الخبري والمجلسي في رواية عرس الزين دكتور سعيد يقطين !يلا تعالوا استمتعوا!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 08:58 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-24-2008, 10:48 AM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30716

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الخبري والمجلسي في رواية عرس الزين دكتور سعيد يقطين !يلا تعالوا استمتعوا!

    Quote: الخبري والمجلسي



    للطيب صالح

    سعيد يقطين



    1. تقديم

    2. الخبر والرواية

    3. توسيع الخبر

    4. القسم والتنبؤ

    5 . تركيب





    1. تقديم :

    1. 1 . تأصيل أم تجريب؟

    تشيع حاليا في النقد الروائي العربي مصطلحات مثل : التراث والحداثة ، والتأصيل والتغريب ،،، غير أن توظيف هذه المصطلحات في علاقته بالنص الروائي ، لايستند في الأغلب إلى خصوصية ما تقدمه الرواية العربية ، ولكن إلى مشاكل حيوية يخوض فيها الفكر العربي الحديث . لذلك تتم معالجتها من منظور تقييمي وموقفي . ولما كانت لنا نظرة مختلفة إلى مثل هذه القضايا ، إيمانا منا بأن اتخاذ المواقف وأحكام القيمة هما معا من محصلات رؤيات مسبقة عموما ، وليسا مقدمات للبحث والتحليل ، ارتأينا تجاوز هذه التصنيفات الثنائية لما فيها من اختزال وتعميم .

    إننا نذهب في مسار آخر ، ونعتبر تجربة التأصيل يمكن أن تكون حداثة ، كما يمكن لمغامرة روائية تجريبية أن تصب في مجرى التأصيل الروائي ،،، وهكذا . فالتجربة الروائية المتطورة والمبدعة تكتسب خصوصيتها من مدى قدرتها على تحقيق مستوى من " الإبداعية " يؤهلها للتفاعل مع الواقع والعصر ، سواء تحقق ذلك من خلال استلهام التراث ، أو تجريب تقنيات جديدة . ولا مشاحة في أن المادة الحكائية أوالتقنية التجريبية ليست هي التي تحقق للرواية وحدها طابعها "الروائي " أو" السردي" في بعديه التأصيلي أو التجريبي . إن لصناعة الكاتب وقدرته الفنية على الإبلاغ والإمتاع ، دورهما الأساسي في إضفاء الطابع الفني والجمالي على العمل الروائي أو الأدبي .

    انطلاقا من هذه الرؤية ، نرمي إلى تجاوز التصنيفات الجاهزة ، ونعانق جمالية الرواية لنكشف عن مكامنها ومميزاتها ، وما يجعل منه جديرة بأن تكون رواية فعلا ، تسهم في إثراء المجال الأدبي العربي ، وتنفتح على قضايا الإنسان والمجتمع العربيين بناء على ما تزخر به من مقومات جمالية وتعبيرية . وفي هذا المضمار أبادر إلى القول بأن رواية " عرس الزين " (1) للطيب صالح تتوفر على جانب أساسي من هذه المقومات وعلينا أن نضطلع بالبحث والكشف عنها من خلال الاشتغال ببعض عناصرها الدالة على ذلك .

    1 . 2 . واقع أم تراث ؟

    على غرار التصنيفات الثنائية ، ومن ذيولها يسود الاعتقاد بأن الرواية حين تعانق التراث تكون بذلك تساهم في التأصيل لأنها تبتعد عن الحاضر ، وتنغمس في الماضي أو التاريخ . ويظهر ذلك بجلاء من خلال استعمال اللغات العتيقة وأساليب الحكي التقليدي أو بواسطة توظيف المادة التاريخية أو تقنيات مستمدة من أجناس الكلام العربي القديم . وكل الروايات المعالجة في نطاق " التأصيل " والتراث تتوفر على بعض هذه السمات التي تظهر بصورة أو بأخرى . وتعتبر الرواية تجريبية أو " تغريبية " حين توظف عوالم تتصل بالعصر الحاضر ( هنا ـ الآن ) وبلغات جديدة ، وتقنيات حديثة .

    إننا بحسب هذا التصور ، لانميز بين التراث كواقع ، والتراث كمفهوم ، والواقع باعتباره مفهوما وتجربة في آن واحد . وعدم التمييز هذا يجعلنا نضع حدا زمانيا فاصلا يغدو بمقتضاه ماهو "تراث " منتهيا ، ومتصلا بالماضي ، وما هو واقع ما يزال قيد الوقوع . ولا ننظر في الزمان بصفته امتدادا يتداخل فيه الماضي السحيق بالحاضر والمستقبل . ومرد هيمنة هذا التصور يؤوب في تقديري إلى ارتهاننا إلى رؤية خاصة تتصل بالرواية من حيث نشأتها في تاريخنا الحديث .

    لكننا عندما نتأمل النصوص الروائية ، وهنا نحن أمام "عرس الزين" ، نجد أنفسنا أمام رواية تحطم هذا الاعتقاد الزماني : فهي تقدم لنا " الواقع " المعيش من خلال قرية سودانية ، والآن ( العصر الحديث ) باعتبار صلاتهما بما هو " تراثي " وعلى أصعدة شتى ، سنتوقف عندها ، بحيث تدفعنا إلى التساؤل في نهاية التحليل : ما هي حدود الواقع ؟ وما هي حدود التراث ؟ وما هي حدود " التأصيل " الروائي ؟ وماهي حدود التجريب على صعيد الكتابة ؟

    1 . 3 . الرواية والاختلاف :

    الرواية نوع سردي يقوم على الاختلاف مع الأنواع السردية العتيقة ، وله قدرة على استيعاب مختلف الأجناس والأنواع وتحويلها . وهنا مكمن إنتاجيتها كي لا أقول "حداثتها". إنها منفتحة على الزمان وعلى الإبداع . هذا الانفتاح هو مصدر فنيتها وإبداعيتها ، سواء تحقق ذلك من خلال معالجتها الحدث في التاريخ السحيق أو في الواقع المعيش ، أو المستقبل الممكن أو المتخيل . لذلك عندما نعتمد البعد الفني أساسا للتحليل ، نكون نسعى إلى تجاوز التصنيفات المسبقة التي تتحدث عن " التأصيل " أو "التحديث " بناء على علاقة القصة بالخطاب في الرواية فقط ، دون اعتبار علاقة الخطاب بالقصة . وتبين لنا "عرس الزين" باعتبارها رواية كيف يتحقق الاختلاف من خلال استيعابها أنواعا قديمة ، وتفاعلها معها عبر تحويلها وهي تجري أمامنا في الواقع .



    2 . الخبر والرواية :

    2 . 1 . الخبر والأثر :

    يستيقظ مجتمع الرواية على خبر . الخبر بسيط بالنسبة إلينا نحن القراء ، لأننا خارج " مجتمع " الرواية . لكننا بالتدريج ، أي كلما انخرطنا في عملية القراءة ، ندخل هذا المجتمع ، ونحقق نوعا من التماهي معه ، فتبدو للخبر طبيعة خاصة بالنسبة إلينا نحن كذلك .

    مفاد هذا الخبر : " الزين يتزوج " . وتأتي الرواية بكاملها لتفسير هذا الخبر وتحليله ووضعه في سياقه . وبكل ذلك يتأتى لنا نحن القراء دخول عالم الرواية ، وفهم طبيعة هذا الخبر و" سره " . كما أن العنوان يجسد لنا الخبر ذاته : " عرس الزين " . إن مادة الرواية الحكائية بهذا التحديد تتمحور حول فعل "الزواج "، وفاعل " العريس / الزين " . ويمكننا تبعا لذلك أن نختزل الرواية بكاملها إلى مبتدأ وخبر على النحو التالي : " الزين يتزوج " .

    خبر عادي ، كما نلاحظ . إنه طبيعي وعادي ، وواقعي . لكن نسبة الزواج إلى " الزين " يجعلنا نتساءل عن أسباب كون هذا الزواج يكتسب بعدا خبريا . ويتحول من فعل عادي وطبيعي إلى فعل "عجيب ". وطابع العجب الذي اتسم به الخبر هو الذي أضفى عليه "الخبرية " ، وجعله قابلا لـ" التداول " والتلقي . وهو في تداوله وتلقيه أحدث أثرا في متداوليه ومتلقيه على السواء ، داخل مجتمع عالم الرواية .

    الخبر إذن نوع سردي بسيط يتمحور حول " فعل " مركزي ، ويقبل التداول لأثر يحدثه في المتلقي .

    2 . 2 . الخبر :

    نفتح الرواية على خبر يتحقق من خلال الملفوظات الثلاثة التالية :

    1 . " سمعت الخبر ؟ الزين مو داير يعرَس " . ( ص . 5 ) قالتها حليمة بائعة اللبن لآمنة .

    2 . " الزين ماش يعقدو له بعد باكر " .( ص .6 ) يقولها التلميذ لناظر المدرسة .

    3. " ... اقعد انحكيلك حكاية عرس الزين " ( ص. 6 ) . يقولها التاجر علي لعبد الصمد .

    هذه الملفوظات الثلاثة تأتي من ثلاثة أصوات مختلفة ( امرأة ـ تلميذ ـ رجل ) ، وفي ثلاثة أزمنة متباينة ( قبيل شروق الشمس ـ الصباح ـ الضحى ) ، وفي ثلاثة سياقات تختلف فيها العلاقة وتتوتر بين راوي الخبر ومتلقيه :

    ا. حليمة بائعة اللبن تريد أن تغش آمنة .

    ب. التلميذ الطريفي يأتي متأخرا عن حصة الدرس .

    ج. علي لايريد أداء ما عليه من دين ، ويماطل عبد الصمد .

    إن كل واحد من هؤلاء الرواة الثلاثة ، يوظف " الخبر " للتأثير على متلقيه ، والتدليس عليه لتحقيق غاية خاصة ، وهو متيقن من حصولها لخصوصية الخبر ، وطبيعته الخاصة. وفعلا ما أن سمع المتلقون الثلاثة الخبر حتى ظهر الأثر :

    1. " وكاد الوعاء يسقط من يدي آمنة " ص . 5.

    2. " وسقط حنك الناظر من الدهشة " ص . 6 .

    3 . " وجلس عبد الصمد ووضع يديه على رأسه ، وظل صامتا " ص .7 .

    نعاين بجلاء من خلال التعابير الموظفة لرصد ردود أفعال المتلقين أمام خبر " غير عادي " في حياة القرية : فالوعاء يكاد يسقط ، والحنك يسقط ، ويصاب عبد الصمد بالذهول ، فيظل صامتا . يولد الخبر العجيب الأثر العجيب داخل عالم الرواية . ويدفعنا هذا الأثر ، وذاك الخبر ، نحن القراء إلى التساؤل عن مكمن " العجب " وموئله في هذا الخبر ، وعن طابعه الخبري الذي يتميز به ، والبحث عن الجواب عنه من خلال عملية القراءة .

    تأتي رواية عرس الزين بكاملها لتكشف لنا عن هذه الخبرية ، وهي تحقق من خلالها سرديتها وروائيتها . ويمكننا معاينة ذلك من خلال المشاهد الثلاثة التي تم عبرها ترهين الخبر . ويفرض علينا هذا الوقوف على طبيعتها ، وخصوصيتها في عملية بناء النص على النحو التالي :

    1. من حيث المفارقة الزمنية : نجد الرواية تنفتح على " استباق " ، وذلك على اعتبار أن حدث العرس هو ما تختتم به الرواية .

    2 . من حيث التواتر : نحن أمام " التكراري " ، لأن الحدث الواحد قدم إلينا ثلاث مرات ، ومن خلال ثلاثة أصوات مختلفة .

    3 . من حيث المدة : يقدم إلينا " الخبر " من خلال " المشهد " الذي يتوازى فيه زمن القصة وزمن الخطاب .

    إن اجتماع الاستباق والتكراري والمشهد يوحي إلينا نحن القراء ، أننا أمام خبر غير عادي . وذلك بناء على أن الاستباق يبين لنا قيمة الحدث أو الخبر الذي دشن به السرد ، لأن كل ما سيأتي يبنى عليه . وأن التكراري يكشف لنا عن الطبيعة الخاصة للحدث ، ولذلك استرعى الاهتمام أكثر ، وكان له أكثر من راو ، وطريقة في الأداء . وأخيرا يبرز لنا المشهد أن مختلف أطراف مجتمع الرواية ( الشخصيات من مختلف الفئات ، وسواء كانت تمارس السرد أو تتلقاه تنفعل بالحدث ) تمحضه القيمة نفسها .

    كل هذه الاعتبارات تجعلنا نرى " الخبر " نواة السرد ، ومولِّده في آن واحد . لذلك فإننا على صعيد بناء الرواية ما أن نتجاوز هذه المشاهد الثلاثة ( التي نعتبرها مجتمعة بمثابة مطلع الرواية ) حتى تشرع الوحدات السردية اللاحقة في تحليل الخبر وإضاءته عبر إعادة ترتيب الزمن ، ويظهر لنا ذلك بجلاء في قول الراوي : " ولما انتصف النهار كان الخبر على فم كل واحد " . ( ص . 11 )

    يولد الخبر "العجيب " الأثر " العجيب " في مجتمع الرواية ، ويدفعنا هذا نحن القراء إلى التساؤل عن سر "العجب" في هذا الخبر ؟ وذلك ما تضطلع الرواية بالجواب عنه ، ومن خلاله تعمل على إدماج القارئ في النص الروائي .

    3 . توسيع الخبر :

    بما أن الخبر جاء على شكل استباق ، فإن الدخو ل إلى عالم النص ، يتحقق أولا بوضع شخصية " الزين " وقت انتشار الخبر في القرية بكاملها ( منتصف النهار ) قرب البئر يملأ أوعية النساء ، وهو يضحك معهن بطريقته الخاصة ، والأطفال يتصارخون من حواليه "الزين عرس ،،،" وهو يطاردهم ، ويرميهم بالحجارة ، والكل يضحك ويصرخ ، لكن ضحكة الزين كانت تعلو فوق ضحك الجميع ، تلك " الضحكة التي أصبحت جزءا من البلد منذ أن ولد الزين " ( ص . 11 ) .

    في منتصف النهار ، يصل الخبر الجميع ، ويواجه به الزين ، وكان " الضحك " سائدا مجتمع القرية . وبعد هذا المشهد ينتقل بنا الراوي ، على إثر إشارته إلى " الضحكة" المتميزة للزين إلى ميلاده العجيب ، وإلى الوقوف على صفاته الخارجية ، وموقعه داخل البلد ، ومجموعة من الأفعال التي وقعت له إلى حين إعلان " زواجه " التي كان مثار حديث الشخصيات وتعليقاتها وتأويلاتها .

    يتم توسيع الخبر باتباع استراتيجيتين اثنتين ، تركز أولاهما على موضوع " العجب " المتصل بالشخصية المحور ، وثانيتهما على أسباب حدوث الأثر في شخصيات عالم القرية ، وهو ما سنتوقف عنده من خلال النقطتين معا .

    3 . 1 . الشخصية العجيبة :

    يتصل الخبر الذي اعتبرناه موئل السرد ب" الزين " الشخصية المحورية في الرواية . إنه مختلف عن باقي الشخصيات ، ولو كان الزواج لشخصية أخرى في البلد ، لما كان له كل الأثر الذي خلفه . ينبري الراوي لتجسيد خصوصية هذه الشخصية انطلاقا من ميلادها إذ هي على غرار الشخصيات العجيبة ذات ميلاد عجيب .

    أول مظهر للعجب الذي يتميز به عن غيره من الأطفال ساعة الميلاد هو الضحك:"يولد الأطفال فيستقبلون الحياة بالصريخ ،،، ولكن يروى أن الزين ، والعهدة على أمه والنساء اللائي حضرن ولادتها ، أول مامس الأرض ، انفجر ضاحكا . وظل هكذا طول حياته ،،، ". (ص . 15 ) .

