|
فى زمن الخزى .. السودان يُستعمر من جديد
|
فى زمن الإنهيار الوطنى والأخلاقى الذى ساد الساحة السياسية السودانية , فى هذا الزمن التعس من حكم طغمة الأنقاذ التى لا تستحى أن تمارس حروب الإبادة والتنكيل على شعبها , وأن تفًرغ السودان من أبنائه لتستأثر هى وحدها بحكم البلاد عنوة , وأن تعيث فى الأرض فسادا ونهبا لموارد البلاد , أصبح السودان من حيث لا يدرى .. مستعمرة دولية , أو على أقل تقدير وألطف قول .. محمية دولية .
من غير أن تُطلق فى أراضيه ومن جيشه رصاصة واحدة , وتحت شتى المسميات والتنازلات , دخلته مختلف الجيوش الأجنبية وأصبحت تسرح وتمرح فى جنباته وكأنها فى رحلة سفارى أفريقية للصيد والنزهة , جيوش فى الجنوب والغرب والشرق .. وحتى فى شوارع الخرطوم. وحاكم عام فى عاصمة البلاد يقول ويصرح بما يشاء , وحكام أخر فى أغلب أقاليم السودان تحط وتقلع طائرات جنودهم وعتادهم ولا أحد يسأل أو حتى .. يهتم .
هذا هو حال وطن أبتلى الله شعبه بحكم من لا أخلاق , ولا دين , ولا وطنية .. لهم . هم حفنة من المتأسلمين الجدد , وفى سبيل أن يبقوا فى كراسى السلطة والحكم ويمدوا لأنفسهم فى هذا الإنفراد المخجل بخيرات البلاد والتمتع بثرواتها بينما الأكثرية من شعبها يموت كل يوم فى المنافى ومعسكرات اللجؤ , على أتم الإستعداد أن يقدموا , وفى فجر كل يوم جديد , المزيد من التنازلات والخنوع , وأن يجعلوا من خدودهم ورقابهم الناعمة الطرية التى أكتنزت لحما وطبقت شحما من مال السحت .. مداسا لأحذية القوات الأجنبية لتدخل أرض السودان وتملى على الوطن وشعبه ما شاء لها من خطط محكمة وقرارات مصيرية , حالية ومستقبلية , مدمرة .. وواجبة التنفيذ والسداد .
وإن كان هذا هو حال من أبتلى الله بهم حكم البلاد والعباد , فحال من وضعهم القدر متقدمين مسيرة أحزابها السياسية وقوى مجتمعها المدنى ورجال أعلامها وصحافتها وكتابها .. لأسواء وأضل سبيلا . قوم غافلون ملهيون بفتات الأمور , ليسوا بمعنين سوى بمكاسبهم المحدودة الخاصة وكيفية الحصول على هذه المكاسب . لا تكاد تسمع لهم صوتا أو ترى لهم موقفا وطنيا أو تحركا قويا وحازما يتناسب وجلل وخطورة الأمر الذى يواجه السودان وشعبه , وأصبح حالهم حال فقهاء وعلماء المسلمين فى زمن الخلافة الأسلامية وهم يتعاركون ويتجادلون فى ذكورة وأنوثة الملائكة بينما يطحن الجوع والمرض والموت عوام الناس .
فى هذا الزمن القمئ , وطوعا .. أو كرها , أصبح السودان مستباحا .. وبالكامل , لكل أجنبى يريد منه نصيبا أو موطئ قدم , وأصبح الأحتماء والإستقواء بهذا الأجنبى ديدنا للثوار وحملة السلاح الجدد .. وكأن غاية هزيمة هذا النظام الظالم لبلده ولشعبه والتخلص منه أصبحت مسوقا لتبرير الإستنجاد والإستعانة بالقوات الأجنبية وترك الأبواب مشرعة لها للدخول الى السودان . أنه الفجور فى الخصومة والدوس على كرامة الأوطان الذى تمارسه طغمة الإنقاذ من جهة , ويمارسه ضدها أيضا بعض قادة وزعماء الأحزاب والفصائل المسلحة من الجهة المقابلة . ولكن .. من سيدفع الثمن غاليا فى نهاية الأمر سيكون السودان .. وسيكون شعب السودان . سيدفعه الوطن أحتلالا جديدا لترابه وفقدا لعزته وكرامته .. وقراره , وسيدفعه شعبه دماء وتضحية لإخراج هذا المحتل الجديد .
وفى وجود قوات مسلحة كحال الجيش السودانى اليوم , هذا الجيش الذى ظل طوال تاريخه جيشا وطنيا مقاتلا ومنحازا لهذا الوطن ولشعبه , هذا الجيش الذى تم تحويله فى زمن الخزى والعار الوطنى الى جيش خانع ومستكين ومذل , هذا الجيش الذى تم فرزه وتدجينه وتحويله بالكامل الى جيش خاص بحزب الحاكمين الظالمين لوطنهم ولشعبهم , لم يبقى أمام الشعب السودانى ألا أن يتصدى هو بنفسه لهذا العبث وهذا التهريج , لم يبقى لهذا الشعب إلا أن ينظم ويدرب ويسلح نفسه لخوض معارك التحرير والكرامة ضد هؤلاء المستعمرين الجدد . وعلى هؤلاء الذين رهنوا البلاد من أجل مصالحهم الضيقة وأذلوا ونكلوا وقتلوا شعبها وشردوه , وكانوا السبب فى هذا الخزى وهذا العار الذى حاق بالوطن وبشعبه .. أن يستعدوا هم أيضا لدفع الثمن .. ودفعه غاليا ومضاعفا .
|
|
|
|
|
|