كيف حققت ( قطر ) ما عجز عنه العرب وجامعتهم ؟!!؟.

Quote: * بقلم: خضرعطاالمنان وبعدها صرت ممن لا يؤمنون بأن العبرة في العدد والحجم .. الأولى سكانا والثانية مساحة .. أسطورة حطمتها دولة بحجم مدينة عربية أو عاصمة بشرق أوروبا( سابقا ) .. فكثير من الدول هي بهذه المواصفات أو الصفات ولكنها تلعب دورا أشبه بالمعجزة في محيطها أو وسط منظمات أو تنظيمات تنتمي اليها جغرافيا ( أقليميا ) فدولة كالدنمارك مثلا صغيرة في أوروبا الشاسعة وعدد سكانها خمسة ملايين نسمة رأينا كيف أنها لعبت دورا محوريا وجوهريا عند قيام الاتحاد الأوروبي ( الحزب الاشتراكي الحاكم بقيادة رئيس وزرائها المخضرم نيغوب راسموسن أحد أبرز مهندسي هذا الاتحاد ) حتى أصبح هذا الوليد ( الاتحاد ) شيخا قاد القارة بأكملها لمراق بعيدة صار من خلالها مساهما لا بل مشاركا/فاعلا في كافة قضايا العالم ومشاكل شعوبها صنوا لسيدة القرن ( الولايات المتحدة الأمريكية ) . ماقصدت قوله في هذه المقدمة هو أن دورا ( كبيرا ) قامت به دولة ( صغيرة ) رغم جسامة الأمر وضخامة المشكل وتعقيداته وتشعب ( مذاهبه ) .. وحققت انتصارا( سياسيا) تضاءلت أمامه مجهودات بحجم (منظمة ) أو( كيان ) أو اتحاد ( الجامعةالعربية).. وهنا سقطت تماما مقولة أن البلدان وتأثيرها على الأحداث في هذا العالم انما تقاس بحجم رقعتها الجغرافية وما يقيم على أرضها من كم بشري . فما قامت به دولة قطر من دور أذهل العالم شرقه وغربه بعد أن راهن عليه أهلها بكل ثقلهم السلطوي( السلطة الحاكمة ) وارثهم الانساني القامة ( تجاربهم السابقة ) لهو دور وقفت أمامه مرتبكة ومبعثرة جامعة ( عضويتها كل دول بني يعرب قاطبة ) .. لم يكن ذلك مصادفة تاريخية .. كلا ولم يكن مغامرة أو قفزة في ليل العرب المظلم .. انما كان ارتكازا على منهج مدروس واستشعارا بثقة انداحت لتجعل من هذه ( الدول الصغيرة حجما والكبيرة عملا ) أمام تحد ربما جعلها تضع مستقبلها السياسي الراهن في سلة نسيجها ثقة تنامت وتعتقت من خلال تجارب سابقة خاضتها في هذا المضمار( السودان وارتريا مثلا ) وتعلمت الكثير حتى من تلك التجارب التي لم يحالفها التوفيق فيها ( خلافات الاخوة / الفرقاء في فلسطين ) . وبالعودة لما أود طرحه أصلا في هذا المقال يمكنني القول بأن أول شروط مثل هذه الأدوار ذات المدلولات/ القيمية / المغامرة ( بضم الميم الأولى وكسر الثانية ) تتطلب أن يكون الوسيط مؤهلا فعلا من حيث توفر واستقلال الارادة وحريتها والاحتفاظ بمسافة متساوية من كل الأطراف المعنية وأن ينال تماما ثقة هذه الأطراف وأن يكون متصفا بالتجرد وصدق النوايا و النزاهة بعيدا عن أي مصلحة ذاتية وأن يكون ملما بكنه الظروف المحيطة والموضوعية زمانا ومكانا وأن يكون مدركا بوعي لأصل المشكلة ليخضعها للتمحيص ولدراسة متأنية يتمكن من خلالها من سبر أغوارها وأن يكون ممسكا بجميع أطراف هذه المشكلة الظاهر منها والباطن والموارب من خلف أبواب لا هي بالمغلقة بالكامل ولا المفتوحة بالكامل أيضا . فحين تجلى - بوضوح وعلى مرآى من العالم كله وأمام كل متابع - عجز النظام العربي عن حل الأزمة التي كادت تعصف بمستقبل لبنان وشعبه للدرجة التي وصلت فيها الأمور للاحتكام الى الرصاص بدلا من الجلوس الى طاولة التفاوض .. عندها شهرت قطر سيف التحدي في وجه كل هؤلاء وأولئك وتقدمت الصفوف قاطبة لتقول للبنان وكل المتصارعين فيه ( ساسة ومذهبين وقبليين ) لا وألف لا لـ ( صراع الديوك ) في زمان لم يعد فيه مكان لبلد ممزق وشعبه مبعثر وأهله على قلوب شتى .. ولم تكتفي ( أي قطر ) بقول لا هذه وانما تحركت تحركا فعليا وعملياتيا وذهبت قيادتها اليهم في عقر دارهم وفي عز المعمعة ووسط لعلعة الرصاص وفوضى الموت المجاني في شوارع العاصمة التي كانت حتى وقت قريب مثالا للوئام العرقي والمذهبي والسياسي المرتكز على بساط زاه من ديمقراطية كم رقصت في تعال وكبرياء في ليالي بيروت البهية وهي تنشر العدل والمساواة في أوساط مختلف طوائفها المذهبية وأطيافها السياسية بعد أن خرجت كطائر العنقاء من وسط كوم الرماد ( حرب مدمرة امتدت من 13 أبريل عام 1975 وحتى 13 أكتوبر 1990 ) وهي أكثر صلابة وعزيمة لمواصلة المشوار وتقديم النموذج المعاش لعالم عربي تحترق معظم أطرافه وتتآكل . في سابقة تاريخية - بكل جدارة – تمكنت هذه الدولة الصغيرة حجما والكبيرة معنى وفعلا أن تأتي - الى دارها - بجميع الأطراف اللبنانية المتناحرة والمتقاتلة في بلد غارق في ظلام وضع شاذ ( بلا وفاق ولا رئيس دولة في حين كان رئيس الحكومة في خصام مع رئيس مجلس نوابها !!) ..وقدمت في حينها درسا في الصبر والمصابرة والحنكة والحكمة والنزاهة الأمر الذي قاد – في نهاية المطاف – لالتئام الجرح ورتق المجتمع الذي كادت أن تعصف - ليس بوحدته فحسب وانما بوجوده نفسه- ريح صرصر عاتية . قدمت قطر مثالا حيا لامكانيات يملكها العرب – لو صفيت النفوس وخلصت النوايا وتوافق أهلها – في حل مشاكلهم مهما استعصت عليهم وتشابكت أطرافها وذهبت بهم الخلافات مذاهب شتى . انها شهادة عز وفخار يمكن منحها لهذه التجربة – تجربة قطر مع الأزمة اللبنانية – وجديرة بالتوقف عندها طويلا واخضاعها لدراسة موضوعية وعلمية ومتجردة من ذوي الاختصاص من جميع العرب علها تصل بهم لوضع استراتيجية تقوم على الاحساس بالمسئولية تلك التي تقود – في نهاية المطاف – الى الوصول الى مرافئ التنمية المستدامة والاستقرار الأبدي المبني على التوافق والسلم المجتمعي .. أو هكذا يجب أن تكون نتيجة تلك الدراسة المتجردة . وأخيرا لا يملك الواحد منا الا الانحناءة لقطر – أميرا وحكومة وشعبا - ليس لنجاحها في ما أقدمت عليه بكل تلك الجرأة ولكن لما سجلته من موقف تاريخي ونموذجي هو أشبه بالمعجزة في عصر ولى فيه زمن المعجزات أو يكاد . * اعلامي سوداني