    ثاني مظهر للعجب أنه " كبر وليس في فمه غير سنين ، واحدة في فكه الأعلى ، والأخرى في فكه الأسفل " ( ص .15 ) . ويتوسع الراوي في تقديم أوصافه الخارجية مشفوعة بتشبيهات تتصل بعالم الحيوان : حواجب ولا أجفان ، عنق طويل كالزرافة ، ذراعان طويلتان كذراعي القرد ، ساقان رقيقتان طويلتان كساقي الكركي ، الضحك الغريب الذي يشبه نهيق الحمار ،،،

    هذان المظهران المتصلان بالعجب يجعلانه فريدا ومتميزا عن الجميع ، بحيث كان "موضوعا " للحكي منذ ولادته : الضحك الذي واجه به العالم كما ترويه أمه والنساء اللواتي حضرن فترة ولادته ، وفقدانه الأسنان البيضاء هو كذلك مما ترويه أمه عندما كان في السادسة من عمره ، ومرورها وهو صحبتها بخربة يشاع أنها مسكونة قبيل المغرب ، وكيف تسمر الزين فجأة " مكانه وأخذ يرتجف كمن به حمى ، ثم صرخ ، وبعدها لزم الفراش ، ولما قام من مرضه كانت أسنانه جميعا قد سقطت ،،، " ( ص. 15 ) .

    إننا أمام شخصية تنهض على تنافر الأضداد : قبح ظاهر وضحك نادر . وكل ما يتصل بسلوكه وأفعاله هو وليد شخصيته المتميزة المائلة إلى الهبل : شخصية غير عادية ، تفنن الراوي في جعلها قطب رحى البلد ، فإذا هي عفوية ، وبسيطة وساذجة ، يتخذها البعض موضوعا للهزء ، والتندر ، ويراها البعض الآخر وليا من أولياء الله .

    شخصية بهذه المواصفات لايمكن أن تتزوج أبدا ، ولاسيما عندما نعرف أن الفتاة التي يتزوج من عائلة ذات موقع متميز في البلدة . إنها " نعمة " التي يتهافت عليها الجميع . وعندما يشاع أنها قبلت الزواج منه ، فلا يمكن لذلك إلا أن يكون حدثا استثنائيا في حياة البلدة ، بل إن العام الذي يتزوج فيه " الزين " سيصبح في تاريخ القرية معروفا ب " عام العجائب ".ألم يصرخ ناظر المدرسة ، وهو متوجه إلى دكان الشيخ علي وعنده عبد الصمد قائلا قبل أن يصل إليهما : "شيخ علي ، حاج عبد الصمد ، السنة دي سنة العجايب دا كلام إيه دا ؟ ". ( ص.88) .

    إن بناء شخصية " الزين " من خلال تجسيد عناصرها الفيزيولوجية والذهنية تجعلنا فعلا أمام شخصية غير عادية ، ولا طبيعية بمقارنتها مع باقي الشخصيات . ويبين لنا هذا الملمح لماذا كانت للخبر كل الآثار التي لمسناها في مطلع الرواية من خلال الاستباق .

    3 . 2 . أثر الخبر :

    تتطور أحداث الرواية متخذة من شخصية " الزين " محورا مركزيا . وفي هذا التطور يتوسع الخبر عبر استدعاء كل واحد من المشاهد الثلاثة . ومن خلال هذا التوسيع يتم تفسير دواعي حصول الأثر في الشخصيات من جهة ، وإبراز العلاقات التي تربط بين مختلف الشخصيات في الرواية من جهة ثانية ، وأخيرا يتم الكشف عن خصوصياتها وطبائعها .

    3 . 2 . 1 . آمنة ، وبائعة اللبن : ينتقل بنا الراوي في الصفحة 41 إلى المشهد الأول بين حليمة بائعة اللبن وآمنة ليكشف لنا سر حصول الأثر في آمنة وأسبابه . قبل شهرين من شيوع الخبر ، كانت بين آمنة وسعدية أم نعمة قطيعة بسبب موت أم آمنة ، ولم تأت سعدية لتعزيتها ، أنها كانت مريضة في المستشفى . وعندما خرجت منه لم تذهب آمنة للاستفسار عن صحتها ، لأنها لم تعزها . لكن بعد مدة ذهبت آمنة إليها لتطلب يد اينتها "نعمة " لابنها أحمد . وكان الجواب هو الرفض " والآن يزوجونها للزين . هذا الرجل الهبيل الغشيم . يزوجونها للزين دون سائر الناس ... " (ص .43 ) .

    إن الأثر الذي أحدثه الخبر في آمنة جاء مشفوعا بالغضب بسبب كون أهل العروس رفضوا تزويجها لابنها أحمد ، لذلك " شعرت آمنة كأن في الأمر إساءة موجهة إليها شخصيا ، عن عمد " ( ص . 43) . هذا الغضب أحست به بائعة اللبن ، فحسبت آمنة قد أدركت أنها غشتها ، فزادتها قليلا لتأخذ بخاطرها .

    3 . 2 . 2 . نجد الأمر نفسه مع ما رأيناه في المشهدين الثاني والثالث . فمن الصفحة 87 إلى الصفحة 95 يضعنا الراوي أمام الناظر والشيخ علي وعبد الصمد . حين سمع الناظر بخبر زواج الزين من التلميذ الطريفي نسي أن التلميذ جاء متأخرا ، وعليه أن يعاقبه . ولم يمكث إلا برهة في القسم ، وطلب من التلاميذ مراجعة درس الجغرافيا ، وخرج من القسم مسرعا ، وتوجه نحو دكان الشيخ علي . بواسطة الخبر نجا لطريفي من العقاب ، ونجا التلاميذ من درس الجغرافيا . تماما كما نجح الشيخ علي في عدم ماعليه من دين لعبد الصمد الذي جاءه ليخلص منه دينه بالخير أو بالشر .

    لكن الحديث عن " زواج " الزين أنسى عبد الصمد تخليص ماله من الشيخ علي . ونتبين من العرض غير المباشر الذي جرى بين الثلاثة حول الزواج أن الناظر كان قد فكر ذات مرة في خطبة " نعمة " من أبيها ، لكنه رده لفارق السن بينهما ، ووعده ألا يذكر ما جرى بينهما . لكن الناظر " لما سمع بأنها ستزف للزين دون سائر الناس أحس الخنجر ينغرس أكثر في قلبه " . ( ص. 92 ) .

    لايختلف موقف الناظر عن موقف آمنة ، فكلاهما يرى أن زواج الزين من نعمة هو موقف شخصي من كل واحد منهما . لكن المسألة لاتتعلق فقط بالرفض ، وتزويج نعمة ، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه على كل واحد منهما ، هو لماذا الزين بالضبط ؟ ونلاحظ ذلك بجلاء في " تعجب " كل من آمنة والناظر ، وتساؤلهما " لماذا الزين دون سائر الناس ؟ " . هذا التساؤل يؤكد لنا الطابع الخاص الذي تتميز به هذه الشخصية في عالم الرواية .

    إن توسيع الخبر لايظهر لنا فقط من خلال " عجائبية " الشخصية ، أو تفسير الأسباب الكامنة وراء الأثر الذي أحدثه الخبر في مجتمع الرواية ، ولكنه علاوة على ذلك ، يكشف لنا عن عوالم شخصيات الرواية ، وما تعرفه من اصطفافات ( معسكر العقلاء / فريق الشبان/ فريق محجوب ،،، ) وتقاطبات ( التحولات الطارئة على مجتمع القرية من خلال ما يجري فيها ) ، ومجمل العلاقات العامة والخاصة التي تربط أو تفصل بينها . وهذا الكشف له صلة وثيقة ببناء " شخصية الزين " وموقعها داخل مجتمع الرواية لأن " الزين كان فريقا بذاته " ( ص . 100 ) .

    4 . القسم / التنبؤ :

    إذا كان توسيع الخبر قد تم من خلال استراتيجيتين تتصلان به ، وتفسران طبيعة الشخصية المحورية ، وعلاقات الشخصيات بعضها ببعض ، وموقفها من الزين ، فإننا نجد أنفسنا أمام ما يسمح لنا بالحديث عن " تشعب " الخبر من خلال توظيف أسلوبين لايختلفان معا عن الخبر في حد ذاته باعتباره نوعا سرديا ولكنهما يساهمان معه في تشكيل عالم الرواية وتأثيثه وبنائه . هذان الأسلوبان هما :

    4 . 1 . القسم :

    توظف الرواية إلى جانب الخبر القسم متصلا بالزواج ، مباشرة بعد وصف الزين . ذلك أن الزين كان في مجلس يحكي للحاضرين عن إحدى مغامراته في الحفلات التي يحضرها بقصد الحصول على الطعام ، ولكي يؤكد لهم حكيه ، قال :" علي بالطلاق آزول الريحة سكرتني " . ( ص . 19 ) إن القسم بالطلاق جزء أساسي من بنية الكلام ، وقد يستعمله المتكلم لتأكيد كلامه ، لكن عبد الحفيظ اعترض على حلف الزين بالطلاق ، مبينا أن الزين لن يتزوج أبدا من خلال قوله : " وضحك عبد الحفيظ : " وين المره البطلقها مع الرجال ؟ " لم يعبأ الزين بهذا ، ولكنه استمر يحكي في القصة ،،، " ( ص . 19 ) .

    إن عبد الحفيظ حين يقاطع الزين بعد سماعه قسمه بالطلاق يؤكد لنا نحن القراء الصورة التي بدأت تتشكل لدينا بصدد الخبر ، ونحن نتساءل عن إمكانية تحققه أو أسباب الأثر التي خلفها ، بعد أن عاينا ما أحدثه في الشخصيات الثلاث في مطلع الرواية . إن موقف عبد الحفيظ يعكس لنا بدوره خصوصية الزين وإجماع الناس بصدده ، وأنه لايمكن أن يتزوج أبدا .

    لكن تطور الأحداث ، وحصول الزواج في نهاية الرواية ، يضعنا أمام تحويل الرؤية الأولى التي تشكلت لدينا عن الزين . وفي حفل العرس ، كان الزين يقف بنفسه ليحث الناس على الأكل "،،، يبتسم ويضحك ، يدخل بين الناس ، يهز بالسوط ، ويقفز في الهواء،،، ويحث هذا على الأكل ، ويحلف على هذا الطلاق أن يشرب " . ( ص. 121) . يذكرنا هذا القسم بما رأيناه في بداية الرواية ، لكن القسم الآن صار له معنى كما يبدو لنا ذلك من خلال تعليق محجوب على كلام الزين " وقال له محجوب : " دحين أصبحت بني آدم . حلفتك بالطلاق يادوب أصبح ليها معنى " . ( ص . 121 ) . واضح الفرق بين الصيغة الأخيرة ، والأولى . فالآن صار الزين " إنسانا " بتحقق فعل الزواج وأن حلفه بالطلاق صار له معنى ، أما قبل ذلك ، فلم يكن سوى لغو .

