دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
يثور أطباؤنا لأنهم فقدوا البقلاوة....ومنصور خالد (7)...د. عبد الله علي إبراهيم
|
. ومنصور خالد (7)
يثور أطباؤنا لأنهم فقدوا البقلاوة
د. عبد الله علي إبراهيم [email protected] مَيَّز المتنبيء بين شعر متقن في مدح الرجال وآخر غير متقن. فوصف الأخير ب "الصدى" بينما وصف الأول، وهو ما يبدعه هو، ب "الطائر المحكي". والطائر المحكي مثل البلبل عقيرة أصيلة في الغناء. ولم تكن جريدة "الناس" بفضل منصور خالد المحامي، محررها الخفي في 1957-1958 كما نزعم، جريدة صدى أو أي كلام في مدح السيد عبد الله خليل البيه، رئيس الوزراء. كانت خلافاً لذلك طائراً محكياً. وكان الصوت الأصل فيها لمنصور على أنه كان معاوناً اتصالات البيه وهي مهمة للصدى في وصفها الوظيفي. لقد كانت الصحيفة حفية بالبيه جداً تعنى بخبره وتروج لإنجازه. وكانت قذي في أعين خصومه وحلفائه المشاكسين من مثل حزب الشعب الديمقراطي بل وأهله الأقربين المتمردين في حزبه من مثل السيد محمد أحمد المحجوب كما رأينا في الحلقة الماضية. فقد وصفت الجريدة المحجوب ب"العبوب" في دلالة الانتفاخ لسماع القول الحسن عنه من أي مصدر جاء.
كانت للجريدة رؤية. وهي رؤية في شمول السياسة وشبابها وطهارة الحكم وشفافيته لن يصبر عليها حتى البيه نفسه. والرؤية مما يتمتع به من انشغل بالمعرفة مثل منصور. ففي باب "الناس بالناس" تجد حرص الجريدة على ضرورة أن يكون الاستقلال الذي نلناه نعمة تتغير به حياة الناس ويشعر الناس بها. ولأجل ذلك دعت الجريدة إلى وجوب ضخ دماء جديدة لتسيير أداة الحكومة المو من عهد الإنجليز. فآلة الدولة في قول الجريدة ظلت تسير لوقتها بقوة الاندفاع القديمة. وأرادت الناس لهذا الفوج الشاب أن يتوزع على مكاتب للتخطيط والتنمية تنأى عن البروقراطية. كما دعت الكلمة إلى نشوء هئيات تراقب أداء وكبارهم خاصة (15-9-1957).
ولم يجد محرر الناس من يسمع هذا النصح. ولذا تفاءل خيراً بانقلاب 17 نوفمبر 1958. فكتب يزدري الديمقراطية كمقهى لثرثرة المتبطلين. وهذا رأى منصور خالد في ذلك الانقلاب في كتاباته اللاحقة كلها كما رأينا. وكان أكثر ما جذب محرر الناس للانقلاب عزمه أن تقوم السياسية فيه على التخطيط. ومنصور خالد مفتون بالتخطيط إلى تاريخه. فهو هاجسه وعقيدته بغض النظر عن سداده في جعله سياسة مقررة لما يليه من مسئوليات. فنوهت الجريدة بخطة حكومة الانقلاب لإنشاء مجلس أعلى للإنتاج يضم كفاءات عسكرية ومدنية ويستعين بخبرة أجنبية لتنظيم جميع مرافق الإنتاج ومجالاته. وجاء في عنوان للجريدة: "تخطيط جديد للتعليم في السودان" عن نية الدولة الجديدة تكوين لجنة من كبار الخبراء لوضع خطط جديدة للتعليم في السودان. وفي 20-11-1958 افتخرت الجريدة بانفرادها بنبأ مذكرة سيقدمها السيد أحمد خير، وزير خارجية الانقلاب وعقل دولته المفكر، عن نظم مجلس الإنتاج. كما رحبت بنية الحكومة الاستفادة من العناصر الشريفة المخلصة في دراسة كبريات المسائل تستنير برأيها غير مشترطة سوى الخبرة والاستعداد الفكري. كما نشرت نية وزير الحكومة المحلية، اللواء أحمد عبد الوهاب، تعيين الكفاءات الفنية لتساعد في أعمال المجالس المحلية (22-11-1958).
دعت الناس بقوة إلى طهارة الحكم والمعارضة. وقد رأينا في حلقاتنا الماضية كيف أخذت مصالح الدولة المختلفة والمهنيين مثل الأطباء أخذاً شديداً لبؤسهم من جهة خلق السياسة والحكم والمعارضة. وقد جاءت بنقد للأطباء مثلاً لم يكن في دارج عادة الصحف. فقد رأينا في حلقة مضت كيف استنكرت الجريدة إضراباً أو استقالة للأطباء لشكواهم من ضعف مرتباتهم ومخصصاتهم. وقالت إن الأطباء هم الأسعد حالاً بين كل المهنيين ومشروعهم النقابي مجرد طمع ودلع. وعادت في 15-9-1975 لتنقل صورة لحياة ليل هؤلاء الأطباء "من الحي الأمامي، قصاد الاسبتالية"، إسبتالية النهر (ربما ميز الهبوب بجهة نادي الأطباء الذي كان يسكنه العزاب من موظفي الدولة وأكثرهم أطباء). فقد وصفت قعدة لهم علا زغاريدها وضجيجيها من أثر الخمر أفرغوا فيها كوؤس الوسكي في البطون التي قالوا إنها تتضور جوعاً لقلة المرتب. وسخرت الصحيفة من إضراب الأطباء وقالت كيف يشكو مثلهم إملاقاً زاعمين أن دخلهم لا يكفي لضرورات الحياة. وأضاف: "ولكن لا عجب فلعل السيارات الجديدة والرصيد في البنك والوسكي بالصودا في الثلاجات من ضروريات الحياة عند أطبائنا الأماجد". وشبه المحرر الأطباء بقصة ملكة فرنسا أنطوانيت التي قيل لها إن الشعب ثائر لأنه لا يجد الخبز فقالت لماذا لا يأكلوا بقلاوة. وعلق محرر الناس: "يثور أطباؤنا لأنهم فقدوا البقلاوة".
وكانت الناس شديدة على وزارة الخارجية التي كان وزيرها المحجوب وهو الرجل الثاني في حزب الأمة الذي كان البيه سكرتيره. وليس بيدنا مقال الجريدة الأول الذي تعرضت فيه الناس للفساد بالوزارة. ولكنها واصلت التعريض بالوزارة في كلمة لها لاحقة. فتحت عنوان "الوكيل الدائم (وكيل وزارة الخارجية) وعمل الشيطان" كتبت أن الوكيل يجند صحف الدرجة الثالثة للنيل من الناس لسابق كشفها خبايا الوزارة. ثم أخذت تروي عن حكايات سفره لإيطاليا. فقد اشترى طاقم شوك وسكاكين بألفي جنيه. وكشفت عن إمرأة احتلت بيت سفيرنا وتنقلت بعربة الدولة ونعمت بحضن وزير سابق. ثم تطرقت إلى نية الوكيل استبدال عربته الإستديوبيكر بسيارة شفورليه من فرط إعجابه بصنعتها بعد أن رآها مستخدمة في السفارة الأمريكية (15-9-1957).
وفي عدد 15-1-1958 عادت جريدة الناس للصدور بعد احتجاب دام أشهر ثلاثة بأمر من وزير الداخلية بالنظر إلى ما كشفته من فساد مزعوم بوزارة الخارجية. وصوب المحرر نيرانه إلى من اسماه "صديقه القديم" وزير الخارجية. ولو كان الكاتب الناقد هو منصور خالد لصرفنا عبارة "صديقه القديم" لا للعمر بل لأن منصور ممن تدربوا على المحاماة بمكتب المحجوب (راجعني من قال إنه تدرب بمكتب السيد احمد سليمان!). وكان الوزير، الصديق القديم، قد نسب إيقاف الجريدة لنفسه "وأبى إلا أن يتجول مختالاً في كل محفل وجمع يحدث الناس عن مآثره الفاضلة وعلى رأسها إغلاق جريدة الناس". وهذه الصورة مستمدة بالطبع من قصة دون كيشوت المشهورة التي تصور فيها الدون نفسه فارساً محارباً ولم يكن أعداؤه سوى طواحين الهواء. وقالت الجريدة إن المحجوب تباهى بإيقافها أمام جمع من الصحفيين "شأنه شأن الجبان الذي خلا له الجو فأخرج سلاحه لينازل ويطاعن الهواء والفضاء". وعبارة المحرر نظرت إلى بيت الشعر العربي الذي يحلو فيه للجبان النزال متى خلا الجو. فتأمل ايها القارىء سعة ثقافة محرر الناس تتنادى في جملة واحدة. وقد سبق لنا إيراد دفاع المحجوب عن وزارته. فقد قال إن مرتب سفراء العراق أضعاف أضعاف سفراء السودان. وغمزته جريدة الناس أنه نسي أن العراق غني بنفطه وأن "ميزانية وزارة واحدة فيه تساوي ميزانية جمهوريتنا السنية . . . السعيدة بفضل علم الجهبذ محجوب".
وعادت الناس إلى بذخ وزارة الخارجية في عددها بتاريخ 2-2-1958. فنشرت كلمة لإبراهيم ع شيخ الدين من دنقلا تحت عنوان "الشعب لا يؤمن بهذا". وربما كان هذا الإبراهيم من صنع المحرر ليبث لاعجاً من عامة الناس فتقوى حجته. وجاءت كلمة إبراهيم دنقلا بمواصفات المرشح الذي يستحق صوت القاريء في الانتخابات المزمع عقدها في 1958. فمن بين ما يزكي المرشح للناخب حسب قول إبراهيم أن يعقد النية على إغلاق سفاراتنا في روما وأثينا وباريس "لأننا نتعامل معها في الأمشاط وأقلام الرصاص ولأن الأصداف التي تشتريها منا هذه الدول يمكن أن تسد حاجة الاتحاد النسائي". ومن الجهة الأخرى نشرت الناس برنامج صاحبها محمد مكي محمد وفيه يدعو إلى إغلاق سفاراتنا في موسكو ودول شرق أوربا لأن أرز مصر أقرب إلينا "ولأننا لا نريد أن تصدر إلينا هذه الدول، مع الأفكار الإلحادية، وابورات الجاز تنفجر في وجوهنا وأعواد الثقاب تعمل حينما لا نكون في حاجة إليها".
تواترت مؤخراً كتابات عن منصور خالد تطعن في خلوص نيته في نقده لوزارة الخارجية إذا صح زعمنا أنه محرر الناس الخفي. ولسنا نقول إنه كان مغرضاً لا غير في تصويبه لذلك النقد. ولكن الترجمة للرجل تقتضينا أن نتوقف عند هذه المحطة طلباً لعلم افضل بسيرته. فقد أصبح معلوماً بفضل ما كتبه السيد علي أبو سن ( كتابه عن ذكرياته مع الشاعر محمد المهدي المجذوب، جزء 2، صفحة 136) أن منصور طلب أن يعمل بوزارة الخارجية في شبابه ولم يوفق وجاءها وزيراً في كهولته عام 1972. وقال علي أبو سن: "جاء منصور إلى الخارجية بحقد دفين، منشؤه هو عجزه عن الجلوس لامتحان الخارجية . . . كان سكرتيراً لعبد الله خليل، وبالتالي كان في موقف يسمح له بالتقدم للامتحان مع التوصية القوية. السؤال هو لماذا لم يتقدم منصور خالد لامتحان الخارجية التي كانت أمنية حياته في الفترة التي كان مدعوماً فيها بمركزه كسكرتير لعبد الله خليل؟ سألنا ميرغني الصائغ ( العليم بأمر هذا الامتحان وقال إن صلاح احمد إبراهيم كان ترتيبه الأول ورفضوه لمبادئه المعروفة). وأن منصور خالد حاول الالتفاف حول القانون وطلب من عبد الله خليل تعيينه في الخارجية بدون امتحان فرفضت الوزارة ورفض عبد الله خليل ممارسة الضغط على قادة الوزارة فكرهه منصور وحقد عليه وعلى الخارجية معاً."
امتناع البيه عن تزكية منصور للخارجية محير بمقياس اليوم الذي لا يخدم أحد بالخارجية أو غيرها بغير تزكية كبير ما. ولكن كان من عادة البيه أن لا يزكي أحداً للخدمة بالحكومة بغير قيد او شرط. وهذا بعض خلق الحركة الوطنية الذي تربى عليه ذلك الجيل ثم لم يصمد لتبعاته طويلاً فأنغمس في المحسوبية حتى أذنيه. وقد استفدنا علماً بعادة البيه هذه مما رواه ابنه السيد أمير عبد الله خليل. فقال إنه تقدم وهو في المرحلة الثانوية بوادي سيدنا، وكان ولعاً بالعسكرية وصولاًً بالمدرسة، للالتحاق بالكلية الحربية. ومن فرط محبة قادة الجيش لأبيه جاءوه بالامتحان إلى داره. ولما علم البيه بذلك وجه اللواء حسن بشير أن لا يقبل ابنه بالكلية. ولما سأله أمير عن سبب ذلك قال: "رجل لا يعتمد على نفسه لا يستطيع أن يحمل البندقية ليدافع عن بلده. فاعتمد على نفسك وادخل الكلية الحربية بجهودك." وسرعان ما عمل أمير ميكانيكياً بشركة سودان مركانتايل وسافر في منحة دراسية. وظل يذكر هذه الكلمة لوالده الذي عرف طوال خدمته العسكرية والسياسية أنه "لا يجامل ولا تعرف الواسطة إليه سبيلا" (الصحافة 10-3-2004).
ونتابع في حلقة قادمة سيرة هذا الطائر المحكي في زحام الدنيا وصدى الأيام
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: يثور أطباؤنا لأنهم فقدوا البقلاوة....ومنصور خالد (7)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
مَيَّز المتنبيء بين شعر متقن في مدح الرجال وآخر غير متقن. فوصف الأخير ب "الصدى" بينما وصف الأول، وهو ما يبدعه هو، ب "الطائر المحكي". والطائر المحكي مثل البلبل عقيرة أصيلة في الغناء. ولم تكن جريدة "الناس" بفضل منصور خالد المحامي، محررها الخفي في 1957-1958 كما نزعم، جريدة صدى أو أي كلام في مدح السيد عبد الله خليل البيه، رئيس الوزراء. كانت خلافاً لذلك طائراً محكياً. وكان الصوت الأصل فيها لمنصور على أنه كان معاوناً اتصالات البيه وهي مهمة للصدى في وصفها الوظيفي. لقد كانت الصحيفة حفية بالبيه جداً تعنى بخبره وتروج لإنجازه. وكانت قذي في أعين خصومه وحلفائه المشاكسين من مثل حزب الشعب الديمقراطي بل وأهله الأقربين المتمردين في حزبه من مثل السيد محمد أحمد المحجوب كما رأينا في الحلقة الماضية. فقد وصفت الجريدة المحجوب ب"العبوب" في دلالة الانتفاخ لسماع القول الحسن عنه من أي مصدر جاء.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يثور أطباؤنا لأنهم فقدوا البقلاوة....ومنصور خالد (7)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
كانت للجريدة رؤية. وهي رؤية في شمول السياسة وشبابها وطهارة الحكم وشفافيته لن يصبر عليها حتى البيه نفسه. والرؤية مما يتمتع به من انشغل بالمعرفة مثل منصور. ففي باب "الناس بالناس" تجد حرص الجريدة على ضرورة أن يكون الاستقلال الذي نلناه نعمة تتغير به حياة الناس ويشعر الناس بها. ولأجل ذلك دعت الجريدة إلى وجوب ضخ دماء جديدة لتسيير أداة الحكومة المو من عهد الإنجليز. فآلة الدولة في قول الجريدة ظلت تسير لوقتها بقوة الاندفاع القديمة. وأرادت الناس لهذا الفوج الشاب أن يتوزع على مكاتب للتخطيط والتنمية تنأى عن البروقراطية. كما دعت الكلمة إلى نشوء هئيات تراقب أداء وكبارهم خاصة (15-9-1957
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يثور أطباؤنا لأنهم فقدوا البقلاوة....ومنصور خالد (7)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
ولم يجد محرر الناس من يسمع هذا النصح. ولذا تفاءل خيراً بانقلاب 17 نوفمبر 1958. فكتب يزدري الديمقراطية كمقهى لثرثرة المتبطلين. وهذا رأى منصور خالد في ذلك الانقلاب في كتاباته اللاحقة كلها كما رأينا. وكان أكثر ما جذب محرر الناس للانقلاب عزمه أن تقوم السياسية فيه على التخطيط. ومنصور خالد مفتون بالتخطيط إلى تاريخه. فهو هاجسه وعقيدته بغض النظر عن سداده في جعله سياسة مقررة لما يليه من مسئوليات. فنوهت الجريدة بخطة حكومة الانقلاب لإنشاء مجلس أعلى للإنتاج يضم كفاءات عسكرية ومدنية ويستعين بخبرة أجنبية لتنظيم جميع مرافق الإنتاج ومجالاته. وجاء في عنوان للجريدة: "تخطيط جديد للتعليم في السودان" عن نية الدولة الجديدة تكوين لجنة من كبار الخبراء لوضع خطط جديدة للتعليم في السودان. وفي 20-11-1958 افتخرت الجريدة بانفرادها بنبأ مذكرة سيقدمها السيد أحمد خير، وزير خارجية الانقلاب وعقل دولته المفكر، عن نظم مجلس الإنتاج. كما رحبت بنية الحكومة الاستفادة من العناصر الشريفة المخلصة في دراسة كبريات المسائل تستنير برأيها غير مشترطة سوى الخبرة والاستعداد الفكري. كما نشرت نية وزير الحكومة المحلية، اللواء أحمد عبد الوهاب، تعيين الكفاءات الفنية لتساعد في أعمال المجالس المحلية (22-11-1958).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يثور أطباؤنا لأنهم فقدوا البقلاوة....ومنصور خالد (7)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
كانت للجريدة رؤية. وهي رؤية في شمول السياسة وشبابها وطهارة الحكم وشفافيته لن يصبر عليها حتى البيه نفسه. والرؤية مما يتمتع به من انشغل بالمعرفة مثل منصور. ففي باب "الناس بالناس" تجد حرص الجريدة على ضرورة أن يكون الاستقلال الذي نلناه نعمة تتغير به حياة الناس ويشعر الناس بها. ولأجل ذلك دعت الجريدة إلى وجوب ضخ دماء جديدة لتسيير أداة الحكومة المو من عهد الإنجليز. فآلة الدولة في قول الجريدة ظلت تسير لوقتها بقوة الاندفاع القديمة. وأرادت الناس لهذا الفوج الشاب أن يتوزع على مكاتب للتخطيط والتنمية تنأى عن البروقراطية. كما دعت الكلمة إلى نشوء هئيات تراقب أداء وكبارهم خاصة (15-9-1957).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يثور أطباؤنا لأنهم فقدوا البقلاوة....ومنصور خالد (7)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
دعت الناس بقوة إلى طهارة الحكم والمعارضة. وقد رأينا في حلقاتنا الماضية كيف أخذت مصالح الدولة المختلفة والمهنيين مثل الأطباء أخذاً شديداً لبؤسهم من جهة خلق السياسة والحكم والمعارضة. وقد جاءت بنقد للأطباء مثلاً لم يكن في دارج عادة الصحف. فقد رأينا في حلقة مضت كيف استنكرت الجريدة إضراباً أو استقالة للأطباء لشكواهم من ضعف مرتباتهم ومخصصاتهم. وقالت إن الأطباء هم الأسعد حالاً بين كل المهنيين ومشروعهم النقابي مجرد طمع ودلع. وعادت في 15-9-1975 لتنقل صورة لحياة ليل هؤلاء الأطباء "من الحي الأمامي، قصاد الاسبتالية"، إسبتالية النهر (ربما ميز الهبوب بجهة نادي الأطباء الذي كان يسكنه العزاب من موظفي الدولة وأكثرهم أطباء). فقد وصفت قعدة لهم علا زغاريدها وضجيجيها من أثر الخمر أفرغوا فيها كوؤس الوسكي في البطون التي قالوا إنها تتضور جوعاً لقلة المرتب. وسخرت الصحيفة من إضراب الأطباء وقالت كيف يشكو مثلهم إملاقاً زاعمين أن دخلهم لا يكفي لضرورات الحياة. وأضاف: "ولكن لا عجب فلعل السيارات الجديدة والرصيد في البنك والوسكي بالصودا في الثلاجات من ضروريات الحياة عند أطبائنا الأماجد". وشبه المحرر الأطباء بقصة ملكة فرنسا أنطوانيت التي قيل لها إن الشعب ثائر لأنه لا يجد الخبز فقالت لماذا لا يأكلوا بقلاوة. وعلق محرر الناس: "يثور أطباؤنا لأنهم فقدوا البقلاوة".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يثور أطباؤنا لأنهم فقدوا البقلاوة....ومنصور خالد (7)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
وكانت الناس شديدة على وزارة الخارجية التي كان وزيرها المحجوب وهو الرجل الثاني في حزب الأمة الذي كان البيه سكرتيره. وليس بيدنا مقال الجريدة الأول الذي تعرضت فيه الناس للفساد بالوزارة. ولكنها واصلت التعريض بالوزارة في كلمة لها لاحقة. فتحت عنوان "الوكيل الدائم (وكيل وزارة الخارجية) وعمل الشيطان" كتبت أن الوكيل يجند صحف الدرجة الثالثة للنيل من الناس لسابق كشفها خبايا الوزارة. ثم أخذت تروي عن حكايات سفره لإيطاليا. فقد اشترى طاقم شوك وسكاكين بألفي جنيه. وكشفت عن إمرأة احتلت بيت سفيرنا وتنقلت بعربة الدولة ونعمت بحضن وزير سابق. ثم تطرقت إلى نية الوكيل استبدال عربته الإستديوبيكر بسيارة شفورليه من فرط إعجابه بصنعتها بعد أن رآها مستخدمة في السفارة الأمريكية (15-9-1957).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يثور أطباؤنا لأنهم فقدوا البقلاوة....ومنصور خالد (7)...د. عبد الله علي إبراهيم (Re: munswor almophtah)
|
وفي عدد 15-1-1958 عادت جريدة الناس للصدور بعد احتجاب دام أشهر ثلاثة بأمر من وزير الداخلية بالنظر إلى ما كشفته من فساد مزعوم بوزارة الخارجية. وصوب المحرر نيرانه إلى من اسماه "صديقه القديم" وزير الخارجية. ولو كان الكاتب الناقد هو منصور خالد لصرفنا عبارة "صديقه القديم" لا للعمر بل لأن منصور ممن تدربوا على المحاماة بمكتب المحجوب (راجعني من قال إنه تدرب بمكتب السيد احمد سليمان!). وكان الوزير، الصديق القديم، قد نسب إيقاف الجريدة لنفسه "وأبى إلا أن يتجول مختالاً في كل محفل وجمع يحدث الناس عن مآثره الفاضلة وعلى رأسها إغلاق جريدة الناس". وهذه الصورة مستمدة بالطبع من قصة دون كيشوت المشهورة التي تصور فيها الدون نفسه فارساً محارباً ولم يكن أعداؤه سوى طواحين الهواء. وقالت الجريدة إن المحجوب تباهى بإيقافها أمام جمع من الصحفيين "شأنه شأن الجبان الذي خلا له الجو فأخرج سلاحه لينازل ويطاعن الهواء والفضاء". وعبارة المحرر نظرت إلى بيت الشعر العربي الذي يحلو فيه للجبان النزال متى خلا الجو. فتأمل ايها القارىء سعة ثقافة محرر الناس تتنادى في جملة واحدة. وقد سبق لنا إيراد دفاع المحجوب عن وزارته. فقد قال إن مرتب سفراء العراق أضعاف أضعاف سفراء السودان. وغمزته جريدة الناس أنه نسي أن العراق غني بنفطه وأن "ميزانية وزارة واحدة فيه تساوي ميزانية جمهوريتنا السنية . . . السعيدة بفضل علم الجهبذ محجوب".
| |
|
|
|
|
|
|
|