دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
الفتي الأنيق المعطر: مبارك زروق.... ومنصور خالد (6)...د. عبد الله علي إبراهيم
|
. . . ومنصور خالد (6)
الفتي الأنيق المعطر: مبارك زروق
د. عبد الله علي إبراهيم [email protected] لم يترك منصور خالد بصمة دالة على مساهمته في تحرير صحيفة الناس، لصاحبها السيد محمد مكي، في سنوات 1957 و1958 برغم شيوع العلم في جيله أنه كان من يحرك ساكنها ويهز أركانها. فلم نجد له في المحفوظ من الجريدة سوى كلمة واحدة مذيلة باسمه مما يٌستغرب من رجل موصوف بأنه كان رئيس التحرير الخفي للجريدة. وقد رجحنا أنه ربما لم يكن يشرفه أن يرتبط اسمه بالجريدة التي كانت الرائدة في الصحافة الصفراء وهي التي تؤجر مفروشة لأصحاب الغرض. وكانت لعهد منصور بها مؤجرة للسيد عبد الله خليل البيه، رئيس الوزراء (1956-1958). وخدم منصور، المحامي حديث التخرج من كلية القانون بجامعة الخرطوم، فيها البيه كمعاون له في مجال الاتصالات. ولم يخف منصور أثره من على صفحات الجريدة بحجب توقيعه فحسب بل لم يذكر صلته بالجريدة حين ذكر في مرة نادرة الجرائد التي خدم أو كتب فيها. ولما أنكر منصور أو كاد خدمته بالناس (بغير حلف على اليمين) وقع علينا إقامة البينة على إدعائنا أن منصوراً كان محرراً مرموقاً بالناس.
لمنصور خالد ككاتب توقيع للحرفة مميز أسلوباً وأداء ورؤية. ومفهوم "التوقيع" مما راج في سنواتنا الأخيرة في بئية النشاط اليساسي الذي جرى وصفه ب"الإرهاب" في دوائر الغرب. فخبراء هذا النشاط يستدلون على منفذيّ العملية "الإرهابية" بما تواضعوا على تسميته ب "التوقيع". فلكل جماعة ناشطة في مثل هذا العمل السياسي أسلوب خاص في أداء مهمتها لا تخرج منه إلى غيره من حيث الجوهر. وجعل هؤلاء الخبراء من حِفَاظ هذه الجماعات على طابع أدائها الخاص المميز سبباً للقول إن لكل منها توقيعاً مستقراً يدل عليها. والتوقيع شيمة الكاتب الضليع. فقد كتب منصور في جريدة الناس وهو في أواسط ربيع عشريناته. وقد أسفر في كتاباته الباكرة هذه عن ما بوسعنا مقارنته بغير عسر بما يكتبه على أيامنا هذه وهو يتوغل شيخاً في السبعينات.
بلاغة منصور حامضة حين يغضب. فهو لا يتورع متى غضب من استخدام كلمة أو عبارة نهائية يضيق بها واسع اللغة. فقد وجدت الجيل الحاضر من قارئه قد افتتن بعبارته "فسو" في وصف لغو القول أو عبارة أولئك الذين حملتهم أمهاتهم على ظهورهن الأفريقية من نيجيريا ويزعمون نسبة في العرب يفاخرون بها. وهم الإنقاذيون أو جماعة منهم. فهو لا يقتصد في الوصف فيأتي بحده الأقصى بينما تقتضي اللياقة أو البلاغة أن يكتفي بحده الأدني. فقد وصف موقفاً للسيد إسماعيل الأزهري بأنه "الموقف الصفيق الذي يقفه أزهري" ( الناس 18-11-57). وهو يأتي بخرائد العبارات. بعضها طارف مثل تقريعه لجمال عبد الناصر لهرب جنوده المزعوم من ساحة حرب القناة في 1956 بقوله إنهم "جنود يفكرون بأقدامهم ساعة الشدة". وهي مترجمة عن الإنجليزية ومثلها رائج على أيامنا هذه. وبعض بلاغة منصور قرآني تليد: "أيها الغافلون حاكموا جريدة الناس إن أردتم ولكن إبحثوا عن السلطة الضائعة واستردوها من قبل أن تقع الصاخة" (25-8-57). وهو دائماً صاحب النصح الذي لم يستبنه القوم حتى ضحى الغد. فقد قال عن فساد كشفه في مصلحة النقل الميكانيكي وألح في ذلك: "ولو كان هناك مستجيب لحملتنا لأوقف هذا العبث في أول مراحله ولِما ضاعت أموال الشعب طعمة لجيوب الناهبين و لألسنة النيران" (15-9-57).
ومنصور صنَّاع صيغ لغوية كاريكاكتيرية يصرع بها الخصم بتضخيم منقصة (أو ما خيل إليه أنه منقصة) فتصبح هذه الصورة المفتعلة هي صورة الناس عنه. فقد بدا لي أنه هو الذي الصق بالسيد مبارك زروق، الزعيم الوطني الاتحادي المعارض لحكومة البيه، عبارة "الشاب الأنيق المعطر". وكان زروق فتى حفياً بأناقته وربما عطره أيضاً. ووردت العبارة في رسالة لمراسل خاص للناس صحب البيه في زيارة لمصر. وكنت قد خلصت من قرائن الأحوال في كلمة مضت إلى أن هذا المراسل هو منصور. فقد قال هذا المراسل إنه سمع خلال وجوده بمصر لغطاً ممن ظلوا يعلقون أملاً ما يزال علي الأزهري برغم هجرانه المعلوم لمصر وخيانة ميثاقها بإعلان الاستقلال من داخل البرلمان غير منتظر استفتاء الشعب عليه كما نصت على ذلك اتفاقية الحكم الذاتي للسودان التي وقعتها دولتا الحكم الثنائي الإنجليزي المصري في فبرائر 1953. وكانت مصر تأمل ان تكون وحدة وادي النيل، وهو ميثاق الأزهري معها، من ضمن ما سيصوت عليه السودانيون ويلقى قبولهم. وقد استغرب المراسل لتعليق المصريين الأمل من جديد على الأزهري. فمن "باع نفسه مرة لن يتردد أن يبيعها مرات ومرات لأي زبون جديد." (7 أبريل 1957). وقد شكى زروق جريدة الناس لنشر مقالات لها عن الفتى الأنيق المعطر لمحكمة جنايات الخرطوم فحكمت علي محرر ها ب 95 جنيه غرامة لنشر تلك المقالات ( 12 مايو 1957 ).
وقد استنكرت الناس غمز الفتى الأنيق زروق من قناة عبد الله خليل. فقد وصف هذا الفتى ب " الحقارة" اشتراك البيه في الجمعية التشريعية التي قاطعها الاتحاديون بضراوة في 1948 كمشروع استعماري لتزييف إرادة السودانيين في الاستقلال الوطني بينما قبل الاستقلاليون، وعلى رأسهم حزب الأمة، بدخولها للتدرج بالبلاد نحو ذلك الاستقلال. وقالت الناس، أي منصور، عن كلمة زروق إن هذا من قول "صبية السياسة". وذكَّر زروق بتاريخ حزبه في المناداة بوحدة مصر والسودان تحت التاج المصري. واضاف أن زروق نسي أن حقارة البيه المزعومة "كانت أعف وأطهر من المناداة ب"تاج فاروق" وهو ملك مصر في تلك الفترة. وزادت جريدة الناس أن حقارة البيه المزعومة لم تجعل الناس ينفضون عنه بل فاز في الإنتخابات "حيث دكت الضلالة وتكشفت الحقارة وانتصر الرجال في معركة لا يخوضها إلا الرجال" (5-1-1958).
ولو عاد القاريء إلى كتاب منصور "حوار مع الصفوة" (1972) لوجده يميز بين الأخلاق والسياسة. فمن رأيه أنهما مجالان لا يمنع تداخلهما ألا نستعمل الأخلاق حيث لاتصح إلا السياسة. وبذرة هذه التفرقة الذكية قديمة عند منصور. ففي باب "إنه فساد وفوضى" بجريدة الناس كتب من نزعم أنه منصور عرضاً دقيقاً للفساد في وزارة التجارة. ونبه إلى مناشدة الوزارة للتجار إلى تحكيم ضمائرهم فلا يغالون أو يطففون. وسخر صاحبنا من الوزارة التي تضع الندي في موضع السيف فقال: "لو صدر هذا البيان من إمام جامع أم درمان لقلنا إن شأنه هو الواعظ بل لحمدنا له هذا. أما أن يصدر من وزارة أوكل لها أن تضع الخطة التي تحمي بها تجارتنا . . . فإن هذا لا يدل إلا عن السذاجة المفرطة والجهل الفاضح والفشل الذريع" (4-5-58).
وتنضح جريدة الناس ببدائع ملكة منصور في بناء فريق العمل وقيادته بصورة مثابرة لإنجاز المهمة التي وضعت على عاتقه. فقد اشتهر "أولاد منصور" في وزارة الخارجية إبان تقلده حقيبتها في السبعينات. ويدير منصور الفريق كمخلب أكثر منه كجماعة متكافئة متكافلة مما نتوقعه من عبارة "روح الفريق". فقد رتب منصور الناس بحيث تتناصر أبوابها المختلفة في خدمة قضية البيه. وكان من تلك الأبواب باب للشعر الحلمنتيشي يكتبه واحد من أميز مبدعي الدراما هو السيد خالد أبو الرووس مؤلف مسرحية "خراب سوبا" وأطول الناس باعاً في فن الشعر الدرامي. وكان عنوان بابه هو "حاج ام قلة". وهناك باب آخر باسم "حبوبة كتوشه" الذي هو ضرب من ضروب ما عرف آنذاك ب "الدردشة". وهي نصح صريح إلى طريق الرشاد. وقد اشتهر بها السيد السلمابي في برنامجه "دردشة" بالإذاعة. وربما كان باب حبوبة كتوشه بالناس تنويعاً على "حبوبة فاطمة" ودردشتها في البرنامج الإذاعي المعروف آنذاك. وكان بالصحيفة رسام كاريكتير يوقع باسم "ماهر". والواضح أن منصور كان يحشد كل هذه الإمكانات الصحفية ويؤلبها لتغذية خطة تحرير الجريدة والمراوحة عندها لخدمة قضية البيه. فهذه الأبواب والمواهب تهجم معاً بغير هوادة متى قال التحرير: "عليهم".
وسنقتصر في بيان ملكة منصور في تحريض فريقه بصورة مخلبية لمظاهرته في شاغله في التحرير بما تعرض له السيد محمد أحمد محجوب، وزير خارجية البيه، حين تمرد على البيه كما بًَّينا ذلك في الحلقة الثانية من سيرة منصور على هذه المجلة. فما أن زاغ المحجوب عن خط البيه حتى تعقبه تحرير الناس وحصره من كل ناحية. فقد هاجم التحرير محجوباً لأنه استخف بمن قالوا إن وزارته تنفق بإسراف على سفاراتها متعللاً بأن مرتبات سفراء العراق تفوق مرتبات سفراء السودان أضعافاً مضاعفة. وقال المحرر، وهو منصور بتوقيعه الأسلوبي المبين، أن المحجوب نسي أن ميزانية وزارة واحدة بالعراق البترولية تساوي ميزانية "جمهوريتنا السنية السعيدة بفضل علم الجهبذ محجوب" (5-1-58). والجهبذ توقيع لمنصور لا تخطئه ذاكرة. وكذلك السنية.
وناشت أبواب الناس المحجوب. فقد زجره حاج أم قلة بالمنلوج لأنه ذئب فارد متمرد على قيادة الحزب والحكومة. وقال إن إرادة الحزب، وهو الأمة الذي يجمعه بالبيه، فوق كل اعتبار شخصي. وقال:
حزبك لو يقول الليل نهار بس وافق
ولو شاهدته نافق أبقى إنت منافق
أما الزول يخالف حزبه ديمه يعارض
وديما ينفخوه ويغنوا ليه يعارض
دا الموجعني
زول ما سوه شيء ولي نفسه دايماً فارض
الزول العبوب يِنَّفِخ إذا شكرته
وينضم غير عقل ويكشف سريع لي كرته
خليك حزبي
غير (النفخة) إيه للدنيا ضيّع وخسّر
وخلا الناس بتبكي على الرجال تتحسر (12-1-58)
وتلاعب حاج أم قلة بصفة ذاعت عن المحجوب وهو حبه لسماع كلمات الثناء ممن حوله عن شعره وبيانه وفصاحته وسياسته. وكان يٌعرف بالطاوؤس يختال من أثر إطراء ملكاته العديدة.واستنفد حاج أم قلة المصطلح الشعبي عن الرجل يغره الثناء. ف "النفخة" هي عن انتفاخ المرء يسمع المديح من أهل الغرض فيظنه صدقاً. وورد في المنلوج مجاز "العبوب". والعبوب جلد يشكله المزارع في صورة عجل ويحشوه تبناً أو ما أشبه. ويوضع هذا العجل للبقرة التي مات عنها جناها. وتغرز البقرة عن اللبن متى ما مات جناها. وهذه طريقة سعاة البقر في تحنين البقرة إلى ما يشبه جناها حتى تدر اللبن. ويستعمل السودانيون كلمة "بَو" أيضاً في نفس المعنى. ويعتقد محدثي أن البو أفصح. واستخدام العبوب أو البو للرجل المنفوخ ناجم عن زيف مادة انتفاخه يحاكي بها تبن هذه الدمية. .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الفتي الأنيق المعطر: مبارك زروق.... ومنصور خالد (6)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
أخي الحبيب منصور
الود والحب لك وكذا لأخي الدكتور عبدالله الذي يستصحب التاريخ ويتعامل معه ككائن حي .. مبارك زروق الفتى الأنيق الهندام المتعطر بأريج السودان قبل العطور .. كانت له صولات وجولات في الرجاف أبان إعتقال الرموز الحزبية في عهد عبود خاصة ما بينه وبين المحجوب حين كان يقرأ لهم من كتاب الأغاني للتسرية عنهم وكان له موقف حين قام بالدفاع عن شاشاتي وكان إذ ذاك رده البليغ على منتقديه.. لقد أثرتما فينا شجن الزمان الجميل وحين كان الرموز أطهار النفس والروح والذات واليد.. السؤال الهام لمذا لم نتعلم منهم؟ أمن إجابة منكما .. لكما الحب والتقدير ابوبكر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الفتي الأنيق المعطر: مبارك زروق.... ومنصور خالد (6)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
لم يترك منصور خالد بصمة دالة على مساهمته في تحرير صحيفة الناس، لصاحبها السيد محمد مكي، في سنوات 1957 و1958 برغم شيوع العلم في جيله أنه كان من يحرك ساكنها ويهز أركانها. فلم نجد له في المحفوظ من الجريدة سوى كلمة واحدة مذيلة باسمه مما يٌستغرب من رجل موصوف بأنه كان رئيس التحرير الخفي للجريدة. وقد رجحنا أنه ربما لم يكن يشرفه أن يرتبط اسمه بالجريدة التي كانت الرائدة في الصحافة الصفراء وهي التي تؤجر مفروشة لأصحاب الغرض. وكانت لعهد منصور بها مؤجرة للسيد عبد الله خليل البيه، رئيس الوزراء (1956-1958). وخدم منصور، المحامي حديث التخرج من كلية القانون بجامعة الخرطوم، فيها البيه كمعاون له في مجال الاتصالات. ولم يخف منصور أثره من على صفحات الجريدة بحجب توقيعه فحسب بل لم يذكر صلته بالجريدة حين ذكر في مرة نادرة الجرائد التي خدم أو كتب فيها. ولما أنكر منصور أو كاد خدمته بالناس (بغير حلف على اليمين) وقع علينا إقامة البينة على إدعائنا أن منصوراً كان محرراً مرموقاً بالناس.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الفتي الأنيق المعطر: مبارك زروق.... ومنصور خالد (6)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
لمنصور خالد ككاتب توقيع للحرفة مميز أسلوباً وأداء ورؤية. ومفهوم "التوقيع" مما راج في سنواتنا الأخيرة في بئية النشاط اليساسي الذي جرى وصفه ب"الإرهاب" في دوائر الغرب. فخبراء هذا النشاط يستدلون على منفذيّ العملية "الإرهابية" بما تواضعوا على تسميته ب "التوقيع". فلكل جماعة ناشطة في مثل هذا العمل السياسي أسلوب خاص في أداء مهمتها لا تخرج منه إلى غيره من حيث الجوهر. وجعل هؤلاء الخبراء من حِفَاظ هذه الجماعات على طابع أدائها الخاص المميز سبباً للقول إن لكل منها توقيعاً مستقراً يدل عليها. والتوقيع شيمة الكاتب الضليع. فقد كتب منصور في جريدة الناس وهو في أواسط ربيع عشريناته. وقد أسفر في كتاباته الباكرة هذه عن ما بوسعنا مقارنته بغير عسر بما يكتبه على أيامنا هذه وهو يتوغل شيخاً في السبعينات.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الفتي الأنيق المعطر: مبارك زروق.... ومنصور خالد (6)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
أخي الحبيب منصور
لنا شوق لا يحد ومثله لا يُعَبّق إلا بالود الخالص الذي يعمر به قلبي تجاهك أيها العزيز
ماذا لو إستثرتك وحرضتك لتأتي لنا بتلك الندوة للدكتور منصور التي عقدت في جامعة أمدرمان الإسلامية ورد فارس الكلمة ةملك القوافي والسجع الراحل عمر الحاج موسى عليها .. برأيي أنها قمة من الناحية الأدبية ورقي في التعاطي بين الرموز وحتى إن اختلفنا مع منهج أيهما أو كليهما، إلا أنهما يظلا من أهم الرموز العلامات المضيئة في عالم الكلمة والمساجلات الراقية.. ليتك تتحفنا بها من باب عرض المكنون من التلاد. لك الحب
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الفتي الأنيق المعطر: مبارك زروق.... ومنصور خالد (6)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
بلاغة منصور حامضة حين يغضب. فهو لا يتورع متى غضب من استخدام كلمة أو عبارة نهائية يضيق بها واسع اللغة. فقد وجدت الجيل الحاضر من قارئه قد افتتن بعبارته "فسو" في وصف لغو القول أو عبارة أولئك الذين حملتهم أمهاتهم على ظهورهن الأفريقية من نيجيريا ويزعمون نسبة في العرب يفاخرون بها. وهم الإنقاذيون أو جماعة منهم. فهو لا يقتصد في الوصف فيأتي بحده الأقصى بينما تقتضي اللياقة أو البلاغة أن يكتفي بحده الأدني. فقد وصف موقفاً للسيد إسماعيل الأزهري بأنه "الموقف الصفيق الذي يقفه أزهري" ( الناس 18-11-57). وهو يأتي بخرائد العبارات. بعضها طارف مثل تقريعه لجمال عبد الناصر لهرب جنوده المزعوم من ساحة حرب القناة في 1956 بقوله إنهم "جنود يفكرون بأقدامهم ساعة الشدة". وهي مترجمة عن الإنجليزية ومثلها رائج على أيامنا هذه. وبعض بلاغة منصور قرآني تليد: "أيها الغافلون حاكموا جريدة الناس إن أردتم ولكن إبحثوا عن السلطة الضائعة واستردوها من قبل أن تقع الصاخة" (25-8-57). وهو دائماً صاحب النصح الذي لم يستبنه القوم حتى ضحى الغد. فقد قال عن فساد كشفه في مصلحة النقل الميكانيكي وألح في ذلك: "ولو كان هناك مستجيب لحملتنا لأوقف هذا العبث في أول مراحله ولِما ضاعت أموال الشعب طعمة لجيوب الناهبين و لألسنة النيران" (15-9-57).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الفتي الأنيق المعطر: مبارك زروق.... ومنصور خالد (6)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
ومنصور صنَّاع صيغ لغوية كاريكاكتيرية يصرع بها الخصم بتضخيم منقصة (أو ما خيل إليه أنه منقصة) فتصبح هذه الصورة المفتعلة هي صورة الناس عنه. فقد بدا لي أنه هو الذي الصق بالسيد مبارك زروق، الزعيم الوطني الاتحادي المعارض لحكومة البيه، عبارة "الشاب الأنيق المعطر". وكان زروق فتى حفياً بأناقته وربما عطره أيضاً. ووردت العبارة في رسالة لمراسل خاص للناس صحب البيه في زيارة لمصر. وكنت قد خلصت من قرائن الأحوال في كلمة مضت إلى أن هذا المراسل هو منصور. فقد قال هذا المراسل إنه سمع خلال وجوده بمصر لغطاً ممن ظلوا يعلقون أملاً ما يزال علي الأزهري برغم هجرانه المعلوم لمصر وخيانة ميثاقها بإعلان الاستقلال من داخل البرلمان غير منتظر استفتاء الشعب عليه كما نصت على ذلك اتفاقية الحكم الذاتي للسودان التي وقعتها دولتا الحكم الثنائي الإنجليزي المصري في فبرائر 1953. وكانت مصر تأمل ان تكون وحدة وادي النيل، وهو ميثاق الأزهري معها، من ضمن ما سيصوت عليه السودانيون ويلقى قبولهم. وقد استغرب المراسل لتعليق المصريين الأمل من جديد على الأزهري. فمن "باع نفسه مرة لن يتردد أن يبيعها مرات ومرات لأي زبون جديد." (7 أبريل 1957). وقد شكى زروق جريدة الناس لنشر مقالات لها عن الفتى الأنيق المعطر لمحكمة جنايات الخرطوم فحكمت علي محرر ها ب 95 جنيه غرامة لنشر تلك المقالات ( 12 مايو 1957 ).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الفتي الأنيق المعطر: مبارك زروق.... ومنصور خالد (6)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
وقد استنكرت الناس غمز الفتى الأنيق زروق من قناة عبد الله خليل. فقد وصف هذا الفتى ب " الحقارة" اشتراك البيه في الجمعية التشريعية التي قاطعها الاتحاديون بضراوة في 1948 كمشروع استعماري لتزييف إرادة السودانيين في الاستقلال الوطني بينما قبل الاستقلاليون، وعلى رأسهم حزب الأمة، بدخولها للتدرج بالبلاد نحو ذلك الاستقلال. وقالت الناس، أي منصور، عن كلمة زروق إن هذا من قول "صبية السياسة". وذكَّر زروق بتاريخ حزبه في المناداة بوحدة مصر والسودان تحت التاج المصري. واضاف أن زروق نسي أن حقارة البيه المزعومة "كانت أعف وأطهر من المناداة ب"تاج فاروق" وهو ملك مصر في تلك الفترة. وزادت جريدة الناس أن حقارة البيه المزعومة لم تجعل الناس ينفضون عنه بل فاز في الإنتخابات "حيث دكت الضلالة وتكشفت الحقارة وانتصر الرجال في معركة لا يخوضها إلا الرجال" (5-1-1958).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الفتي الأنيق المعطر: مبارك زروق.... ومنصور خالد (6)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
ولو عاد القاريء إلى كتاب منصور "حوار مع الصفوة" (1972) لوجده يميز بين الأخلاق والسياسة. فمن رأيه أنهما مجالان لا يمنع تداخلهما ألا نستعمل الأخلاق حيث لاتصح إلا السياسة. وبذرة هذه التفرقة الذكية قديمة عند منصور. ففي باب "إنه فساد وفوضى" بجريدة الناس كتب من نزعم أنه منصور عرضاً دقيقاً للفساد في وزارة التجارة. ونبه إلى مناشدة الوزارة للتجار إلى تحكيم ضمائرهم فلا يغالون أو يطففون. وسخر صاحبنا من الوزارة التي تضع الندي في موضع السيف فقال: "لو صدر هذا البيان من إمام جامع أم درمان لقلنا إن شأنه هو الواعظ بل لحمدنا له هذا. أما أن يصدر من وزارة أوكل لها أن تضع الخطة التي تحمي بها تجارتنا . . . فإن هذا لا يدل إلا عن السذاجة المفرطة والجهل الفاضح والفشل الذريع" (4-5-58).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الفتي الأنيق المعطر: مبارك زروق.... ومنصور خالد (6)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
وتنضح جريدة الناس ببدائع ملكة منصور في بناء فريق العمل وقيادته بصورة مثابرة لإنجاز المهمة التي وضعت على عاتقه. فقد اشتهر "أولاد منصور" في وزارة الخارجية إبان تقلده حقيبتها في السبعينات. ويدير منصور الفريق كمخلب أكثر منه كجماعة متكافئة متكافلة مما نتوقعه من عبارة "روح الفريق". فقد رتب منصور الناس بحيث تتناصر أبوابها المختلفة في خدمة قضية البيه. وكان من تلك الأبواب باب للشعر الحلمنتيشي يكتبه واحد من أميز مبدعي الدراما هو السيد خالد أبو الرووس مؤلف مسرحية "خراب سوبا" وأطول الناس باعاً في فن الشعر الدرامي. وكان عنوان بابه هو "حاج ام قلة". وهناك باب آخر باسم "حبوبة كتوشه" الذي هو ضرب من ضروب ما عرف آنذاك ب "الدردشة". وهي نصح صريح إلى طريق الرشاد. وقد اشتهر بها السيد السلمابي في برنامجه "دردشة" بالإذاعة. وربما كان باب حبوبة كتوشه بالناس تنويعاً على "حبوبة فاطمة" ودردشتها في البرنامج الإذاعي المعروف آنذاك. وكان بالصحيفة رسام كاريكتير يوقع باسم "ماهر". والواضح أن منصور كان يحشد كل هذه الإمكانات الصحفية ويؤلبها لتغذية خطة تحرير الجريدة والمراوحة عندها لخدمة قضية البيه. فهذه الأبواب والمواهب تهجم معاً بغير هوادة متى قال التحرير: "عليهم
| |
|
|
|
|
|
|
|