|
العطلة الصيفية ، وإمبراطورية سودانير للعكننة
|
قبل شهر حاولت إيجاد حجز لإبني ليسافر من الرياض إلى الخرطوم ، وكانت في يده تذكرة صادرة من سودانير ، لكني لم أتمكن ، وكلما راجعت مكتب سودانير بالرياض لم أوفق في إيجاد هذا الحجز بحجة أن الرحلات جميعها محجوزة ،،، قابلت رجلا أعرفه معرفة حقة ، فسألته هل لديه حجز قال لا ، لكني تحدثت مع فلان الذي تحدث معهم ، وسيهتمون بأمري ،،، وفعلا عرفت أن ذاك الرجل سافر في نفس الرحلة التي كنت أحاول إيجاد مقعد فيها لإبني ،، لم ألجأ لأي واسطة ، بل واصلت عن طريق الاستفسار من الكاونتر ،،، وكان الرد دائما يأتيني مؤكدا : والله ما في مقاعد ... قلت أمري لله ، واتجهت نحو الخطوط السعودية واشتريت تذكرة عودة لإبني ، ليتمكن من العودة في موعده ، ووجهته أن يراجع مكتب الخرطوم ليسترد قيمة التذكرة التي لم يستفد منها ،،، وكان أن ردوا له 240000 جنيه ، وأيضا أمرنا لله ،،، البارحة كنت في مكتب سودانير بالرياض قبيل صلاة العشاء ، ثم خرجنا من المكتب لأداء صلاة العشاء في المسجد القريب جدا من مكتب سودانير ،،، وكنت من أول العائدين بعد العشاء ،، وجلست أمام الكاونتر عند الموظف الأول وأعتقد أن اسمه أحمد ... شاب ربما لم يبلغ الثلاثين من العمر ،،، تبدو عليه وسامة ، وذكاء ، يبشرانك أنك أمام السودان الجديد الذي تحلم به ... جاء أحمد وجلس على مكتبه ، وكان يتحدث في هاتفه الجوال ، يطمئن المتصل أنه يمكنه أن يسفّر له أسرته يوم الاثنين ،،، وكأنه كان يتحدث عن تسفير هذه الأسرة من جدة ... أنهى المكالمة ، ولم يتحدث إلي ولم يسألني وأنا الجالس أمامه ،،، مد بصره لمن يقف خلفي ، وهو يقول : يا جماعة العندو تأكيد حجز يجينا ،،، ومد يده تلقائيا ليستلم التذاكر من ذاك الواقف خلفي ،،، قام بتأكيد حجز ذاك الشخص ، ورد إليه تذاكره ، فمد إليه ذاك الرجل ( الجاكيت ) الخاص بالتذاكر وكان عليه ورقة الحجز ( البرنت ) ،، فقال له : يا أخي شنو الشلاقة ليك ما كان تدينا البرنت ده من قبيل .. استغربت استخدام هذه اللهجة مع المراجعين ،،، لكن ذاك الرجل رد بضحكة ، وقال : ما كنت قايلك بتحتاجو ... ثم أضاف : يا أخي الراجل ده قال ليك ضروري تتصل بيهو .. فرد موظف سودانير : جدا والله ، إن شاء الله حا أتصل بيهو ... في هذا الأثناء كان هناك مراجعا آخر جالسا إلى جواري أمام الكاونتر ، وأشهد الله أنه كان أحكم مني ، فسحب نفسه وانتقل إلى موظف آخر ... عندما عاد موظف سودانير ليقدم الخدمة للمراجعين الجالسين أمامه اختار الشخص الذي جلس بديلا لذاك الذي انتقل ،،، وحجز له ولأسرته ، وعلى ما أذكر ان المراجع كان من أهل القضارف ، ولا أعتقد أن بينه وبين موظف سودانير علاقة ، لكن يبدو أن موظف سودانير كان ( مكجني لله وللرسول ) ،، لم أحتج على ذلك وانتظرت ،،، ثم تدخل موظف من خلف الكاونتر وقدم لزميله أوراقا لمراجع آخر ، كان يريد إصدار تذاكر ، وقام الموظف الأساسي من كرسيه ، وتناول زميله الجهاز وبدأ في إدخال المعلومات ، ثم عاد الموظف الأصلي وواصل العمل في استخراج تذاكر لهذا المراجع ،،، وأشهد أن ذاك المراجع كان موجودا بالمكتب قبلي ، لكنه كان يجلس بعيدا عن الكاونتر ... وبعد طول انتظار مد موظف سودانير يده ليأخذ مني تذكرتي ، وقال لي أن أقرب إمكانية للحجز هي يوم 21 يوليو ،،، فسألته إن كان يمكن توفير أي مقعد في وقت أقرب ،،، قال لا يوجد مقعد ، ولكن راجعنا لو فضى مقعد يمكن نقدر نسفّرك ،،، فقلت له تجربتي معكم أنكم ( ما فيكم فائدة ) ،،، قال : ما فينا فائدة عديل كده ،،، قلت : نعم ، والله ما فيكم فائدة مطلقا .. قلت هذا وأنا أنطلق من تجربتي السابقة في سفر إبني ... ومن تجارب سابقة من خبرة تعامل سنين طويلة من الغربة والسفر ... فيال موظف سودانير : ما فينا فائدة دي كبيرة .. قلت له : كبيرة وللا صغيرة ، ده الحاصل ... قال : يعني عايزنا نختّك بدل راكب حاجز ،،، قلت لا ، لكني حتى وأنا جالس أمامك هنا وأنت تقدم الخدمة لمعارفك ، ثم قمت منفعلا ، ووقفت مكان الرجل الذي أكّد له الحجز ،،، ومثلت الموقف أمام الحضور ... تدخل موظف ، وأعتقد أنه مسئول أكبر ، وحاول أن يأخذني للكاونتر الآخر ليقدم لي الخدمة ،،، لكني قلت له : أن الرجل سيقدم لي الخدمة ، ولا توجد مشكلة ،،، فقال ذاك : طيب مالك ؟ فرددت عليه أنني شرحت ما بي بالصوت العالي ، ولا حاجة لإعادة الشرح ،،، حاول موظف سودانير أن يعطيني درسا في التعامل الخطأ ،،، حين قال لي : المرة الجاية لمّن تجي تأكد الحجز ، تجينا عشان نخدمك قبل الآخرين ،،، قلت له : لماذا تتبع أنت وحدك هذا النهج ، ولا يتبعه بقية زملائك ؟ وخرجت ..
ودرسي لمكتب سودانير بالرياض : نحن في بلد تتبع نظاما دقيقا في خدمة المراجعين ،، ففي مكاتب الدولة ، والبنوك ، ومكاتب الطيران ، وحتى في محلات السندويتشات ، والتيك أوي ، تأخذ رقما ثم تنتظر دورك ،،، وعلى مكتب سودانير أن يطور نفسه ليحفظ للمراجعين دورهم في تقديم الخدمة ،،، وإذا كان مكتب سودانير يرى أن هناك ضرورة لإعطاء أولوية لتأكيد الحجز ، فإنه لابد أن يخصص له كاونتر خاص ،،، أو على الأقل يعلق لافتة كبيرة يكتب عليها : الأولوية لتأكيد الحجز ،،، وأي تصرف غير هذا هو تصرف عشوائي ، وفيه مداخل للمجاملات وخدمة الأقارب والأصدقاء والمحاسيب ...
|
|
|
|
|
|