لن ينجح المتمرد خليل إبراهيم حتى لو أحتل الخرطوم / علامات استفهام ..

Quote: محمد إبراهيم الشوش سمها ما شئت غزواً ، مؤامرة ، إنقلاباً عسكرياً ، خيانة ، غدراً ، حقداً مدمراً ، ولكن الهجمة التي استهدفت الخرطوم ، وروعت أم درمان ودحرت قبل أن تبلغ هدفها في العاشر من مايو 2008 م ، لم تكن مباغتة ، ولم تكن قفزة في الظلام ، ولم تكن مجرد فرقعة إعلامية، ولم تكن مغامرة طائشة . كانت محسوبة بحسابات دقيقة جربها بنجاح أحد الواقفين وراءها ينتظر في لهفة مفجوع يراقب نجاحها من بعد . لكنها حسابات وضع مختلف، وعصر تغير ، وظروف لم تعد مواتية . حسابات من يريد تطبيق أساليب الساكسون وجنكيز خان لاحتلال الجزر البريطانية في القرن الواحد والعشرين. صحيح أن الزمان الذي نجحت فيه التجربة من قبل لم يكن بعيداً ، ولكن التاريخ أصبح يسير بسرعة الضوء ، واندفاع الصاروخ : تدفقت مياه غزيرة من نيفاشا وسد مروى والشــرق وابوجا.... و ..... لم تعد المعادلة القديمة صالحة : بضع دبابات أمام مبنى الإذاعة وفي مداخل الكباري وأمام القصر الجمهوري والقيادة العامة في الخرطوم وهوب يقـع الســودان كله تحت قدميك . نيفاشا كمجرد بداية خلقت من الجنوب كياناً لا يلعب على نفس النغمات التي تلعب عليها الخرطوم ، ولا يتمايل مع نفس الرقصات . والسيطرة على حكومة الخرطوم لا تعني السيطرة على حكومة الجنوب دستورياً ، ولا على أى من الولايات نفسياً. والسيطرة على الإذاعة فى أم درمان لا تعني السيطرة على صوت السودان كله ، و التحكم في قيادة الجيش في الخرطوم لا يعني الهيمنة على وحدات الجيش فى الجنوب و فى غيره . لم ينفصل الجنوب– على الأقل ليس بعد – لكنه لم يعد يتحرك بأزرار يضغطها انقلاب في الخرطوم والأمر بعد أخطر من ذلك بكثير : فهاهنا قوة غير تقليدية، وحتى لو إستبعدنا تورط عناصر تشادية فالقوة المهاجمة على أحسن تقدير مجموعة قبلية جهوية معينة، هذه المجموعة تحاول أن تتسلم السلطة عن طريق إنقلاب تقليدي كالذي حدث في نوفمبر ومايو ويونيو على يد قوة قومية من الجيش تمثل كل أو جلَّ ألوان الطيف العنصري والقبلي الذي تتكون منه لوحة السودان ككل . وها هنا مجموعة تمثل قبلية وجهوية واحدة ، وذلك يحتاج إلى أكثر من مجرد السيطرة على مؤسسات السلطة في الخرطوم : يحتاج إلى سرب من الدبابات أمام مداخل ديار الكبابيش والشايقية والجعليين والشكرية وكل قبائل السودان.بما فى ذلك قبائل دارفور نفسها إذ أن هذه القوه التى قادها خليل ابراهيم لا تمثل إلا أقلية وسط ابناء دارفور. وقد جرب السودان من قبل حكم قبيلة واحدة "لا مجرد شريحه" ولم يعجبه ذلك ، وكاد ينقرض ولا أظنه ينتظر حتى تتكرر التجربة. ولو أن الحظ حالف المهاجمين ، ونصبوا دباباتهم في كل مفاصل الدولة فى الخرطوم واحتلوا القصر الجمهوري والإذاعة والقيادة ومداخل الكبارى كما فعلت الانقلابات السابقة لتبين لهم منذ اليوم الأول أنهم يحتاجون إلى ملايين الدبابات في كل مدينة لا يربطهم بها نسب أو قرابة . قادة الانقلابات السابقة لم يكونوا يمثلون عصبيه مضادة ولم يكونوا يشكلون خطراً . كيانهم كان مفتوحاً يستوعب الآخرين . وهؤلاء يمثلون منطقة معينة ويسعون لرفع مظالم معينة ويعبرون عن مصالح فئة معينة . وفي السودان آخرون تختلف قضاياهم وتطلعاتهم وتوجهاتهم . وإذا قدر لحركة العاشر من مايو أن تحقق أهدافها - ولم يكن ذلك من الناحية العملية صعباً ولا مستحيلاً - لما توقف الأمر عند البيان الأول . إذن لبدأت المعركة الحقيقية التي ظل يمهد لها أعداء السودان : حرب قبلية جهوية سرمدية يتحول بعدها كل شيء إلى رماد . ذلك أمر عرفه جيداً الذين كانوا يقودون مسيرة الغزو من الفضاء ، بعد أن منحوها كل إمكانات المواجهة على الأرض . كانوا يدفعونها نحو الشرك المعد لها وللسودان . وكما جاء الهجوم وفق النهج التقليدي سيأتي رد الفعل أيضاً وفق النهج التقليدي المتبع: ستشغل نشوة الانتصار حيزاً طويلاً عند البعض ، والبحث عن الثغرات والمساءلات البعض الآخر . ويبقى وهم سقوط الخرطوم كخطوة مضمونة للسيطرة على السودان كله قائماً، حتى تدور معركة أخرى يسقط فيها عدد أكبر من الضحايا بقيادة مغامر آخر لن يكون بالضرورة خليل إبراهيم، ويقود كتيبة ليست بالضرورة من تشاد ودارفور . وللسودان بحمد الله حدود واسعة وجيران أعاذك الله . سيظل وهم حكم السودان بتجنيد بضع دبابات أمام بعض المراكز الرئيسية في الخرطوم حلم كل مغامر أيدلوجي أو عسكري. ولن يتبدد هــذا الوهم إلا إذا أدرك أهــل الكهف أنهــم أمام وضع جديد ، انتهت فيه خرافة الخرطوم عاصمة قومية ، لكل أهل السودان الحق في السيطرة عليها وإدارتها . وحتى قبل أن يتغير كل شيء، لم تكن مكانة العاصمة القومية إلا خرافة سودانية لا مثيل لها في العالم كله .. فليس هناك شيء اسمه العاصمة القومية . كل المدن في العالم يحكمها سكانها . وهي جزء من محيطها ومرتبطة بولايتها . كل ما في الأمر أن هناك مقرات للأجهزة الفدرالية من رئاسة وبرلمان وغيرها يمكن أن تتسع لها أي بقعة في الدولة دون أن تصبح تلك البقعة ملكاً لكافة سكان الدولة. لندن مثلاً عاصمة بريطانيا مقر لأجهزة الحكومة الفدرالية في قصر بكنجهام و10 داوننق اشتريت وهوايت هول ، وهذه لا تتدخل في شئون لندن التي يحكمها جهاز محلي خاص تحت " عمدة لندن " ومجلس المدينة التشريعي. وأتوا عاصمة حكومة كندا الفدرالية لا يميزها أي شيء عن بقية مدن كندا، إذ يسيرها مجلس محلي وتتبع لولاية انتاريو ووجود مقرات للحكم الفدرالي لا يجعلها بلداً يشارك في حكمها الكنديون كلهم . ولن تنتهي لعبة الزحف على الخرطوم ونصب عدد من الدبابات والآليات على مداخل جسورها ومؤسساتها الإعلامية والتنفيذية إلا إذا رفعنا عبء هذه المؤسسات الفدرالية عن الخرطوم ونقلناها إلى مكان آخر ، ضاحية يصعب الوصول إليها من الحدود الممتدة جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً – ضاحيــة مدنى مثلاً – حينئذ فقط ينصرف أهل كل بلد إلى حكم منطقتهم . وينجو أهل الخرطوم وما جاورها من مطامح مغامر يكرر مأساة العاشر من مايو ربما بصورة أبشع . وحينها لا يحتاج سكان ولاية ما أن يتكبدوا مشاق المسافات الطويلة ليموتوا ميتة بشعة على مشارف الخرطوم وراء وهم كاذب ، وتطبيق نموذج فات أوانه .