أرض الميّت

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 06:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-11-2009, 11:14 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أرض الميّت

    (1)

    كنتُ منتبهاً لصوت الجدة مِسكة المتشائم، ومتأثراً به، وهي تحكي لنا عن وفاة أحد أعظم الأساطير التي مرّت على قريتنا والقرى النوبية على الإطلاق. وظلت سيرة هذه الشخصية الأسطورية -التي تسببت في تسمية الأراضي التي سكنتها بعض القبائل الأحمسية السمراء- تتردد على ألسنة عجائز القرية، وشيوخها جيلاً بعد جيل؛ إلى الحد الذي جعل الرواية تخضع إلى عمليات تحريف شعبية واعية واسعة النطاق، فأضاف إليها البعض من مخيّلتهم الخاصة؛ بينما اعتمد البعض الآخر على ذاكرته التي كان قد أصابها العطب والصدأ بفعل تقدّم السن، ولم يبق من معاصري هذه الشخصية أحد على قيد الحياة. ولكنني تأثرت برواية الجدة مِسكة التي روتها لنا على حلقات متسلسلة، فكنا ننتظر الظلام وهو قادم يتهادى على مهل فوق سفوح جبال ميمن توّو الجنوبية؛ كغريب يدخل القرية على خجل، فنجلس في نصف دائرة: أنا وأبناء عمومتي، وبعض الفتيات لنستمع إلى ما تبقى من حكايات جلال التمتام.
                  

01-11-2009, 11:34 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (2)

    ومازلت إلى الآن قادراً على تصوّر مشهد وفاته الذي لم يشهده أحد وخضع لتكّهنات الرواة من هيئته التي رأوه عليها عندما عثروا عليه ميتاً على سريره ممسكاً بصورة فتاة في مقتبل العمر. والضوء الذي كان يمر متسللاً من خلال النافذة المتهالكة على تجاعيد وجهه الذي كجلد تمساح أمازوني، عرّى تواريخها. ذلك الضوء الذي كنهر هادر من آلاف اليرقات الضوئية، كان يعبر بين ثقوب النافذة الخشبية المطليّة بطلاء أزرق، ناشراً رذاذ أشعة الساعة الثامنة صباحاً على طول المجرى الضوئي المستقيم، مجنونة كإحدى لوحات سلفادور دالي السريالية.
                  

01-11-2009, 11:40 AM

محمد الطيب يوسف

تاريخ التسجيل: 02-22-2008
مجموع المشاركات: 3088

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    .
                  

01-11-2009, 11:43 AM

محمد الطيب يوسف

تاريخ التسجيل: 02-22-2008
مجموع المشاركات: 3088

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: محمد الطيب يوسف)

    أخي هشام


    نحن نحب فيك الكاتب



    أتمني أن تدرك هذا
                  

01-11-2009, 12:07 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: محمد الطيب يوسف)

    الأخ : محمد الطيّب يوسف
    أشكرك يا عزيزي على هذه الكلمات العميقة بصراحة
    وأدرك ما تقوله تماماً .. ولكن يبدو أنه بعد فوات الأوان

    تحياتي يا عزيزي
                  

01-11-2009, 12:15 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (3)

    كل الذين رووا قصته أجمعوا على أن الحزن كان أكثر الملامح إضاءة في قسماته المُتعَبة، وأنفاسه المتصاعدة كأنها صوت سفينة بخارية غادرت مرساها من ميناء حلفا النهري للتو. الهواء الصباحي البارد يصفع الباب الخشبي بصفائح الألمنيوم المتآكلة، كأنه جسد كركدن أفريقي معتد بنفسه.
                  

01-11-2009, 12:31 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (4)

    جلال التمتام الأشهب القادم من المجهول حاملاً في قسماته ملامح نادرة، وفي لغته لكنة غير مألوفة، كان له قنٌ يُربي فيه: ثلاث دجاجات، وديكاً أعرجاً لا يُلقّح ولا يُؤذن، وكلبٌ أسود بذيل مقطوع، يُذاع عنه أشياء مُريبة، ويُشكّ في أمره.
                  

01-11-2009, 12:35 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (5)

    عندما أقدم الكلب على عضّ صابرين ابنة العمدة ليلة عيد أضحى، لم يجرؤ –حتى إمام القرية– على إمساكه وحقنه بالسُّم. العمدة نفسه كان يقرأ المعوذتين، وينفث عن شماله ثلاثاً كلما رآه، ويردّد بصوت عال ليسمعه الكلب: "أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق!" وظنّ أن ذلك ما كان يبقيه في حرز منه، وآمن أنّ تلك الكلمات كانت سرّ نجاته من هجمات الكلب العدوانية.
                  

01-11-2009, 12:57 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (6)

    لا أحد يعرف على وجه الدقة من اكتسب الشهرة من الآخر: الكلب الأسود أم ابنة العمدة!؛ إذ كانت مجالس الرجال لا تخلو من ذكر تلك الحادثة، وأصبح الأمر فاكهة الليالي الخمرية التي اعتاد عليها الشباب في القرية. جاء الناس راجلين وراكبين من كل الأصقاع البعيدة والقريبة ليحمدوا للعمدة سلامة ابنته. وجاء حكيم القرية ليحقن الفتاة المسكينة بإحدى وعشرين حقنة في سرّتها أمام دعوات الجميع لها بالشفاء والسلامة من داء الكَلَب.
                  

01-11-2009, 01:36 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (7)

    كان أهالي القرية يؤمنون بأن تبوّل كلب التمتام على عتبات البيوت، يعني نذير شؤم موشك. فلم يسمحوا للكلب بالاقتراب من بيوتهم، أو حتى التفيؤ تحت ظلال جدرانها الجالوصية المتهالكة في ساعات الظهيرة الحارقة. وربما نال حياته بقدر ما نال صاحبه من الاحترام والتوقير.
                  

01-11-2009, 01:37 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (8)

    بعد وفاة الشيخ العجوز، قرر بعض الفتيان -من بينهم هارون عزيزة- مطاردة الكلب الأسود العجوز وقتله، واعتبروا ذلك واجباً دينياً مقدساً، وشرفاً سوف يستحقون عليه الثناء والمجد من أهالي القرية. هارون عزيزة وجدها فرصة مناسبة لكسب احترام الأهالي الذين نبذوه بعدما وشت به مجموعة من الأطفال عندما كان يختلس النظر إلى فتاة بالغة وهي تتغوّط في الخلاء، فكان أكثرهم حرصاً وحماسة لمطاردة الكلب، بل وأكثرهم شراسة في الفتك به. كانت دماء الكلب الأسود خلاصهُ من العار الأبدي ولا شك. وبموت الكلب الأسود وصاحبه التمتام، انقلبت أحوال القرية رأساً على عقب، ولم تعد تهنأ بالراحة.
                  

01-11-2009, 01:39 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (9)


    أوصى الشيخ عبد الصبور إسماعيل دهب إمام الزاوية اليتيمة في القرية آنذاك بتعليق الكلب الأسود -بعد قتله- على سارية كانت فيما مضى جزءاً من ساقية أنشأها أبوه طيّبُ الذكر الشيخ إسماعيل دهب. قال: "يمكننا استخدام جيفته طُعماً للتماسيح، والوحوش الضارية التي تهدد أبناء القرية وأطفالها ومواشيها، أو فلتكن طعاماً للجوارح التي تحمل في حويصلاتها أرواح الأطفال الميّتين، ذلك أدعى للرحمة." ولذا أسموها "سارية الرحمة"
                  

01-11-2009, 01:44 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (10)


    وقيل أنها سميّت كذلك لسبب لا يتعلّق بجلال التمتام على الإطلاق؛ إذ حكت الجدة مسكة أن أهالي القرية تفاجئوا ذات صباح بجثة شاب غريق ملقاة عند حواف النهر الصخرية، ولم يستطع أحد التعرّف عليها، وأن الشيخ عبد الصبور دهب أوصى بدفنه في مدافن القرية بعد ثلاثة أيام، إن لم يأت أحد للبحث عنه. وأن ذوي الغريق جاؤوا بعد ذلك بأيام ليكتشفوا أن ميّتهم مدفون بهذه الأرض الغريبة. وربما كانوا هم أول من أطلق اسم "أرض الميّت" على القرية، واشتهرت به بعد ذلك.
                  

01-11-2009, 01:45 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (11)


    وإذ كانت المنطقة التي يمر بها النهر بمحاذاة القرية اشتهرت بحوافها الصخرية المسننة، فقد كان أهالي القرى النوبية الأخرى يأتون للبحث عن غرقاهم في أرض الميّت آملين أن تكون جثثهم قد نجت بمعجزة من أنياب تماسيح النهر وأسماكه الشرهة، وتعلّقت بأنياب الصخور الملساء، وكانت القرية لا تخيّب ظنّ أحد إلا ما ندر.
                  

01-11-2009, 01:46 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (12)


    الرجال الذين جاؤوا بحثاً عن الغريق، حكوا لأهالي القرية عن ميّتهم: إنه كان معتاداً الجلوس على تلة رملية بيضاء قرب النهر وقت الغروب، يدخن البنقو، ويُردد الأغنيات التي لا يرغب في سماعها أحد، وأنه حكى للجميع عن الجنيّة التي خرجت إليه عارية من مياه النهر، وقبّلته، وطلبت منه أن يتزوّجها، وأنها أغرته باللحاق بها في النهر. وتمكن صيّادون ليليّون من إنقاذه قبل غرقه بعدة أيام. وشاع في القرية خبر الجنيّة اللعوب التي تتصيّد الشبان وتغري بهم لتجعل نهايتهم على يدها إما غرقى في النيل، أو خلف جبال ميمن توو الجنوبية.
                  

01-12-2009, 06:38 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (13)


    كذلك كان يُشاع في أرض الميّت أنّ الأطفال عندما يموتون تتخطّف الجوارح الجائعة أرواحهم في طريقها إلى السماء، فتسكن حويصلاتها لأنهم لا حساب لهم أمام الله، أو يغدون ملائكة صغيرة؛ لا يُوكَل إليهم تلك الأعمال الشاقة التي تُوكلها إلى الملائكة، فقط يحوّمون في الأرجاء يهبون السلام والرحمة لذويهم ولمن هم في الأرض.
                  

01-12-2009, 06:43 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (14)


    كانت أرواح هؤلاء الأطفال المحمولة داخل حويصلات الطيور، سبباً في خصوبة الأرض، ونجاح مواسمهم الزراعية، لذا فإن الأهالي لم يكونوا يمنعون الطيور من الحط على أشجار مزارعهم. وبينما كانت الطيور تقتات على ديدان الأرض، ويرقات المحاصيل الضارة وجرذان الحقول، كان المزارعون يوعزون نجاح مواسمهم الزراعية إلى رضا الأرواح ودعمها الذي لا ينقطع إلا عندما يغضبون، فتزحف الغربان السوداء على المزارع، وتأتي على الأخضر واليابس وتقضي عليه، فتقيم النساء المناحات حزناً على تعاسة أرواح أطفالهن الراحلين.
                  

01-12-2009, 06:44 AM

كمال علي الزين
<aكمال علي الزين
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 13386

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (*)
                  

01-12-2009, 07:19 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: كمال علي الزين)

    Quote: (*)
    شكراً على المتابعة أخي كمال
                  

01-12-2009, 06:45 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (15)


    قيل إنّ الشيطان يتشكّل في أجساد الكلاب السوداء، فيدخل البيوت ويبث فيها الشرور والأحقاد، وأوعز البعض حوادث غرق المراكب النهرية إلى أنّ بعضها كانت تتسلّل إلى النهر، وتستحم وتشرب منه؛ فأطلق شبان القرية وشيبانها حملة للقضاء عليها، كانت الأشرس في تاريخ القرية كلها. ثم عمّت الحملة كل الحيوانات السوداء: قطط، عقارب، أفاعي، غِربان. وأُصيبت القرية كلها بلوثة اللون الأسود. كلّ ذلك كان بعد خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ عبد الصبور دهب (إمام القرية) وحذر فيها أهالي القرية من الكلاب السوداء التي تسكنها الشياطين؛ ولذا فإن قتل كلب التمتام الأسود كان واجباً دينياً مقدساً. كل ذلك ساعد على إقناع الأهالي بأن قريتهم تعج بالملائكة والشياطين، وأغلب الظن أن هذا هو فهرس الحياة السرّي.
                  

01-12-2009, 07:17 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (16)


    قالت الجدة مِسكة فيما يُشبه العتاب المؤدّب: "إنّ العجوز التمتام دُفن دون مناحة تليق بسنوات عمره السبعين، أو بمآثره التي لا تعترف بها إلا النساء فقط. ولم يترك ورائه ما يجعل الآخرين يتذكرونه به غير كلبه المعلّق على السارية، وثلاث عشرة حفرة متفرقة في جسد القرية الحجرية، وبعض الخردوات التي كان يحتفظ بها في حقيبته القماشية". ولم يدع أحد الرواة معرفته باسم جلال التمتام بالكامل، ولكنهم ذكروا أن (التمتام) لقب أُطلق عليه لكثرة تأتأته.
                  

01-12-2009, 07:46 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (17)

    جاء التمتام إلى القرية قبل سنتين من وفاته، ولم يكن يحمل معه –وقتها- غير حقيبة قماشية يجعلها على ظهره، وتميمة معدنية يضعها في يده اليسرى، وكلبٍ أسود يتبعه لاهثاً بلسان طويل وردي اللون متدل ورطب. سكن أطراف القرية، وأقام خيمته المصنوعة من مادة غير مألوفة على تلة كان يستخدمها كَلَس كمئذنة يرفع منها آذان المغرب في المواسم الرمضانية، ورغم أنّ جلال التمتام جاء في غير مواعيد رمضان؛ إلاّ أن أهالي القرية اعتبروا ذلك مساساً بمقدساتهم، وقرروا طرده وحرق خيمته، وكادوا أن يفعلوا لولا تدخل العمدة.
                  

01-12-2009, 07:55 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (18)


    وبفتوى من الشيخ عبد الصبور دهب تم منع النساء من النياحة عليه بعد موته؛ رغم أنهن كنّ الوحيدات اللواتي أحزنهن رحيله فعلاً، فلم يبكين عليه إلا سراً. وعادت للتلة قداستها حيث تتنزّل الملائكة بعد غروب شمس كل يوم. وأكدّ البعض أنهم رأوا خيالات ضوئية خضراء وبيضاء تلّف التلّة بعد وفاة التمتام بيومين، وظلّت سيرة الضوء الذي لم يشهده إلا أموات القرية حجّة على قداسة التلّة التي أصبحت في مقام جبل عرفة من الحجاز؛ لذا فإن عمدة القرية أمر –بإيعاز من شيخها- أن تُسوّر التلّة بسياج له باب. وتولّت عائلة كَلَس حراسة التلّة، واحتفظوا بمفتاح بابها الزنكي المتين، ومُنع الناس من التبوّل أو قضاء الحاجة عندها.
                  

01-12-2009, 08:45 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (19)


    وحسب رواية الجدة مِسكة فإن رجال القرية وأطفالها تجمهروا على باب خيمة الغريب التي كثمرة إجاص عملاقة حاملين العصي والحجارة، في انتظار أن يخرج إليهم الغريب، ولكنه خرج راسماً ابتسامة ترحيبية حذرة على وجهه، وهو يستقبل العمدة وضيوفه: "يمكنني أن أجيب عن أيّ سؤال تشاءون؛ إلاّ فيما يتعلّق بجهة قدومي. أنا بينكم الآن لأن العالم انتهى بي هنا، وهذه التلّة طيّة العالم الكبيرة. أحببتُ أن أموت في هذا المكان الجميل. فماذا يضيركم إن بقي بينكم رجل عجوز مثلي؟!" أخرج التمتام بعض الأدوات المعدنية من جُراب جلدي قديم معلّق على عارضة الخيمةِ، ونثرها أمام الجميع: "هذا كلّ ما أحمله." نظر الناس بدهشة إلى الخردوات التي يحملها، وكتموا ضحكاتهم، بينما قال العجوز الغريب:
                  

01-12-2009, 08:47 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (20)


    "هذه آخر أسرار الفيزياء الحديثة. الإنسان ينوي أن يطوي العالم في كفّه، وهو في طريقه إلى خلق معجزاته الخاصة، البعض يتحدث عن عصور قادمة لن يحتاج فيها الإنسان إلى الحركة؛ حيث سيكون كل شيء بضغطة زر واحدة. وسيكون للأسلاك المهملة شأن عظيم في تواصل البعيدين وتقريبهم من بعضهم، وسوف تعود الخيول والجمال والحمير إلى البريّة؛ فلن يكون الإنسان بحاجة إليها في تنقلاته، ربما تصبح أداة لتسلية إنسان ذلك العصر!
                  

01-12-2009, 08:48 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (21)


    سوف يعرف الناس الضوء الذي يوقد بلا زيت، يوقد بالأسلاك والأزرار، وعندها لن تعودوا بحاجة إلى فوانيسكم التي ستوُدع المتاحف. هل تعرفون المتحف؟ وسوف يتوقفون عن كتابة الخطابات والزيارات. سوف يكون كل ذلك تراثاً لا يتبعه إلا الفقراء والجهلاء فقط.
                  

01-12-2009, 08:49 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (22)


    سوف يتمكن الإنسان من رؤية الشياطين والجن بعينيه، ويختفي هو عن الأنظار! سوف يُصبح هو أسطورة يخشاها مردة الجن، ويُجنبون أبنائهم منهم. سوف يُصبح الإنسان قادراً على رؤية ما وراء الأشياء الصلبة، والدخول من خلالها، وهذه ليست محض أمنيات وخيالات.
                  

01-12-2009, 08:50 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (23)


    سوف تنهار الأسرة ويتبادل الجميع الأدوار. من كان له ابنة أو ابن فليسعد برؤيته الآن وليتمتع بحسّه الأبوي؛ فربما لن يعود هنالك أبناء. سيكف الإنسان عن مغازلة القمر في أغانيه وأشعاره، ويصعد إليه في زيارة سياحية كل عام! الراكضون وراء الإبل والأغنام سيجدون ذلك مضحكاً، ولكن تلك هي الحقيقة."
                  

01-12-2009, 10:26 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (24)


    كلماته المتعجرفة تلك جاءت موافقةً لبريق ماكر لمع في عينيه. رفع حاجبه الأيمن الكث حتى ظنّ الناس أنه سيقع، كانوا يستغربون كيف يكون شعر حاجب أكثر كثافةً من الآخر. ملامحه تلك كانت تشعرهم بالخوف منه، إضافةً إلى طريقة كلامه المليء بالطلاسم المخيفة، والعبارات المبهمة.
                  

01-12-2009, 10:27 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (25)


    مدّ التمتام يده داخل جُرابه، وأخرج قطعةً معدنيةً غريبةَ الشكل، وضعها بشكل عمودي على الأرض، وبدأ يضغط على طرفها العلوي بسبابته؛ فأخذت تتراقص بمرونة، ثم أفلتها فجأةً؛ فقفزت كجراد مذعور في حقل يحترق. تعجّب الأهالي للمعدن الطيّار، وكانت تلك هي المرّة الأولى التي يتعرفون فيها إلى النوابض المعدنية.
                  

01-12-2009, 10:29 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (26)


    ثم مدّ يده -مرة أخرى- وأخرج أداة أخرى، وأبدى –هذه المرة- اهتماماً بالغاً بما يفعله. تجمهر الناس حوله، وهو لا يفعل شيئاً غير الإمساك بتلك الأداة غريبة الشكل. بدت لهم كقرص زجاجي تافه لا جدوى منه، وانتفضوا مذعورين عندما بدأ اللهب يشتعل في الأوراق اليابسة تحتها. سبحلَ البعض بصوتٍ عالٍ: "سبحان الله .. سبحان الله"، ونظروا إلى بعضهم البعض وهم يضحكون. قال أحدهم: "لقد عاد عصر المعجزات!" الوحيد الذي لم يعجبه الأمر هو الشيخ عبد الصبور دهب؛ فقد نهض مفزوعاً من مكانه كالملدوغ وهو يقول: "هذا سحرً، هذا فعل شيطاني، لا يجوز. حرام!" وغادر المكان وهو يكرر: "استغفر الله العظيم .. استغفر الله العظيم!"
                  

01-12-2009, 11:39 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (27)


    عمدة القرية لم يكترث كثيراً لفزع الشيخ عبد الصبور، وشغله اندهاشه عن ذلك. تقدّم التمتام منه، وهو يمسك أداة أخرى غريبة الشكل، قال: "أمّا هذه فتسمى (عين الشيطان). خذ أمسكها يا عمدة وانظر من خلالها". لبعض الوقت؛ تردد العمدة؛ وخاف أن يؤدي ذلك إلى فقدانه بصره، خاف أن يخرج منها مارد شيطاني، ويتمكن من الدخول إلى جسده عبر عينيه فتحرقهما: "ماذا تريدني أن أرى بهذا الشيء؟ فأنا لا أؤمن بالسحر." ضحك التمتام، وأخذ ينظر من خلالها ناحية القرية: "سترى القرية -كلّ القرية- بين يديك، لا يحق لغيركَ أن يراها كذلك."
                  

01-12-2009, 11:42 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (28)


    عندها قفز العمدة مدفوعاً بشغف السلطة والفضول. نظر إلى القرية فرأى البيوت وكأنها أمام عينيه تماماً. رأى الشيخ عبد الصبور راكباً حماره وقد تعلّقت ثمرة نبتة شوكية بعباءته، كان قريباً لدرجة أنّه مدّ يديه لينتزع الثمرة الشوكية عن عباءة الشيخ عبد الصبور، ولكنه لم يتمكن من ذلك، أزاح الآلة عن عينيه؛ فرآه بعيداً جداً عنه فصرخ مجدداً: "سبحان الله!" وتهافت البقية على العمدة يريدون أن ينظروا من خلال الآلة العجيبة فزجرهم: "لا أحد يحق له النظر من هذه العين الشيطانية إلاّي؛ وإلا ستحتقرون." ابتسم التمتام في سخرية وقال: "حضرة العمدة، هذه الآلة تسمى (المنظار)، وهي إحدى منجزات الفيزياء الحديثة". مسح العمدة أنفه وسأل: "وما الفيزياء؟"
                  

01-12-2009, 01:53 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (29)


    هذا الغريب الأسطوري كان دائماً محاطاً بهالة من الغموض؛ فكان البعض يخشونه ويعتبرونه ساحراً، وأن كلبه الأسود ما هو إلا مارد من الجن يُساعده في أفاعيله الشيطانية، بينما اعتبره آخرون من أولياء الله الصالحين، ومن أصحاب الكرامات. وبأمر من العمدة اجتهد شباب القرية -بهمة غير متوقعة- في بناء منزل من الطين ليقيم فيه التمتام؛ عِوضاً عن الخيمة التي كان يسكنها. وعندما انتهوا من بناء بيته وقرروا مساعدته على الرحيل، شاهدوا ما لم يكونوا ليروه في حياتهم؛ إذ تحكي الجدة مِسكة إن الخيمة التي من مادة غريبة بدأت -بحركة من إصبع التمتام- تتقلّص بشكل تلقائي حتى أصبحت كجوال من الخيش؛ فما كان منه إلا أن طواها ووضعها في جرابه أمام دهشة الجميع؛ ثم مضى معهم، وكأنه لم يفعل شيئاً قط!
                  

01-12-2009, 01:55 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (30)


    النساء كنّ يزرنه سراً، ويحكين له قصصهن السريّة، والأحاديث التي تجري وراء الجدران الجالوصية، حتى أنّ زوجة العمدة كانت إحدى زائراته السريّات. النساء أكثر إيماناً بالخرافة، لأنهن الأقل حظاً من التعليم في أرض الميّت التي تنتشر فيها نباتات العُشَر كالوباء، حتى خطب الجمعة التي كان الشيخ عبد الصبور يلقيها على أهالي القرية لم تكن تخلو من ذكر النساء ومكائدهن، ومازالت إحدى المخطوطات القديمة التي احتفظت بها عائلة كَلَس الدينية تحوي خطبه التي كان يلقيها في صلاة الجمعة والعيدين، وجاء في بعضها:
                  

01-12-2009, 01:56 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (31)


    "النساء إحدى الآفات التي خلقها الله لامتحان قلوب الرجال، هنّ الامتحان والابتلاء الحقيقي والأشد في حياة المؤمن. النساء كالفيضانات والطواعين وكافة الابتلاءات التي تواجه أحدنا في طريقه إلى الجنّة. من أرخى لهن أذنيه فكأنما أسلم إلى الشيطان زمامه. ألم يكنّ آخر ما حذر منه الرسول وهو على فراش الموت (ما تركت فتنةً أضرّ على الرجال من النساء)؟ أولم يحذرنا ربنا منهن (إنّ كيدهن عظيم)؟ فكيف بنا نراهن على متاع الدنيا وهي زائلة لا محالة؟ فاتقوا الله في أنفسكم وفي دينكم، ولتتق النساء الله في أنفسهن وفينا، فلا يخرجننا من الجنّة مرتين."
                  

01-12-2009, 02:03 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (32)


    ويبدو أن خُطب الجمعة وقتها لم تكن تخلو من ذكر النساء والشياطين ونباتات العُشَر التي يُشاع أنها ثمار الجن والعفاريت، وحتى اليوم يتناقل الناس مقولته المشهورة عن العُشر:

    "ما كثرت في مكان؛ إلا كانت إشارة إلى وجود الجن والشياطين، فهي لا تُزرع، ولا تُقطع ولا يُستفاد من ثمرها، وإن أصابت عصارتها عين الإنسان فإنها تُصيبه بالعمى."
                  

01-12-2009, 02:55 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (33)


    ويتفق جميع الرواة على أن الشيخ عبد الصبور كان هو الشخص الوحيد الذي لم يُحب جلال التمتام؛ رغم افتتان الناس بما يحمله في جُرابه من خردوات سحرية. ولكنه لم يستطع فعل شيء حياله، لأنه كان حظياً عند عمدة القرية؛ لذا صبّ جام غضبه على كلبه الأسود بعد موته. هكذا فسّر البعض ثورته على الكلب المسكين.

    وقيل أن التمتام مات دون أن يعرف بموته أحد، ضلّت روحه تحوّم في الأرجاء دون أن تهتدي إلى طريقها أخيراً. البكاء والصلوات ومراسيم العزاء هي التي تهدي الأرواح – بطريقة ما – إلى طريق البرزخ دون أن تحتاج إلى التفكير. الأرواح لا تفكّر؛ لأنها بلا أدمغة، ولكنها عندما تحاول ذلك تصدر ضجيجاً يُخِل بفيزياء الطبيعة. عندها يتولّد الوهم؛ فنتوهّم الأشياء ونعدّها هذيانات حمى التايفود المزعجة.
                  

01-12-2009, 02:57 PM

محمد عبد الماجد الصايم
<aمحمد عبد الماجد الصايم
تاريخ التسجيل: 10-16-2005
مجموع المشاركات: 35312

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    هشام يا عمكـ
    أخباركـ وكل سنة وإنت طيب
    متابعين
                  

01-12-2009, 03:31 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: محمد عبد الماجد الصايم)

    محمد عبد الماجد
    كل سنة وأنت بألف خير

    شكراً ليك على المتابعة
                  

01-13-2009, 06:02 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (34)


    عندما فاحت رائحة العفن –وليس عندما افتقدوه وهو يجر حبل القارب ليعبر الجدول المائي إلى الضفة الأخرى، أو حين يحفر في القرية بشكل عشوائي دون أن يعرف أحد عما يبحث– عرف الجميع بموته. قلّة منهم فقط قاموا بدفنه مُحتملين تلك الرائحة النتنة، هذا عملهم!
                  

01-13-2009, 06:02 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (35)


    الجيّد في الأمر أنّ أحدهم استطاع نزع الصورة من كفّه المتيبسّة. كانت صورة من ورق كلاريك رديء جداً؛ ما فسّر تكسره بسهولة في يد عجوز لم يكن قادراً على أن يتحكم في حركات أطرافه، ولم يستطع أحد أن يتعرّف على الفتاة، أو يستدل على العلاقة بينها وبينه. قال البعض عندما علموا خبر وفاته: "كان يجب أن يموت منذ عشرة أعوام أو أكثر، فهو عجوز كفاية." بينما استشعرت في كلمات الجدّة مِسكة نبرات حاسدة وهي تقول: "كان محظوظاً إذ مات منتصف الليل؛ أنهى يومه كما يُنهي عامل البنطون يومه المهني: عرف كلّ ما دار في يومه ذلك، وشهد الأوقات كلها: خروج النساء إلى النهر وعودتهن، وخروج الرجال إلى الغيطان وعودتهم، ولعب مع الأطفال، وضحك، وتناول عشائه، وشرب كأس مائه البارد؛ ومات". ولكن موته لم يكن سبباً في حزن أحد، غير النساء!
                  

01-13-2009, 06:38 AM

Zomrawi Alweli
<aZomrawi Alweli
تاريخ التسجيل: 08-04-2007
مجموع المشاركات: 3368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    Quote: رغم أنهن كنّ الوحيدات اللواتي أحزنهن رحيله فعلاً، فلم يبكين عليه إلا سراً


    رائع مبدع ايها الهشام الآدمي

    تفسير معبر لكيدهن العظيم
    ربما كن يبحن بسرهن له اكثر من ازواجهن
    وربما كان يرمم ما ينقصهن
    او ربما كان سره باتعاً

    لك الشكر وواصل لنتابع
                  

01-13-2009, 07:10 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: Zomrawi Alweli)

    Quote: ربما كن يبحن بسرهن له اكثر من ازواجهن
    وربما كان يرمم ما ينقصهن
    او ربما كان سره باتعاً
    هنالك علاقة غريبة بين النساء الريفيات
    والفقرا والمشعوذين، وبالفعل فإن هؤلاء يعرفون عن النساء
    أكثر مما يعرف أزواجهم عنهن .. وكل نساء أرض الميّت
    كنّ على علاقة سريّة بجلال التمتام، ورغم ذلك لم يبكين
    عليه إلا في السر، (شفت الشيخ دهب حاكم القرية دي كيف)

    أشكرك على المتابعة
                  

01-13-2009, 06:54 AM

محمد أحمد إدريس

تاريخ التسجيل: 08-16-2007
مجموع المشاركات: 140

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)


    هشام بن آدم يا إبن تلك الأرض العزيزة سلمك الله .
    قذفتْ بنا أحداث هذه الدراما دون سابق ترتيبات
    مباشرة إلى قلب (بطن الحجر) تلك البقعة الغالية
    من أرض النوبة . ورغم أننى لم أتبين إلى أين تقودنا
    بهذه الحبكة الدرامية الممتعة، إلا أننى سعيدٌ إذ اشعر
    بحميمية البيئة والشخوص هنا.
    واصل فنحن مشوقون ومتابعون .
                  

01-13-2009, 07:24 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: محمد أحمد إدريس)

    الأستاذ : محمد أحمد إدريس

    البيئة والثقافة النوبية مليئة بالأجواء السحرية
    ومن الضروري تناول هذه المنطقة حتى لا تكون مهمّشة
    أدبياً كذلك، يكفي أنها مهمشة سياسياً

    تحياتي .. وأشكرك على المتابعة
                  

01-13-2009, 07:41 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (36)


    النساء العواجيز يُخلصن في عملهن في المناحات التي تقيمها القرية عند موت أحدهم. يذكرنَّ شجرة العائلة والمآثر والخصال التي كان يتمتع بها، ويفعلن ذلك بلحن مُوحّد. ولكن في حالة هذا العجوز كانت للنياحة شكل آخر. كانت كل النساء حاضرات في المأتم السرّي الذي أقمنه في دار زوجة العمدة حيث لا تطالهن يد شيخ القرية وعيونه، وبكينهُ بحرقة بالغة، ورغم أنّ النائحات لم يكنَّ يعرفنَّ له شجرة عائلة لتذكرنه بها في نياحتهن؛ إلا أنهنَّ نُحْنَه بأكثر مما نُحْنَ شخصاً آخر؛ ظللنَّ يُكررنَّ: "أيها العجوز المسكين المرتحل، يا من أمضيت جلّ وقتك في حفر الآبار بحثاً عن ماء للشرب لهؤلاء العطشى، و يا من أضأت ظلمات الصدور التعيسة بالحكمة الآسرة، يرحل عنّا جسدك الآن، لتبقى روحك في الأرجاء من أجل النساء العازبات والراغبات في الحمل، وليبارك الله روحك إلى الأبد." استغفرت إحداهنَّ سبعين مرّة بعد انتهاء المناحة؛ علّ الله أن يغفر لها كذبتها تلك.
                  

01-13-2009, 08:11 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (37)


    مات جلال التمتام أخيراً كما تمنى البعض، وترك وراءه كلباً أسود علّقوه –بعد قتله- على عارضة خشبية، وثلاث دجاجات وديك لا يُلقح ولا يؤذن، وبعض الخردوات التي استولى عليها عمدة القرية في غفلة من الناس، حين أمرهم بحمل جثته إلى منزل الشيخ عبد الصبور ليغسّله استعداداً للصلاة عليه، وبعد مغادرتهم جميعاً، بحث عن خردوات التمتام حتى وجدها ودسّ بعضاً منها داخل ثيابه، ودسّ بعضها الآخر تحت عباءته، وغادر دون أن ينتبه إليه أحد.
                  

01-13-2009, 08:13 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (38)


    أعاد الشيخ عبد الصبور جثة جلال التمتام في نفس العربة إلى العمدة مرّة أخرى، ورفض تغسيل الجنازة أو حتى الصلاة عليها لأنه لا تجوز الصلاة على الساحر، وأن الأولى بجثته الحرق وليس الغُسل، ولم يشأ العمدة أن يتحمّل ذنباً كهذا، فأمر بدفن الجثة سراً دون تغسيل أو صلاة. وظلت أسطورة جلال التمتام أكثر الأساطير الشعبية تداولاً في أرض الميت برغم ما في رواياتها من تناقض واختلاف، ورغم نهايته المؤسفة والغامضة التي أضفت على حياته الأسطورية رونقها الخاص الذي تتمتع به الآن.
                  

