حياة جديدة تتشكل منذ 14 أبريل الماضي على جزء صغير من ضفة نهر النيل عند أمري القديمة، حيث 600 اسرة يحاصرها النيل بشراسة بعد ان بدأت ادارة سد مروي عملية التخزين، فقدت منهم حتى الآن 150 أسرة المأوى تماما. وعناد غريب تبديه آخر المجموعات المتأثرة جراء قيام السد، من المتمسكين بالبقاء في العديد من القرى في أمري حيث ارض الأجداد والذكريات، وحيث حصار الطبيعة والأجندة، فقد أوى الأهالي بانفسهم وامتعتهم الى الجبال على امل ان تعصمهم من «الطوفان».. وازاء هذا الوضع وجد الأهالي انفسهم في بقعة خارج اهتمام الحكومة التي فيما يبدو أرادت وضع هؤلاء التعساء أمام الامر الواقع ،لاجبارهم على الرحيل شأنهم شأن الآخرين الذين آثروا الهجرة الى القرى الجديدة التي شيدتها ادارة السدود، ولكن حتى الآن يبدى الاهالي اصرارا عجيبا على البقاء هناك، الى حين حلحلة مشاكلهم الخاصة بتوفير السكن والحواشة لكل متضرر منهم، فالكل لديه أوراقه التي يضغط بها وأهدافه التي يسعى الى انفاذها، لتضيع مع ذلك الوضع الكثير من الاشياء، منها المأوى الخاص بكل اسرة والمدارس المهيئة للتلاميذ، بل ان المنطقة الآن لا يوجد بها قابلة واحدة ولا أية رعاية طبية، ومن اراد ذلك فعليه الذهاب الى كريمة كأقرب خيار على بعد 50 كلم تقريبا. ويرفض وزير الثقافة والشباب والرياضة، نائب والي الشمالية، عثمان سليمان الشايقي اتهامات المتأثرين لحكومة دنقلا بالتقصير وعدم الاكتراث لاوضاع المتضررين في قرى امري القديمة التي ما زال يقبع فيها السكان متجاهلين تهديد النيل الذي بدأت مناسيبه في الازدياد، وتشمل تلك القرى المنكوبة: الغابة، دار حسان، مجموعة قرى الجزائر، كندي، الحقينة، السروة، السليمانية، البانة وتمرة ودسعد، ويشير الشايقي الذي كان يتحدث معى مساء امس الى ان الحكومة قامت بكل ما يليها لتوفير الحياة الكريمة للمهجرين بتوفير المساكن ومرافق الخدمات ومشروعات الاعاشة في قرى أمري الجديدة، مضيفا انه لا يوجد سبب منطقي لبقاء الـ 600 أسرة في تلك القرى، ويقول ان الولاية ما زالت تناشد الاهالي بالرحيل حتى لا يرموا بأنفسهم للتهلكة، ويخسرون ارواحهم وممتلكاتهم. ويؤكد ان دراسة الكنتور التي اجريت اثبتت بما لا يدع مجالا للشك ان السكن في تلك المناطق بجوار البحيرة، أصبح شبه مستحيل. ويروي عضو لجنة المتأثرين المحلولة محمد احمد الحوري مأساة المتبقين من الاهالي هناك قائلا انهم اضطروا لتشييد مجموعة «رواكيب» في سفوح الجبال التي تحيط بقراهم، تحاشيا لفيضان النيل جراء بدء عملية التخزين في سد مروي، ويضيف الحوري في لقائي به ان الاهالي يدبرون امرهم الآن لفتح مدرسة بالعون الذاتي لالحاق الصبية بالعام الدراسي الذي بدأ بالولاية الشمالية، كما ان مصادر الرزق اصبحت في غاية الصعوبة بعد ان غمرت المياه النخيل والمزارع التي أصبح التحرك فيها مستحيلا إلا بواسطة القوارب، بجانب ان المواشي لا تجد الاعلاف، ويوضح ان الاهالي اضطروا للتأقلم مع الوضع الجديد عندما صنعوا الشباك للاصطياد بها في بحيرة السد التي بدأت في التشكل، كما انهم بدأوا في الاستعانة بالطلمبات لزراعة الاعلاف مستفيدين من مياه البحيرة أيضا. وقبل نحو عشرة ايام نظم الاهالي نفيرا لنقل رفاة ثلاثة من الذين قتلوا في منطقة العرقوب في مواجهات بين المتضررين والسلطات، وسرت أقاويل بان رفاتهم كانت «رطبة كأنها دفنت قبل ساعات» فيما يشبه المعجزة. ويتحدث الناس في امري القديمة عن «وقوف السماء معهم» في معجزة اخرى، عندما غمرت المياه بعض اراضي زراعة النخيل في 15 ابريل الفائت، مما دفع العقارب للاحتماء من المياه باشجار النخيل، ولكن ما يسمى بطير البقر جاء في طريق هجرته ليلتهم جميع العقارب والحشرات التي احتمت بالنخيل..! ويحذر المواطن عبدالبارئ هادالله الذي تحدث معي من منطقة البانة من ان بقية القرى مهددة بالغرق في ظل الارتفاع المضطرد في مناسيب النيل والتي تصل ذروتها في منتصف شهر اغسطس المقبل، ويؤكد اهمال حكومة الولاية ومحلية مروي على وجه التحديد لأوضاع 150 اسرة تعيش بلا مأوى منذ شهر ابريل الماضي. وبحسب المتأثرين فان القرى التي تضررت خلت سجلاتها من أية زيارة لمسئول من الولاية، بل انهم يتهمون الدفاع المدني بالتخلي عن اوجب واجباته بمد يد العون لأطفال ونساء وعجزة كانوا تحت حصار المياه الضاري، حيث اضطر بنو عمومتهم من المناصير لاخلاء السكان بواسطة 38 مركبا، قبل ان يكفلوا معاش المتضررين واعلاف بهائمهم اثناء المرحلة الاولى للاغراق. ويستثني الاهالي من هذا الاهمال، الذي يقولون انه كان متعمدا، وزيرة الحكم المحلي ازدهار جمعة، مشيرين الى انها زارت المتأثرين بصفتها الحزبية، أي بمعنى انها زارتهم كممثلة للحركة الشعبية، ويقول الحوري ان اهتمام الحركة بقضيتهم هدد بشكل مباشر الولاءات السياسية القديمة المسيطرة على عقول الناس، الذين كانوا يدينون سياسيا بالمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية! وبعض المتأثرين يمضون في عنادهم للحد الذي يجعلهم يقولون بان العيش بين تلك الوهاد والتلال التي لجأوا اليها ممكن اذا لم توفر لهم ادارة السد المساكن والحواشات، وذلك بالاستفادة من البحيرة والعيش على ضفافها، ويعبر عن ذلك الشيخ ودحاج الذي اعتبر اهمال الحكومة لهم بـ «الحقارة»، قبل ان يردف قائلا «نحن قاعدين هنا والزارعنا غير الله اليجي يقلعنا»، ولم تجد طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها الخمس سنوات اجابة لسائلها عن الذي دمر منازلهم، سوى ان تقول انه اسامة عبدالله، الذي يشغل منصب مدير وحدة السدود، وذلك بحسب مقطع فيديو نشره ناشطون من المتأثرين على موقع «اليوتوب»..! انه الغبن الذي تبدو أي خسائر مادية في الحد منه لا تسوى شيئاً، في سبيل قطع شأفة الاحقاد والضغائن بين مكونات الشمال، حتى لا يتحول مشروع نهضوي كسد مروي الى نقمة بدلا من ان يكون نعمة لكل السودانيين.. انها 600 اسرة فقط تنتظر المعالجة، بغض النظر عن الاحقية القانونية، فان لملمة هذا الملف الشائك أجدى للأهالي وادارة السدود وحكومة الولاية الشمالية..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
azz gafar
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست