|
الاتحاديون ، فرقتهم خير أم وحدتهم ؟
|
على المستوى الشخصي وفيما يخص وحدة الاتحاديين ، لم أكن أتوقع جديدا من العودة الفجائية للزعيم الاتحادي مولانا محمد عثمان الميرغني ، المرتبطة بوفاة مولانا أحمد الميرغني ، فقد ظل الزعيم الكبير يراوح موقفه حول ما يسميه البعض سعيا نحو وحدة الحزب الاتحادي الديمقراطي ، وقد ظل مولانا يكرر على الأسماع ما ظل يقوله من قبل أن الحزب موحد منذ العام 1967 . وكما توقعت وتوقع كثيرون غيري ، من قبل ، فقد تدافعت جموع الناس إلى كل الأماكن التي وطأتها قدما مولانا ، منهم الاتحاديون ومنهم من هم غير ذلك . وهذا كله جعل الواقع يقول أن مولانا على حق فيما يقول ، إذ أن كل البينات تثبت له أن جماهير الحزب الاتحادي الديمقراطي تدين له بالولاء والطاعة ، وأنها تتقبل قيادته للحزب قبولا مطلقا ، وأن كل ما يقال عن عدم الرضا عن قيادته لم يكن إلا سرابا بقيعة ، وأن الأصوات التي تردد هنا وهناك كلاما عن الخلافات الاتحادية والتشتت والانقسام الاتحادي ليست سوى اصوات نشاز ، وأنها في أفضل الحالات تمثل نفسها لا غير . وكنت أقول أن توقيع ميثاق الوحدة الذي وقعته أخيرا مجموعة من الفصائل الاتحادية بدار الزعيم الكبير إسماعيل الأزهري لا يعني شيئا ، ولن يقدم شيئا . وقد بنيت كل الذي قلته في الصحف أو في سودانيز أون لاين أو في مجالس الأنس الاتحادية على ما شاهدته عيانا بيانا ، وما سمعته بأذني ، وما شاركت فيه من عمل ، فالموقف الذي أفرزه ميثاق الشارقة ، وأم دوم ، وغيرها من المساعي كلها تؤكد أن غالبية الاتحاديين الذين ينادون بالوحدة الاتحادية والذين يسعون إليها سعيا مسموعا ومرئيا وملموسا لا يعرفون الطريق إلى الوحدة بالرغم من أنهم صادقون في دواخلهم ومخلصون لإنتمائهم الحزبي . وقد كنت أخوض مع الخائضين في أمر الوحدة الاتحادية ، وحاورت بعض الاتحاديين ، وكنت دائما أقول أن الأمر ليس أمر وحدة أو فرقة ، إنما هو أمر يتعلق بضعف المؤسسية ، وقصور في الممارسة الديمقراطية ، فإذا توفرت المؤسسية والديمقراطية ، فإن الحزب سيظل موحدا على نفس الأسس التي أرساها اتفاق 1967 ، ولن يقبل أي من جماهير الحزب الاتحادي الديمقراطي بأن يقال أن الحزب منقسم لعدد من الفصائل ، بل سيقول الجميع أن الحزب موحد ، وأنه لا مكان لدعاة الفرقة . وقلت أن للقيادة دور كبير في أمر التفرق والتشتت ، والقيادة تعي جيدا أن الاتحاديين لن يبارحوا مواقعهم ولن يتخلوا عن قيادتهم حال التزام القيادة بمبادئ الحزب وضمان متطلبات الجماهير وعشمها في حزبها . إذن مولانا محمد عثمان الميرغني لم يأت بجديد حين يقول أن الحزب موحد منذ العام 1967 ، وفي نفس الوقت لم يبدل قوله ، لكنه يظل المسئول الأول عن كل ما يصيب الجسد الاتحادي من الأوجاع والآلام ، فهو الممسك بالدفة ، وهو موجه المسار الاتحادي ، وفوق هذا وذاك هو الأب ، والزعيم والمربّي الذي يعرف تماما الفرق بين المؤسسية واللامؤسسية والفرق بين الديمقراطية من عدمها . وينتج عن هذا المشهد سؤال هام ، وهو هل حقيقة هناك أزمة مؤسسية وديمقراطية بالحزب الاتحادي الديمقراطي ، وإذا كان الحال كذلك فلماذا تكون هذه الأزمة واضحة للبعض لدرجة إعلان الانشقاق ، وخفية على الآخرين لدرجة انعدام الأحساس بها ؟ والاجابة على هذا السؤال ليست قطعية ، لأنه ربما يقودنا إلى تحليل سيكولوجي وميتافيزيقي مطول ليس هذا مكانه ، ولسنا أهل له . لكني أكاد أجزم أن غالبية الجماهير مع الحزب بقيادة مولانا الميرغني ، باعتباره التيار الأساسي ، وأن الآخرين لم يذهبوا لهذه الجماهير في مواقعها ، ولم يتواصلوا معها ، ولم يتمكنوا من جذبها إليهم . فالجماهير لا تعرف هؤلاء ، ولا تبحث عن مواقع حزبية متقدمة ، ولا تنافس على المكتب السياسي أو اللجان المركزية ، وليس لديها الوقت والحماس للمشاركة في المؤتمرات التي يمكن أن تعكس الرؤيا التي يتبناها الاخرون ، وبالتالي فهي لا تكتوي بنيران اللامؤسسية على الأقل في المستوى المباشر ، إذا ثبت أصلا أن هناك أزمة مؤسسية في الحزب ، لكنها – أي الجماهير - دائما تنتظر أن يقدم لها حزبها مستوى من التمثيل يرضيها وأداء يقنعها ، ولكن بحساباتها هي ، وليس بحسابات المنشقين . الذين يتحدثون عن الوحدة ويناطحون التيار الرئيسي ظلوا دائما محدودي السقف ، أي أنهم يصلون في حراكهم في كل مرة إلى عنق الزجاجة ولا يتعدونه ، ثم لا يستطيعون الخروج منه . لكن لأنهم مجموعة من المثقفين ، فهم لا يميلون لقبول اللامؤسسية ، ولا يتقبلون التعامل مع الأمر على علاته ، كما يتمتعون بقدر من الراديكالية يجعلهم يسعون إلى تحريك البركة الساكنة مرة بعد أخرى . إذن لماذا ينادي البعض بالوحدة الاتحادية وهو يعلم تمام العلم أنها غير ممكنة بالفهم الذي طرحت به عبر ميثاق الشارقة وما جاء بعده ؟ هل هي وسيلة للضغط أم محاولة للخروج ببعض المكاسب ؟ أم أن البعض يرى أن المناداة بالوحدة وسيلة لإصلاح حال الحزب وتنشيط أدائه ومنحه صفة المعاصرة ؟ ولنسأل أيضا ، ما العمل إذا رفض مولانا كل المساعي التي تتحرك في الساحة الاتحادية الآن ؟ هل سيجتمع المنشقون على حزب جديد ؟ أم أنهم سيأخذون الحزب عنوة من الممسكين به ؟ أم أنهم سيقفون على الرصيف ويقاطعون الانتخابات ؟ أم أنهم سينطلقون أحرارا يدلون بأصواتهم لمن شاءوا ؟ ليست هناك إمكانية للإصلاح الجذري الذي ينشده المثقفون المنشقون عن هذا الحزب العتيد ، فالحديث عن المؤسسية والديمقراطية لا يهم الممسكين بالأمر ، لأن ما يمارسونه الآن وعبر التاريخ هو المؤسسية في فهمهم هم ، وبالتالي فإنهم لا يرون سببا لتمرد البعض عليهم . ولن يتمكن أحد من إقناعهم بأنهم غير ديمقراطيين . على الجانب الآخر فإن نفرا غير قليل من الذين انقسموا ووقعوا على بعض أو كل مواثيق الوحدة انخرطوا في حوار مع مولانا وتوصلوا معه لاتفاق . وما أراه أن هؤلاء إنما اختاروا التخلي عن فكرة الوحدة التي حملوها سابقا ، وتقبلوا وجهة نظر مولانا حول الوحدة ، وهم بهذا إنما يقبلون بالأمر الواقع ، مع سعهيم للحصول على بعض الإصلاحات التي قد لا تلامس ما هو جذري . وهذا يجعلني أشك في أن الأمر كله ستتم معالجته في إطار الترضيات الممكنة بإضافة أناس جدد إلى المكتب السياسي أو إلى اللجان العديدة التي يمكن أن تخرج من مخاض حزب كبير كالحزب الاتحادي الديمقراطي . وستصبح المجموعات التي لم تقبل وجهة نظر مولانا أقل وأضعف شأنا ، وسيستمر التساقط واللحاق بأحزاب أخرى . لكن لن يتمكن أحد من تحقيق اختراق كامل وتكوين حزب جديد يقدم من خلاله فكرا جاذبا للوسط الديمقراطي المتحلل من كل المؤثرات الدينية والجهوية . وهناك من بين الاتحاديين من ينتظر المؤتمر العام ، حيث ذهبت بعض مصادر الأخبار عن إحالة كل الإشكالية الاتحادية إليه ، لكن هل يستطيع أحد أن يجزم بأن المؤتمر سيكون مؤتمرا حزبيا حقيقيا ، وملتزما بالنهج الديمقراطي ، أم أنه سيكون مؤتمرا للترضيات والتوازنات ويتم من خلاله تمرير الأجندة المعدة سلفا ، ودون تردد باعتبار أن التنفيذ أو وقفه سيكون أمرا ميسورا في ما يلي المؤتمر ، وفي يد القيادة التي تضمن موقعها مقدما ؟ وما تعارفنا عليه فإن الديمقراطية تقبل التدرج ، وتلتزم رأي الأغلبية ، وتصبر على أخطاء هذه الأغلبية ، لكنها لا تقبل النكوص ، والتراجع . وخلاصة أمري أنني لا أثق في إمكانية إعادة إنتاج حزب اتحادي ديمقراطي على غرار حزب 1967 ، ولا أرى إمكانية خروج حزب جديد يلبي مطالب وطموحات ورؤى الأجيال الجديدة أو حتى قدامى الديمقراطيين . كما لن يتمكن الحزب الحالي – حتى بعد توحده – من تحقيق تطلعات الجماهير الاتحادية وآمال والساعين إلى الوسطية الديمقراطية . لكن كما قلت في مقال سابق فإنني أسأل الله أن يقيض للاتحاديين من يقودهم إلى حزب الديمقراطية الحقة الكريمة التي هي العشم المنتظر لجموع الشعب السوداني .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاتحاديون ، فرقتهم خير أم وحدتهم ؟ (Re: ودقاسم)
|
Quote: هل تفرق الاتحاديون أم تم تفريقهم ؟ |
هذا السؤال الوجيه يحمل بجعبته كل شئ ويجعلك تقفز بذهنك وتباغته بأسئلة أخرى مثل: من هم الإتحاديون ؟ وهل هم مدرسة واحدة ام مدرستين مختلفتين تم دمجهما دمجا؟ وهل تمت عملية الدمج ؟
وهل يمكن دمج الأفكار ؟
رحم الله الشريف زين العابدين الهندي, قال ما لم يقله مالك فى الخمر عن هذهـ المدرستين
شكراً لهذا البوست وان كان فتحه بمثابة فتح جرح ما زال ينزف.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الاتحاديون ، فرقتهم خير أم وحدتهم ؟ (Re: الفاتح شلبي)
|
الفاتح شلبي لك التحية والمودة ما أراه أن الحزب الاتحادي الديمقراطي يحمل في طياته عددا من المدارس ، لكن هو حزب المثقفين المنتمين إلى الوسط وإلى الديمقراطية اللبرالية قبل أن يكون حزبا طائفيا .. ودخول الطائفة للحزب ليس أمرا مرفوضا في حد ذاته ، لكن الأمر المحزن أن تسيطر الطائفة على الحزب أو تفرض عليه التفرق ... وعودة الحزب الاتحادي الديمقراطي لوضعه الطبيعي أمر صعب المنال خاصة على في إذا أردنا تحقيق ذلك في المدى القصير. كما أن النداءات التي أطلقها الميرغني وأطلق عليها ( لم الشمل ) لن تقود إلى حل يجقق وحدة الاتحاديين ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الاتحاديون ، فرقتهم خير أم وحدتهم ؟ (Re: ودقاسم)
|
Quote: كما أن النداءات التي أطلقها الميرغني وأطلق عليها ( لم الشمل ) لن تقود إلى حل يجقق وحدة الاتحاديين ... |
الإتحاديون مدرستان لا ثالث لهما ... واذا أضيفت مدرسة ثالثة يكون الله فى عون الاتحادييين ... المدرستين هما المدرسة الام التى تكونت إبان تداعيات الاتحاد مع مصر والاستقلال والمدرسة الثانية هي المدرسة التى لحقت بالاولى إبان تلاوة السيد/ الميرغني, لخطاب تأييدهـ لمدرسة الاتحاديين.
فالمدرسة الأم هي باقية رغم تداعيات الزمان وقد تصدأ مبانيها ولكنها لن تنهار ... المسألة ليست سيطرة طائفية المسألة مسالة تغييب للمؤسسات بمعنى إذا كان هناك زيد او عبيد يأتي الى قمة الهرم حسب التصعيد المؤسسي الداخلي للحزب فهنيئاً له بهذا الموقع ... لكن ان يظل زيد او عبيد الأب الروحي للحزب دون الخوض مع الاخرين شرف المنافسة فهذا لا يعني هيمنة ... هذا يعني شيئاً آخر نحن غير معنيون بها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الاتحاديون ، فرقتهم خير أم وحدتهم ؟ (Re: الفاتح شلبي)
|
الشقيق الفاتح تحية وتقدير صدقني يا شقيق أن المدرسة الواحدة لو ظلت واحدة دون أن تلد أي أفكار تجديدية وطرائق متجددة ف‘نها تكون كدرسة جامدة لا تقدم للمجتمع شيئا .. وخذ مثالا : الإسلام نفسه ظل باستمرار مطالبا بالتجديد وتلمس الحداثة والمعاصرة والمواكبة ، وتعددت مدارسه دون المساس بالأساسيات .. ولكن لنتجاوز هذه النقطة ، لندلف إلى نقطة هيمنة الطائفة أوسيطرتها ، في مقابل مسألة تغييب المؤسسية . فهل تعلم يا شقيق أن الختمية مثلا لا يرفضون أن يكون الميرغني رئيسا للحزب حتى لو أنه لم ينتخب ؟ وأنهم - أي الختمية يعتبرون ذلك قمة المؤسسية ... إذن كلمة المؤسسية نفسها ليست مطلقة هكذا ، إنما هي مقيدة بحسب المؤسسة نفسها ... فالطائفة مؤسسة دينية أو اجتماعية ، تصنع أطرها الديمقراطية حسب ما تحدده السلطات الدينية أو الاجتماعية الممنوحة للزعيم . وهنا مربط الفس ، وهنا نقطة اللاتلاقي بين المثقفين الوسطيين من الاتحاديين وبين الطائفة .. فلا الطائفة مستعدة لتقديم تنازلات ، ولا الليبراليين يقبلون بهيمنة الطائفة ..
| |
|
|
|
|
|
|
|