مَثاقـيلُ الغـُرْبَتَيْن.......محمّـد النعمَـان/فيرجينيا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 02:04 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عصام جبر الله(esam gabralla)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-14-2003, 01:32 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مَثاقـيلُ الغـُرْبَتَيْن.......محمّـد النعمَـان/فيرجينيا

    إلي إشراقة مُصطفى ثمَّ إلى أقلـِّيِّينَ أكثر


    في غـيابي عن مِرآتِهَا وعن يقين ِ الصِّـبَا، أتفرّسُ جسـداً كانَ أنْ قدْ ركضتْ على براريهِ شوارعٌ تركتْ ، حينَ انغلقتْ ، طبوغرافيا شـهوتِهَا عليه ، ولم تأخذ معها إلى المتاهِ الفسيح ِ حذاءَ سيدةٍ ترددتْ على مَضَافاتِهِ بطبق ِ العشاءِ و سُهُوبِ الوَرْد.

    أتفرّسُ جسدي تحت قناديل ِ عزلتهِ

    فأدركُ – حين ألمحُ بين مناماتِهِ طيفَهَا - إنني، أنا الطريدُ عن أجملِهِ ، لم أزلْ ، بعدُ ، حَـيّاً تسترزقُ على دمي حكومتان.



    لي ينابيعٌ تحرسُهَا البديهة ُ ، فلا أذهَلُ عنها إلى غيم ٍ مُصَادَف. أتشبثُ بي ولا أرخي عن دمي أصابعي. عَلَّ شجراً ، إمرأةً أو حجراً سيمسِكُ بخيطِ دمي فلا يذرني لمنطادٍ خفيف. وإذا ما حاجني التعرفُ على مصائري، أقاربُ حاضري في ارتباكاتهِ الكبرى واقفاً – كالنفـّريِّ- على ابتداءاتِ سيرتِهِ. أنتصبُ وحيداً أمامَ ذاكرتي مثلَ دَم ٍ يسندُ حُلمة ً بأصابعَ من نحـاس. ثمّ إني أبدو - من الجهةِ التي لا يأتي منهــا الرصاصُ عادة ً - كمن وحده ينتحب.



    يقولُ الحنينُ : مشتِ الدنيا مرةً من هنا ما بين بيتِ أمِّ الفقراءِ وأناشيدِ الطبقةِ الوسطى قبلَ أن قايضت وظائفَهَا بأحلام ِ الرُّعاةِ لتدّخِرَ أنفاسَهَا لنكاحاتِ الآخِرَة.

    يقولُ الدَّمُ : ثمَة ُ من شهقةٍ لا تنصرفُ عني أمامَ مشهدٍ لسافنا رفعها اللهُ على حـافةِ منضدة ، مشهدٍ غامض ٍ يترصدُ جهاتي من منفىً إلى منفى ، ليس يتسعُ ولا يضيق.

    ثم تقولين أنت ، طالعة ً من حرج ِ الســؤال ِ إلى قسوته: لماذا يكونُ الجسـدُ أكثرَ اتساعاً من كوكبهِ ثمَّ تضيقُ الخطوة ُ عن خلواتِ الحبيبْ ، الحبيبِ الذي يتحرّى جهة َ النشيدِ منتظراً خميسَ قمر ٍ لا يُسْـتبان؟



    على خطوطِ الطول ِ صعدت ظلالُ الذين قرفصوا الروحَ ، يوماً ، أمامَ بائعاتِ الشايِّ يتوزعونَ في دعةٍ نصفَ لغةٍ ونصفَ رغيفٍ وحـلماً غزا دَمَهُم باليُراعاتِ وطـير ِ العاصفة. ذهبوا بعد أن لبثوا زمناً يجترحون تقنية ً كان عليها أن تنقـلَ مناخَ الروح ِ خَطـَّيّ عَرْض ٍ أو أكثرَ، تنقله كقطرةِ الزئبق ِ إلى أبعادِ الكائن ِ غربَ المعـاجم ِ أو جُنوبَهَا.

