الصحفي النابه محمد كارا ، ينشر بالبيان (5) تحقيقات صحفية من عبدالرحيم حسين حتى دارفور

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 10:27 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-09-2008, 06:44 AM

saif addawla
<asaif addawla
تاريخ التسجيل: 12-07-2006
مجموع المشاركات: 911

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الصحفي النابه محمد كارا ، ينشر بالبيان (5) تحقيقات صحفية من عبدالرحيم حسين حتى دارفور

    موضوع دارفور
    »البيان« تسبر اغوار السودان

    دارفور تؤرق ضمير العالم ولا تشغل بال الشارع السوداني..!
    ورطة شاهد »مفهمش حاجة« : اهوال على الارض والتبريرات جاهزة

    مصطفى اسماعيل : نعترف بوجود »مشكلة« لكنها تضخم لتغطية مآسي العراق
    عبد الله مسار: الصراع قبلي وجهود الحل الجارية لن تجدي


    الخرطوم – نيالا (دارفور)– محمد خليل كاره

    ** أيا من يكن القائل : »من يطل على الغابة من فوقها ويشاهدها ببعد »بانورامي« يستطيع أن يحيط، بشكلها على الأقل، بمستوى أفضل ممن هو بداخلها، تائها بين أشجاره«..
    ** وبغض النظر عن الواقع، الذي دفعه لصياغة هذه الحقيقة البديهية وألبسها ثوب »الحكمة«، فإن العائد من السودان بعد مهمة صحافية امتدت لعشرة أيام، يكاد يجزم أن هذا »الحكيم« إنما كان عائداً للتو من دارفور!!
    ** »غابة« دارفور التي تشاهدها من على البعد »البانورامي«، عبر الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى، غربية أو عربية.. ليست سوى رقعة من الأرض »تعادل مساحة فرنسا«(تكررت المعلومة الى درجة ان حفظها حتى تلاميذ المدارس) ، تقبع في أقاصي السودان الغربية، وتشتعل في أنحائها الحرائق، وتهطل من سمائها القذائف ليل نهار.. ويتربص بالهاربين من الجحيمين، »نفر« من الجن يمتطون ظهور الجياد متمنطقين برشاشات »جيم 3«... يطلق عليهم »الجنجويد«....
    بيد انك عندما تتوغل في هذه »الغابة« ستجد نفسك تائها مرتبكاً.. ليس لأنك ستهبط بمدينة نيالا (عاصمة جنوب دارفور) في مطار »أنيق« نسبياً مقارنة حتى بمطار الخرطوم الدولي، وستشق الحافلة »المكيفة« التي تنتظرك وزملاءك من الوفد الاعلامي القادم من الامارات , شارعاً معبداً فسيحاً خالياً من المطبات التي صادفتك في الخرطوم، ..وتتلفت بذهول وأنت تمر على جانبي الشارع بمطعم مصري وآخر لبناني وكازينو سوري، لتستقر في فندق يديره طاقم هندي..فلا تصدق انك في دارفور...
    ليس لكل ذلك , بل لأنك ستجد من يؤكد لك في اليوم التالي في معسكرات ضحايا الحرب أن كل ما شاهدته وسمعته من أهوال من على البعد »البانورامي« صحيح ..ولا تجد بداً من أن تصدقه وأنت »تستجوبه« في أطراف المدينة في مخيم بئيس تعاف من العيش فيه حتى البهيم!..
    لكنك تغرق في الربكة عندما تعود في المساء إلى المدينة لتجد نفسك في مطعم فخيم.. أمامك كل ما تشتهي النفس, ضيفاً على مائدة مسؤول كريم , هادئ، رزين، ومفوه ..يحاول أن يقنعك بأن كل ما شاهدته آناء النهار القائظ في مخيمات البؤس ليست سوى »مسرحية من إخراج قوى الاستكبار الغربي والدوائر الصهيونية والصليبية بقيادة أميركا وإسرائيل«، مع الاعتراف باستحياء بأن هنالك »مشكلة« قابلة للحل!!
    وعندما تهجع إلى مخدعك في الليل مبكرا ، قبل العاشرة , طبقا للتعليمات الصارمة من قبل الطاقم المرافق الحريص على عدم الإخلال بنظام حظر التجول، ..ينهشك القلق وأنت تفكر فيما ستقوله لقرائك عندما تعود...
    وتحاور نفسك في »منولوج« مرهق عما إذا كان يدخل في إطار الجحود و»قلة الأدب« أن يخدش سنة قلمك , في سبيل احقاق الحق , الحكومة ومسؤوليها وهم من احاطوك وزملاءك بهذا الكرم الحاتمي والمعاملة اللطيفة ً منذ وطأت قدماك الخرطوم ليغمروك برفاهية تصل الى حد »الدلع« , تتبعك حتى في هذه البقاع الموحشة.. لكنك تستعيد في ذهنك تلك الجملة التي لا يفتأ يكررها مستضيفوك وعلى رأسهم صديقك الملحق الصحافي بقنصلية السودان بدبي محمد محمد خير , مؤكدين أن »لا شيء نخفيه هنا.. تحركوا بحرية وارصدوا كلما تريدون واكتبوا ما يمليه عليكم ضميركم«.
    وهنا تهدأ نفسك وتقبل على تدوين ملاحظاتك خلال اليوم الآفل بعد أن يستقر في دواخلك القرار: صف ما شاهدته بصدق ..واسرد ما سمعته من كافة الأطراف بأمانه لا تعرف المجاملة أو التلوين...
    لا مبالاة
    وأنت في الخرطوم لا تكاد تسمع بدارفور سوى في الأخبار التي تتابعها عبر الفضائيات وأنت ممدد باسترخاء على سريرك في غرفتك النظيفة المرتبة بفندق »التاكا« في قلب المدينة، أو عندما تطالع صحف الصباح »الكثيرة العدد«، أو عندما تجلس لتحاور وزملاؤك العشرة اعضاء الوفد الاعلامي القادمين معك من دبي، مسؤولا رفيعاً، تخرج من مكتبه لتجلس إلى آخر.. سمتهم جميعاً منطق مرتب ورحابة صدر لا يعرف الضجر.
    في الشارع تحاول أن تسترق السمع إلى »ونسة« الناس المتحلقين حول »ستات الشاي« (نساء يكسبن قوتهن من بيع الشاي على الهواء الطلق).. تجدهم مشغولين في الغالب بالجدل في شأن رياضي مثل أجواء مبارتي »الهلال« و»المريخ« (اكبر ناديين جماهيريين على مستوى السودان) مع فريقين زائرين في إطار الدورة الإفريقية..او نقاش ساخن حول الدوري الاوروبي بل حتى حول الدوري في الامارات..!!
    وإذا تخطى الجدل هذه الدائرة فإنه ينتقل ,خصوصا داخل المركبات العامة، إلى الاختناقات المروية.. وقرار نقل مواقف المواصلات العاملة من وسط المدينة التي منعت من الدخول إليها سيارات »أمجاد«، (حافلة صغيرة تسع لبضعة أشخاص)، و»الركشات« (دراجات بخارية هيئت لتسع شخصين)... ولن تعدم وسط هذه »الونسات« من يغمز من قناة حكومة ولاية الخرطوم تلميحاً، أو يتحمس ليطلق اتهامات على عواهنها.
    ..المهم لا ذكر لدارفور التي ينشغل بها العالم.. تقحم نفسك فتسأل بعض من تصادفهم مثلا عن رأيهم القوات الدولية الإفريقية المشتركة (الهجين) التي تتهيأ للانتشار في دارفور، فتجد من يرمقك بنظرة ارتياب ويكتفي بالتزام الصمت المطبق.. لكنك لن تعدم من يتصدى للموضوع بحماس ليلعن »سلسفيل« أميركا والدول الغربية »الطامعة في موارد السودان والساعية لاستعماره«.. كما لن تعدم , في المقابل , من يحمل المسؤولية حكومة »الانقاذ« ويمضي أكثر ليهزأ من حكاية »القسم المغلظ« للرئيس عمر البشير وقوله وعدد من أركان حكومته إن »باطن الأرض خير من ظاهرها« اذا قبلوا بدخول جندي أجنبي واحد.. فإذا بالأمر ينتهي إلى القبول بدخول 26 ألف جندي أجنبي حتى لو كانوا قادمين من الدول الإفريقية !!

    مع المسؤولين
    الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار رئيس الجمهمورية ,وزير الخارجية السابق الذي يعد مهندس انفتاح السودان على الخارج بعد فترة من التوتر ابان التشدد الذي وسم سياسات الخرطوم الخارجية خلال التسعينيات ,بادر في اشارة عابرة – خلال لقاء »تنويري« مطول في مكتبه – الى الاعتراف بان هناك بالفعل »مشكلة« في دارفور ليقول : »ما من شك في ان هنالك مشكلة في دارفور.. هنالك قضية نعم .. ولكنها تستغل بأكبر قدر من القوى المعادية للسودان«..
    ويسهب في ايضاح هذا الجانب مضيفا:»هذه القضية اريد لها التصعيد ولابراز بأكبر قدر ممكن لكي تغطي على قضية أخرى تحاصر الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية وهي ماساة العراق، فحسب تقارير الأمم المتحدة ـ والتي نعتقد نحن في السودان أنها مشكوك فيها ـ وحسب تقارير المنظمات الغربية التي لا تسعى لمصلحة دارفور فإن القتلى في دارفور 200 ألف ولكن عدد القتلى في العراق أكثر من مليون ورغم ذلك فإن من يتابع الإعلام الغربي يجد تضخيما واضحاً للأوضاع في دارفور وكأن ما يجرى فيها اخطر مما يجري في العراق«.
    الافارقة انتبهوا للمؤامرة
    وينتقل الدكتور اسماعيل الى نقطة اخرى فيقول:»علينا أيضا ان لا ننسى ان مجتمع دارفور مجتمع قبلي ومتنوع عربي افريقي، وبالرغم من ان هذا التنوع مستمر منذ أكثر من 400 عام لدرجة ان احداً لا يستطيع ان يمايز بين عربي وافريقي في دارفور، بالرغم من كل هذا أرادت القوى الخارجية المعادية ان تستغل قضية دارفور لدق الاسفين في العلاقات العربية الإفريقية بزعم ان ما يجري في دارفور هو عملية ابادة للعرق الإفريقي من قبل العرق العربي الذي يسمونه حينا بالجنجويد وحينا اخر بالميليشيات,.. لكن أول من انتبه لهذا الخلط والخطأ كانوا هم الأفارقة قبل ان ينتبه العرب.. ولذلك حرصوا ـ الأفارقة ـ ان يأتوا بقوات افريقية من افريقيا جنوب الصحراء وان يرفعوا صوتهم للقول ان ما يجري ليس ابادة عرقية كما يدعي الإعلام الغربي.. وعلى عكس ما كانوا يرغبون (الغرب) فإن أزمة دارفور التي أرادوا لها ان تكون شوكة في العلاقات العربية الإفريقية دعمت وقوت هذه العلاقات، والملاحظ ان عدد الاجتماعات التي عقدت في اطار قضية دارفور بين الدول العربية والإفريقية بعد قيام الاتحاد الإفريقي اكبر من معدل الاجتماعات التي عقدت بين الطرفين قبل قيام الاتحاد، وبالتالي وجدنا بالفعل عملا عربيا افريقيا مشتركا لمواجهة تحديات أريد لها ان تخرب العلاقات العربية الإفريقية.

    ابحث عن اسرائيل

    ويمضي الدكتور مصطفى اسماعيل في تحليله ليؤكد ان دارفور منطقة تحد بالنسبة للعرب »لأن إسرائيل تريد ان تجعل مدن دارفور أيضاً ساحة معركة بينها وبين العرب«. وفي شرحه لهذا البعد يقول: »أولاً استراتيجية إسرائيل كدولة قائمة على العرقية اليهودية وباعتبارها الدولة العرقية الوحيدة تقريباً في العالم هي ان تبحث عن دول شبيهة تقوم على العرقية، وهذه المحاولة ليست جديدة.. اقصد ليست في دارفور فقط.. فعلى سبيل المثال عندما استقل اقليم بيافرا عن نيجيريا وأقام دولته على عرقية الآيبو كانت إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي اعترفت بهذا الإقليم وقدمت له السلاح«. ويضيف :»ونعلم ان إسرائيل تحسب حساباتها على ان افريقيا جنوب الصحراء قائمة على عرق زنجي وتبنى استراتيجيتها على فصل افريقيا جنوب الصحراء عن افريقيا شمال الصحراء التي تضم العنصر العربي.. وبالتالي تريد إسرائيل ان تنفذ هذه الاستراتيجية ايضاً في اقليم دارفور بفصله على أساس عرقي زنجي على ان يتم تفريغ العرق العربي من دارفور، ولذلك يمكن الآن ملاحظة ان الهجرات المنظمة الى اسرائيل هي من عرقية واحدة في دارفور«.
    ويمضي في الحديث عن استغلال اسرائيل لقضية دارفور فيقول: »عندما عرض موضوع الجدار العنصري في فلسطين على المحكمة الدولية ثم اعيد للجمعية العامة للأمم المتحدة بدأ مندوب إسرائيل في المنظمة الدولية بالحديث عن ماذا يفعل العرب في دارفور! وكان واضحاً انه يريد ان يرسل رسالة مفادها ان العرب في فلسطين وفي لبنان وفي العراق هم العرب انفسهم الذين يقومون بأعمال القتل والاغتصاب والإبادة وخلافها في دارفور وبالتالي لا تلومونا على ما نفعله في فلسطين أو في غيرها لأن هؤلاء هم العرب ..في محاولة فاضحة لتشويه صورة امتنا«.
    ويخلص مستشار الرئيس السوداني الى ان » قضية دارفور – بالتالي - يمثل تحديا ليس امام السودان فحسب , بل امام الدول العربية كلها.. والتحدي هو ان نفضح هذا التزييف الذي يراد له ان يمر عبر دارفور وذلك بمعالجة قضية دارفور«.

    الصراع قبلي والحل كذلك

    غير ان المستشار الرئاسي الآخر الدكتور عبدالله مسار الذي استقبل الوفد الاعلامي في وقت لاحق لم يركز كثيرا على هذا التاثير الغربي والاسرائيلي في ازمة دارفور وان كان قد مر مرورا سريعا بتعليق مقتضب على اقدام الفصيل المتمرد الذي يقوده عبد الواحد نور على افتتاح مكتب في اسرائيل , فضلا عن اشارة عابرة الى الصراع على مقدرات المنطقة من جانب الغرب عموما وفرنسا خصوصا الى جانب الصين اللاعب الجديد في القارة الافريقية.
    وفي المقابل , وبعد استرسال مطول حول تاريخ بدء الصراع القبلي الداخلي وتطورات مراحله ,ركز مسار على انعكاسات صراع دول الجوار على الازمة مشيرا بصفة خاصة الى النزاع الداخلي في تشاد ، التي يقول انها كانت حاضنة لكل حركات التمرد السودانية عبر المراحل المختلفة منذ الحركة المسلحة التي قادها داود يحيي بولاد ..وكان هذا الاخير من رموز الحركة الاسلامية في جامعة الخرطوم وكان لاحقا كادرا قياديا في نظام الانقاذ في عهده الاول (حتى عام 1991) قبل ان ينقلب عليه ويخرج من صفوفه مغاضبا الدكتور علي الحاج النائب الحالي للأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الدكتور حسن الترابي.والحاج الذي يقيم في المنفى الان بالمانيا دارفوري ايضا وينتمي الى قبيلة البرنو واتهمه بولاد بمحاباة ابناء قبيلته على حساب القبائل الاخرى.
    وبعد ان يصل الدكتور مسار في نهاية تحليله الى ان الازمة في دارفور»ليست سوى نزاع قبلي عادي حول المرعي وموارد المياه , تزيا لاحقا برداء سياسي«..يخلص الى فكرة يتمسك بها ويدافع عنها بقوة مفادها ان »أي جهد يجري الان سواء التفاوض مع المتمردين او نشر لقوات الهجين لن يجدي نفعا ما لم يتوصل اهل دارفور الى صلح داخلي فيما بينهم«.
    واقاطعه : لكنك مستشار رئاسي في حكومة تتجه بكلياتها الى ساحة التفاوض ..فهل..؟
    ولا يدعني اكمل السؤال قائلا في لهجة لا تخلو من الحدة:»يا اخي هذا هو رأيي الشخصي«. لكنه يستدرك: »طبعا من واجبات الحكومة ان تفعل ما ترى لاستتباب الامن بما فيها مفاوضة حاملي السلاح« ويعود للتشديد على فكرته ان »لا حل دائما لمشكلة دارفور الا بتفاهم وتصالح اهلها بكل مكنوناتهم«.
    وفي اطار سرده للمعلومات التي يشير احيانا الى انها »خاصة« باسلوب شيق يشوبه حماس متدفق ,لا يتحفظ الدكتور مسار في توجيه سهام الاتهام الى اكثر من طرف سياسي لاعب الان بقوة في الساحة السياسية بتأجيج الصراع في دارفور في مراحل مختلفة كل لاسبابه.. ولا توفر سهام اتهاماته الحركة الشعبية لتحرير السودان (الشريك في الحكومة الحالية)، وحزب المؤتمر الشعبي (الترابي) رابطا بينه وبين »حركة العدل والمساواة« المتمردة..بل انه لجأ ايضا الى الغمز من قناة »حركة تحرير السوان« بزعامة جاره في اروقة القصر الرئاسي مني اركوي مناوي , كبير مساعدي رئيس الجمهورية الذي تسنم هذا المنصب بعد اتفاق سلام وقعه في ابوجا (نيجيريا) فصيله الذي انشقت عنه حركة عبد الواحد وحكومة الخرطوم.(نص الحوار مع مسار ينشر لاحقا)

    في نيالا

    تحط الطائرة المدنية الصغيرة من طراز (الفوكرز) في مطار نيالا ..فتتنفس الصعداء .. كيف لا؟ ..وانت الذي كنت قد ولجت الى جوفها مرتبكا بعد ان اخبرك زميلك القادم معك من دبي , عن تقرير تابعه للتو عبر قناة »الجزيرة« عن كوارث الطيران..وظللت طوال الرحلة مشغولا باستعراض سلسلة حوادث »نوعية«من هذا النوع راح ضحيتها مسؤولين كبار بينهم نائب رئيس البلاد, الزبير محمد صالح..
    تحمد الله على سلامة الوصول وتتجاهل موجة الحر الذي يلفحك وتنشغل بالتمعن في منظر المروحيات العسكرية الرابضة في المدرج وتجهد لتطرد خواطر مزعجة تتدافع الى ذهنك الذي يصر على استدعاء تقارير «الغارات«التي لا تفتأ تتدفق على طاولتك عبر وكالات الانباء وانت الذي تمتهن متابعتها..
    خارج المطار , الذي ينسب اهل جنوب دارفور فضل انجازه للوالي السابق المهندس الحاج عطا المنان , حسبما علمت لاحقا, يلفت نظرك مشهد سيارات الاجرة الكثيرة المتراصة في صفوف منتظمة وقد طليت باللون الاصفر ,اللون نفسه الذي يميز مثيلاتها في الخرطوم ,سوى انها - كلها تقريبا- من طراز »اتوس« وهي صناعة كورية جنوبية..
    خلال المشوار من المطار الى وسط المدينة , تسجل في كراستك اكثر من مشهد ملفت..لكنك تكاد تفغر فاك عندما تفاجأ بطاقم هندي في استقبالك عند باب الفندق! وقبل ان تنهي ترتيب غرفتك يستعجلك الطاقم المرافق من ادارة الاعلام الخارجي للتوجه فورا الى مكاتب الامم المتحدة في اول استهلال لبرنامج العمل الطويل المعد للوفد..وبعد تنوير موجز للاوضاع ..تنتقل وزملاءك الى بيت القصيد..في طرف قصي من المدينة.
    في معسكرات النازحين
    هنا اذن تسكن المأساة واي مأساة!!..
    ما ان تقف الحافلة عند مدخل معسكر »سكالي« حتى يتدافع نحوها اطفال وصبية بوجوه شاحبة واعين غائرة تسيل منها الفاقة ..حفاة ..تغطي اجسادهم – لا بل هياكلهم العظمية - خرق بالية واسمال ,.. على مقربة من اللافتة التي تدل على انك في »حي الوالي« وليس معسكر سكالي كما يطلق عليه .. وعلى الظل الممتد لمساحة ضيقة بين خيمتين من القماش متجاورتين لا تتجاوز مساحتيهما ثلاثة امتار مربعة, تقبع مجموعة من النساء المرهقات في صفين متراصين ينظمهما شاب ينادي عليهم لتدلف الواحدة تلو الاخرى الى داخل الخيمة الاولى ثم الى الثانية..يحركك حب الاستطلاع فتقترب لتكتشف انك في العيادة الوحيدة في هذا المعسكر الذي يقطنه الالاف !!
    غير بعيد من المكان تتناثر الخيام – بل »العشش« - التي تأوي جحافل البؤساء الهاربين من جحيم الحرائق والرصاص والقذائف المنهمرة من السماء..(حسبما ترد في الشهادات الطازجة امامك الان..) يصيبك الرهق واحيانا الملل وانت تتابع ما يسردنه بعربية مكسرة من مشاهد الاهوال التي عاشوها قبل ان يهربوا من قراهم لتحتويهم هذه العشعش الشبيهة بزرائب الحيوانات ,ان لم تكن اسوأ.. تسألهن عن حقيقة حالات الاغتصاب التي تتحدث عنها تقارير المنظمات الدولية ..تنبري احداهن لتؤكد وقوع هذه الحالات..تحاورها لتقف على التفاصيل فلا تجد سوى جمل مبتورة لا تروي الغليل ولا تعطي الصورة الواضحة تماما..
    .......؟
    -»ايوا دربونا (ضربونا) ..وشردونا ..واقتسبونا (اغتصبونا)«..
    وهنا تتذكر ما شدد عليه مسؤول مكتب الامم المتحدة في جنوب دارفور في تنويره للوفد من ضرورة التعامل بحذر مع عبارة »الاغتصاب« عند التحدث مع من قذفت بهم الاقدار الى هذه المعسكرات, فقد تحمل دلالات ليست بالضرورة متطابقة مع معناها اللغوي الحقيقي..
    وتواصل الحوار الاشبه بـ»الاستجواب«:
    - انتي متزوجة؟
    = لا
    - في حد اغتصبك ؟
    = ايوا (دربوني واقتسبوني)
    - يعني (خسروكي....)؟ (الم تعدي عذراء)؟
    فتنتفض مستنكرة :
    = شنو كلام قلة ادب دا؟
    وتستعيد مجددا ملاحظات المسؤول الدولي الذي اشار الى ان هذا لايعني عدم وقوع حالات اغتصاب, قبل ان يضيف ان »الاغتصاب يستخدم احيانا كسلاح في الحرب بين القبائل..ويرجح ان الدافع لحرق القرى غالبا ما يعود سببها الى دواعي الانتقام من هذه الحالات وان كانت الاطراف المعتدية لا تجاهر بالسبب حفاظا على شرف القبيلة«..
    في ختام جولتك في هذه الساحة البائسة ..وما بين غصة في حلقك وشحنات من كوامن الحزن والشفقة والغضب والغثيان والاختناق معا , يموت في داخلك هتاف تمنيت لو تطلقه بصوت عال : »سحقا سحقا للسياسة وممتهنيها , موالاة ومعارضة ....سحقا لكل الشعارات والتقارير و... سحقا لكل من يبحث عن تبرير وسحقا لاي »نضال« يفضي الى مثل هذه الفضيحة الانسانية المنتصبة امام اعين العالم في مشهد مفتوح بدا في اطاره هؤلاء المساكين وكأنهم كائنات اليفة في »حديقة حيوانات« تسلى الزائرين ..او تثير شفقتهم ..او حتى حنقهم.. لا فرق!
    تعود الى الخرطوم فيبادرك من تلاقيه بالسؤال:
    - »اها ..كيف دارفور«؟
    - الحق ان المدينة التي زرناها (نيالا) جميلة, وتفوق في مستواها كل المدن التي زرتها في »الشمالية« على الاقل ..ولكن الاوضاع في اطرافها داخل المخيمات »تحنن الكافر« ..وتجتهد – وانت تغالب دموعك – ان تسرد تفاصيل الواقع المأساوي للنازحين وكيف ان اسرة بكاملها تعيش تحت »برش« مثبت على خشبتين ..وكيف ..وكيف..
    وتندهش حين يأتي الرد دائما بسؤال مغلف ببرود بل وباستغراب لحماسك:
    - وما العجب في ما رأيت ؟!..سكان المعسكرات الذين تكاد تبكي على احوالهم , هي هذه حياتهم العادية حتى في قراهم التي نزحوا منها..ثم عليك ان تزور شرق السودان مثلا وسترى كيف ان نازحي دارفور افضل حالا ,على الاقل لانهم يحظون بمن يتفقد احوالهم!

    تعود لتغرق في الارتباك ,ومرارة الخيبة تجتاحك عندما تكتشف في نهاية المطاف انك لست سوى:
    »شاهد مفهمش حاجة«!










    من شغفي ، انزل حلقتين مرة واحدة ، مع خالص شكرنا للصحفي النابه محمد كارا




    كادر 1

    دارفور .. حقائق مجردة

    6,5 مليون في 140 الف ميل

    *إقليم دارفور – الذي يعني حرفيَّاً أرض الفور – يمتد تأريخياً بين خطي العرض 10-16 درجة شمالاً، وخطي الطول 22-27 درجة شرقاً، وتبلغ مساحته 140الف ميل مربع ويسكنه حوالي 6,5 مليون نسمة..ولم يتم دمجه رسميَّاً في دولة السُّودان إلا بعد هزيمة آخر سلاطين دارفور وهو علي دينار في العام 1916م.

    500 قبيلة في 5 مجموعات

    * لإقليم دارفور حدوداً مع ثلاث دول هي ليبيا في الشمال، وتشاد في الغرب، وجمهورية إفريقيا الوسطى من الناحية الجنوب-غربيَّة، وتسكن في إقليم دارفور مجموعات أثنية متباينة وتذكر بعض المصادر أنَّ هناك 500 قبيلة في دارفورو يمكن تصنيفها إلى خمس مجموعات رئيسة هي:
    (1) القبائل المستقرة (الإفريقيَّة): وهي الفور، المساليت، الداجو، التُّنجُر، القِمِر، البيرقيد، والبرتي.
    (2) القبائل البدويةَّ أو شبه بدويَّة (الإفريقيَّة): وتشمل الميدوب والزغاوة وفروعها هي: دار الزغاوة الأرتاج، دار الزغاوة البديات، دار الزغاوة التوار، دار الزغاوة أولاد دقيل، دار الزغاوة القلا، دار الزغاوة الكابتنق، دار الزغاوة الكجر، دار زغاوة الكوبي، ودار زغاوة منطقة أنكا "البقيري". و للزغاوة في السُّودان امتداد في جنوب ليبيا وتشاد وجمهوريَّة إفريقيا الوسطى.
    (3) القبائل البدويَّة الأبَّالة (العربيَّة): ومنها الزياديَّة، وهم ينتمون إلى مجموعة فزارة القبليَّة، وإنَّهم لأخوة مع مجموعة دار حامد (المحاميد) القبليَّة في كردفان.
    (4) القبائل المستقرة (العربيَّة): وهي بني فضل، المسيريَّة، والمعاليا.
    (5) القبائل البدوية البقَّارة (العربيَّة): وتشمل الرزيقات (المهيريَّة والنوايبة) وهم من عرب جهينة وجدَّهم الذي ينتسبون إليه هو رزيق، الهبَّانيَّة (التارا والصوت)، التعايشة (الكلاوا والعِرق)، والبني هلبة.

    التصنيف الجغرافي للسكان

    * في المنطقة الشماليَّة القاحلة من الإقليم تسكن مجموعات ذات أصول إفريقيَّة وأخرى عربيَّة من رعاة الإبل الرحل (الأبَّالة). وتشمل هذه القبائل: البديات والزغاوة غير العربيَّة، وقبائل المهيريَّا (الرزيقات) والعريقات والمحاميد وبني حسين العربيَّة. وتقيم في المنطقة الوسطى الغنيَّة القبائل غير العربيَّة وهي الفور والمساليت والبرتي والبرقو والبرقيد والتاما والتُّنجُر.وفي المناطق الشرقيَّة والجنوبيَّة شبه الجافة تسكن القبائل العربيَّة الرحل (البقَّارة) وهي: قبائل الرزيقات والهبانيَّة والبني هلبة والتعايشة والمسيريَّة.

    جدول

    الولاية العاصمة المساحة (كلم2) السكان (نسمة)
    شمال دارفور الفاشر 260 الف مليوني نسمة
    غرب دارفور الجنينة 150 الف مليون و900الف
    جنوب دارفور نيالا 137 الف 3,964,000
    (المصدر سودانايل)
    .

    كادر2
    العرب واعمار دارفور .. وعود في انتظار التنفيذ
    اصوات تشكك والحكومة ممتنة وواثقة

    في المؤتمر العربي لدعم ومعالجه الاوضاع الانسانية في دارفور الذي عقد في القاهرة في الشهر الماضي ,التزمت الدول العربية بتقديم 250 مليون دولار لمعالجة الحالات الطارئة التي يحتاجها الاقليم والذي قدر بـ 850 مليون دولار..ورغم ضآلة المبلغ الملتزم به مقارنة بما تقدمه الدول الغربية »الكافرة« , فان التجارب السابقة تلقي بظلال من الشك في صدقية الالتزام بهذة الالتزامات رغم ان الاعلام العربي , وحتى السوداني نفسه , ما يفتأ يلعلع بالتضامن ويتغنى به ليل نهار. وغض النظر عن حجم الاتزام العربي الذي ترحب به الحكومة السودانية الواثقة من ايفاء الاشقاء بتعهداتهم يتردد في الخرطوم على مستوى بعض المراقبينعما اذا كان ذلك سيحدث فعلا.
    وبحسب الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي فان هذه المبالغ ستتخص لمعالجة الاوضاع الانسانية في دارفور وفي مقدمتها دعم برامج الايواء واعادة التوطين واعمار القري المتأثرة بالحرب لاستقبال العائدين بجانب دعم برامج الصحة والتعليم والتدريب .واكد موسى التزام الدول العربيه وتعهدها بتنفيذ هذا المشروعات دعما للاستقرار والسلام في دارفور داعيا الي تشكيل لجنة تضم الجامعة والسودان لمتابعة تنفيذ هذه الإلتزامات وتوجيهها نحو القطاعات المستهدفة تحقيقاً لأهداف المؤتمر.
    وخلال المؤتمر اعلنت عدد من الدول العربية عن مساعدات العينية والنقدية حيث كشفت السعودية حيث عن مساهمتها التي تمثلت في حفر 90 بئراً وتشييد 14 مركزاً صحياً وترميم المستشفيات ودعمها بالاجهزة بما يقارب 138 مليون ريال بجانب الدعم المادي ..فيما اعلنت مصر عن دفع مليون دولار لحفر آبار المياه والمساهمة من خلال الصندوق الفني الافريقي بمليون دولار اضافه الي انشاء مستوصف طبي كامل بجانب استعداد وزارة الصحة المصرية ارسال قافلتين مختلفة الاغراض تشمل التدريب والتعليم واعاده بناء 30 مدرسة للتعليم الاساسي و10 داخليات وتدريب 300 مدرس في المنطقة , اضافة الي الاعلان عن استعداد وزارة الكهرباء والطاقة المصرية بتنفيذ مشروعات في هذا المجال فضلا عن استعداد الازهر توفير البرامج التعليمية والمناهج والمساهمة في توفير المياه النقية اضافة للاغاثة الانسانية عبر الهلال الاحمر المصري.
    كما اعلنت الجماهيرية الليبية عن تقديم عدد من المشروعات عبر مؤسسة القذافي الخيرية تمثلت في بناء 5 مستوصفات بجانب اسهامات جمعية (اعتصموا) التي تترأسها عائشة القذافي اضافة الي قيام صندوق ليبيا للتنمية الإفريقية ببناء 5 مستوصفات وغيرها من المشاريع اضافة الي الإعلان عن التبرع بـ 15 مليون دولار من صندوق قطري ليبي مشترك لمساعدات الدول الشقيقة...فيما ساهمت الدول العربية المشاركة جميعها بمشروعات عينية بجانب المساهمات النقدية لعدد من الدول منها الكويت بأكثر من 10 ملايين والمغرب الذي ساهم بـ 150 الف دولار.
    بين الامتنان والتشكيك
    حجم الالتزام العربي المتواضع (ربع مليار دولار) مقارنة بالامكانيات المتوفرة وحجم ما يقدم من معونات عينية ونقدية في اماكن اخرى من ارجاء الكون الواسع يمكن ان يسد ثغرة ما في معالجة الاوضاع الانسانية ودعم المشروعات التنموية في دارفور , ..ورغم ذلك لا تتردد بعض الاقلام في صحافة الخرطوم في القاء السؤال: هل ستلتزم الدول العربية بهذه التعهدات ام تذهب أدراج الرياح ؟!
    لكن, الدكتور وزير الخارجية السابق الذي يعد مهندس تطبيع علاقات السودان مع عدد من الدول العربية بعد فترة من التوتر ابان التشدد الذي وسم سياسات الخرطوم الخارجية خلال التسعينيات ,بدا – خلال اللقاء »التنويري« في مكتبه – راضيا عن مستوى المساهمات العربية لدعم دارفور وواثقا من ان الدول العربية ستفي بالتزاماتها التي قطعتها.
    ويشير الى ان »الدول العربية التزمت بالمساهمة لحل هذه المشكلة عبر ثلاثة مسارات رئيسية، من أهم هذه المسارات كان الجانب الإنساني من خلال منظمات طوعية الآن موجودة في دارفور وقدمت من عدد من الدول العربية.. ثم جاء المؤتمر العربي للدعم الإنساني في دارفور لكي يتوج هذه الجهود الفردية وكان بالفعل مؤتمراً ناجحا ونحن مستمرون الآن في متابعة نتائجه وبدأت الدول تضخ مساهماتها سواء ببناء القرى النموذجية أو بإقامة المستشفيات والمدارس والمراكز الصحية في دارفور، كما اننا الآن نهيئ المناطق التي نستطيع ان نستقبل فيها اللاجئين والنازحين، واستطيع ان أقول من واقع أنني اتعاطى مع هذا الملف وكنت رئيس المؤتمر ان العرب التزامهم جيد في هذا المجال ومستمرون في تقديم الدعم لدارفور في الجانب الإنساني«.

