الرذاذ. ولم يره أحد مرةً أخرى إنما يروي أهل القرية أن ثمة أصوات أشباح تأتي من ناحيةٍ ما في الغابة الشرقية لقريتهم حيث اختفى "بامسيكا" آخر مرة.
|
|
|
|
|
|