|
|
 طلحة جبريل: فرق شاسع بين الوصول عبر الدبابات .. أو عن طريق صناديق الاقتراع.
|
فرق شاسع بين الوصول عبر الدبابات .. أو عن طريق صناديق الاقتراع
طلحة جبريل
[email protected]
لا أميل في العادة الى كتابة تعقيب أو تعليق، نفياً أو تأكيداً لاشياء تكتب عني شخصياً، ولا أقول حول ما أكتب. ما أكتبه ملك للناس يختلفون أو يتفقون حوله هذا حقهم. ربما يتعذر على من يمتهن مهنة" الكتابة" أن يجد متسعاً من الوقت لكي يرد أو يعقب على كل ما يكتب، وليس في ذلك أي تقليل من شأن الكتابات المخالفة للرأي، بل اعتقاداً مني أن الزمن كفيل بتصحيح وتوضيح جميع الآراء والروايات في نهاية الأمر.
قبل فترة كتبت انطباعات عن زيارة قصيرة للسودان، بعد طول غياب. وقرأت كتابات وتعليقات في بعض المنابر، وهناك من كتب لي شخصياً متفقاً أو مختلفاً. وكان من بين تلك الكتابات مقال كتبه المهندس تاج السر حسن عبدالعاطي وهو استاذ في جامعة الجزيرة. لم انتبه لهذا التعقيب عندما نشر الى ان تفضل احد الأصدقاء مشكوراً وارسله لي من اصقاع بعيدة . قرأت التعقيب، ثم اعدت قراءته وبدا لي انه ربما يعبر عن رأي شريحة من الناس، لذلك فكرت انه من اللائق ان ارد عليه. ثم تراجعت على اعتبار انه من الأفضل لقاريء الصحيفة ان يقرأ جديداً ، وليس تعقيباً على مقالات اصبحت متقادمة بحساب الزمن . بيد ان الصديق عاد ليطلب مني وبالحاح هذه المرة الرد عل ما كتب وما قيل. وقال من بين ما قال " الأمر ليس شخصياً لان المقال يتناول تجربة جميع الذين عملوا في معارضة السلطة في الخرطوم ". عندها حزمت أمري وقلت للصديق إذا كان الامر كذلك فإنني سأرد.
يستهل المهندس تاج السر حسن عبدالعاطي مقاله بالقول" لا أعرف من هو طلحة جبريل وهذا لا يضيره... من هذا الباب أريد أن أكنيه بوافد الرجال حيث أنه يمثل شريحة كبيرة خرجت من هذه البلاد عندما كانت حارة حيث انعدمت فيها أدنى مقومات الحياة الكريمة " انتهى كلام المهندس وساحرص دائماً على وضع كلامه بين قوسين وكما كتبه.
لا أعرف ماذا يقصد المهندس "بوافد الرجال" لكن اود ان ابين له بانني لم أخرج من البلاد عندما كانت "حارة" لانني اصلاً لم اكن في الداخل حتى اخرج. وللتوضيح اقول إنني غادرت السودان في 13 نوفمبر عام 1975 للدراسة في الجامعة المغربية، لكن بما انني كنت معارضاً لنظام نميري، لم استطع العودة الى السودان، والثابت ان الخراب الفظيع في تاريخ السودان حدث اثناء سنوات ذلك النظام،واعتقد جازماً ان كل من تولى منصباً حكومياً أو سياسياً خلال تلك الفترة يتحمل قسطاً من المسؤولية، في الكوارث التي حاقت بالبلاد.
هكذا ينطلق المهندس تاج السر من فرضية خاطئة ستقوده لاحقاً الى نتائج خاطئة.
يقول الاستاذ تاج السر بعد ذلك" في صبيحة 30 يونيو 1989 كان أهل السودان يعيشون حالة من البؤس والشقاء والعدم لا يمكن وصفها بل أحسب أنها فاقت مجاعة سنة 6 الشهيرة في تاريخ السودان و كانت الدولة في حالة تماهى و زوال حتى أكرمنا الله بالإنقاذ فاخضر زرعنا ودر ضرعنا وأصبحنا وأمسينا كراماً لا ننحني لغير الله و العاصفة.... ".
لا أستطيع أن اتحدث عن " البؤس والشقاء" الذي كان فيه أهل السودان في الفترة التي يشير اليها الكاتب، لكن أقول له إن ما حدث في ذلك اليوم كان إنقلاباً على مؤسسات قائمة، حيث استولت جماعة سياسية على مقاليد الحكم ، وعندما استطاعت " التمكن" ، قررت انها لوحدها تملك الحقيقة، وسارت وفق منهج "من ليس معنا فهو ضدنا" وكان" الجهاد" في الجنوب، وقمع الحريات في الشمال وبيوت الاشباح وفصل وتشريد آلاف الناس وتسليم جميع المرافق للمؤيدين والمتعاطفين. ولا أظن أن ذاكرة الناس مثقوبة للحد الذي نسوا فيه ما حدث، ليعتبروا ان ذلك كان كرماً ربانياً.
ثم يمضي المهندس تاج السر حسن عبدالعاطي في مقاله قائلاً "أصبح جل هذه الشريحة المهاجرة تحت ضغط الحاجة والبحث الكاذب عن الذات أداة في أيدي جهات ظلامية عديدة انتهت تعمل ضد الوطن تحت مسميات عديدة تدعى النضال من أجل الديمقراطية والتنمية والسلام وحقوق الإنسان وظلت تلك الجهات تمنح اللجوء بل المواطنة والوظائف في الجامعات والمنظمات والمال الحرام لكل من ينخرط في برامجها ويكال لكل بمقدار نضاله ولا أريد أن أقول عمالته تأدباً".
لا اعرف ماذا يقصد الكاتب "بالجهات الظلامية" لكن اود ان اؤكد له بانني شخصياً لم انتم الى اي حزب وتيار سياسي منذ ان عرفت السياسة وحتى الآن ، ليس في ذلك اي تقليل من دور الاحزاب ، بل هو اختيار شخصي وفي ظني ان الصحافي يجب ان يحرص على النأي بنفسه قدر الامكان من التلوينات السياسية ، أما نشاطي السياسي في المعارضة فقد كان ضمن التجمع الوطني الديمقراطي، وهو كما نعرف تحالف ضم مختلف القوى والاحزاب السياسية التي كانت تعارض السلطة الحاكمة في الخرطوم ، وإذا كان المهندس تاج السر يقصد " بالقوى الظلامية" قوى أجنبية، أود التأكيد ايضاً ان البلد الوحيد الذي سابقى ممتناً له هو" المغرب" حيث تعلمت في جامعاته وعلى حساب دافع الضرائب المغربي ، واتاح لي أن أصبح رئيساً للتحرير أربع مرات ، وفتح لي ابواب جامعاته لادرس فيها، وأصدرت فيه جميع كتبي ولم يضيق صدرالمغاربة بارآئي ، وهو البلد الذي ينتمي اليه ابنائي. ولا أعرف ما إذا كانت لفظة " قوى ظلامية " يمكن ان تنطبق على المغرب، وحسب علمي فإن المغرب لم يحدث ان تدخل في شؤوننا الداخلية.
أما القول بان "ضغط الحاجة" و"البحث الكاذب عن الذات" و" المال الحرام" هو الذي دفعنا الى العمل في المعارضة ، أظن هذه مسألة ينطبق عليها ما يقال القاء الكلام على عواهنه ، إذ لم أكن شخصيا في يوم من الايام تحت ضغط الحاجة لاتخذ موقفاً معارضاً من السلطة الحاكمة في الخرطوم ، كما انني لا أعتقد ان النضال من أجل الديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية ودولة المؤسسات والمواطنة المتساوية ، يمكن ان يكون بمثابة " بحث كاذب عن الذات". اما مسألة " المال الحرام" إذا كان المقصود مال تسلمه جهات أجنبية من أجل النضال ، ليقل لنا المهندس تاج السر ، ماهي هذه الجهات ولمن سلمت هذا " المال الحرام" وفي الحالتين لست معنياً بهذا القول، تلميحاً أو تصريحاً .
يقول المهندس تاج السر حسن عبدالعاطي " أريد أن أكنى طلحة جبريل هنا بوافد الرجال لأنه يمثل هذه الشريحة التي اهتزت كثير من قناعاتها بفعل عظم التغيير الذي انتظم البلاد وثبات الإنقاذ بالرغم من الحصار والعواصف والأعاصير وكان جلهم يحسب ان طلحة لن يرجع إلى منفاه الاختياري مرة أخرى وكان بعضهم يتوجس ان يفحمه جهد الرجال وعظمة التغيير ...لكن استغربت مع الجميع أن يعود الرجل يدعو أخوته بالتزاحم في المجرى الخطر بالرغم من رجاحة عقله و ثراء تجربته ".
يعتقد المهندس تاج السر ان قناعاتنا إهتزت بسبب التغيير الذي حدث ، وأقول له صادقاً بانني لا أعرف عن اي تغيير يتحدث ، وحين سئلت في الخرطوم قلت بوضوح وبايجاز " لم يتغير اي شيء" وهذا كلام نشر وانا داخل البلاد وليس خارجها. والقول إنني عدت الى منفاي قولاً ليس دقيقاً بل ليس صحيحاً، إذ انني جئت الى امريكا بعد ان طلبت مني المؤسسة التي اعمل بها الانتقال من لندن الى واشنطن ، وليس في الأمر منفاً اختيارياً أو إجبارياً حتى اعود اليه، أما رغبتي الشخصية وهي ليست سراً فقد قلت بوضوح ايضاً وانا داخل السودان انني ارغب في البقاء لكن الوطن على شساعته واتساعه يضيق بنا بسبب أوضاعه السياسية. واشكر للمهندس أعتقاده برجاحة العقل وثراء التجربة، أما التزاحم في المجرى الخطر للتاريخ فهذا قدرنا وليس اختياراً ، وكان أملنا بالفعل وما يزال التزاحم داخل البلاد .
يختم المهندس تاج السر حسن عبدالعاطي مقاله قائلاً " هذه البلاد تسع الجميع وزيادة ومن راقت له الهجرة فان أرض الله واسعة والهجرة والسياحة مندوبة ومطلوبة ولكن حرب الوطن وتسعير الفتنة من الخارج والاستقواء بأعداء الإسلام وتنفيذ مخططاتهم جريمة لا كفارة لها والله نسأله التوفيق و الهداية للجميع".
وجوابي على هذا القول إننا لا نريد سوى أرض هذا الوطن وليس شيئاً آخر، لكن وطن الديمقراطية والحريات ودولة المؤسسات، وليس وطن الانظمة الشمولية وانعدام الحريات والتعسف والقهر. تأسيساً على ذلك لا أفهم كيف يصبح العمل من أجل تحقيق هذه الاهداف حرباً على الوطن وتسعيراً للفتن واستقواء باعداء الاسلام.
الفرق بين ما يراه المهندس تاج السر وما اعتقده لا يحتاج الى جهد لادراكه. الاستاذ الجامعي يدافع عن عملية الاستيلاء على السطة بالقوة عبر الانقلابات ويعتبر ذلك بمثابة مكرمة ربانية، وانا اقول له إن الوصول الى السلطة يتم عبر صناديق الاقتراع وليس عن طريق الدبابات والمدرعات.
وفي جميع الأحوال لاتنقصنا الشجاعة لنقول ما نؤمن به.
|
|
 
|
|
|
|
Deng
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست