|
أيها التلفزيون القومي.. مالك وكاكوم 3 حسن النادر الغفاري
|
يا أيها التلفزيون القومي.. مالك وكاكوم 3
حسن النادر الغفاري: الصحافة
لن اتشعب في تناول ادارات تلفازنا القومي و ساكتفي بماله من علاقة بمواضيع الهوية و الثقافة و التخطيط الاستراتيجي هل يعقل ايها السادة ان يكون في بلادنا رجالات قاموا بوضع اسس منهجية لصروح علمية في بلدان اخرى كامثال العلامتين يوسف فضل و سيد حامد حريز .... وهل يعقل ان يكون في بلادنا امثال محمد الواثق و جعفر ميرغني وعبد الله حمدنا الله و الطيب حاج عطية و مدثر عبد الرحيم و عبد الرحيم حمدي و غيرهم من العلماء الاعلام الذين اطروا للمعرفة في شتى المناحي و الانحاء فلايقوم تلفاز بلادهم بتوظيف قدراتهم و تسخير امكناتهم و اعتصار رحائق معرفتهم في وقت الصراع فيه على اشده حول هوية و ثقافة البلاد بفعل اطماع الاجنبي و مخالبه الداخليه ... وهم اساطين هذا المجال و حتى اذا ظهروا من علي شاشة التلفاز او ظهر بعضهم يكون ظهورا عابرا كضيوف الاماسي محاصرين بضيق الزمن و ضيق افق المحاورين و بالاسئلة الفطيرة العقيمة او ببعض المقدمين من المذيعين الفاقدين للحيوية و الباثين للرتابة باسلوبهم المبرمج سلفا و عدم احاطتهم بموضوع النقاش و ابعاده فلاتجد فيهم تلك المهارة في تفتيق المعاني باقتناص الاسئلة من اجابة الضيف او تجدهم من اولئك الذين لايحسنون استخدام الزمن في طرح الاسئلة او في الاستماع للاجابه او من اولئك المتحذلقين من الذين تطغي اسئلتهم علي اجابة ضيوفهم . و هذه الشاكلة من المقدمين في التلفاز القومي ليست بالقليلة و بنفس القدر لايخلو المكان من مجيدين مبدعين و لذلك شاهدنا رجلا كالعلامة الدكتور عمر صديق و هو من الشخصيات الموسوعية في معرفتها يقوم بتقديم برامج تلفزيونية بنفسه بينما مكانه الطبيعي كرسي الاستاذية في المحاضرة و التلقين ... لعله استشعر ضعف المقومات التخصصية و الثقافية لدي الكثير من المذيعين السودانيين فقام بتقديم حلقات كانت مثار اعجاب المتابعين اظهر فيها قدرته علي المحاورة المتخصصة و تحكمه في زمني السؤال و الاجابة و تفتيقه للمعاني و سوقها للمشاهد في قالب مفهوم و مستساغ و نحن بذلك لانريد ان يتحول تلفزيون البلاد القومي لمجرد مفرخة تفرخ المواهب وتقف بهم عند حد متدن من التطور فيشدون الرحال عن ساحته الي فضائيات سودانية او اجنبية فيجدون في رحابها من التطويرو الترفيع ما افتقدوه و ذلك من حرصنا علي رفع مستوي هذا الجهاز الاكثر اهمية لو يعلم القائمون عليه. عوداً إلى كاكوم :- ايها القارئ الكريم من حقك ان تعرف عن الاستاذ الامين البدوي الشهير بكاكوم الكثير هو رجل عاش سليقة البداوة و فطرة الاعراب واخذ كل عاداتهم و اتقن نطق السنتهم المتمايزة في لهجاتهم المتعددة و قد ساقته العناية الي رحاب العارف الكبير سماحة الشيخ حاج احمد النور الزاكي «ابو المعالي» و هو من بحار العلم و الادب والتصوف و من الساعين بين الخلائق بالفضل و الاحسان و من اركان الطريقة التجانية بكردفان .... فنهل استاذنا كاكوم منه منهلاً عظيماً و تعهده باحسن مسالك التهذيب و التشذيب و لازال تأثره به كبيرا ويحق له ذلك و لعلي اكون صائبا اذ اقول ان مرحلة كاكوم الاولي هذه كانت السبب الرئيس في تميزه الاكاديمي الذي هو مرحلته الثانية فختم مطافه فيه بجامعة الخرطوم حيث تشرف بنيل شهادتها و ثناء اساتذتها . و يكفيه فخرا ان العلامة الراحل عبد الله الطيب وصفه بانه وراث مقام اللغه العربيه بالسودان ثم اردف ذلك بشهادة خطية قام فيها بتقييم مستواه العلمي قائلا «ان الذي حصله لن يجد عليه مزيدا في البلاد العربية و لايسعه إلا كرسي الدرس في الجامعات الغربية...» و تقييم العلامة الراحل لاستاذنا اشبه بخارطة طريق ضمن فيها رؤيته الشخصية لما ينبغي ان يكون عليه المستقبل العلمي لكاكوم . و يكفيه ايضا ماقاله الدكتور عبد الله علي ابراهيم في مقدمة كتاب «المناقرات» للدكتور عمر محمد الحسن شاع الدين «يقع الامين البدوي كاكوم في المرتبة الثالثة بعد الطيب السراج و عبد الله الطيب» . و يكفيه قول الاستاذ ميرغني حسن علي «يفترض ن يكون كاكوم علي رأس وزارة تعني بالثقافة السودانية » و تكفيه قولة الحق التي اطلقها الاستاذ اسحاق احمد فضل الله «انها لخسارة فادحة علي السودان ان يكون الامين كاكوم رهين غرفة التدقيق اللغوي في تلفزيون السودان » لا اعتقد انه قد خصصت له غرفة !!! ويكفيه قول الدكتور عمر محمد الحسن شاع الدين «لم التق في السودان بمن هو اعلم بالعامية السودانية كالامين البدوي كاكوم». وتكفيه شهادة العلامة ابراهيم الدلال «الشنقيطي» «ليس ثمة من يجيد فن المحاضرة في السودان و الوطن العربي كالامين البدوي كاكوم ». * وتكفيه اشادة الزعيم الاديب الراحل الشريف زين العابدين الهندي و قد التقاه لساعات فكان ان قال «حرام ان لاتجد هذه الموهبة طريقها للاعلام و الناس بدلا من هذا الغثاء الذي يبث». * لم يمر عام علي تخرج الأمين كاكوم في جامعة الخرطوم حتى أقبل عليه رجال ونساء من السلك الدبلوماسي بالخرطوم حيث كان يدرس بعضهم اللغة العربية على المستوى الخاص وجعلت هذه المناسبة كاكوم محط أنظار هؤلاء الأجانب وأصدقائهم بما لمسوه فيه من ذكاء وقاد وإطلاع واسع فاعتبروه صديقاً حميماً يقومون بزيارته حيث كان يسكن بعيداً في أحياء أمدرمان العشوائية مع أهله من النازحين الفقراء وأذكر من هؤلاء «إستيف جونسون وزوجته بتريشا جونسون منسقة شئون اللاجئين» والتي صارت قنصلاً للولايات المتحدة بالخرطوم أواسط التسعينات ومن هؤلاء أيضاً «ميري مكارثي» وقد تم ترشيح الأستاذ كاكوم من قبل مسؤولة التعليم في اليونسيف السيدة فوميكو هوكاياما ليصبح مستشاراً لليونسيف في مجال محو الأمية ثم رشحه ماهيش باينيل لعمل دراسة لصالح اليونسيف تتعلق بالنازحين من شمال كردفان وتوفيق أوضاعهم حول المدن وكاكوم ذاته كان مرجعاً علمياً لبعض الدارسين اليابانيين الذين كانوا على صلة بمركز دراسات الشرق الأوسط باليابان وعلى رأسهم صديقه ورفيقه الدكتور هيروشي نواتا المحاضر الآن بجامعة كيوتو «اليابان» ولقد كتب نواتا مقالة عن عبقرية كاكوم في مجلة أخبار القرن الافريقي يتحدث فيها عن سلوكه وطريقة كتابته في تداعياته «أي كاكوم» حول اليابانيين .. ومن جهة قام نواتا بتقديم محاضرة عن كاكوم في جامعة بيلويت بالولايات المتحدة وقبل أيام رأيت كاكوم في صحبة البروفيسور «بيتر وود ورود» أستاذ العلوم السياسية بجامعة ريدنج البريطانية وعلمت أن بين الرجلين صلة علمية تتعلق بالأوضاع الجيوبلوتيكية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية بمنطقة جنوب الصحراء الكبرى ولا يفوتني أن ألفت في هذا المقام الي قيام الأستاذ كاكوم بتشريف السودان على المنابر الأدبية بدولة الإمارات العربية حيث قدم محاضرة في النادي العربي بالشارقة عنوانها «التجاني آية الأدب العربي» وأخرى في المجمع الثقافي بمدينة أبو ظبي عنوانها «موقع البروفيسور عبد الله الطيب علي خارطة الأدب العربي» أما في إتحاد كتاب الإمارات فقد قدم كاكوم محاضرة بعنوان «واقع الأدب العربي جنوب الصحراء الكبرى» ثم محاضرة أخرى في نادي عجمان بعنوان «من أدب الرعاة في السودان» هذا إضافة الي تسعة ساعات إذاعية قدمها كاكوم علي الهواء مباشرة من إذاعة أبو ظبي وكان قد تولى محاورته فيها «الدكتور محمد ياسر شرف» في برنامج «عالم الثقافة» لقد إحتفت جميع صحف الإمارات بأحاديث الأستاذ كاكوم وبث له تلفزيون الشارقة محاضرة لا تقل عن ساعاتين قام كاكوم بكل هذا العمل الكبير وليس من جهة أو مؤسسة وراءه . وعلي صدى ذلك كتب الدكتور خالد محمد فرح سفير السودان بدولة السنغال مقالتين كبيرتين في صحيفة «الصحافة» حيث أورد خلاصة ما عرفه عن كاكوم ويجدر له ذلك إذ أنه رفيقه الدائم منذ طفولته الأولى حيث أوجز قائلاً «إن الأمين البدوي كاكوم هو أذكى من عرفت من البشر». والمتابعون لقناة الجزيرة شاهدوا الأستاذ كاكوم وهو يتحدث بطريقة متفردة عن دخول العرب إلي إقليم السودان وبر أفريقيا لا كطريقة كثير من الأكاديميين الذين توافروا على هذا الباب . . فضلا عن أن لكاكوم مئات التسجيلات المسموعة والمشاهدة في الإذاعات والتلفزيونات داخل وخارج السودان وعبر الإنترنت والذين يتابعون برنامج «ساعة مع كاكوم» يقفون على جزء يسير من حقيقة هذا الرجل الأقنوم الشهير بكاكوم . . ونحن إذ نتناول هذا الموضوع لا نقصد التشفي من إدارة ما .. ولا نقصد بيان عيوبها إذا أن العيوب طبع ملازم لطبيعة البشر الفردية والجماعية لكن قصدنا من ذلك الحوؤل دون استمرار الجريمة النكراء في حق المواهب المبدعة بقتلها وطمرها في دهاليز المهن وأقبيتها الخانقة فهل يعقل أن يقع على رجل مبدع بهذه القامة مثل كاكوم هذا الإستخفاف والإجحاف ؟! ولذلك نصرخ عالياً في أذن حكومة دولة السودان أن تعيد إستكشاف مرفق جهازها المرئي «التلفزيون» لتشاهد بام العين الكم الهائل من الكوادر والمواهب المهملة والمطمورة تحت وطأة تعسفات الإدارة وجهلها بطرق إستكشاف الإبداع والمبدعين فهل يعقل ثانية وجود تحفة أدبية أمتعت السامعين والناظرين برائق القول وناصع البيان شعراً ونثراً في برنامج يعد بكل المقاييس إضاءة حقيقية في الخارطة الزمنية لتلفازنا العتيد ألا وهو برنامج «قناديل»الذي أطل من خلاله المبدع المتميز والشاعر القامة عبد القادر نجل العلامة الشريف الحبيب بن محمد المختار مشتركاً في تقديمه مع شاعرة البلاد الأستاذة روضة الحاج لقد كنا نعتقد أن هذا البرنامج سيكون برنامجاً مشاهداً علي مستوى العالم العربي وقد كان ذلك .. حيث أنني على معرفة بكثير من غير السودانيين ممن لا يميلون إلي الفضائية السودانية إلا عند بث هذا الرنامج القصير العمر!! السؤال هو أين هذا البرنامج وأمثاله الآن؟! وأين الأستاذ عبد القادر الحبيب؟! قطعاً أنه طُمر تحت وطأة التعسفات والتخبطات الإدارية وأخشى أن يكون هذا الإجحاف قد ولّد فيه حالة من الإحباط تكون قد أثرت في موهبته الشعرية والأدبية المهولة .. ونحمد الله كثيراً أن الأستاذة الشاعرة روضة الحاج قد أوجدت لنفسها نوافذ تطل من خلالها على جمهورها من متذوقة الشعر . أليس ذلك كله كافياً يا حكومة دولة السودان حتى تعيدي النظر في شكل ومضمون ومآل هذا الجهاز الأكثر أهمية. والله ولي التوفيق
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أيها التلفزيون القومي.. مالك وكاكوم 3 حسن النادر الغفاري (Re: munswor almophtah)
|
حسن النادر الغفاري : الصحافة
الامين البدوي «كاكوم» ود «المعيسة» اسم قذف بمدفع «على حد تعبير الاستاذ هيكل» من اغوار البداوة الى ساحات حضرية في جامعة الخرطوم لكي يتخذ من مناهج البحث الاكاديمي محددات و كوابح تزن وتؤطر تفلتات البداوة المترسخة في اعماق دواخل الاستاذ كاكوم و لا أدل على ذلك من إعتداد و إعتزاز الأمين البدوي بشخصيته الجاذبة وروحه الحلوة المتحضرة بهذين اللقبين الدالين على بداوة متوحشة ومنطلقة ولعل ما يظن لاول وهلة من و جود تناقض بين ما هو متحضر مرتبط بالبرستيدج وبين بداوة الاعراب في سهول كردفان والبطانة امر مستغرب ونادر الحدوث . لكنه في الحقيقة ليس تناقضا كما يظن انما هو نفس عبائية حاوية تجمع الشتيت من المعطيات المتناثرة و التي هي في نظر بعض السطحيين من ادعياء الثقافة عديمة القيمة والفائدة لكنها المكونات الاولية في صورتها الاحادية يجمعها اصحاب الفطن الوقادة والهمم العالية في مركبات معرفية تؤسس للثقافة وتقوم عليها الحضارة، والاستاذ كاكوم من هولاء الرجال وهذه الشاكلة من الرجال وهذه الكيفية في تجميع الثقافة من معطياتها الاولية المتناثرة و المبعثرة و الناتجة من الآثار العملية لتدافع مكونات الاجتماع الانساني و تحركات كتلة البشرية على حسب تحكمات الرقع الجغرافية وتأثيرات البيئة.. ان من يقومون بمثل هكذا افعال وصنائع يعدون في نظر اهل التعمق في دراسة الاجتماع البشري اقانيم للمعرفة، والاقنوم هو الرافعة التي ترفع المجردات والقيم وابجديات المعرفة من اساسها الذي هو الوجود الى أسها المدرك او الى أسها اللا متناهي في الإدارك واللا ادراك ضمن الحركات الصعودية الروتينية للمعرفة في نسقها العروجي او نسقها الادراجي التراتيبي يلتقطون الاشتات المعرفية في صورتها الاولية أي في وجودها الاساس وهي تتفلت من ألسنة عوام الناس وافعالهم لا يلتفت إليها من قبل اهل الغشاوة واللاهين في الحرف فيلتقطها هولاء الاقانيم ومن ضمنهم كاكوم فيصوغونها ويسوقونها سوقا متأنيا وصياغة ذات وهج ملفت بحسهم المتفنن وذوقهم المترفع وعقلهم السابر لقوانين الكلام وضوابط القول بالفطرة والسليقة او بالتراكم الاكاديمي .. فيخرجونها للناس صورا زاهية ترتسم في قوالب الادراك وحناياه وفي مضابط الثقافة فيرتفعون بها الى أسها المعرفي المتعالي ... هكذا تنشأ الثقافة وتتراكم المعرفة وتقوم الحضارة بصرف النظر عن البيئة والامة التي ينشأ فيها ذلك . وما الثقافة والحضارة والمعرفة الا كلمات متناثرة ومبعثرة يجمعها اساطين المعرفة واقانيمها بمزيد من التهذيب والتشذيب والتلوين وكما قيل «في البدء كانت الكلمة» و الامم الراقية المتحضرة او شبه المتحضرة تحتفي بامثال هولاء الرجال وتنزلهم منازلهم التي يستحقون ان لم يكن بتوفير الماديات وتسخير معينات البحث لهم فلا اقل من احترام لهم وتوقير لما يحملونه من ارث معرفي يشكل مرتكزا اساسا في هوية الامة .... لا ان يقذف بهم في غيابات المهن والحرف التي لا تناسبهم ولا تناسب ما ينبغي ان يلعبوه من ادوار في تشكيل الهوية والتأسيس لها منهجيا. الثقافة السودانية آفاق وعراقيل : لا نود الخوض في جدل عقيم لا طائل منه حول الثقافة السودانية ومنابعها العروبية او الافريقية منحازين لعروبة او افرقة، كما لا نود ان ندخل مدخلا رماديا جامعا للاثنين او ممازجا لهما ... لكن نود ان نلفت الانتباه الى خلل عملي ظل يلازم سيرورة الثقافة السودانية وقد يبرز هذا الخلل العملي من جهة حصول النتائج وكأنه خلل بنيوي وبالتالي قد تترتب عليه اخطار وجودية تأتي على اصل الاساس والاس الثقافيين وبالتالي الحضاريين . وعند ذلك لا يستغرب حدوث مثل هذه الاصطفافات التنازعية حول هوية الامة بل حدوث ذلك يعد من الحتميات فليتنبه معي اهل الاختصاص والقارئ الكريم الى هذه العجيبة المزرية وهي ان الثقافة السودانية عبر تاريخها القديم والوسيط والحالي مازالت ثقافة سماعية تلقينية لم توثق بصورة كاملة كما هو الحال في بلدان مجاورة لنا وفي نفس امتدادنا الحضاري . وان لم ننف وجود توثيق جزئي لبعض المناحي الثقافية والحياتية قام به بعض الرحالة المستشرقين لهم منا الشكر الجزيل على بعض ما قاموا به من اعمال توثيقية و على البعض منهم لعن مرير لتوثيقهم المحرف والمغرض اذ ان بعضهم لم يكن الا اعين لجهات استعمارية ..... لكن الاعجب من ذلك ان التاريخ الوسيط للسودان اذا حاولنا تتبع المصادر والمراجع التي رصدت مناحي الحياة والثقافة غير ما خطه هولاء الرحالة الاجانب ..... لم نجد ما يمكن الوثوق به او الاعتماد عليه من الناحية العلمية الاستدلالية لكن يضطر الباحثون للركون اليه لعدم و جود غيره مما يؤدي لظهور حالتين ذاتي خطر كبير على الشكل البنيوي والمحتوى الموضوعي لامر الهوية المتنازع عليها. أ- الحالة الاولى: هي ذلك التشويش البادي في كتابه تاريخ السودان فلا نجد توثيقا تاريخيا يمكن الوثوق به وثوقا علميا لا لعيب في الباحثين او جهالة في المؤرخين .... لكن الخلل يكمن في توفر المعلومة الموثقة في مصادر ومراجع ذات منهج علمي في الرصد والتوثيق مما يضطر المؤرخ للجوء الى التحليل والترجيح واستخدام الاقيسة والاستقراءات وهذه ادوات المحلل والباحث وليست ادوات المؤرخ، فالمؤرخ الحقيقي عليه ان يكون اخباريا جامعا للاحداث وسير الناس لينهل منها الباحثون والمحللون بعد ذلك، لكن ان يتحول المؤرخ الى باحث محلل فذلك يدل على ندرة المعلومة الموثقة ..... وعند ذلك يحدث التشويش في كتابة التاريخ لان الترجيحات تختلف من شخص إلى شخص ومن منهج لآخر ومن الاخطاء القاتلة في تاريخ الثقافة السودانية والتي اضرت بالمؤرخين المحدثين هي محاولتهم رصد احداث في غير زمانهم تسامعوها في الاحاجي و الحكاوي وهي مهمة في غاية الصعوبة خصوصاً عند من يقدّرون قيمة المعلومة التاريخية، وهو ثقل كبير على كاهل المؤرخين المحدثين لان المعلومة التاريخية يجب ان توثق في وقتها وان لم يكن ذلك متاحا فلا اقل من ان توثق في عصرها او هذا خلل كبير وكبير جدا في كتابة التاريخ السوداني ينعكس اثره على موضوعي الثقافة و الهوية مما يدل على ان الاحساس بالحاجة للشئ يأتي متأخرا في العقل الجمعي للامة السودانية ولمزيد من التعمق نأتي على ذكر استشهادين نعتقد انهما مهمان جدا . الاول كتاب «الطبقات» لابن ضيف الله والثاني مخطوطة «كاتب الشونة» و لا اعتقد انني اجانب الحقيقة اذا قلت ان هذين الشاهدين هما اهم ما خطته ايد سودانية في تاريخ السودان الوسيط «عصر الفونج والتركية السابقة» و اهميتهما لا تقوم على قيمتهما العلمية ولا على قوتهما الاستدلالية و لا على منهجيتهما البحثية للاسف الشديد لكن اهميتهما تقوم على انه لا يوجد غيرهما من مضابط مرجعية ير جع إليها وهما في التقييم العلمي واتباع المناهج البحثية في التدوين اخف من ان ينصب لهما ميزان .... ولعل اهل الاختصاص يستغربون من ان تلك الحقبة الزمنية كانت ثرة بالاحداث الاجتماعية والسياسية والتحولات البنيوية التي شكلت السودان الحالي اجتماعيا وثقافيا وسياسيا وحتى ديمغرافيا ووجه الاستغراب يكمن في عجز الامة في عقلها الجمعي من انتاج نخب تقوم بتدوين الاحداث مع تصنيفها .... ومن العار العظيم ان ينحصر التحصيل المعلوماتي لاحداث التاريخ في أي امة علي مثل شاكلة هذين المصنفين على ضعفهما المنهجي وفقرهما المعلوماتي .... و اهل البحث والاختصاص المعاصرين يستشعرون فداحة ذلك مما يضطرهم مجبرين لاعمال التحليل والترجيح باستخدام الاقيسة في محل تناول الحدث او المعلومة من ناحية حدوثها او عدم حدوثها و ذلك خلل كبير فلا يستقيم ابدا ان تقوم امامك النتيجة التاريخية بصرف النظر عن تصنيفها بينما تغيب عنك المقدمات المفضية الى النتيجة ذاتها والمكونات الاولية التي تشكلها مما يجعل السقف مرفوعا بلا قوائم و ذلك هو المحال، اللهم الا ان تكون القوائم هي المسموعات والترجيحات وتشعبات الظنون فلا يلبث ان ينهار او يصمد بدعامات من الاباطيل ومردود القول وضعيفه . مما يجعل البناء الحضاري ممسوخا مشوها بالفتوق والرتوق . الحالة الثانية : ينشأ جراء عدم التدوين الركون الى السماعيات والاعتماد عليها في الاستدلال والاستنباط والتحليل وفي التثبت احيانا كثيرة ... وما ينقل بالالسن في الغالب الاعم ينشأ فيه التحوير و التحريف بالزيادة او النقصان، ويترتب عن ذلك ما يعرف «بالذاكرة الخربة» وخراب الذاكرة عندما يصيب العقل الجمعي للامة يكون سببه الرئيس هو شيوع التوثيق السماعي في التثبت من المعطيات التاريخية، ويكون ناتجه الرئيس ايضا حالات من التخبط في تحديد الاساس والاس في مستواهما الحضاري وفي تثبيت امر الهوية وفي التعاطي الاجتماعي العام في ابعادة الثقافية والسياسية وحتى الاقتصادية وحتى لا نحلق في سماوات نظرية ونكتفي بالتحليق والاشارة للداء من على البعد دون لمسه او جسه ... لا بد من تذكير القارئ الكريم واهل الصلة بالمبحث بالمصاديق العملية المترتبة علي ترسخ خراب الذاكرة في عقل الامة السودانية الجمعي... فلا ادل من الاستشهاد بتضارب الاقوال وتنازعها عند تناول موضوعي الهوية والثقافة بين مكونات الامة الاثنية ولا ادل من تخبط السياسات المدنية في الدولة السودانية منذ استقلالها وبعدها عن المنظور الاستراتيجي في التعاطي والتخطيط والانشغال الدائم بالسياسات الوقتية . * و لا ادل من ضعف قرون الاستشعار المركوزة في الطبع والجبلة فصرنا لا نستشعر بالاخطار قبل حدوثها و لا نتنبه لها الا وهي واقعة على أم رؤوسنا فسرد الشواهد يضيق عنه المجال الصحافي المتاح. * ولا ادل اخيرا و ليس اخرا من توالي تجريب المجرب المثبت الفشل في تعاطي الامة و نخبها في شتي الصعد. و عند التتبع للشأن الحضاري من منظور علم الاجتماع نلحظ وبوضوح ان الامة عندما تتوفر فيها ولديها الظروف الموضوعية لقيام حضارة ما . لا بد ان تمر بمراحل حتمية وبآليات حتمية ايضا لا نود الخوض فيها كلها .... لكن سنتناول المرحلة الاولي التي تعنينا وهي مرحلة التأسيس .... و في مراحل التأسيس ومنذ فجر التاريخ لا بد من ظهور اقانيم المعرفة الذين اشرنا إليهم في البدء وهم من يجمعون المكونات الاولية للمعرفة في صورتها البسيطة والساذجة لم يشذ التاريخ عن ذلك مطلقا ... كان للحضارة اليونانية اقانيم معرفية ساحوا مع الاسكندر الاكبر المقدوني الى اقاصي المعمورة جامعين في ترحالهم اشتات المعرفة معقدها وبسيطها مشكلين بذلك الاساس الذي تتراكم عليه القيم الحضارية والمعرفية ليأتي من بعد ذلك رعيل آخر كانوا هم بناة الحضارة والمرتفعين بها الى أسها المنشود ولولا السنخ الاول من اقانيم المعرفة لما تمكن مثلث الحكمة «سقراط- افلاطون - ارسطو» من اشادة أي بناء معرفي و لما تمكن ديمقريطس من وضع النظرية الاجمالية للحكم والتمثيل ... و لما خاض حكيم الرواق «زينون» في اصول الحقائق المعرفية ... ولقد كانوا الدافع والمحفز لهيرودتس لتوثيق الاحداث والسير و عندما جاء الاسلام وبدأ يشكل مجتمعه الحياتي وفق عقيدته ومرتكزه الروحي والمادي لكي يؤسس لحضارته وليسهم اسهاماته في العطاء الانساني ... كان لابد لحدوث ذلك من مرور بالمراحل ذاتها والاليات نفسها .... فكان لابد من ظهور نخب تقوم بالجمع و الرصد للمعلومة او المادة المعرفية لتكون المعول عليها من قبل المصنفين واهل التخصص في كل شأن ... في البدء كان الاصمعي والشعبي و ابامخنف لوط بن يحي وعطية العوفي واضرابهم من حملة الاثار الاوائل بصرف النظر عما صاحب مناهجهم من بعض الضعف و التدليس و احيانا الوضع لكن كانوا هم الاساس الذي ارتكز عليه من جاء بعدهم من اهل التوثيق المدون وارباب الموسوعات الحاوية .... و الامة السودانية ليست بدعا عن ذلك وذلك لا يعني انعزالها عن محيطها وانغلاقها على ذاتها او انها امة منفردة في كينونتها و قائمة بذاتها كلا بل هي امة متصلة بمن قبلها و متواصلة بمن معها ولها لواصق مستقبلية في مداها الحياتي .. لكن لها خصوصيتها وهذه الخصوصية تستدعي مرورها بالمراحل التي عنيناها ولان مرورها كان مفتقرا للمنهجية في الرصد والتدوين ولان هذا المرور حتمي فإذن لا بد منه حتى و ان جاء متأخرا فالامة السودانية لازالت حتى اللحظة في اطوار التشكل وذلك يعني ان امر الهوية والثقافة لم يحسم لصالح جهة بعينها كما يدعي البعض ويبذلون في سبيل تغيير ذلك كل شئ حتى قرارهم وكرامتهم ومستقبل اوطانهم بارتهانهم للخارج ... اذن لايزال امر الهوية و الثقافة محل استزادة و محل تفنن في التشكيل ومحل اسهام ولايزال موضوع التجانس الاجتماعي السوداني قابل للمزيد من الاسهامات التي تقلل العثار فيه .. ومثل هكذا امور تحتاج الى وعي النخب المثقفة والى ادراك النخب المتخصصة في كافة المجالات ذات العلاقة ... وهؤلاء بلا شك يعتمدون في تخطيطهم و سياستهم على اقانيم المعرفة الذين اشرت إليهم سالفا .... ان الاهمية التي يوليها الباحثون لامثال الاصمعي والشعبي و ابن يحي و العوفي ترجع لانهم مصادر معرفة ونياط مرجعية .... و استاذنا كاكوم من شاكلة هولاء لو يعلم الذين يتربعون على دسوت المقاعد الادارية في البلاد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أيها التلفزيون القومي.. مالك وكاكوم 3 حسن النادر الغفاري (Re: munswor almophtah)
|
اللمين ود كــاكـوم تبــارك الله (2ـ2)..!! بروفايل: د. خالد محمد فرح وعندما كان الشباب، وخصوصاً من كانوا يعرفون بالحناكيش، يقصدون الكافتريات سلفر مون، وقولدن قيت بالخرطوم لكي يحستوا الملك شيك والكابتشينو، كان الأمين يذهب الى سوق الشيخ ابو زيد بغرب ام درمان، بل احسب انه كان من اوائل رواد سوق الناقة، حيث يجد الشواء الغريض، وكبدة الابل، ويسعد برفقة اصحابه من عربان البادية، ويتجاذب معهم اطراف الحديث، مثل صديقه المرحوم حسن ود عيد ود بليلة، الذي لم أره ولكنني سمعت عنه من الامين، وقد اخبرني انه كان يسعى لكي يرتب له لإلقاء محاضرة عامة عن تجربته في الحياة (أى تجربة حسن ود عيد ود بليلة!) بقاعة الشارقة بجامعة الخرطوم. واذكر ان الامين اخبرني مرة ان صديقه ود عيد اقترح عليه مرة ان يتزوج من فتيات سوق الناقة، وزين له ذلك بقوله (بتنجضلك اللحم آ للمين!)، واذكر أنني علقت بالانجليزية على عبارة ود عيد مستنكراً ذلك الامتهان لمكانة المرأة ووظيفتها بقولي:This is not gender- sensitive at all. هذا، بينما كنت اضمر متعة حقيقية بالطرفة، والأمين يضحك. نعم، كان الأمين منذ ان عرفته فنتازياً، واسع الخيال، ولكنها فنتازيا محببة، خفيفة الظل، ومدهشة، وخلاقة، بشأن الأدباء والشعراء. وقد افضى الى قبل سنوات انه يتمنى لو يستطيع ان يجمع بين سيدة تدعى (السكات)، كانت تعمل طاهية بداخلية مدرسة قريتنا، وبين (سيمون دي بفوار) الفيلسوفة الفرنسية الشهيرة، صاحبة جان بول سارتر، على ان يؤتي لهما بأبرع مترجم بين الفرنسية، والدارجة السودانية بلهجة ناس البلد، فقط لكي يرى هل ستكون هنالك امكانية للتواصل، والفهم المشترك بينهما اصلاً، ولكي يستمتع بالمفارقة المعرفية والثقافية والفكرية المضحكة التي ستتمخض عن مثل هذا اللقاء المتخيل. إن الاستاذ الأمين البدوي، أو الأمين كاكوم، هو من اذكى من رأيت من البشر. وهو رجل له مقدرة فائقة على الحفظ والاستيعاب والتحليل والنقد في مختلف ضروب المعرفة الانسانية بصفة عامة. وله علم ودراية واسعة باللغتين والادبين العربي والانجليزي، فكيمياؤه اذاً معهدية/ غردونية في تناسق بديع، وعلى رأى عبد الله علي ابراهيم، فضلاً عن إلمامه الواسع بالتراث الشعبي السوداني شعراً ونثراً، فهو يجمع بين جوانحه عبد الله الطيب، والطيب محمد الطيب، وعبد الله علي ابراهيم، وعون الشريف، وحسن نجيلة، والأمين علي مدني، والشيخ محمد عبد الرحيم، وجراهام عبد القادر، ومحمد الفاتح ابو عاقلة في آن واحد. ولولا بعض الظروف الخاصة لكان مكان الامين البدوي الآن، استاذاً كبيراً بجامعة الخرطوم. ولكنه اضاع على نفسه وعلى السودان تلك الفرصة بسبب وضعه البيض في سلة واحدة كما يقول المثل الافرنجي، وهو يعلم فحوى كلامي هذا. وكذلك بسبب نوع تسرع و(شفقة) في طبعه، وهو ما يعبر عنه المثل الفرنجي ايضاً، وهو القائل ما معناه (إن الحجر المتدحرج لا يجمع طحلبا). فرغم ذكائه في تحصيل مختلف فنون المعرفة، واستيعابها، وتحليلها، ونقدها أثناء دراسته الجامعية، إلا انه فيما يبدو كان يعوزه شئ من الذكاء الاجتماعي، في تحصيل القدر اللازم من فن العلاقات العامة، والقدرة على التسويق لنفسه. كما يقال، والترويج لها بين جميع من كان اليهم الأمر آنئذٍ. كان الامين البدوي أثيراً جداً عند عبد الله الطيب الذي كانت تعجبه فيه فصاحته، وجزالة اسلوبه، وروح بداوته وكان عبد الله الطيب قد درس دفعة الامين البدوي بكلية الآداب بجامعة الخرطوم، عقب رجوعه الى السودان من المغرب في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. وكان الامين ربما رفع عقيرته منشداً بعض ما كان يدرسهم عبد الله من عيون الشعر العربي، ونحن جلوس على بعض ارائك (المين رود) ومن بين تلك القصائد التي كان يحبها الأمين، تائية المعري المنشورة في ديوان (سقط الزند) وهى التي كتبها بعيد انصرافه من بغداد عائداً الى بلده معرَّة النعمان تلك التي يقول فيها: هات الحديث عن الزوراء أو هيتا وموقد النار لا تكري بتكريتا ليست كنار عدي، نار عادية باتت تشب على ايدي مصاليتا وهى قصيدة حسنة السبك، وذات جرس مطرب، وكان الأمين يصل في إنشادها الى قمة التطريب عند قول المعري: أعد من صلواتي حفظ عهدكمو إن الصلاة كتابٌ كان موقوتا وتضحكه سخرية المعري في مثل قوله: نكست قرطيك تعذيباً وما سحرا أخلت قرطيك هاروتاً وماروتا؟ * اما اذا كان مكتئباً أو (مدبرساً) كما كنا نقول، فإنه غالباً ما كان يعمد الى انشاد عينية متمم بين نويرة اليربوعي، في رثاء أخيه مالك. وهى قصيدة تعد بحق من عيون الشعر العربي، بل الشعر الانساني قاطبة في باب الرثاء. وهى في رأيي أفضل من قصيدة المعري نفسه الذائعة الصيت (غير مجدٍ) لأن الاخيرة هى اقرب الى الفلسفة والحكمة والتأمل، أى العقل. اما قصيدة متمم فهى الشعر الحق من حيث هو عاطفة، ووجدان، وذاتية، وجمرة تحرق من وطئها. وهذه القصيدة موجودة في (المفضليات) ومطلعها هو: لعمري وما عهدي بتأبين هالك ولا جزعاً مما أصاب فأوجعا لقد كفَّن المنهال تحت ردائه فتى غير مبطان العشيات أروعا الى آخر تلك القصيدة المؤثرة جداً، والتي يبدو ان عبد الله الطيب نفسه كان متأثراً بها غاية التأثر. ذلك بأنه قد درسها لاجيال عديدة من طلابه، على مدى السنوات التي تقارب الخمسين من سنوات تدريسه بالجامعة، فقد سمعت من السفير الشاعر د. عمر عبد الماجد، وهو من خريجي الستينيات أن عبد الله الطيب درسهم إياها، كما سمعت من السفير عبد الباسط السنوسي وهو من خريجي السبعينيات انه درسها لهم. ولا ازال اذكر محاولته تقليد عبد الله الطيب في مثل قول الشاعر: قعيدك ألا تسمعيني ملامة ولا تنكئي قرح الفؤاد فييجعا هذا، ولا يزال التلفزيون السوداني الى عهد قريب، يعرض بين الحين والآخر، لقطة للأديب الكبير المرحوم بروفيسور علي المك- وهو من تلاميذ عبد الله الطيب في اواخر الخمسينيات واوائل الستينيات- وهو ينشد مقاطع من تلك القصيدة العصماء في حضرة البروف، وفي ليلة من ليالي تكريمه، بصوت علي المك الجهوري المميز: تقول ابنة العمري مالك بعدما أراك هنيئاً ناعم البال أفرعا فقلت لها طول الأسى إذ سألتني ولوعة حزنٍ تجعل الوجه أسفعا * أما سبب إيثار عبد الله الطيب لقصيدة متمم بن نويرة، فقد اشار اليه ضمنياً استاذنا محمد الواثق في تناوله لبعض أشعار عبد الله الطيب في الرثاء، وخصوصاً ما يشوبها من رنة حزن بادية تشي بتجاوز الشخص المرثي في القصيدة المعنية، كما استشف ذلك استاذنا الواثق، الى شخص آخر تربطه بعبد الله الطيب علاقة خاصة. وقد تعرف الواثق على ذلك الإنسان في شخص (حسن) شقيق عبد الله الطيب الذي مات صغيراً غرقاً في بئر الساقية (المترة) فأثرت تلك الحادثة تأثيرا بليغاً في نفسه، فظل صداها يتردد في العديد من اعماله الشعرية والنثرية. وانا من ناحيتي ايضاً، ارى ان إيثار عبد الله الطيب لقصيدة متمم هو بسبب جودتها من ناحية، وبسبب انها تعبر عن مشاعر فقد الاخ، وهو فقد عظيم، وهو ما كان يحس به دائماً، قالوا: لما نعى للخليفة عبد الله ابنه عثمان شيخ الدين عشية يوم كرري المشهود، تجلد وتماسك، ولكن لما نعوا اليه اخاه يعقوب جراب الراي، أحس كأن الارض قد مادت من تحت رجليه. ذلك بأنه قد ايقن ان سيفه الذي كان يجالد به قد انفل وانكسر.. ثم كان ما كان من أمر الهزيمة، والنهاية المأساوية في (ام دبيكرات) بل الشهادة المشرفة. ولقد تعلم جزع الخنساء على أخيها صخر، وصبرها الجميل على استشهاد أبنائها الاربعة.ويحفظ الأمين متوناً ونصوصاً لا تعد كثرة من تراث السودان القومي. وأحسب انه قد مثل واجهة مناسبة تطل من خلالها اشعار بادية كردفان الشعبية بصفة خاصة، محدثاً بذلك نوعاً من التوازن المطلوب في عرض ما درج على تسميته بالشعر القومي في السودان، الذي لا يكاد المستمعون إليه من خلال أجهزة الإعلام، يعرفون منه سوى النذر اليسير من شعر البطانة وشعر بعض مناطق ولاية نهر النيل. فالأمين يحفظ عن ظهر قلب «معلقة» أمحمد ود عبيد اللّه الكباشي في رثاء جمله «دردق» الذي سرقه اللصوص ونحروه. وكان الأمين لا يرى بأساً أن يرفع بها عقيرته في الـ Junction نفسه، وهو ملتقى الحناكيش بالجامعة. ولعله يحفظ النسخة الأصلية من «منظومة ود دوليب» وربما فضلها على رباعيات المتنبىء الفرنسي الشهير «نوستراداموس» والاشعار التى قيلت في المنافرة بين حمر والكبابيش في حرب العقال في التركية السابقة، وشعر «الليمون بت المهدي» في «فرح ود الفحل» و«عبد القادر ود رحمة»، وقصيدة عبد الله الدرويش المجنوني، في وصف الفتاة البدوية التى استضافته وقدمت له القهوة: الجبنة التمام عدتها فنجان والكبوتة والتالتة أوقايتها إلى قوله: يا عبد اللّه فرمل واختصر قصتها اللهم ارض عنها وعن والدتها وهو يحفظ إلى جانب ذلك، الكثير من مديح البرعي، ومن قصيد الشيخ أحمد الشايقي راجل «أم عدارة» هذا إلى جانب نصوص أخرى لا تعد ولا تحصى من تراث الجزيرة، والبطانة، والسافل، كأشعار الحاردلو، الصادق ود أمنة، والطيب ود ضحوية، وطه الضرير، وإبراهيم ود الفرّاش وغير هؤلاء. وصفوة القول في الختام هي أنَّ الأستاذ الأمين البدوي كاكوم، رجل عالم جهبذ، واسع المعرفة، بمختلف ضروب الفنون والآداب السودانية من قديمة وحديثة وفصيحة وعامية، وهو قمين بأن يعيّن على رأس مؤسسة تعنى بمثل هذه الأشياء، من قبيل: «المركز القومي لتوثيق حياة البادية السودانية» مثلاً، أو «مركز أبحاث التراث السوداني» على سبيل المثال أيضاً، وهاتان مؤسستان غير موجودتين، ولكنني اقترح إنشاءهما اقتراحاً، وأنا على يقين بأنه سوف يقدم ــ إن شاء اللّه ــ عملاً عظيماً يفيد البلاد والعباد، ويخدم الدارسين والباحثين المعاصرين، فضلاً عن الأجيال القادمة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أيها التلفزيون القومي.. مالك وكاكوم 3 حسن النادر الغفاري (Re: munswor almophtah)
|
اللمين ود كاكوم تبارك الله (1)..!! * هو أخي، وصديقي، وابن قريتي. نشأنا معاً منذ طفولتنا الباكرة في قرية ام دم حاج احمد، بدار الريح من شمال كردفان، ودرسنا معاً، ولهونا معاً. سوى أنني أسن منه بقليل، فلقد كان في الدفعة التي تلت دفعتنا مباشرة. ولكن رغم ذلك، نشأ بيننا رباط روحي اثيري، ألف الله سبحانه وتعالى من خلاله بين قلبينا، وروحينا، وعقلينا، ومزاجينا. هذا والارواح جنود مجندة كما جاء في الأثر. كنا نعرفه منذ أن كنا صغاراً، والى ان تخرجنا في الجامعة فقط باسم (الأمين البدوي الامين) فاذا به يخرج علينا بعد كل هذه السنوات الطويلة بهذا اللقب المدوي (كاكوم!). ويبدو أن كاكوم هذا، هو لقب جده الاعلى، بعثه بعثاً لكي يعطي لاسمه تميزاً ورنيناً خاصاً، وهو يخطو خطواته الواثقة والقاصدة في دروب المجد والشهرة الادبية داخل السودان وخارجه بإذن الله. ولأن الرجل جهبذ علامة، وطلعة فهامة، وباحث محقق، وكاتب تحرير، فلعله يعلم يقيناً ان مثل هذه الالقاب التي تدل على معاني القوة والشدة والبطش، قد كانت مرتبطة عادة بالملوك والزعماء، والقادة الفرسان ومن اليهم عبر التاريخ. والمقصود من ذلك هو إرهاب اعدائهم من ناحية، وادخال المهابة منهم في نفوس رعاياهم واتباعهم من ناحية اخرى. ولا اذكر أن جيمس فريزر، صاحب كتاب (الغصن الذهبي) وغيره من المشتغلين بالفلكلور والانثربولوجيا، قد اشاروا الى هذه الظاهرة في مؤلفاتهم أم لا. ففي التاريخ القديم نجد أن الاسكندر الاكبر كان يلقب بذي القرنين، ويقابله بالسوداني (أب قرون) أو قرينات، كما نجد أن أحد ملوك الفرس العظام كان يلقب بـ (سابور ذي الاكتاف) أما في التراث العربي، فهنالك ممن اطلقت عليهم مثل هذه الالقاب القوية المرعبة:( مزيقيا)، وهو عمرو بن عامر جد الملوك الغساسنة من آل جفنة ببلاد الشام، وهناك (آكل المرار)، وهو لقب حجر ملك كندة، وجد امرئ القيس الشاعر. ومن بين الفرنجة نذكر الملك ريتشارد (قلب الاسد) وقد كان من اشهر الملوك في اوروبا القرن الوسطى. أما زعماء القبائل والعشائر السودانية فتتبدى هذه الظاهرة عينها بصورة واضحة في القاب الكثيرين منهم، فهنالك (نمر) ملك الجعليين، وهنالك (الحاردلو) زعيم الشكرية، وهنالك ود زايد ـ شحم البل) زعيم الضباينة، وهناك (مادبو) زعيم الرزيقات، وهلمجرا واما في كردفان، فحدث عن هذه الظاهرة ولا حرج، فهنالك من القاب الزعماء: أب زمبطو، وقراص القش، والمر، وود الدليندوك، والهرديمي، وزانوق الذي تشير اليه المغنية في قولها: الغالي تمر السوق كل قسموا ما بحوق زولاً سنونه بروق في محكمة زانوق هذا، ولقد كان جدي «فرح ود الفحل» رحمه الله، عمدة، وكان من قبله عمه (هاشم ود العقاب) عمدة ايضاً. وهذا للمعلومية فقط، اما والدي الاستاذ المربي/ محمد فرح الفحل، اطال الله بقاءه ومتعه بالصحة والعافية، فقد اخبرني ذات مرة ان الشيخ/ محمد وقيع الله، والد الشيخ البرعي، رحمهما الله، قد تنبأ له وهو بعد طفل صغير يدرس القرآن عنده في مسيد (الزريبة) بأنه سوف لن يصير عمدة. وقد كان إذ صار ابي معلماً بالمدارس الابتدائية الى ان تقاعد في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وكل ميسر لما خلق له. والآن فلنعد الى خبر أخينا اللمين ود كاكوم. فإن الامر الذي حدا بي الى كتابة هذه الكلمة بالذات، هو انني اود ان اعبر عن سعادتي الغامرة، وافتخاري، بذيوع الصيت، ونباهة الذكر، و(الطلوع في الكفر) التي ظل يحظى بها اخونا الامين البدوي كاكوم مؤخراً، على مستوى الصحافة، ووسائل الإعلام السودانية، مثل القناة الفضائية السودانية، وقناة النيل الازرق على سبيل المثال، بوصفه اديباً وناقداً، وباحثاً لا يشق له غبار في مجالات الادب، والنقد والتراث الشعبي والتاريخ الادبي والاجتماعي للسودان. وشد ما دعاني الى كتابة هذا المقال، هى تلك السهرة التي تم بثها قبل اسابيع قليلة، من خلال القناة الفضائية السودانية، من إعداد وتقديم الاستاذ المتقن المجود عوض بابكر، والتي استضاف فيها المغنية الشعبية المشهورة الحاجة حواء جاه الرسول المعروفة بـ (حواء الطقطاقة) واللى جانبها أخونا الاستاذ الأمين البدوي معقباً ومحللاً. ولا يمكن للسادة والسيدات القراء الافاضل ان يتخيلوا مقدار السعادة والنشوة التي كانت تغمر أخانا الأمين في تلك المناسبة الغالية، والفرصة الثمينة التي جمعته مع تلك السيدة المبدعة، التي ظلت زائدة لضرب مميز من ضروب الغناء الشعبي (الحضري) في السودان، الا وهو فن غناء (السباتات وترقيص العروسات) لما يربو عن نصف قرن من الزمان. وانا ازعم بحكم صلتي بالامين البدوي، ومعرفتي به، انني قد استطعت استبطان مشاعره واحاسيسه، وهو يجلس تلك الجلسة مع حواء الطقطاقة، التي لو انه قد خير ان يجلس عوضاً عنها مع (ويتني هيوستن) أو (مادونا) أو حتى (نانسي عجرم) لما قبل البتة، فشيخ اللمين رجل (دهري) يحب التاريخ والفلكلور والاصالة.. وهو لن يتسمى بمثل هذه البراعم الصغيرات، وإنما مطلبه دائماً هو (الشجر الكبار) الذي يكون فيه الصغ، أعني الصمغ المعرفي والثقافي. ولابد ان شعور اللمين وهو يجالس حواء الطقطاقة ويحاورها، كان بالنسبة له بالضبط كشعوره لو انه تهيأ له ان يجالس (شغبة المرغومابية) وهى إحدى شاعرات الكواهلة النابغات في القرن السادس عشر، تلك التي قرعت ابنها حسيناً ونعت عليه تنسكه وبعده عن حياة الفتوة والفروسية بقولها (يا حسين اما ماني امك وانت ماك ولدي.. بطنك كرشت غي البنات ناسي، دقنك حمست جلدك خرش ما فيه) الخ و(بت مسيمس) شاعرة الزبير باشا رحمة، و(بت العقاب) التي تأثر الفنان الراحل حسن عطية بأسلوبها في التطريب. ولذلك فقد ظللت اضحك واقهقه لوحدي امام شاشة التلفزيون في تلك الليلة حتى تساءل اولادي مندهشين. ذاك هو الامين البدوي اذاً، يؤثر العتق والعراقة دائماً عن قناعة منه بذلك، وايضاً تفكهاً ######رية، واستهبالاً. فعندما كان اترابه الشباب من طلاب الجامعة يرتدون في الاصائل والامسيات ازهى ما لديهم من ثياب، كالشارلستونات الصارخة الالوان، وقمصان (تحرمني منك) وهى موضة ذلك الجيل، وينطلقون لكي يشهدوا مثلاً، الحفلات الغنائية التي كان يحييها الفنانون الشباب، كان شيخ اللمين يلوث عمامته على هامته العظيمة وييمم شطر البقعة، إما لشهود الذكر بالقرب من قبة الشيخ حمد النيل، أو لمقابلة واحد من قدامى مطربي غناء الحقيبة، مثل الثنائي ميرغني المأمون واحمد حسن جمعة، أو ثنائي الموردة، عطا كوكو ومحمود عبد الكريم. نواصل
....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أيها التلفزيون القومي.. مالك وكاكوم 3 حسن النادر الغفاري (Re: munswor almophtah)
|
وصفوة القول في الختام هي أنَّ الأستاذ الأمين البدوي كاكوم، رجل عالم جهبذ، واسع المعرفة، بمختلف ضروب الفنون والآداب السودانية من قديمة وحديثة وفصيحة وعامية، وهو قمين بأن يعيّن على رأس مؤسسة تعنى بمثل هذه الأشياء، من قبيل: «المركز القومي لتوثيق حياة البادية السودانية» مثلاً، أو «مركز أبحاث التراث السوداني» على سبيل المثال أيضاً، وهاتان مؤسستان غير موجودتين، ولكنني اقترح إنشاءهما اقتراحاً، وأنا على يقين بأنه سوف يقدم ــ إن شاء اللّه ــ عملاً عظيماً يفيد البلاد والعباد، ويخدم الدارسين والباحثين المعاصرين، فضلاً عن الأجيال القادمة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أيها التلفزيون القومي.. مالك وكاكوم 3 حسن النادر الغفاري (Re: munswor almophtah)
|
الأمين كاكوم لكوم الأدب الشعبى وراحة حلقومه التى لا نشبع منها ولا نمل أبدا رأيته لأول مره من ضمن عروض الشاعره روضه الحاج الساحره فسحرنى ذلكم الكاكوم بسحر بيانه وعمق بنيان إلمامه الذى غاص بعد عروق النبع فتجذر مرسلا هامة وقامة تتقزم من حولها القامات أستهنت به أولا لمظهره بالبنطال والقميص وسرعان ما أنجمعت إلى أصغر من نمله مستغفرا لله ومهللا ومكبرا لقدراته فى خلقه فكان الكاكوم فيض بحر طاغ يلجمك سهولة عرضه وجودة إختياره وطرائقه فى التعبير وإنفعاله بما يقدم فكأن العقل والقلب فيه يتسابقان للحاق بروحه الوثابه..أحدثت فى مكالمة طالت فى الحديث عنه مع أخى وأستاذى الأديب الذواقه وحبر المعارف شيخى إمام الطيب محمد الإمام من مونتريال دوافعا للبحث فوجدت تلك الكتابات الرصينة عنه وكيف لا وقد تتلمذ على أساتذة المغرب العربى الشناقيط خاتما ذلك بأستاذ الكل الدكتور عبدالله الطيب ساعيا بينهما يجمع آداب البداوة من أفواه صانعيها صانعا لأفواف وأزاهر وورود نفاذ فواح نضاح عطرها فذلكم الكاكوم معجزة أخرى تضاف إلى إهرامات هذه الأمه..أمة كل ما مات فيها هرقل إبداع قام فيها هرقل إبداع جديد فالطيب السراح اللغوى الصرف والنحوى الصرف ورث العلم لعبدالله الطيب المجذوب وعبدالله الطيب ورثه للحبر والواثق ودشين والمعز الدسوقى وكاكوم وكاكوم تفرد بلونيته والأقانيم التى أنداح فيها كما ذكر بعض من كتب عنه بنفس فلسفى سلس وسلاسة الأمين كاكوم وعفويته وحدة ذكائه من ذكاء ما يعشق من خلق الله المذكوره فى كتابه الحقيق بالوقوف عليه القران الكريم والذى جاء فيه(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) فخلق الإبل خلق من تحد إلى تحد باق ومن يحوم حول حمى الإبل يدرك كنه ذاك التحدى والكاكوم ساسها وعرف أساسها وتقرب من ناسها وسافر إلى فاسها فخبر أشعار عشاقها وأتقن خراج كتاب رواقها وأرتقى بكتابهم إلى مقام سامق فما بال أمة لها مثل الأمين أدبا يقل فيها العرض والتقديم والإخراج الكونى ليكون الأمين كالعقاد ويوسف كرم بجهده وخراجه الذى لا يقل وزنه ولا عياره عن عيار أولئك لا بل يفوق ويتجاوز كل سقف وأفق يا حماة الثقافه وحارسيها بين أيديكم كنز لا نختلف عليه وإن إختلفت فينا السحن والألسن والقناعات كنز ملائكى يسكت أصوات الخلاف كلها خلاف لتلك الكنوز التى تنبع من فوق صنقور شيطان الفتن والمصائب والإبتلاءات الجسام كنز كذاك الكاكوم ينبغى أن ترعاه الأفئده من جم وتراعى روعة خراجه الدفاق المتفتق من عيون إبداعه المتنوعه وأسأل أن يكون هذا الكاكوم الأمين فى أيد أمينه وتفتح له بنودا من صرف ليقنن ويلقن الآتين منا توثيقا يشد وثاق من سبقوه بمن يأتون من بعده وأتمنى أن يفعل ذلك وزيرالثقافه الذى هو أعرف بكاكوم وأعرف بقدراته الخارقه كقدرات الإبل التى يعشقها ويعشق من فى حماها ويرعى ويراعى لحرماتها ذلكم الكاكوم
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أيها التلفزيون القومي.. مالك وكاكوم 3 حسن النادر الغفاري (Re: munswor almophtah)
|
عزيزي منصور
بعد التحية
قال صلى الله عليه وسلم :" إنَّ من البيان لسحرا " هذا الحديث حمله البعض على القدح
كما حمله آخرون على المدح .وهو على رأي الفريقين , اثباتٌ وتأكيد لاثر البيان القوي ّ وفعله الناجع على نفسية السامع
كأثر الساحر على المسحور . حتى يصير طوع اشارته .وتحت ارادته . وهكذا يكون
اثر البيان على من يتذوقه .فيؤخذ السامع اخذا رفيقا , من درج الى درج . ومن معنى الى معنى . ومن مغنى
الى مغنى .حتى ينزل به حيث يراد له . بعد ان يملك مسامعه , ويملأ اقطار نفسه .
لقد استمعت للاستاذ الامين كاكوم . تلك الاخاذة الملية الروية المترعة. فذكرني ببعض اشياخي واساتذتي الذين تلقيت على ايديهم في سني باكرة .بمدرسة امدرمان الاهلية الثانوية .وعلى رأسهم الاستاذ بابكر البدوي دشين .والذي كان يحدثنا عن الاستاذ محمد عبد القادر كرف .ويقرأ علينا من اشعاره . ولو لا علمنا انه بشعبة اللغة العربية بنفس المدرسة , لذهب خيالنا الى طبقات عالية من القرون الخالية.كان يمجده ويذكره بالشيخ العلامة.
خبرني شقيقي يحيى الطيب محمد الامام , وهو يعلم مكانة استاذي دشين عندي.قال يحيى وهو رجل يجيد الوصف ويحسن فن التصوير بالعبارات .قال لي حاضرنا اليوم استاذ دشين ,وكان مدار حديثه علم العروض .قال فتراقصت القاعة بما فيها ومن فيها حتى الكراسي والحيطان.مسها بيان دشين الساحر , فمستها السراء .. كما مست حجر الحسن بن هاني...., وسرت فيها روح العافية والطرب .رحم الله شيخنا دشين واجزل ثوابه.
وثمة علم آخر ذكرنيه حديث الامين.شاب-وقتها- في منتصف العقد الثالث. يشجيك بحديثه ,ويأثرك بأدبه وتواضعه . ذاكم استاذي الاديب الاريب الفيصل المتبحر - بركات جمعة ادريس , عليه فيوض الرحمة وشآبيب الغفران.كان كما سمعت الامين كاكوم يمازج بين العامية والفصحى .حتى لا تشعر وانت مصغ له كيف انتقل من هذه الى تلك .يحدثك عن الملك الضليل واحمد ود عوض الكريم ,حتى تظن انهما نديمان .وتسمع منه في درس البلاغـة .يستنطق دلف بن جحدر الشبلي :
رب ورقاء هتوف في الضحى ذات شجو صدحت في فنن ذكرت الفاً ودهراً سالفاً فبكت حزناً فهاجت حزني فبكائي ربما ارقها وبكاها ربما ارقني ولقد تشكو فما افهمها ولقد اشكو فما تفهمني غير اني بالجوى اعرفها وهي ايضاً بالجوى تعرفني
ثم تسمع منه شاهدا من بادية البطانة
ابراهـــيم جليس امات وضيباً كابي
ويا ركاب علي مهراً مسدس وعابي
صدرك زحمة النار اللسانها إيشابي
وشنبك عقرب الهربة الراضعة الدابي
هكذا سمعتها منه في درس البلاغة ولم اسمعها ثانية ,حتى الآن . وقد مضت بضع وثلاثين سنة
.رجع بي الامين الى انضر سني الحياة .وحملني وانا اتفيأ العجمة ,الى مضارب اؤلئك الفطاحل الجحاجح .والقمم الشوامخ ممن تتلمذت عليهم بامدرمان الاهلية الثانوية.فسحرني بيانه . يوم كان
يتحدث عن ادب الابالة في دار الريح . وان لي فيه هوى , تالد وطريف .
جقلة الفايته الحد
الليلة سماها انقد
ورطن ماصعها رعد
اذ الحديث عن الابل
والابالة عشق قديم , باق .وقد اعطاه الامين بعدا بل ابعادا واعماقا
تفوق الخيال . وتسحر الالباب .
وانا اخالف الاستاذ ميرغني حسن علي , في مقترحه الذي اورده الاستاذ حسن النادر في مقاله اعلاه: ان يمكّن الامين من ادارةٍ أو وزارةٍ . فتلك أوحالٌ مقعدة و بؤرٌ مفندة مفسدة . إن لم اقل إنها
منتنة . انها مسالك اقل ما فيها من القبح تيه البروقراطية , ومعوقات السلطان . وقد يتمادى الامر لتيه الذات . وانغماسها في اوحال
الصراع . الصراع بين الانا والاغيار . والصراع بين الانا والرسالة . والصراع بين رضى الجمهور ورضى
المأمور . وقد كان الاستاذ عبد الله الطيب ,في عافية وستر , قبل ان يكون مديرا لجامعة الخرطوم . وما تسنم ذلك
المركب الوعر الشرود , الا وطالته ألسنٌ ما كان لها ان تطاله . ذلك اَن الوزير أوالمدير . لايفعل ما يرى او ما يريد .ولكن ما يراه ويريده الفرعون (ما اُريكم إلا ما أرى ) . اما اللائمة , فتقع على رأس من ؟
حتماً على من هو في دائرة الضو .او قل في فم المدفع.رغم علم الجميع ان اصابعا خفية , من خلف الكواليس ,تمسك بالخيوط وتشدها الى حيث تريد ..فإن الاصمعي والشعبي والعوفي والمبرد ......وقبلهم آبآء الفكر الهيليني....ما كان بأيديهم صولجان السلطان .ولا يكتنزون ذهبه في خزائنهم .ولو كانوا من اُولي الصولجان والذهب , لصاروا الى ما صار إليه علم هارون الرشيد .والذي قيل انه كان من اضراب امام دار الهجرة مالك , في العلم .إلا انه اشتغل بمعالجة الكرسي , فقعدت به عن العطاء من سفر الخلود ,وسر السلطان على الاحقاب والنفوس.فامحى سلطانه بموته , وبقي سلطان امام دار الهجرة على مئات الملايين ينتسبون اليه -مالكيون-أبناؤه في الفكرة ,جمع بينهم رحم العلم .وذلك كما تقول اغنية السيرة , المشهورة .الشيخ سيرووو :
لاك عُمدة
ولاك مدير
دا الفضل المن الجليل
ذلك لان العمدة والمدير والوزير يأوي اليهم ضعاف النفوس طمعا في ما عندهم .
رأيت الناس قد ذهبوا
الى من عنده الذهبُ
ومن لا يملك الذهب
فعنه الناس قد ذهبوا
رأيت الناس منفضة
الى من يملك الفضة
ومن لا يملك الفضة
فعنه الناس منفضة
فالناس تنفض
مع انفضاض الفضة وتذهب مع ذهاب الذهاب
اما من هم عاكفون على محاريب العلم والادب .وان كانوا قليل الا انهم لا ينفضون
ان اضراب الامين يجب ان يفسح لهم المجال . مجال العطاء بلا حدود .ويمكَّنوا من آليات التواصل مع الجماهير ,بلا سكرتارية ولا حجاب ولا انقطاع . حتى يسري اثرهم الساحر في ناشئة الادب والادباء , بلا رهبة ولا رغبة من ذوي المناصب والسلطان .فإن الرهبة والرغبة تجلبان عشاق الانا وعبدة الدرهم والدينار .ثم تنفض جلبتهم ,ويحول جلبهم حين ايلولة ذهبهم الى غيرهم
واقول للاخ حسن النادر لا نضب يراعك ولا فض فوك .ونرجوه التردد على البنادر ليتحفنا بنفحات الصي .فإنها تقوم اللسان وتفتق الاذهان .كما ارجو ممن يستطيع رفد هذا الخيط بمادة صوتية من عطاء الاستاذ الامين .سواء كان في الادب الشعبي او الفصيح وله من الله خير الجزاء
امـــام الطـيب
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أيها التلفزيون القومي.. مالك وكاكوم 3 حسن النادر الغفاري (Re: munswor almophtah)
|
ابراهـــيم جليس امات وضيباً كابي
ويا ركاب علي مهراً مسدس وعابي
صدرك زحمة النار اللسانها إيشابي
وشنبك عقرب الهربة الراضعة الدابي
أنظر لذاك الإبراهيم الذى عناه ذلكم الشاعر الوصاف الشاعر صاحب القريحه الديجتال والتى تأتى بالأشياء ببعدها الثلاثى وعمقها السباعى فكأنى بإبراهيم يقول لذات الديس الهابر وسادل وسابل فوق الكفل لا بل تجاوز البمبر ليقول للأرض سلام (مقبله إنتى ومقبله أمك الجابتك) أما ركوبه الذى ليس بخمج على ذلك المهر الجموح الملحاح للقنيص بفرح لا يضاهى أى جاهزا من جميعو كما البندق المملحه بالجبخانه تنتظر هبشة التتك أما مقدامية ذلكم الإبراهيم التى شبهه فيها بالسن اللهب عندما تجد خير الوقود وأى وقود غير الشداعة تمنح ذلكم الكرار غير الفرار البسالة والإقدام أما المهابه تبين فى القسمات الرجوليه وبروز الشنب الذى أشبه بعقرب الهربه التى رضعت من ثدى ثعبان فيا لطيف من ذلك البأس واللباس الخوذه الذى أظهر فيه الشاعر ذلكم الإبراهيم وتقولى دافنشى......................
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أيها التلفزيون القومي.. مالك وكاكوم 3 حسن النادر الغفاري (Re: munswor almophtah)
|
Quote: الأمين كاكوم عراب الأدب الشعبى والأدب العربى وخالط البداوة بالحداثه فى ثقافة يجب الوقوف عليها ومن لم من يشرب سقو الأمين وزيره عليه أن يفعل من لم يستطع فثلاجاته فيها الكثير المثير الخطر.................... منصور |
أستاذ/منصور تحايا وسلام لقد وجدت المتعة وأنا أطالع ما أتيت بها وما خطته يداك عن الموسوعة الجامعة الجهبز الأمين البدوي الأمين (الليمن عزة) وهو لقب عرف به عندما كان طالباً بخور طقت الثانوية حيث كان يشدو بطريقته الخاصة المميزة برائعة خليل فرح (عزة في هواك) على المسرح في ليالي الداخليات وكذلك كانت له ورقة يومية يعرضها في الهول المسمى بسوق عكاظ في خور طقت تحت عنوان (عزة). كان الأمين البدوي بالسنة الثالثة عندما كنت بالسنة الأولى. وقد شهادته في بداية رمضان بتلفزيون الشروق بصحبة الأستاذ/عوض بابكر في ضيافة الأستاذ الذي أتمنى ألا يأتي يوم شكره/ حسين خوجلي وأعتقد كانت تدور الحلقة عن أغاني الحقيبة قي معية فنانين من دار فلاح. وكان إندياح الأستاذ/ الأمين البدوي عبقريا. شكراً أستاذ منصور وأنت تتحف هذا المنبر دوماً بالثمين النافع. تحياتي للأسرة. محمد عبد الرحيم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أيها التلفزيون القومي.. مالك وكاكوم 3 حسن النادر الغفاري (Re: محمد عبد الرحيم جمعة)
|
يا أيها المحمد عبد الرحيم جمعة
السلام ورحمة الله عليك وعلى من معك من الأهل وأسركم الكريمه وإن كنت من معاصرى ذلكم الكاكوم بطقت فأنت أحد الشاهدين لنبوغه فى مراحل تشكله الأولى والآن تتابعه بعد أن كسر كل القيود وفاض بحر معارفه وسقى كل الأرواح العطشى لذاك الأدب الذى أدبه وأحسن تقويمه فهو الناهل لجيده من نبع جمامه الحقيقى مشافهة عرف منها الغرض والدوافع والملابسات والشخوص فعاش حلاوة معانيه وطرب للإشارات والدلالات التى تكتنفه وأخرجه إلينا بما يتماشى وذوقنا المختلف فالأمين يا ود جمعه مهدى جاء ليجدد لنا اللسان ومشتقاته ويجمل لنا البيان ويغوص بنا فى أعماقه ويسوقنا خببا ورقيلا إلى بطون البوادى فاتحا لنا نوافذا وعاكسا لنا نواميسها وطقوسها وخطابها الفنان وإنسانها الذى لا تشبع من النظر له والإصغاء إليه فالكاكوم سيملأ فراغا تركه الطيب محمد الطيب لو إنكرب قليلا ولك يا ود جمعه السلام
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
|