    4 . 2 . التنبؤ :

    إذا كان " القسم " بالطلاق هو ملفوظ الشخصية الذي يثير السخرية والضحك في بداية النص ، لأن الزين لايمكن أن يتزوج ، كما كان ذلك في وعي الشخصيات ، فإن "التنبؤ " ملفوظ شخصية الحنين الشيخ الناسك في القرية . وهذاا الملفوظ له طابع سحري ، ويأتي من شخصية " عجائبية " ، لأنه كما يرى محجوب بصدد أقوال الحنين "نبوءات هؤلاء النساك لاتذهب هدرا " ( ص . 67 ) .

    بعد الشجار الذي وقع بين الزين وسيف الدين بسبب أخت سيف الدين ليلة عرسها ، وكاد الزين أن يقتل سيف الدين ، جاء الحنين ليوقف الزين وهو ممسك برقبة سيف الدين ، وقال له " باكر تعرس أحسن بت في البلد دي . وأحس محجوب بخفقة خفية في قلبه . كان فيه رهبة دفينة ما لأهل الدين ،،، " ( ص . 67 ) .

    تتضافر هذه النبوءة مع القسم لتلعب دورا مهما في تشعب خبر الزين ، وتفسير العوامل المتعددة التي ساهمت في تحققه ، وتقديم مختلف العناصر التي تجعله ممكنا ، وفي النهاية واقعا . وفعلا نلاحظ أنه إذا كانت هذه النبوءة قد جاءت في منتصف الرواية ، فإننا نلاحظ في المجلس الذي ضم الناظر والشيخ علي وعبد الصمد ، وهو يتحدثون عن الزين والزواج ، كيف يتدخل عبد الصمد ليقول : " كلام الحنين ما وقع في البحر . قال له باكر تعرس أحسن بت في البلد" ( ص .89 ) . ويعلق الناظر : " أي نعم والله . أحسن بت في البلد إطلاقا . أي جمال ! أي أدب ! أي حشمة ! ... " (ص . 89 ) .

    ويتكرر المشهد بحضور الزين في مجلس يضم محجوبا وسعيد والطاهر الرواسي ،،، وهو يتحدثون عن عرس الزين متعجبين ، فيتدخل الزين " وقال في سرور : الحنين قال لي قدامكم كلكم : باكر تعرس أحسن بت في البلد " .( ص . 112 ) .

    إن التعبير عن كلام الحنين من خلال التكراري له أكثر من دلالة في توجيه الأحداث ، والهيمنة عليها . إنه يوجهها لأن النبوءة ليست فقط قولا عاديا من شخصية عادية ، ولكنه يساهم في تشعب الحدث بجعله " مقبولا " من قبل الشخصيات التي لايمكنها أن تعارضه أن تتدخل ضده . وسنلاحظ ذلك بجلاء في التأويلات التي رافقت الحدث ، وما جره من أقاويل وتعليقات .

    4 . 3 . تأويلات وأقاويل :

    لقد وظفت لتقديم المادة الحكائية في رواية عرس الزين أنواع ثلاثة هي :

    4 . 3 . 1 . الخبر : الذي قد جاء عن طريق الاستباق ، وتم توسيعه من خلال الذهاب إلى "الحكي الأول " المتصل بميلاد الشخصية العجيبة ، وبدأت الأحداث تتطور ، وتتشعب من خلال توظيف :

    4 .3 .2 . القسم : وهو نوع كلامي وظفه الروائي ليضعنا أمام احتمالين : إمكان نفاذ وتحقق الزواج أو عدمه .

    4 .3 . 3 . التنبؤ : وهو كذلك نوع كلامي لا يمكن أن يصدر إلا عن شخصية لها خصوصيتها.

    وإذا كانت الرواية قد افتتحت باستباق ( الخبر ) ، فإن النوعين الآخرين ( القسم / التنبؤ ) تم توظيفهما في منتصف الرواية ، ليتم تحققهما في النهاية . وبذلك تتضافر هذه الأنواع الثلاثة ، وتتكامل لتشكيل عالم الرواية ، وتضمن تلاحم بنيتها الحكائية وانسجامها.

    إننا كما رأينا " التكراري " يبرز لنا بجلاء من خلال الأنواع التي ألمحنا إليها وهي تقدم لنا " الحدث " المحوري ، أو من خلال توسيعه أو تشعبه ، نجده باديا كذلك في نهاية الرواية ، وقد وصلنا إلى الحدث نفسه ( الزواج ، وقد أخذ موقعه ضمن الترتيب إذ به تكتمل دورة الرواية ) ، لكن هذه المرة ليس من خلال الإعلان عن الخبر ، ولكن من خلال تأويلاته ، وما رافقه من أقاويل في مجتمع الرواية ، وبالأخص من خلال الأصوات التي من خلالها وصل الخبر :

    " اختلفت الأقاويل . قالت حليمة بائعة اللبن لآمنة ، وكأنها تغيظها ،،، إن نعمة رأت الحنين في منامها ، فقال لها : عرسي الزين . اللي تعرس الزين ما بتندم ،،،

    وزعم الطريفي لزملائه أن نعمة وجدت الزين في يحشد من النساء ،،، فحدجتهن بنظرة صارمة وقالت لهن : باكر كلكن تأكلن وتشربن في عرسه ،،،

    وروى عبد الصمد للناس في السوق أن الزين هو الذي طلب الزواج من نعمة ،،، إلا أن المرجح أن الذي حدث غير هذا ، وأن نعمة ، بما فيها من عناد ، وربما بوازع الشفقة على الزين ، أو تحت تأثير القيام بتضحية ، قررت أن تتزوج الزين ،،،( ص . 116 ـ117)

    هذه التأويلات المتعددة التي تقدمها لنا الرواية تأتي على شكل أقاويل لايمكن إلا أن نشك في صحتها أو ملاءمتها لما تقدمه لنا لرواية من إمكانات ومعطيات . فحليمة بائعة اللبن لاتسوق ( تروي ) الخبر إلا بقصد مركزي : إغاظة آمنة . ولذلك فإنها تذهب إلى اختلاق سبب وجيه يقضي بالزواج بين الزين ونعمة بإعطائه بعدا عجائبيا ( حلم نعمة بالحنين ) . وعلينا ألا ننسى في هذا السياق " التنبؤ " الذي جاء على لسان الحنين . إن حليمة تستثمره بذكاء مركزة على بعده القابل للتحقيق ، فهو الكلام الذي لايرد .

    أما الطريفي ( التلميذ ) فيجعل الزواج جاء بإرادة " نعمة " لما رأت الزين وسط النساء وهن يضحكن منه . إنه التحدي الذي تمارسه نعمة حيال قريناتها . أما عبد الصمد فيجعل أمر طلب الزواج جاء بناء على رغبة الزين ، فهو الذي أقدم على ذلك بتوجيه من "كلام " الحنين الذي يعتقد فيه ، وسبق أن بينا استشهاد الزين بكلام الحنين .

    تتعدد هذه التأويلات ( الأقاويل ) وتختلف باختلاف أصوات الرواية . تركز حليمة على نعمة من خلال حلمها بالحنين ، والطريفي كذلك ينطلق من نعمة تبعا للمشهد الذي عاينته هذه الأخيرة ، بينما يركز عبد الصمد على الزين . هذه الاختلافات في تأويل "الخبر" ترتبط بجلاء باختلاف طريقة تقديم الخبر من قبل الأصوات التي وقفنا عليها .

    لكن الراوي له وجهة نظر خاصة بصدد هذه التأويلات ، فهو يستبعدها جميعا ، ويقدم لنا تأويلا آخر يراه مناسبا . يبدو لنا ذلك بجلاء في قوله " من المرجح أن الذي حدث غير هذا " . إن الصيغة بينة في الكشف عن التأويلات المقدمة ومدى مجانبتها للصواب ، لذلك يقترح علينا تأويلا مغايرا " إن نعمة بما فيها من عناد ، وربما بوازع الشفقة على الزين ، أو تحت تأثير القيام بتضحية ، قررت أن تتزوج الزين " ( ص . 117) . يركز الراوي على البعد النفسي ل" نعمة " وما تتميز به من عناد ، ويفسر ذلك بتشديده على " ربما " من خلال الإيحاء إلى شفقة نعمة على الزين ، ورغبتها في التضحية .

    يلتقي التأويل الذي يقدمه لنا الرواي مع ما نجده عند التلميذ الطريفي من خلال تركيزه على " رغبة " نعمة في الزواج من الزين . لكن الراوي يعطيها أبعادا أكثر وضوحا ، مادام التلميذ يبرزها لنا من خلال " المشهد " الذي جمع النساء بالزين ، وهن يضحكن منه . إنه موقف لايمكنه إلا أن يثير الشفقة ، ولاسيما إذا عرفنا أن نعمة بنت عم الزين .

    هذا الترجيح الذي يقدمه الراوي نجد ما يعضده و يفسره في بداية الرواية عندما انبرى لتقديم صورة عن شخصية " نعمة " من خلال تركيزه على عنادها ، ورغبتها في التميز . فهي في طفولتها أرغمت أباها على دخولها الكتاب لتتعلم القرآن ، وهي عندما كانت تقرأ القرآن الكريم كانت تشعر بنشوة عظيمة ، ولاسيما " حين تصل إلى الآية : " وأتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا " وتتخيل رحمة امرأة رائعة الحسن ، متفانية في خدمة زوجها ، وتتمنى لو أن أهلها سموها رحمة . كانت تحلم بتضحية عظيمة لاتدري نوعها . تضحية ضخمة تؤديها في يوم من الأيام " ( ص .52 ) .

    كانت نعمة تتمنى لو كانت " رحمة " زوجة أيوب ، ولو سماها أهلها رحمة ، لأنها "منذورة " لتقديم تضحية عظيمة . لذلك فإن رغبتها التي تكونت عندها منذ طفولتها ، صارت بمثابة " التنبؤ " أو " الحلم " الذي ظل مسيطرا عليها منذ زمان . وهي حين كانت تضع صورة عن فارس أحلامها ، لم تكن تفكر كثيرا فيه ، وكأنها قد حسمت الأمر مع نفسها منذ اكتشافها الزين . إن الزين في وضعه الاجتماعي لايختلف كثيرا عن " أيوب " فهو عرضة للهزء والسخرية من الغير ، ومدعاة للرحمة والشفقة من نعمة . ولنا أن نتذكر هنا المشهد الذي يرويه التلميذ الطريفي عن نعمة ، وهي تخاطب النسوة اللواتي كن يضحكن من الزين .

