في ذكرى السياب: الشاعر لا يؤرخ إلا لشعره! لمن عشق شعره ببلدي

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 09:30 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-24-2008, 01:10 PM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في ذكرى السياب: الشاعر لا يؤرخ إلا لشعره! لمن عشق شعره ببلدي

    قالوا لأيوب: جفاك الآلهْ

    فقال: لا يجفو

    من شدّ بالأيمان، لا قبضتاه تُرخى ولا أجفانهُ تغفو *

    كان بإمكان التجديد الشعري أن يَشْطُبَ الماضي أو يُثريَه، لكن شاعراً بحجم بدر لم يَرَ في التجديد قطعاً للصلة بالماضي ولا مخاطرةً في تحطيم ماهية القصيدة الكلاسيكية، وإنما هو الحوار المعرفي الذي يدور منذ الأزل، هذا الحوار الكائن في أساس حركة الفن والأدب والفكر . لقد اكتملت في السياب مجموعةٌ من الشروط الإبداعية التي عملت على تحضيره لدور شعري في القصيدة العربية، وإذا كان المجال الآن يضيقُ على تعداد هذه الشروط، فلا مفر من ذكر العلاقة الغنية الحميمة التي ربطت بين فلسفة السياب الشعرية ونظرته إلى الموت .

    لا منأى للشاعر، في هذه الأرض،عن الأذى . هذه العبارة التي تغوص عميقاً في سؤال الألم تتقاطع مع ما قاله الشنفرى بلاميته المشهورة: (وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى) وعليه يمكن للشاعر أن يبكي أو يتمرد أو يستسلم، وهو يرى منظومة القبح والخداع والشياطين المفترسة والدم الذي يسيل في كل مكان، منظومة الفحش والحمق والقتل وهي تحتضن التطرف، الظلام، التدليس والموت ومن المؤكد أن هذا الشغف بالموت لم يكن عابراً، بل مجانياً ودلالياً في آن قصد منه تحقيق الأذى والبؤس والتخريب بين هواجس شخصياته وتجليات الطبيعة الدموية الموروثة، يمكن أن نضيف توقاً بدا واضحاً لدى هذه المنظومات وهو: شهوة القتل، ولكن خيار الموت عند الشاعر دفاعاً عن الحياة هو موقف فلسفي وأخلاقي ويندر، على مرّ الأجيال، أن نشهد موتاً دون تضحية، هذا الكلام قديم كقدم البشرية منذ أن انتقلت من عهود البربرية إلى عصور الحضارة لكنه اليوم في عراق العقائد المغلقة ليس حديث الماضي والمستقبل فحسب، بل حديث اللحظة الشرسة القاتلة والمظلمة أيضاً، من هنا يبدو السؤال التالي غريباً: هل أصبح الموت اليومي للعراقيين قدراً ومشيئة، والحياة نوع من التطفل؟ لا غرابة في السؤال، لكن الغرابة في تكرار شكل وحجم هذا الموت .

    أكره أن أكتب عنه في ذكراه، ربما لكثرة ما تتقاسمه الذكرى مع الآخرين، ولذا صنعت له ضريحاً كبيراً في روحي لا علاقة له بما يكتب عنه هنا أو هناك، ضريحاً يكبر معي سنة بعد أخرى وإذا به في غيابه، أو حضوره في الذاكرة والذكرى أكبر مما حولي من أحياء، ولعل الإحساس بالوفاء هو الذي يدفعنا جميعاً للكتابة عنه وإطرائه بالأوصاف المستحقة بعد أن أصبحت هذه الحياة ذات دلالات ومعانٍ موحية لنا أكثر من أي حياة أخرى، لقد انعكست تفاصيل هذه الحياة ـ حياته ـ على مفرداته وألفاظه فصارت القصيدة تتسلّل من بين أصابعه لتستقر في ثنايا جمله وصياغاته الشعرية وغدت في فترة الشقاء والمرض والجوع منبهاً لدوائه ومعالجة الروح والجسد مما اعتراهما من مخاضات السنين . هذه هي قصيدة السياب، أكاد لا أجتاز مطلعها حتى أشعر أنني أغادر عالماً وأدخل آخر، ففي كل كلمة من كلمات القصيدة كنت أشعر أنني أمام معجزة البقاء على قيد الحياة وأعجب أيضاً لأن قلب الشاعر مازال نابضاً رغم تسارع دقات الموت والخراب والخوف والجوع والمطر .

    أنا الذي خبرت عناوين القصائد جميعها، أعرف أن السياب لا يقيم إلا في النصوص الباذخة، أتأمله وكأنني أبحث فيه عن سبب يبرر كل هذا الجنون العراقي الذي أصابنا ويصيبنا وعن الهدنة القلقة مع الحياة والفرح المؤجل، لذلك أدرك شاعرنا، أنه دون ملامسة الموت لا توجد القصيدة الشاهقة بما فيه الكفاية لتسمى شعراً . لقد صنع السياب لحظة حاسمة في مسار حياته الشعرية وجعل هذه اللحظة مفتاح عالم القصيدة، والشاعر يدرك ذلك أيضاً بعد أن يتوغل في الشعر، فيرى الجهد المعرفي/الفني الكبير الذي بذله ليصنع تلك اللحظة وتلك القصائد، لقد أختار الشعر طلباً للشعر لا غير لأنه الوحيد الذي لا يخذل صاحبه، الوحيد الذي يستطيع اللجوء إليه وفي جميع الأحوال . إنها لحظته الشعرية التي تقاطعت في بؤرتها تجارب وحيوات مديدة صاخبة، لحظة تصفية الحساب، اللحظة الأخيرة له في الحياة، في الحاضر والمستقبل وحتى الماضي، التي تغطي ما ينوف على الجزء الأول من مساحة حياته وصولاً إلى الموت .

    يكاد الشعر، بالنسبة إليه، أن يكون المهمة اللغوية الوحيدة بلبوسها الرومانتيكي طوراً وبوشاحها الرمزي أو الأسطوري طوراً آخر، أما عذاباتها ـ التي هي عذاباته ـ فتحتل فيها المركز الروحي، تلك النقطة التي امتدت حتى القبر، وهذه النقطة تنبثق منها أصوات لا حصر لها، يذهب بعضها بعيداً في فضاء العراق وبعضها أدنى بكثير أو قليل في فضاء الشاعر، إن هذه الأصوات مهما نأت عن النقطة/الروح تظل مشدودة إليه كما إنها تؤوب إليه دوماً، إنها مرتبة الألم الأولى بامتياز . ما لا نراه في شعره أكثر مما نراه، هذا ما يجب أن نعترف به دائماً، وإذا ما كان الشاعر في معظم نصوصه يبني تأريخه على أساس الاتصال والتواصل من جهة وعلى أساس التجاوز من جهة أخرى، الأمر الذي يعني أن محاولاته تتصل ببعضها البعض، فإن الشعر كلياً، قد شيد تأريخه على أساس التجاوز، ذلك أن أي تجاوز فني، جمالي وشعري لا بد أن يقاوم في نقطة انبثاق التحول الحياتي/الشعري الذي سبقه، ولذلك فإن ما نعرفه عن السياب وشعره أقل بكثير مما لا نعرفه، هذه هي نقطة المفاضلة لو تمعنا جيداً في النظر إلى نقطة التجاوزات الفنية الكبرى، فالشاعر لا يؤرخ إلا لشعره .

    يقوم السياب من خلال نصوصه الشعرية بتحييد الحياة وهو بهذا يلتقي مع الفرنسي آرثر رامبو حين كان يقول: (أن الحياة الحقة في مكان آخر) وهو يعني الحياة في الشعر غير أن السياب يتماهى مع النص لا بسبب موهبته، حسب، بل بسبب العلاقة الحميمة التي جعلته متماهياً حتى بعد أن أصبح هو والنص حالة واحدة غير قابلة للفصل، حالة مأخوذة بين ما هو شعري وشاعري، واقعي وخيالي، وما يمكنني قوله الآن: أننا نخطئ حين نقرأ السياب دون أن نكتشف سر هذا التماهي وهذا التجاوز، إنه اقتراح ليس إلا، وعليه لا نتمكن من تحصين أرواحنا إلا بالحزن والمرارة، وهكذا نحن الآن مصابون بحنين جارف لقراءة السياب كي نحصن أنفسنا ،أيضاً، من الخراب والكراهية والعقائد .. من هذا الكم الهائل من الأسوار المهدمة والتي ستتهدم ومن التساؤلات التي أطلقها الشاعر فوزي كريم في هذا المقطع من قصيدته المعنونة (إلى بدر شاكر السياب) والتي تحمل في طياتها تشعباً مذهلاً للأفكار والتداعيات الوجدانية وفق أسلوب لغوي أخاذ وتحديداً في هذا المقطع الذي يقول فيه:

    * أأنا شاعرٌ

    وإذا كنتُ، من يختبر قدرتي

    في احتمال الخسارة واليأس؟

    تضحيتي حفنةٌ من قصائد أندبُ موتاي فيها

    وعلى كاهلي يقفُ النسرُ أحدبَ

    أوهنه الطيرانُ بلا هدفٍ

    ولذا

    أي سورٍ سيهدمُ يا بدرُ؟

    واليوم ستأتي ذكرى الشاعر (24 ديسمبر 1926 ـ 1964) وتمضي، ويتركُ لنا تركةً وإنجازاً، سنكون أحراراً في أن نحفظه ونُحفظه، أو في أن نفرط فيه، وذاك خيار ثقافي سنكون مسؤولين عنه، لكننا واثقون من أمر واحد هو أن ذكرى السياب في الحياة والوجدان والشعر والذاكرة أقوى من طعم خاص للموت وأمضى من رهبته الهائلة .

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de