01-13-2009, 09:16 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (39)


    على موائد العشاء المثالية النادرة التي يقيمها العمدة في داره يوم عاشوراء من كل عام، يجتمع الرجال والنساء والأطفال، ويتغيّب العاشقون ليحجزوا لأنفسهم أماكن في البيوت الخالية، لتضج ليلة عاشوراء بروائح الذبائح والجنس؛ فعندما يتوجه الجميع إلى بيت العمدة، تفتح بيوت القرية أبوابها السرّية للعشاق الليليين ليحتفلوا بهذه المناسبة على طريقتهم الخاصة. أبواب بيوت أرض الميّت لا تعرف الأقفال، ولا تعانقها إلاّ في التاسعة ليلاً عندما ينام الجميع. ولم يكن أحد بحاجة إلى وضع أقفال على باب منزله؛ إذ كانت الأمانة هي الخصلة الوحيدة الأكثر توفراً لدى النوبيين.
                  

01-13-2009, 10:12 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (40)


    يأخذ العشاق قوارير الخمر التقليدية، ويقضون ليلهم في ممارسة السُكر ومعاقرة الجنس. كانت تلك الحقبة من تاريخ القرية عصر البورنوغرافيا الذهبي؛ إذ بلغت فيه أعلى مستوياتها على الإطلاق، ولا يزال البعض يبكون على ضياع تلك الأيام، واشتغال الناس بالملذات الأقل أهمية وأكثر خسّة!
                  

01-13-2009, 10:44 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (41)


    فتيات أرض الميّت كنّ الأكثر شبقاً من بقية فتيات المنطقة الشمالية، وكنّ الأكثر إمتاعاً، ولمّا لم يكنَّ يتحدّثنَّ ليلاً إلاّ عن الشباب، ومغامراتهن الجنسية معهم على ضوء الفوانيس الزيتية، ويتبادلن الخبرات في ذلك؛ فقد كنّ أكثر الفتيات دراية بما يُثير الرجال.
                  

01-13-2009, 10:46 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (42)


    هارون عزيزة الذي استعاد ثقة الناس بعد مشاركته الجادة في قتل كلب التمتام الأسود، لم يجد لوماً من أحد عندما اكتشفوا وجوده في منزل خاو برفقة إحدى الفتيات ليلة عاشوراء. قالوا: إنه شابٌ طائش، ولا بدّ أنّ الله سيهبه الرُشد والصلاح إذا تزوّج؛ فزوّجوه. وبينما تتداول النساء أحاديث الجنس والشعوذة، ينشغل الرجال إمّا بمعاقرة الخمور أو بمضاجعة البهائم.
                  

01-13-2009, 11:24 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (43)


    صباح يوم عاشوراء يخرج أهالي أرض الميّت إلى النهر. تحمل كل أسرة بعض الطعام المُعدّ خصيصاً لهذا اليوم، وتضع كل أسرة طعامها دون أن تأكل منه، ففي يوم عاشوراء تأكل كل أسرة من طعام غيرها، ويرشون بعض الحليب البارد على أطراف النيل، وتهتم بعض النسوة برش مياه النيل بعد خلطها بقليل من الملح على أعتاب البيوت وفناءات المنازل.
                  

01-13-2009, 11:26 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (44)


    وفي اليوم التالي تخرج بعض النسوة حاملاتٍ الجرار الصفيحية فوق رؤوسهن، بينما تحمل أخرياتٌ أوان نحاسية يضعن فيها ملابس أفراد الأسرة المتسخة للغسيل. تتوجه النساء إلى النهر لجلب الماء، وعلى ضفّة النهر الشرقية يتبادلن الأحاديث الماجنة، والأخبار العامة، ويتفقن على برنامج المساء. كُنّ يجلسن على حواف النهر الصخرية، وتتوغل أخريات إلى داخل النهر ليحصلن على الماء غير المصاب برغوة الصابون، فيما تتوجّه النساء المتزوجات إلى حقول البرسيم والخضروات الموسمية.
                  

01-13-2009, 11:28 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (45)


    أحاديث النسوة على ضفة النهر لها نكهة خاصة؛ لاسيما إذا تمّت مراقبة ذلك سراً من وراء الأجمات والنخيل الذي يفصل ضفة النهر الرملية البيضاء عن القرية ذات الأرض الحجرية الصلبة. أو في جلسات التغوّط الجماعية التي كانت تقوم بها النساء في الأمكنة البعيدة؛ إذ تخرج ثلة منهن متوجهات صوب جبال ميمي، وتجلس كل واحدة منهن غير بعيد عن الأخريات، ويبدأن تبادل الأحاديث الضاحكة، والنميمة كعادة كل النساء.
                  

01-13-2009, 11:32 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (46)


    كان يُمكن للعابر أن يشهد جلسات التغوّط التي لم تكن سرّية؛ رغم خصوصيتها. ولم يكن أحد يجرؤ على هتك خصوصية تلك الجلسات. كان أول من فعلها هارون عزيزة، وكفّر عن فعلته تلك بمشاركته الفاعلة في قتل كلب التمتام الأسود العجوز.
                  

01-13-2009, 12:14 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (47)


    عندما كان زمرة من الغائبين -عن جيوب القرية الأنفية، وذاكراتها القريبة- يعودون من رحلة الحج في أراضي الحجاز، كانت تُذبح لهم الذبائح، فيمرغوا أياديهم في دمائها، ليلطخوا بها أبواب بيوتهم ليُعرفوا بها لاحقاً، اعتاد الناس على أن يفعلوا ذلك، وفي أرض الميّت لم تكن سوى سبعة بيوت فقط ملطخة بصورة الكفوف الدامية.
                  

01-13-2009, 12:15 PM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    استاذ هشام ..
    ارجو مراسلتي على بريدي
    [email protected]
    لدي خبر ربما يفيدك في توزيع ارتكاتا
                  

01-14-2009, 08:43 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: حمور زيادة)

    (48)


    تمتد جلسات الأنس -مع الحجيج القادمين- إلى أنصاف الليالي الصيفية، وهم يتحدثون عن رحلتهم الإيمانية، ينقلون مشاهداتهم عن أراضي الحجاز، وأهلها، وما رأوه هناك، ويظل أهالي القرية يستمعون إلى كل ذلك، وكأنهم يستمعون إلى حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة. ويؤمنون في قرارة أنفسهم أنّ من حجَّ إلى بيت الله الحرام ضمن الجنّة لا محالة، فينظرون إليهم بغبطة يعرفونها جيداً، ويتلذذون بها كثيراً. حتى الحجيج أنفسهم كانوا يؤمنون أنهم قد ولدوا بالفعل من جديد، وأنهم قد أصبحوا أناساً بلا تواريخ، ولا ذنوب، ولا معاص تذكر؛ فيستسهلون خطاياهم الجديدة، ويرونها ضئيلة مقارنة بجبال الحسنات التي عادوا بها من رحلتهم. ولا يمر أسبوع كامل حتى ترى أحدهم وقد توسط جلسة سُكر ليلية.

    (عدل بواسطة هشام آدم on 01-14-2009, 08:50 AM)

                  

01-14-2009, 08:51 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (49)


    في أرض الميّت الشأن كل الشأن لشيخ القرية، ثم لعمدتها، وللمتفقهين من أسرة كَلَس، ثم للحجيج الذين قد يحلون محل الشيخ عبد الصبور دهب في الإفتاء عندما يغادر الأخير إلى قرى الضفة الأخرى من النيل لجلب البخور والصندل لأغراض الرقى الشرعية وتبخير المسجد. وفي المناسبات السعيدة وغيرها يتم أخذ هذا الترتيب الاجتماعي في عين الاعتبار، فلا تخرج أواني الطعام إلا للعمدة وضيوف مجلسه: شيخ القرية وإمامها، وأفراد عائلة كَلَس، والحجيج، وكبار السن، وعمّال البنطون والوابور ثم الأطفال فالنساء.
                  

01-14-2009, 09:40 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (50)


    وفيما يهلك الأكثرية في طريقهم إلى أرض الحجاز لنيل لقب (حاج) التي كانت تعدّ أمنية غالية لمن تخطّى سن الخمسين؛ فإن آل كَلَس كانوا يحجون كل عام تقريباً من أجل تدعيم سلطتهم الدينية في القرية، وتأكيداً لاستحقاقهم لهذه السلطة التي تقاسموها مع آل دهب الذين تربط بينهم مصاهرة قديمة. وبطريقة تلقائية تم تقسيم القرية إلى عائلات كبيرة وصغيرة اختص بعضهم بالعلم الديني، واختص بعضهم الآخر بالثروة. وفيما استولى آل دهب وآل كَلَس على كل ما يتعلّق بالدين والتدين، كان آل فنتي أرباب الأموال والمشاريع التنموية في المنطقة؛ وظل بقية أهل القرية على هامش الحياة اليومية يقتاتون على ما يتساقط من فتات هذه العائلات الكبرى.
                  

01-15-2009, 05:59 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (51)


    كان أهالي قرية أرض الميّت يشتهرون بزراعة النخيل؛ لذا فإنّ رجالها عرفوا كيمياء الكحول وأتقنوا حِرفة صناعة الخمر، ولم يعتبروها من الموبقات أو المحرّمات، بل كانوا يعتبرونها إحدى أساسيات الحياة الضرورية، التي لا يستغنون عنها لاسيما في المناسبات السعيدة والأعياد؛ بينما كانت النساء تهتم بالأشياء الأكثر أهمية. وربما أفتى الشيخ عبد الصبور دهب بكراهية الخمر، ولكنه لم يُحرّمها على الإطلاق. قال: إنّ الخمر تجعل الشخص في حكم المجنون والنائم؛ فيُرفع عنه القلم. ولا حرمانية فيمن يرفع عنه القلم؛ فكما أن الجنون ليس بحرام، والنوم كذلك؛ فالخمر تأخذ حكمهما؛ ولو إنّ تركها أفضل وأكمل للدين".
                  

01-17-2009, 07:32 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (52)


    حتى بعد موت التمتام وكلبه، كان ما يزال الكثيرون يؤمنون به كرجل صالح وصاحب كرامات، وقليل من الناس فقط اعتقد بأنه كان صاحب حظوة لدى الملائكة الذين كانوا يسرّبون له بعض أخبار السماء المستقبلية والغيبيات، ويتذكّر له البعض صدق نبوءاته التي جرت في حياته كما حكا بالتفصيل. ورغم أن معظم نبوءاته كانت مستبعدة إلاّ أن أهالي القرية –حتى المتشكيين منهم- كانوا لا يجزمون بأنها قد لا تحدث على الإطلاق، ولكنهم فقط كانوا يستغربون حدثوها، أو يتوقعون ألا تحدث في حياتهم.
                  

01-17-2009, 07:33 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)

    (53)


    إحدى أكثر نبوءات التمتام غرابة كانت بشأن الحمير؛ إذ نقل الناس عنه قوله: "عندما تكثر الحمير، يقل البشر!" ورغم أن كلماته تلك كانت عصيّة على التحقق بالنسبة إلى أهالي القرية؛ إلا أنهم آمنوا بها بكل جوارحهم واستبشروا بها خيراً. إحدى المؤمنات بنبوءات جلال التمتام كانت السيّدة عواضة زوجة العمدة التي ذهبت إليه خلسة كما بقية النساء، وطلبت منه الكشف عما تخبئه لها الأقدار إذ كانت تخشى أن يتزوّج عليها العمدة طلباً لإنجاب مولود ذكر.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de