    إن التأويلات أو الأقاويل لاتختلف من حيث الجوهر ، حتى وإن رجح الراوي واحدا منها على غيره . إن دلالتها واحدة وتبرز في كون " نعمة " منذورة للزين ، سواء جاء ذلك بناء على رعبتها في التحدي ، أو الشفقة ، أو استجابة للحلم الذي رأت فيه الحنين .

    5 . تركيب :

    ينجح الطيب صالح في بناء رواية عرس الزين على " الخبر " . ويوظف لتوسيعه وتشعبه نوعين آخرين هما " القسم " و" التنبؤ " ، وانطلاقا من استثمار عالم القرية في جزئياته وتفاصيله ، يقدم لنا تجربة روائية يتداخل فيها " الواقعي " ( واقع القرية السودانية ) مع " التراثي " ( من خلال العديد من العناصر الدالة عليه ) بحيث لانجد مسافة بينهما . إن التاريخ القديم بأشكاله ومثله وقيمه ما يزال ممتدا في الحاضر . يبرز ذلك بجلاء في كون استثمار البنيات الحكائية القديمة ( الخبر ) وأشكال تلقيه وتأويله، ومختلف أنواع الحديث أو القول ، وخاصة " القسم " ، وأٌقوال الزهاد ذات الطابع التنبؤي، جاءت لتصب جميعا في قالب " العجائبي " الذي تزخر به الرواية ، وتكشف لنا عن العلاقة بين الواقع والتاريخ والتداخل الحاصل بينهما : فالحلم ، والخربات المسكونة ، ودعوات الحنين كلها لها دور كبير في طبع عالم الرواية ومجتمعها بالطوابع التي تؤكد ذلك التواشج الذي نلمسه في التاريخ العربي ، وإذا هو متصل بعالم القرية . وهناك عناصر أخرى لها أكثر من دلالة في النص الروائي ، وهي تعمل مجتمعة على تأكيد ما نرمي .

    إن تداخل الواقعي والتاريخي ، يجعلنا نستعيد ما قلناه في البداية عن العلاقة بين التـأصيل والتجريب ويدفعنا إلى استخلاص أن الروائي وهو يشتغل بما يزخر به الواقع من قيم متناقضة وممتدة من التاريخ ، يمكن أن يسهم في تـأصيل الرواية العربية دون أن تكون تجربته مستمدة من التراث السردي العربي . فالتداخل بين الواقع والتراث ممتد في الزمان ، وهناك العديد من العناصر التي نتعامل معها الآن بأنها من صميم التراث ما تزال تجلياتها بارزة في واقعنا . وحين يوظفها روائي من طراز الطيب صالح ، فإنه بذلك يدفعنا إلى معاينة الحدود القائمة بين الواقع والتاريخ ، بين الحداثة والتراث من منظور مخالف لما يشيع في الأدبيات الرائجة ، وينبهنا إلى ضرورة التساؤل بصددها .

    نجد الجواب الواضح عن الإشكال الذي نطرح الآن كامنا في ما يسمى ب " الثقافة الشعبية "، إذ كلما نجح الروائي في الإنصات إلى نبض الواقع وبما يمور به كان التداخل واضحا بين التاريخي والواقعي ، وبينهما والأسطوري ، وبين مختلف الأشكال السردية التي وظفها العربي منذ القدم للتعبير عن هواجسه وأحلامه . وحين يمسك الروائي بمختلف هذه المكونات ، تتداخل الرواية بغيرها من الأشكال ، فيقع استثمارها على النحو الذي يضعنا أما الفعل الإبداعي الذي يظل ينهل بوعي أو بدون قصد من الثقافة الشعبية باعتبارها ذاكرة ، أو تجسيدا ثقافيا ما يزال ينبض بالحياة . والروائي الحقيقي هو الذي يلتفت إلى هذا الطابع الشعبي الذي ترثه الرواية بامتياز ، فإذا هي تنفتح على كل التراث، وتتمثله ، وتستوعبه ، موظفة إياه في صور نابضة بالحياة فيتصل الزمن الماضي بالحاضر ، بشكل يجعلنا نرى التداخل والتكامل بينهما .

    هذا التوظيف الخاص للواقع في امتداده التاريخي ، هو الذي أعطى لرواية " عرس الزين " طابعها الخاص ، الذي يتمثل في اتصالها بالواقع ، وبالحياة الشعبية في أعمق تجلياتها ، وصورها التي تصلها بالتاريخ وبالإنسان العربي في انتمائه الثقافي والحضاري ،

    ولعل تحليلا شاملا وأوسع للرواية قمين بجعلنا نلتفت إلى هذه الطوابع المهمة والغنية ، والتي بدأت الرواية العربية تتعامل معها بوعي ، وبصور عديدة تستدعي البحث والسؤال.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    1 . عرس الزين، الطيب صالح ، دار العودة ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1970.
                  

11-24-2008, 10:54 AM

شهاب الفاتح عثمان
<aشهاب الفاتح عثمان
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 11937

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الخبري والمجلسي في رواية عرس الزين دكتور سعيد يقطين !يلا تعالوا استمتعوا! (Re: jini)

    Quote: هذا التوظيف الخاص للواقع في امتداده التاريخي ، هو الذي أعطى لرواية " عرس الزين " طابعها الخاص
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de