|
سودانيو هولندا و موسم الهجرة إلى الجنوب
|
سودانيو هولندا و موسم الهجرة إلى الجنوب
هولندا بلد صغير بمساحة 39 (السودان يساوي مساحتها 64 مرة)ألف كيلومترا مربعا و يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة، إلى نهاية الثمانينات كان عدد السودانيين بهولندا لا يتعدى العشرات، بدأ قدوم السودانيين إلى هولندا منذ بداية التسعينات و ازدادت معدلات قدومهم في منتصف التسعينات نسبة للضغوطات السياسية في السودان، و انحسرت أعداد القادمين في السنوات الأربعة الأخيرة بعد تشدد السياسات الهولندية تجاه اللاجئين و المهاجرين، يتراوح العدد التقريبي للسودانيين في هذا البلد حاليا بين 6-7 آلاف سوداني حتى العام الماضي ( حملة جوازات هولندية و المقيمين و غير المقيمين).
هناك ظاهرة ملفتة للنظر و هو هجرة السودانيين مؤخرا من هولندا إلى السودان و انجلترا، الأسباب متعددة لهذه الظاهرة و أهمها عدم قدرة السودانيين و المهاجرين الشرقيين بصورة عامة على التأقلم في المجتمع الهولندي و الذي تلعب اللغة فيه دورا أساسيا لأن اللغة هي مفتاح العمل و التعلم و هي بالنسبة للمتعلمين القادمين من السودان الذين يستشعرون هذه المشكلة بصورة اكبر من غيرهم نتيجة للصعوبات التي يواجهونها لإيجاد مكان مناسب لهم في هذا المجتمع، أيضا هناك إحساس إن المجتمع الهولندي منفتح بصورة اكبر حتى من المجتمعات الأوروبية الغربية المجاورة مثل انجلترا، إلا أن من الأسباب الحاسمة هو الرفض الصامت للهولنديين للأجانب خاصة المتعلمين منهم الذين يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على وظائف تناسب تأهيلهم، هذا ناهيك عن المحافظة على هذه الوظائف بعد الحصول عليها, أيضا عرفت هولندا مؤسسات حكومية تطبق سياسات الاندماج للأجانب، وقد تطورت هذه المؤسسات من وزير دولة حتى وصلت إلى درجة وزير في ظل الحكومة اليمينية الحالية، الجهات السياسية و الاستشارية التي تخلق هذه السياسات لا تستشير الأجانب حتى المتعلمين منهم في وضع السياسات المناسبة لتفعيل الاندماج مما يعطي الأجانب إحساس فأر التجارب الاندماجية التي أدت إلى فشل معظم هذه السياسات في الفترة الماضية، أيضا يسود قلق كبير وسط السودانيين حيال تربية أطفالهم في مجتمع غربي، لذا فالكثير ممن رجعوا كان أطفالهم سبب رئيسي في اتخاذ قرار العودة الصعب، أيضا فشل سياسية الاندماج الهولندية مما يدفع أطفال المهاجرين الأجانب من العالم الثالث إلى تعليم يؤدي بهم إلى مهن هامشية مثل التعليم المهني، لذا فنظرة المهاجر تتسم بالتشاؤم حيال المستقبل في هذا البلد، و قد ساهمت مأساة المهاجرين المغاربة في تأكيد هذه الفكرة في العقل الجمعي السوداني حيث تزداد الجريمة حتى وسط الجيل الثالث بين هؤلاء بأعداد كبيرة، أما ما زاد الطين بلة فهو أحداث الحادي عشر من سبتمبر وقد أتت لتوتر العلاقة بين المهاجرين خاصة المسلمين منهم و القطاعات الأخرى من المجتمع.
و في دراسة اجتماعية أجرتها جامعة تيلبورخ العام 2003 مناصفة بين باحثتين هولندية و أخري صومالية إن أكثر من 12 آلاف مواطن هولندي من أصول صومالية قد غادروا هولندا للهجرة و الاستقرار في بريطانيا فيما يعد اكبر هجرة لمجموعة عرقية معينة إلى بلد آخر في تاريخ هولندا الحديث، بل يمكن المجازفة بالقول أنها اكبر هجرة لمجموعة عرقية معينة داخل أوروبا، و قد لفتت هذه الظاهرة الأنظار لأن بضعة آلاف من هؤلاء المهاجرين كانوا من سكان مدينة تيلبورخ في الجنوب الهولندي المتاخم للحدود البلجيكية، أيضا رحل الكثير من هؤلاء إلى مدن إنجليزية محددة مثل لستر و بيرمنجهام، و قد أجرت الباحثتين مقابلات عدة مع السلطات الإنجليزية و الهولندية بهذا الصدد لسبر أغوار و تحديد أسباب هذه الهجرة. و قد تحدث الصوماليون في هذه المقابلات عن الصعوبات الكبيرة التي واجهتهم في هولندا و تقبل بريطانيا لهم و منحهم فرص كبيرة في العمل و التعليم. و الواضح إن الصوماليين لم تكن عندهم خيارات أخرى مثل العودة إلى وطنهم الأم كما هو الحال بالنسبة للسودانيين نسبة لانهيار مؤسسة الدولة في الصومال. أيضا هناك العديد من السودانيين الذين اختاروا خيار الهجرة إلى انجلترا لسهولة الاندماج و لذهنية البريطانيين المنفتحة جرأ تجارب ايجابية مع المهاجرين الأجانب في ذلك البلد.
هناك عامل جذب آخر قد يكون أثر على تغليب خيار السودان بدلا من هجرة أخرى و هو نشوء آمال بتغيير حقيقي في الوطن قد يؤدي به إلى شاطئ الأمان و الاستقرار السياسي، أيضا وجود هامش حرية و انفتاح اقتصادي نسبي في السودان يجعل هؤلاء يغلبون خيار السودان، هناك أيضا بعض المثقفين و المتعلمين السودانيين ممن لهم رغبات حقيقية للعودة و المساهمة في توسيع الانفراج الحادث في السودان و تطبيق ما اكتسبوه من معرفة و خبرات في المجتمعات المتحضرة و التي عبرت مراحل كبيرة من التعايش، مثل هؤلاء يشكل هاجس العمل في السودان عائقا كبيرا، لذا فالدعوة مفتوحة لمنظمات المجتمع المدني للاستفادة من خبرات هؤلاء حتى نجني جميعا مما اكتسبوه من خبرات، خيار العودة إلى السودان هو السائد لكن هذا الخيار مؤقت على أي حال فهؤلاء المهاجرين يحملون جنسيات أوروبية تجعل من السهل عليهم العودة إذا استمرت الحروب الأهلية و انهارت الدولة السودانية كمثيلتها الصومالية.
أمجد إبراهيم
|
|
|
|
|
|