جيرار برونييه :دارفور، وقائع "إبادة جماعية غامضة"..أبعد من الاهتياج الدبلوماسي

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 05:51 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عصام جبر الله(esam gabralla)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-27-2007, 10:58 AM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
جيرار برونييه :دارفور، وقائع "إبادة جماعية غامضة"..أبعد من الاهتياج الدبلوماسي

    عن لوموند ديبلوماتيك

    Quote: في قمّة فرنسا-إفريقيا في مدينة كان في 14 شباط/فبراير، تعهّد السودان والتشاد وإفريقيا الوسطى، الذين يهزّهم الصراع في دارفور، باحترام سيادة جيرانهم. ولكن الهيجان الدبلوماسي يخفي أزمةً في السياسة الدولية ترتكز على رهانات نفطيّة. وقد أودت المجازر في دارفور حتّى الآن بأربعمئة ألف ضحيّة.


    هرب مليونا شخص من دارفور (شمال غرب السودان) منذ العام 2003، و250 ألفاً منذ آب/أغسطس 2006 [1]؛ وقد أثّر تدفّق هؤلاء اللاجئين على توازن التشاد. وفي غضون أربعة أعوام، أوقع الصراع 400 ألف قتيل؛ واضطُرّت فرق المساعدة الإنسانية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة والمنظّمات غير الحكوميّة إلى تغيير مواقع مخيّماتها مرّات عدة، هرباً من أعمال العنف. الأمر الذي لم يمنع اعتقال العديد من موظّفيها من قبل الشرطة السودانية، وضربهم بأعقاب البنادق، في 19 كانون الثاني/يناير في مدينة نايلا. وقُتِلَ أثني عشر عاملاً في المضمار الإنساني خلال المجازر واختفى خمسةٌ آخرون.

    تُبرّر الخرطوم عمليات القصف الجويّ المستمرة من خلال خلط الضحايا بالمتمرّدين الذين رفضوا توقيع "اتفاقية أبوجا للسلام"، في 5 أيار/مايو 2006 [2]. وفي الواقع، تسعى الحكومة السودانية بشكلٍ خاص إلى منع المحاربين من عقد مؤتمرٍ مخصّص لتوحيد حركتهم، ومحاولة إعادة المفاوضات بدعمٍ من "المجتمع الدولي" [3].

    وفي مواجهة وقائع مأساةٍ مُعلَنَة، تعتمد منظمة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي بشكلٍ أساسي إجراءات رمزية ومُماطِلَة. فمنذ سنتين، نُشِرَت في دارفور قوةٌ أفريقية مُشتَرَكة (البعثة الأفريقية في السودان) تضمّ 7500 رجل. وقد اتّضح بأن هذه القوة المؤلَّفَة من مجنّدين قادمين من عشرة دولٍ أفريقية (من رواندا ونيجيريا خصوصاً)، معدومة الفعالية تماماً. وفي الواقع، إنّ عديدها ضيعفٌ: إذ هنالك حاجةٌ إلى 30 ألف رجل على الأقلّ لتغطية دارفور بأكملها التي تبلغ مساحتها 500 ألف كلم مربّع.

    من جهةٍ أخرى، البعثة الأفريقية في السودان، غير المجهَّزة بشكلٍ كافٍ، لا تتمتّع سوى بتفويضٍ محدودٍ ومثيرٍ للسخرية. إذ لا يحقّ للجنود القيام بدوريّاتٍ هجوميّة، وعليهم الالتزام فقط بـ"التفاوض" والاكتفاء، في واقع الحال، بإحصاء المجازر. أخيراً، تفتقر القوّة الدولية إلى تصميمٍ سياسيّ لوضع حدّ لعمليّات القتل التي يرفض كل من الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، بإصرار وعلى الدوام، وصفها بالـ"مجازر". والجنود الأفريقيّون أنفسهم يصرّحون سرّاً بعد أن أُصيبوا بالخيبة: "لا حاجة لنا".

    تُموَّل البعثة الأفريقية في السودان، بشكلٍ شبه كاملٍ، من قبل الإتحاد الأوروبي (لكن تساهم الولايات المتحدة هامشيّاً في تمويلها). في وجه الغياب الكامل لأيّة نتائج، قرّرت الأمم المتحدة، في 31 آب/أغسطس 2006، نشر قوّة تدخّل. لكنّ هذا القرار (رقم 1706) لم يُقابَل أبداً بأيّة بادرةٍ لتطبيقه، لأنّ الحكومة السودانيّة، التي تُعتبَر موافقتها ضروريّة، تعارضه. وقد توالى الزوّار الدبلوماسيّون إلى الخرطوم ساعين إلى حمل الرئيس عمر البشير على تغيير رأيه. ولكن هذا الأخير واجههم باعتراضاتٍ مفاجِئة: إذ يتّهم الأمم المتحدة بأنّها "تريد إعادة استعمار السودان"، ويدّعي بأنّ هذه القوّة ليست في الواقع سوى "غطاءٍ"، لكي يتمكّن الغربيّون من "وضع اليد على النفط السوداني" [4]، ويتحدّث عن الإيدز "الذي تنشره القوّات الدوليّة" [5] ويهدّد بإطلاق "وحدات خاصّة لتنفيذ عمليّات انتحاريّة كما في العراق" في مواجهة جنود السلام.

    شبح سلوبودان ميلوسفيش يؤرق كوابيس الإسلاميين المتطرّفين
    لا شكّ أنّ لا علاقة للحقيقة بتلك "التبريرات" الخياليّة. فالسيّد يان برونك، الممثّل الخاصّ السابق للأمين العام الأمم المتحدة كوفي أنان في السودان، والذي نَفَتْه الخرطوم في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لانتقاده علناً الجيش السوداني، كشف الأمور على صفحته الخاصّة على الإنترنت: "أفصح لي مسؤولون رفيعو المستوى في الحكومة السودانية، أكثر من مرّة، أنهم قارنوا المخاطر التي قد تترتّب عليهم إذا ما امتثلوا إلى مطالب مجلس الأمن مع تلك التي قد تنتج عن رفضهم لها. فعدم الانصياع يعني خطر المواجهة مع المجتمع الدولي. لكنّ الانصياع قد يشكّل خطراً آخر، وهو تقدّم المعارضة الداخليّة وخطر خسارة السلطة. قالوا لي بأنهم درسوا تلك المخاطر واستنتجوا: أنّ تلك التي قد يتعرّضون لها بفعل الإذعان هي أكبر بكثيرٍ من تلك التي قد يواجهونها من خلال الرفض." ثمّ توصّل السيّد برونك إلى الخلاصة التالية: "لقد كانوا على حقّ".

    إذ يخشى النظام السودانيّ من أن تشكّل قوات الأمم المتحدة الذراع التنفيذيّة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة الموجودة بحوزتها منذ سنتيْن، كما نعلم، لائحةٌ بأسماء مجرمي الحرب التي قامت الأمم المتحدة بجمعها. ومع أنّه لم يتمّ أبداً الإعلان عن تلك اللائحة، يُعتقَد بأنّ العديد من القادة السودانيّين، الرفيعي المستوى، وربما الرئيس البشير نفسه، مدرجون عليها. وفي حال أُجريت تلك المُلاحقات، ستؤمّن دعماً قويّاً للمعارضة السياسيّـة وسيراود شبح سلوبودان ميلوزيفيتش كوابيس الإسلاميّيـن المتطرّفين.

    لكن، في حين يستمرّ النظام برفض انتشار قوّة تابعة للأمم المتحدة، فهو يشجّع "المجتمع الدولي" على الاستمرار في تمويل البعثة الأفريقيّة في السودان. تحديداً لأنّها لا تصلح لشيء! ويعكس هذا "التدبير" رياءً تمّ التفاوض عليه، لأنّ الأوروبيّين والأميركيّين يَعون تماماً عدم فعاليّة القوّة الأفريقيّة ويدّعون تجاهل الأمر. وهكذا تهدف هذه التحرّكات الصوريّة إلى الإيهام بأن شيئاً ما يقام به. فقد أعلنت لندن، في 23 كانون الثاني/يناير، عن تخصيص 15 مليون جنيه إضافيّ إلى البعثة الأفريقيّة في السودان، في حين يُصرّح الدبلوماسيّون البريطانيّون، في الجلسات المُغلَقَة، بأنّه لا يجب ترقّب أيّ شيءٍ من القوّة الأفريقيّة لحماية المدنيّين من التعدّيات التي تمارسها جماعة الجنجويد في دارفور.

    وفي مواجهة وضعٍ مسدودٍ إلى هذا الحدّ، توصّلت الأمم المتحدة في نهاية المطاف إلى مبدأٍ جديد: وهو "التهجين". بما أنّ الخرطوم ترفض قوّةً تابعة للأمم المتحدة وتقبل بقوّةٍ أفريقية، فربّما يمكن حملها على الموافقة على قوّةٍ تجمع القوّتيْن: الأفريقية وتلك التابعة للأمم المتحدة. ولكن كيف ستتشكّل تلك القوّة تحديداً؟ من خلال ضمّ 103 ضبّاط شرطة و20 موظّفاً إدارياً تُرسلهم الأمم المتحدة من نيويورك! وداخل مكاتب المنظمة الأممية والإتحاد الأفريقي، يتظاهر المعنيّون بالتشاور بجدّيةٍ حول المعيار الفعليّ وقدرات تلك "القوّة الهجينة". وفي 28 كانون الأوّل/ديسمبر 2006 وافق النظام الإسلاميّ على هذا الاقتراح، عالماً جيّداً بأنه مجرّد جهدٍ ضائع وعاملاً لكلّ يظلّ كذلك.

    كيف يمكن تفسير تصرّفٍ جبانٍ إلى هذا الحدّ من قبل "المجتمع الدولي"؟ هو أوّلاً نتيجة للموقف الأميركيّ الذي يشكّل مزيجاً من المهارة الزائفة والخطاب المزدوج والعجز الذي تفضحه تأنيبات قاسية اللّهجة. فمنذ 11 أيلول/سبتمبر 2001، تعتبر واشنطن أنّ الخرطوم "اشترت لنفسها سلوكاً حسناً"، من خلال تعاونها في محاربة الإرهاب. وفي الواقع، صنعت أجهزة المخابرات السودانيّة ما يشبه لعبة "الشرطيّ الصالح، الشرطيّ السيّئ"، يقوم فيها السيّد نافي علي نافي، وزير الداخلية السابق ومستشار الرئيس بشير، بدور الشرّير، في حين يلعب مساعده السيّد صلاح عبد الله "غوش" دور الرجل الصالح. وإذ يتمّ تصوير السيّد نافي على أنّه "متطرّف"، يُدعى "غوش" - مع أنّه أحد المُمتهِنين الأساسيّين للقمع في دارفور- إلى تبادل وجهات النظر مع وكالة الـ"سي أي آي" ويُخَصّ بدور الحليف في "الحرب على الإرهاب".

    النتائج العمليّة لهذا التعاون المشبوه لم تظهر بعد. وتصريحات واشنطن لا تزال جازمة لكن دون أن تُستتبَع بأيّ إجراءٍ ملموس، حتّى عندما يحضّ الحُلفاء السياسيّون للرئيس بوش هذا الأخير على اتّخاذ الإجراءات. هكذا، تبنّى الحاكم الجمهوريّ، أرنولد شوارزنغر، قانوناً يُلزم الهيئات العامّة الكاليفورنيّة بيع أسهمها في الشركات الأميركية أو الأجنبية العاملة في السودان. سياسة نزع الاستثمارات هذه، التي سبق أن سمحت للمدافعين عن حقوق الإنسان بإرغام الشركة النفطيّة الكنديّة تاليسمان للطاقة على التخلّي عن أعمالها في السودان في العام 2003، لم تحظَ بدعم البيت الأبيض. والضحيّة الأولى للازدواجيّة الأميركيّة كانت المبعوث الخاصّ للرئيس بوش، المدير السابق للوكالة الأميركيّة للتنمية الدولية (USAID) [6]، أندرو ناتسيوس، الذي لجأ، بعد استنفاذه كافّة الوسائل، إلى تهديد الرئيس البشير بتطبيق "خطّة ب" سرّية في حال اتّضح أنّ "الخطّة أ" (انتشار القوّة التابعة للأمم المتحدة) مستحيلة. لكنّ السيّد ناتسيوس بدا عاجزاً عن إعطاء أيّ تفصيلٍ، حول تلك الخطّة البديلة، إلى الصحافيّين الذين ألحّوا عليه بالأسئلة...

    أمّا الصين، الفريق المُستتر إنّما صاحب الدور الأساسي في الوضع الجيوسياسي السوداني، فلها ضلعٌ في الجمود الدوليّ في دارفور. فالخرطوم هي شريكة الصين التجاريّة الثانية في القارّة الأفريقية بعد أن شكّلت المبادلات الثنائيّة 2,9 مليار دولار في العام 2006 واشترت بكين 60% من النفط السودانيّ. كما تبرز الصين كالمموِّن الأوّل بالسلاح لنظام البشير. وبنادقها هي التي تُستخدَمُ للقتل في دارفور. وفي زيارة له إلى السودان في أوائل شباط/فبراير، اكتفى الرئيس هو جينتاو بالمحادثات التجارية وبزيارة موقع سدّ ميروي الكهرمائيّ الجديد (1,8 مليار دولار) الذي موّلته بكين. وقد "أوصى" فعلاً الرئيس البشير بالموافقة على انتشار قوّات الأمم المتحدة، لكنّه لم يكن مقنعاً، لدرجة أنّ نظيره السوداني كان محقّاً في القول أنّه لم "يشعر بخضوعه لأيّ نوعٍ من الضغوط". وفي الأمم المتحدة، طالبت بكين، بلطافة، أن يتمّ "احترام السيادة الوطنيّة السودانيّة" بالرغم من القرار 1706.

    وعلى مسافةٍ بعيدة خلف أميركا والصين، تعمل باريس في الظلّ لمساعدة زبائنها الإقليميّين المُهدَّدين من قبل النظام السودانيّ. وقد حَمَت باريس الخرطوم، لمدّة طويلة، من العدائيّة "الأنكلوساكسونيّة"، لكنّ النظام الإسلاميّ لم يبادرها أبداً بعرفان الجميل. فالامتيازات النفطيّة لشركة توتال في جنوب السودان لا تزال مجمَّدَة بفعل اجتهاداتٍ قضائيّة؛ كما تسعى ميليشيات النظام إلى زعزعة حلفاء فرنسا انطلاقاً من دارفور: رئيس التشاد ايدريس دبّي ونظيره في إفريقيا الوسطى فرانسوا بوزيزي.

    تزايد أعمال العنف على الحدود في ظلّ مصالحٍ نفطيّة متضاربة
    في الواقع ، إنّ السيّد دبّي، وبالرغم من تكذيبه لذلك، يدعم الحركة الثوريّة في دارفور التي تضمّ العديد من المحاربين من إثنيّة "الزغاوة" التي ينتمي إليها. والقوّات الفرنسيّة تؤمّن الدعم اللوجستي لجيش التشاد الذي يحارب المتمرّدين المدعومين من الخرطوم؛ كما أنّها انخرطت في شمال جمهورية أفريقيا الوسطى، في كانون الأول/ديسمبر 2006، في عمليّات قصفٍ ومعاركٍ على الأرض، من أجل طرد متمرّدين آخرين تدعمهم الخرطوم. لكن، وراء هذا العنف الحدوديّ، تبدو الرّهانات النفطيّة حقيقيّةً. فقد كانت علاقات الرئيس التشادي متوتّرة مع الشركات الأميركيّة التي تستثمر ذهب بلاده الأسود والتي هدّدها بالطرد [7]. وفي نيسان/أبريل 2006، كان المتمرّدون الذين وصلوا إلى ضواحي "إنجامينا" مزوّدين بأسلحةٍ صينيّة. فهل تسعى بكين إلى الإطاحة بالأنظمة القائمة في أفريقيا الاستوائيّة؟ [8]

    تتحدّث الأمم المتحدة عن "تطهيرٍ عرقيّ" في دارفور؛ لكنّها، على غرار الإتحاد الأفريقي، لا تستخدم عبارة "إبادةٍ جماعيّة". تمّ تقديم العديد من الحجج لتبرير هذا التحفّظ، خاصّةً الخُرافة القائلة بحصول "مواجهات قَبَليّة" مُرتبطة بتقهقر ظروف منطقة الساحل المناخيّة، ما يحمل الرُعاة من البدو العرب إلى المواجهة مع الفلاّحين المقيمين السود من أجل وضع اليدّ على المراعي. وعلى غرار كافة الكليشيهات، يتضمّن هذا جزءاً من الحقيقة، لكنّه يفشل في مواجهة العديد من الوقائـع.

    أوّلاً، من الصعب أن يكون الرعاة البدو التقليديّون وراء عمليّات القصف الجويّ. ثانياً، إنّ ميليشيات الجنجويد مُسلَّحة، يأويها ويزوّدها بالسلاح الجيش النظاميّ الذي يحارب إلى جانبها في غالب الأحيان. ثالثاً، منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر، شكّلت الإتنيّة العربيّة الأساسية في دارفور، "البغارا الرزيقات"، حركتها الثوريّة الخاصّة انطلاقاً من بؤس الشعب وإهمال سلطات الخرطوم، علماً أنها "عربيّة" [9]. أخيراً، الميليشيات التي تهاجم القبائل الزنجيّة الأفريقيّة، بشكلٍ منهجيّ، ليست أبداً مجرّد تعبير مسلّح للرعاة البدو العرب، وهي تضمّ مجرمين محكومٌ عليهم سابقاً من مختلف الانتماءات الإتنيّة، وقد تمّ إطلاقهم مقابل وعدٍ بالإلتزام في هذه الميليشيات، بالإضافة إلى جنودٍ فارّين من الجيش الحكومي المتمركز في الجنوب والعاطل عن العمل منذ اتفاقيّة نيروبي في العام 2005 [10]، كذلك أفراداً ينتمون إلى قبائلٍ صغيرة من الجمّالين متواجدة في أقصى الشمال في دارفور، كقبيلة الجلّول (وهم الضحايا الفعليّون الوحيدون للتغيّر المناخي)، وحتى أشخاصاً ينتمون إلى بعض الإتنيّات الصغيرة الأفريقية الزنجيّة، كالـ"غيمر"، والذين يأملون، من خلال التحاقهم بقضيّة القتلة، بضمّهم إلى العائلة "العربيّة" الكبيرة، لاعتقادهم بأنّها ستعدهم بالنفوذ والامتيازات الاقتصاديّة نظراً لأهمّيتها.

    لكن لماذا تتمنّى الخرطوم إبادة الشعوب الأفارقة من مقاطعتها الغربيّة، أو أقلّه إخضاعهم بالكامل حتى إقدامهم على تقديم التوبة؟ لا يمكن أن يكون السبب دينياً طالما الجميع في دارفور، القتلة كما الضحايا، مُسلمون وسنّة.

    في الواقع، السبب عرقيّ-ثقافيّ. فالعرب أقلّية في السودان. والإسلاميّون المتطرّفون ليسوا سوى التجسيد التاريخيّ الأخير لسيطرتهم الإتنيّة-المناطقيّة. والحال أنّ السلام بين الشمال والجنوب في صدد التفسّخ السريع. ففي 9 كانون الأول/ديسمبر، أطلق نائب الرئيس الجنوبي، سالفا كيير مايارديت، طلقة إنذارٍ أثناء الذكرى الثانية لإتفاقيّات نيروبي، مُحذّراً الرئيس البشير من أنّه إذا استمرّت الأمور على هذا النحو فلا مفرّ من الانفصال في غضون أربع سنوات.

    بالنسبة للنخبة العربيّة في الخرطوم، المسألة خطيرة وملحّة. يجب إذاً التلاعب بخطّ الحدود بين الشمال والجنوب الذي يحصر غالبيّة النفط في الجنوب (وهذا قيد التنفيذ)، والاستعداد لاحتمال استئناف المعارك (ولهذا يتمّ شراء الأسلحة)، وتعزيز تحالفات دوليّة متينة (الصين في الجعبة والسعي جارٍ لاستمالة إيران)، والمحافظة على السيطرة على الأرض من خلال إنشاء نطاق حجْرٍ صحيٍّ إتنيّ-مناطقيّ: سيتضمّن جبال النوبة في كردوفان والدارفور [11]. لكنْ إذا سبق لقبائل النوبة أنْ سُحِقَتْ عسكريّاً بين العاميْن 1992 و2002، فالدارفور بات يشكّل تهديداً أكبر بكثير. وقادة الخرطوم العرب يريدون، بأيّ ثمنٍ، تفادي وجود أيّ ثغرةٍ قد يتحالف من خلالها غداً السود في الغرب مع جنوبٍ زنجيٍّ أفريقيٍّ مستقلٍّ... ونفطيّ!

    هؤلاء الذين ما زالوا يجرؤون على إعلان "أنّنا لا نريد أن يتكرّر هذا بعد اليوم" هم مراؤون أو قليلو الإدراك.

    بالتالي، يصبح قمع دارفور المتمرّدة، بأيّ وسيلةٍ ممكنة، ضرورةً إستراتيجيّة. لكنّه لا يمكن الاكتفاء بالاعتماد على الجيش النظاميّ الذي يضمّ في صفوفه العديد من ممثّلي الإتنيّات الزنجيّة الأفريقيّة في هذه المنطقة، من أجل تنفيذ هذه المهمّة. من هنا اللّجوء إلى تجنيد ميليشيات الجنجويد "العربيّة" التي تتألّف في الواقع من أقليّاتٍ أو من المهمّشين اجتماعياً. يسمح ذلك، من جهةٍ أخرى، بتفادي انضمام "العرب الحقيقيّين" في دارفور إلى الانتفاضة بأيّ ثمن، والمقصود هو مختلف قبائل "الباغارا" (ومنهم الرزيقات) الذين يشكّلون بين 22 و30% من سكان المنطقة. وإنّ تموضع قبائل "الباغارا"، التي هي أيضاً ضحيّة التمييز الإجتماعيّ-المناطقيّ، على غرار المواطنين السود، في معسكر نُخَب الخرطوم المجرمة، ليس سوى نتيجة لعبة الوعي المغلوط لانتماءٍ عربيٍّ مُتخَيَّل أكثر مّما هو واقعيّ.

    في المحصّلة، تتمّ حماية الأرباح النفطيّة على حساب نظامٍ قاتل. ويتمّ حالياً دفع هذا الثمن. وعلى عكس رواندا حيث سقط 800 ألف شخص في غضون مئة يوم، يستمرّ التطهير العرقيّ في دارفور منذ أربعة أعوام. فمن يتجرّأ على القول "لن يتكرر هذا بعد اليوم" يبرهن إمّا عن جهلٍ وإمّا عن رياءٍ فظيع. مرّةً ثانية، اتّضح بأنّ أهمّية الجثث ترتبط بلون البشرة...





    * باحث في المركز الوطني للبحوث العلمية، مدير المركز الفرنسي للدراسات الاثيوبية، اديس ابابا. ومؤلف كتاب "دارفور: الإبادة الجماعية الملتبسة" Darfur: The Ambiguous Genocide, Hurst, Londres, 2005.





    [1] Jean-Louis Peninou, “ Désolation au Darfour ”, Le Monde diplomatique, mai 2004

    [2] وافق فصيلٌ واحدٌ من الفصائل الستّة للحركة الثورية على التوقيع في أبوجا، وهو القسم الذي يديره مينّي ميناوي. ومنذ ذلك الحين، تحوّل هذا الفصيل إلى مُلحقٍ للحكومة أو تمّ حلّه.

    [3] كانت عمليات القصف تجري باستمرار في الأماكن التي التقى فيها مبعوثين من الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي بالمتمرّدين.

    [4] حالياً، ليس هناك أي إثباتٍ على وجود نفطٍ في دارفور، لسببٍ بسيط وهو أنه لم تُجري فيه أبداً أيّة شركة نفطية، أبحاثاً منهجية.

    [5] للدفاع عن موقفها، استخدمت الخرطوم على الفور الاتهامات الأخيرة (المبرَّرَة) بالتعدّي الجنسي على الأولاد، الموجَّهَة لبعض جنود الأمم المتحدة الآسيويين التابعين لبعثة الأمم المتحدة في السودان.

    [6] United States Agency for International Development

    [7] آن كلير بوارسون: :أين ذهب مال النفط في تشاد؟"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، أيلول/سبتمبر 2005، http://www.mondiploar.com/article253.html

    [8] لا نعلم ما إذا كان يوجد نفطٌ في أفريقيا الوسطى. لكن الأمر ممكن جيولوجياً، كون الحوض التشادي قريبٌ من حدود أفريقيا الوسطى

    [9] في الواقع، إن "أولاد البلد" (العرب الحضر المقيمين في وادي النيل) يكرهون أقربائهم العرب البدو في دارفور، الّذين يعتبرونهم متوحّشين متخلّفين.

    [10] إن اتفاقيات نيروبي التي تمّ توقيعها في 9 كانون الثاني/يناير 2005 بين الخرطوم وجيش التحرير الشعبي السوداني تنصّ على تقاسم السلطة والعائدات النفطية. جيرار برونييه: "السلام الهش والجزئي في السودان"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، شباط/فبراير 2005، http://www.mondiploar.com/article72.html

    [11] تسعى الخرطوم إلى حماية نفسها من "العبيد". إنّه التعبير الذي لا يزال استخدامه شائعاً للحديث عن السود في السودان. وفي الخرطوم، حتّى تدمير أحياء السود الفقيرة، ونفي المقيمين فيها بصورةٍ غير شرعية إلى الصحراء ("كاشا") ووضع اليد على أراضي المقيمين فيها لمصلحة عمليات نموٍّ عقارية "عربية" عالية المستوى، تشكّل الجناح الحضري المقبول" الذي يرى فيه البنك الدولي "عمليات إنمائية".
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de