شَيْطَانُ الخَديعَةْ (1-2) :بقلم كمال الجزولى

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 09:54 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة متولى عبدالله ادريس(elsharief)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-19-2005, 11:21 AM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
شَيْطَانُ الخَديعَةْ (1-2) :بقلم كمال الجزولى



    سبق أن رأينا ، ضمن مقال قديم عن أوضاع الفقر فى السودان ، أن من فساد التدبير اعتبار تاريخ أيَّة (دولة) محض لمَّع تتلاصف ، فحسب ، بسيَر العروش والتيجان ، ومآثر القادة والفرسان ، ودسائس الحواشى والأعيان ، وما إلى ذلك مما تعج به صحائف التراث ، وجله لا خير فيه ولا نفع ، على قول الشاعر محمد المهدى المجذوب. (فالدولة) ، فى حقيقتها ، هى أداة التسلط السياسى الضروريَّة فى المجتمع البشرى المنقسم إلى طبقات (تتدافع) فيما بينها حول السلطة والثروة وما يفرزه هذا (التدافع) من قيم.

    ولعلَّ هذا بالذات هو الاسهام الفكرى الأهم لعبد الرحمن بن خلدون (732 ـ 808 هـ) ، حيث التاريخ عنده "خبر عن الاجتماع الانسانى الذى هو عمران العالم ، وما يعرض لطبيعته من التوحُّش والتأنُّس والعصبيات والتقلبات للبشر بعضهم على بعض ، وما ينشأ عن ذلك من الدول ، وما ينتحله البشر من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع" (المقدمة ، ص 43).

    بذلك وبمثله أسهم هذا المفكر العربى العالمى الماجد فى التأسيس الباكر لفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع ، مستنهضاً منهج دراسة الدولة وتاريخها على قدميه ، بعد إذ كان مقلوباً ، فأحاله من فعل الأفراد ، مهما عظم ذكرهم ، إلى فعل (البشر/الجماهير) ، بعصبيَّاتهم وحراكاتهم و"تقلباتهم بعضهم على بعض".

    لقد قضت (السُنن) الكونية ، بالمصطلح الإسلامى ، أو (القوانين) التى تحكم حركة المجتمع والتاريخ ، فى ما قد يعده البعض محض رطانة ماركسيَّة ، بأن تقع (الدولة) ، أو (ضرورة الملك) ، بالمصطلح الخلدونى ، فى قبضة الطبقة الاجتماعيَّة السائدة اقتصادياً ، كشرط لإنفاذ امتيازاتها السياسيَّة ، من جهة ، ولحفز عمليات (التدافع) التى تحرك التاريخ إلى مراقيه الأعلى ، عبر سلسلة من التحولات الجدليَّة ، من الجهة الأخرى ، حيث الوعد ، فى الفكر الاقتصادى السياسى والاجتماعى الاسلامى ، للمستضعفين ، أو الأغلبية التى تمور فى قاع هرم التركيبة الاجتماعيَّة ، بوراثة هذه السلطة والثروة: "ونريد أن نمُنَّ على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمَّة ونجعلهم الوارثين" (5 ؛ القصص). ويؤكد بعض الأئمة أن "تلك الطائفة .. هى منحدر التركيب ، يريد الله سبحانه وتعالى أن يجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين. وهذه .. سنة تاريخية" (محمد باقر الصدر ؛ السنن التاريخية فى القرآن ، ص 154).

    وربما ، من هذه الزاوية بالذات ، وقع لبعض الكتاب الاسلامويين شئ من الانتباه لصحة التحليلات الماركسيَّة ، فى ما يتصل بظاهرة (الدولة) وسيرورة العلاقات الطبقيَّة فى نسق التطوُّر الاجتماعى ، فأقروا بأن "هذه مسلمة .. قبل بها الفكر السياسى والاجتماعى الاسلامى منذ وقت طويل. وقد نضيف إليها أن الدولة تتطلب بالضرورة نخبة سياسيَّة تقودها. يحدث أحيانا أن تتولى الطبقة الاجتماعية الحاكمة إفرازها ، ويحدث أن تتولى النخبة إفراز الطبقة" (عادل حسين ؛ ضمن: أزمة الديموقراطية فى الوطن العربى ، ص 204).

    ورغم أن (النخبة) لا تفرز (الطبقة) إلا باستخدام مباضع الجراحة الانقلابيَّة ، فإن هذا المفكر الاسلاموى يجد ما يستند إليه فى كتابات ماركس حول نمط الانتاج الآسيوى. لكنه يخلص إلى نتيجة متعمَّلة مفادها أن (التكامل) هو السمة الأساسيَّة للعلاقة بين (الحاكم) و(المحكوم) من خلال الدولة (المصدر). وما ذلك ، فى رأينا ، إلا لكونه ينطلق ، فى الواقع ، من (نهايات) ، وليس من (مقدِّمات)! فهو يسعى ، فى ما يبدو جلياً ، لاستصلاح تربة فكريَّة وسياسيَّة مناسبة لاستزراع نوع (إسلاموى) جديد من (ديكتاتوريَّة النخبة) يريد أن تتوفر له مباركة الجماهير (بتكاملها) معه من خلال مؤسَّسة (الدولة) التى يضفى عليها ، بلا حيثيات مقنعة ، مسحة من براءة الحمل ووداعته!

    لذلك ، وبرغم وجاهة تسليمه بهيمنة الأقلية على (الدولة) كأداة (للملك) فى المجتمع الطبقى ، إلا أننا نختلف معه فى ما يجترح من تاريخانيَّة جديدة لدور (الجماهير/الأغلبية) ، حين يختزله فى محض (التكامل) مع (النخبة الاسلامويَّة) ، لاغياً بالكلية سُنة (التدافع) التلقائى الذى لا يمكن ، كما قد رأينا ، أن ينقضى بقول أحد من الناس. فحتى لو بدا فى حالة سكونيَّة ، فذلك ، بالقطع ، سكون مؤقت.

    فكرة (التكامل) التى يفترضها عادل حسين ، لا تتناقض ، فحسب ، مع القانون الدياليكتيكى الذى يحتم موت الظاهرة بانتفاء (وحدة وصراع الأضداد) داخلها ، ضمن الفلسفة التى يستصوب (بعض مسلماتها) ، وإن تك تلك ، على أية حال ، درجة من الرحابة الفكريَّة المطلوبة من باب التأسِّى بالحديث الشريف: (الحكمة ضالة المؤمن ، أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها) ، بل وتتناقض ، قبل ذلك وفوق ذلك ، مع سُنة (التدافع) القرآنيَّة: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" (251 ؛ البقرة) ، أى أن الشر يُدفع بالخير ، حتى لا يغلب فيعم الخراب والدمار (صفوة التفاسير للصابونى). فأى (شر) يعدل تكريس هيمنة (الأقلية) على أقدار (الأغلبية) فى المجتمع؟! وأى (خراب) أو (دمار) أكبر من أن ينتفى (التدافع) ، انتفاءاً عدمياً ، باصطناع (تكامل ملفق) تخمد أنفاس الحياة نهائيا ، بسببه ، على الأرض ، (فتفسد)؟!

    وإذن فإن فكر عادل حسين ، قبل أن يطوِّح بعيداً ، فى هذه الناحية ، عن المفهوم الماركسى الذى يعلن قبوله ببعض (مسلماته) ، ومصدره العقل والفطرة ، يطوِّح بعيداً أيضاً عن المفهوم الاسلامى الذى يزعم أنه يبنى عليه ، ومصدره القرآن والسُنة ، ليتخذ مقامه فى قلب مفهوم (التراتب أو التناضد الاجتماعى Social Stratification) فى السوسيولوجيا البرجوازية ، والذى يقوم ، بالأساس ، على التعريف الاجرائى (لوحدات) الهرم الاجتماعى ، من زاوية التصنيف الاحصائى البحت ، كمجرَّد مجموعات من (أفراد) متماثلين فى المهن ، والدخول ، ومستويات التعليم ، وما إلى ذلك. فحتى فى حال النظر إليهم (ككتل) اجتماعيَّة ، يجرى إسقاط مضمون الفوارق بينهم كطبقات وفئات وشرائح منقسمة حيال وسائل الانتاج ، ومتدافعة ، بالضرورة ، حول السلطة والثروة.

    هكذا يخلص منظرو (التناضد) ، وهذا هو بيت القصيد ، إلى استنتاج أن (السُكان) أجمعهم موعودون (بالترقى) المتدرِّج إلى المراتب الأعلى فى السلم الاجتماعى (كذا!) تبعاً ، لا (للتنمية) ، وإنما (للنمو) القائم على اجتهاد كل إنسـان بمفرده: (من كدَّ وجدَ ـ التجارة شطارة ـ دعه يعمل ، دعه يمر) .. الخ!

    لكن ، عندما تؤول كلُّ هذه (الشعارات) ، فى بلد فقير كبلدنا ، إلى ضمور ، وتروح (حكمتها) تذوى فى التطبيق العملى ، ليتضخم ، بدلاً منها ، ويلقفها جميعاً الشعار الأكبر .. سيِّد الشعارات كلها: (الهَبَرُو مَلـُو) ، حينذاك لا يعود ثمَّة مناص من أن يتسلل من مخبئه (شيطان الخديعة) الفكرى الرابض خلف نظريات (التناضد الاجتماعى) و(الترقى المتدرج) ، لينتصب عارياً وسط الخرطوم ، يراه الجميع ، يمد لسانه للجميع ، ويرقص .. دون أن يغطى لحيته ، كما فى المثل السودانى!

                  

03-19-2005, 11:40 AM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 11163

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شَيْطَانُ الخَديعَةْ (1-2) :بقلم كمال الجزولى (Re: elsharief)

    "فكرة (التكامل) التى يفترضها عادل حسين ، لا تتناقض ، فحسب ، مع القانون الدياليكتيكى الذى يحتم موت الظاهرة بانتفاء (وحدة وصراع الأضداد) داخلها ، ضمن الفلسفة التى يستصوب (بعض مسلماتها)"
    دي ما فهمتها
    المقولة الجدلية تقول بوحدة وصراع الإضداد. التكامل الوارد في أفكار عادل حسين ربما كان أقرب للجزء الأول من المقولة. بقي علي كمال أن يوضح أن كان عادل حسين قد جاء بما يناقض الجزء الثاني الذي يختص بصراع الأضداد.
    الما مفهوم أكثر هل يتحتم القانون الجدلي موت الظاهرة? توضيح أكثر يا كمال في المرة القادمة
                  

03-26-2005, 09:30 AM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شَيْطَانُ الخَديعَةْ (1-2) :بقلم كمال الجزولى (Re: Nasr)



    شَيْطَانُ الخَديعَةْ (2-3)

    قلنا ، فى الجزء الأول ، إن (السُّنن) الكونية ، بالمصطلح الإسلامى ، أو (قوانين) حركة المجتمع والتاريخ ، بالمصطلح الماركسى ، تقضى بأن تقع (الدولة) ، أو (ضرورة المُلك) ، بالمصطلح الخلدونى ، فى مرمى (تدافع) القوى الاجتماعيَّة المنقسمة حول السلطة والثروة ، وإن الفكر الاجتماعى الاسلامى قائم على الوعد القرآنى للمستضعفين: "ونريد أن نمُنَّ على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمَّة ونجعلهم الوارثين" (5 ؛ القصص). ويؤكد الفقه أن هؤلاء "منحدر التركيب ، يريد الله سبحانه وتعالى أن يجعلهم أئمَّة ويجعلهم الوارثين. وهذه .. سُنة تاريخيَّة" (م. ب. الصدر ؛ السُّنن التاريخيَّة فى القرآن ، ص 154).

    ورأينا أيضاً كيف أن مفكراً إسلاموياً كعادل حسين ، الذى لطالما دافع عن تجربة (الانقاذ) السودانيَّة ، قد انتبه للتحليلات الماركسيَّة بشأن ظاهرة (الدولة) وسيرورة (التدافع) فى نسق التطوُّر الاجتماعى ، فأقرَّ بأنها "مسلمة .. قبل بها الفكر السياسى والاجتماعى الاسلامى منذ وقت طويل". لكنه ظلَّ ، مع ذلك ، ينظـَّر لعلاقة السلطة والجماهير كعلاقة (تكامل) ، لا (تدافع) ، كونه ظلَّ يتغيُّا ، أيديولوجياً ، مباركة الجماهير لديكتاتوريَّة النخبة الاسلامويَّة وتحريم معارضتها!

    ولاحظنا أن هذا المسعى لا يتناقض ، فحسب ، مع قانون موت الظاهرة بانتفاء (صراع الأضدَّاد) داخلها ، بل ومع سُنة (التدافع) القرآنيَّة: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" (251 ؛ البقرة). فهذه الرؤية تصادم ، فى الحقيقة ، كلا المفهومين: الاسلامى الذى تزعم الانتساب إليه ، ومصدره القرآن والسُّنة ، والماركسى الذى تستصوب بعض مسلماته ، ومصدره العقل والفطرة ، لتعتمد مفهوم (التناضد) الاجتماعى Social Stratification فى السوسيولوجيا البرجوازيَّة ، ومفاده أن (الجميع) موعودون (بالترقى) تبعاً لمستوى (النمو gross) وليس (التنمية development)!

    وخلصنا إلى أن خواء شعارات هذه النظريَّة ، مهما بدت برَّاقة للوهلة الأولى ، ما يلبث أن ينفضح حين يلقفها جميعها الشعار الأكبر: (الهَبَرُو مَلـُو) ، فلا يعود ثمَّة مناص من أن يتسلل من مخبئه (شيطان الخديعة) السياسى الاقتصادى الاجتماعى ، لينتصب عارياً ، يراه الجميع ، يمد لسانه للجميع ، ويرقص .. دون أن يغطى لحيته!

    وفى هذا الجزء نحاول تسليط شئ من الضوء ، بالأرقام الباردة ، على بعض الحقائق الأخيرة لعلاقات الفقر فى بلادنا ، كنموذج لهذا المآل. فقبل قرابة الأربع سنوات حدَّد وزير الدولة بوزارة الماليَّة لشئون التنمية الاجتماعيَّة أن نسبة الفقر فى السودان بلغت حوالى 37% حسب استقراء الاحتياجات الفعليَّة (جريدة الخرطوم ، 7/6/2001م). وإذا غضضنا الطرف عن بيانات عالميَّة تؤكد أن 96% يعيشون تحت خط الفقر ، فإن دراسة محليَّة سبق أن أفادت أن نسبة الـ 37% نفسها هى ، فى الواقع ، نسبة الفقر الغذائى قبل زهاء ربع قرن من تقديرات الوزير ، أى عام 1978م الذى التحقت فيه الحركة الاسلاميَّة بمؤسَّسة السلطة!

    أما نسبة الفقر عام 1998م فقد قدَّرتها الدراسة ، استناداً إلى مسوحات عام 1992م ، بـ 87% وسط سكان الحضر ، وأوضحت أن 74% منهم فقراء غذائياً ، وأن 83% من سكان الريف تقلُّ دخولهم عن خط الفقر الغذائى ، وأن 86% منهم فقراء من جهة الاحتياجات الأساسيَّة! كما قدَّر المركز تزايد نسبة الفقر بمعدل سنوى مقداره 4,6% خلال الفترة 1978م ـ 1992م ، أى فترة الوجود المتصل للحركة الاسلاميَّة فى السلطة ، باستثناء بضعة أشهر ، وإضافة ثلاثة عشر عاماً أخرى حتى الآن! وتوصَّل المركز ، باستخدام معدَّل الزيادة هذا ، إلى أن 89% من سكان السودان فى العام 1998م قد يكونون فقراء ، وأن (فجـوة الفقر) فى ذلك العام قد تبلغ 70% ، أى أن إنفاق الفقراء يفى فقط بحوالى 30% من تكلفة غذائهم الأساسى (التقرير الاستراتيجى السودانى ، 1998م).

    وكان مِمَّا برَّرت به الانقاذ لانقلابها على الديموقراطيَّة الثالثة صبيحة 30/6/1989م تفاقم (الأزمة الاقتصاديَّة) ، وازدياد (نسبة الفقر) ، وتدنى خدمات (الصحة) و(التعليم) بسبب انشغال (أهل الاحزاب) بالصراع السياسى عن مراعاة (الفقير) و(المسكين) ، وعن (التخطيط) السليم (للاصلاح) و(النهضة) ، حتى انتشرت "الأعمال الهامشيَّة الضارَّة من تهريب وتجارة عملة وسمسرة فى مواد التموين والأراضى ورخص الاستيراد والتصدير ، و .. برزت فى المدينة شرائح يزداد غناها .. دون جهد أو عرق ، وشرائح أخرى يقتلها الفقر .. رغم الجهد والعرق" (راجع: البيان الأول).

    ثم ما لبثت الانقاذ أن دشنت برنامجها الاقتصادى الثلاثى (1990ـ1993م) لإنجاز (الاصلاح) و(النهضة) و(الرفاه). لكنها سرعان ما عادت لتعلن الخطة العشريَّة (1992ـ2002م) بالتعويل كليَّة على سياسات التحرير الاقتصادى التى حوَّلت الدولة السودانيَّة من خانة (الرِّعاية) إلى خانة (الجِّباية)!

    ورغم أن تلك الخطة اعتمدت وصفات البنك الدولى الغائب عن السودان لعشر سنوات ، فقد بدا، فى تقويمه لها ، متنصِّلاً ، هو نفسه ، عن مسئوليَّتها ، حيث حرص على تأكيد أن الانقاذ فرضت تلك الوصفات على نفسها ذاتياً self-imposed! بل وانتقدها ، فى تقريره القطرى لعام 2003م حول سياسات الضبط البنيوى والترسيخىStabilization & Structural Adjustment ، بأنه ، رغم حدوث (نمو) بمعدَّل 6% فى المتوسِّط ، إلا أن الفقر يتفاقم ، والدخول تزداد تبايناً ، كدليل على سوء توزيع عائدات الثروة ، وهو ما لا يمكن علاجه بدون اتباع سياسات قصديَّة منحازة للفقراء Pro-Poor Politics!

    هكذا انقلب البنك الدولى نفسه يبكى على مصائر فقراء السودان ، ويقترب من الفلسفة المعتمَدة لدى برامج دوليَّة أخرى كبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP الذى يركز على البعد الاجتماعى Social Edge فى السياسات الاقتصاديَّة ، بأكثر من معايير (النمو) ، الأمر الذى يعنى تحجيم (حريَّة) السوق بتدخل الدولة (لرعاية) الفقراء! وإذا عُرف السبب بطل العجب ، فالخطة العشريَّة لم تكتف بالفشل فى دعم (الفقراء) و(المساكين) و(أبناء السبيل) ، فحسب ، بل انتهت باقتصاد البلاد كله إلى الانهيار الشامل (راجع: م. أ. عبده "كبج" ؛ إقتصاد الانقاذ والافقار الشامل ، كيمبردج 2003م).

    نعود للسيد وزير الدولة بالماليَّة الذى حدَّد نسبة الفقر عام 2001م بـ 37% ، وأكد أن وزارته وضعت خطة استراتيجيَّة لمحاربته خلال خمس سنوات (تبقى منها عام وبعض عام)! إلى جانب خطة إسعافيَّة تغطى ما كان متبقياً من عام 2001م ، بتكلفة قدرها 26 مليار دينار (جريدة الخرطوم ، 7/6/2001م). كما أعلنت وزارة الرعاية الاجتماعيَّة ، وقتها ، عن رصد مبلغ 4.9 مليار دينار لتغطية 825 ألف أسرة فقيرة ، ومبلغ 2.6 مليار دينار لإخراج 27.660 أسرة من دائرة الفقر ، ومبلغ 914 مليون دينار لأبناء السبيل ، ومبلغ 3 مليار دينار لدعم الطلاب (المصدر).

    لذا كان غريباً أن ينقلب الوزير ذاته ليعلن ، فى نفس الوقت ، أن نسبة الفقر غير معروفة (!) ولم يتم تحديدها بعد (!) وأن بنك التنمية الأفريقى وافق على تقديم عون فنى ومؤسسى قدره 3 ملايين دولار للسودان للقيام بمسح سكانى لتحديد هذه النسبة (!) فكيف جاز ، إذن ، للوزير أن (يؤكد) أن النسبة هى 37%؟! وإذا كانت كذلك ففيم تبديد مبلغ 3 ملايين دولار على إعادة التعرُّف عليها؟! وإذا كانت غير ذلك فمن أين جاءت الأرقام (المحدَّدة جداً) لانتشال الأسر (المحدَّدة جداً جداً) من وهدة الفقر؟؟

    (نواصل)

                  

03-26-2005, 07:23 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شَيْطَانُ الخَديعَةْ (1-2) :بقلم كمال الجزولى (Re: elsharief)

    up
                  

03-26-2005, 07:27 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 11163

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شَيْطَانُ الخَديعَةْ (1-2) :بقلم كمال الجزولى (Re: elsharief)

    Keeping this up. Very good indeed
                  

04-02-2005, 09:29 AM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شَيْطَانُ الخَديعَةْ(1-2-3 ):بقلم كمال الجزولى (Re: Nasr)



    شَيْطَانُ الخَديعَةْ (3-3)
    رأينا ، فى ما تقدَّم ، أن بعض من تحمَّسوا لتجربة (الانقاذ) السودانيَّة من الاسلامويين ، فطنوا للتحليلات الماركسيَّة بشأن ظاهرة (الدولة) فى سيرورة (التدافع) ، لاتساقها و(السُّنن) الكونية فى المفهوم والمصطلح الاسلاميين. ومع ذلك درجوا ، لأغراض أيديولوجيَّة ، على تصوير علاقة (النخبة) و(الجماهير) كعلاقة (تكامل) ، لا (تدافع) ، لينتهوا إلى المزاوجة المستحيلة بين مفهومى (العدالة الاجتماعيَّة) فى الاسلام و(التناضد) الاجتماعى Social Stratification فى السوسيولوجيا البرجوازيَّة!

    لكننا لاحظنا أن هذه الأيديولوجيا ما تلبث أن تتكشف ، فى كلِّ مرَّة ، عن (شيطان الخديعة) الذى يحاول جاهداً الاختباء داخلها! فوزير الدولة للمالية ، مثلاً ، كان قد حدَّد نسبة الفقر ، عام 2001م ، بحوالى 37% ، رغم أن بيانات عالمية سبق أن حدَّدتها بـ 96% ، كما كشف مركز الدراسات الاستراتيجيَّة أن تلك الـ 37% كانت ، فى الواقع ، نسبة الفقر الغذائى عام 1978م ، أى أوان التحاق الحركة الاسلاميَّة بمؤسَّسة السلطة على أيام جعفر نميرى!

    أما النسبة عام 1998م فقد قدَّرها المركز بـ 87% وسط سكان الحضر ، وقدَّر أن 74% منهم فقراء غذائياً ، وأن 83% من سكان الريف تقل دخولهم عن خط الفقر الغذائى ، وأن 86% منهم فقراء من جهة الاحتياجات الأساسية ، كما وأن الفقر يتزايد بمعدَّل سنوى مقداره 4,6% خلال الفترة 1978م ـ 1992م ، وأن 89% من السودانيين قد يكونون فقراء فى العام 1998م!

    أشرنا كذلك إلى أن الحركة الاسلاميَّة كانت قد برَّرت لانقلاب يونيو عام 1989م بتفاقم (نسبة الفقر) ، ومن ثمَّ دشنت مشروعها (للاصلاح) بالبرنامج الثلاثى ثم بالخطة العشريَّة. مع ذلك فقد عاد وزير الدولة بالماليَّة نفسه ليعلن فى 2001م ، قبيل نهاية السنوات العشـر بأشهر قلائل ، عن خطة (أخرى) لمحاربة الفقر خلال خمس سنوات! كما أعلنت وزارة الرعاية الاجتماعية عن رصد ميزانيات محدَّدة لدعم الفقراء والطلاب وأبناء السبيل. لكن الوزير ذاته ما لبث أن أعلن ، وفى سياق تصريحه نفسه للعجب ، بأن نسبة الفقر غير محدَّدة (!) وأنهم حصلوا على 3 ملايين دولار من بنك التنمية الأفريقى لتحديدها!

    ومن ثمَّ كان لا بُدَّ لنا أن نتساءل: إذا كانت النسبة غير محدَّدة فكيف جاز للوزير تحديدها بـ 37%؟! وإذا كانت محدَّدة ففيم تبديد ملايين الدولارات على إعادة تحديدها؟!

    بمواصلة إضاءة هذه العصيدة من المفارقات سنكتشف أن كلَّ تلك الخطط ذات العناوين الفخيمة ، والتى وضعت بالاستناد إلى كلِّ تلك الأرقام والتقديرات التى أعلن عنها وزراء وقامت عليها وزارات ، ليست ، فى الواقع ، سوى تطمينات وقتيَّة أقصى مقاصدها حمل الناس ، فحسب ، على الاستمرار فى التطلع إلى السَّراب ، والتعلق بحبال الأمل ، طبق المثل السودانى (الحارى ولا المتعشى) ، وذلك بالمراهنة على الذاكرة الضعيفة ، والطاقة التوثيقيَّة الأضعف!

    وإذا لم يكن ذلك كذلك ، فما الذى يمكن أن نستنتجه من اضطرار رئيس الجمهوريَّة مؤخراً جداً للتدخل بنفسه لتوجيه (اللجان الشعبيَّة) لعمل مسح اجتماعى شامل فى الأحياء لمعرفة الأوضاع المعيشيَّة للمواطنين (الصحافة ، 18/3/05) ، وذلك بعد ما يقارب الستة عشر عاما من انقلاب يونيو ، والخمسة عشر عاماً من تدشين (البرنامج الثلاثى ، 1990ـ1993م) ، والأربعة عشر عاماً من إطلاق (الخطة العشريَّة ، 1992ـ 2002م) ، والأربع سنوات من إعلان وزارة الرعاية الاجتماعيَّة (خطة محاربة الفقر ، 2001ـ2006م) ، و(الخطة الاسعافيَّة للنصف الثانى من عام 2001م) ، وإعلان وزارة الماليَّة حصولها على 3 ملايين دولار من بنك التنمية الأفريقى (لتحديد نسبة الفقر ، 2002م) وغيرها ، دَعْ (ورقة تقليص الفقر الاستراتيجيَّة P.R.S.P.) التى وضعت العام الماضى بالتعاون مع البنك الدولى ، وما تزال معطلة تنتظر مقدم الحركة الشعبيَّة للبدء فى تنفيذ اتفاق السلام؟!

    وقد يكون من المناسب أن نعيد إلى الأذهان هنا تنصل البنك الدولى من المسئوليَّة عن الانهيار الشامل الذى أفضت إليه الخطة العشريَّة ، رغم اتباعها لوصفاته هو نفسه ، كون الانقاذ ، على حدِّ تعبيره ، التزمت بها ذاتياً self-imposed ، ومع ذلك فإن معدَّل (النمو) الذى تحقق بمعدَّل 6% فى المتوسِّط لم يحِد من تفاقم الفقر أو تباين الدخول نتيجة لسوء توزيع العائدات ، مِمَّا لا يمكن علاجه ، حسب تقرير البنك الدولى حرفياً ، بدون اتباع سياسات قصديَّة منحازة للفقراء Pro-Poor Politics!

    وربما لا يكون ثمَّة ما هو أكثر فضحاً من ذلك (لخديعة) مفهوم (النمو Growth) كبديل عن مفهوم (التنمية Development) ، وباعتراف البنك الدولى نفسه!

    لقد اعتمدت (ورقة تقليص الفقر الاستراتيجيَّة) المشار إليها مفهوم (الفقر Poverty) بمعايير (الحرمان Deprivation) ، أى عدم القدرة على الحصول على خدمات الصحة والتعليم والمواصلات والتلفزيون والهاتف وما إلى ذلك من حاجات (التنمية البشريَّة) والانسانيَّة الضروريَّة بالمفهوم الحديث ، وليس مجرَّد عدم الحصول على الطعام والسكن .. الخ.

    هكذا اقترب حتى البنك الدولى ، فى حالة السودان ، من مفاهيم مؤسَّسات دوليَّة أخرى ، كبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP الذى يهتمُّ بدعم الفقراء مقابل سياسات الخصخصة المحضة ، والذى خلص إلى رسم سياسات كليَّة قائمة فى جوهرها على تعميق (البعد الاجتماعى) و(تدخل الدولة)!

    ولكن من أسلم بلادنا إلى كل هذا الفقر؟!

    للاجابة على هذا السؤال يمكن وضع مجلدات ضخمة عن أساليب النشاط الاقتصادى الطفيلى ، وطرائق المراكمة البدائيَّة لرأس المال ، وعن أثرياء السودان الجدد الذين (هَبَرُو) و(مَلـُو) دون محصول يُحصد ، أو ضرع يُحلب ، أو ماكينة تدور "بئر معطلة وقصر مشيد"! على أننا سنكتفى ، فى نهاية هذه المقالة ، بالاشارة فقط إلى الجانب الأكثر خطراً فى هذه الأساليب والطرائق: (النهب من المال العام)!

    ففى 17/6/2001م ، قبيل عام واحد تقريباً من نهاية (الخطة العشريَّة ، 1992ـ2002م) ، وفى نفس التاريخ الذى كانت وزارتا الماليَّة والرعاية الاجتماعيَّة تعلنان فيه (خطة محاربة الفقر خلال خمس سنوات ، 2001ـ2006م) و(الخطة الاسعافيَّة للنصف الثانى من عام 2001م) ، كان رئيس الجمهوريَّة يعلن ، فى مؤتمر صحفى ، أن ما نهب من المال العام خلال الأشهر الثلاثة عشر السابقة بلغ 4.400.000.000 جنيهاً.

    فى العام التالى (2002م) أعلنت بيانات رسميَّة أن نسبة الفقر بلغت 95%! وفى ديسمبر 2003م أعلن المراجع العام أن ما نهب خلال العام السابق ، بلغ 1.682.620.000 جنيهاً. ثم عاد وأعلن فى ديسمبر 2004م أن ما نهب فى نطاق الحكم الاتحادى وحده ، خلال السنة الماليَّة المنقضية ، بلغ ، بدون القطاع المصرفى ، 3.960.000.000 جنيهاً ، بنسبة زيادة 235% مقارنة بالعام السابق! وتبدو المفارقة مريعة إذا علمنا أن ما تم رصده فى ميزانيَّة 2005م للتنمية فى القطاع المطرى التقليدى كله ، الذى يشمل 65% من سكان السودان ، لا يزيد عن 3.300.000.000 جنيهاً!

    فى التفاصيل أوضح المراجع أن النهب اتخذ صورة (خيانة الأمانة) بنسبة 73%! فإذا لم تكن (خيانة الأمانة) متصوَّرة ، عقلاً ومنطقاً ، إلا مِمَّن جرى (تمكينه) مِن هذه (الأمانة) ، فإن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن النخبة الاسلامويَّة رفعت ، منذ أول أمرها ، شعار (استخدام القوى الأمين) ، لكن ليس بمعيار (التفوُّق) الأكاديمى أو المهنى ، وإنما بمعيار (الولاء) لها! وهكذا ، وبدعوى (الصالح العام) ، جرى تشريد آلاف العاملين من أهل (الكفاءة) ، وإحلال أهل (الولاء) محلهم ، باعتبارهم وحدهم (الأقوياء) و(الأمناء)! فمَن ، إذن ، نهب المال العام؟!

    (إنتهى)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de