مقال الأسبوع: صلاح شعيب يحكي عن الشاعر محي الدين فارس والصحفي ابو العزائم!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 06:17 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-21-2008, 00:34 AM

عبدالأله زمراوي
<aعبدالأله زمراوي
تاريخ التسجيل: 05-22-2003
مجموع المشاركات: 744

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقال الأسبوع: صلاح شعيب يحكي عن الشاعر محي الدين فارس والصحفي ابو العزائم!

    نقلت لكم هذا المقال الدسم لزميلناعضو المنبر والصحفي والأديب صلاح شعيب، لنتعرف من خلاله على حياة فقيد البلاد الشاعر محي الدين فارس والصحفي المرحوم أ[و العزائم. لله درك يا صديقي فقد أبدعت كعادتك وتركتنا نركض خلف كلماتك ومشاهدك البديعة!

    ___________________________________________________________________________________________________________________________

    كانت حظوظي عظيمة في الصحافة الثقافية التي أتاحت لي الفرصة لمحاورة الراحل محيي الدين فارس لخمس مرات.. الأولى للملف الثقافي لصحيفة «الرياضية» السعودية، والثانية لصحيفة «الشرق الاوسط» والثالثة لصحيفة «الخرطوم»، والرابعة لملفها الرياضي والفني الذي كان يصدر من القاهرة، والخامسة لصحيفة «ظلال».

    فوقا عن هذه الحظوظ، رافقته مع الشاعر مصطفى سند والراحل أحمد سليمان ضو البيت إلى مدينة «ربك»، لحضور ندوة شعرية عام 1990م، وأذكر أنه في تلك الندوة قذف بالمايكرفون أثناء انفعاله، وقال إن المايكرفون امبريالي، وبدا يقرأ قصيدته «فيتو» ضد الرئيس جورج بوش الكبير بعد ضربه ملجأ العامرية في ملابسات مهاجمة العراق بواسطة صواريخ «توماهوك» أيام احتلال الكويت من قبل العراق. ثم رافقته ضمن آخرين في رحلة ثقافية بدعوة من «رابطة العنادل الثقافية» إلى مدينة الدامر وعطبرة عام 1990م، واستمرت الرحلة اسبوعا، غير أن فارسا لم يكملها، إذ مثلت بداية النهاية لصحته الكاملة. حينها تعثرت رجله اليسرى في الدامر، ما أدى إلى بعثه بالطائرة إلى الخرطوم لمعالجة جرحه الغائر الذي تطور شيئا فشئيا، وأدى إلى قطع رجله اليسرى بسبب مرض السكر. ولكن لم تقف المحنة عند هذا الحد، بل أدت إلى قطع رجله اليمنى، وبعدها سأل طبيبه: ماذا أبقيتم للقبر..؟

    كان الشاعر مصطفى سند الذي تزوج فارس شقيقته وكذا الشاعر عبد الله النجيب، والذي هو الآخر تزوج أخت الشاعر سند، وهي أمنا وداد واصبح «عديلا» لمحيي الدين، يرعيان صحته طوال زمن كل تلك المآسي التي واجهها الراحل. ويقفان معنويا بجانبه، ويحققان ما يطلب من بعث للمقالات والاشعار إلى الصحف والمجلات، ومرافقة للمنتديات الشعرية، وتقضية لحاجات عامة وخاصة.. ولولا هذين الشاعرين، أو بالاحرى العلاقة «الصهرية» التي جمعت ثلاثتهما، لما تمكن الاستاذ محيي الدين فارس أن يلقى العناية المطلوبة من الدولة.

    حين عاد للسودان الذي لم ينشأ فيه، قادما من الاسكندرية، وجد الراحل فارس شبابا يدركون قيمته ويصبحون أقرب الاقربين إليه فيما بعد. فحينما تلمس شاعرنا الكبير مصطفى سند قيمة زميله الشاب الرائد في شعر الحداثة آنذاك، ارتبط معه بعلاقات اجتماعية وابداعية في امدرمان الستينيات، وجلب شخصه وشعره إلى ثلة ثقافية قوامها الشاعر صلاح احمد ابراهيم ومحمد المهدي المجذوب وآخرين، وفيما بعد اصبح شاعر «صهيل النهر» عضوا في الندوة الادبية التي كان يرعاها الاستاذ الراحل عبد الله حامد الامين في منزله بام درمان.

