دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
إلى ميرفت والسمندل: أداهمكم الآن ببعض فجر مواجعى، فانتفضوا
|
ان فاحت منى رائحة الزنجبيل فتأكدوا انها بفعلكم، فانا أحتاج بعض نشيد ودوزنة لميرفت والسمندل وابنوسه ورحيقها الكوستاوى
أكتوبر هواء الشتاء القادم يحرك في شئنا حنينا ودافئا آه يا مدن كانت فرحة كزرقة البحر ووضاءة كنجمة الزهراء مالك باهته وشاحبة وكئيبة تجرجرين أذيال حلم كان وبقدر عمق الحلم تبكين بقدر اتساع الحلم انتحب وبعمق انتحابي أشتهيك أشتهي نجومك التي ما عادت تومض بحكايات طفولتنا وأحلامها أشتهيك حاضراً في كنهارات جنون عشقي
آه منذ أن نفيتني إلى العدم صارت ذاكرتي مثقلة بالوجع وأنا أبحث عن حنين داخلي في ليالي أوربا الباردات حنين ما يشدني لحجر أمي إلى معانقة الشجر الشابك في دمى إلى بحر يعتلج في جوارحي إلى النيمات الرابضات عند النيل إلى عاشقين يتلوان أهازيج العشق ويرقبان نجمة مضيئة تغازلهم بفرح مثقلة ذاكرتي بالوجع بالشوق بالحزن السرمدي حزينة تائهة أبحث عن وجهك يا محمد أحمد، عن وجهك المسكون بعشقي وأناشيد فجرى لماذا كفيت أن تخصني بالأغنيات الحنينة فما عدت تدندن في عصبي الأخير مترنماً بجسدي الممشوق كأغنية خالدة؟ أعرف لماذا، فمنذ أم أغلقت بيوت الخياطة وتفتحت جروحنا باتجاه سماء داكنة بآهات أشول وخديجة، أشول ما عادت تشدّ جسدها الممشوق كقامة أغنياتها أشول ترهف عصب عشقها عله دينق عاد بالأبقار مهرها وخديجة تنتظر كل صباح عله يعود محملاً بالسنابل وبشرات الخير، لم يكمل الجامعة، حاصروه بأحلام الشهادة { والجنة} وحرم زينة الحياة الدنيا، من أغتال أبنها؟ أه يا محمد أحمد ألا تستطيع الآن أن ترتق جلبابك المعتق بتاريخ أمنيات النساء وأهازيج الصبايا؟ أما زلت تحب ولعي بالغناء والفضاءات وحكايات النساء؟ ولعة بك بالشوارع بالناس الطيبين الآن رحلت كل الطيور، رحل {السنبر} ترك الأشجار تنوح وتتماسك بما تبقى فيها من وريقات ذابلات تنتح ما تبقى فيها من مواجع الزمان لم يعد للأشياء بريقها وتوهجها ولحية جدي ما عادت تشير إلى الوقار آه يا محمد أحمد لماذا أغلقوا في وجهي ريح فجر ينتظرنه النساء بعد مخاض عسير لماذا أغلقت كليات العلوم والآداب والفنون الجميلة؟ هل تعيدني إلى سنين طفولتي المسكونة بالركض المجنون وعنفوان الصباحات؟ هل تعيدها لي يا رجلاً مسكوناً بعشق كل الصبايا؟ يا رجلاً كان يصدّ عنى أزمنة الوجع والعذابات القاسية أبحثك في كل طرقات العمر في أزمنة غربتي عنى أزمنة وجعى وجنون أنوثتي الفالتة عن السائد والمألوف يا غيمة لم تهطل بعد في بحري ولم تعكر الطمي الساكن أحلام الصغار الذين أعلنوا إن أجمل الأعوام آتية لماذا لا تعكر طمي أنوثتي أغرس الآن في ثمرك فأنا مهيأة كغيمات الخريف المنذرة دوماَ بالهطول أغرس في قرنفلك ودعني أشمك بكل شراييني التواقة إلى الدفء إلى حنين ما يسكن سويداء تاريخ حكايتنا وبوبوء الأفق الراقد تحت جمر الانتظار تمضى بي سنوات العمر ولم تأتى وعد، لم تعلن في سماوات رغبتنا المجنونة تجاه عالم تنبت فيه أشجار الحب وعصافير عاشقة لكل فجر. ماذا تخبئ لي سنوات العمر القادمة هل تطلع شمس أشتاقها ما بين شهيقي وزفيري، هل يموت الحلم واقفاً كفارس مغوار كما تصرع أشجار الحنين في دمنا؟ أيا رجلاً ذودني بالصباحات والفضاءات وصوتاً جهوراً ينطلق باتجاه غيمه كفت عن الهطول في وديان صمتنا منذ أن أعلنت هزائمنا الكبرى ونحن نلملم بقايا حبر على أحلام مطالبنا المشروعة في العشق والعلم وحق الانتخاب هل انهزمنا وقاطرة القرون الأوسطي يقودها أبى لهب؟
أتأمل ألان تاريخنا ونضالاتنا أتأمل حكاياتي المجروحة وصباحاتى المقهورة بقوانين صحابة آخر الزمان كسوني عباءة سوداء وإنتعلونى حذاء يدوس على تاريخ النساء مقهورة الطيور التواقة إلى التحليق قصموا جناحي ونتشوا ريشي الجميل فقدت الشمس في مدينتي توهجها فقدت النجوم بريقها حتى أغنيات الحب والسلام تحولت إلى أناشيد بالحان مشروخة تحرض للحرب ضد كفر أشول ودينق الثعابين نفثوا سمومهم في كل صفقة شجرة وكل طفل يصرخ جائعاً للخبز ومنافذ العلم المغلقة في وجهه يجب أن يتعلم كيف يحارب الفجرة ليضمن {الجنة} في آخرته ما عاد الهواء صالحاً للتنفس وما عادت الشوارع تسع أحزاننا ووجوهنا الكالحة الحزينة آه يا رجلاً دثرني ضد القهر من يدثرك ويدثرني ضد الفجيعة؟ مفجوعة ومثقوبة رئة جنوني بالبكور والعصافير والمطر مقهورة بقائمة الممنوعات ممنوع الحلم ممنوع العشق ممنوع مغازلة القمر والفتيات ممنوع اختلاط الطمي بالماء ممنوع الحب ممنوع الحياة
أذكر طفولتي وضفائر شعري الطليق يغازله صباحاً الهواء الرطب المنعش أكتشف العالم والحيوانات الأليفة ألاعب الفراشات وأتوق أكثر لذكرها ببراءة وفرح نلعب نبني بيوتاً من الطين نتخيلها بيوت غدنا القادم نصطاد الأسماك الصغيرة من { الخور الكبير} نشاكس الصراصير والضفادع وعلى الجانب الآخر المواجه لبيتنا تجلس صنوف مختلفة من البشر يحتسون {العرقي} وينتشون للمريسة التي تبيعها {نجوى} النباوية، كانت جميلة ولونها الأبنوسى يلمع كالفرح المفاجئ، صنوف من البشر يجلسون في { إندايتها} ومع كل { عبار} مريسة تعلوا أصواتهم بضجيج وفرح وقد { تدور الشكلة} وتسيل بعض الدماء، ينحل المجلس وتهدأ الدنيا قليلاً، صباحاً يتوافدون من جديد بتسامح وضحكاتهم تعلوا ولون نجوى النباوية يلصف بلمعانه، هذه المرأة بقيت حية في ذاكرتي وجزء من طفولتي التي عشتها في ذاك الحي الحنين، لماذا أوصدوا بيوت العلم والمعرفة في وجهها؟ . بقيت في ذاكرتي متقدة خالتي فاطمة البقارية، هربت صغيرة لكوستى، فى عينيها حزن رابط يحكى مأساتها ودخان الطلح يفوح من جسدها الممشوق الشبق الذي يطفئ ناره كل ليل رجال مختلفون يقفون صفوفاً طويلة أمام بيتها، لا أدرى لماذا كنت امقت هذه الصفوف التي ذكرتني بصفوف الخبز أيام مجاعتنا الأولى. كانت خطواتي الصغيرة تقودني إلى ساحة الرقص والطبل يدوي والغبار يعلو السماء، الصبيات والصبايا يرقصون والعرق يسيل من أجسادهم الفتية الممتلئة بعشق الحياة. كأنثى تعصف بها رغبات الشهوة المجنونة يقرع الطبل عنيفاً وجسدي الصغير يهتز مع الإيقاع وحلمي يكبر مع عنفوان الرقص واهتزاز جسد فتيات بنات الدينكا، قامة عميقة كأحلامنا يا محمد أحمد، متى أكبر ويتكور جسدي ليعانق هذا الطبل المجنون. أذكر حين صرحت برغباتي رأيت عصا الممنوعات تهزم في أشيائي الصغيرة، كم صعب منكافة الصقور وكم سهل أن تصرع أحلام النساء. كانت الحياة جميلة, ضاجة بكل ما فيها، لعب أطفال حلتنا، نباح الكلاب، نعيق الضفادع وصوت النسوة وهن يشربن القهوة ويتهامسن بحكايات كانت تستهويني وأنا استرق سمعي لها. أحاول طمس أحزاني أحاول أتناساها كيف وأنا أتنفسها؟ كيف وهى تطفح في دمى؟ كيف وأنا سجينة لها؟ كيف أنزع عنى حلمي وجلدي وقلبي القديم كيف أنزعه؟
هيا متى سيحملني جوادك ألي أفق نعبره دون أن يحرقنا الجمر وتلفحنا السنة نيران الحنين ألي امرأة من صهيل المعاناة مثخنة بالجراحات والآمال العريضة، تنتظرك يا محمد احمد فاردة أجنحتها بقسوة من نتفوها يوما كان، تعرف أن جوادي لا يكبو انطلق كما كنت انبثق فيك وأعشقك نارا أشعلتها بتول، ذادت لهبها فاطمة وعبرت في تحدى ألسنتها أشول. يا جمال النساء في بلدي مدهونات بكركار التعب والنزف اليومي، خلقن من طين وعائدات ألي طميه، من ضلعة {ناقصة} خلقن وكم قومن من الشجر المعوجة قامته، من جدائلهن ينجرف نبع الجموح تضئ كواكب الروح وتدنو تنهل من نبع الأفق تعبر قوية دهاليز القرون الوسطى تشعل قناديلها وتمضى في ثبات واثق الخطى. هنا نلتقى يا محمد أحمد وهناك أدثرك وتدثرني ضد الفجيعة هناك حيث نعود ننام ونصحو على عهدنا وحلمنا الجديد هناك في منحنيات الروح سنعبر الليل وفى ربعه الأخير لا تنسى أن تقبلنى بكل عذابات وشجون أيامي وأعلن لشفق الصباح أنا عزتك عزة لك ومنعة للنساء وجسد موشم بأهازيج الصغار وسياط الغربة فوانيس أشعلها وأبدأ الرقص أرقص أبكى وبينهما اصنع سحابة تمطر تمطر لأجلك لأجلى ولأجلكم
فيينا في تاريخ منسي من عام 1997
هذاالنص انزلته قبل فترة فى البورد وانزله لكما مرة ثانية لتضمخونى ببعض رحيقكم ولتحرضونى ان انتفض وحروفى
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: إلى ميرفت والسمندل: أداهمكم الآن ببعض فجر مواجعى، فانتفضوا (Re: ابنوس)
|
شوشو هذا البوست بكل مافيه من الق وجمال يسكنني ويويد في تعذيبي لان ميرفت الان لا تستطيع ان تتابع من هناك انها تعاني الما حاداَ في العيون وقد قامت قبل شهر بإجراء عملية في القاهرة ولكن يبدو أنها تمر بنكسة حاده كم هذا الحزن يرحل فينا ومن الامس وانا بحاول الاتصال بسمندل لمعرفة الاخبار واخر مستجدات الامر ولم اتمكن من الوصول له لك الافق الجميل ولها الامنيات
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى ميرفت والسمندل: أداهمكم الآن ببعض فجر مواجعى، فانتفضوا (Re: Ishraga Mustafa)
|
الاخت اشراقة لكي كل الود والتحايا والتقدير فعلا انتفضت انتفضت بفضل ما تكتبين وانا من ما قرأت هذا البوست وافكر كيف احرضك علي الكتابة اكتر واكتر ولكني فضلت ان اعكس لكي ما تفعل كتاباتك في دواخلنا من تفاعلات تنشط كل خلايا الحب الكامنه فينا واتمني ان يكون هذا دافع لكي تكتبي وتغذي ارواحانا .
____________________________________
اغني لشعبي ومين يمنعني اغني لقلبي اذا لوعني
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى ميرفت والسمندل: أداهمكم الآن ببعض فجر مواجعى، فانتفضوا (Re: الساحر)
|
نتنسم " قلوة " حزنك يامرأة من بن
وانت تباصرين "خرقنا " للوطن علماً ...ولحن
وتغزلين ..الانين قميصا ليستر محمد احمد من بعض عراه
وتنافحيين ..عنا ,,, انا وانت ومريم وشول موارد للامل
وارض للعراك,,,تشهرين قلمك واليقين
تحصحصين اوجاعنا بكامل قواك وتقترحين ..عرقك بلسماً للضماد اشراقة كم نحبك وانت تشرقين عبر السهول ...تنبتي زرعا ... و تسحقين الباعوض والوباء ودمتى مشرقة إيما
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى ميرفت والسمندل: أداهمكم الآن ببعض فجر مواجعى، فانتفضوا (Re: shiry)
|
alsngaq موج عارم وعاصف اعرف ذلك ولكنى اعرف ايضا ياصديق الحرف انك قادر على هذه المعركة وانت تعبر عنك عن خوفك المدفون فى طيات الشجن وتأكد هناك على الساحل سنلتقى رغوة نشيد وذبد من الحنين
ايما وشيرى مسكونة بكن بكل النساء الجميلات مسكونة بجارتنا النباوية وهى تنطق اسمى وكأنه يترنح على اجراس سكرى مسكونة بكل النساء الفقيرات المتعبات الحالمات بالافق وبأمى فى هذا المساء تحرضوننى ان أكتب وتزدهر مياسم غربتى واعلن بانى اتدثر بكن وبكن ياقامتى وهامتى ولعنة قصائدى الجديدة اكتبكن واغنى من زمن ما غنيت من زمن بعيد ما طرانى الفرح وخمضنى بدعاش دعوات ابويا الطيبات ومن زمن لم تمتلكنى الرغبة المجنونة فى الكتابة فانا الآن حبلى بالامل والنشيد
أمسوا على نجم حنين يطل من هناك
ام مرافىء وواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى ميرفت والسمندل: أداهمكم الآن ببعض فجر مواجعى، فانتفضوا (Re: Ishraga Mustafa)
|
اشراقة الرائعة كسلاف قمر مكتمل لقد اعدتي لي الانتباهة . واخرجني نصك البديع من هذياني وأنا اتأمل في حال ميرفت وهي تنصت .. ولا ترى شيئا زحزحني نصك الجميل ، يا بلدياتي ، عن تحالفاتي غير المتكافئة مع الوحشة .. والارتباك .. والغربة .. وكل ما يمتُّ الى الغياب بصلة . واعادني النص / الوثيقة الى عالمي الأثير وحياتي الطبيعية وسط الوجوه الأليفة في كوستي .. ودثّرني بفضاءٍ من عشب نبيل ينبت من جهة القلب ، تماما كما تنبت شياطيننا الوالغة في النور لن اطيل هنا ، لأنني سأعود واكتب عن النص / الوثيقة لاحقا .. فقط اريد ان أميد بصري نحو ميرفت ذات البصيرة ، وانقل عنها ههنا كتابها لكِ في زمن ما ، عن كوستي والغياب والذكرى . مع امنياتي ان تعود إلينا سريعا لتمارس فينا الإدهاش والنغم
... السمندل ...
كوستي : قصيدة الغياب المستحيل نحو اشراقة مصطفى في زنزانتها الاوروبية البيضاء
" بعد أن خرجَ إلى الأرض التي ليس إليها دخولٌ . ورأى أدراجاً تقودُ إلى الأرض التي أتى منها . بعد أن نجا من النار وقضى أيَّامه حالماً بالاحتراق فيها ، بعد أن سار أيَّاماً من المدينة المظلمة في يده اليسرى إلى المنيرة في اليمنى ليحمل الرسالة من هنا إلى هناك ، ومن هناك إلى هنا ، كانت الرسالة هي المدينة التي احترقت فيها كلماتها النبيلة ، ورأى بعينيه أدراجاً للصعود والنزول ، وناراً وماءً في عالمٍ يجري نحو المكان ، حيث الرسالة التي تستيقظُ وتنامُ وتموتُ وتحيا فيها المدينة " ( إذا كنتَ نائماً في مركب نوح ) .. سركون بولص هذا مؤلم ومريع يا إشراقة .. يحاصرك الضباب ،إذاً، وتزدريك ملوحة الطقس الفييني الرهيب . وينفتح في داخلك بهو من الذكريات المنضدة بعناية الهجرة . والذكرى هي كنز الراحلين وسقط متاعهم وعكازهم الذي يهشون به على غنم الموت البطيء المحدق بهم في عرصات المنافي. تحملين كوستي كشامة خد . وتتألمين لأنها تتآكل وتتحول إلى مجرد (بقعة مباركة منقرضة ) تحجين إليها بالذاكرة كلما أحاطتكِ الغربة بسديمها المرعب .. وقلة حنانها النادر . ولكن هل تعلمين أن كل السودان يفكِّر في الرحيل ( ما عدا ، طبعاً ، الأغنياء والمتسلطين ومحجوب شريف الذي ظلّ وفياً للتحدي الذي قاله منذ زمن: وعنّك بعيد أبيت الرحيل ) . الجميع يتأهب للمغادرة . وكثيرون هم الذين حلّوا في بلدان لم تكن في يوم من الأيام في وارد أمنيات أي سوداني عاقل ، كتشاد وبنين وموريتانيا؟ قوس : (من الطرائف التي يتفوّه بها الطريق ، طرفة تدّعي أن أمريكا اعتنقت الإسلام عن بكرة أبيها وفكّرت في محو ذنوبها السابقة مع السودان ، فقررت بناء مسجد كبيييييير يستوعب مليون مصلي في العاصمة .. وتم بناء المسجد الذي فرض الإنقاذيين التذاكر المدفوعة بالدولار للصلاة فيه .. وبعد فترة وجيزة ، ارتدّت أمريكا كلها عن الإسلام ، وحصل أن اشتبكت مع السودان ــ لأي سبب ــ فأمهلته خمسة أيام فقط تحمل بعدها المسجد ـ كما هو ـ إلى واشنطن .. وفي اليوم المحدد لنقل المسجد الأمريكي ، تفاجأ عمال النقل الأمميون بأن السودانيين بكامل قبائلهم وطوائفهم وأعراقهم ــ والكفيف شايل الكسيح ــ قابعون داخل المسجد وفي صحنه الخارجي .. ووجدوا جماعة الإنقاذ قد احتلوا المنبر والمئذنة ليكونوا أول الواصلين إلى جنة الوعد العصرية!) ... *** لستُ ضد السفر ولا ضد الرحيل . ففي السفر آلاف الفوائد . صحيح أنني لم أتحسس صحة الجغرافيا تحت وقع خطواتي بعيداً عن السودان . لكنني استعمل خيالي ببراعة تدربت عليها، في كل ما يتناهى إلى سمعي وقراءاتي وبصري ( بعد مجيء التلفزيون والستالايت ) لأدرك أن روما مديونة حتى النخاع لمايكل أنجلو ، وأن نيويورك تذهب كلها إلى المسرح لتشاهد عظمة شكسبير ، وأن سمفونية غروب الآلهة لريتشارد فاغنر هي أكثر ما تمنى الفرنسيون سلبه من ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية .. لست ضد السفر .. لكنني ضد الغياب الذي أراه يتمدد في مفاصل بعض الراحلين الذين باتوا بعيدين حدّ التلاشي ..أولئك الذين عاد بعضهم محمولاً على نعشٍ في طائرة البضائع . فما ضرّ أن ترحلوا يا إشراقة .. ما دمتم تنصقلون بالتجربة وتنجزون الشهادات الكبيرة التي يحتاجها سودان الغد ؟ وما ضرّ أن تتألموا .. ما دام ألمكم هو إلى حين .. وأنه الضريبة المدفوعة من أجل النماء الذي سيتحقق على أياديكم وأذواقكم ومفاهيمكم التي صارت خبيرة وحاذقة ؟ أما الضرر ، كل الضرر .. فهو ألا تعودوا ! والضرر ، كل الضرر .. هو ألا تجدوا ، إنْ عدتم ، ملمحاً واحداً من تلك الذكريات (كنوزكم المحمولة جوا ) .. في واقع الحال السوداني بعد كل هذا الغياب الطويل ! وأخشى أن هذا هو الحاصل . نعم . هو كذلك بالضبط ! *** الآن ، كوستي كلها ـ أو ما تبقى منها ـ في الشارع العام . مجلس المحافظة ممتلئ بالمتقدمين بالمعاملات الوهمية . بنات جامعة الإمام المهدي ( التي كانت مدرسة القوز الثانوية بنين قبل الإنقاذ) يتسكعن بين دكاكين الاتصالات وطبالي " قدِّر ظروفك " . وهذه الأخيرة ، إنْ كنتِ لم تسمعي بها من قبل ، محلات لبيع الإكسسوارات والعطور وألوان المكياج بحسب ظروف المشترية .. تقف الواحدة مننا بشموخ غريب أمام المحل وتنده صاحبه مادةً له خمسمائة جنيه : لو سمحتا يا ابن العم ، عايزة أضرب مناكير برتغالي .. وديانا بالباقي بالله !! . بعض الشباب يخرج حاملاً فرشاة أسنانه معه ويدلف لدكان الحلة : صباح الخير يا عم عبد الغني .. أدينا نتسوّك بالله وسجّل على الحساب !! صار الشارع هو الحياة .. الحياة العامة والخاصة . تخرجين من البيت قاصدة العمل أو الكلية فتتسوكين من الشارع .. وتتعطرين وتتمكيجين وترتبين شعرك من الشارع وفيه . الفطور هناك . الشاي والقهوة وسماع الأغاني الركيكة . لقد مضى زمن الوفرة والحس الندي . وفي تلك الأثناء .. تشعرين أن للأرض احتقانا في المفاصل ، بسبب ما تحتمله من خبط شديد السخونة يقوم به أولاد الدفاع الشعبي والخدمة الإلزامية اليافعين بملابسهم الدمّور المغبشة .. هاهم يرفعون عقيرتهم بـ " جلالات " الهوس ذات الجمل غير المألوفة : " طلعنا فوووق في الجبل سمعنا صوت جون قرنق يا حمااااده السكّنوك دار فور جبل أوليا جبل الرسول يا حماااااده السكّنوك دار فور" و .. " يومنا ما جا شهيد ، سلاح صبيان صبيان فزّيتو السونكي رِكِب بى بيتو " ودفارات نقل المقبوض عليهم لأداء الخدمة الإلزامية تجوب الشوارع وتزرع الرعب في قلوب الكبار قبل الصغار . وتلعب مع الشباب واليافعين لعبة القط والفأر . هكذا يبدأ صباحنا عادياً في مراوغته التي حفظناها عن ظهر وجع . الكساد يصبغ كل شيء . حتى الابتسامة كسدت . صرنا نتعامل مع الابتسامة كشيء ثمين لا يجب تبديده والتفريط فيه كصدقة . تكدست الابتسامات في داخلنا حتى انتهت مدة صلاحيتها فتعفنت من قلة الاستعمال . النيل الأبيض .. الذي كان ذات يومٍ أمَّنا وأبانا : ممدّد جنازة . انقطع نَفَس البابورات في محاولتها التنقيب عن الماء فيه . عربات الموية التي تجرها الحمير تكاد تصل مشارف طيبة والجزيرة أبا للظفر بماء يمكن شربه . الخضروات هزيلة وضامرة و .. مختلفة .. نطبخ البامية فنتذوق فيها طعم الكوسة ولا ندري لماذا؟ .. المستشفى .. مستشفى كوستي الكبير ، صار مادة لفكاهة الشعراء الحلمنتيش في رابطة الأصدقاء الأدبية : " قلنا ، أخير نلغي المستشفى المورود نسقيهو محايه والأسنان دي علاجا السفّه " .. الخ التمرجية هناك حجزوا مقاعد الأطباء الذين ركبوا الموج إلى الخليج بفيز الرعاة . لا تستغربي عندما تجدين الخالة حلوم الداية أصبحت رئيسة قسم الولادة في المستشفى المهيب ! السوق الكبير تضاءل وخفت صوت الباعة فيه حتى تحول همسا . هو غير مأهول ببشر أو بضائع ، ولهذا تحسين أن شوارعه صارت واسعة للغاية . تتذكرين ، قطعاً ، الأمسيات في سوق كوستي .. كانت فترينات الصياغ تتلألأ بأضواء النيون المنعكسة على الذهب المنسوج بحذق ماهر .. النساء بكامل زينتهن يتجولن بين الدكاكين الشامخة ، ينتقين الطلبات ويفتحن شنط اليد لدفع الفاتورة . كان ذلك قبل أربع عشر سنة ( أم لعلها أربعة عشر قرناً !) . اليوم ، لا وجود لتلك الفترينات .. ولا لتلك النسوة المتأنقات . كسدت التجارة فغادر أولاد تبيدي المدينة بأكملها واستقروا في سوق أم درمان . عمر منولي صار سمساراً في سوق الحبوب بعد ما كان صائغا ملء السمع والشوف .. راجي ، القبطي ، تحول بعد كساد الذهب إلى تاجر عملة فتوقف بعد شنق بعض عائلته ثم .. هاجر إلى أستراليا . لا تتوقعي أن تشاهدي الهنديات وهن يعطرن أمسيات السوق بمماشيهن وملابس السواريه . لن تشاهديهن جنباً إلى جنب الزنداويات والشايقيات وبنات جعل في تلك اللوحة الوطنية السليمة المكتملة . ولا تتوقعي أحداً بعد الخامسة مساء في سوق كوستي . وحده صديق محمد أحمد يفتح مكتبته " دار الفكر " إلى حدود صلاة العشاء .. المكتبة خالية من الكتب الجيدة .. وممتلئة بدفاتر الإدارات وأقلام التلوين والمحابر . هو يبقى متواجداً لشيء وحيد : أن يغيب عن البيت أطول فترة ممكنة حتى يتحاشى النقار مع زوجته النقاقة . كئيب جداً ملمح الليل في كوستي . وكئيب جداً نهارها وموحش . الملل حوّل النساء إلى مدخنات شيشة محترفات . والرجال ، إنْ وُجدوا ، نصفهم نائم من فرط التعب ومطاردة اللقمة نهاراً .. ونصفهم الآخر يبحث عن فرح البلح المخادع المخبأ في قوارير الزغاوية وعاشة جون ومنحنيات أحياء الرديف والقشارات والدريسة ومربع أربعة وخمسين .. الفنانون . الفنانون العابثون المتدافعون للغناء بالمجان أو بوجبة عشاء دسمة .. خرّبوا الذوق العام وصار غناؤهم هرطقة . جيل جديد من الشباب الذي أفسده الإنصات إلى المدائح المموسقة ، ركب الموجة واستعبط أصحاب الأفراح . ما يهم ، الناس تريد أن تفرح ولو بالتزوير . هكذا يقولون . الفرقة تتألف من خمسة أو أكثر من المنشدين وعازف واحد على الأورغ وآخر على الإيقاع ما لم يعتمدوا على الإيقاع الكهربائي في الأورغ . يتمايلون بجسد واحد وينشدون " لايوق الأغاني " الذي استنكره ذات يوم عاطف خيري ، فيما أهل الفرح وأبناء وبنات السبيل يبرطعون كالممسوسين في تلك الرقصة التي باتت شهيرة : " رقصة القرد"!! الكساد حلّ بالموسيقيين أيضاً . لا مكان للأوركسترا في زمن الغناء المزوّر . عازفو الكمنجات والجيتارات والساكسفون صاروا متعطلين أو غادروا إلى الخارج أو إلى الخرطوم . نادي الفنانين تحول إلى مربط لبهائم السلخانة القريبة في مربع ستة وعشرين . نادي التنس ، على حاله ، تجمعٌ لأصحاب الحظوة والجاه على قلتهم . نادي الخريجين يضع يده على خده ويحركها ليهش ذباب المربعات الجديدة التي أغرقته في التسطيح الفكري والنغمي . أما أندية الرياضة فكما تركتيها سابقاً : دومينو وكوتشينة و .. صعلكة . هل تسمحين لي بزيارة السوق الصغير معكِ ؟ سوق أزهري يا صديقتي ورفيقة هواجسي . من زمان وأنا أقول بأن هذا السوق هو مجمع البضائع المتخصصة .. ومجمع الأعراق المختلفة لكن المتجانسة . إنه سوق اللحوم والأسماك ، ومنها الفسيخ طبعاً ، والكجيك والكول وجراد نيالا و .. و كل ما تشتهيه النفس من مأدبة . وهو سوق المقاهي ذات البنابر والأبخرة . سوق الأواني المتخصصة أيضا .. حلل القيزان وسرامس الشاي . إنه ، باختصار ، سوق للنسوان . لكنه لم يكن في يوم من الأيام حكراً عليهن . في هذا السوق بدأ كثير من الغزل العفيف بين عشاق صغار . اللقاء يكون يوم الجمعة الذي هو يوم العطلة ويوم التبضع بامتياز . يتبادل العشاق الصغار فيه نظرات الحب الأولى وابتساماته المعطونة في الخجل . وهو سوق الأحجبة ورمي الودع والنميمة وقراءة الفاتحة على المسجيين على مرمى حجر في مقابر ود أم جبو . هكذا عرفنا السوق الصغير وهكذا كان ، وأكثر . لكنه الآن محاصر بالفراغ بعد ما حلّ الكساد بكل شيء . وبعد أن تمددت المقابر التي ضاقت بضيوفها المتكاثرين . وبعد ما استطالت بنايات حوله .. كئيبة الرونق . أوووه . لم أحدثكِ عن المدارس يا إشراقة . أكثرها تحوّل إلى مربط للمدفعية ، كمدرسة التيجاني بنين ، وبعضها تهالك . بعضها صمد وترقّى وصار جامعة وكليات. لكن العزوف عن التعلّم أصاب الكثيرين ، لأسباب اقتصادية وأحياناً بتشجيع من الأهل أنفسهم. كثيرات من صديقاتي ممن أحرزن نتائج باهرة في امتحانات الشهادة تحولن إلى عاملات سنترال أو نادلات في كافيتريات السوق العربي .. أو تزوجن بعضاً من قطط الخليج " المرطبين " . وحده منظر طلبة الابتدائي يمزق القلب . وقتهم يتوزع بين الدراسة الشحيحة وبين العمل . يشتغلون كعمال بناء لتشييد منازل المغتربين ذات الطوابق .. أو يمتطون عربات الماء التي تجرها الحمير الجربانة ويفرقون ماء الشرب والغسيل على منازل الفقراء .. ومنازلهم . المعلمون بلا هيبة . العوز حوّلهم إلى كائنات متنكرة لمهنة الأنبياء . يلزمون الطلاب الصغار على دفع "المعلوم" قبل أن تبدأ الحصة الصباحية التي حوّلوها بقدرة قادر إلى درس مسائي . اللي ما يدفع يطلع بره !! أحياء المرابيع والنصر والأندلس والزهور وبعض المربعات الجديدة تعيش في وضع اقتصادي فيه شيء من البحبوحة . لذلك لا تشعرين بتذمرهم . وأحياناً لا تشعرين حتى بوجودهم . الطبقية سمة أساسية في زمن كوستي مع الإنقاذ . ومع هذا يا إشراقة . مع كل هذه الآلام يتعايش الجميع بانتظار النهاية الغامضة . النهاية التي لا أفق يبشر بحدوثها ولا عرّافة تشجّعت وكذبت علينا بقدومها . لقد تغيّرت أنماط كثيرة في المجتمع ــ وبالمناسبة هذا الكلام عن كوستي يمكن أن ينسحب على مجمل المدن ــ . الدولة التي رفعت راية الدين وبشّرت بإكمال مكارم الأخلاق تسببت ، من حيث تدري أو لا تدري ، في إرباك تديننا وموت تقاليدنا . طفتْ تصرفات عجيبة لم تحصل في السودان حتى عندما كان علمانياً ونصف ملحد .تستغربين حدوثها في زمن يقال إن الحكم فيه هو شرع الله !! المزاج العكر هو الغالب حتى في الدردشة وكلام الحب . الحب ؟ يا إلهي . صعب الكلام عن الحب وفق هذه الأجواء التي كسدت فيها العواطف . صديقاتي يستغربن استطاعتي أن أصمد كل هذا الوقت في حب رجل واحد : " وكمان منتظراه يا غبيانة " يقلن لي . أعذريني يا إشراقة على كل هذا الذي قلته في هذا الحيز .. وصدقي أنني أحببتك جدا. أحببت صراحتك الجريئة البليغة . وكنت أريد أن أكتب كلاماً خصوصياً لكِ .. لكني لا أدري كيف انجرفتُ إلى العموميات ! المهم .. هناك عدد كبير من اليافعين الذين سألتيني عنهم ، ما يزالون تلاميذاً نجباء للمعلم محمود درويش .. إنهم يرفعون ــ ويلتزمون كذلك ــ لافتته الرهيبة التي هي : ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا أنا معهم ، كذلك .. أحب الحياة إذا ما استطعت إليها سبيلا . وأحب كوستي التي هي بالنسبة لي : قصيدة الغياب المستحيل . إنها القصيدة التي تستيقظُ وتنامُ وتموتُ وتحيا ولا تنتهي .. ولا تنتهي معها كوستي !
ميرفت نصر الدين ـ كوستي
(عدل بواسطة السمندل on 09-21-2003, 05:31 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إلى ميرفت والسمندل: أداهمكم الآن ببعض فجر مواجعى، فانتفضوا (Re: Ishraga Mustafa)
|
الحنين الى ميرفت تدلّت عناقيده من كرمةٍ تحتها الحفاةُ على رؤوس الأصابع عيونهم على وسعها تحتضنُ الرجاء في الأعالي والأيادي امتدت الى آخرها لتقطف جواب السؤال الحزين
... انهاعيونكم واياديكم يا اشراقة انتي وهدهد، هذا الذي ادمناه عكازا نهش به على الهواجس وعبد الله جعفر عصفور المراحل الممتلئة بالحنان والدفق الانساني النادر وكل بقية العقد النضيد من الاخوات والاخوة البورداب .......... السمنــــــــدل
| |
|
|
|
|
|
|
|