من الليبرالية إلى مجتمع الاستهلاك..نقد بودريار للمجتمع المعاصر

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-11-2024, 03:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عصام جبر الله(esam gabralla)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-09-2007, 04:31 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
من الليبرالية إلى مجتمع الاستهلاك..نقد بودريار للمجتمع المعاصر

    عن الحوار المتمدن
    أشرف منصور
    مقدمة :
    تعد أعمال الفيلسوف الفرنسي المعاصر جان بودريار B audrillard من أهم و أشهر الدراسات في حقل الإنسانيات و الثقافة في الوقت الحاضر ، و هو يحتل مقدمة المسرح الفكري في فرنسا و العالم منذ أواخر الستينات و حتى الآن . و يتناول جانب كبير من هذه الأعمال نقدا لمجتمع الاستهلاك . فإلى جانب كتابه الذي يحمل عنوان " مجتمع الاستهلاك " The Consumer Society ، هناك مجموعة أخرى من الدراسات المنتشرة عبر كتبه الأخرى و التي يتناول فيها نفس الموضوع مثل " مرآة الإنتاج " The Mirror of Production و " نحو نقد للاقتصاد السياسي للعلامة " . A Critique of The Political Economy of The Sign Forو "التبادل الرمزي و الموت " Symbolic Exchange And Death .

    يمكن النظر إلى نقد بودريار لمجتمع الاستهلاك على أنه ينتمي إلى تراث فكري كبير ركز على نقد المجتمع الغربي المعاصر ، و يشمل هذا التراث أعمال لوكاتش و فلاسفة مدرسة فرانكفورت و بعض البنيويين من أمثال رولان بارت و فوكو ، هذا بالإضافة إلى تراث طويل في القرن التاسع عشر يحتوي على أسماء ماركس و نيتشة و فيبلن . و الحقيقة أن دراسة بودريار لمجتمع الاستهلاك تدلنا على كيفية التحول من الليبرالية باعتبارها الصورة التي يرى عليها الغرب الرأسمالي نفسه إلى مجتمع الاستهلاك الذي هو الواقع الحالي و النهاية الأخيرة التي وصل إليها هذا الغرب . فعبر جميع دراسات بودريار يوضح لنا كيف تحولت القيم و المثل البورجوازية و الأيديولوجيا الليبرالية إلى قيم و معايير استهلاكية تتحكم بها المؤسسات الكبرى ووسائل الإعلام ، و إلى نسق من الرموز و العلامات التي لها منطقها الخاص و حياتها الخاصة التي تلغي الحياة الواقعية للبشر ، و كيف يصنع الإعلام و الاتصال عالما صناعيا يمثل واقعا مركزا Hyperreality أكثر واقعية من الواقع نفسه .

    إن جميع قيم و مثل الليبرالية تجد تعبيرها الأكمل و الأخير و نهاياتها المنطقية في مجتمع الاستهلاك . فالحرية أصبحت حرية البيع و الشراء ، و التعددية أصبحت هي تنوع الموضوعات الاستهلاكية ، و العدالة أصبحت هي السعر المناسب The Fair Price . فهذا هو مصير الخطاب الليبرالي الذي تم استخدامه منذ بداياته الأولى كأيديولوجيا للرأسمالية و كدعم فكري لاقتصاد السوق . فقد تمت منذ القرن الثامن عشر ترجمة الليبرالية إلى مصطلحات الاقتصاد الرأسمالي ، و من المنطقي أن تترجم مرة ثانية في العصر الحاضر إلى قيم مجتمع الاستهلاك الذي هو التطور الطبيعي ، التاريخي و الاقتصادي ، للرأسمالية .

    الفرد :

    يغير مجتمع الاستهلاك التعريفات التقليدية لجميع القيم و المعايير الأساسية لليبرالية و ذلك لصالحه . فالفرد يصبح مشاركا في مجتمعه لا بالعمل الاجتماعي أو السياسي بل باستهلاكه لسلع و بضائع ينتجها هذا المجتمع ، فالمشاركة أصبحت مشاركة في نوع من الاستهلاك ، و الانتماء أصبح انتماء لشريحة استهلاكية معينة تكون علامة على المكانة أو المستوى الاجتماعي .

    و لم تعد القيم الأخلاقية الغيرية التي تحكم سلوك الفرد مع غيره بقادرة على تحقيق التماسك و الاندماج الاجتماعي ، تلك القيم التي كان يرجع مصدرها إلى المسيحية و حركة الإصلاح الديني و على رأسها البيوريتانية . و لم يبق إلا القيم الفردية التي يحرص مجتمع الاستهلاك على إنتاج المزيد منها ، لأن هذه هي القيم القادرة الآن على تحقيق شئ من الاندماج الناتج عن الاشتراك في شئ واحد و هو الاستهلاك بالطبع . فقد غيرمجتمع الاستهلاك من معنى الفردية تماما . فلم يعد الفرد يسعى لأن يحقق ذاته بل أصبح يسعى لنيل موافقة الآخرين و كسب رضاهم و التماهي معهم . لم تعد الفردية قيمة مطلقة بل مجرد توافق وظيفي . و بدلا من السعي نحو إنجازات يغير بها المرء أوضاعه و يتجاوز بها حاله نحو حال آخر ، أصبح يسعى نحو مجرد نيل رضاء الناس .

    يعتقد المستهلك أن سلوكه حر و ذلك بناء على أنه حر في اختياره بين كل ما يعرضه عليه مجتمع الاستهلاك، و يعتقد أنه يسعى نحو الاختلاف و التميز عن الآخرين ، و لا يجبره أحد على أن يكون كذلك ، فذلك نابع من داخله ، كما أنه لا يطيع قاعدة أو إلزاما معينا يجبره أن يكون مختلفا و متمايزا ، فهذه هي العلامة الأصيلة للتفرد . إلا أن حريته هذه وهمية و سعيه نحو الاختلاف زائف ، ذلك لأن تعددية موضوعات الاستهلاك و تعددية المواقف و الآراء و الأنماط الثقافية التي يختارها ليست إلا نتاج المجتمع الذي يحيط به و لاتكشف إلا عن منطق واحد و هو انسياق الفرد في الأسلوب الوحيد الذي يستطيع أن يعيش به في المجتمع و هو لمزيد من الاستهلاك . فالتعددية زائفة لأنها ليست إلا تنوع لموضوعات استهلاكية سواء كانت سلعا أو آراء أو أنماط ثقافية .

    كما يغير مجتمع الاستهلاك من معنى الممارسة العملية و النشاط الاجتماعي للفرد . فهو يحول الممارسة الاجتماعية و السياسية Praxis إلى مجرد اهتمام بشئون الحياة اليومية Everydayness ، أي وجودا زائفا حسب فلسفة هايدجر . فالمجالات السياسية و الثقافية و الاجتماعية تختفي لتخلي المكان للحياة الخاصة و لكل ما هو خاص : العمل ، الأسرة ، وقت الفراغ ، التسلية و الترفيه ، دائرة الأصدقاء و المعارف . و بهذه الطريقة تستطيع وسائل الاتصال الجماهيري التدخل في الحياة الخاصة للناس ، و ذلك بسيطرتها على الترفيه و أوقات الفراغ و التعبئة التجارية للأذواق .

    لكن هل لا تؤدي هذه الحالة إلى نوع من تأنيب الضمير و الشعور بالذنب الناتج عن تناقض بين السلبية الناتجة عن البعد عن كل ما هو سياسي و اجتماعي و بين الإيجابية المتأصلة في التراث الديمقراطي الغربي و تاريخه السياسي ؟ يجيب بودريار بان مجتمع الاستهلاك يعمل كذلك على القضاء على هذا الشعور بالذنب و التقصير، وذلك بأن يجعل الناس يشعرون بالأمان في بعدهم عن ما يسمى بغابة الحياة و مخاطرها . فكلما بثت وسائل الإعلام صورة بائسة و متوحشة و خطرة عن العالم كلما زاد شعور الناس بالأمان في بعدهم و انعزالهم عنه . إن شعورهم الزائف بالأمان يقضي على أي إحساس بالذنب أو التقصير ، كما يعد أحد عوامل قبول الوضع القائم ، إذ يجعلهم محايدين و سلبيين أمام كل القضايا و المشاكل الاجتماعية و السياسية . " إن علاقة المستهلك بالعالم الحقيقي و بالسياسة و التاريخ و الثقافة ليست علاقة اهتمام أو مسئولية ملتزمة ... بل هي علاقة فضول. "

    و لم يعد التفرد Singularity هدف الفرد الذي يسعى إليه من خلال الاختلاف عن الآخرين ، فالعناصر التي يزود بها المجتمع الفرد لكي يحدث لديه شعور بالتفرد تجعله ينساق في حبائل أيديولوجيا الاستهلاك . هذه الأيديولوجيا تبث في الفرد نرجسية تجعله يرى تفرده على أنه يتمثل في نوع الملبس أو السيارة التي يستخدمها أو العطر الذي يضعه أو نوعية السلع التي يشتريها أو الطريقة التي يقضي بها وقت فراغه . و بذلك يتحول التفرد إلى مجرد التماهي مع مقاييس عامة يصنعها المجتمع ، و الاندراج في أنماط Types محددة يمثلها المشاهير و نجوم السينما و الإعلام. ينقلب التفرد الآن إلى أن يصبح تنميطا Stereotyping و توحيدا للمقاييس Standardization .

    الحاجة :

    ساد الليبرالية خطاب حول الحاجات Needs و حول الوسائل التي يسعى المرء لإشباع هذه الحاجات عن طريقها . و اعتمد هذا الخطاب على تصور عن الطبيعة الإنسانية و عن الإنسان باعتباره إنسانا اقتصاديا Homo Oeconomicus . ظهر هذا الخطاب في علم الاقتصاد السياسي و في بعض المذاهب الفكرية و الفلسفات مثل الفلسفة التجريبية الإنجليزية ، و ساد الفكر السياسي الغربي طويلا ، و الآن يعد أحد الدعائم الأساسية لمجتمع الاستهلاك . و تحتوي أعمال بودريار على نقد حاد و عميق لمفهوم الحاجة هذا .

    ليست الحاجات التي يتكلم عنها الخطاب المدعم لمجتمع الاستهلاك حاجات بشرية صادرة عن الطبيعة الإنسانية ، بل هي حاجات من صنع مجتمع الاستهلاك نفسه . إنها ليست حاجات أولية . فحاجة الإنسان إلى الطعام مثلا تشبعها كمية محددة من الطعام ، إلا أن الطعام في المجتمع الاستهلاكي يتخذ صورا وأشكالا عديدة أخرى و يتحول للمجال الرمزي . فعلى الرغم من أن حاجات الإنسان الأساسية محددة إلا أننا نجد تنوعا هائلا في السلع التي تشبع هذه الحاجات . و يرجع هذا التنوع إلى مجتمع الاستهلاك الذي يخلق حاجات أخرى ثانوية بمجرد إنتاجه لكم هائل من السلع التي تشبع حاجة واحدة . فللإنسان حد أدنى يكتفي به و يستطيع عن طريقه إشباع حاجاته الأولية ، لكن مجتمع الاستهلاك خلق حاجات أخرى ترفية و رمزية لا يمكن إشباعها ، ذلك لأنه بمجرد أن يشبع الفرد حادة منها حتى تؤدي به إلى حاجات أخرى وإلى ما لا نهاية . و يرجع السبب في ذلك إلى أنها ليست حاجات تشبع عن طريق قيم استعمالية بل عن طريق قيم تبادلية . لا يأتي إشباع هذه الحاجات عن طريق امتلاك المرء لقيمة استعمالية لشيء ما بل لقيمة رمزية . فالسلع تستهلك لما تضفيه على المرء من مكانة أو وضع اجتماعي أو قيمة في المجتمع و صورة معينة عند الآخرين ، لا بما تشبعه من حاجات أولية لديه .

    الحاجات في حقيقتها ليست حاجات أفراد بل هي حاجات نظام ، هي حاجات النمو . فالنمو المتزايد للمجتمع هو الذي يفرض حاجات معينة تخفي نفسها باعتبارها حاجات أفراد . فإذا كان العصر الحالي هو عصر ما بعد صناعي Post-Industrial يتمثل إنتاجه الأساسي في الخدمات و السلع الاستهلاكية و الصناعات اللينة و صناعات الإعلام و المعلومات فمن الطبيعي أن تكون القيمة السائدة فيه هي القيمة التبادلية و الرمزية لا القيمة الاستعمالية ، و من الطبيعي أيضا أن يعمل هذا المجتمع على خلق الحاجات التي يشبعها إنتاجه ، و بما أن إنتاجه استهلاكي و خدمي و خدمي و إعلامي فإن الحاجات التي يخلقها يجب أن تكون رمزية ثانوية .

    خلق حاجات جديدة باستمرار كان من ضرورات بقاء النظام الرأسمالي ، فهذا النظام في حاجة دائمة إلى أسواق لتصريف إنتاجه . فكانت الإمبريالية ضرورية بالنسبة لهذا النظام و ذلك لفتح مزيد من الأسواق عبرجميع قارات العالم ، فإذا لم تجد الرأسمالية أسواقا فسوف تموت . أما استقلال المستعمرات فكان لابد و أن تخلق الرأسمالية سلعا جديدة تشبع حاجات جديدة . و بذلك فتحت أسواقا جديدة تعوضها عن الأسواق التي فقدتها في حركات الاستقلال ، فظهرت الأسواق الاستهلاكية ة الإعلامية و الخدمية التي ضخت دماء جديدة للنظام.

    كما يغير المجتمع الاستهلاكي من طبيعة دوران رأس المال و من إعادة إنتاج النظام . فقد كانت علاقات الإنتاج من نظام طبقي و ملكية خاصة و ما يصحبها من قوانين و تشريعات هي التي تعمل على إعادة إنتاج النظام الرأسمالي و الحفاظ عليه و على تماسكه و ذلك في عصر الرأسمالية الصناعية ، أما الآن و في عصر رأسمالية ما بعد الصناعة فقد أصبح الاستهلاك و التبديد و الإهدار هو الذي يعمل على إعادة إنتاج النظام و الحفاظ على تماسكه . لم يعد يستند النظام على تحول القيمة الزائدة إلى رأسمال جديد يتراكم و يتوسع باستمرار ، بل أصبح يعتمد على إنتاج صناعات لينة يجب أن تهدر و تفنى لكي يعاد إنتاج غيرها باستمرار ، و هكذا يتم دوران رأس المال الآن .

    لقد كفت الحاجات عن أن يكون لها استقلال و وضع خاص ، فهي لم تعد تتسم بأنها أولية و طبيعية و خاصة بالذات الإنسانية بل أصبحت من صنع النظام ، و بالتالي لم تعد تصلح لنقد الرأسمالية كما فعل ماركس و لوكاتش و فلاسفة مدرسة فرانكفورت و كثير من التيارات اليسارية . لقد أصبحت الحاجة مشروطة اجتماعيا و تحولت إلى أحد منتجات النظام ، و لذلك لا يمكن نقد هذا النظام بما ينتجه .

    والحقيقة أننا نجد عند هيجل تشخيصا مشابها لمفهوم الحاجة و خاصة في كتابه " أصول فلسفة الحق " الذي وضع فيه نظرياته الاجتماعية و السياسية . فالحاجات عنده تتضاعف كلما تقدمت الحضارة ، و لا يستطيع الفرد إشباعها جميعا ، كما تتحول أكثر إلى أن تكون حاجات ترفية . لكن في حين ينتقل هيجل من تشخيصه لنظام الحاجات إلى مقولة العمل و يأخذ في تحليل الاقتصاد السياسي باعتباره ينطلق من مفهومي الحاجة و العمل يكتفي بودريار بنقد مجتمع الاستهلاك و الأيديولوجيا المدعمة له و لا يقوم بالخطوة التي قام بها هيجل و من بعده ماركس و هي نقد الاقتصاد السياسي نفسه القائم على مفهوم الحاجة ، بل يكتفي بنقد هذا المفهوم فقط.
    و يكمن السبب وراء ذلك في أن بودريار كان قد تخلى عن محاولة نقد الاقتصاد السياسي لأنه اعتقد أن ما حل محله الآن هو نسق الرموز والعلامات المتحكم في الاتصال و الإعلام و الاستهلاك .

    المساواة :

    المساواة أسطورة ، استخدمتها الأيديولوجيا الليبرالية دائما لتبرير أسلوب الإنتاج الرأسمالي و الحفاظ علىالوضع القائم . تحولت كل مساوئ هذه الأيديولوجيا و خبائثها الآن إلى مفهوم السعادة . أصبحت السعادة هي علامة المساواة و مقياسها . و لكي تكون السعادة حاملة لأسطورة المساواة يجب أن تخضع للقياس ، أي قابلة لأن تقاس في صورة موضوعات و علامات ، يجب أن تتحول إلى رفاهية . فقد ورثت دولة الرفاهية في الغرب التراث السياسي الليبرالي بجميع قيمه و معاييره ، و نظرت لنفسها على أنها هي المحققة لهذه القيم و المعايير و التطور الطبيعي لها ، فكان من المنطقي أن تترجم المساواة إلى مصطلحات مجتمع الاستهلاك الذي هو نتاج دولة الرفاهية ، و تصبح السعادة علامة على الرفاهية و الرفاهية علامة على المساواة .

    لكن يتم عزل و إبعاد السعادة الأصيلة ، السعادة التي هي شعور داخلي لدى المرء و مستقل عن أي موضوع خارجي و التي هي رضا و قناعة ، تلك السعادة التي ليست بحاجة إلى دليل مادي ، و ذلك لتخلي مكانها للسعادة باعتبارها رفاهية يجب أن تقاس و يبحث عنها بمحك منظور . لا تعد السعادة هي فرحة الجماعة في الأعياد و الاحتفالات ، لا تعد معنوية و متجسدة في الحياة الجماعية المشتركة بل تصبح ذات معايير فردية. كما يذهب بودريار إلى أبعد من ذلك و يرى أن تراث الليبرالية منذ بدايته و هو يترجم المساواة إلى هذا المفهوم الضيق عن السعادة . فإعلان حقوق الإنسان و المواطن يعترف و ينادي بحق كل فرد في السعادة ، أي ينقل السعادة من معناها الجماعي العام و المعنوي و التساندي إلى معناها الفردي الذي يتحول إلى رفاهية و استمتاع بموضوعات استهلاكية . " تحول مبدأ الديمقراطية من مساواة حقيقية للكفاءات و المسئوليات و الفرص المتساوية … إلى مساواة أمام موضوعات التملك و الرموز المادية للنجاح الاجتماعي و السعادة ... و الظاهر أنها مساواة عينية إلا أنها شكلية تخفي و تحجب غياب الديمقراطية الحقيقية و اختفاء المساواة . "

    و إذا كان المجتمع المعاصر يحقق شيئا من المساواة في الرواتب و أوضاع المعيشة و إشباع الحاجات فإن ذلك يعد نتاجا زائدا By-Product للوظيفة الأصلية للنظام ، و التي تتمثل في زيادة الامتيازات المادية لأصحاب الامتيازات ، أي لمن لهم امتيازات أصلا . فاللامساواة هي هدف النمو و ما المساواة إلا نتاجا زائدا حدث بالصدفة . فبينما كانت الليبرالية تعتقد في أن زيادة النمو سوف تقضي على الندرة و بالتالي على البؤس و الشقاء الذي تعاني منه الطبقات الدنيا و بالتالي تقضي على احتمالات الثورة و القلاقل الاجتماعية و تقلل من حدة التناقضات الطبقية و الفروق الواسعة بين مستويات المعيشة ، فإن النمو لم يؤد واقعيا إلى كل ذلك بل على العكس أدى إلى زيادة الفروق .

    إذا كانت مبادئ الديمقراطية و المساواة تقوم في الخطاب الليبرالي التقليدي بممارسة السيطرة الاجتماعية و التنظيم الأيديولوجي للتناقضات السياسية و الاقتصادية ، فإنها لم تعد تقوم بمثل هذا الدور الآن . فقد جعل مجتمع الاستهلاك هذه القيم هشة و غير قادرة على أداء وظيفة الاندماج الاجتماعي لمجتمع يتناقض واقعه مع هذه القيم ، حتى إذا تم تمثلها عن طريق التربية و التنشئة الاجتماعية . فما يقوم بهذا الدور الآن عبارة عن آلية لاشعورية في الاندماج و التحكم . تتمثل هذه الآلية في إدخال الأفراد في نسق من الاختلافات ، أي في نظام من التعدد و التنوع الثقافي الذي يسعى فيه الأفراد لأن يكونوا مختلفين عن طريق اختيار موضوعات استهلاكية. و بذلك يتم إحلال الاختلاف محل التناقض . فالتناقض لا يحل عن طريق إحلال المساواة و التوازن محله ، بل عن طريق إحلال الاختلاف و التمايز ، الثقافي و الاستهلاكي و الإعلامي .

    وهم الحرية :

    يستخدم مجتمع الاستهلاك مفهوم الحرية بنفس الطريقة التي استخدمها بها مجتمع الصناعة . فقد كانت الليبرالية تدعو للحرية في بداية العصر الصناعي ، إلا أن هذه الدعوة كانت زائفة و أيديولوجية و يكمن ورائها أهداف أخرى . فقد كان على الفرد أن يتحرر من الإقطاع و من ارتباطه بكنيسة أو مذهب أو طائفة أو عرق و ذلك لكي يصبح عاملا أجيرا في ظل النظام الرأسمالي . فقد أدى مبدأ الحرية كما استخدمه المجتمع الصناعي مهمة قطع صلة الفرد بكل ما كان يربطه بوحدات اجتماعية سابقة على الرأسمالية و ذلك ليتمكن النظام من إدخاله سوق العمل و يصبح فيه سلعة . و نفس هذا التوظيف لمبدأ الحرية يستخدمه مجتمع الاستهلاك الآن ليطبقه على الجسد . يجب على الجسد الآن أن يتحرر ، أي أن ينفك ارتباطه بمفاهيم الخطيئة و السقوط و الذنب و المعصية ، أي بكل المفاهيم الدينية المسيحية و البيوريتانية التي تفرض على الجسد الزهد و التقشف ، و ذلك لكي يمكن أن يصبح موضوعا للاستهلاك ، أي حاملا لموضات أزياء و عطور و هدفا لطرق ممارسة الحمية ( الريجيم ) و صفحة بيضاء لأدوات التجميل و هدفا لتسويق الرياضة و الأجهزة الرياضية ، و سلعة جنسية أيضا .

    كما لا تعد حرية المجتمع الحالية و سهولة الحوار بين كل أطرافه و تبادل الآراء و المواقف فيه نتيجة لتقدم أخلاقي أو لزيادة التحرر أو لفهم أفضل و أعمق للمشاكل الاجتماعية ، بل تكشف هذه الحرية عن أن الآراء و الأيديولوجيات و الفضائل و الرذائل أصبحت مادة للتبادل و الاتصال ، و هي متساوية القيمة في لعبة العلامات و الرموز التي يمارسها النظام . و لم يعد التسامح في هذا السياق حالة سيكولوجية باطنة أو فضيلة أو قيمة عليا ، بل هو شرط من شروط وجود النظام نفسه ، لأن هذا النظام يتمثل في إنتاج المعلومات و توصيلها و أداء الخدمات و خلق حاجات تشبعها سلع استهلاكية ، فمن الطبيعي أن تكون الحرية و التسامح من بين مقومات وجود النظام و أداءه لوظائفه .

    كانت الليبرالية تفهم الحرية على أنها تجد تعبيرها الأكمل و التام في مفهوم الملكية الخاصة و ما يشمله من مفاهيم فرعية مثل الحيازة و حق الانتفاع و العقد Contract باعتباره اعتراف الأطراف المشاركة فيه بالملكية لبعضهم البعض و ما يتفرع عن ذلك من حقوق للمشاركين في هذا العقد . و يعد مفهوم الملكية الخاصة مصدر التنظيم القانوني و السياسي الليبرالي للمجتمعات الغربية منذ القرن الثامن عشر ، كما يشكل أساس الحقوق و الواجبات المدنية و السياسية و كذلك جزءا كبيرا من قانون العقوبات . لم يعد مفهوم الملكية الخاصة بمثل أهميته تلك في مجتمع الاستهلاك . فلم يعد هناك معنى لمفهوم الحيازة أو التملك أو الاقتناء ، فقد أخلت هذه القيم مكانها لقيم الاستعمال و الاستمتاع و الاستهلاك . الحيازة هي الاحتفاظ بشيء معين يبقى و يدوم و تكون الاستفادة منه طويلة الأجل ، أما الاستهلاك فهو إشباع لرغبة عن طريق إهلاك و إهدار لموضوع هذه الرغبة . كما أخلى مفهوم العقد مكانه لمفهوم السعر المناسب ، فبمجرد شرائك لسلعة فهذا يعني أنك توافق على سعرها ، و موفقتك على السعر تعني اتفاقك مع النظام . فبعد أن كان الاتفاق و الإجماع و الرضا أهداف يتم الوصول إليها عن طريق الحوار السياسي الاجتماعي بين المواطنين حول شئون حياتهم و مستقبلهم هادفين تنظيم التعامل بينهم ، أصبح يتم الوصول لهذه الأهداف عن طريق شراء سلعة .

    يحول المجتمع الاستهلاكي الديمقراطية إلى شيء يقاس . فالنمو و زيادة الإنتاجية تعني الوفرة ، و الوفرة تعني الرفاهية ، و الرفاهية تعني الديمقراطية . و بالتالي فقياس النمو و الإنتاجية يعني قياس درجة الديمقراطية القائمة . و تصبح الحقوق الطبيعية للإنسان هي حقوقه في تملك و استهلاك موضوعات إشباع حاجاته . و بذلك لن يكون هناك معنى للتساؤل حول ما إذا كان هذا المجتمع يحقق الحرية و المساواة أم لا ، و هل هو ديمقراطي أم لا ، و هل قضى على أوجه اللامساواة السابقة أم لا ، لأن هذا المجتمع قد أبدل بالفعل قضايا الحرية و المساواة و الديمقراطية و نقلها من الميدان الاجتماعي و السياسي إلى المجال المادي الاستهلاكي .

    الجماهير الصامتة :

    يذهب بودريار إلى أنه منذ القرن الثامن عشر و خاصة منذ الثورة الفرنسية أصبح مجال السياسة مجالا للتمثيل Representation ، أي بدأ ما هو اجتماعي يجد التعبير عنه في ما هو سياسي ، و أصبح المواطنون يجدون في المجال السياسي تعبيرا عنهم ، فقد استندت الممارسة السياسية آنذاك على مفاهيم الديمقراطية النيابية و التمثيلية و على الرأي العام و فكرة الإرادة العامة . يترجم بودريار ذلك إلى مصطلحات البنيوية و ما بعد البنيوية . فهو يرى أن مجال السياسة أصبح منذ ذلك الوقت مجالا للدلالة و المعنى ، فما يحدث في السياسة هو دال Signifier لمدلول أساسي Fundamental Signified هو الإرادة العامة . و لا يزال الفكر السياسي الليبرالي يلعب على الحنين لهذا العصر الذهبي ، الذي كان فيه الاجتماعي مستقلا و ممثلا في السياسي.

    أما الآن فلم يعد الاجتماعي مجالا مستقلا و لم يعد مصدرا للطاقات و القوى التي تمد السياسي بالدلالة و المعنى . فمع تحول المجتمع المدني Civil Society إلى مجتمع جماهيري Mass Society أصبح مستقبلا لكل ما تفرضه عليه السياسة و لم يعد له الدور الفاعل و المؤثر الذي كان يتمتع به . لم يعد المدلول الذي تشير إليه و تنتهي إليه الدالات السياسية . فلقد اختفى أي واقع اجتماعي أساسي يكمن تحت معني العملية السياسية ، و انعزلت السياسة أكثر و أكثر عن الجماهير و أصبح لها استقلال و تسيير ذاتي ، أي أصبحت لا تشير إلا لذاتها و لا دلالة لها إلا بالنسبة لمجالها فقط . فمع التداخل المتزايد بين الاقتصاد و السياسة ، و مع كثرة جماعات الضغط ذات المصالح الجزئية الخاصة و قوة تأثيرها ، لم تعد الجماهير مؤثرة في المجال السياسي . لم يعد هناك إلا مدلولا واحدا أو إحالة واحدة و هي إلى الأغلبية الصامتة التي أصبحت إحصائية .

    لا تظهر هذه الأغلبية الصامتة ممثلة في شيء معين أو باعتبارها مصدرا لمعنى ممارسات سياسية معينة ، بل باعتبارها عنصرا إحصائيا . و لم يعد من الممكن لأي أحد أو أي منظمة أن تتحدث باسم الجماهير ، فقد كفت الجماهير عن أن تكون ذاتا بالمعنى التقليدي و لم يعد يمكنها أن تمر بمرحلة تكوين هويات سياسية . لم يعد هناك كذلك معنى للاغتراب ، لأن الاغتراب يحدث لذات في سياق عملية تكوينها الذاتي ، ذات لها احتياجات ووعي و خبرة . كما تنتفي كذلك فكرة الثورة ، فالثورة يفترض أن تحدث من قبل مضطهدين ، و يفترض في المضطهدين أن لهم هوية ووعي بمصالح مشتركة و أهداف واحدة ، إلا أن الجمهور ليس له هوية ، فهو مجموع إحصائي لا غير ، و كتلة كبيرة لا متمايزة تم تحييدها .

    تتحول الجماهير في المجتمع المعاصر إلى كتلة ضخمة يراد جمع المعلومات عنها بهدف توجيهها و السيطرة عليها . و لم يعد لقياس الرأي العام و لعمليات استطلاع الرأي معنى ، فهي تفترض وجود رأي جاهز لدى الجماهير ووجود موقف محدد لديها يتم الكشف عنه ، إلا أن ذلك ليس صحيحا . لا يعمل قياس الرأي العام إلا على الإيحاء بوجود رأي عام ، و يقوم في ذلك بوظيفة النبوءة الذاتية التحقيق Self-Fulfilling Prophecy أي الإشاعة التي تتحول إلى حقيقة بمجرد انتشارها . أما وسائل الإعلام فلا تهتم بالمعنى ، فالمعنى هو المحتوى أو المضمون في عملية الاتصال ، في حين أن هذه العملية محايدة تجاه المحتوى و لا يهمها إلا التوصيل. فالمضمون ليس هو الرسالة ، بل إن وسائل الإعلام نفسها هي الرسالة The Media Is The Message كما يقول ماكلوهان . يتوصل بودريار من ذلك إلى أن الاتصال يحيد المعنى و يلغيه ،و يصبح هدفا في ذاته ، فهو اتصال من أجل الاتصال لا من أجل توصيل و نقل المعنى .

    اكتمال الأيديولوجيا :

    إذا كانت الأيديولوجيا ، و خاصة في المجتمع الصناعي ، تتمثل في عملية التشيؤ Reification التي تظهر فيها العلاقات الاجتماعية بين الناس على أنها علاقات بين أشياء ، و في عملية صنمية السلع Fetishism Of Commodities التي تتحول فيها العلاقات الاقتصادية إلى قوانين حتمية تماثل قوانين الطبيعة و تنعزل عن أساسها الاجتماعي و تصبح علاقات بين سلع ، فإن تحليل بودريار للمجتمع الاستهلاكي يكشف عن أن هذه الأيديولوجيا قد وصلت إلى نهايتها المنطقية .

    حلل ماركس أسلوب الإنتاج الرأسمالي على أنه نظام منتج للسلع . فكل التنظيمات الاقتصادية و كل تفاصيل عملية الإنتاج في هذا النظام تهدف إلى هذه الغاية . و على الرغم من أن هذه السلع نتاج العمل البشري إلا أنها بمجرد دخولها في علاقات تبادل في السوق حتى يكون لها حياتها الخاصة و قوانينها الخاصة التي تسمى قوانين السوق ، مثل العرض و الطلب ، و بذلك تستقل عن أصلها البشري و الاجتماعي و يصبح لها كيانها الخاص . و ليس هذا و حسب ، بل إنها تصبح هي التي تنظم علاقات الأفراد ببعضهم و تنظم علاقاتهم بالمجتمع . و بذلك تأخذ الطابع الصنمي . كما أن طاقة العمل البشري تقاس بمدى قدرتها على إنتاج سلع ، و تتحدد قيمة هذا العمل بقيمة ما ينتجه من سلع . و هذا ما يؤدي إلى تشيؤ العلاقات الاجتماعية . فالعلاقات بين المنتجين التي هي في الأصل علاقات اجتماعية تظهر على أنها علاقات بين منتجات عملهم و تحكمها قوانين اقتصادية .

    إذا كان ماركس قد ذهب إلى أن السلع و العلاقات بينها قد حلت محل العلاقات الاجتماعية ، فإن بودريار يذهب الآن إلى أن العلامات و الرموز قد حلت محل الواقع نفسه ، و بذلك أصبح الدال مستقلا عن المدلول و تم تعميم الأيديولوجيا . فالسلع تستهلك لا لما تسده من حاجات بل لما لها من قيمة رمزية ،أي تستهلك باعتبارها علامات . كما أن وسائل الإعلام لم تعد تنقل لنا إلا العلامات و الرموز ، و بذلك صنعت واقعا ثانيا بديلا عن الواقع الحقيقي . فلم يعد الدال يشير إلى مدلول معين ، و لم تعد العلامة علامة لشيء واقعي بل أصبحت علامة لعلامة أخرى ، و تم إخراج الواقع من هذه العلاقة الجديدة . فلم تعد القيمة التبادلية تشير إلى قيمة استعمالية ، إلى حاجة أو هدف أو غاية ، بل إلى قيمة تبادلية أخرى و علامات و رموز أخرى.فإذا كانت الأيديولوجيا هي استبدال الواقع بالعلامة و النظر إلى الدال على أن له الأولوية على المدلول ، فإن تحليلات بودريار تكشف عن أن المجتمع الاستهلاكي لا يقوم بعملية الاستبدال هذه و حسب ، بل إنه يحل العلامات محل بعضها البعض و يستبدل رموزا برموز و ذلك في غياب الواقع أو الشيء الحقيقي . صحيح أن بودريار ينظر إلى هذه العملية الجديدة على أنها نهاية للأيديولوجيا ، إلا أنها نهاية لنوع معين من الأيديولوجيا، تلك التي تحل العلامة محل الواقع ، و ظهور لنوع جديد و هو المتمثل في إخراج الواقع ذاته من لعبة العلامات و الرموز .

    الهوامش

    1) Douglas Kellner : Jean Baudrillard , From Marxism to Postmodernism & Beyond, Polity Press, London, 1991, P. 12 .
    2) Jean Baudrillard : The Consumer Society , Sage Publications , London 1998 , p. 69 .
    3) Ibid. : P. 171 .
    4) Ibid. : P. 35 .
    5) Ibid. : P. 34 .
    6) Douglas Kellner : op.cit. P. 13
    7) Baudrillard : op.cit. P. 69
    8) Ibid. : P. 65
    9) Kellner : op.cit. P. 14-15
    10) Karl Marx : " Wage Labour & Capital " in Marx & Engels : Selected Works , Foreign Languages Publishing House, Moscow 1955, Vol.1. P. 90-91.
    11) Baudrillard : op.cit. P. 47
    12) Mike Gane : Baudrillard, Critical & Fatal Theory , Routledge, London, 1991. P. 112
    13) Baudrillard : op.cit. P. 50
    14) Ibid. : P. 66
    15) Ibid. : P. 94
    16) Karl Marx :" The Eighteenth Brumaire Of Louis Bonaparte" in Marx & Engels : Selected Works, Vol. 1 , P. 258-259.
    17) George Lukacs: History & Class Consciousness , Merlin Press, London , 1971,P. 170.
    18) Baudrillard : op.cit. P. 93 .
    19) Ibid. : P. 50-51
    20) Ibid. : P. 69
    21) Ibid. : P. 65
    22) Mike Gane : op.cit. P. 135
    23) Ibid. : p. 138
    24) Ibid.
    25) Kellner : op.cit. P. 85-86
    26) David Hawkes : Ideology, Routledge, London, 1996. P. 97-98
    27) كارل ماركس : رأس المال ، دار اليقظة العربية ، دمشق، 1956، الكتاب الأول (1) ص. 106
                  

01-10-2007, 01:17 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الأيديولوجيا في عصر تكنولوجيا الاتصال (Re: esam gabralla)

    Quote: الأيديولوجيا في عصر تكنولوجيا الاتصال
    أشرف منصور
    الأيديولوجيا في عصر تكنولوجيا الاتصال

    مقدمة:

    هل شهد عصر التكنولوجيا اضمحلالا للأيديولوجيا أم ازدهارا لها؟ الحقيقة أن كثيرا من المفكرين قد ذهبوا إلى أن الأيديولوجيا انتهت و لم يعد لها مكانا في عصر التكنولوجيا. و من هؤلاء عالم الاجتماع الأمريكي دانيال بيل صاحب كتاب "نهاية الأيديولوجيا" و "قدوم عصر ما بعد الصناعة" ، و فرانسيس فوكوياما صاحب كتاب "نهاية التاريخ" ، و ليوتار صاحب كتاب "وضع ما بعد الحداثة" . فما يشترك فيه هؤلاء قولهم بنهاية عصر الأيديولوجيات الكبرى التي تعبئ الناس في سبيل أفكار أو مثل معينة. فيذهب بيل إلى أن التطور العلمي و التكنولوجي أدى إلى التحول من مثاليات الأيديولوجيات إلى المنطق العملي و الأداتي للعلم و التكنولوجيا ، و يذهب فوكوياما إلى أن التاريخ باعتباره صراعا بين أفكار و مذاهب و أيديولوجيات قد انتهى بانتصار الديمقراطية الليبرالية و انتصار الغرب في الحرب الباردة و التحولات الديمقراطية في بلدان أوروبا الشرقية ، و يذهب ليوتار إلى أن الوضع الفكري و المعرفي المعاصر في جميع المجالات يشهد نهاية لما يسميه بالسرديات الكبرىMetanarratives ، و هي تسميته الخاصة للأيديولوجيات .

    لكن هناك مجموعة أخرى من المفكرين الذين ذهبوا إلى أن العلم و التكنولوجيا أصبحا هما الأيديولوجيا الجديدة، و أبرزهم هايدجر و فلاسفة مدرسة فرانكفورت و هابرماس و عالم الاجتماع و السياسة الفرنسي جاك إيلول. يذهب هؤلاء إلى أن العلم و التكنولوجيا أصبحا يقومان بالدور التقليدي للأيديولوجيا في تبرير الوضع القائم و إضفاء الشرعية على كافة صور الهيمنة السياسية و الاقتصادية، و استبدال العقلانية الأداتية، و هي عقلانية الوسائل، بعقلانية الأهداف و القيم الموضوعية.
    إلا أن هناك بعدا آخر من الأيديولوجيا و هو الذي سيركز عليه هذا المقال، و هو البعد المعرفي أو الإبستمولوجي، أي وظيفة الأيديولوجيا في تزييف الوعي و تقديم صورة مشوهة و محرفة عن الواقع. و الحقيقة أن جميع الدراسات عن الأيديولوجيا تنقسم إلى هذين القسمين: الأيديولوجيا باعتبارها خطابا عاما يبرر الوضع القائم و يضفي الشرعية عليه، و الأيديولوجيا باعتبارها آلية في تزييف الوعي. و لا شك أن الأيديولوجيا سواء كانت خطابا تبريريا أو آلية مزيفة للوعي تخدم أهدافا واحدة، أي تثبيت الناس على شكل معين من العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية و جعلهم يقتنعون بها و يقبلونها.

    نجد في أعمال ماركس معالجة للأيديولوجيا بكلا المعنيين. فهو يعالج الأيديولوجيا باعتبارها خطابا تبريريا في نقده للاقتصاد السياسي الكلاسيكي و لليبرالية و للطابع البورجوازي للدولة و مؤسسات المجتمع المدني ، و يعالج الأيديولوجيا باعتبارها آلية في تزييف الوعي في نقده لصنمية السلع و تشيؤ العلاقات الاجتماعية التي تظهر على أنها علاقات بين سلع و تحكمها قوانين اقتصادية بدلا من الإرادة الإنسانية الحرة. كما عالج لوكاتش أيضا الأيديولوجيا باعتبارها تزييفا للوعي في مقاله الشهير "التشيؤ ووعي البروليتاريا" في كتابه "التاريخ و الوعي الطبقي". فالبروليتاريا عنده معرضة للانخداع بالقيم و المثل البورجوازية و أنساقها الفكرية و الاقتصادية تماما مثل البورجوازية نفسها، و هذا الانخداع يسميه بالوعي الزائف أو المشيأ .

    وسيتعامل هذا المقال مع الأيديولوجيا بمعناها الثاني- أي باعتبارها وعيا زائفا مشيأ. تتمثل الفكرة الأساسية التي نعالجها في الصفحات التالية في أن عصر التكنولوجيا لم يشهد اضمحلالا ولا نهاية للأيديولوجيا بل ازدهارا لها، و اتخاذها معان و صور جديدة لم تكن معروفة من قبل، و أن تكنولوجيا الاتصال الحديثة هي ما يقوم الآن بتزييف الوعي .


    أولا: عودة إلى كهف أفلاطون:

    الحقيقة أن سيطرة وسائل الإعلام على الحياة المعاصرة يشبه أسطورة الكهف عند أفلاطون. فعندما كان أفلاطون في معرض شرح نظريته في عالم المثل و الفرق بينه و بين العالم المحسوس ضرب مثلا عرف فيما بعد بأسطورة الكهف. فالذين يعيشون في العالم المحسوس يشبهون أناسا ولدوا و تربوا في كهف و لم يخرجوا منه طوال حياتهم، و هم مقيدون بسلاسل و أغلال داخل الكهف بحيث أن أنظارهم لا ترى إلا الحائط الداخلي للكهف ولا تستطيع رؤية مخرجه. و خارج هذا الكهف توجد أشياء مثل الشجر و الحيوانات و الناس الذين يروحون و يجيئون أمام باب الكهف. و تعكس الشمس ظلال هذه الأشياء و الناس على جدار الكهف، و لا يعرف أهل الكهف أن ما يرونه مجرد ظلال بل ينظروا إليها على أنها أشياء حقيقية و ذلك لأنهم لم يخرجوا من كهفهم أبدا و لم يعرفوا حقيقة الظلال، و لا تمكنهم أغلالهم من الالتفات إلى الوراء و معرفة الأشياء الحقيقية التي تنعكس ظلالها على جدار الكهف. و يذهب أفلاطون إلى أن عالمنا الحسي الذي نعيشه ما هو إلا ظلالا و أخيلة للمثل و الحقائق الموجودة في عالم المثل، العالم العقلي العالي على المحسوسات.

    تشكل أسطورة الكهف مثالا جيدا و دالا في فهم العالم الذي يخلقه الإعلام. فكما يفسر أونيل كهف أفلاطون ، يخلق الإعلام عالما وهميا و زائفا يعتقد الناس في حقيقته و صدقه. و يلتف الناس حول وسائل الإعلام و يظلوا مقيدين أمامها تماما مثلما كان أهل الكهف مقيدين في كهفهم ينظرون في حائطه إلى الظلال و يعتقدون في حقيقتها. و تتمثل الدلالة المعاصرة لأسطورة الكهف في أن المرء لم يعد يتمكن من معرفة أي شيء عن العالم الخارجي أو عن مجتمعه إلا من خلال وسائل الإعلام، و لم يعد يصدق شيئا إلا إذا تم نقله عن طريقها. فحتى الأحداث الواقعية التي يعيشها الإنسان لا يحيط بها و لا يستوعبها إلا عبر الإعلام. فلم يعد هناك اتصال مباشر بين المرء و مجتمعه أو بينه و بين خبرات حقيقية معاشة، بل أصبح اتصاله بكل شيء متوسطا عن طريق الإعلام.
    ثانيا: الإعلام باعتباره جهازا أيديولوجيا:

    يمكن فهم الدور الأيديولوجي الذي يقوم به الإعلام على نحو أفضل إذا نظرنا إليه من زاوية عملية التحول المادي للأيديولوجيا Materialization of Ideology التي حدثت في القرن العشرين. فلم تعد الأيديولوجيا تؤثر على الأفكار و المعتقدات فقط، بل أصبحت تحت تأثير الإعلام تؤثر على أسلوب النظر إلى الأشياء و إدراكها. كما لم تعد الأفكار أو الخطاب أو الشعارات هي أدوات الأيديولوجيا، بل أصبحت أدواتها مادية مثل أجهزة الإعلام، و لم تعد الأيديولوجيا تنتشر بالكلمات بل بالصور و العلامات. و الحقيقة أن التحول المادي للأيديولوجيا جعلها أكثر خفاء و أصعب في الرصد، أي جعلها تتخفى وراء أشياء أخرى و لا تكشف عن حقيقتها صراحة بحيث يصعب التعرف عليها الآن، بل إن السائد حاليا هو القول بنهاية الأيديولوجيا استنتاجا من نهاية فلسفات التاريخ و الشعارات و السرديات الكبرى، إلا أن الأيديولوجيا لا تزال عاملة على مستوى الصورة و العلامة و الرمز.

    نستطيع أن نفهم معنى التحول المادي للأيديولوجيا إذا فحصنا نظرية ألتوسير في أجهزة الدولة الأيديولوجية. تثبت هذه النظرية أن هناك طرقا أخرى جديدة لممارسة الأيديولوجيا غير الطرق الخطابية Discoursive أو الفكرية. فالأيديولوجيا ليس شرطا أن تقتصر على مجال الأفكار و المعتقدات، بل إن مؤسسة أو جهازا معينا يمكن أن يقوم بدور أيديولوجي مثل الكنيسة و المدرسة و الإعلام. و يعلن ألتوسير صراحة أن الإعلام ينتمي عن جدارة إلى أجهزة الدولة الأيديولوجية .

    يذهب ألتوسير إلى أن أجهزة الدولة الأيديولوجية تمارس دورا أيديولوجيا و هو تجديد إنتاج علاقات الإنتاج. فلا يكفي لكي يستمر النظام الرأسمالي في الوجود أن تتوافر لديه الإمكانات المادية فقط، بل يجب أيضا أن يحافظ هذا النظام على نفس الطريقة في توزيع الثروة و نفس العلاقات بين رأس المال و العمل المأجور و يضفي عليها الشرعية و المعقولية . و يقوم الإعلام بدوره الأيديولوجي عن طريق تأكيد و نشر مجموعة القيم و المعايير التي تساعد على المحافظة على علاقات الإنتاج القائمة.

    و لكي يقوم أي جهاز أيديولوجي بوظيفته الأيديولوجية كما يجب، فيجب أن يقدم نفسه باعتباره محايدا و موضوعيا. و يطبق ألتوسير كلامه هذا على المدرسة و يذهب إلى أنها هي الجهاز الأيديولوجي الأول في الدولة البورجوازية. فالمدرسة تأخذ طابع الحيادية و الموضوعية بدرجة شديدة جدا. فهي لا تظهر إلا باعتبارها مكانا لتلقين العلم و تربية النشء و إعدادهم للمستقبل، إلا أنها في الحقيقة خير وسيلة لترتيب الأفراد منذ الصغر على السلم الاجتماعي و الطبقي القائم . و الحقيقة أن وسائل الإعلام حاليا قد اتخذت مكان المدرسة باعتبارها الجهاز الأيديولوجي الأول. فالطابع الحيادي و الموضوعي الزائف هو ما يتخذه الإعلام الآن و تؤكد عليه الدراسات الإعلامية أيضا، و أهمها و أولها دراسة ماكلوهان "فهم الإعلام" Understanding Media . إذ يؤكد ماكلوهان على حيادية الإعلام بقوله أننا لا نستطيع الذهاب إلى أن الإعلام نافع أو ضار أو خير أو شرير، و ذلك لأنه مجرد وسيلة، و من هنا يجب علينا استبعاد الأحكام الأخلاقية و التقويمية في دراستنا للإعلام. و يتضح الطابع الحيادي و الموضوعي للإعلام أيضا في قوله الشهير أن الوسيط هو الرسالة The Media is the Message. فليس للإعلام رسالة سيئة أو خيرة، بل إن رسالته هي التوصيل و الإعلام فقط Informing . فالإعلام يقدم نفسه على أنه حيادي و موضوعي، و الدراسات الإعلامية هي الأخرى تدرسه على أنه كذلك.

    من أهم وظائف الأيديولوجيا أنها تقلب العلاقات الحقيقية الموجودة في الواقع. فإذا كان هناك صراع ألغته و عتمت عليه و قدمت بدلا منه الوفاق و الانسجام، و إذا كان هناك تناقض طبقي قدمته على أنه تعددية و ليبرالية، و إذا كان هناك شمولية قدمت هي التعدد و التنوع. و هذا هو ما يقوم به الإعلام بالضبط. فهو يصور المجتمع على أنه متعدد و متنوع في حين أن الشمولية تسوده، و هي ذاتها تقدم تنوعا و تعددا ظاهرا في القنوات و التحليلات الإخبارية و الصحف و المجلات، إلا أن هذا التعدد يخفي وحدة في النظرات و المواقف و الأفكار. فالإعلام يقدم نفسه على أنه متنوع في حين أنه واحد، و هو في ذلك يقوم بالدور الأيديولوجي في تشتيت الوعي و تجزيئه.

    ثالثا:الوقائع و المعلومات في ظل تكنولوجيا الاتصال:

    يقدم لنا عالم الاجتماع و السياسة جاك إيلول تحليلا نقديا بارعا للسياسة و الرأي العام في عصر الإعلام يتبين منه الدور الأيديولوجي الجديد لوسائل الإعلام. فإذا كان الرأي العام له دور أساسي و كبير في تشكيل السياسات فيجب علينا في البداية تحليل العناصر التي تشكل هذا الرأي العام، أي الوقائع Facts و المعلومات. يذهب إيلول إلى أن الوقائع المشكلة للرأي العام لا تتمتع بالحياد و النقاء المفترض فيها. فالوقائع لا تصبح وقائع إلا بعد عملية معالجة من قبل وسائل الإعلام، و لا يقبل الرأي العام شيئا على أنه واقعة إلا إذا اتفقت مع تعريفه هو للواقعة، أي مع ما لديه من نماذج Patterns و أنماط جاهزة Stereotypes صنعها الإعلام أيضا . ومن هنا تكون الوقائع التي صنعها ونقلها الإعلام هي نفسها العناصر و الخيوط المكونة لشبكة الأيديولوجيا. فالأيديولوجيا لا تزيف وقائع و معلومات، بل إنها تعمل على تشكيلهما منذ البداية.

    يقارن إيلول بين الوقائع و المعلومات في المجتمع التقليدي و في المجتمع الحديث. فالرجل الذي ينقل إلى قبيلته أخبارا من القبائل الأخرى أو عن المناطق التي زارها، أو التجار الذين ينقلون لمجتمعهم أخبارا عن مجتمعات أخرى لا يؤثرون في فهم و رؤية مجتمعهم لنفسه، فهذه الأخبار مجرد شذرات منفصلة عنهم و لا تشكل جزءا من عالمهم الاجتماعي. أما في المجتمع الحديث و نتيجة لتقدم وسائل الإعلام فإن ما يتلقاه المرء من أخبار و معلومات هو الذي يشكل رؤيته للعالم و لمجتمعه الذي يعيش فيه. و على الرغم من أن المرء يذهب و يجيء و يتحرك عبر العالم كله إلا أنه يخبره بطريقة غير مباشرة. فهو يعيش في عالم تمت إعادة ترجمته و تحريره و لم يعد له أي صلة مباشرة بالعالم الحقيقي. و حتى الوقائع و الأحداث التي عاشها بنفسه و شاهدها تحدث أمام عينيه سوف يرى أنها تنقل إليه عن طريق وسائط إعلامية: الصحف و الإذاعة و التليفزيون، و سوف يرى وصفا و تفسيرا و تحريرا لما عاشه بالفعل، و غالبا ما سيؤثر عليه الحدث الذي تم توصيله بهذه الطريقة أكثر من تأثره بخبرته الشخصية، فهذه الأخيرة لن تصمد أمام الصورة التي ينقلها الإعلام .

    وعلى عكس الاعتقاد الشائع يذهب إيلول إلى أن توافر المعلومات الصحيحة لا يؤدي بالضرورة إلى تشكيل واقعة سياسية و بالتالي إلى رأي عام . فهناك حالات كثيرة توافرت للناس فيها المعلومات الصحيحة و الكافية إلا أنها لم تؤد إلى ظهور رأي عام. إن تشكيل الرأي العام مسألة دعاية أو بروباجاندا. فيجب أن تحمل المعلومات بعناصر أخرى عاطفية و انفعالية و رمزية حتى يتشكل الرأي العام.

    ليست الوقائع هي الأحداث الفعلية، بل هي ما تمت ترجمته إلى كلمات و صور. ويضرب إيلول مثلا على ذلك بغزو جيش لدولة أخرى. فرجل الشارع البسيط الذي رأى الحدث أمامه لم يشاهد إلا جيشا يدخل مدينته، و هو لا يدرك أن ما رآه غزو أجنبي لبلاده إلا عن طريق الإعلام. فالرجل لم يشاهد واقعة بل حدثا، و لا يتحول هذا الحدث إلى واقعة و حقيقة قائمة إلا عن طريق الإعلام. فالواقعة هي ما تمت معالجته لإضفاء طابع عام عليه لكي يتمكن المرء من إدراكه مباشرة، و هي أيضا ما تم نقله إلى أناس كثيرين عن طريق الإعلام13. معنى ذلك أن الواقعة هي ما أضفيت عليها تلوينا خاصا غير حاضر في أعين من شاهدوا الحدث، و هي ما ألحقت بها تحليلات و حملت بمعان و مشاعر حتى تكون مادة للجمهور. و إذا لم تترجم الأحداث المشتتة و المبعثرة بهذه الطرق و الوسائل و أضفي عليها هذه الخصائص لن تصبح وقائع و لن تكون عناصر لتشكيل و بناء رأي عام.

    لم تعد شهادات هؤلاء الذين عاشوا أحداثا معينة أو شاهدوا واقعة أو مروا بخبرات حقيقية صالحة لأن تؤثر في الناس و تصبح مادة للرأي العام طالما أن أولئك لا يملكون الوصول إلى الإعلام أو التأثير فيه، ذلك لأن الإعلام أصبح هو الذي يقوم بدور نقل الخبرات الفردية إلى أحداث ووقائع عامة، و تعميم ما هو خاص و جعله عاما14. فهذه القدرة على التعميم Generalizability لم تعد ملكا الجمهور، بل ملكا الإعلام. و من هنا تستطيع وسائل الإعلام ممارسة دورها الأيديولوجي بأن تعمم مصالح معينة جزئية و خاصة ليس لها الحق في ذلك، و التعبير عن مواقف ووجهات نظر جزئية ومتحيزة بحجة أنها مواقف الكل ووجهات نظر الجميع.

    إن استقبال المرء للوقائع و فهمها و تفسيرها يعتمد على ما لديه من أنماط جاهزة صنعها الإعلام، بحيث أنه لن يصدق الوقائع التي لا تتفق مع هذه الأنماط، بل إن تلك الأحداث التي لا تتفق مع ما لديه من أنماط لن يكون لها تأثير يذكر عليه و سوف ينساها. و الحقيقة أن الأنماط التي يتحدث عنها إيلول هنا هي المقصود بالدور الأيديولوجي للإعلام، فمن أهم وظائف الأيديولوجيا أنها تشكل الإطار الذي ندرك من خلاله العالم و ننظر به إلى مجتمعنا . كما أن هذه الأنماط هي كل ما يمتلكه المرء في النظر و الحكم على الأشياء و لا يمتلك غيرها، و في ذلك يقول إيلول: "إن الحدث الذي ينقله الإعلام يطرد كل الوقائع الأخرى من مجال الإدراك" ، بحيث أن المرء لا يصدق أي شيء إلا إذا جاءه عن طريق الإعلام. فالنماذج و الأنماط الجاهزة التي يفهم بها الرأي العام الوقائع و المعلومات أهم من الواقع نفسه لأنها هي التي تشكل هذا الواقع و تصنع واقعا آخر أكثر واقعية من الواقع الحقيقي .

    رابعا: عودة للوظائف التقليدية للأيديولوجيا:

    لا يقتصر طابع وسائل الإعلام الحديثة على كونها تتخذ وظائف أيديولوجية، بل هي ترث نفس وظائف الأيديولوجيا التقليدية. يكشف الإعلام الحديث عن عودة لجميع الوظائف التقليدية للأيديولوجيا بحيث نستطيع القول أنه يشكل الممثل و الحامل الجديد لها.و سنحاول فيما يلي توضيح الملامح الأساسية للأيديولوجيا التقليدية و مدى تعبير الإعلام الحديث عنها.


    أ‌) الدال و المدلول:
    تمثل مفهوم الأيديولوجيا لدى مبحث نقد الأيديولوجيا عند التيارات النقدية في القرن التاسع عشر و النصف الأول من القرن العشرين مثل الماركسية و الاتجاه النقدي لمدرسة فرانكفورت و بعض المفكرين الآخرين مثل مانهايم و ريكور في النظر إليها على أنها تشويه يصيب العلاقة بين الذات و الموضوع. و تم النظر إلى هذه العلاقة على أنها علاقة إبستمولوجية تتم بتوسط أفكار و تصورات و مفاهيم. و تقوم الأيديولوجيا بعملها عن طريق تزييف هذه الوسائط التي هي سبيلنا لمعرفة العالم و أنفسنا. و من هنا كانت الأيديولوجيا قضية تتعلق بالتمثيل Representation أي خطأ يحدث في عملية تمثيل الفكرة للشيء أو الدال للمدلول. و إذا كان التشويه يصيب الموضوع فهو يصيب الذات أيضا، و بذلك تصبح مغتربة، أي غير قادرة على تحقيق علاقة أصيلة و حقيقية مع موضوعها . الأيديولوجيا وفق هذا التصور إذن شيء يصيب الوعي، و كانت خير وسيلة لنقد الأيديولوجيا توضيح التشويه الذي يجري على الفكرة أو التصور، و يتم ذلك بنقد محايث Immanent Critique أي النقد الذي يتتبع سير عملية التمثيل هذه من داخلها حتى يضع يده على عملية التشويه، و يتم كذلك بنوع من تطهير الوعي أو الانعكاس على الذات Self-Reflection لتخليص الوعي مما أصابه من تزييف. و لاشك أن هذا النقد للأيديولوجيا سوف يعتمد على ابستمولوجيا هيجلية-ماركسية، فهي التي تمكنه من التعامل مع مفاهيم مثل الوعي و الوعي الذاتي و الاغتراب و التشيؤ و الانعكاس على الذات.

    و الحقيقة أننا إذا فحصنا ظاهرة الاتصال التكنولوجي الحديث سنجد أن وظيفة الأيديولوجيا باعتبارها تشويها للعلاقة بين دال و مدلول تتكرر و تكتسب أبعادا جديدة. فمن المفترض أن ما ينقله الإعلام هو الواقع بحذافيره، أي دالا بريئا محايدا يشير مباشرة إلى مدلوله. إلا أن ما يحدث هو أن هذا المظهر البريء المحايد يخفي وراءه كل خدع و أوهام الإعلام . فما أدرانا أن الصور التي ينقلها الإعلام هي الواقع الحقيقي؟ لم يعد للمرء اتصال مباشر بواقع حقيقي حتى يقارن بينه و بين الواقع الذي ينقله الإعلام، فواقع الإعلام هو كل ما لديه و لا يملك إلا أن يقبله و يعترف به.

    عنصر آخر كانت تحتويه الأيديولوجيا التقليدية و لا تزال وسائل الاتصال تعبر عنه، و هو التجريد أو الاختزال. فقد نقد ماركس اقتصاد السوق لكونه يختزل كل العلاقات الإنسانية و كل النشاط البشري إلى معادل واحد Common Denominator و هو المال. ومن هنا يظهر رأس المال على أن له استقلال و منطق و قوانين خاصة به مستقلة عن مصدرها الاجتماعي و الإنساني . الإعلام الحديث أيضا يقوم بنفس الوظيفة، فهو يرد كل شيء إلى مجرد صور و مشاهد و علامات. و لا يعد لأي شيء معنى إلا إذا تم التعبير عنه بهذه الوسائل، و لا يصبح لأي خبر مصداقية إلا إذا تم نقله عن طريق هذه الوسائل. و بذلك تلغى الخبرة الشخصية و يلغى أي معنى اجتماعي أو إنساني لأي حدث إذا لم يمر من قنوات الاتصال الحديث.

    الحقيقة أن الواقع الذي تنقله وسائل الإعلام ليس هو الواقع الحقيقي المباشر بل واقعا آخر تمت معالجته و تحريره بحيث يكون أكثر واقعية من الواقع الحقيقي ، ويعبر عنه بودريار بمصطلح الواقع المفرط Hyperreality . يضرب لنا بودريار مثلا من السينما المعاصرة على الانقلاب الذي حدث للعلاقة بين الدال والمدلول. فهو يذهب إلى أن السينما مثل على هذا الواقع الفائق، هي تمثل دالا لا لمدلول حقيقي بل لدال آخر. فهي تجسيد للسيناريو الذي يعد بدوره تجسيدا لرواية. و ليست الرواية هي الأخرى المدلول الأخير بل تعد هي الأخرى دالا لخبرات و تجارب عامة.و الأكثر من ذلك أن السينما أصبحت مغرمة بذاتها، فكثير من الأعمال السينمائية في هوليود يدور حول أبطال و نجوم سابقين، وكثير من الأفلام الحديثة عبارة عن إعادة لأفلام قديمة Remaking .

    ب) صنمية الصورة :

    أدى التطور المعاصر لتكنولوجيا الإعلام و البصرية منها خاصة إلى أن تحولت الصورة من مجرد تمثيل لواقع إلى تحولها هي نفسها إلى واقع حقيقي. و يطلق بعض المفكرين على هذه الظاهرة مصطلح صنمية الصورة أو العلامة. و يعد ماركس هو أول من تكلم عن الطابع الصنمي للسلع Fetishism of Commodities . فالإنتاج الرأسمالي يظهر على أنه إنتاج لسلع تتراكم باستمرار، و تظهر هذه السلع على أن لهل قوانينها الخاصة المتحكمة فيها و هي قوانين السوق، و بذلك تبتعد عن أصلها الإنساني و يتم نسيان العلاقات الاجتماعية التي أدت إلى ظهورها و لا يظهر منها إلا وجودها المادي و موضوعيتها الزائفة. كان هذا في بداية العصر الرأسمالي، أما الآن فقد حلت الصور محل السلع. و يحلل ديبور هذا الوضع الجديد و يوضح فيه استمرار الصنمية القديمة التي كانت تعمل على مستوى السلعة و تحولها إلى مستوى الصورة . فأول مرحلة في هيمنة الأيديولوجيا البورجوازية تمثلت في انحدار الوجود الإنساني إلى مجرد التملك و تعبير المرء عن نفسه و عن عملية تحقيقه لذاته في صورة تملكه لسلع. أما الآن فقد دخل المجتمع مرحلة جديدة في الهيمنة، تلك التي تتمثل في ضرورة إثبات الملكية في شكل ظاهر، فالتملك يجب أن يكشف عن نفسه و يظهر في صورة رموز و صور. و الحاجة أيضا يجب أن يتم التعبير عنها من خلال نفس الوسائط. يقول ديبور: "إذا كانت جميع الحاجات الاجتماعية لعصرنا لا يمكن إشباعها إلا بتوسط الإعلام و تكنولوجيا الاتصال، و إذا كانت إدارة المجتمع و جميع صور الاحتكاك بين الناس لا يمكن أن تحدث إلا من خلال هذه الوسائط، فذلك لأن التكنولوجيا مهيمنة و لا يمكن الخروج عنها و محتكرة لجميع عمليات الاتصال."
    تعد تكنولوجيا الإعلام الحديثة نهاية لمشروع نظرية المعرفة الحديثة و الفلسفة الغربية ذاتها. فقد كان الفكر الغربي يلتف حول هدف أساسي و هو أن تكون العلامة قادرة على الإشارة إلى عمق المعنى و جديرة بتمثيله، سواء كانت هذه العلامة مفهوما أو فكرة أو نظرية. أما الآن فقد حلت الصورة محل أي علامة أخرى يمكن أن تعبر عن المعنى أو الواقع. فللصور قدرة فائقة على أن تحل محل الواقع و أن تصبح محاكاة زائفة Simulacra . و هي بذلك تعلو على القدرة التمثيلية للفكرة أو المفهوم. فإذا كان التمثيل Representation يفترض أن العلامة القائمة بالتمثيل و الواقع شيء واحد، فإن المحاكاة Simulation ، و هي العملية التي تقوم بها الصور، تقدم الواقع بأحسن مما هو عليه، أي تقدمه بصورة واقعية أكثر من التي هو عليها .

    و إذا كانت صنمية السلع هي الطابع الأساسي للمجتمع الرأسمالي فإن الذي يساعد الآن على انتشارها هو الإعلام نفسه، فقد أصبح هو المصنم الأكبر Fetishizer . فنحن نتعرف على السلع من خلاله، و هو الذي يحول القيمة الاستعمالية إلى قيمة تبادلية .

    ج) جمهرة الأفراد و فردنة الجمهور:

    يتسم المجتمع الرأسمالي بأنه يقوم بعمليتي التفتيت Fragmentation و التشميل Totalization في نفس الوقت، فهو يعامل الفرد على أنه جزء من جمهور أكبر منه، و يعامل الجمهور على أنه ليس إلا مجموع من الأفراد، و بذلك يطمس الفروق الواضحة بينهما و يقضي على الخواص المميزة لكل منهما، و يضيع فردية الفرد بإلحاقه في جمهور و يضيع أي ترابط أو وحدة ممكنة للجمهور بتفتيته إلى حشد من الأفراد. و قد وضع ماركس يده على هذه الظاهرة و حللها في جانبها الاقتصادي. فالتقسيم الرأسمالي للعمل يؤدي إلى تفتيت عملية العمل إلى أجزاء متناهية في الصغر إلى الدرجة التي لا يصبح العامل عندها مدركا لكيفية إسهام عمله في عملية الإنتاج الكلية و لا يعد متحكما فيه. و على جانب آخر تلحق هذه العملية الاقتصادية العامل بنظام كلي و طاغ من الإنتاج الرأسمالي الذي يتحكم فيه . فعملية العمل في ظل النظام الرأسمالي تتسم بأنها مفتتة Fragmentizedو مشملة Totalized في نفس الوقت، مفتتة لأنها تفتت العملية الإنتاجية و العامل معها، و مشملة لأنها تلحق العامل بنظام شامل يسيطر عليه.

    ورث الإعلام الحديث نفس هذه الوظيفة المزدوجة للنظام الرأسمالي، و خاصة في أحد أهم جوانبه، أي باعتباره مشكلا للرأي العام و لاتجاهات الجماهير. فلكي يقوم الإعلام بذلك فيجب عليه أن يكون مجزِئًا و مشملا في نفس الوقت. لا يشتغل الإعلام على الفرد وحده أو على الجمهور وحده، فالفرد الوحيد ليس له أهمية بالنسبة للإعلام، و لا يشتغل أيضا على الجمهور وحده لأن الجمهور ليس كيانا قائما بذاته بل هو مكون من أفراد. أي أن الإعلام يعامل الفرد على أنه جزء من جمهور و يعامل الجمهور على أنه ليس إلا مجموعة من الأفراد. و هذا يعني أن الإعلام لا يبرز من الفرد إلا ما هو شائع و قياسي و مشترك مع الأفراد الآخرين ، أما ما يجعله فردا متمايزا و مختلفا فينحيه الإعلام جانبا و يلغيه. و بذلك يتم إدماج الفرد في الجماعة Integration و إضفاء الطابع العادي عليه Normalization . فعندما يعامل الفرد على أنه جزء من جمهور تضعف مقاومته لتأثير هذا الجمهور عليه. فالمستمع إلى الإذاعة أو مشاهد التليفزيون على الرغم من أنه يمكن أن يكون وحيدا و منعزلا بالفعل أثناء الاستماع أو المشاهدة إلا أن الإعلام يؤكد له دائما أنه جزء من كل أكبر منه.

    د) تخصيص العام و تعميم الخاص:

    تناول نقاد الرأسمالية من اليسار و اليمين على السواء أحد أهم سمات المجتمع الرأسمالي و هي الخلط بين المجال العام و المجال الخاص و طمس الملامح الخاصة بكل منهما. فهذا المجتمع ينظر إلى مشكلة مثل مشكلة البطالة مثلا على أنها مشكلة فردية ناتجة عن نقص في قدرات و مواهب الفرد و كفاءته، و لا يفسرها بإرجاعها إلى عواملها الاقتصادية و البنائية ، و ينظر إلى اضطرابات الشخص وأزماته النفسية على أنه هو المسئول الأول عنها، أي أنها نتيجة خبرات و تجارب فردية مؤلمة، و لا يفسرها على أنها نتيجة البيئة الاجتماعية المحيطة به. فالمشكلات ذات الأسباب العامة يحولها إلى المجال الخاص. و على الجانب الآخر ينقل المجتمع الرأسمالي خبرة و رؤية طبقة واحدة فيه و هي البورجوازية إلى باقي طبقات المجتمع و يعممها عليه، و بذلك تتحول مفاهيم البورجوازية عن الحق و العدل و الخير إلى مفاهيم عامة و تنزع نحو الحصول على الصلاحية الكلية في حين أنها لا تخص إلا طبقة واحدة . و حتى الأساليب الفنية و معايير الجمال الخاصة بالرؤية البورجوازية يتم تعميمها على مستوى المجتمع كله. و بذلك تفرض البورجوازية رؤيتها و فكرها على باقي الطبقات، و تكون الأفكار السائدة هي أفكار الطبقة السائدة.

    يتخذ الإعلام أيضا نفس هذه الوظيفة القديمة للأيديولوجيا البورجوازية. يذهب ماكلوهان إلى أن الإعلام يجعلنا سكان قرية واحدة و ذلك نتيجة السرعة التي يتم بها نقل الأخبار و المعلومات و نتيجة لانتشار وسائل الإعلام ووصولها إلى كل بقعة من الأرض. و على الرغم من أن هذا يعد جانبا إيجابيا إلا أنه يخفي الجانب السلبي، و يتمثل في أن الإعلام بذلك يحمل نفس طابع كل خطاب أيديولوجي. صحيح أن الإعلام يحول العالم إلى قرية واحدة إلا أن ذلك يعني في نفس الوقت أنه يقضي على الاختلافات و التمايزات الثقافية و الحضارية لكل الشعوب، و يعمل على إدماجها في ثقافة واحدة و هي ثقافة الغرب بالطبع .

    و على الجانب الآخر يلعب الإعلام على رغبة المرء في توكيد وإثبات ذاته و ذلك بأن يبعد الحياة اليومية عن ارتباطها بأي أبعاد سياسية و اجتماعية و يضفي عليها الطابع الشخصي و الخاص Private ، و يجعل الفرد يتوهم بأنه يمكنه تحقيق ذاته عن طريق امتلاك موضوعات استهلاكية. و في نفس الوقت يقوم الإعلام بإقناع المشاهدين أن فرديتهم و هويتهم تضمنها الثقافة ككل، أي الثقافة باعتبارها إطارا حاويا للفرد ويوفر له الشعور بالانتماء. فالفرد هنا هو المتوافق و المنسجم مع ثقافته، أي مع النظام القائم، لا المختلف معه أو المعارض و المواجه له .

    خامسا: نقد الأيديولوجيا من الماركسية الهيجلية إلى ما بعد البنيوية:

    لاحظنا مما سبق أن تحليل الدور الأيديولوجي للإعلام انتقل من مفاهيم مثل الاغتراب و التشيؤ و الوعي الزائف إلى مجموعة أخرى من المفاهيم مثل الدال و المدلول و العلامة و الصورة و الرمز. و الحقيقة أن هذا الانتقال يعد انتقالا من نقد الأيديولوجيا المستند على ابستمولوجيا ماركسية هيجلية و السائد لدى شخصيات مثل ماركس و لوكاتش و فلاسفة مدرسة فرانكفورت و ريكور، إلى ابستمولوجيا أخرى يمكن أن نطلق عليها ما بعد بنيوية Post-Structuralist ، و من أهم أعلامها بارت و فوكو و ليوتار و بودريار و أمبرتو إيكو. يوازي هذا التحول تحولا آخر حدث في الفكر المعاصر من نموذج فكري يستند على فلسفة في الذات أو الوعي إلى نموذج آخر يستند على فلسفة اللغة، و هو ما يعرف بالتحول اللغوي Linguistic Turn .

    أدى هذا التحول إلى تغيير مماثل في موضوع الأيديولوجيا، فقد تحولت من تزييف للوعي إلى تزييف للعملية الإدراكية نفسها. فلم يعد التزييف يجري على العلاقة المعرفية بين الذات و الموضوع، بل على عملية إدراك العلامة التي تشير إلى الموضوع أو الدال الذي يشير إلى المدلول. و من هنا نستطيع القول أن أعمال سوسور و دريدا ذات أهمية كبيرة إذا كان علينا تناول الدور الأيديولوجي للإعلام. هذا بالإضافة إلى أن السيميولوجيا و هي العلم الذي أسهم في تطويره بارت و لاكان و بودريار و إيكو، ذات إمكانات واعدة تمكننا من أن نستقي منها نظرية في نقد الأيديولوجيا تضع في اعتبارها الوسط الإعلامي الجديد الذي تنتشر فيه الأيديولوجيا.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de