    مشاركة مصرية مقدرة في »الهجين«

    ويضيف :»الجانب الثاني هو الجانب الأمني، هذا الجانب مرتبط أساساً بالدول العربية الإفريقية ومشاركتها ومساهمتها في القوات الإفريقية المنوط بها حفظ الأمن في دارفور والتي سيكتمل عددها البالغ 26 ألف جندي بنهاية هذا العام، ويهمني في هذا المقام ان أشيد بمساهمة مصر في هذا المجال والتي أعلنت استعدادها لإرسال ثلاث كتائب إلى دارفور ونأمل خلال ايام ان تكون الكتائب المصرية في دارفور، وبعد مصر تأتي بقية الدول العربية سواء كانت الجزائر وليبيا والمغرب وتونس وموريتانيا وهي دول تقع عليها مسؤولية المشاركة في هذه القوة.
    ٭(مقاطعة) وهل التزمت هذه الدول بشيء محدد في المساهمة بقوات؟
    - حتى الآن أكبر دولة التزمت بالفعل هي مصر.. اما بقية الدول فالتزاماتها محدودة.(ويواصل) اما المسار الثالث فهو المسار السياسي، أي محادثات السلام ولحسن الحظ فإن هذا المسار يعالج الآن في دولة عربية هي ليبيا، وبمشاركة عربية متمثلة في مصر والجامعة العربية ولهما وجود دائم في هذه المحادثات.
    إلى جانب ذلك هناك الآن اتجاه لعقد مؤتمر تنظمه منظمة المؤتمر الإسلامي لإعادة إعمار دارفور، ومن المفترض ان ينعقد في عام 2008، ومعلوم ان كل الدول العربية هي أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وبالتالي نتوقع ان نشهد مساهمة ومشاركة فاعلة من الدول العربية.

    شروحات الصور المقترحة:
    1- امام »الخيمة - المستشفى« في انتظار الدخول للطبيب
    2- سرد للاهوال التي تعرضن لها وحديث ملتبس حول عمليات الاغتصاب
    3- الزميل محمد كاره محاطا باطفال بمخيم »سكالي«









    وزير الدفاع السوداني: نسعى لإعادة توطين النوبيين لا تهجيرهم
    »البيان« تستجوبه: ما علاقة منصبك بالسدود وما سر حماسك؟!

    الفريق حسين : ضعف الكثافة السكانية مسألة امن قومي لا بد من معالجتها

    نتائج دراسة سد »دال« في اغسطس ولن يقـوم الا برضى السـكان

    مدخل اول:
    في الطريق الى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية الكائن في الطرف الشرقي من وسط الخرطوم,اجراء هذا الحوار مع الفريق اول ركن المهندس عبد الرحيم محمد حسين ,وزير الدفاع السوداني, كنت منشغلابزحمة السير ,وقد تجاوزت الساعة موعدنا المحدد معه بنحو 20 دقيقة ,اكثر من انشغالي بترتيب سيناريو الحوارفي ذهني ,خصوصا وان الاتفاق المسبق هو ان يجري هذا الحوار حول محور واحد محدد هو موضوع سدي دال وكجبارالمهيمن على الساحات النوبية داخل وخارج السودان.
    ..عندما كانت السيارة تدلف الى داخل البوابة الرئيسية لمقر القيادة العامة للجيش السوداني ,كانت الخواطر التي طرقت ذهني طوال الطريق قد وصلت إلى خواتيمها:هنا إذن منبع »الدورة الجهنمية« لدواليب حقب الحكم في هذا البلد القارة (انقلاب، فثورة شعبية, انقلاب.. فثورة.. فانقلاب.. الخ)..من هنا انطلق انقلاب عبود ,وانقلاب نميري ,واقلاب هاشم العطا,واخيرا انقلاب البشير..وما بين هذه السلسلة وئدت عشرات الانقلابات في مهدها ...هنا تنمو وتتضخم نوازع شهوة السلطة في دواخل ضباط صغار فتدفعهم المغامرة الى امتطاء صهوات الدبابات لتشق بهم طريقا باتجاهين : الى القصر رئيسا ..او الى القبر »شهيدا او فطيسا«...
    ..ما علينا, فها نحن الآن داخل مكتب وزير الدفاع الذي تحسبه هذه الأيام أنه قد ترك كل هموم المنصب الحساس وتفرغ لحملة للترويج لسدي »دال« و »كجبار« عبر سلسلة ندوات ومحاضرات يرعاها شخصياً ويتحدث فيها ويحاور خلالها مناهضي السد، لا داخل السودان فحسب بل بادر الى اقتحام تجمعاتهم حتى في دول الخليج.
    مدخل ثان:
    بينما كانت تتقاطع حركة ذراعيناكل نحو كثف الاخر لتبادل التحية على الطريقة السودانية ,اجترت ذاكرتي مشهدا دراميا كان قد غاب عن تلافيفها منذ اكثر من عقد من الزمان...
    وقتها كان الفريق حسين ضمن الوفد الرسمي المرافق للرئيس عمر البشير في القمة الاسلامية التي عقدت في طهران عام 1997..وفي ركن قصي باحد اروقة المؤتمر وبينما كان منهمكا في الرد على اسئلة ثلة من الصحافيين المتحلقين حوله بانجليزية جزلة حينا وبالعربية الفصحى اكثر الاحيان , عاجلته بسؤال كان حرجا في وقته ..وبعد ان فرغ من الاجابة انتحى بي جانبا ممسكا بيدي وباغتني بسؤال بالنوبية :»ارهيدونا«؟ (من أي قرية من قرى النوبة انت؟)..ولم اسأله بالطبع كيف عرف بأني نوبي (كوني اعرف ان لساني اعجمي) لكن السؤال نفسه شكل محورا لوصلة دردشة بالنوبية تعالت في بعض فصولها ضحكاتنا وسط حيرة الصحافيين العرب والاجانب من حولنا.
    استعاد ذهني هذا المشهد في ثوان ,بينما كان الفريق حسين يرحب بنا – الاستاذ حسن ساتي المحلل السياسي السوداني المعروف ,رئيس مجلس إدارة صحيفة »آخر لحظة« التي تنشر مع »البيان« هذه الحلقات بترتيب خاص ـ وأنا , وفي معيتنا الصديق مأمون العجيمي مدير مركز ليالي للانتاج الاعلامي.
    وبينما كان يدعونا إلى الجلوس مشيراً إلى سلتين على طاولة بوسط مكتبه تحويان كمية من البلح و »حلاوة المولد«، وهو يلح علينا ان نتناول منهما، كنت قد تجاوزت تردداً انتابني لوهلة.. واستهللت الحوار بالقاء سؤال خشيت ان يكون استفزازياً ومحرجاً وان كنت أراه مهماً :
    * المتابع لملف سدي »دال« و»كجبار« والجدل الدائر حولهما هذه الأيام، يلفت انتباهه حماسك الشديد وانكبابك على رعاية حملة الترويج التي زرت في اطارها الرياض وقبلها دبي ، حتى بدأ الكثيرون يتساءلون عن سر هذا الحماس الاستثنائي.. هل ذلك مرده انتماؤك إلى المنطقة المعنية أم ان المسألة لها تفرعات متعلقة بالأمن القومي تصل اهميتها الى درجة ادراجها ضمن مهام وزير الدفاع؟
    ـ أولاً من منطلق موقعي في إطار منظومة حكم »الإنقاذ« أشعر شخصياً بأنه تقع على عاتقي مسؤولية تاريخية حيال هذه القضية، رغم ان المسؤولية الكلية هي مسؤولية جماعية.. وصحيح أن كوني من المنطقة يعطي دافعاً إضافياً للاهتمام بالقضية, لكن موقعي كوزير للدفاع يستلزم الاهتمام بالقضية كونها قضية أمن قوي خصوصاً إذا تنبهنا إلى خطورة ضعف الكثافة السكانية في السودان عموما وفي الولاية الشمالية على وجه الخصوص.. ومثلما قلت في المحاضرة التي نظمت أمس (الاثنين 31 مارس) فإن اهتمامنا في السودان ينصب على تقوية ممسكات الوحدة الوطنية وإحدى هذه الممسكات تتمثل في إسهام الولايات في الاقتصاد القومي.
    وفي هذا الإطار نجد أن أهلنا في الولاية الشمالية ظلوا يتفاخرون بأنهم رواد التعليم في السودان وأنهم فعلوا كذا وكذا.. لكن السؤال الآن، بعد ان انتشر التعليم في كل الأنحاء، ما هو حجم إسهام هذه الولاية في الاقتصاد القومي, مقارنة بالجزيرة مثلا التي تنتج القطن وبقية الولايات التي تساهم بإنتاج الثروة الحيوانية والصمغ وغير ذلك.
    الآن الفرصة متاحة أمام هذه الولاية لتساهم في الاقتصاد الوطني بتقديم الغذاء خصوصاً وان السودان , مثله مثل دول العالم كلها, تتجه نحو الاعتماد على الذات في الحصول على الغذاء.. كما أن الفرصة متاحة أمامها لتقدم الطاقة.. ولا يخفى على أحد أهمية توفير الأمن الغذائي، وتوفير الطاقة.. إضافة إلى كل ذلك فإن الأخ رئيس الجمهورية تفضل بتقدير رغبتي في الاضطلاع بهذا الدور وشجعني ودعمني في هذا الاتجاه حتى أنه كلفني بالالتقاء بالجاليات في الخارج خصوصاً في الخليج من أجل توضيح الصورة.
    * أشرت في سياق اجابتك إلى أن الولاية الشمالية تعاني من ضعف الكثافة السكانية وأن ذلك من مهددات الأمن القومي.. لكن أهم حجج المناهضين لإقامة السدود في المنطقة النوبية ترتكز على القول ان الهدف من اقامة هذه السدود يرتبط »بمؤامرة« لتهجير السكان وإفراغ المنطقة منهم في سبيل خدمة أطراف خارجية عقدت معها حكومتكم صفقات مريبة.. ما قولكم؟
    ـ بالطبع من السهل جداً دحض هذه الاتهامات والشكوك.. وقد ظللنا نكرر في كل محاضراتنا ولقاءاتنا التنويرية مع الناس أن الغرض من إقامة السدود في هذه المنطقة هو إعادة توطين من هاجروا منها لتفادي خطورة ضعف الكثافة السكانية وليس الغرض تهجير المقيمين فيها.
    والواضح ان الذين يبثون هذه المخاوف يخلطون بين مشروع قديم يسمى »سد دال 1« والمشروع المقترح حالياً.. أما المشروع الأول فقد كان من شأنه إذا قام أن يؤدي إلى إغراق المنطقة من دال وحتى كجبار ..وكان قيام هذا السد سيستلزم عمليات تهجير واسعة النطاق.أما السدود التي نتحدث عنها الآن ,بما فيها سد دال المقترح حالياً, فإنها ستؤدي إلى إغراق الحد الأدنى من المساحات.
    * ما هي حجم المساحات التي ستغرق تحديداً؟
    ـ حسب نتائج الدراسات الخاصة بسد كجبار والتي اكتملت أخيراً فإن المساحة التي ستغرق لا تتجاوز 32 كيلومتراً جنوباً.
    * وما حجم المساحة التي ستغرق جراء قيام سد دال؟
    ـ أقل من المساحة التي سيغرقها سد كجبار.. مع العلم أن دراسات الخاصة بسد دال لم تكتمل بعد..
    * ما هي الجهة المنوط بها اجراء هذه الدراسات ..وماذا تدرس؟
    ـ دراسة سد كجبار انجزتها شركة ألمانية متخصصة قامت بدراسة كنتورية ومسح جيوفيزيائي فضلاً عن مسح جوي دقيق , ويتم عبر كل ذلك وغيرها من الخطوات، تحديد ارتفاع السد والمساحات التي ستغمرها المياه بدقة.. والمعطيات الأخرى المطلوبة.وبالنسبة لسد كجبار فقد اكتملت الدراسات، كما أشرت سابقاً، وبالتالي فقد بتنا على علم بكل التفاصيل بما في ذلك أسماء القرى التي ستغمرها مياه السد كلياً أو جزئياً , واين ستكون حدود السد جنوباً ..كل ذلك بأدق مفردات القياس.
    * هذا عن سد كجبار .. فماذا عن دراسات سد دال؟
    ـ دراسات سد دال لم تكتمل بعد كما قلت، ما يعني صعوبة الحديث عنه بالتفصيل.ورغم أن المؤشرات الأولية تشير إلى مجد للغاية.. إلا أن كل ذلك لم يثبت علمياً بعد.وإلى حين إعلان نتائج الدراسات في تقرير نهائي في شهر أغسطس المقبل فإن أي حديث قبل ذلك لا يسنده شيء علمي. وعندما يصدر التقرير النهائي سيعلم الجميع ما إذا كان السد ذا جدوى أم لا..
    * هل أفهم من كلامك ان الدراسات الخاصة بسد دال يمكن أن تؤكد في نهاية المطاف أنه غير ذي جدوى.. هل هذا احتمال وارد؟.
    ـ نعم بالطبع.
    *وهل سيتم صرف النظر عن إنشاء السد إذا ثبت عدم جدواه؟
    ـ نعم بالطبع.
    * نعود لنتائج دراسات سد كجبار.. ما حجم المساحة المرشحة للغرق بالضبط؟
    ـ مساحة الأراضي الزراعية التي ستغمر 3600 فدان.. ولكن مساحة الأراضي الزراعية التي بدأ تجهيزها بديلاً للمساحة التي ستغمر تقدر بـ 30 ألف فدان في سهل كوكة.
    * وماذا عن السكان؟
    ـ سيظلون بمناطقهم.
    * ألن يتم تهجيرهم؟
    ـ لا.. إطلاقاً.
    * وهل ينطبق الأمر على السكان حول سد دال أيضا؟
    ـ أيضا في منطقة سد دال التهجير غير وارد إطلاقاً.
    * تتردد معلومات تشير إلى أن الناس هناك سيتم تهجيرهم إلى منطقة »الشوك« قرب القضارف (شرق السودان).
    * هذا كلام فارغ.. أعتقد أن أبعد منطقة يمكن ان ترحيلهم إليها هي أرقين..(المتاخمة لحدود مصر) ..هذا على أسوأ الفروض.
    * هل تستطيع أن تؤكد أن أهل المنطقة سيظلون في المنطقة نفسها ولن تتكرر مأساة غرق حلفا القديمة والهجرة الي حلفا الجديدة؟
    ــ نعم.. وأعيد وأكرر أن السبب الرئيسي الذي دفعنا لتغيير منهجيتنا في إقامة السدود ورفضنا بموجبها إقامة المشروع القديم (سد دال 1) هو حرصنا وتمسكنا بألا نسمح بأي تهجير. وبالمناسبة فقد ظللت أكرر سؤالاً في كل المحاضرات والندوات وأكرره الآن: لماذا تم تهجير سكان حلفا القديمة إلى شرق السودان (بعد غرق منطقتهم تحت مياه السد العالي عام 1963)؟. وفي رأيي أنه كان بالإمكان إقامة سد دال المقترح الآن أو سد كجبار وكان بالإمكان أن يتم توطين أهالي حلفا في سهل ارقين القريبة جداً من حلفا علماً بأن هذا السهل أكبر مساحة من »خشم القربة« التي هجر إليها سكان حلفا القديمة.
    * (مقاطعة) على ذكر سهل ارقين .. يتردد ايضا أن هذه الرقعة تم بيعها للمصريين.. ما صحة ذلك؟.
    ـ لم يحدث.. ولن يباع إطلاقاً سنتيمتر واحد من تراب السودان.
    * يشير من يثيرون هذه الشكوك إلى اتفاق »الحريات الأربع« الذي وقعتموه مع مصر..
    ـ هذا الاتفاق لا إشارة فيه إلى بيع إطلاقاً.
    *حسناً ..الا يحتوي هذا الاتفاق على بند يسمح بتوطين مصريين؟.
    ـ قضية التوطين قضية مختلفة تماماً.. »دي قضية براها وترتبط بتشجيع الاستثمار« وهنالك أمور تتعلق بدراسة الأشياء من منظور الأمن القومي مثل دراسة ما اذا كان من الأفضل أن تكون الكثافة السكانية مركزة على الحدود أم في العمق أم.. أم؟ ولا تنس يا أخي أن السودان يملك 220 مليون فدان صالحة للزراعة ويستثمر منه فقط 37 مليون فدان وبالطبع فإن هذه الملايين من الأفدنة لا تتوفر في الشمالية فحسب بل في كل السودان.
    * الا يكفي انتاج سد مروي لتزويد كل الولاية الشمالية بالطاقة الكهربائية؟
    ـ لا يكفي.. وللعلم فإن السدود في السودان يصل عددها إلى نحو 10 سدود تقدر الطاقة التي تنتجها جميعها بما يقارب 6 آلاف ميغاواط.. وبمقارنة بسيطة نجد أن السعودية , على سبيل المثال,يبلغ عدد سكانها نحو نصف عدد سكان السودان، ورغم ذلك تنتج 33 ألف ميغاواط، في حين أننا في السودان يقدر سقف انتاجنا حتى الآن , بعد كل هذه الضجة, فقط 6 آلاف ميغاواط رغم أن بلادنا مساحتها أكبر ومواردها أكثر.. هل تعتقد أن هذه الآلاف الستة ستكون كافية للخطط التي نتحدث عنها في الزراعة والتعدين وخلافهما؟ بالطبع لا.
    * مناهضو السدود يتحدثون عن دراسات تحدد وترجح جدوى مصادر أخرى لإنتاج الطاقة بدلاً من إنشاء السدود وتحمل آثارها.. ما رأيكم؟
    ـ علمياً ثبت حتى الآن أن الطاقة الكهربائية المائية هي أرخص الوسائل وأفضل ما هو متاح.. ونعلم أن أكبر كمية أمكن إنتاجها في العالم من الطاقة الشمسية لم تتجاوز 10 ميغاواط، فيما تعادل تكاليف إنتاج ميغاواط واحد من الطاقة الشمسية 10 أضعاف القيمة التي تكلفها الكمية نفسها من الطاقة الكهربائية.ولم يتوصل العالم حتى الآن لإنتاج الطاقة الشمسية بكميات ضخمة توازي تلك المنتجة من الطاقة الكهربائية.
    * ما دام الأمر بهذا الوضوح.. لماذا تجنح الحكومة إلى الغموض وعدم الوضوح في تنوير السكان والرد عن أسئلتهم لتهدئة مخاوفهم.. على سبيل المثال أهلي في القرية الموازية لدال من الجهة الشرقية (سركمتو)لا يعرفون حتى الآن أي شيء عن هذا السد الذي سيكونون هم أول ضحاياه.. يكاد يقتلهم القلق على مصيرهم ولا أحد يقدم إجابات على أسئلتهم..
    ـ العكس.. عندما زار الرئيس البشير هذه المنطقة قابله الأهالي وخصوصا ابناء دال هناك بهتافات حماسية تطالب بإقامة »السد الآن..السد الآن«, ما دفع الرئيس لمخاطبتهم قائلاً: »إذا استمر أهالي كجبار في معارضة السد في منطقتهم فإننا سنصرف النظر عن إقامة السد هناك ونركز على سد دال«.
    * هناك الآن اجتماعات تعقد في الخرطوم يتم خلالها تلويح واضح بإمكانية حمل السلاح.. يمكنك ان تعتبر هذا الكلام بلاغاً يمس الأمن القومي لكن ليس هدفه طلب التحرك لمنع هذه الاجتماعات أو اعتقال القائمين عليها، وإنما تحذيركم بما سوف ينتهي إليه الحال إذا استمر غموض التحرك الحكومي وعدم تنوير الناس بما يحدث بشفافية تامة.. وأنا شخصياً لمست من خلال استقصائي كصحافي تنامياً سريعاً في عدد المناهضين لقيام سد دال.. فهل ستلجأون هنا أيضاً إلى قمع المعارضين بإطلاق الرصاص، مثلما حدث في كجبار؟
    ـ نحن حتى الآن لا نستطيع أن نؤكد تماما قيام سد دال او عدمه.. كل الأمر يعتمد على ما ستسفر عنه الدراسات التي سبق أن قلت إنها ستنتهي في أغسطس.
    * إلى حين حلول موعد اعلان تلك النتائج ,ألا توجد حتى مجرد خطوط عريضة يمكن تنوير الناس بها؟
    ـ نعم توجد خطوط عريضة الآن تشير إلى أن السد سيكون جدواه كبيراً.. لكن لا نستطيع أن نحدد حالياً كم هي كمية الطاقة التي سينتجها السد بالضبط ، أو المناطق والمساحات التي ستغمرها مياه السد، وأين سيوطن السكان المتأثرين.. وغير ذلك.
    * هذا ـ يا سعادة الوزير ـ هو بالضبط ما يقلق الناس.. كل الإجابات على أسئلتهم المطروحة تظل معلقة.
    ـ نعلم ذلك وستظل معلقة إلى حين ظهور نتيجة الدراسات.. إذا كان في المقدور أن نجيب على هذه الأسئلة دون إجراء دراسة الجدوى فلماذا نصرف على هذه الدراسات أصلاً؟!..
    الآن في المرحلة الحالية يصعب الكلام بصورة جادة حول الخيارات المتاحة سواء في مسألة إسكان الناس أو غيرها.. خصوصاً بشأن المناطق المتاخمة لدال، إذ لابد أولاً من أن نعرف عدد القرى التي ستغمرها المياه.. وهل ستغمرها بالفعل أم سيقتصر الأمر على مجرى النهر.. بعد نتائج الدراسات وعندما نعرف كل الحقائق , حينها سنبدأ البحث في الخيارات المتاحة.. وأقول لك بوضوح : لنفترض أن الدراسات أثبتت جدوى مشروع السد ولم نجد خيارات مناسبة لإسكان الناس ..في هذه الحالة أؤكد أن السد لن يقوم.
    أريد أن أعيد وأكرر: على كل الناس أن يطمئنوا.. لا قيام لسد على الإطلاق دون إيجاد البدائل المحلية المقنعة لتوطينهم ..وأن يطمئنوا أيضاً أن التهجير غير مطروح كبديل على الإطلاق، لأن هذه السدود الغرض منها أساساً إعادة توطين النوبيين في أراضيهم التي هجروها نتيجة لغياب التنمية.
    * هل تستطيع أن تؤكد أن كل هذه البدائل حتى لو كانت محلية سيتم اللجوء اليها برضا الأهالي التام ؟.
    ـ تماماً.
    * دعني أعدل صياغة السؤال: لنفترض أن الدراسات أثبتت جدوى قيام السد ومن ثم اقترحتم على الأهالي كل البدائل المحلية لإسكانهم.. ورغم ذلك قالوا :لا نريد السد ولا نريد البدائل.. ما ستفعلون كحكومة في هذه الحالة؟
    ـ سنقنعهم.. وأنا واثق من أننا نسير في خط إقناع الناس بخطى حثيثة.. المعروف أن القرى في هذه المنطقة أصبحت فارغة.. والسكان هجروها، فلا مناص من إغراء الناس بالعودة.. وليتم ذلك فلابد من توفير معطيات التنمية.. هذا هو المنطق.. من يرفض هذا؟.
    * هذا المنطق مقنع نظرياً..لكن حتى ذلك الذي هجر المنطقة أو هاجر منها يظل متشبثاً بها.
    ـ يتشبث بماذا؟ هو غير موجود فيها.. ولا ينوي العودة إليها.. ولو افترضنا فرضاً أنه سيعود إليها يوماً، فإن ابنه الذي تربى خارجها لن يزورها حتى...الآن على سبيل المثال بعض أهلنا في الكلاكلة (معقل النوبيين في أطراف الخرطوم)، وفدوا إليها منذ أكثر من 20 عاماً ولم يعودوا إلى قراهم في البلد ..بل حتى لم يزوروها..هذه حقيقة معروفة.ثم دعني أطرح سؤالاً:هل يمكننا أن نعيد أمجاد الحضارة النوبية ودون أن نكون مجتمعاً نوبياً في البيئة النوبية؟ هل إذا استمرت الأوضاع الحالية سيستمر المجتمع النوبي في الوجود؟ وإلى أي مدى زمني؟ هل سنجد مجتمعاً نوبيا قائما بالفعل بعد عشرة او عشرين عاما من الآن إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه من هجرة وهروب من القرى النوبية؟ أسأل أيضاً: لو أردنا أن نحافظ حتى على ما تبقى اليوم من المجتمع النوبي في مناطقنا , هل يمكن أن يتم ذلك دون أن نخلق سبلاً لكسب العيش في تلك المنطقة..ناهيك عن طموحنا في إعادة من غادروها؟
    ـ دعني أنا أسأل أيضاً عن نقطة يثيرها المعارضون وهي أن هذه السدود ستغرق الآثار النوبية تلك الكنوز المدفونة تحت الأرض والتي لم يتم اكتشافها بعد ,في عملية يعتبرنها مقصودة تهدف لقطع دابر هذه الحضارة.. ما ردكم؟
    ـ هذا غير صحيح.. ولو سمح زمنك أرجو أن تسجل زيارة إلى مصلحة الآثار وأسألهم هناك من صحة ما أقول: إن أكبر حملة دراسة للآثار وأكبر تمويل في هذا المجال على مدى تاريخ السودان تم في سد مروي.. أكثر منطقة في السودان تم تنقيب آثارها لحفظها ودراستها الآن هي مروي.. والسبب أن جزءاً من موازنة بناء سد مروي تم تخصيصه للاعتناء بآثار المنطقة ودراستها والاستفادة منها. وكما قلت من قبل, على هؤلاء الذين يثيرون مثل هذه الشكوك ان يجيبوا على السؤال: تلك هي آثار أجدادكم في المنطقة فلماذا لم تمكثوا فيها لتحرسوها!! الآثار مازالت شاخصة وقائمة والدفوفة ما زالت موجودة ..لماذا تركناها وهاجرنا؟!
    * هل يعني ذلك أنك لست متفائلاً بمستقبل المنطقة إلا بإقامة السدود؟ هل مصير ووجود النوبيين ,الذين أسسوا أقدم حضارات الدنيا, مرتبط فقط بهذه السدود؟!
    ـ يا أخي تخيل معي ماذا سيحدث إذا استمر الحال على ما هو عليه.. أنا وأنت وغيرنا من جيلي وجيلك ترعرعنا في البلد ولنا ارتباط عميق به.. لكن تخيل عندما يصل ابنك المتربي في الخليج إلى سنك هل سيكون شعوره وارتباطه بالبلد مثلك؟ ولنفترض أن ابنك سيكون كما تريد ..ماذا عن ابنه ,أي حفيدك؟ كيف سيكون شعوره نحو البلد؟وهل سيتحدث النوبية أصلاً؟!
    * سؤال آخر لو سمحت.. الأهالي في منطقة سد دال أناس مسالمون بسيطون »وفي حالهم« فضلا ان عددهم قليل مقارنة بمنطقة كجبار والمحس عموماً.. وحتى لو فكروا في مقاومة بناء السد فليس لديهم الإمكانيات الفعلية التي توفرت في مقاومة سد كجبار..السؤال: هل تضمن لهؤلاء الناس ألا يظلموا من قبل الحكومة ، في ظل محدودية خيارات المقاومة لديهم عدداً وعدةً، في غياب سبل الضغط التي لجأ إليها أبناء أمري والمناصير وغيرهم حتى نالوا تعويضاتهم حسبما أرادوا رغم تلكؤ الحكومة في بادئ الأمر؟
    ـ بخصوص التعويضات دعني أوضح أن آليات تحديدها وصرفها أصبحت أدق مما كان عليه الوضع سابقاً.. في كجبار مثلاً , تم تصوير كل المنطقة من الجو بدقة متناهية بحيث يمكن أن ترى في الصور التي التقطت من الجو حتى قطعة حجر طولها 10 سنتيمترات.. ما يعني أن أي شيء من ممتلكات الناس, بيوتاً كانت أو زرائب أو نخيلاً أو غيرها ,يمكن رصدها بدقة وتسجيلها.. فلا مجال الآن لان يظلم أحد.. سيتم تعويض المتأثرين بمنزل مقابل منزل وشجر مقابل شجر.. وهكذا.. أما مقابل الفدان من الأرض فسيكون التعويض 10 أفدنة.. إضافة إلى الحوافز المادية المجزية مقابل انتقاله إلى مكان آخر.. في المنطقة نفسها.
    ـ لنفترض أن الأهالي قبلوا بالسد واختاروا أفضل الخيارات.. هل أخذت الدراسات في الحسبان أبعاد الثقافة الزراعية السائدة في المنطقة والتي لم تجرب في استثمار الحيازات الكبيرة, وبافتراض أنهم نجحوا في استثمار هذه الحيازات الكبيرة ,هل تقدم الدراسات سبل تسويق المحاصيل وضمان تصريفها؟
    ـ لهذا السبب بالضبط بدأنا منذ مدة في تعبيد الطرق البرية الطويلة والعمل جار الآن في طريق »حلفا ـ دنقلا« الذي يبلغ طوله 400 كيلومتر.. وتعلم , بالطبع, أن طريق »دنقلا ـ امدرمان« تم إنجازه.و..
    ـ عفواً قبل أن تسترسل.. يتساءل الناس عن جدوى تعبيد طريق »دنقلا ـ حلفا« على ضوء الاعتقاد بأن المنطقة ستغرق وبالتالي ستغمر بالمياه حتى المسار الحالي الطريق نفسه.
    ـ لا.. لا.. كل ذلك محسوب ..مسار الطريق لن تصله المياه..
    والان دعني أواصل في توصيح فكرتي.. ولا أذيع سراً اذا قلت أن هذا الطريق لا جدوى له اقتصادياً في الوقت الحالي ..ورغم ذلك بدأنا في تنفيذه منذ مدة.. ولم يكن ذلك اعتباطاً.. إنما كنا نعد لبناء البنية التحتية لاستيعاب التنمية القادمة في المنطقة.دعك من طريق »دنقلا - حلفا«، الحقيقة أن كل الطرق في الولاية الشمالية بما فيها تلك التي تربطها بالخرطوم ليست لها جدوى اقتصادية بالقدر الذي يضعها في منافسة مع طرق أخرى في البلاد مثل »طريق الإنقاد الغربي« وغيره.. لكن ما يدفعنا إلى الإصرار على الصرف على هذه الطرق هو استشعارنا العميق بأهمية استراتيجية ضمان الأمن الغذائي ,القمح خصوصا, للسودان كله.. والذي لا تتوفر إمكانيات زراعته بكميات كبيرة سوى في الشمال حيث ينتج الفدان الواحد من 20 ـــ 40 جوال قمح.. وهذا لا يتوفر في بقية أنحاء السودان.
    * عفواً.. لكن نظام »الإنقاد« جرب استراتيجية توطين القمح في الشمالية منذ أيامها الأولى وفشلت.
    ـ نعم لم يحصل في ذلك تقدم كبير والسبب بات معروفاً..
    * ما هو هذا السبب؟
    - نتذكر جميعاً الهتافات الساخرة التي كان يرددها اهلنا آنذاك والتي جسدت الواقع: »تلت للأسبير وتلت للزبير وتلت للتير«.. (ضحك).. بمعنى أن المزارع يخرج بعد حصاد محصوله خالي الوفاض بعد أن يوزع إنتاجه على ثلاث جهات: الثلث لقطع غيار طلمبة الري، والثلث الآخر للجبايات الحكومية والثلث الأخير يأكله الطير.الخلاصة أن بعض الأخطاء شابت تطبيق الاستراتيجية التي لم تراع توفير المعينات اللازمة لزيادة الإنتاج وسبل التسويق.وهذا، بالمناسبة، ما أحبط الآمال في أن يكون السودان سلة غذاء العالم..الشعار الذي كنا نسمع به منذ طفولتنا.. ولا شيء يمنع أن تحقق هذه الآمال بشرط توفير الطاقة وتأمين سبل النقل لضمان التسويق.. على هذين العاملين الأساسيين يعتمد نجاح الاستثمار في السودان.أقول هذا من منطلق عشرات التجارب التي خضتها شخصياً مع مستثمرين من الكويت والسعودية وغيرهما.. يأتي هؤلاء فيطلبون الحصول على تسهيلات لاستثمار مساحات واسعة في الزراعة.. وبعد أن نوفر لهم ما يطلبون من مئات الأفدنة ونفاجأ بهم وقد انسحبوا بسبب عدم توفر العوامل الأخرى اللازمة للاستثمار الضخم وأهمها الطاقة والنقل.
                  