    فأينَ ذهبَ الذين أصابتهم يَدُ اللهِ ، غيلة ً ، بطلقةِ الذهَب ؟



    مَشَّـاؤونَ ، يا صديقتي.

    مشاؤونَ من خفاءٍ إلى آخَر ٍ ، بعضُ آلهةٍ على الهَبَاءِ الأنيق ِ و جَـوَّابُو متاه. هشيمُ جسدٍ خارج ٍ للتوِّ من سرير ِ الحبِّ إلى أسماءِ الحبِّ الملتبسة.

    جيلٌ مثقـلٌ بكمبيالاتِ الفقهاءِ ، يجلسُ في ثقبِ الإبرةِ ذاهلا ً عن إحتمال ِ حريتِهِ بين هياكل ِ طوائفـهِ وحروبها الباطشة. جيلٌ مطاردٌ بهويّةٍ مقدّسةٍ أسلمتْ أكثرَ أسرارهَا فتكاً للرّعاةِ الدّعاةِ ، لتمتحنَ جمـالَ الذي فيه بأوطان ِ الناس. جيلٌ يترنحُ في بَهْـو ِ المطار ِ بأحذيةٍ من ريش ٍ وبشـرخ ٍ في الروح ِ يُرى من على ثلاثينَ ألفِ قدم. جيلٌ يتكلسُ [على هيئةِ الحزن ِ ذاتِهَا] في ذاكرةٍ نهـبتها الخرائط ُ فمشى بين خرائبها مثلَ أوَزٍّ سالَ على صحن ِ الزيت. جيلٌ خاسرٌ ، إبنُ خاسر ٍ ، ليسَ له الآنَ إلا أن يجدَ ما يكفي من الوقتِ ليحلمَ بألا يلدَ الخاسرين.



    فلكأنَّ الريحَ، تَهُزُّ غصنَ البان ِ ولا تُرى ،أجيالٌ ذهبت في شأن وَارثِهَا ، ولكأنَّ النهرَ [ المكانَ في سيلانه إلى جهةٍ ] وَحْدَهُ إلهٌ لا يُصَادفه حنين.



    هي الأرضُ إذن شققها رأسُ المال ِ حواكيرَ من ناس ٍ ، ماكيناتٍ ، شجر ٍ ، ماعز ٍ ، نملٍ ، ماءٍ وحَصَى ثمَّ تركها ، كفائض ٍ للحربِ ، نهباً لرموز ِ الشعوبِ الميتة. وهي الأرضُ تبحثُ بينَ أسـرارها ، عن شاكلةٍ في الحبِّ تجعلُ من صورتِهَا على خرائطِ الغازي وطناً لعبورنا إليها.



    للغزال ِ وَطنٌ ، للقيقبِ البريِّ أيضاً وللسَّمَاويِّ المُسَلح.

    لكن لنا الرِّحمُ وحدُهُ في تعذرهِ على العائدِ إليهِ ، لنا مثاقيلُ الغربتين.



    غربة ُ أن تفترعَ الخطوة ُ فضاءَهَا القليلَ على مَهَل ٍ لكنّها ، بعدُ ، تمكثُ راعشة ً في العُلوِّ المهين. تمكثُ وتحتها الوطنُ ، وقد نهبتْ مصـائرَهُ مشيئاتُ القتلة ، وحشيٌّ لا يُنال. أن يُدبّجَ السائدُ مديحَهُ للمَسْخَرةِ فلا يتلفتُ منك دمٌ ولا يشهق. أن تسـهرَ الخلية ُ فيك على كنوز ٍ لها فيسطو على خزائنِهَا عابرٌ وَدَّ أن يُزيِّنَ بابَ كهفهِ بقرنَيّ وَعْـل ٍ وبقفص ٍ صدريٍّ لنَغْـل ٍ مدنيٍّ كان يحلمُ بالحداثةِ والتحوّل.

    ثمَّ غربة ُ أن يعكفَ الروحُ على خططٍ تتحاشى سُدىً نقائضَهَا حتى يستطيعَ أن يمشيَ دونَ رفقةٍ في بلادِ الناس ِ ولا يسقط ُ عن جسر ٍ أو نافذة. ينفضُ الروحُ عن ريشـهِ بلوراتِ الثلج ِ ، يصعَدُ. يرى الأرضَ الشهية َ، يهوي. لكنه فجأة ً يتخشَّـبُ في العلوِّ المُهَان. فها هو المنفى المهيبُ ينقبُ في دفاترهِ بمهاراتِ صَيْرَفيٍّ ، باحثاً لهذا الروح ِ المراوح ِ بين عذاباتِ هُـويّاتهِ عن طـفولةٍ تدلُّ عليه فيتدلى عليها. يبحثُ المنفى فما يجـدُ في الأرض ِ غيرَ ذاكرةِ الآخرين.



    أمّا بَعْـــدُ :

    غربتان ِ من فولاذٍ شفيف ٍ – يا صديقتي – بيتا عنكبوت.

    فما بين عُلوٍّ مُهان ٍ وعُلوٍّ مُهين ، ما بين بلدٍ ومنفى ، سيانَ أن يجـادلَ "الداخـليونَ" بلغةِ الفقر أو أن يجادلَ "الخارجيونَ" بلغةِ الحبّ. فبيننا غَيْضة ُ الدَّم ِ وأناشيدُ صلصالةٍ لا تنفكُّ تنزلُ ليلا ً إلى مائها ، بحثاً عن جوهر ٍ لها آخَر. بيننا عبءُ قرن ٍ سيستدعي غياباتِنَا من متاهِهَا حُلماً حُلماً ثمَّ يأوي بها إلى بيتٍ ودولةٍ حينَ لا يكونُ منّا في البيتِ أحد.



    تاءُ السِّـيرَةِ وثاؤُهَا الأخْـرَى:



    ثلجٌ تأسيسيٌّ لا يُحتالُ عليه بتأويل ِ العناصر.

    ثاءٌ خفيفة ٌ تتخثرُ في عروق ِ الروح .

    ثاءٌ باطشة .



    يَسّاقطُ الثلجُ ، رخيّاً ، لكأنَّ الثلجَ حَمَامُ ملائكةٍ اعتزلتْ للتوِّ مهنتَهَا الحديثة َ في ميمناتِ الجيوش ِ المقدّسةِ ، لتستردَّ هيئتها أمامَ البابليّ.



    يسّاقطُ الثلجُ علي نافذتي ، دَعيّاً ، لكأنَّ خط َّ الإستواء لم يسحلني على جَمْر ِ صِرَاطهِ مرةً ولكأني – حين مشيتُ – لم أترك قميصَ الروح ِ منشوراً عليه.



    يَسّاقط ُ الثلجُ ، بهـيّاً ، خلفَ جدار ٍ شفَّ به حنينُ الساكن ِ وحده. يَسّـاقط ُ في دعةٍ لكأنَّ بين مشيئاتِهِ أن يصيرَ البديلَ الأكملَ لهذا العراء ، هذا العراءِ الفظ ِّ مثلَ كـذبةٍ مكّنتها من مصائرنا أحابيلُ البَدْو ِ حين انتهوا ، على عجل ٍ ، من شقِّ الصِّراطِ بينَ القيامةِ والخرطوم.



    هو الثلجُ ، غيرُ آبهٍ في تَحَوُّلهِ ، صار البيتَ الوسيعَ للروح ِ الشريد.

    هو الروحُ رفَّ على صحن ِ الدّمع ِ نَزّاعاً في المثابرةِ الخاسرةِ لأن يصيرَ صـورةَ العالم ، العالم ِ الغائب.



    في الثلج ِ تنطمسُ الجهاتُ في تكاثرها ، تقلُّ الطرق.

    تحتَ النثيثِ الهشِّ إقصاءاتٌ مهذبة ٌ، مشاهدُ عابثة ٌ للأرض ِ تدورُ على يافوخِهَا ضجراً ، نملٌ مثابرٌ يقـتفي سَكاكرَ الروح ِ في عزلتِهَا ، جثثٌ ماكرة ٌ لشجر ٍ ينتظرُ القيامَـة َ قربَ كاتدرائياتِ الدين ِ الجديدِ ، خطوة ٌ إرتوازية ٌ يقتلعها الغريبُ فيسقط ُ في بئر ِ الحنين.



    وفي الثلج ِ تنطمسُ الجهاتُ في تكاثرها وتقلُّ الطرق.

    يُطامِنُ الجسدُ الشاسعُ تخومَهُ مُجادلا ً المكانَ في انحصارهِ الأنيق. يتمركزُ على فكرةٍ/ حُلم ٍ فلا يجدُ من سياقِهَا الإجتماسياسيِّ إلا الذكرى، وأيُّ الذكرى في الأصل ِ فقر.



    وللثلج ِ - في خفتهِ البيضاءِ - ثِقلٌ مُؤجَّلٌ ينسربُ بطيئاً إلى رئةِ اللغة: نصمتُ لكأنَّ الذنبَ ربَّى فصاحتنا. وها هُم ، عبرَ الضفةِ ، يتكلمونَ الغثاءَ ، كأنَّ لهمُ المغفرة.



    ففي الثلج ِ تفرُّ الكتابة ُ من قسوةِ الأماني عليها. تفرُّ من شُـبْهَةِ اللغو ِ في تواصُلِنَا و من إحتمال ِ صيرورَتِهَا هذراً في بلاطِ أميّة َ وهي تستنسخُ الزنجَ دولتَهَا ما بين نافلةٍ وناقلةٍ ، ما بين صلاةِ قصر ٍ ومهرجاناتِ قصر ، ما بين سوق ٍ ونوق ٍ وما بينَ فرج ٍ أخرويٍّ وشاهدةٍ من رخام. تفرُّ الكتابة ُ من جريرةِ ما لم يتركْ لعُطيلَ ، في هُجْنَةِ الروح ِ ، سلاماً حتى يستطيعَ أن يضبط َ إيقاعَ الجمهوريةِ ، في ترنُّحِهَا السّدوميِّ هذا ، على سنن الأرض ِ الجليلة.



    وفي الثلج ِ تنطمسُ الجهاتُ في تكاثرها وتقلُّ الطرق.

    نتدارسُ مواثيقَ أسمرا كما نتدارسُ ما اشكَلَ على طفولتنا من شعر ِ الحقيبةِ وسورةِ التكاثر، ثمّ نصعدُ خفيفينَ إلى بُرج ٍ [ ليسَ من عاج ٍ ] لنتحـلقَ حولَ موظفينَ خالدينَ لدى ديوان ِ التجمُّع ِ الوطنيّ.

    نهـبط ُ إلى مشـاغلنا البسيطةِ حين نوقنُ أنّ بمقدور ِ كلٍّ مِنـَّا أن يختزلَ "المواثيقَ التاريخية َ" في مواضعةٍ نظريةٍ تكتفي بقيمـتِهَا كاعترافٍ أخـلاقيٍّ بالمتعدِّدِ الهجين ، عِوَضَ أن تكونَ المواثيقُ مصـدراً شخصياً لخطابٍ عمليٍّ تنطوي اسـتراتيجياتهُ - ضرورة ً - على إوالياتِ تحقـُّقِهِ فيستهدفُ بذلكَ تعديدَ الواحدِ وتفكيكَ سلطتهِ دونَ أن يقتصر على توصيفِ المتعدِّدِ البدهي.

    نهبط ُ – مثقلينَ بعبءٍ رسوليٍّ – إلى سفوح ِ الطبقةِ الوسطى ثمّ ننامُ عليها واثقينَ من أنّ حركيينَ يجوبونَ الغيبَ تحت إمْرَةِ "غودو" سينجزونَ كلَّ شئ.



    في الثلج ِ تنطمسُ الجهاتُ في تكاثرها وتقلُّ الطرق.

    يذرعُ "فتح" شقته في الطابق ِ الآخَر ِ مُنكبَّـاً وحدَهُ على خريطةِ الأوكسجين ِ الماحلة. على رهق ٍ يفتشُ في خليتهِ عن جهةٍ سيمشي وحيداً إليها. يمشي مُسرنما ً بالرنين ِ الأعمى لإنهياراتِ البنيةِ على عناصرها ، ويمشي.

    يقرأ "فتح" الخريطة َإلى آخِرها. تقترحُ الخلية ُ عليه جهتَهَا القصوى. يجلسُ على حافةِ الليل ِ ، خالياً منه ، ليعدَّ لجثمانهِ موكباً سوف لن يحفلَ بتفاسير الموتِ الشحيحةِ، حين يمشي عبر الصمتِ السميكِ ما بين بُرَاغ َ والأبيّض.

    إكتملت تدابيرُ العاشق الآنَ فيغمضُ العاشقُ عينيهِ ، فاتحاً وريدَهُ لرمل ٍ كان قد غطى كاحليهِ في المِشيَةِ الجزلى نحو مقهى زهرةِ إفريقيا.

    سافرَ "فتح" بعد أن إحتضنني في سنةِ الإنتفاضةِ ثمَّ بكى.

    ماتَ "فتح" لما لم يجد غيرَ قبرهِ جهة ً يغوي بها شهوتَهُ في الإياب.



    وفي الثلج ِ تنطمسُ الجهاتُ في تكاثرها وتقلُّ الطرق .

    ترتكبُ الروحُ أخطاءَهَا الكبيرةَ بدهـاً. يتملكني الهذيانُ فجأة ً على سرير ِ الكاريبـيةِ فأغمغمُ ساهياً عن رائحةِ البحر ِ على أعضائي وأنفاسِهَا:

    [ دلال معجَّن مَحَّنَ الأمّـات يا رزاح ]

    أعزلاً أجـابهُ غربتي حين تسألني عن معنىً لهذا الشجو ِ الأجشّ. أزعـمُ بجلال ٍ أن الخليلَ قائمٌ مطلقٌ في ملكوتهِ وأن سحلَ نصوصه إلى لغاتٍ خارجها سيرورة ُ قتل.

    تتحققُ الكاريبية ُ من غربتها أيضاً ، تلعـنني وتذهبُ.

    تقتفي الكاريبية ُ فراشاتِهَا في العاصفةِ أما أنا فأبقى – في الكينونةِ المترنّحَة – سودانياً تطفو أعضائي ، مُهْمَـلة ً، على فضاءِ لغةٍ لا يتحدثها أحد.



    وفي الثلج ِ تنطمسُ الجهاتُ في تكاثرها وتقلُّ الطرق.

    ترفَعُـنَا أوهامُ العِرْق ِ على موازينِهَا ثمّ تقتسمنا المنافي مناصفة ً بين أسطورتين. فضاءٌ للشماليِّ وللجنوبيِّ فضاءٌ آخَرُ. صديقين ِ أو غريمين ِ ، لا فرقَ. نمشي معاً في التوازي الجارح ِ إلى دولةِ الخصوصيةِ المتوهَّمَة.

    أما "السُّـودانيُّ" الذي استشرفته الأيدولوجيا في أدبياتِ الأربعةِ والعشرينَ ومانفيستو 83 فيبقى الآن احتمالا ً خاملا ً بين رهاناتِ القرن ِ الجديدِ وربما حروبهِ الطاحنة.



    وفي الثلج ِ تنطمسُ الجهاتُ في تكاثرها وتقلُّ الطرق.

    يقولُ لي بيتُ الضُّـوءِ العتيقُ في شاطئ يورك: إنّ البحرَ الأطلسيَّ وشأنَهُ لا يستطيع أن يسـترَ عورةَ الروح أمامَ جثةٍ تتدلى الآنَ من بين فاكهةِ المانجو لتموِّهَ موتها على بحر ِ الغزال ِ فيجري وشأنه.

    أصرخُ في بحّارةٍ يمضغونَ الثلجَ في إنتظار ِ همنغواي:

    أيُّ بعضي قاتلٌ – يا بحّارة ُ – وأيُّ بعضي قتيل؟



    وفي الثلج ِ تنطمسُ الجهاتُ في تكاثرها وتقلُّ الطرق.

    تشدُّ الشيخوخة ُ من قامتها القصيرةِ وهي تدنو من أسِـرَّتنا، فنفرُّ من حكمةٍ فيها إلى نزق ٍ يَمُصُّ دَمَنا كنحلةِ جَمَل العروس.

    نصعِّدُ الجيناتِ إلى مجازها الحرِّ أو إلى هيئتها في الروح لنوهمَ دمَنَا بأنّ التشابهَ ماثلٌ بالضرورةِ بيننا ونَسل ِ اللواتي يَخُـنَّنا الآنَ مع أزواج ٍ أقلّ منّا قلقاً.

    نرشُّ زجاجَ النوافذِ بأنفاسِنَا حتى يتسنى لنا أن نرسمَ على مائها الهشِّ بيوتاً من الطين ِ سوفَ تأوي عظامَنَا ، وما عليها من بصماتِ النساءِ ، حين نعودُ في صبيحةٍ بعيدة.

    ثمّ نربضُ قربَ المـدافئ موقنينَ أن الإجتماعيَّ في روحِنَا القديم ِ قد مشى واثقاً إلى شأنهِ خلفَ السياج ِ ، فيما سيمكثُ الوجوديُّ وحدهُ ، الآنَ ، قربَ أسرّتنا ، عاكفاً على كيرهِ بعضل ٍ مُهيب.



    وتحت الثلج ِ مدنٌ لا يقهرها من بعدُ وسواسُ تاريخِهَا، على هامشِهَا الوسيع ِ تتضايفُ النقائض. يلوبُ المهـاجرونَ حاراتِهَا الفقيرةَ باحثينَ عن معجزةٍ تعيدُ إنتاجَ السُّـلطِ الوطنية. يقتحمُ إسمُ العائلةِ صوتياتِ اللغةِ الأخرى كمهرج ٍ ملكيّ. متنفذونَ سياسيونَ وثقافيونَ يذرعونَ مجالسَ الليل ِ بسمتِ المفكر ِ من أجل ِ تجنيدِ حواريينَ ذوي نسبٍ للدفاع عن كذبةِ التأسيس ِ ذاتِهَا. ففي المنفى أيضاً يكتشفُ الجلابة ُ الجزلونَ أن امتيازَ السوسيولوجيا قابلٌ لأن يتكوننَ – دونَ نهايةٍ – داخلَ سياقاتٍ رابحة .. مسخرة!



    وفي الثلج ِ تنطمسُ الجهاتُ في تكاثرها وتقلُّ الطرق.

    يقرأ الكوسموبوليتان مسكوتَ الصناعةِ الخفيفةِ علي المستهلكِ اللاهث. يُمْلي المستهلكُ الحصيفُ ، وهو يصغي لمسروداتٍ مُنَعَّمـَةٍ ، وصيته على حلاق ِ الحـارةِ الحبشيِّ، بلغةٍ فاسدةٍ ، ثمَّ يَسْـتقِلُّ ، وحيداً ، قطارَ السادسةِ إلى حقول ٍ في البصيرة.



    وفي الثلج ِ تنطمسُ الجهاتُ في تكاثرها وتقلُّ الطرق.

    تنسربُ الأسئلة ُ المدبَّبَة ُ قسراً إلى دَمِنا ولا تكفّ.

    أيُّ شـقاءٍ في الوعيِّ يصـنعُ تاريخَ الشـائهينَ ، حتى يكونَ لقريش ٍ أن تنهضَ من مفارقاتِ النسبِ المقدس ِ، بأنعامِهَا وسلاحِهَا الأوتوماتيكيِّ، وتبدأ من دار الفور رحلة ً عبرَ الدَّم ِ نحوَ الشام ِ وسُوقِهَا؟

    ماذا تسرسبُ صنابيرُ النفطِ في أعالي النيل؟ هل زيتاً لمسوح ِ الأنبياءِ الكذبة ، أم دمَ النيليِّ مفصولا ً عن مِسْـكِهِ في الموازنةِ الرسميةِ للدولةِ العابدة؟

    هل أتقنَ التحدُّثَ بالعربيةِ ، الآنَ ، ذلك الشحّاذ ُ الأقليُّ الذي إقتنى طاراً لمديح ِ النبيِّ في شتاءِ العام 89 تحسباً لحدس ٍ غامض ٍ ساوره في خريفِ الكارثة؟

    ماذا حلَّ بالأغنيةِ الجماعيّةِ ، بعمر أومو والمسرح ِ القوميِّ ، ماذا دَهَا الكلوركوين؟

    ويا من لاهوتٍ للخساراتِ الشاملة!

    كيف تدبّرَت خديجة ُ [التي أغوانا بشايِّها نعناع ٌ بريٌّ شبَّ على أغاديرِ عَرَقِهَا] فواتيرَ المدرسةِ الإبتدائيةِ وضريبة َ الوالي عليه السّلام؟



    سفلا ً بمشروع ِ السجم.

    سحقاً لبطش ِ المسخرة.



    أمّا قبــلُ ،

    لمثابرةٍ فيك ، لصرخةِ الحنين ِ الجريحة ،

    أمُط ُّ عنقي خارجَ محارتي قليلا ً ولا أبرحها ، فهذا الهواءُ القليلُ قارس.



    قبلك بقليل ٍ كنتُ فرغتُ من قراءةِ غيابي في سيرةٍ وقحة ، ولم أغضب. قلتُ لأسامة الخـوّاض فليقضـمنا النسيانُ عضواً عضواً إذا شاءَ ، فإنما التاريخيّ ما يَتَبَنـْيَنُ في معاشاتِ الدَّم ِ الآنَ – هنا ، لا الذي تسلـَّعَ في حبكاتِ الرُّوَاةِ الماكرة.



    لكني أعترفُ الآنَ إن حسَّـاً كالغبطةِ ساوَرَني حين ندَهتِنِي في طابور ِ تمام ِ الحنين. أستعيدُكِ في القراءةِ فيصرخُ الروحُ: نعم ، ثمّ لوهلةٍ أخلي بين دمي وسحر ٍ في اللغة.



    فلتأتِ الأسماءُ إذنْ ، و لتأتِ الوجوه.

    سيانَ تأتي إلى مديحِهَا أو إلى مراثيها في حضوراتِ هذا الحنين.



    وليكن لهذا الراهن ِ بيننا أن يظلَّ ملتبساً هكذا ما بين حزن ٍ وغضب.

    وليكن لكلٍّ أن يعتني وحدَهُ-وحدَهَا بشأن ِ الماءِ تحتَ جلدِهِِ-جلدِهَا في مملكةِ العطش.

    فإنّا ماكثونَ – على ولع ٍ - قربَ النار ِ القديمةِ ذاتِهَا.

    في دمِنَا تتواشجُ المواقيتُ وتزَّاحَمُ الأمكنة.

    فليَصِرْ بينها ، إذنْ ، متسعٌ لـ " ليليثَ " حتى تربِّي ، على مَهَـل ٍ ، شيطانَهَا الخديج.

    فيرجينيا - الولايات المتحدة الأميركية
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de