|
د. حيدر إبراهيم علي :انهضوا أو كرّموا هذه الجثة بالدفن!
|
وصلنى هذا المقال من صديق،اعتقد انه نشر فى سودانايل
Quote: يفترض في أية فترة انتقالية انها سوف تمهد وتهيئ الظروف لوضع افضل من السابق، لان فكرة الانتقال تقوم على اختلاف المرحلتين ولكن تتفق الاطراف على فترة تحول تدريجي لتجنب مشكلات فجائية التغيير، وفي كل الاحوال يجب ان تكون الفترة الانتقالية حداً فاصلاً بين ما قبل وما بعد المرحلة القادمة. والا سيكون السؤال الانتقال الى ماذا لو تشابهت المراحل؟ فالانتقال هو توجه نحو الجديد ونحو التغيير - حتى ولو كان نحو الأسوأ لذلك تختلف كثيراً الوضعية الحالية في السودان، اذ منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في يناير الماضي، ظل النظام وحزب المؤتمر الوطني يبحثان عن انجع الوسائل للاستفراد بالحكم وعزل الخصوم وتقسيم مناطق النفوذ بين الشمال والجنوب. وتمارس الانقاذ وحزبها ما يمكن ان يسمى بالتمكين الثاني او التمكين داخل التمكين. فهناك ظروف مختلفة فيها قدر اجباري من الانفتاح ورقابة مباشرة وغير مباشرة من الخارج بل تدخل دولي قد ينشط في اي لحظة وهذا وضع يفرض على التمكين الثاني وسائل جديدة غير بيوت الاشباح والفصل الجماعي باسم الصالح العام وتهجير المواطنين الى الخارج ولكن النتيجة واحدة هي عزل وتهميش المعارضين وقمعهم بادوات ناعمة مثل الترغيب والشراء وقد يكون الحكم بالعقد السياسي للخليفة معاوية - حسب الجابري- يقوم على المنفعة أي «المواكلة الحسنة والمشاربة الجميلة» ولكن الانقاذيين فاقوا معاوية فقد كان يقصد ان يشاركه الآخر في ثمار السلطة اي الغنيمة ولكن ليس في ممارسة السلطة السياسية نفسها. وهو القائل: «إني لا احول بين الناس وبين ألسنتهم مالم يحولوا بيننا وبين سلطاننا»، وهذا ما ستفعله الانقاذ خلال الفترة الانتقالية للناس ان يقولوا وهي ستفعل ما تريد. كانت بداية الاستفراد والاستباحة مع وضع الدستور اذ كانت السلطة بين خيارين قومية الدستور ام حرفية الاتفاق التي لا يضرها التعديل في زيادة نسب المشاركة. ولكن ارادت الانقاذ ان تقول لمعارضيها الشماليين عليكم من الآن ان تلعبوا دور الرعية وليس المواطنين ومن ميزات الانقاذ التي لا تنكر انها تعرف قدر معارضتها جيدا وهذه من نعم الله على النظم الاستبدادية وبالفعل مضت الانقاذ مع شريكها الجديد - الحركة الشعبية في اجازة الدستور، وهرولت المعارضة الممثلة في التجمع الوطني في اللحظات الاخيرة لتضفي على الدستور طابع القومية واخراجه من مأزق الثنائية والشرعية الناقصة جزاها - اي المعارضة- كل خير على خدماتها لخصومها وبعد ان نجحت الانقاذ في تمرير الدستور، وكان هذا هو الاختبار الذي يشبه عملية قتل القط في الزواج. انطلقت الانقاذ في تنفيذ سياسة التمكين الثانية من خلال اجازة سلسلة طويلة من القوانين المقيدة للحريات والممكنة لسلطة شمولية جديدة، وهي ما اسماها هيقل دكتاتورية الفراغ الشامل حيث يهيمن التعسف والاستبداد في غياب المؤسسات الديمقراطية الحقيقية وتهدف مضامين هذه القوانين الى خلق هذا الفراغ الشامل بغياب الآخر ويهمني في هذا الصدد قانون تنظيم العمل الطوعي الانساني لسنة 2005م والذي يضرب عملية التحول الديمقراطي من خلال تأميم المجتمع المدني وحرمانه من العمل المستقل من خلال الحاقه بوزارة الشؤون الانسانية او الوزارة المسؤولة عن الشؤون الانسانية، حسب التشكيل الوزاري القادم. ويلاحظ العجلة في التوقيع على المرسوم المؤقت يوم الرابع من اغسطس، بينما رائحة حرائق الخرطوم مازالت تملأ الجو. وبالمناسبة تمتلك الحكومة الاغلبية في البرلمان القادم ويمكن لها بسهولة تمرير قوانينها المؤقتة. اعتقد بعض اصحاب النوايا الحسنة ان الانقاذ بعد كل هذه السنوات والابتلاءات كما يقول اهلها- قد تفكر قوميا اي في السودان- الوطن وليس في الحرب- الغالب. ولكن الانقاذ بكثير من الاستخفاف بهذا الشعب اليتيم الذي لا يحميه سياسيو المعارضة ولا يحترمه حكامه- شكلت هياكل الحكم والتشريع بمنتهى الاقصائية والاستفراد والاستباحة. أعنى بذلك ابعدت الكثيرين واحتفظت بمجموعة «clique» ظلت تعيد انتاج نفسها منذ صبيحة 30 يونيو 1989م تناقصت ولكن لم تتجدد. واقصد بالاستفراد لم تستشر في تعيين الولاة ونواب المجلس الوطني الانتقالي وبالتأكيد نفس الشئ للوزارة اما الاستباحة فقد عبر عنها احد الولاة حين طلب منه الاستقالة بسبب التقصير. فكان رده انه معين من تنظيمه والتنظيم وحده له الحق في طلب استقالته. ولم يجد الوالي من يسأله: هل تحكم اعضاء تنظيمك فقط ام تحكم مواطنين من الشعب السوداني يحق لهم مساءلتك ومحاسبتك؟ وهذا اخطر مافي السلوك السياسي لاعضاء الحزب الحاكم، يرفضون اي مساءلة شعبية حتى قضايا الفساد لا يهتمون بها طالما التنظيم يمكن ان يعطي وزراءه مكافآت وامتيازات جديدة بسبب فسادهم! هذه هي الاستباحة للوطن وليس مجرد عملية دكتاتورية او ديمقراطية بل هناك مجموعة حاكمة حولت الوطن الى مزرعة حيوان جديدة... هذا هو معسكر النظام والمؤتمر الوطني، يعرف ما يريد وينفذ خططه في غياب اي مقاومة او معارضة فعالة. اكرر ان هذا الشعب يتيم في مأدبة اللئيم لا يجد من يرحمه فالتجمع الوطني المعارض لابد من مساءلته ومحاسبته لماذا فشل في اسقاط النظام واقتلاعه من الجذور؟ هل كان يضلل الشباب الذي قدم تضحيات وصلت حد الموت في سبيل قضية الديمقراطية؟ وماذا يقول لعشرات الآلاف الذين دفعهم اليأس والاحباط الى غربة بعيدة وقاسية ومهينة في العالم الجديد؟ لا اريد الدخول في التفاصيل الدقيقة والمؤلمة ولكن لابد ان يسارع التجمع بعقد مؤتمر لا من اجل مناقشة النسب والمشاركة، ولكن لتقديم نقد ذاتي شجاع وان تحترم قيادته نفسها وان تحترم جماهيرها بتقديم تقييم عملها والاقرار بفشلها كان التجمع يحتضر وكان ينتظر ان تنقذه اتفاقية القاهرة والآن بعد شهر الضياع والاذلال في الخرطوم نحن امام جثة سياسية لابد من اكرامها بالدفن وبالبحث عن بديل يتبرأ من تاريخ التجمع. وبينما يلهث التجمع حول النسب كان النظام يمارس الاستباحة في موضوع وزارة الطاقة والتعدين ولم ينتهز هذه الفرصة لتعرية النظام ونهمه للسلطة والثروة، والاهم من ذلك الخفايا التي قد تكشفها ايلولة هذه الوزارة للحركة الشعبية . متى وحول ماذا سينطق التجمع اذا لم يتصدَ لمثل هذه القضايا؟ وفي نفس الوقت لم يعبر عن اي موقف تجاه القوانين المؤقتة بالذات قانون تنظيم العمل الطوعي الانساني كان نظام الانقاذ الخبيث يلوح له بالمشاركة في السلطة، لذلك لم ير التجمع الجثة ما حوله. تأكدت وفاة التجمع الوطني بمشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي في الحكومة الانتقالية فقد جاء في اخبار اليوم الاثنين على لسان رئيس المكتب التنفيذي احمد علي ابوبكر في تصريحات تلت الجلسة التي عقدتها لجنة الخمسة مع المؤتمر الوطني يوم 4/9/2005م ان قرار المشاركة جاء بالاجماع، واضاف ان القرار لا يعني الخروج عن التجمع وان الحزب مازال وسيظل عضوا اصيلا فيه «صحيفة الرأي العام 5/9/2005م» ومن الواضح ان الحزب يستبق اجتماعات هيئة القيادة المتوقع عقدها خلال ايام وللقارئ ان يتصور ان التبرير ورد الفعل الذي يفترض ان يقوم به التجمع اناب عنه نافع علي نافع، تقول الاخبار ان نافع دافع عن قرار الحزب الاتحادي بالمشاركة في السلطة الاتحادية والولائية وعده جاء في اطار التجمع الوطني معرباً عن دهشته للاصوات التي اعتبرت التفاوض بين الحزبين يتم خارج اطار التجمع وقال للصحافيين ان التجمع ليس حزبا وانما هو تحالف لافتا الى ان الحزب الاتحادي هو صاحب الثقل الاكبر فيه وظل يتفاوض مع كل القوى الى ان انجز اتفاقيتي جدة والقاهرة. واردف ان الحزب الاتحادي هو الحزب الوحيد الذي ظل عند التزامه الكامل باطار التجمع ودخل باسمه كل الحوارات التي دارت الى ان وصل الاتفاق النهائي «نفس مصدر الصحيفة سابق الذكر». يمكن اعتبار هذا التصريح اصدق واجود تحليل عن التجمع الوطني والحزب الاتحادي، والقائل يعرف الاثنين جيدا من خلال معلومات لا تصل للكثيرين وله الشكر ايضا على هذا التأبين الذكي فالخطأ الرئيسي في نشأة ثم حركة التجمع تكمن في تنازل القوى الحديثة في البداية عن قيادة التجمع وترك الامر للقوى التقليدية وكان الشيوعيون واليساريون والتقدميون في التجمع ان لديهم القدرة على تحريك وتوجيه مولانا ولكن السيد محمد عثمان الميرغني وضع الجميع داخل قفطانه وسار بهم في كل الاتجاهات ولم يرتفع اي صوت للنقد. كان بعضهم يبرر هيمنة مولانا والحزب الاتحادي بأنها محاولة لكي لا يقع وحزبه في احضان الجبهة وفي فترة لاحقة تضايق التجمع من وجود السيد الصادق المهدي باعتباره مشاغباً ولا يمكن استثنائه فاجبر على ترك التجمع، واذكر في القاهرة ان بعضهم وزع باقات ورد واطلق الزغاريد يوم انسحب حزب الامة. تمسك بالتجمع - رغم تدهوره- بعض التنظيمات الجماهيرية الضئيلة والتي لم تصل عضويتها في يوم من الايام الى خمسين عضواً وحين صاروا اعضاء في التجمع رفعوا صوتهم عالياً ضد كل من ينتقد. وهذه انتهازية مريرة لا تضع اي اعتبار لمصالح الشعب. ان الوضع حرج وهذا الفراغ غول يلتهم كل الوطن، لذلك جاءت الدعوة للنهوض. وهذا لا يمكن ان يحدث الا اذا دفنت جثة التجمع اي دفن التجربة القديمة بكل اخطائها وسلبياتها. ولا يمكن ان يترك هذا الشعب دون تنظيم او قيادة طليعة في حجم القادم، حتى النظام يدعو الى وجود معارضة رشيدة وهو يقصد معارضة من نوع تجمع الماضي ولكن ما نريده معارضة فعالة ووطنية قادرة على انجاز مهام التحول الديمقراطي الحقيقي ووضع السودان في القرن الحادي والعشرين بما يعني من تنمية وعقلانية وتنوير |
|
|
|
|
|
|