06-09-2008, 10:01 AM

saif addawla
<asaif addawla
تاريخ التسجيل: 12-07-2006
مجموع المشاركات: 911

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحفي النابه محمد كارا ، ينشر بالبيان (5) تحقيقات صحفية من عبدالرحيم حسين حتى دارفور (Re: saif addawla)

    up
                  

06-09-2008, 01:56 PM

سيد محمد احمد سيدنا
<aسيد محمد احمد سيدنا
تاريخ التسجيل: 11-21-2005
مجموع المشاركات: 1252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحفي النابه محمد كارا ، ينشر بالبيان (5) تحقيقات صحفية من عبدالرحيم حسين حتى دارفور (Re: saif addawla)



    اخى سيف تحياتى


    الجرعة قوية( المقال طويل ) ومفيده



    خففها عشان نتابع بنفس الهمه



    Again Up


    ســــــيد
                  

06-09-2008, 03:35 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحفي النابه محمد كارا ، ينشر بالبيان (5) تحقيقات صحفية من عبدالرحيم حسين حتى دارفور (Re: saif addawla)

    شكرا سيف الدولة ..وشكرا قريبي محمد كارا

    Quote: ولا تنس يا أخي أن السودان يملك 220 مليون فدان صالحة للزراعة ويستثمر منه فقط 37 مليون فدان وبالطبع فإن هذه الملايين من الأفدنة لا تتوفر في الشمالية فحسب بل في كل السودان.


    Quote: ولكن مساحة الأراضي الزراعية التي بدأ تجهيزها بديلاً للمساحة التي ستغمر تقدر بـ 30 ألف فدان في سهل كوكة.


    عجيب هذا الذي قاله الفريق المحارب اذا كان هنالك 220 مليون فدان صالحة للزراعة والمستثمر منها 37 فقط فلماذا سد واغراق وتشرييدوقتل في كجبار لاجل 30 الف فدان تستصلح ؟؟؟؟؟؟؟
                  

06-09-2008, 07:14 PM

ياسر احمد محمود
<aياسر احمد محمود
تاريخ التسجيل: 07-19-2006
مجموع المشاركات: 2545

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصحفي النابه محمد كارا ، ينشر بالبيان (5) تحقيقات صحفية من عبدالرحيم حسين حتى دارفور (Re: abubakr)

    Quote: ولا أذيع سراً اذا قلت أن هذا الطريق لا جدوى له اقتصادياً في الوقت الحالي ..ورغم ذلك بدأنا في تنفيذه منذ مدة.. ولم يكن ذلك اعتباطاً.. إنما كنا نعد لبناء البنية التحتية لاستيعاب التنمية القادمة في المنطقة.دعك من طريق »دنقلا - حلفا«، الحقيقة أن كل الطرق في الولاية الشمالية بما فيها تلك التي تربطها بالخرطوم ليست لها جدوى اقتصادية بالقدر الذي يضعها في منافسة مع طرق أخرى في البلاد مثل »طريق الإنقاد الغربي« وغيره
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de