|
إلى محبي عثمان حسين .. توقيع على ذاكرة اللحن
|
(إن الناس لا يجمعون على مقصر في الجودة أو غير مبالغ في بلوغ المدى في النفاسة). الفارابي
هذا فن أنت سيده هذا تاريخ أنت سيده هذا إرث أنت سيده وهذا قبر أنت سيده والإنسان المناسب في القبر المناسب.
رأيتهم يحملون نعشه.. فتساءلت كيف يتحرك هؤلاء بمثل هذا الحمل من الحزن الثقيل؟
عازف البيكلو موسى محمد إبراهيم دخل تاريخ الموسيقى من أوسع أبوابه، من مقدمة موسيقية (سولو) لأغنية (الفراش الحائر). الشاعر قرشي محمد حسن – نسأل الله له الرحمة والغفران- سجل اسمه في مقدمة الشعر الغنائي الرومانسي بقصيدة (الفراش الحائر)، الفرقة الموسيقية التي عزفت اللحن أعلنت بداية مهرجان تجديدي للأغنية السودانية في احتفالية (الفراش الحائر). كلهم عبر بهم عثمان حسين إلى فضاء اللحن والموسيقى والكلمات .. ومن يومها ما عاد كل شئ كما كان. مقدمة (الفراش الحائر) كأنها كانت توقيعاً بالأحرف الأولى على شروق شمس في أفق يحمل بشارات مستقبل واعد يرسم ملامحه عثمان حسين. وتذكرني بالموسيقار الروسي رامسكي كورساكوف في قطعته الموسيقية (طيران النحل الطنان). لقد تجاسر عثمان حسين إلى الخروج من دائرة اللحن الدائري إلى رحاب اللحن المهيمن القابض على جمال النفس والفطرة السليمة فلم يسقط في ركاكة قط. ألقى بنفسه في كون مفجوع بالرتابة فانتعشت الحياة وصارت الدنيا كلها ربيع وشجن مودي بأهله إلى فرح لا نهائي. حزننا على فقده مقيم ما أقامت الألحان التي لم نسمعها منه بعد. كم لحن كنا سننتشي بها فتنشلنا من كآبة المنظر الغنائي وسؤ المنقلب في زمن تتقلص فيه كل يوم مساحة الفن الأصيل فتسجل مساحة الفرح المتبقي في دواخلنا انكماشاً وضموراً. تقاسمنا في الليل أشباح عياط ما قبل الحادية عشرة ليلاً التي تنهال علينا من مكبرات أصوات في أندية مدن مرة المذاق قليلة الحياء والذوق الفطري وأصداء زفة خليجية أو مصرية تأبى إلا أن تزفنا إلى مخادعنا بينما يقود العريس معه كومة من المساحيق والكريمات و(بت أم لعاب) صنعتها كوافير بلاد غريبة الوجه واليد واللسان. عثمان حسين لم يخلق لمثل هذا. والذين يرددون أغانيه في تلك الأندية هم نبت (الفن) الشيطاني والذوق الذي يعاني من نقص الموهبة المكتسبة فنعوذ بالله من غناء يوجع وفحيح يفجع وحمادة الذي لم تتحدد هويته (الجندرية) بعد. أحبتي.. عثمان قد أحبنا فجاءنا بطيب الكلام والشعر ومزج الإيقاع بالإيقاع وامتطى شواهق الألحان والنغم وزين المرافئ المقفرة الكئيبة بخضرة الخريف والأوراق ولم يدع مرارة الأشجان تقتل الضياء في فواصل الفصول شدا .... شدا بكل ما يريد قد شدا فضمخ المكان بالعبير والشذا وعندما نوى الرحيل قال للندى أودعتك الألحان لا تدعها للردى يغتالها.. ويترك الصدى ولأنه أحبنا هكذا مضى .
نسأل الله له المغفرة وأن يجعله مع الصديقين والشهداء فقد أعطى ولم يمنن يستكثر.
محمد عبد الله الريح
|
|
|
|
|
|