    وبعد أن توثقت علاقتهما، ساهم سند في إتمام زواج الشاعر فارس من شقيقته. وأيضا لعب دورا متعاظما في تقديم إبداعاته للمشهد الثقافي والاعلامي السوداني. وفي آخر ايامه بذل مصطفى سند جهداً، من خلال علاقات تربطه بنافذين في السلطة، لجعل ابن منطقته المرحوم الزبير محمد صالح يهتم بالشاعر القومي ويمنحه أرضا تقيه من لظى الايجارات في الثورة الحارة السادسة. وبعدها وجد ناسج «الطين والأظافر» عناية أكبر يستحقها من المؤسسات الثقافية، كما لعب سند أيضا دورا في ترشيح صاحب «أنا لن أحيد» التي غناها العطبراوي لجوائز عربية، وكلل قمة جهده بأن سعى لترشيح محيي الدين فارس لجائزة «البابطين» بوصفه من أفضل شعراء العربية، وهذه الجائزة تمنح سنويا لأحد عمالقة شعراء العربية، واستحقها فارس عن جدارة، رغم تأخر الاعتراف العربي بموهبته وريادته الشعرية.

    وغير هذا أعرف الكثير الكثير الذي قدمه عبد الله النجيب «شاعر العيون»، ومصطفى سند، صاحب «البحر القديم» ـ لمحيي الدين فارس الذي قال لي ذات مرة بعد أن سألته عن أعضاء اسرته، تأمل فارس مليا ثم قال إن «أخوانه هم سند والنجيب، وهما أقرب إليه من «حبل وريد الاهل»، واستطرد أنه لا ينسى أفضالهما، بل ولا يعرف أخوين خلافهما. وألفتني وسط هذا الثلاثي الممتلئ بالتجربة الشعرية والثقافية أتتلمذ وأترابط معهم اجتماعيا، مستمتعا بما يغرفه دلو ذهني من معارف وأسرار وإخوة صادقة.

    أما الاستاذ محمود ابو العزائم فقد كان حظي قد قادني للتتلمذ على يديه في فترة الديمقراطية الأخيرة، ونميت معه علاقة قوية فيما بعد أهلتني لمحاورته ولتقديمه مرة للاستاذ كمال حامد الذي زرناه في مكتبه بغرض تنفيذ فكرتي بأن ينشر مذكراته بـ «الشرق الاوسط» على أن اساعده بالأسئلة التي تنشط الذاكرة. ذهبنا إلى كمال مدير مكتب الصحيفة بالخرطوم وقتها، الذي كان يقبع في عمارة التاكا، جوار مبنى وزارة الخارجية الحالي. واستقبل «أبو مهند» الاستاذ ابو العزائم بحرارة، وقررا أن يواصلا الحوار، بعد أن يطرح لإدارة الصحيفة في لندن فكرة كتابة مذكراته. وكانت فكرتي التي طرحتها على أبو العزائم تتجه لربط قراء «الشرق الاوسط» بأسرار تجربته، تلك التي تضمخت بألوان المعرفة. إذ كان ابو العزائم نجما في تاريخ الاعلام السوداني، وعبرها تحصل على أسرار الزعماء السياسيين.. بدءا بالامام عبد الرحمن المهدي والسيد على الميرغني واسماعيل الازهري وجعفر محمد النميري. وصادق كذلك المبدعين بدءا بالكاشف ومنى الخير واسماعيل عبد المعين، وانتهاءً بهذا الجيل الذي رعاه حينما كان بالاذاعة، وذلك من خلال برامجه التحديثية التي اهتمت بالتوثيق للمبدعين الرواد، وشكلت نقلة في العمل الاذاعي، وحاول أن يستفيد من خلفيته الصحفية في حقن البرامج الاذاعية بالمنوعات التي هي من لزوميات الصحافة.

    ولقد عرفت في ذلك اليوم الذي ذهبنا فيه إلى كمال حامد، أن استاذنا مصاب أيضا بداء السكر، فوقا عن معاناة من عيونه، وكان يكلفني أحيانا بكتابة ما يمليه عليَّ من مقالات. ولا أدري علاقة هذا المرض ـ غير الصديق ـ بالمبدعين الكبار، إذ أنني اتذكر أن الاستاذ صلاح احمد ابراهيم حذرني مرة من منحه «ملعقتين من السكر في كوب من الحليب» بفندق المريديان قائلا: «إنتو شباب في طور النمو.. ولكن أنا السكر اللعين ده هداني.». ولكن على اية حال وجدنا بعض الشعراء والمغنين يغازلون السكر، برغم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحذر دائما من الابيضين.. ولكن اختلف الناس في تحديدهما، فمنهم من هو قائل إنهما السكر والملح، وبعضهم يقول إن الملح ليس معنيا بهذا التعبير، وإنما البيض، من بيض الدجاج أو الحمام.. والله ورسوله أعلم.

    وخروجاً عن النص وجدنا الشاعر اللواء «م» ابو قرون عبد الله أبو قرون يشبه محبوبته بالسكر ويقول «قالوا قطعة سكر... قلنا أحلى وأنضر» كما اسمعنا صوت نجم الدين الفاضل. وأذكر أن شاعرا كبيرا انتقد ابو قرون كون أنه وجده ولهانا ً يقرض الشعر العاطفي في تلك السن المتقدمة، وما يلبث أن يستعير تشبيه بقية الولهانين ليثبت أنها ـ ومع ذلك ـ أحلى..!!

    غير أن نديما للشاعر عبد الله النجيب وما أكثر ندمائه، أكد له أن لا مشاحة في تعبيرات اللواء ابو قرون، إذ أنه قدم نفسه حينئذٍ لنيل عضوية اتحاد الشعراء الغنائيين، الذي يترأسه الاستاذ محمد يوسف موسى منذ ذلك الوقت وحتى الآن. وبرر اللواء الانضمام للاتحاد ـ الذي لم تكن له دار أو سكرتيرة حسناء ـ باعتبار أنه من «الشعراء الشباب»، وهو لما يزل لواءً منضبطا صارما في الجيش. وقال نديم النجيب الامدرماني، إن تلك الصفة التي رغب إليها سعادة اللواء مما يجب أن يجعل النقاد يخففون في نقدهم له، كون أن محبوبة له هي بقطعة السكر.. وخرج «النديم» تخريجا بقوله: إنما البركة في الحلاوة..!!

    ولعل الصحافي مصطفى سند نفسه مثل صهره المرحوم محيي الدين فارس، عانى من السكر والضغط وأمراض القلب. ولكن ثالث ثلاثتهم النجيب لا يزال يطارد في عيون الحسناوات، فبرغم غناء صلاح مصطفى عددا كبيرا من أشعاره، إلا أن النجيب عاد بعد الحج لـ «يلحس» كلامه الذي قاله على الهواء لإذاعة الكوثر.. ذهب النجيب إلى مكة المكرمة، وقال إنه شفى تماما من كل أوجاع السنين التي جعلت الوزير هاشم هاون يزوره في منزله ويبذل نحو عناية كما عنايته بالصلاحين «ابن البادية» والامام صلاح مصطفى وزيدان ابراهيم.. بعد قوله بالشفاء من «أمراض السبعينيات» التفت النجيب إلى الاستاذ وليد زاكي الدين وبعض المغنين الشباب الذين كانوا معه، ورفع يديه جاهرا ودموعه تنهمر قبالة الحرم النبوي الشريف: ده دربي منكم.. أنا تاني ما عندي سكة معاكم واعتزلت الشغلانة دي.. وعلى الطلاق بقيت زول مديح ساكت.. والعايز شعر غنائي يشوف ليهو صرفة..!!

    فارس وأبو العزائم لم يكونا بعيدين من مجال المغنين، بسكَّرهم وبيضهم الفاسد حتى، وامتهانهم للجري وراء بعثات فنية للحج، هذا النوع من الحج الذي فيه قولان. على كل استطاع الراحل أبو العزائم أن يوثق لحياة الأستاذ اسماعيل عبد المعين حينما كان مديرا للاذاعة، وأجرى معه عدة حلقات عن منهج «الزنجران الموسيقي» و«صه يا كنار» و«جبدي أم قرقدي» و«فرقة البساتين» ودراسته للموسيقى في اسبانيا الاربعينيات، ومارش البحرية الاميركية، واتهامات لأعضاء اتحاد الفنانين كونهم «مكوجية».

    وكانت صحافة أبو العزائم منسوجة على طريقة الصحافيين المصريين، حيث تدرب وصادق الأستاذين على ومصطفى أمين. والمعلومة عنده جزء من الكتابة والتحليل، وكان يعتمد في الكتابة الاسلوب التلغرافي، ولا يحشو مقالاته بالزوائد اللغوية، خلافا لأبناء جيله الذين تأثروا بالمحيط الادبي الذي ولدت فيه صحافة الثلاثينيات والاربعينيات، ولعل هناك مسألة ارتبطت بأبو العزائم، ربما اثرت سلبا أو أيجابا عليه. فهو من ناحية ينظر إليه كاعلامي موسوعي وأقرب ند له في الموسوعية الاعلامية هو الاستاذ السر قدور. وبينهما مشتركات كثيرة. وبرغم أن ابو العزائم لم يكن شاعرا إلا أنه كان يمتاز باسلوب صحافي تلغرافي بديع. وجعلته موسوعيته تلك متنقلا بين وظائف في الاذاعة والصحافة، كما الكتابة قد قاسمت تاريخه في العمل الصحفي وفي العمل الاذاعي. وبرغم أنه بدأ صحافيا إلا أن الحقلين الاذاعي والتلفزيوني أخذاه من الصحافة. وبينما كان يمارس الصحافة تجد أنها تأخذه من المايكرفون وإدارة من هم يبدعون فيه. وحينما يتصدر وظيفة إعلامية تجده انشغل عن العمل الصحفي في جانبه الاداري/المهني.

    وبين الصحافة والاذاعة والتلفزيون كان أبو العزائم يجد وقتا لإصدار الكتب، غير أن هذا التنقل بين هذه المجالات الثلاثة برغم أنها تمثل بمجملها مكونات الاعلام، إلا أن ذلك التشتت المهني حرمنا من مذكرات أبو العزائم أو مواصلة تجربته في اصدار الكتب التي استهلها بكتابين، «صحافة وصحافيون» الذي يتناول شذرات من تاريخ الصحافة السودانية و«سحارة الكاشف» الذي أرخ فيه لمدينة ود مدني التي ولد فيها. وهكذا كان الاستاذ السر قدور يتراوح بين ردهات صالة التحرير الصحفي وردهات الاذاعة.. فقد حرر الاخبار والمقالات لجريدة «النيل» التي كان يمولها السيد عبد الرحمن المهدي، وكتب بعض مذكراته لجريدة «الخرطوم»، وكتب الشعر للكاشف والفلاتية وكمال ترباس.. وآخرين.. ثم كتب المسرحيات. وقدم بعض برامج اذاعية وتلفازية.

    وبالتقدير النقدي ـ وبناءً على حيازته على جائزة البابطين المحكمة بواسطة كبار النقاد في العالم العربي ـ يعتبر الشاعر محيي الدين فارس واحدا من الذين عمقوا شعر التفعليلة أو الحداثة، وهم أولئك الرواد الذين قال عنهم الشاعر صلاح احمد ابراهيم إنهم كسروا عمود الشعر العربي «طق». ووجوده الواعي في مصر الخمسينيات ومشاركته الفاعلة ضمن تيار الادباء السودانيين/الطلاب بقيادة جيلي عبد الرحمن وتاج السر الحسن، ساهم في لفت نظر زملائهم الشعراء في الجامعة، وأيضا الادباء المصريين الذين تنبهوا من ثم لهذه الثلاثية الشاعرة البديعة.

    ولقد تميزت مفرداتهم بالتجديد على هوى وهدى ريادة/حداثية باكرة لنازك الملائكة وبدر شاكر السيَّاب ولويس عوض وعبد الوهاب البياتي ..إلخ. وبشكل حتمي فإن جيلي ابن جزيرة «صاي» وفارس والحسن اللذين ينحدران من «أرقو»، قد ساهموا أيضا أيضا كرواد للشعر السوداني الحديث، وبواسطتهم تخصب الشعر السوداني بالصور الشاعرية الجديدة المعنية بتحديث شكل ومضمون القصيدة الفصيحة، وبرزوا كرموز أدبية كانت تتميز بالندية إزاء رموز القصيدة العمودية الذين جايلوهم أمثال عبد الله الطيب وعبد الله الشيخ البشير وفرَّاج الطيب ومصطفى طيب الاسماء ومهدي محمد سعيد وجعفر حامد البشير..إلخ. وقد يرى نقاد أن محيي الدين فارس وصحبه سحبوا البساط من هؤلاء التقليدين الذين حافظوا على النظم الشعري بالبحور الشعرية السبعة التي ميزها الخليل بن أحمد الفراهيدي.

    إن وجود محيي الدين فارس في مصر إبان ذلك التاريخ، حيث المد الهادر للفكر القومي العروبي، أثر في خلفيته الفكرية، برغم أن توأم روحه محمد مفتاح الفيتوري تبنى الافريقانية التي وصفها البعض بالشكلانية، أو المستنسخة لـ «البان أفريكانيزم». ووفقا عليه صار فارس أميل إلى الدفاع عن قيم سياسية عروبية أهلته إلى أن يكون متعاطفا مع فكر البعث، إن لم يكن قد انتمى تنظيميا إلى إطاره السياسي. وكلنا نشهد حضوره الراتب لـ «مربد بغداد» ومشاركته بقصائد تعزز موقف الحكومة العراقية وقتها، ولم تكن قصائده المعززة لتختلف عن قصيدة رفيق صباه الفيتوري، التي بدأها بقوله: «لم يتركوا لك ما تقول» والتي حازت على الجائزة السنوية للشعر، وكان مقدراها ثلاثين ألف دولار.

    ولعل فارس وصديقه الفيتوري تلاقيا في أرذل العمر في منطقة وسطى من القناعة بالقومية العربية، وإن كان المرء يرى أن صدق فارس كان يتعاظم بالمقارنة مع رفيق الصحبة في الاسكندرية، سوى أن هذه الخلفية العروبية حرمت فارس من اهتمامات النقاد بالقدر الذي يليق بموهبته وريادته الشعرية، إذ أهمل من قبل النقاد السودانيين ـ على قلتهم ـ ولم يجد الاهتمام المقابل للاستاذين محمد المكي ابراهيم ومحمد عبد الحي اللذين أفصحا عن مكنون «هموماتهما السودانويات» خلافا لفارس الذي لظروف النشأة لم تكن القضايا السودانية المعاصرة جوهر شعره، كما أن تأثير اليسار الماركسي في الجبهة الثقافية لم يسمح لمحيي الدين فارس أن يجد تقديرا يوازي محجوب شريف أو على عبد القيوم أو عبد الرحيم أبو ذكرى، برغم تقدم تقنيته في كتابة القصيدة الفصيحة، ومفرداته الشعرية التي كفلت له الاحتفاء عربيا كأول شاعر سوداني ينال هذا التكريم.

    ولعل مسألة الالتزام الفكري والسياسي هي القاسم المشترك الاعظم بين فارس وابو العزائم، مع الفارق في الكيفية التي عبرا بها عن مواقفهما الفكرية، وهي التي سببت للاول تجاهل النقاد، فيما جعلت الثاني مصنفا ضمن الإعلاميين التكنوقراط، الذين أصبح ارثهم محل خلاف أو انتقاد خصوصا حين يُثار موضوع الالتزم الصارم بمسائل التعددية الديمقراطية وضرورياتها في واقع البلد. وبمعنى آخر فإن نقدا وجه لاستاذنا ابو العزائم الذي ارتبطت أجزاء من عمله الاعلامي بمرحلتي مايو والانقاذ، حيث عين في الاولى مديرا لإذاعة «صوت الامة» ثم ترقى مديرا للاذاعة السودانية. وفي مرحلة الانقاذ تعين مديرا للتلفزيون لفترة لم تدم طويلا، وبالتالي لا محالة فإنه لا يختلف عن علي شمو ومحمد سليمان «دنيا دبنقا» واسماعيل الحاج موسى واحمد البلال الطيب وحسن ساتي وابراهيم عبد القيوم الذين واجهوا أيضا نقدا لعملهم مع مايو، وربما.

    وبرغم ارتباط ابو العزائم بمايو والانقاذ، إلا أنه ظل يعيش حياة بسيطة إن لم تكن متقشفة، ولم يعرف له ثراء بعد انتهاء مايو أو حتى بعد تركه تأييد الانقاذ بذات الصورة في ايامها الاولى، ولم يكن ليملك عربة لقضاء مشاويره، كما أن الانقاذ لم تقدم له شيئا بالمقارنة مع مديري التلفزيون والاذاعة الذين أتوا لإكمال مهمته التي كانت مرحلية بالنسبة لأهل التنظيم.

    وبخلاف الرصيد الإعلامي الذي تركه أبو العزائم خلفه، إلا أنه أهدى المهنة ابنه الاستاذ مصطفى أبو العزائم رئيس تحرير صحيفة «آخر لحظة» التابعة لنافذين من السلطة، وكذلك ابنته الأستاذة منى ابو العزائم رئيسة تحرير صحيفة «الناس والحياة». ولعل هذا النجاح الاسري الذي عايشه راحلنا وكان فخورا به، هو ما يتمناه كل أب وأم لأبنائهما، فضلا عن ذلك فهناك المئات من الصحافيين والاعلاميين والاذاعيين الذين تدربوا ونهلوا من تجربة الاستاذ ابو العزائم، واصبحوا فيما بعد يبدعون في مجالاتهم.

    ومهما يكن من أمر الاختلاف في التكتيك الذي أتبعه فارس وأبو العزائم كمثقفين في التعامل مع مجريات الحال السوداني والعربي، إلا أن الإنصاف يقتضي تقييم إرثهما الادبي والاعلامي، بالشكل الذي يجوهر ما ذهب إيجابا وسلبا في ذاك التكتيك.. لهما الرحمة والمغفرة، وليكن صالح أعمالهما من الثواب مما يولج إلى لجنة.

    نقلا عن الصحافة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de