|
|
 هذا هو الغرباوي
|
في جلسة حوارية هادئة جمعتني ببعض الاخوة من مثقفي بلادي وأنا بصالة الانتظار في المطار أنتظر عزيزا قادما من خارج الامارات بدأ الحديث عفويا كعادتنا ... وهكذا السودانيون في كل مكان أهم ما يميزهم أنهم يحسون بألفة بعضهم وأخوة بعضهم ويتسالمون ويتجاذبون الحديث وكأنهم يعرفون بعضهم من قبل وكأنها ليست المرة الأولى التي يلتقون فيها .
الحديث هو ذات الحديث الذي يتجاذبه كل سودلني يجتمع بآخر ( أحوال البلد + التعارف والبحث على قاسم مشترك يعرفه الطرفين أو جل الأطراف المجتمعة أو على الأقل البحث عن موضوع عام يستطيع كل أن يدلي فيه بدلوه ) وهي عادة ذكرتني عبارة قرأتها في أحد الكتب الأجنبية عندما كنت بالثانوية وفادها أنك لو رأيت اثنين من الزنوج السود يضحكون فاعلم أنهما يتحدثان في موضوع جنسي .
المهم أننا وفي أثناء الحديث سألت الطرف الآخر عن أحد أصدقائي القدامى حينما علمت أنه كان متواجدا بأحد المدن الأجنبية والتي يقطن فيها ذلك الصديق وقلت له أنه زميل دراسة وزميل ( صحن فول ) وسألني باستغراب
- معقول .... غرباوي ؟؟؟؟؟
طارت عصافيري واحتقن الدم في عروقي لحظتها وأنا أرى الاستغراب الشديد في وجه محدثي بسبب أن من تحدثنا عنه بلغة السودان ( أبيض البشرة وناعم الشعر )
وهبطت الطائرة وودعنا بعضنا واستقبل كلانا من كان ينتظر وافترقنا .
طول الطريق وأنا أفكر في هذه النظرة المغلوطة لشخصية الغرباوي وحتى في عبارة الغرباوي .
كردفان وبالتحديد عاصمتها مدينة الأبيض تقع بالضبط في وسط السودان وكنا ونحن لا نزال طلابا حاولنا أن نثبت بأن ليس كل مايقع في غرب الخرطوم يعني الغرب ولا في شرقها يعني الشرق وما إلى ذلك ... ونشطنا في حملتنا تلك فقامت الحكومة حينها بتنصيب الأبيض عاصمة للغرب وهو تنصيب نعتز به جدا بل ونعتز بأننا ( غرابه ) وفي كل العالم يبقى الغرب أفضل من الشرق من ناحية الثقافة والاقتصاد وغيره وما الهجرة إلى دول الغرب سوى دليل على ذلك .
ما يهم في الموضوع أن الغرابة الذين حاول العديدون أن ينشروا عنهم الأساطير بدءا بأنهم يأكلون لحوم البشر وأنهم شرسون و... الخ من النعوتات اتلتي يعرفها كل سوداني في حملة منظمة منذ فجر التاريخ هم من أسهموا بقوة في صنع التاريخ السوداني شاء الجميع أم أبوا .... فالثورة المهدية التي تعتبر بداية التاريخ الحديث لبلادنا لم تكن لتقوم لها قائمة لولا أن حمى ملك النوبة ( آدم أم دبالو ) الامام محمد أحمد المهدي في غار داخل الجبل إسمه ( بطن أمك ) وحماه من الانجليز حتى اشتد عوده وجمع حوله القبائل المقاتلة ثم انطلق لتسطير التاريخ السوداني الحديث .
معركة شيكان التي لازالت خطتها تدرس في الكليات العسكرية بأوروبا كانت في الغرب وبرجالات الغرب .
الخليفة عبدالله التعايشي الذي عمر مدينة أم درمان بتهجير قبيلة التعايشة للاحتماء بهم من الأشراف هو أيضا من الغرب .
ولن تسع القائمة للأدباء والمفكرين والعلماء والساسة والاقتصاديين والاجتماعيين وكل المجالات من مشاهير أعلام السودان الذين أنجبتهم المنطقة المسماة بالغرب والتي تشمل إقليمي ( كردفان ودارفور ) .
أما مسألة الشكل فيجهل معظم المثقفين السودانيين ناهيك عن غير المثقفين بأن السواد ليس هو الأساس الغالب فالغرب شأنه كشأن كل أقاليم السودان ... وفي إقليم كردفان على سبيل المثال لا الحصر توجد قبائل ( الركابية والمجانين والكواهلة والشنابلة والحمر والكبابيش والشويحات والهوارة والبقارة من مسيرية حمر وزرق وكافة قبائل البقارة ) وغيرهم من القبائل التي يغلب عليها اللون غير الأسود إن كان اللون الأسود هو الهوية التي يتم بها التصنيف .
وفي دارفور توجد العديد من القبائل كالسلامات والبقارة بمختلف أفخاذهم .
اللون الأسود في حد ذاته ليس عيبا بقدرما هو فخر فالبلاد برمتها إسمها ( السودان ) وليست ( البيضان )
ونواصل
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست