ثورة المقابر رواية لضياء الشريف

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 02:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-22-2008, 10:22 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ثورة المقابر رواية لضياء الشريف

    من أعلى قمم الأكاكوس وتحديدا جبل كاف الجنون بدأت تفاصيل الحكاية أو الرواية إن صح التعبير وربما غرابة المكان عند الآخرين وروعته عند ضياء الشريف جعله يستعيد الماضى الجميل وذكريات الصبا فى رحاب الوطن الحبيب وخرج لنا بعمل أدبى رائع ونتاج متفرد عبر عنه نبل أفكاره وعواطفه المتأججه
    ولعل التفرد يتجلى بوضوح فى شخصيات روايتة الأولى وما عبر عنه الكاتب من خلال شخوصها وما جسدته تلك
    الشصيات من عواطف وإنفعالات ومواقف تكشف عن قوة تلك الشخصيات ومواطن ضعفها الإنسانى
    إنطلاقا من أن الادب فكرة سامية وعواطف نبيلة مجسدة بإسلوب جمالى مؤثر ,والكاتب يتعرض للنزعات الإنسانية ومحنة الوجود الإنسانى فى ظل تناقض الحضارة المعاصرة , ولقد إستطاع ضياء الشريف بوجدانه الصادق وشعوره المتدفق نحو بلاده أن يوفق فى مسالة الربط بين الأحداث رغم الفاصل الزمنى
    ولقد عبرت الرواية عن مواقف إنسانية ذات قيمة كبرى وهذا ما أضفى عليها خاصية الروعة والتفرد مقارنة بالأعمال الأدبية التى تركن للخيال والذاتية المطلقةوهناك إشارات ذكية من الكاتب كأنه أراد مناقشة أمور معينه والبت فيها وربما طرح بعض الأفكار الجريئة
    ومكمن الحسن يتجلى بوضوح فى الوقت الذى إستطاع الروائى أن يأخذه منا لقراءة هذا العمل الأدبى دون توقف نسبة لتسلسل الأحداث بصورة تجعلنا أكثر إقبالا ونهما على النص فجمال الطرح وسلامة اللغة والموضوعية فى تناول الأفكار كل هذه العناصر مجتمعة جعلتنا نجزم بروعة هذا العمل الأدبى بل جعلت من ثورة المقابر عمل إبداعى راقى لايقل حسنا وجودة عن بقية الأعمال الأدبية الاخرى
    ضياء الشريف جعلنا نعيش داخل تفاصيل الرواية ونحن نتأمل كل مظاهر الطبيعة فى مجتمع القرية السودانى وفى إشارات سريعة وذكية ينبهنا إلى مواقع الخلل في مجتمعنا متناولا بعض النماذج لمن يعيشون خارج الديار والتى لم تستطيع أن تقاوم فآثرت السقوط وتعرض لمعاناة الكثيرين فى الغربة ثم عاد بنا سريعا إلى رحاب الوطن وتحديدا مجتمع القرية فى الريف السودانى والعادات والتقاليد والأعراف التى لاتصلح لتسيير مجتمعات مستنيرة حيث دفع الكثيرون حياتهم إحتجاجا عليها
    والشئ الذي يؤخذ على ضياء الشريف هو تكريس الدافع الجنسى على حساب بعض القيم والمنطق القيمى الأخلاقى يستلزم إستبدال الذى هو خير بالذى هو أدنى وليس العكس فالأخلاق هى جوهرالإنسانية وماهيتها المتعالية والأدب تمظهر أساسى للروح الإنسانية وتطلعها نحو السمو والكمال ومع ذلك تعتبر ثورة المقابر عمل أدبى رفيع المستوى ويكفى أنها ثورة تستمد شعلتها وجذوتها من نيام
                  

04-22-2008, 10:37 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    ثــــــــــــــــــورة المقـــــــــابر


    الطبعة ألأولى

    المؤلف

    ضيـــــــــاء الشريف

    سنة النشـــــر 2008


    الوكالة الليبيةللترقيم الدولى

    دار الكتب الوطنية
    بنغازي ليبيا

    الرقم الدولى

    4-06-844-9959-978


    ضياء الدين محمد صـــالح الشريف


    ولد في يناير 1970 بقرية ود السيد على الضفة الشرقية للنيل الأزرق محافظة شرق الجزيرة وفيها تلقى تعليمه الإبتدائى

    هاجر مع أسرته فى بداية الثمانينيات إلى مدينة بورتسودان الساحلية بشرق السودان وفيها تلقى تعليمه المتوسط بالمدرسة الأميرية والثانوي بمدرسة باوارث الثانوية

    سافر إلى جمهورية مصر العربية وإلتحق بمعهد البحوث الإسلامية بالأزهر

    بدأ بالكتابة فى الصحف والمجلات منذ أن كان طالبا بالمرحلة الثانوية ونشرت له العديد من المقالات والقصص فى مختلف الصحف القومية وبعض الدوريات العربيه

    عضو سابق بالأمانه العامه للتكامل العربى الليبي السودانى
                  

04-22-2008, 10:41 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    إهـــــــــــداء


    الي القلوب الأربعة الرحيمة التي شكلت معاً :
    واحةً أراحتني
    وغمامةً ظللتني
    ومصباحاً أنار ظلام لياليٌ
    ونسيماً من ريح الجنة ينفحني ويصلني عطره وشذاه ونداوته مهما أوغلت بالمسير في دروب الحياة الطويلة

    أمي ... وأبي
    وشقيقتاي سامية وبسمة
    وإلي الشاعر الأديب الذي لم تنصفه الحياة فوارت إنتاجه الفخم عن الأنظار :
    شقيقي وصديقي محمد محمد صالح
    وإلي أخر العنقود وحامل الصندوق المليئ بالحكايا والأسرار : سيف الدين
    وإلي نوارة بنغازي وزهرتها الصديقة الوفية
    إليهم جميعاً أهدي هذا العمل



    ضياء الشريف
                  

04-22-2008, 10:47 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    مقـــــدمـــة

    في مكان يتجنبه الناس ويتحاشونه ويشيعون أن قبائلاً من الجن تسكنه بدأت كتابة هذه الرواية التي كانت عبارة عن قصة ابتدت بقعدة وانتهت بنزول عزرائيل ليقبض روح البطلة , وبعد اثنتي عشر عاماً كاملة خرج من الورق المنسي غلامٌ جميل قمحي اللون رياضي الجسم وبرفقته شخصيات كثيرة ليعيدوني إلي المكان ذاته : جبل كاف الجنون , وأعيش معهم تفاصيل كثيرة ومثيرة لتتحول القصة إلي رواية وإليكم الحكاية : في يوم صباحي بعيد يعود تاريخه الي أوائل العام 93 كنت عائداً من مدينة غات في أقصى الجنوب الليبي على الحدود مع الجزائر متوجهاً إلي مشروع تهالا على بعد 60 كلم حيث كنت أعمل وفي منتصف الطريق الصحراوي توقفت عند جبل كاف الجنون الذي يشرف على الطريق وهو أحد جبال الأكاكوس , تأملت شكله الفريد , لم يكن شاهق الإرتفاع وكان في قمته ما يشبه القرنان الكبيران وتذكرت القصص الكثيرة التي يرويها السكان المحليون عنه ولم أستطيع أن أقاوم رغبتي باستكشافه أنا المهووس بالأماكن الجبلية والصحراوية النائية وتذكرت كثيراً من المواقف المرعبة التي مررت بها ومن بينها ذاك الموقف الذي حدث حينما كنت طالباً بالصف الأول بمدرسة باوارث الثانوية ببورسودان ... كنا أربعة نشكل شلة مشاغبة وذات يوم وبعد الفطور وأثناء شربنا للشاي بقهوة ديم العرب قررنا عدم حضور باقي الحصص فقلت لهم : الحصتان القادمتان كيمياء , مالنا نحن والكيمياء وقد حدنا اتجاهاتنا بدخول المساق الأدبي واقترحت عليهم الذهاب إلي المقابر لزيارة قبر صديق غادر دنيانا قبل أيام وتوكلنا على الله وذهبنا إلي المقابر التي تقع خلف ديم العرب في مكان منخفض جداً ، وأثناء جلوسنا على حافة القبر نقرأ الفاتحة رأيت إبراهيم وقد تغير شكله تماماً , بدا لي أشعثاً أغبراً وعيونه تكاد أن تخرج من محاجرهما وتدلى لسانه بشكل غريب فأصبت بالهلع وسألته : ما بك ؟ حاول أن يتكلم فلم يستطع وبالكاد تحركت
    يداه وأشار بها إلي أحد القبور , إلتفتنا فرأينا وعلى بعد ثلاثة قبور تفصلنا رجلاً ضخم الجثة ممدداً على أحد القبور عارياً كما ولدته أمه وهو يضع رجلاً على رجل وقبل أن نستوعب المشهد الغريب هب الرجل فجأة واقفاً في قمة القبر , وكصواريخ أٍٍٍِِطلقت من منصاتها إنطلقنا بأقصى ما نستطيع من سرعة فانطلق خلفنا وهو يحاول الإمساك بنا. بسرعة البرق خرجنا من المقابر فتركنا وركز على إبراهيم الذي كان أقلنا سرعة ... وقفنا في الأعلى نراقب ما يحدث ونحن حفاة , كانت هناك بضع عربات لقطارات قديمة بين المساكن والمقابر فكان إبراهيم المسكين يدخل من باب ويخرج من شباك حتى نجح في مراوغته بين العربات وانطلق ناحيتنا لننطلق نحن بدورنا والرجل العاري يطاردنا عبر أزقة ديم العرب الضيقة الخالية في مثل هذا الوقت من النهار إلا من بعض النسوة الائي لم يلقين بالاً للماراثون العجيب مما أثار في نفسي الدهشة والعجب وجعلني أتساءل : ألا يرينه! وانحرفت يميناً في أول زقاق قابلني وواصل زميلاي في خط مستقيم فكدت أن أصطدم بعجوز قادمة , إلتفت سريعاً فرأيت إبراهيم ثم الشبح العاري يمران كالإعصار , تقدمت العجوز ومدت رأسها تستطلع الأمر ثم إلتفتت إليُ وسألتني : ماذا فعلتم له , لماذا يطاردكم ؟ فقلت لها وأنا ألهث : أظنه شيطان ! فضحكت العجوز حتى ظهر التمباك المكدس في شفتها السفلى وعرفت منها أن الرجل مجنون من مئات المجانين الذين تعج بهم مدينة بورسودان وأنه يتخذ من عربات القطار القديمة قرب المقابر مسكناً له وأنه لا يظهر في ديم العرب إلا ليلاً فعدت أدراجي إلي المقابر باحثاً عن حذائي , أما زملائي الثلاثة فلم يتوقفوا إلا في مطعم محمد طاهر أدروب الذي دلفوا إليه دفعةً واحدة ً من باب المطبخ الخلفي مما تسبب في خسارة محمد طاهر لعدة أصناف من الطعام.
    وعلمني هذا الموقف أن لا أطلق حكماً على شيء لم أختبره بنفسي مهما بدا غريباً وشاذاً وروضت الخوف داخلي وتعلمت كيف أسيطر على نفسي وقت الازمات .
    تذكرت هذا الموقف بكل تفاصيله وأنا أقف قبالة كاف الجنون , فقلت لنفسي :
    لن يكون الأمر أسوأ مما حدث وبدأت بتسلق الجبل وأنا أتوقع أن تنهال الحجارة الصماء على رأسي كما حدث لكثيرين قيل أنهم حاولوا تسلقه ولكن شيئاً من ذلك
    لم يحدث . وفي مكان أشبه ببطن الوادي المصغر جلست مسنداً ظهري على صخرة وماداً رجلايَ أمامي وتذكرت على الفور بورتسودان المحاطة بالجبال وتذكرت أصدقائي وندمائي الذين فارقتهم قبل عام فجاشت نفسي بالذكريات وتخيلت أن قعدةً عامرةً تملأ المكان فشعرت أن هناك قصة توشك أن تولد فنزلت إلي السيارة وأتيت بدفتري وقلمي اللذان لا يفارقاني وبدأت الكتابة متخيلاً قعدة راقية ولكن الأمور تطورت بسرعة فائقة على غير تخطيط مسبق مني , فبعد سطرين ساد الهرج والمرج القعدة , ثم أنها تحولت من كاف الجنون إلي شقة توجد بها زوجة حامل وكانت الأحداث تتواتر على ذهني بلا إنقطاع وكأنني قد عشتها بزمن سابق وها أنا أتذكرها وأسجلها وحسب , ومن بداية القعدة وحتى نزول عزرائيل لم يستغرق الأمر سوى نصف نهار فطويت أوراقي وغادرت المكان .
    وكنت كل ما أعد قراءة القصة التي كتبتها يأخذني العجب لهذا التكثيف , وبالطبع خزنتها مع قصصي ورواياتي الكثيرة ثم أخذتني الحياة بين أمواجها المتلاطمة وأرتني من أهوالها الكثير.
    وبعد إثنتي عشر عاماً كاملة كنت أعد قراءة القصة وفي نيتي نشرها فرأيت بخيال الكاتب إبن البطلة الذي ولد في كاف الجنون قد صار عمره إثنا عشر عاماً وحوله شخصيات كثيرة فعدت به مرة أخرى إلي هناك خاصةً وأنني كنت أنوي المغادرة إلي السودان وقد رتبت لزيارة المكان الذي ألهمني في اعتقادي أروع قصصي , وهناك حدث ما حدث قبل إثنتي عشر عاماً واصطفت الشخصيات تؤدي أدوارها وكأنني أشاهد الأمر على مسرح , بل إنها كانت تملي عليّ ما اكتب...
    كنت أشاهد حاج عبد الناصر يهاتف حاج الإمام , هذا في القرية وذاك في الخرطوم وكنت حاضراً معهما في وقتٍ واحد ... وكنت أشاهد محمد الإمام والناظر وداعة الله السيد وحاج عبد الناصر جالسون في فناء دار حاج الإمام , وكنت أشاهد منال عوض الله تستعرض جمالها أمام المرآة ثم أرى حرامي الغنم فيصل ود الصديق يمارس الجنس مع بائعة العرق السوداء , ثم وهو جالس مع عوض الله المراكبي في طرف الغابة على الجانب الغربي للنهر وهما يعقدان صفقة الشيطان بينما يحتسيان الخمر..
    كنت أشاهد مصطفى الماحي جالساً مع محمدو على شاطئ النهر , وكنت أري الرؤوس تعلو وتهبط تحت الماء والرجال على الشاطئ يراقبون صفحة الماء وأعصابهم مشدودة فأسمع دقات قلوبهم فتتسارع دقات قلبي معهم وأتصبب عرقاً.
    باختصار كنت حاضراً معهم في القرية بكل ذرات كياني ... أسمع منهم وأسجل عنهم وكانت الكلمات تنهمر على الورق كما المطر , وفجأة عاد إلي الذاكرة المجنون ضخم الجثة الذي هب لنا من أحد القبور عارياً تماماً قبل تسعة عشر عاماً وطاردنا في أزقة ديم عرب الضيقة , عاد بينما كنتُ جالساً في مأتم حاج الإمام ليعيدني مرةَ أخرى إلي المقابر , ولكن هذه المرة لم نكن أربعة من المغامرين المغرورين ... كنا مجموعة هائلة تمثل قرية بحالها وهناك حدث ما لم يكن في حسباني أو تخطيطي المسبق أو بمعنى أدق مالم أفكر أو يرد على بالي كتابته قبل دقائق قليلة , فقد خططت في الليلة السابقة وكنت توقفت عن الكتابة في شاطئ النهر مع مصطفى الماحي ومحمدو حينما هبط عليّ الظلام , خططت في هذه الليلة أن أنهي الرواية في مأتم حاج الإمام وفي اليوم التالي وفي مكاني المعتاد على الجبل ظهر المجنون على الذاكرة كما أسلفت وأعادني مع كل شخصياتي إلي المقابر لتنتهي الرواية هناك معلنةً ميلاد حياةٍ أخرى في مكان لا حياة فيه أصلاً .



    ضياء الدين الشريف
    طرابلس 2005.5.13 ف
                  

04-26-2008, 09:19 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    1
    إبتدأت القعدة بداية راقية , فمع دوران الكؤوس الأولى دارت أبيات الشعر لتحرك في النفوس شجناً كامناً وحنيناً مقيماً ... مع توالى الكؤوس وزحف الخدر إلي مناطق الوعي والتركيز بالدماغ إنسحب الوطن ململما ذكرياته ليغادر المكان , وكلما إرتفع عدد الكؤوس إرتفع الصخب وعلا الضجيج , وبعد أن كانت الأغنيات راقية وشجية مثل:
    ياحبيبي ظمأت روحي وحنت للتلاقي
    وهفا قلبي إلي الماضي وناداني إشتياقى
    تحولت إلي أغنيات هابطه ذات إيقاع مرتفع وصاخب مثل :
    كده كده ياالترله .. الترله
    قاطرا قندران .. قندران .. قندراااان
    وصل الضجيج إلي مسامع الزوجة الحامل فتحاملت على نفسها ونهضت ببطء وجنينها يتململ في أحشائها مسبباً لها آلاماً لا تطاق وقلبها يحدثها بأن الليلة لن تمر على خير . وقفت قريبا من باب الصالون ونادت على زوجها ولكن أصوات الشلة المرتفعة إبتلعت صوتها الواهن فلم يسمعها أحد , أطلت برأسها فوجدت زوجها وشلة أنسه منهمكين في الرقص والغناء فلفت أحدهم نظر زوجها أن زوجته تريده فخرج والشرر يتطاير من عينيه وسحبها سريعاً إلي الصالة الداخلية وهو يعنفها ويقول لها :
    -لم يبقى إلا أن تشاركينا القعدة
    تماسكت المرأة وذكرت زوجها بأن جارهم الذي يسكن تحتهم مباشرة قد إشتكى له أكثر من مره من هذا الضجيج اليومي الذي يسببه لهم , وسبق أن أوفد زوجته لى كحل أخير بعد أن يئس منك-هكذا قالت الزوجة-فانفجر زوجها في وجهها :
    -ولماذا توبخيني فقط ؟إضربيني حتى ينصلح حالي !!!
    ثم صفعها بقوة حتى كادت أن تقع فأمسكها من شعرها بيد ووضع قبضته الأخرى على بطنها وقال :
    -لولا خوفي على إبني البكر لقطعتك إربا إربا , أدخلي غرفتك ولا تخرجي منها إلا إذا أمرتك بتجهيز العشاء , ودفعها بقوة قائلا :
    -هيا تواري عن وجهي يالئيمه .
    تراجعت المرأة ووقعت على الكنبه وكاد أن يغمى عليها من هول الصدمة . فرغم المشاحنات المستمره بينهما والتي إبتدأت منذ زواجهما قبل ما يقرب من سبعة أشهر أو يزيد إلا أنه لم يدر بخلدها قط أن يصلا إلي هذه النقطة الفاصلة ..أن يمد يده ويضربها .. إنها النقطة الفاصلة , فكلام زوجها يحمل نبرات صادقة ونظراته تطفح بالكراهية وشعرت بغربتها تتضاعف ... غربة عن الوطن والأهل وغربة في بيتها وعن زوجها , فسألت نفسها : أليس إبن العم أخاً لبت عمه في الغربه ينصرها على زوجها إذا ظلمها وأهانها فكيف الحال وإبن العم نفسه هو الزوج , ورددت ونفسها تفيض بالأسى والمراره : ما بال هذا العربيد لا يرعى لى حقاً كزوجه أو كرحم أو حتى حق الجوار وحق الإسلام , وتذكرت كيف أن التقاليد الظالمة في بلدها سلمتها كالبهيمة لهذا الرجل البشع بدعوى أنه إبن عمها وأحق بها من الجميع .
    تذكرت قريتها النائمة في هدوء بين النيل وحقول الذرة وطفولتها فيها .
    تذكرت أيام دراستها بالمرحلة الإبتدائية وقت أن كان التعليم الإبتدائي مختلطاً .. تذكرتها يوما بيوم , بل حصة بحصة .. وطابور الصباح , والرحلات الممتعة التي يأخذهم إليها معلم التاريخ إلي مدن الشمال البعيدة .. يطير بهم إلي حلفا ومحمد قول ومدن أخرى تفوح من آثارها ومعالمها رائحة التاريخ المعطر بالبطولة , كل ذلك وهم جلوس بالصف لم يغادروه قط.
    تذكرت ذاك الشعور الغريب الممزوج بالبهجة والسرور والخجل كلما تلاقت عيناها مع عيني مصطفى وهما لا يزالا أطفالا بعد فخفق قلبها بشده.
    تذكرت طبعه الهادئ والخجول ونظراته التي كانت تقول إن مصيرهما سيكون مشتركا.
    تذكرت أنه كثيرا ماترجم هذا الوعد الصامت عملياً حينما تشاركا أكثر من مره في الترتيب الاول .
    تذكرت كيف كان قلبها يخفق بشده حينما كان المعلم ذو الصوت الجهوري الذي يوزع الشهادات آخر العام ينادي بفخر .. الأول مشترك: مصطفى الماحي وزينب الإمام .
    تذكرت دوى تصفيق الطلبة المصطفين في طوابير بساحة المدرسة مشكلين مربعاً يقف المعلمون ومديرهم في وسطه تماما والتصفيق يزداد حماساً كلما تقدما خطوة ناحية المركز ليتحول إلي دوياً يخيل إليها أن كل الدنيا تردد أصداؤه .
    تذكرت ذاك المس الكهربائي الذي كان يسرى في جسدها الصغير حين يصافحها مصطفى بمجرد إستلامهما لشهادتيهما فسرت رعشة في جسدها المثقل بالحمل وأهوال الفاجعة.
    تذكرت أنها لم تكن قد سمعت عن شئ إسمه الحب وكيف كانت الحيرة تطويها كلما حاولت تفسير ذاك الشعور المربك والمبهج في آن الذي تحسه بحضور مصطفي .
    تذكرت يوم جاء أخوها الذي يكبرها بعامين يحمل بشرى نجاحها لدخول المرحلة المتوسطة وفرحتها التي قتلها والدها بنظرة طويلة فاحصة وكلماتٍ مقتضبة حادة .
    تذكرت نظراته إلي نهداها النافران وردفها الذي كان يكمل آخر مراحل تكويره وكلماته القصيرة :
    يكفي هذا .. مدرستك منذ اليوم هنا مع أمك .
    تذكرت دفاع أمها المستميت عنها وعن حق إبنتها في مواصلة تعليمها حتى كاد الأمر يؤدي إلي طلاقها فاستسلمت هي وأمها للأمر الواقع ولم تناقشا بعد ذلك . تذكرت أن والدها لم يرتكب جنايته ضدها فقط , وإنما ضد مصطفى أيضاً الذي إختفى بعدها بشهر تاركاً جلابيته تتوسد حجرا على ضفاف النيل .
    تذكرت الأيام الطويلة التي قضاها رجال القرية وشبابها في الغطس بحثاً عن جثمانه بغير جدوى .
    تذكرت أيام العزاء والعويل من حناجر النساء في مأتمه ..
    تذكرت الإشاعة التي إنطلقت بعد شهر من مأتمه والتي تقول أن أخته الصغيرة ذات العامين قد رأته لآخر مرة يخرج فيها من المنزل يحمل في يده كيساً به ما يشبه الملابس .
    تذكرت أن الإشاعة أصبحت حقيقة حينما وجدوا أن ملابسه كانت ناقصةً بنطلوناً وقميصاً هما آخر ما إشتراه له والده هديةً لنجاحه في الدخول إلي المرحلة المتوسطة .
    تذكرت الأمل الذي ولد في النفوس بعودته والبحث المحموم عنه لأشهر طويلة في المدن والضواحي والمشافي والأقسام وكل مكان إستطاع والده الوصول إليه حتى صار فقيراً معدماً .
    تذكرت أنا أهله وأهل القرية كلهم لم يجدوا سبباً واحداً لهروبه لو كان قد هرب فعلاً وأن الجميع وبعد أن عجزوا عن حل هذا اللغز رجحوا كفة غرقه وسلموا أمرهم لله ... وحدها كانت تعلم , ولكنها كانت تعلم نصف الحقيقه فقط .
    تذكرت أمها الرقيقة المستكينة أمام تجبر وتسلط والدها الظالم والذي تساءل يوماً عن سر عزوف الخطاب عن إبنته رغم جمالها الفائق وفتنتها الطاغية التي سببت له هاجساً أقض مضجعه ورد امها قائلة له :
    -وأين رأها الشباب .. إن إبنتك ومنذ أن حرمتها من المدرسة لم تخرج , حتى فناء الحوش الخارجي لا تجلس فيه . ذهل الرجل وسأل أمها بدهشه :
    -كل هذه السنوات ؟!
    تذكرت أنها سمعت ولأول مرة في حياتها صوت أمها يرتفع في وجه أبيها حينما ردت عليه بحدة :
    -أنت نفسك قل متى رأيتها آخر مرة ؟!
    ثم أردفت وهي تشيح بيدها وقد إكتست ملامحها بالأسى
    -حتى في المرات القليلة التي أنجح في إخراجها معي بشق الأنفس تكون ساهمةً واجمة في المجلس حتى أن النساء أشعن أنها أصبحت متخلفة فمن منهن تسمح لإبنها بالتقدم لها. أنا نفسي أحس بأنها غريبةً عليَ .
    ثم أخذت تنتحب وهي تردد :
    -أنت السبب ياللخسارة .
    فحمل الرجل عصاه وانسحب خارجاً من غير أن يتفوه بكلمه .
    تذكرت محاولات أخيها الوحيد لإخراجها من عزلتها وحينما فشل أصبح يروح عنها بجلوسه المستمر معها وحنوه عليها وجلبه للكتب والمجلات التي تحبها حتى أصبح كالهواء بالنسبة لها لا تستطيع العيش دونه .
    تذكرت اليوم المشهود في القرية ... اليوم الذي حفر تاريخه في ذاكرة القرية والقرى المجاورة كلها , يوم أن ظهر مصطفى فجأة بعد خمس سنوات وستة أشهر وثلاثة عشر يوماً بالتمام والكمال .. لقد أصبح شاباً قوياً عريض المنكبين وبشارب خفيف وشكل وسيم وكأنه أحد أبناء الأثرياء الذين يعيشون في القصور .
    تذكرت إحتفالات الفرح ومهرجانات التكريم التي أقيمت له وهرولة الرجال والنساء والشباب والأطفال لرؤيته وكأنه قادم من أحد الأساطير التي تحكيها الجدات للأحفاد قبل النوم .
    تذكرت أن أمها ذكرتها بأنها المرة الوحيدة التي لم تمانع فيها من الخروج معها حين دعتها للذهاب معها للتهنئة وتذكرت أنها رجعت من منتصف الطريق حين بلغ بها الإرتباك مداه لتترك أمها تشيعها بنظرات كلها ريبة وشك .
    تذكرت إنها عادت بعد ساعة بدت كدهر وأطول لتقول لها باقتضاب : لقد كان يبحث عنك .. فاهتزت بشدة وكادت أن تقع لولا أن أمسكت بها أمها واجلستها برفق وسألتها :
    -هل كنت تعلمين من البداية أنه لم يمت ؟ هل كنت تنتظرين عودته ؟
    تذكرت أنها حشدت نفسها وسألت أمها بجرأة : هل سألك عني ؟ فردت أمها :
    -لقد كانت القرية كلها هناك يلتفون حوله وكان ينظر حوله ويتطاول بعنقه باحثاً بعيونه عن شخص ما , وما أن رأني أدخل حتى تهللت أساريره وشق الجمع متقدما نحوي وعيونه تبحث خلفي , كانت عيناه متجهةً نحو الباب وكأنه يتوقع دخول شخص معي وحينما تقابلنا وجهاً لوجه سلم عليّ بحراره وهو مازال ينظر نحو الباب وحينما تيقن إني وحدي رأيت الخيبة ترتسم على وجهه وعيناه مازالتا
    تبحثان يميناً وشمالاً … لقد حدق فيَ طويلاً وعيناه تقولان كلاماً كثيراً حتى إن والدته لاحظت ذلك . صمتت المرأة قليلا ثم سألت إبنتها :
    -والأن قولي لي كيف حدث هذا وقد غادر وأنت …. ثم صمتت لفترة وسألتها مرة أخرى :
    -هل إتفقتما على ذلك منذ الطفولة ؟

    تذكرت أن أمها لم تضغط عليها لتجيب بل قالت :
    -يقولون أنه عاد بمالاً كثيراً , وقد صار وسيماً كأبناء المدن الكبيرة .
    ثم أحتضنتها وهي تقول :
    -الأن فقط بدأت أفهم كل شيء , كيف فاتني أن ألحظ ذلك منذ زمن بعيد ؟ كيف وهي نفس القصة تتكرر ثم سمعت صوت أمها ضعيفاً واهناً كالحشرجة وهي تضيف :
    -ما أشبه الليلة بالبارحة ولكن ليت النهاية تكون مختلفة .
    تذكرت أنها رفعت رأسها من صدر أمها ونظرت إلي وجهها فرأت دمعتان كبيرتان تنحدران من عيناها ثم لم يلبث شلال الدموع أن إنهمر سائلاً عبر مضايق الشلوخ في الخدين بغير توقف فسألتها بجزع :
    -أمي ماذا حدث ؟ ماذا تعنين بقولك ؟
    ولكن أمها لم تجبها على سؤالها بل رفعت يديها نحو السماء ودعت لها كثيراً وطلبت من ربها أن يهب السعادة لبنتها الوحيدة ويحقق لها ماتتمناه .
    ولم تسأل أمها مرةً أخرى وحاولت أن تفهم على طريقتها .
    تذكرت أنها لم تنم ليلتها تلك وخُيل إليها أن الصبح لن ياتي أبداً , رغم تعودتها على الأرق إلا أن طعمه كان مختلفاً هذه المرة , وتذكرت تلك الليلة الغامضة التي قضاها النبي يونس في بطن الحوت في أعماق اليم فأخذت تدعو ربها طيلة الليل أن يجعل مصطفى من نصيبها .
    تذكرت محاولات أمها لأخذها للسلام عليه ورفضها لأسباب بدلت لها منطقية وإن لم تقنع أمها كلياً .
    تذكرت أن مصطفى بعث لها مع أخته التي صار عمرها سبعة أعوام ونصف بورقة صغيرة مازالت تحتفظ بها , كلمات قليلة تقول : لقد كان الواجب يحتم على من كانت تقاسمني الدرجات والترتيب أن تأتي لتُسلم على فإن لم يكن بحق هذا فبحق الرحم الذي آوانا ... رحم هذه القرية التي آتى كل أهلها الطيبون لآداء الواجب معنا . أنا سأتي تدفعني مشاعر نبيلة ومقدسة للسلام على زميلتي الطيبة زينب الإمام . ولم يقل كيف ومتى , وارتاحت في أعماقها لكلماته الحذره , فما زال مهذباً يتكلم كأخ فقالت في نفسها : معه حق فهو قد يظن إنني لا أهتم لإمره
    تذكرت أن مصطفى قام في اليوم التالي برفقة والده بزيارة معظم بيوت القرية يوزع الهدايا الصغيرة حتى وصل أخيراً إلي بيتهم , وقد قال لها فيما بعد أنه لجأ إلي هذه الحيلة لأنه لم يكن يعلم حقيقة مشاعرها وحتى يقطع الطريق على أي شك أو خاطر قد يراود أهلها آو أهل القرية .
    تذكرت حينما دخل دارهم برفقة والده وقد كان والدها غائباً , فقط أمها وأخاها , كاد أن يُغمى عليها حينما وضع يده في يدها مصافحاً وهو ينظر إليها بلهفة : نفس المس الكهربائي القديم .
    تذكرت أن الله وقف معها فأنزل السكينة على قلبها ولم يلاحظ أحد من أمرها شيئا.
    تذكرت أنها تمنت لو كانت مثله تلبس نظارة سوداء داكنة لتشبع نفسها من النظر إليه كما يفعل وهو يجلس في مواجهتها .
    تذكرت سؤال أخيها له : أين كنت يا مصطفى كل هذه السنوات ؟ فابتسم وقال : السؤال التقليدي الذي يسأله الجميع .
    تذكرت والده حينما قال وهو ينظر إليها بإمعان وكأنه يوجه حديثه إليها وليس لأخيها صاحب السؤال :
    -لقد حكى لي مصطفى عن كل شيء , وقد سامحته وغفرت له . ثم أردف وهو يهز رأسه مؤكدا :
    -لقد كان محقاً ... يكفي أنه عاد رجلاً وقد إستحق عفوي عنه ... والآن دعونا ننظر إلي الأمام فقط .
    تذكرت أنها وفي تلك اللحظة فقط وجدت نفسها التي كانت تائهةً عنها لأكثر من خمسة أعوام .
    وتذكرت أيضاً أن أمها ألتقطت المعنى الخفي لكلام حاج الماحي فقالت :
    -لابد أن مصطفى تعب كثيراً في غربته التي أخذته صغيراً , وكل من سعى وشقى سيكون الله عونا له في الوصول إلي هدفه الذي خاطر من أجله .
    فنزل كلام الأُم عليها وعلى مصطفى وأباه برداً وسلاماً .
    تذكرت عودتها للحياة مجدداً وإندامجها فيها بكل مرح وعنفوان .
    تذكرت العرف الظالم الذي فرض نفسه كما يحدث دائماً في كل خطبه ومشروع زواج فقد قال والدها لحاج الماحي الذي طلبها لإبنه : دعني أشاور أخوتي . فرد حاج الماحي : ولكن أبناء إخوتك متزوجون . فذكره أباها قائلا :لابد من مشورتهم , ثم أن إبراهيم أبن أخي المغترب منذ سبعة أعوام غير متزوج ... صحيح أنه لم يتحدث بشأنها ولكن الواجب يحتم علينا أن نستشيره .
    قال حاج الماحي :
    -أرجو المعذرة فقد أصبحت كثير النسيان .. أرجوأن يتم ذلك سريعاً.
    تذكرت أن أباها ربت على كتف حاج الماحي وقال له :
    -ثق أن البنت لمصطفى لو رفضها أبن عمها وسآتيك بالخبر اليقين بعد يومين .
    تذكرت ثورة أمها العارمة ... الثورة الوحيدة التي قامت بها والتي كادت أن تعصف بالبيت الهادئ وتزلزل أركانه ولكن الأب لم يتزحزح عن موقفه رافضاً الخروج عن قانون القوم والعرف السائد بينهم منذ الأزل مذكراً زوجته بأن زواجها منه قد تم طبقاً لهذا القانون .
    تذكرت القدر العاصف الذي قذف بأبن العم إلي القرية فجأة ودون ودن سابق وعد وفي نفس ذلك المساء الحزين والثورة في المنزل في أوج عنفوانها وكأن الشيطان هو الذي رتب كل شيء .
    تذكرت أن أمها قالت بذهول حين سمعت بعودته المفاجئة : لقد كان هناك أمل لو تحدثوا معه بالتلفون , أما قد حضر فلن يرفضها إذا رآها ... ليته يعمى قبل أن يراها . وقد حدث ما توقعته الأُم ,, وكعروس النيل التي تقدم قرباناً له في كل عام
    وتساق إلي حتفها رغماً عنها سيقت هي إلي الزواج من أبن عمها رغماً عنها وعن أمها وأخاها وانتصر العرف الظالم كما هي العادة دائماً .
    تذكرت مراسم زواجها والذي أطلق عليه أهل القرية الفرح الحزين , فقد كانت معادلة الفرح مختلة تماماً فأحد طرفي هذه المعادلة : هي وأمها وأباها وأخاها لم يبد عليهم ما يشي بفرحهم , فهي كانت واجمة فاغرة فاها تنظر حولها بذهول وبدا عليها أنها أُصيبت بالبله والخرس , وأمها كانت تجاهد بكل ما أوتيت من قوة لتطرد من وجهها العبوس والغيظ الذي لم يعد كظيماً ولم تستطع إلي ذلك سبيلا فهمست في أذنها : أما وقد وقعت الفاس في الراس فلا مفر من الأمر قبول الواقع , ابحثي عن الجانب الطيب في زوجك ولا تكدري عيشه .
    أخاها الوحيد وصديق عمرها والذي كان يحنو ويشفق عليها اكثر من نفسه بدا متوتراً هو الآخر ويتحرك بعصبية ويؤدي واجبه على مضض ، حتى اباها كان يجلس كالتمثال وقد خلا وجهه من أي تعبير وكان يتحاشى المرور امام زوجته , ولو حدث ذلك فهو يشيح بوجهه الي الناحية الاخرى.
    اهل القرية انطلقت ألسنتهم في حفل الزفاف بالمقارنة بينها وبين زوجها الأصلع الذي يكبرها بإثنين وعشرون عاماً , ولأن الشيء يظهر حسنه الضد فقد بدت المفارقة صارخةً وتبعث على الحزن والأسى فرثوا الجمال والشباب والادب والاخلاق .
    تذكرت ان حقده عليها ولد في لحظة المراسم المتناقضة هذه حينما ألغي رحلة شهر العسل الي العاصمة واصر على الدخول بها في تلك الليلة لياخذها بعد ذلك فورا الي حيث يعمل الان هنا وهي بالكاد تستطيع المشي .
    تذكرت دخوله بها في الغرفة الشرقية التي جهزت لهما في بيت عمها .. لم يهدئ من روعها ولم يقم بتهيئتها بل اغتصبها بوحشية غير عابئاً بصراخها ولا بنزيفها الذي اسعد اهله كثيراً .
    تذكرت قدومها معه قبل سبعة اشهر واطراف الكلام الذي وصل مسامعها عن طبعه السيء وجنونه الذي ساقه الي السجن اكثر من مرة .
    تذكرت الشهور السبعة التي عاشتها معه يوما يوما والتي بدت كمئتين وعشرة عاما من الذل والهوان الذي كانت تتجرعه على يديه .
    تذكرت اللقاءات الزوجية التي كانت تتم بينهما والتي كانت تنتهي دائماً نهاية مفجعة ، فهو ظل وعلى مدى الشهور السبعة الماضية يتبع نفس الأسلوب والطريقة اللتان اتبعهما معها يوم دخلتها وكأنه ينتقم منها فشعرت بالغثيان .
    تذكرت ماحدث في الليلة السابقة ... أي قيل أربعة وعشرون ساعة فقط حينما دخل عليها الغرفة يتطوح من السكر وعندما رفضت الإستجابة متعللة بآلام ببطنها وغثيان يجعل رأسها يدور استشاط غضباً وإتهمها بممارسة السحاق مع صديقتها الجميلة نادية فجن جنونها ودفعته بيديها قائلة للمرة الألف : طلقني .
    فأشار إلى بطنها وقال ببرود : قبل أن تطلبي الطلاق مرة أخرى تذكري أن مصيرك إرتبط بي إلى الأبد . ثم أردف : قد أتزوج عليك ولكني لن أطلقك أبداً .
    تذكرت ان فكرة التخلص من الجنين إنبثقت في ذهنها في تلك اللحظة فقالت له : ابنك لن تراه ولو لم تطلقني بالحسنى فسأخبر ابي واخي بتصرفاتك الشاذة وافعالك المشينة التي تحاول ممارستها معي .
    تذكرت ان الخوف اطل من عينيه وارتخى قضيبه نحو الارض وقال بقلق :
    -انت لن تفعلي ذلك يا زينب . فردت عليه بتحد :
    -بل سافعل ان لم تطلقني . فقال لها وقد استبد به الغضب فجاة :
    -منذ اليوم لن تخرجي من هذه الشقة ابدا سأغلقها عليك بالمفتاح , ولو اضطررت لقتلك سأفعل .
    تذكرت كل ذلك فصارت تغلي كالمرجل ولاول مرة يعتريها شعورً عارم بالحقد وتتملكها رغبة جامحة ومجنونة في الانتقام وايقنت انها وصلت حافة الهاوية فقررت ان تهوي ومعها جميع ظالميها لتسلبهم طعم الحياة ويعيشوا في الندم ما بقي لهم من عمر وقررت ان تبدأ بزوجها أولا وتحرمه من هذا الابن الذي ينتظره بلهفه , فاحتوت بطنها بيدها وهي تبكي بحرقة وتتوسل الي ابنها الذي يعيش في احشائها ان يسامحها ويغفر لها , واخذت تهدهد في بطنها كما لو كانت تحمل طفلا وهي تقول : لنعش هذه الليلة لبعض وان غدا لناظره قريب .
                  

04-26-2008, 09:24 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    (2)
    في الصالون لم يتبدل المنظر كثيراً ... فهذا يغني وهو يحتضن الطاولة الصغيرة كإيقاع , وآخر يحاول ان يحكي نكتة بغير جدوى , وإثنان يتناقشان في موضوع قد تناقشا فيه الف مرة , واخر طغت كل عقده على سطح تفكيره فنفرت عروقه وصار متأهباً تماماً للشجار والعراك فراح يتربص بعيونه وبكل ما تبقى له من حواس محاولا إقتناص أي كلمة او حركة ليجعلها مدخلا لمعركة لا تبقى ولا تذر . وفي هذه الاثناء قرع الباب والجرس معاً .. قرعاً متواصلاً ينبئ بأن خلف الباب مباشرة تكمن مشكلة .. أوجس الزوج خيفةً وصمت الجميع وطار الخمر والحشيش من رؤوسهم . الزوجة من الداخل خمنت ما سيحدث فلبست عباءتها بسرعة وهرولت نحو الباب فوجدت زوجها قد سبقها اليه فأمسكت به قبل ان يفتح ورجته ان يدخل الصالون ويغلقه عليهم ويدعها تتصرف فقد يكون جارهم قد استدعى الشرطة ونفذ تهديده – هكذا قالت الزوجة – كاد الزوج ان يفعل ولكنه تذكر ان اصدقائه سوف يوصمونه بعدم الرجولة ويشيعون عنه انه تستر خلف زوجته وتركها تتصدى للشرطة فنهرها بعنف وامرها بالدخول لتتركه يتصرف فهو الرجل وليست هي , وامام القرع المتواصل انسحبت الزوجة وهي تتمنى ان لا يأخذوه لتشمت فيه الشماتة الكبرى غدا حينما تسقط له إبنه وترى الانكسار في عينيه . فتح الزوج الباب ليجد جاره الذي يسكن تحته مباشرةً ومعه إبنه البكر يرتجفان من الغضب , حاول الزوج ان يهدئ من غضب جاره ولكن لم يهدأ واخذ يعنف الزوج قائلا :
    -انت لست رجلاً ولا تقيم وزناً لشرفك وعرضك .. الا تخاف على زوجتك من هؤلاء الصعاليك الذين تأتي بهم , حتى نحن الغرباء عنكم خفنا عليها من التشرد والضياع لو سجنت لذلك صبرنا عليك ولم نبلغ عنك .
    غلت الدماء في عروق الزوج وكاد ان يطبق على رقبة جاره ولكنه صمت ولم ينبس ببنت شفه , كما ان شلة الانس في الصالون تكدست خلف الباب تتسمع وقد كتموا الانفاس , وحده ذو العروق النافرة وجد ضالته فاندفع خارجاً وواجه صاحب المنزل قائلا :
    -كيف يشتمك ويشتم ضيوفك وتصبر عليه ؟!
    ثم اضاف بغضب شديد وهو يلوح بقبضته في الهواء :
    -نحن احرار , وطالما ان حريتنا لم تتعد هذه الجدران فليس لاحد الحق بالتدخل في شئوننا .
    الجار خمن من هيئة الرجل وعيونه المحمرة وعروقه النافره انه خرج ينوي العراك فلم يدع الفرصة للزوج ليرد بل سارع يقول وهو يهم بالإنسحاب :
    -هذه اخر ليلة لك في هذه العمارة , وغدا يجب ان ترحل الي سكن اخر .
    ثم اضاف بحزم :
    -من الافضل ان تفعل ذلك بنفسك . وسحب ابنه نازلاً الي شقته وشتائم ذو العروق النافرة تلاحقه .
    نظر صاحب المنزل الي صديقه شذرا ولم يتكلم معه لانه يعلم ان صديقه هذا ما ان يسكر وتتفر عروقه هكذا حتى يتحول الي شخص اخر تماما لذلك آثر السلامة وسحبه بهدوء الي الصالون وقال وقد بدا أنه استعاد وعيه :
    -اسمعوا هذا الرجل لن يفوتها وخيراً لكم ولي ان تذهبوا .
    صرخ ذو العروق النافره :
    -هل تطردنا من بيتك ؟!
    قال صاحب البيت وقد نفذ صبره :
    -انا لا اطردكم ولكني اؤمنكم واؤمن نفسي , فالرجل سيستدعي الشرطة لامحاله.
    قال ذو العروق :
    -ومنذ متي كنت تخاف الشركة ياصاحب السوابق !!
    احد الذين طاردت سكرتهم من الشلة توقع ان الامر سيتطور الي عراك فوقف بين الاثنين وقال لذو العروق النافره الرجل له الان زوجة وإبن في بطنها يخاف عليهما فهيا بنا ودعه يتخلص من آثار القعدة هذه .
    ولكن ذو العروق النافره إنفلت خارجا وهو يصيح :
    -الرجل معه حق , انتم نساء وليس بينكم رجلا , انا سأنتقم لنفسي
    وهرول باتجاه الباب , وقبل أن ينزل الدرجة الاولى من السلم امسك به ابراهيم صاحب الشقة وهو يقول :
    -تعقل يارجل , ماذا ستفعل ؟
    صاح ذو العروق النافره :
    -ساذهب اليه هذا الذي يظن ان حواء لم تنجب مثله .
    وتملص منه نازلا السلم وابراهيم وباقي الشلة المخمورين يهرولون خلفه نزولا وهم يتوسلون اليه ان يهدأ ويصعد معهم فحدثت جلبة عظيمة ضاعفت الجدران الملساء من صداها , ولم يستطع احد الامساك به الا بعد ان وصل الي باب شقة الرجل وكان قد ضغط على الجرس فعلاً فحاول اصدقائه اخذه سريعا قبل ان يفتح الرجل ولكن ذو العروق النافرة كان قوي البنية وهياجه زاده قوة مما ضاعف من الضجة والجلبة ففتح باب الشقة المقابل يستطلع صاحبها الامر فزكمت انفه رائحة الخمر المنبعثة مع الانفاس اللاهثة وذهل للمنظر الذي رأه فاغلق بابه عليه واتصل بالشرطة فورا.
    اما في الشقة المقابلة – شقة الرجل المقصود – فكان المنظر مختلفا : الرجل وزوجته وابنائه الثلاثة خلف الباب لا يصدقون ما يسمعون فلم يجد الرجل بداً من الاتصال بالشرطة هو الاخر .
    وصلت الشرطة بأسرع مما كان متصورا وكأنها كانت تنتظر اسفل العمارة ووضعت القيود في ايدي شلة الانس التي أبدت بعض المقاومة فانهال عليهم رجال الشرطة ضرباً ولكماً امام الجيران والزوجة تراقب ما يحدث من اعلى السلم وكأنها تطل على عالم اخر . صعدت الشرطة الي الشقة واخذوا الخمر واعقاب السجائر المحشوة بالحشيش . وقبل ان يغادروا غادرت الزوجة الحامل الوعي فتهاوت على الارض وسط ذهول الجيران المشفقين على حالها .
                  

04-26-2008, 09:31 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    (3)
    في المستشفى فتحت الزوجة عينيها لتجد حشد من بنات وطنها , اكثرهن زوجات تعيسات مثلها ولكنهن ابتكرن وسائل غريبة للانتقام من ازواجهن , فسمية مثلا كانت كلما ضربها زوجها تفتح باب منزلها وتلتقط اول عابر سبيل لتمارس معه الجنس بلا مقابل , وسعاد التي كانت تستعمل كل وسائل منع الحمل اشاعت ان زوجها عنين , واميره كانت تأكل البصل والثوم كل ليلة وتلبس اقذر ملابسها الداخلية , ولمياء كانت تهب كل ليلة بعد ان تتاكد ان زوجها غرق في النوم حتى اذنيه وتصرخ بأعلى صوتها مدعيةً ان كابوساً مخيفاً يهاجمها كل ليلة حتى نجحت في لفظه الي الغرفة الاخرى . الازواج بدورهم امعنوا في اذلال زوجاتهم ووجدوا كفايتهم ومتعتهم في هذا الاذلال وخيبوا ظنهن ولم يسرحوهن .
    انحنت ناديا – اقربهن الي قلبها – وقبلتها على جبينها وهي تقول :
    -مبروك يا زينب .. ولد
    ولكن زينب اشاحت بوجهها الي الحائط . النساء نظرن الي بعضهن البعض وارتسمت على وجوههن تعابير حزينة . دنت منها اكبرهن سناً واكثرهن حكمة وقالت :
    -حمدا لله على سلامتك يا زينب , لقد اجتزت مرحلة حرجة والاطباء بذلوا جهداً خارقاً .
    ولما لم تتلق ردا من زينب اردفت وهي تدنو منها اكثر :
    -ان الله ارسل لك هذا الولد قبل أوانه ليعوضك به , انه يفوق ابن التسعة حجماً وحيوية , اسأل الله ان يقر به عينك.

    ألتفتت زينب ووجهها مبللاً بالدموع وسألت
    -أين هو ؟
    جلست المرأة بجانبها ومسحت لها الدموع وهي تقول :
    -اخذته الممرضة لتغسله , ارجوك لا تبكي فصحتك لا تحتمل .
    قالت سمية :
    -هذا الولد سيكون سبباً في هداية اباه حينما يخرج من السجن .
    ثم استدركت وهي تتحاشى نظرات التوبيخ من أعين النساء :
    -سامحيني يا زينب فكلنا في الهم سواء .
    النساء بدورهن تبارين فيما بينهن لا ستضافة زينب . كل واحدة تصر عليها ان تذهب معها ولكن زينب اصرت ان تمكث بشقتها ما تبقى لها من ايام لحين وصول اخاها لأخذها , واغلقت باب النقاش قائلة بحزم :
    -لي من النقود والمصاغ ما يكفيني ثمنه حتى يحضر اخي وناديا ستكون معي .
    ولأن النساء يعلمن ان ناديا وزينب المتقاربتين في العمر تربطهما علاقة حميمة وان زوج ناديا ليس الإ ظلا لها تأمره فيطيع من غير نقاش وكأنه خاتماً في اصبعها فقد امتثلين لرغبة زينب .
    خرجت زينب من المستشفى وذهبت الي شقتها تحمل وليدها الذي يشبهها كثيرا وروح الانتقام ما زالت تعشش فيها , ومع كل يوم يمضي كانت نار الحقد تزداد اواراً والرغبة في الانتقام تستعير وتتأجج داخلها وناديا وزوجها يرقبانها والحسرة عليها تأكلهما أكلا فقال لها على زوج ناديا :
    -لقد اوكلت له محاميا كبيرا وهناك بعض الامل ولكن الأمر يحتاج وقتاً .
    ثم اردف :
    -يريد أن يرى أبنه
    ردت زينب بحدة :
    -ليس ابنه
    ولكن الرجل قال :
    -انه في ورطة حقيقة ورؤية ابنه ستخفف عنه كثيراُ
    ردت زينب بعصبية وقد استقرت الفكرة في ذهنها تماماً
    -قلت لك ليس إبنه , إنه إبن رجل اخر .
    كادت عينا الرجل تخرجا من محاجرهما وهو يقول
    -إبن رجل اخر !!!
    ناديا التي سيطرت على ذهولها سحبت زوجها خارج الغرفة وهي تقول له :
    -أنها تكيد , دعنا لوحدنا .
    وعادت لتواجه زينب قائلة :
    -زينب لا تدعى الرغبة في الانتقام تعميك .
    -انها الحقيقة , اباه بالسودان .
    فقالت ناديا :
    لا يا زينب , انها ليست الحقيقة , أنت ملاك ولا يمكن ان تفعلي ذلك .
    فابتسمت زينب بمراره وهي تقول :
    -في داخل كل منا شيطان .
    فتوسلت ناديا .
    -فكري في طريقة اخرى , اعطينا رقم تلفون اخوك لنتصل به , إعطني الرقم يا زينب وهو سياتي ويخلصك منه .
    -لم يحن الوقت بعد لاخباره .
    قالت ناديا والدموع تترقرق في عينيها
    -ارجوك يا زينب لاتسيئ الي نفسك وتطلخي سمعتك الطاهرة بيديك .
    فلم تزد زينب على ان قالت :
    -ان الشاة لا يضرها سلخها بعد ذبحها . لاتناقشيني في الامر بعد ذلك .
    خارج الغرفة كان على زوج ناديا يضع اذنه على الباب متصنتا وفجأة تعثر الي الداخل وكاد ان يقع حينما فتحت ناديا الباب فجأة فأمسكت به من تلابيبه وهي تقول بغيظ :
    -متى تتخلص من عادتك الذميمة هذه ؟
    ثم نظرت اليه شذرا وهي تقول بلهجة كلها تهديد ووعيد
    -انت لم تسمع شيئا .. لاداخل هذه الغرفة ولا حينما كنت تتنصت خلف بابها أليس كذلك ؟
    رد زوجها بوجل :
    -بالطبع لم اسمع , فليس كل ما يقال يسمع .
    جذبته ناديا وهي تقول :
    -بل ليس كل ما يسمع يقال , تذكر هذا جيداً .
    فجأة وقفت زينب وقالت :
    -أنا الان ليس لي غيركما ولي طلب وحيد , وقد يكون الاخير .
    قال زوج ناديا :
    -اطلبي يا زينب فأنت اختي وصديقة زوجتي .
    قالت زينب :
    -اقسم لي بأنك ستنفذه .
    كاد الزوج أن يقسم ولكن زوجته سارعت قائلة :
    -ليس قبل ان نعرف ما هو .
    قالت زينب :
    -ارجوك يا ناديا , إنه طلبي الاخير .. رغبتي الاخيره قبل ان اغادر .
    فقالت ناديا :
    -تريدين منه ان يخبر زوجك اليس كذلك ؟
    فردت زينب :
    -أرجوك ان تسمحي له .
    ولكن ناديا رفضت ان يحمل زوجها بذور الانتقام ليزرعها في نفس هي مهيأة اصلاً لاحتضان مثل هذا النوع من البذور المدمرة . وامام بكاء زينب المتواصل وتوسلاتها وتهديدها باالانتحار لم يجد الزوجان بدا من الرضوخ لرغبتها .



    يتبع
                  

05-01-2008, 08:46 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    (4)
    في السجن كاد ابراهيم ان يقتلع الحديد المشبك الفاصل بينه وبين على زوج ناديا وهو يقول بذهول :
    -ماذا تقول .. هل جننت ؟
    ولكن على قال :
    -لست انا الذي اقول ولكني انقل لك ما سمعته من الاخرين .
    قال ابراهيم بعصبية :
    -من هم الاخرون ؟
    -الجميع يتهامسون بذلك .
    -وكيف عرفوا ؟
    -في المستشفى .. قبل ان تخرج بثلاثة ايام كانت نائمة نهاراً بعد ان حقنوها بمهدئ واثناء نومها قالت ذلك .
    بلع على ريقه ثم واصل ،
    -قالته بصيغة اعتذارية ولهجة نادمة وكان يبدو انها تخاطبك انت .
    سأل ابراهيم وهو لا يصدق ما يسمع :
    -وناديا هل سألتها , هل تأكدت من صحة هذا الكلام ؟
    -لو لا الملامة ما تركتها تعيش معها يوماً واحداً ولكن الظروف هي التي .......
    قاطعه ابراهيم وهو يصرخ :
    -اجبني هل سألتها ناديا وماذا قالت لها ؟
    -سألتها ولم تنكر , ثم أن الولد ليس ابن سبعه , حجمه وشكله يقول ذلك وعموماً هو لا يشبهك لا من قريب أو من بعيد .. انا استغرب كيف تزوجتها وهي حامل بشهرين ولم تكتشف ذلك , ثم كيف فاتك ان تكتشف ان البكارة اصطناعية وانت الخبير هي هذه الامور , قبح الله القابلات وسود وجوههن .
    تهالك ابراهيم على الارض المبطلة وهو يمسك رأسه بكلتا يديه ويتمتم بكلام غير مفهوم , فنظر اليه على وهو يقول في سره : لقد نسى ما هتك من أعراض . وغادر السجن وهو يردد ( فذوقوا العذاب بما كنتم تفعلون )
    بعدها بأسبوع طلبت زينب بإلحاح من زوج صديقتها ان يذهب بها لزيارة زوجها ورغم ذهول الرجل فقد وافق فورا وناديا التي كانت تراقب ما يحدث بصمت حزين تركت صديقتها تذهب في انتقامها لاخر مدى وبدت صامته وهي بجوارها في السيارة تراقب مداعبتها لابنها الرضيع ولأول مرة تحس بأن صديقتها تبدو في احسن حالاتها المعنوية .
    في صالة الزيارة المفصولة الي جزأين بحديد مشبك وقف الثلاثة في انتظار ابراهيم : ناديا وزوجها يبدو عليهما الارتباك الشديد وزينب الامام في قمة تألقها واناقتها وعطرها الانثوي الفواح يتضوع حولها وصغيرها يغمغم بسعادة في حضنها الدافئ . قالت ناديا لزينب :
    -سوف ننتظرك بالسيارة , تصرفي بحكمة وعودي الي صوابك وحاولي ان تصلحي الامر .
    وسحبت زوجها وخرجا .
    حضر ابراهيم يجر رجليه من الإعياء وقد بدا عليه الشحوب ونقص وزنه بصورة ملفتة للنظر وبرزت عظام وجهه . وما أن رأى زوجته والصغير الذي تحمله حتى تغير شكله وانفجرت بداخله براكين الجحيم وهم بالرجوع من حيث أتى ولكنه سيطر على نفسه بصعوبة بالغة ووقف امامها على الجانب الاخر وانفاسه تتلاحق نظر إليها والي طفلها طويلا فرآها لاول مرة في حياته سعيدة تطفح ملامحها بالبشر والسرور ويجري ماء الحياء في خديها فقال في سره . هذه حالة لا تصل إليها المرأة ان لم يكن بحضرتها رجل يعرف كيف يوصلها الي مثل هذا المزاج العالي . خمنت ما يدور برأسه فازدادت سعادتها وهي تقول :
    -ألست سعيداً لرؤيتي يا ابراهيم ؟
    لم يرد عليها بل أخذ يتفرس في الصغير وهو يغلي من الحقد فقالت :
    -وابنك .. ألست سعيد لرؤيته ؟
    ورفعته امام وجهه وهي تقول :
    -انظر اليه إنه يشبهني اليس كذلك ؟
    قال ابراهيم وهو يضغط على الحروف
    -ابن من هذا يا زينب ؟
    افتلعت الارتباك الشديد وهي تتلعثم
    -سيكون ابن من ؟ هل تتهمني ؟
    صرخ ابراهيم :
    -انا الذي أسألك : إبن من هذا ؟
    اجادت زينب الدور تماما وهي تقول بتوسل :
    -ارجوك اهدأ ياابراهيم ولا تفضحني , الجنود خلفك يسمعون .
    قال ابراهيم وهو يصر بأسنانه من الألم :
    -اذا اخبريني الحقيقة .
    -لا استطيع , بعد ان تخرج سالما سأخبرك بكل شيء .
    ولكن ابراهيم اصر ان يعرف الآن وقال ودموعه قد اختلطت بمخاط انفه :
    -إبن من هذا ياإبنة عمي ؟
    -لا أعرف .. صدقني لا أعرف .
    قال الرجل بذهول شديد :
    -كيف لا تعرفين أباه وأنت امه ؟!
    -لان الذين عاشروني في تلك الفترة كثيرون .. كثيرون جداً من القرية والقرى الاخرى المجاورة وفجأة وجدت نفسي حاملاً.
    إستدار ابراهيم الي الخلف ووضع يده علي جبينه وحينما واجهها مرة اخرى رأت الدم ينزف من شفته السفلى فقالت :
    -ذهبت الي قرية اخرى بعيدة من الجانب الآخر من النيل , الي قابلة لا تعرفني وقد قالت لي ان إنزاله مستحيل فأجريت عندها عملية رتق , وحينما تقدم الي مصطفى فرحت وشعرت ان الله قبل توبتي فأرسل الي شاب صغير قليل الخبرة لن يكتشف أمري .
    تذكر ابراهيم وجومها ووجوم امها ليلة الزفاف فقال :
    -ولماذا تزوجتني اذا ؟!
    -لقد رفضتك وانت تعلم ذلك .. رفضتك لا لسبب الا لأنك ابن عمي ولا اريد لعاري ان يلحق بك وقد تزوجتني رغماً عني ولم يكن من الممكن ان اخبرك, ووطنت نفسي ان اخلص لك .. اسقط الجنين واحافظ على عرضك وشرفك ولكن معاملتك السيئة جعلتني اعود رغماً عني الي سلوكي السيئ .. انت السبب .
    قال الرجل وهو يترنح من هول الضربات النازلة على رأسه :
    -ماذا تعنين ؟ هل فعلتيها بعد الزواج ؟!
    نكست زينب رأسها الي الارض ولم ترد فصرخ الزوج المفجوع
    -مع من خنتني ؟ اخبريني ؟
    -مع كل اصدقائك ومع غالبية سكان العمارة .. طلقني الآن فورا .
    أخذ الرجل يهز الحديد بعنف وهو يقول :
    -سوف اقتلك أيتها العاهرة يوم خروجي من هنا سيكون آخر يوم في حياتك وحياة إبن الحرام هذا .
    بصقت زينب في وجهه وهي تقول :
    -الصمت أيها القذر , انت لن تخرج من هنا الا الي القبر , ولأنني اعلم ان اجلك قد دنا فقد اتيت لأعترف لك واريح ضميري لأنك ستخرج من هذا السجن جيفةً محمولة في محفة الي مشرحة المستشفى ومن هناك الي المقابر رأساً . لقد رأيت كل هذا في منامي يتكرر كلي ليلة منذ ان سجنت .
    صاح الرجل :
    -انت نجسة وقذرة .
    ضحكت زينب بسعادة وهي تقول :
    -ولكن احلامي دائما ما تتحقق , خاصة فيما يتعلق بالموت وانت تعلم كم مرة حدث ذلك .
    ثم تراجعت خطوة الي الخلف ورفعت إبنها تمده الي الامام قليلاُ وهي تقول :
    -انظر.. انه ليس ابنك ولكنه يحمل اسمك .
    ثم احتضنته واستدارت خارجة وهي تخطر بدلال وتتعمد هز اردافها فجن جنون الزوج وطار آخر مابقي له من صواب فأمسك بالحديد يهزه بعنف ويضرب به رأسه وهو يصيح بأعلى صوته :
    -سوف اخرج لك .. سأقتلك .
    فالتفتت لترى بعض من جنود السجن يطبقون عليه فأنسحبت بهدوء .
                  

05-01-2008, 09:04 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    (5)
    توقفت السيارة امام العمارة فطلبت زينب من صديقتها وزوجها او يذهبا ويدعاها وحدها . إمتثلت ناديا لرغبة صديقتها وقالت لها :
    -سآتي في المساء .
    -حسنا , خذي المفتاح فالآخر معي .
    وناولتها المفتاح ونزلت .
    اغلقت زينب باب شقتها عليها وجلست في غرفتها ترضع صغيرها حتى ارتوى ونام في صدرها فوضعته بهدوء على فراشه وقامت لتكتب الرسالة التالية :
    امي الحبيبة خديجة
    اخي الحبيب محمد
    قبل قليل أديت آخر ادواري في الحياة . المشهد الاخير في عمري القصير , أديته بقلب راض واتقان مدهش لذا سأغادر عالمكم بنفس مترعة بالراحة والرضا , بل اني اتلهف لمغادرته الآن وفورا قبل ان يتلاشى هذا الاحساس العظيم الذي يغمرني الآن.
    انا أعلم ان رحيلي سيحزنكم كثيرا ولكن الحزن يطهر النفس , وإن لم تحزنوا اليوم فغداً او بعد غدٍ , الناس يموتون واحبائهم يحزنون عليهم ردحاً من الزمن طال أو قصر فستأخذهم الحياة الي احضانها من جديد وتستمر الايام في دورتها التي قدرها الله . قد تحزنكم طريقة موتي اكثر ولكن تذكروا أن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعاً إلا ذنب الشرك به , وقاتل النفس إرتكب ذنبا يصنف الله عظمته حسب الدوافع لإرتكابه ولكنه ليس كافراً .
    -هكذا يبدو الامر لي على الاقل وانا مقتنعةً به – ابني سيرحل معي لأنني لن اتركه ليعيش حياةً ظالمةً ستكون قاسية عليه تعذب روحي من بعده , ثم إنني بأخذه معي أكون قد ضمنت له الجنة .
    تذكرا أن إبنتكم زينب الامام عاشت شريفة وطاهرة ولم ترتكب في حياتها ذنباً ولم تقترف إثماً الا اتهامها لنفسها بالباطل , أما ما انا مقدمة عليه الآن فهذا شأن الله ,
    وحده الذي يقيم ويحدد } افلا يعلم اذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور * إن ربهم بهم يومئذ لخبير * { صدق الله العظيم .
    ترحما علي وصليا لأجلي كثيرا .
    طوت الورقة ووضعتها في مظروف كتبت عليه إسم أخاها : محمد الإمام , وقامت الي الحمام وغسلت جسدها بالماء والصابون جيدا ثم اغتسلت غسل الجنابة وارتدت ملابس نظيفة وخرجت الي الحوض الخارجي وتوضأت ثم تعطرت بعد ذلك وألتحفت بثوبها وصلت الظهر وبعده ركعتين وقامت بعد ذلك لتضع المظروف في صندوق الرسائل ولتتصل بعد ذلك برقم الهاتف الوحيد في قريتهم . رد عليها الحاج عبد الناصر صاحب البقالة التي يوجد بها التلفون فطلبت منه ان يخبر اباها واخاها ان زوجها موقوف على ذمة اربعة قضايا دفعةً واحدة وانها انجبت غلاماً اسمته محمدا واكدت عليه بأن يخبر اخاها بالحضور فورا فهي على وشك الموت .
    رد الحاج عبد الناصر من الطرف الآخر .
    -لا حول ولا قوة الا بالله , تماسكي يا إبنتي وكوني من الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبةً قالوا انا لله وانا اليه راجعون , ماذا حدث بالضبط ؟
    قالت زينب أنها لا تستطيع الكلام فهي متعبة وتشعر بأن روحها تفارق جسدها . رد الحاج عبد الناصر وصوته يتهدج من التأثر .
    -حسنا , الآن سأذهب لأخبر اباك واخاك بان يذهبا فورا ويتصلا بك فانت تعلمين ان هاتفنا الوحيد محلي والخطوط الدولية لم تصلنا بعد .
    شكرته زينب واغلقت الخط لتتصل بعدها بصديقتها ناديا وتقول لها :
    -ناديا .. مفتاح الشقة معك , معه مفتاح صغير هو مفتاح صندوق الرسائل المعلق يمين باب الشقة , افتحيه ستجدين رسالة هي امانة في عنقك , احتفظي بها لحين حضور اخي محمد وسلميها له يداً بيد .
    قالت ناديا من الطرف الآخر بصوت مرتعض
    -زينب ماذا ستفعلين ؟ انتظري انا قادمة .
    لكن زينب ردت بحزم :
    -لايجدي , الباب مغلق من الداخل بالترباس .
    صرخت ناديا
    -سنحطمه .
    -لا فائدة .. المسافة بعيدة .. الوداع يا ناديا ولا تنسي الرسالة .
    ثم وضعت سماعة الهاتف وحملت إبنها الذي ما زال يغط في نومه واتجهت الي المطبخ واغلقته جيدا ثم فتحت منافذ الغاز جميعا البوتاجاز وجلست على الكرسي وهي تحتضن صغيرها ونطقت بالشهادتين واغمضت عينيها لترى امامها حياتها القصيرة تعرض امامها بكل تفاصيلها وكأنها تشاهدها في شاشة عرض ضخمة فتذكرت فجأة ان موتها مع ابنها سيطفي نار زوجها ويشفي غليله وان حياتها وحياة ابنها موت بطيء له فقررت ان تعيش ليموت هو وحاولت النهوض لتفتح الباب ولكن الاوان قد فات فعزرائيل الذي نزل بأمر إلهي أنجز عمله بسرعة اذهلت زينب الامام نفسها وهي تلفظ بين يديه آخر انفاسها !
    ولكن الدهشة الكبرى كانت فيما حدث بعد ذلك ..!
    فناديا التي نزلت من فورها بعد المكالمة الاخيرة واستقلت اول تاكسي صادفها كانت تتصرف بهستيريا وتحث السائق على الاسراع وهي تقول له : ستموت .. يجب ان ندركها قبل أن تقتل نفسها .. أسرع , أسرع اسفل العمارة وقبل ان تتوقف سيارة التاكسي تماما نزلت ناديا وهي تهرول وتصرخ في السائق :
    -تعال معي , ساعدني ارجوك , يجب ان ندركها قبل ان تموت
    السائق الذي كان يهم بالذهاب الي مركز الشرطة لتقديم بلاغ يفيد بان ثمة امرأة تحاول الانتحار في العمارة رقم اربعة عشر غيًر رأيه في أقل من ثانية وانتقلت اليه عدوى الهستيريا فهرول وراء ناديا مرتقيا السلالم وهو يسألها بهلع : ماذا يحدث يأخت ؟!
    ادخلت ناديا المفتاح في القفل بيد مرتعشة وادارته ولكن الباب كان مغلقا من الداخل فمد السائق يده وضغط على الجرس ولكن ناديا صرخت فيه :
    -ماذا تفعل .. حطم الباب , إنها تموت .. حطم الباب!
    السائق تلفت حوله بخوف وقال بصوت متقطع :
    -إنه متين .. انه عمل غير قانوني .. يجب ابلاغ الشرطة و.................
    وضاع صوته وسط صرخات ناديا التي هب لها غالبية سكان العمارة الذين كانوا يتأهبون لتناول وجبة الغداء وبأمر من الساكن الاسفل للشقة مباشرة وبمبادرة منه تم تحطيم الباب , وما إن انهمر الجمع كالسيل داخل الشقة حتى سمعوا صراخ الطفل آتياً من ناحية المطبخ فاتجهوا جميعا وراء ناديا التي شحنها الخوف والهلع بقوة هائلة كانت كافية لخلع الترباس الداخلي الصغير حينما شحنت نفسها ورمتها على الباب مركزة كل قوتها وثقلها على كتفها الايمن وحينما انفتح الباب كان المنظر غريباً ومخيفاً , كان الطفل يتشبت بثوب امه وهو يصرخ موزعاً نظراته الهلعى والفزعة بين رأس امه المائل قليلا الي الوراء وعيناها الجاحظتين ويداها اللتان تدلتا حتى كادتا أن تلامسا الارض وبين الجمع الذي تسمر من هول المفاجاة , ولم يكن هناك أي اثر لرائحة غاز , بل كان المطبخ الصغير يتضوع بالعطر وتفوح منه رائحة طيبة وزكية , وزينب الامام جثة هامدة وصغيرها يمد يديه بخوف وهلع ناحية ناديا التي تسمرت على بعد خطوتين منه .
    وعد ثلاثة ايام حضر محمد الامام واستلم جثة شقيقته مرفقة بتقرير طبي يفيد بوفاتها نتيجةً لإنفجار في شرايين الدماغ , وقالت له ناديا وهي تسلمه الرسالة المغلقة :
    -في الليلة التي سبقت وفاتها دخلت كعادتي لتجهيز العشاء ولكن اسطوانة الغاز كانت قد فرغت فجهزت عشاءاً من المعلبات التي كانت بالثلاجة وقررت اخبار زوجي في الغد لاستبدالها ولكن احداث اليوم التالي كانت مثيرة وارهقت اعصابي فأنستني أمر الغاز .
    وحكت له احداث اليوم الاخير في حياة شقيقته حتى قالت :
    -لقد كانت تركز كل وعيها وفكرها في الانتقام من ابراهيم حتى انها لم تلاحظ انها شربت شاي الصباح من حفاظ صغير جلبه زوجي من شقتنا فجراً قبل ان تصحو من نومها .
    ثم اردفت والدموع تغطي وجهها الجميل .
    -لقد كانت طيبة , وطاهرة وعفيفة .. كانت ملاكا يشع نورا وقدسية .
    ثم اجهشت في بكاء مرير وطويل .
    وغادر محمد الامام وبصحبته تابوت خشبي ترقد فيه جثة شقيقته الراحلة وطفل نافر لم يكف عن الصياح والبكاء منذ ان اقتلعه اقتلاعا من احضان ناديا .
                  

05-01-2008, 09:17 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    (6)
    منذ ان غادر محمد الامام برفقة الحاج عبد الناصرالي الخرطوم لإنهاء اجراءات سفره لإحضار اخته والابوان يعيشان في حالة تأهب نفسي قصوى إختلط فيها الشعور العارم بالفرحة باحساس دفين بان ابنتهما ليست على ما يرام .
    الحاجة خديجة راوغت هذا الاحساس ومضت في تجهيز الكعك والخبيز والحلوى كما تقضي العادة وانهمكت أيضاً في خياطة المرايل للصغير القادم ونساء القرية يساعدنها بهمة ونشاط .
    أما حاج الامام فقد تغلبه احساس القلق بداخله على شعوره بالفرح فصار يقضي اليوم بأكمله في دكان عبد الناصر انتظاراً لمكالمة ابنه يطمئنه فيها كما أوصاه قبل سفره ,وكان يتلهف في الايام الثلاثة الاولى عودة ابن خالته وصديق عمره عبد الناصر ليعرف منه السبب الحقيقي لقلقه الذي جعله يصر على أخذ محمد الي الخرطوم في نفس اليوم الذي اتصلت فيه زينب وكان في استطاعته ان يزوده فقط بخطاب الي زوج ابنته الضابط بوزارة الداخلية خاصةً وان حاج الامام لم يقتنع برد عبد الناصر الذي قال :
    -البنت صغيرة وقليلة التجارب وهي الآن وحيدة بالغربة فكيف لا اقلق عليها , أنسيت انني عمها !
    حتى حينما سأله : ولماذا قبض على ابراهيم . كان الرد مبهماً أيضا:
    -لا أعلم , لقد قالت لي ان في ذمته اربعة قضايا لم تفصلها لي واغلقت الخط .
    في مطار الخرطوم قال الحاج عبد الناصر لمحمد وهو يودعه :
    -هاتفني فور وصولك وانا لن اغادر الخرطوم حتى تحضر .. لا تمكث هناك اكثرمن يوم , أحضرها وتعال فورا .
    وبعد اربعة ايام وفي نفس المكان كان الحاج عبد الناصر يفرك يديه بعصبية وهو يقول لإبنته وزوجها :
    -مضت ثلاثة ايام وانا اعلم بعودتها ولا استطيع اخبار اباها , هل هذا تصرفا حكيما؟
    فقال زوج ابنته :
    -بل هو عين الحكمة ياعمي , لن نخبرهم الا ونحن متوجهين بالجثمان الي القرية.
    وفي القرية كان حاج الامام يقبع خارج الدكان وقد بدا عليه الاعياء الشديد من السهر وقلة الطعام الذي لا يتناوله الا مكرهاً وبعد الحاح , وحينما رن جرس التلفون هرع الي داخل الدكان ووقف قرب جمال ابن إلحاح عبد الناصر الذي رفع السماعة فسمع على الفور صوت اباه يقول :
    -جمال اعطني عمك حاج الامام
    تناول حاج الامام السماعة بيد مرتعشة وقال بلفة :
    -عبد الناصر هل عاد محمد ؟
    -نعم , لقد حضر قبل قليل .
    -وزينب هل عادت معه ؟
    صمت عبد الناصر ولم يجب فقال حاج الامام بإنفعال :
    -عبد الناصر هل تسمعني ؟
    -نعم اسمعك .
    -قلت لك هل عادت زينب معه ؟
    -عادت ولم تعد !!
    مادت الارض تحت اقدام حاج الامام فقال بصوت مرتعض
    -ماذا تقصد , ماذا حدث لبنتي ؟!
    -اسمعني ياصديقي , انت رجل مؤمن وقد حججت الي بيت الله الحرام ويجب ان تتقبل قضاء الله و............
    ووقعت السماعة من يد حاج الامام وتهاوى على الارض فارتبك جمال ومسك بالسماعة وهو يقول :
    -أبي ماذا حدث ؟!
    -لقد توفيت زينب ونحن عائدون بجثمانها اليوم , لا تترك عمك الإمام ابدا .
    -انه الآن على الارض غائبا عن الوعي !
    -إعتنوا به جيدا.
    -وأمها ؟!
    -صمت حاج عبد الناصر طويلاً وقال بعد تفكير مضن
    -إترك مهمة اخبارها لامك وشدد عليها ان لا تخبرها دفعةً واحدة .
    وضع عبد الناصر السماعة وقال لمحمد :
    -انا اقترح ان تذهب امال بالصغير اولاً فهذا سيخفف كثيرا على امك .
    اومأ محمد موافقا فأمر عبد الناصر إبنته وزوجها قائلا :
    -توكلا على بركة الله .
    وقبل الغروب بقليل وصل جثمان زينب الامام المسجي داخل التابوت الخشبي الموضوع على عربة تايوتا هايلكس مكشوفة ذات كابينة واحده ضمن اضافة للسائق الحاج عبد الناصر ومحمد الامام الذين كانا متلاصقين ،
    ولكن كل منهما كان في عالما مختلفا تماما , فمحمد الامام كان في الماضي البعيد رفقة اخته الراحله , وحاج عبد الناصر كان في المستقبل القريب يتخيل كيف سيكون الحال حينما تتوقف العربة امام منزل الامام .
    وكان الحال كما توقعه عبد الناصر تماما : فالأهالي تجمعوا في الحوش الكبير حتى ضاق بهم فتجمهر بعضهم خارجه وما إن توقفت العربة حتى تدافع الناس ناحيتها وعويل العجائز من النساء يصم الآذان بينما كان الرعب يطل من عيون الصبايا وكان يوماً لم تشهد القرية له مثيلاً واقترن اضافة الي هذا الحدث الجلل بحدثان آخران ان بثا الرعب في القلوب , فقبل ان تغادر الشمس السماء إحمرت إحمرار شديدا وفيه ايضا حدث خسوف للقمر فخرج الاهالي الي الخلاء وهم يحملون صفائح المياه الفارغة واخذوا يضربون عليها بايديهم وعصيهم علً القمر يرضى ويفارق الخسوف وجهه.
                  

05-01-2008, 09:26 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    (7)
    كان محمد الامام يجلس في فناء الدار وحيداً وامامه طاولة صغيرة عليها براد مليء بالقهوة وبعض الفناجين النظيفة وامام ناظريه تسعى شخوص من الماضي قفزت من مخيلته وتمثلت له حية امامه : هاهي اخته زينب تسعى في نظافة الفناء بالمكنسة الطويلة , وهاهي امه ترقبها بحب وحنان , ثم هاهي زينب تجلس تحت شجرة الليمون وامامها عالمها المفضل و الخاص : اكداس من الكتب والمجلات , وهاهو اباه على الحصيرة الكبيرة يتصدر المجلس المكون من اصدقائه المقربين عبد الناصر والماحي والناظر وداعة الله السيد وامام الجامع الشيخ احمد ابو عاقله والعمدة الطاهر الزين . وهاهو ابن اخته محمدو- وهذا هو اسم الدلع الذي اطلقته عليه جدته فالتصق به منذ شهوره الاولى وعرف به بعد ذلك – هاهو يلهو مع اميمه الماحي اخت مصطفى التي تحاول تعليمه المشي , وهاهي امه مرة اخرى ترفع محمدو للاعلى ومحمدو يرفع يديه محاولا قطف ثمرة ليمون والسعادة تطفح من محياهما معا . ثم راى نفسه جالسا مع اباه في نفس هذا المكان قبل احد عشر عاماً حينما دخل عليهما الحاج عبد الناصر وقال بقلق :
    -محمد يجب ان تسافر الآن لتحضر اختك .
    فهب اباه واقفا وقال :
    -ماذا حدث ؟
    فرد عبد الناصر :
    -لقد اتصلت الآن وقالت انها انجبت ولدا وان زوجها في السجن .
    فقال اباه :
    -ابراهيم في السجن .. زينب انجبت ولدا.. اجلس يا عبد الناصر واحكي ماذا حدث .
    جلس عبد الناصر وقال :
    -لم تخبرني اكثر من ذلك , ولكنها شددت علىً اخبر محمد ليحضر فورا ويعود بها .
    ثم اردف :
    -جهز نفسك الآن وانا سوف اذهب معك الي الخرطوم وانهي لك اجراءات السفر.
    وتذكر ان امه حضرت اثناء النقاش وهي تحمل صينية الشاي فبادرها عبد الناصر قائلاً:
    -إبشري يا ام زينب , عندي لك بشرى سارة .
    تهللت اساير امه وقالت :
    -لقد إتصلت زينب .
    فأومأ عبد الناصر براسه وقال :
    -إتصلت .
    -وبما انها اتمت التسعة أشهر فقد انجبت .
    -حسابك سليم , انجبت ولدا اسمته محمد وهي ستعود بعد ايام قليلة .
    وقعت صينية الشاي من يد امه ورفعت يديها الي السماء وهي تقول :
    -بنتي انجبت .. بنتي ستعود .. زينب عائدة .. احمدك يارب وأشكر فضلك
    تذكر انه وقف واسندها قائلا اهداي ياامي .
    فقالت ودموعها تسيل : متى ستعود .. متى ؟
    فقال عبد الناصر :
    -اتصلت بي الساعة وقالت إن زوجها سمح لها بالعودة
    قالت امه بدهشة
    -لماذا لايعود معها ؟!
    فقال عبد الناصر بارتباك واضح
    -هو مشغول باعمال كثيرة وقد وافق على عودتها .
    ثم بلع ريقه وواصل :
    -قد تعود غدا و بعد اسبوع فهذا يتوقف رحلات الطيران ومواعيد الحجز .
    فقال اباه بعد صمت طويل :
    -محمد سيسافر الي الخرطوم لينتظرها بالمطار .
    فقال عبد الناصر على الفور :
    -حظكم عظيماً جداً اليوم لانني ذاهب الي الخرطوم بعد ساعة فإن شئت رافقني
    وتذكر كلام حاج عبد الناصر الذي قاله له في العربة حينما كانا عائدين بجثمان زينب الي القرية فقد قال له :
    -لقد قالت لي بالحرف انها تشعر ان روحها تتسرب من جسدها وانها توشك ان تموت , لقد كان صوتها ضعيفا وواهنا فادركت ان عزرائيل يقف بجانبها لذلك سابقت بك الزمن ولكن حكم الله كان اسرع ثم تذكر تبريره للذين سالوه قائلين : طالما ان المرحومة انجبت قبل اكثر من شهرين وزوجها مسجون لماذا لم تتصل ؟ فقال مبررا : لقد كانت بالمستشفى غائبةً عن الوعي فقد كانت الصدمة اضافة الي ولادتها قيصريا .
    ثم تذكر انن ابن اخته لم يكف عن الصراخ منذ ان انتزعه من صدر ناديا في المطار وهو متوجه الي الطائرة .
    وتذكر ان إمرأةً سوادنية متوسطة العمر كانت تجلس مع زوجها خلفه مباشرة قامت واخذت منه الطفل الذي هدأ ما ان استقر على صدرها فناولها لرضاعة وتفاجا سؤالها : اين امه ؟
    فقال لها : في جنات الخلد باذن الله .
    وتذكر ان ابن اخته تشبت بثوب المرأة ودفن راسه في صدرها حينما حاول اخذه عندما هبطت الطائرة بارض المطار فقالت المرأة : دعه حتى نخرج .
    وفي الخارج تسلمته آمال عبد الناصر .
    وتذكر انه ظل على نفوره هذا وهو يكبر امام عينيه حتى صار عمره الآن احد عشر عاما حاول فيها آلاف المرات ان يتقرب منه ولكنه كان يبتعد بالف حجة وحجة ويحرص ان يعامله كما يعامل جده بادب شديد ولكن من على البعد وببرود قاس , وكان لا يتحدث معهما الا رداً على سؤال من احدهما , وكانت ردود تلغرافية قصيرة لا تتعدى : نعم يا جدي , او لا ياخالي , وهكذا .
    وتذكر ان امه كانت تتالم لعذابه وعذاب ابيه بسبب هذه المعاملة الرسمية فكانت تقول لهما معزية :
    هكذا خلقه الله .. هذا طبعه .. انه خجول .
    وكان يعلم ان امه تعلم انه ليس خجولاً .
    وتذكر انها كانت تجد العزاء في تعلق محمدو والتصاقه القوي بها .
    تذكر رحيلها المفاجيء الذي جعل محمدو كريشة في مهب الريح تعصف بها بغير رحمة وتذكر انه لم يعطهم الفرصة ليحلوا محلها فانطوى على نفسه في غرفة امه القديمة لا يخرج منها الا الي المدرسة او الي النهر او الي منزل حاج الماحي.
    تذكر كل ذلك فزفر بالم وحشاه يتقطع ولم يشعر بحاج عبد الناصر الذي طرق الباب طرقتين ودخل مباشرة .
    لم يشعر به الا بعد ان رآه يقف امامه , رحب به وصب له القهوة فقال حاج عبد الناصر وهو يرشف الرشفة الاولى
    -اربعة كراسي ومجموعة من الفناجين , هل تنتظر احدا ؟
    فرد عليه :
    -الاصدقاء لا يكفون عن الحضور .
    وضع حاج عبد الناصر فنجانه وسال محمد
    -الم يحضر اباك من الحقل ؟
    منذ مدة طويلة وهو يذهب من الفجر ولا يعود الا متأخراً .
    قال حاج عبد الناصر وهو يزفر :
    -أعلم , لقد بدأ يفعل ذلك منذ ان توفيت امك .. حتى العشاء يصليه في الحقل وصرنا لا نراه الا في صلاة الجمعة .
    قال محمد وهو يكاد ان يبكي :
    -لقد اصبح هزيلا وشاحبا لا يحركه شيء , في هذا الموسم كان الحصاد وفيرا جدا ولكنه لم يفرح كعادته في المواسم السابقة , لقد اصبح عازفا عن الحياة.
    قال الحاج عبد الناصر محاولا طرق الموضوع من جانب آخر .
    -كان الله في عونه , ولكنك ايضا اصبحت عازفا عن الحياة , ماذا بك يا محمد ؟
    صمت محمد ولم يجب فواصل حاج عبد الناصر قائلا :
    -انت شاب متدين وقد عهدناك دوماً معقلاً وحكيماً وانت تعلم ان الحزن لا يغير شيئا وأن الحياة يجب ان تاخذ دورتها كما امرنا لله سبحانه وتعالى .
    لم يقل محمد شيئا وساد صمت طويل قطعه حاج عبد الناصر قائلا :
    -منذ ان توفيت امك قبل عام وانتم تعيشون حياةً غريبة , اباك اصبح رجلاً آخر عاف الحياة ويبدو انه يعجل على اختصار ايامه ليلحق بها , وانت اصبحت منطويا ومنعزلا , وابن اختك كلوح الثلج لم يسمع له احد صوتاً ولم يره الا ذاهباً الي المدرسة او قادماً منها , حتى عمتك العازه التي اتت تلتمس الدفء عندكم \بعد ان مات زوجها وتفرق عنها ابنائها الثلاثة صارت غريبة بينكم رفر محمد وقال :
    -ليتها لم تأتي .
    دهش الحاج عبد الناصر وقال :
    -لماذا يامحمد , انا لا اتوقع مثل هذا الكلام !!
    -لقد ابتدات تخرف واختلطت عليها الاشياء والاحداثق .
    مذا حدث منها ؟
    -لقد عبات محمدو بالحقد والكراهية لنا , انها تقول كلاما غريبا !
    سأل الحاج عبد الناصر وهو لا يكاد يصدق:
    -ماذا قالت له ؟
    -قالت له ان جده رجل ظالم وحاقد , كان يضرب المرحومة امه والمرحومة جدته ويربطهما بالحبال , وحكت له اشياء اخرى اخجل من ذكرها !!
    هتف الحاج عبد الناصر باستغراب شديد
    -العازة تقول ذلك ؟!!
    ثم وضع يده على جبهته وكانه تذكر شيئا وقال لنفسه : العجوز تثأر من اخاها الذي تحالف مع اباها وزوجوها كرهاً , ولكن ايعقل هذا بعد كل هذه السنين الطويلة ؟!
    ثم سأل محمد
    -متى حدث ذلك ؟
    -قبل شهور , بعد وفاة امي بشهرين او ثلاثة تقريبا .. كنت قد تعيشت مع مصطفى وعدت بعد منتصف الليل واثناء مروري بمحاذاة شباك غرفة محمدو
    سمعتها تقول : قتلوها , لقد قتلوها . فتوقف وكان الشباك مفتوحا فسمعتها تقول له كلاما جعل رأسي يدور .. هل تصدق انها حكت له حتى ...
    وامسك عن الكلام , فقال حاج عبد الناصر :
    -تكلم يا محمد , ماذا حكت له ؟
    -حكت له ما حدث في الليلة التي دخل فيها اباه على المرحومة امه !!
    وضع عبد الناصر يده على راسه وهو يقول :
    -ياالهي العازة تفعل ذلك !!!
    -لقد خطر لي ان ادخل وازجرها ولكنني تمالكت نفسي غدا اكاشفها بما سمعته .
    -وهل فعلت ؟
    -كلا .
    رفع الحاج عبد الناصر صوته قائلا :
    -لماذا ؟!
    -منعني الحياء ان اقول لها انني تجسست عليهما .
    -وتتركها تعبئ الولد بالحقد والكراهية كل هذه الشهور !!
    -مهما حدث فهي عمتي .
    -هل اخبرت اباك ؟
    -لم اخبره , خفت ان يقوم بطردها وتتعقد المشكلة اكثر وتخرج الي العلن .
    -حسناً فعلت , وهل حاولت تصحيح الامر لابن اختك ؟
    -لقد اعيتني معه الحيلة , منذ ان احضرته وهو دائم النفور مني , قل لي ماذا افعل يا عمي ؟!
    -يجب ان تفعل شيئا يا محمد .. هذه حالة معقدة ولا بد من علاجها .
    -هل تني انه يعاني من خلل نفسي ؟!
    -لا أعلم ولكنك لو رتبت الاحداث هكذا : ذاق مرارة اليتم وهو في المهد فقد توفيت امه وعمره شهران , ثم مات اباه في السجن وعمره عام , ثم توفيت جدته التي كانت طوق نجاته وهو يلغ الحلم بعد , ثم اتت العازة لتزيد الطين بلة , لو رتبت الاحداث هكذا لخرجت بهذه النتيجة ولكن ما ينفيها تماماً هو تفوقه العجيب على اقرانه في كل شيء حتى في مظهره العام واعتنائه بنفسه , انه يتصرف كرجل !
    -ولكنه يتصرف احيانا تصرفات غريبة ... هل تصدق انه وحتى اليوم لم يدخل بيت اباه او احد اعمامه , حتى في الاعياد لا يذهب ولو حدث وقابل احدهم فهو يتجاهل تماما ! حتى في وفاة جده عبد الله العام قبل الفائت لم يره احد على الاطلاق رغم ان الوفاة حدثت ايام العطلة المدرسية , انني استغرب ذلك !!
    -هم ايضا لم يسعوا لكسب حبه وتجاهلوه منذ ان كان طفلاً في المهد , دعك منهم وحاول معه بطريقة اخرى فانا اثق تماماً انه يحبك .
    -هو لم يحبني في يوم من الايام , لا انا ولا أي شخص آخر سوى المرحومة جدته واميمه الماحي .
    قال حاج عبد الناصر وقد وجد ضالته :
    -هل هو متعلق بها؟
    -منذ ان كان طفلاً في شهوره الاولى تعلق بها ويهش لها عندما تحضر , والان منذ ان توفيت جدته وهو دائم المكوث ببيت حاج الماحي معها .
    هتف حاج عبد الناصر ,
    -اذا تزوجها .
    قال محمد وقد دق قلبه بعنف :
    -ماذا تقول يا عمي ؟!
    -لاتوجد في القرية فتاة مثل بنت حاج الماحي , ادب وجمال واخلاق , اضف الي ذلك انها تحب ابن اختك وهو يحبها , اما بالنسبة لقسمك فيمكنك ان تكفر عنه .
    -انا لا افكر في الزواج , وهي ايضا .
    -وما ادراك انها لا تفكر في الزواج ؟
    -لقد رفضت كثيرين تقدموا لها
    -وهل انت مثل الذين رفضتهم , انك ..........
    فقطع عبارته صوت طرقات على الباب ودخول الاستاذ وداعة الله السيد مدير المدرسة الابتدائية عليهما وفي يده كراسة . حياهما وجلس فبادره حاج عبد الناصر قائلا :
    -هل اتيت زائرا ؟
    فرد الاستاذ وداعة الله
    -وهل تظنني اتيت غائراً .
    فقال الحاج عبد الناصر وهو يبتم بخبث .
    -ليس من عادتك ان تزور تلاميذك القدامى .
    ثم اشار الي الكراسة المطلوية في يد الناظر واردف
    -وهذه كراسة محمدو ... ماذا فعل ؟
    ارتبك الناظر ونظر الي محمد الامام الذي قال
    -دعه ياحاج يشرب قهوته أولاً ثم نرى بعد ذلك ماذا فعل ابن اختي .
    فقال الناظر :
    -هكذا انت دائما يا حاج عبد الناصر , منذ أن كنا صغاراً وانت اخبثنا .
    فقال حاج عبد الناصر وهو يضحك :
    -بل قل اذكاكم جميعا , انسيت ايام المدرسة ؟
    -ذكاء ماكر لا تستعمله الي في المقالب واثارة الفوضى في الفصل .
    فقال عبد الناص وقد انفرجت اساريره :
    -وانت كنت اغبانا يا استاذ وداعه .
    -ولكنني تفوقت عليكم جميعاً وصرت مديرا.
    فرك حاج عبد الناصر يديه بسعادة وقال وهو يضحك .
    -لقد جعلتك تعترف بعمرك الحقيقي .
    ثم نظر الي محمد وواصل قائلا
    -هو دائما ينكر انه دفعتي ومن عمري ،حاول الناظر تدارك الامر قائلا :
    -لا انكر انه جمعتنا المدرسة الابتدائية سويا ولكنني كنت في الصفي الاول الذي دخلته وعمري ست سنوات حينما كنت انت في الصف الخامس وقد اعدت سنة أي ان بيني وبينك ست اعوام كاملة هي فارق العمر بيننا.
    ضحك حاج عبد الناصر حتى دمعت عيناه وانتقلت عدوى الضحك الي الناظر والي محمد ايضا فقال حاج عبد الناصر .
    -هذا فالٌ حسن .
    وقام قائلا :
    -سوف ادعكما تتحدثان براحتكما .
    وغادر من غير ان يلتفت الي دعوة محمد له بالمكوث .
    قال محمد موجهاً سؤاله الي الناظر :
    -هل حدث شيء من محمدو ؟
    -ان الذي حدث من محمدو شيئا صحيحا ومنظقيا , ولكنه غير مالوف ان يحدث في هذا الزمن ومن طالب المرحلة الابتدائية وفي قرية منسية كهذه القرية , شيء غريب ادخلني في حرج امام طفل لم يتعد الحادية عشر من عمره !
    سأل محمد بقلق ؛
    -ماذا حدث يا حضرة الناظر ؟
    -هما موقفان . حدث الاول قبل اربعة ايام والآخر حدث اليوم وسابدا لك بالاول : فقبل اربعة ايام طلب منهم كتابة موضوع انشائي عن المعلم عنوانه ( من علمني حرفا صرت له عبدا ) فرفع اصبعه وقال لي : انا لن اكتب يا استاذ , وحينما سالته لماذا لم يجبني فقلت اشجعه ظنا مني انه لا يجيد ما يكتبه رغم نبوغه وذكاءه : اكتب أي شيء يا محمدو .
    صمت الناظر قليلا وواصل قائلا :
    -في المساء بدات في قراءة الكراسات وتصحيحها فوجدت ابن اختك كتب هذا
    ومد الكراسة الي محمد الامام الذي قرا الاتي :
    ( ان المعلم يمارس مهنةً مقدسةً وشريفة ولكنه ليس سيداً والتلميذ ليس عبداً )
    طوى الكراسة ونظر الي الناظر الذي قال :
    -استدعيته الي مكتبي صباح اليوم التالي وناقشته في الذي كتبه فقال لي كلاما غريبا اربكني .
    -ماذا قال ؟
    -قال لي انه ليس عبداً لا للمعلم ولا لاي شخص آخر وان المعلم لا يقدم خدماته التعليمية حسنةً لوجه الله لذلك هو ليس سيداً على احد طلما هو يقبض راتباً لقاء ما يقوم به من تعليم . فسألته من قال لك هذا فقال لي ان لا احد يقول له او يلقنه شيئا, وسالني ان اطه كراسته واسمح له بالانصراف فقلت له اذهب وكراستك ستوزع مع باقي الكرسات في حصة الاسبوع القادم .
    صمت محمد الامام ولم يقل شيئا فقال الناظر :
    -واليوم حدث الموقف الاكثر غرابة , فاثناء الحصة الثالثة حدثت عملية سرقة . احد الطلبة سرق منه كراس جديد وقلم رصاص واستيكه ولساعة كاملة والاستاذ كمال يتحرى ويفتش محاولا معرفة السارق بغير جدوى فاستشارني فامهلتهم ساعة اخرى لكشف السارق والا سيعاقب الفصل كله بعشرة جلدات لك طالب , وبانتهاء المهلة بدانا في تنفيذ العقاب وحينما حان دوره رفض ان يجلد فطلبت منه ان ينتظرني بالمكتب وبعد ان فرغنا من جلد الفصل ذهبت ووجدته ينتظرني واقفاً بمكتبي وكان معي بعض المدرسين صرفتهم لخوفي ان يرد علي ردا يفحمني كما حدث في موضوع الانشاء .
    صمت الناظر قليلا وامسك بفنجان القهوة المليء حتى نصفه وشربه في جرعة واحدة وقال :
    -سالته لماذا رفض ان يعاقب كزملائه فرد علي باغرب رد يمكن ان اسمعه من طالب في سنه ! على ذنب لم يرتكبه فهو مضطر لتركها غير آسفا , فقلت له : لا يجب ان تكون علامة شاذة بين زملاؤك واقرانك فقال لي بالحرف :انا فعلاً علامةً شاذة بينهم , فأنا الاول عليهم وانا اذكاهم جميعا ولا يوجد بهذه المدرسة من لم يجلد على خطأ او اهمال الا انا , لم يحدث ان جلدت او وبخت لانني لم اخطيء او اهمل واجباتي ولن يحدث هذا مستقبلا ابدا .
    اخذت الدهشة بمحمد الامام كل ماخذ وسأل الناظر :
    هل قال لك كل هذا ؟!
    عبأ الناظر لنفسه فنجاناً آخر من القهوة وقال :
    -قاله بثبات وبتعال شديد وكانه رجلاً يفوقني سنا !
    -ماذا قلت له ؟
    -لم اجد ما اقوله له سوى ان يحرص على ان لا يخطيء ابدا .
    وضع الناظر فنجانه وسأل محمد :
    -والان قل لي ماذا يقرأ في اوقات فراغه ؟
    قال محمد في سره : هذا سؤال يوجه لمصطفى واخته فلهما مكتبة كبيرة وهو يمكث هناك اكثر من مكوثه هنا سأل الناظر مرة اخرى ,
    -ماذا يقرأ ابن اختك يا محمد ؟
    -هو يسكن في غرفة امه القديمة وكلما ادخل عليه اجده يقرا في كتبها وكراستها التي لم يقربها احد منذ رحيلها المفاجئ عن القرية وعودتها جثةً في صندوق .
    -رحمها الله واسكنها الجنة زينب الرقيقة . كانت طالبة نابغة وعظيمة الشان في المدرسة وقد ورث ابنها نبوغها وذكائها . أي نوع من الكتب كانت تقرأ ؟
    -كتب عادية , قصص قصيرة ومجموعة روايات ودواوين شعر وكثير من المجلات تناول الناظر الكراس من الطاولة وقام قائلا :
    -ابن اختك سيوكن له شان عظيم فلا تدع عينك تغيب عنه .
    ثم دنا من محمد الامام وهزه من كتفه وهو يقول بتأكيد :
    -سيأتي يوم تتذكر فيه هذه النبوءة .
                  

05-01-2008, 09:33 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    (8)
    كانت الساعة الثامنة من صباح يوم ربعي غابت فيه الشمس حينما نزل عوض الله الي النهر وفك حبل مركبه ثم رفع سرواله الطويل الي ما فوق ركبتيه ووضع طرف جلبابه بفمه ودفع المركب قليلا ثم قفز فوقها واخذ يجدف بهمة ونشاط باتجاه الجنوب محاذيا للضفة الشرقية , وبين الفينة والاخرى كان يرفع احدى يديه محيياً اصحاب الحقول والجروف , وبعد نصف ساعة من التجديف السريع ارسى مركبه وغدرها سائراً باتجاه بعض البيوت المتناثرة بغير نظام على مسافة بعيدة عن النهر والتي شيدت القش وفروع الاشجار الجافة واعواد البامبو ويقطنها خليط من البشر لم تعرف لهم اصول على وجه الدقة فغالبيتهم كانوا في السابق من العبيد الارقاء وهو يتكسبون من بيع الخمور البلدية .
    في احد هذه البيوت كان فيصل ود الصديق ممداً على حصيرة قديمة تحت شجرة سدر عجوز وبجانبه جردل مليء بالمريسة ذات الرغوة تطفو فوقه قرعة الشراب, وكان ود الصديق في انهى لتنه مبارة جنسية حامية استمرت لشوطين متتاليين بغير توقف او إستراحة مع صاحبة البيت الشرهة التي طالبت بشوط ثالث ولكن الصديق لم يستطع حتى ان يسدد ضربة البداية لهذا الشوط فازاحته المرأة من فوقها وقامت وهي تقول بغيظ واضح :
    -لقد كان آباؤكم فحولاً يكسرون العناقريب تحتنا , وكانت ذكورهم مثل مدقات الفنادك وكان ماؤهم عصياً على النزول .
    لم ينظر اليها ود الصديق الذي كان يحكم رباط سرواله ولم يرد عليها فشجعها صمته على ان تواصل قائلة :
    -اما انتم ابناء هذا الزمن الاغبر فما ان يضع احدكم راس ذكره على فرج المرأة حتى ينزل ماؤه وتتلاحق انفاسه تاركين المسكينة بين السماء والارض !
    تناول ود الصديق نعاله وقذف بها المرأة وهو يسبها قائلا :
    -لقد قصمت ظهري وملات بطني بالغازات ايتها الخادم العجوز , اذهبي يالعينة واحضري زجاجة العرق .
    اصاب الحذاء الثفيل المرأة في بطنها فاستشاطت غضباً وقالت :
    -منذ اليوم لن اعطيك على الدور الا جردل مريسة فقط وان اردت عرقاً عليك ان تدفع نقداً .
    خاف ود الصديق ان ينهار الاتفاق القائم بينه وبين العجوز والذي يقضي بان يمارس الجنس وفق النظام التالي : جردل مريسة مقابل الدور الاول , وزجاجة عرق عادية للدور الثاني , واخرى بكرية للدور الثالث ومعروف ان العرق البكر يعادل في قوته وثمنه ضعف العرق العادي , فكان ود الصديق الخبير بشؤون الجنس خاصةً العجائز يحاول دائماً خداع المرأة ليصل الي الزجاجة البكرية من غير ان يكون قد وصل فعلاً الي الدور الثالث . العجوز ايضا لم تكن جادة فيما قالت لان الدهر الذي اكل عليها وشرب قد أفسد بضاعتها فعافها الرجال ب, لذلك قبلت إعتذار ود الصديق ولكنها اغتنمت الفرصة لتحذره قائلة :
    -اذا حاولت التمثيل علي مرة اخرى وحاولت خداعي مدعيا بانك قذفت فستكون هذه آخر مرة تدخل فيها بيتي .
    واستدارت ذاهبة الي غرفتها الوحيدة بينما تمدد ود الصديق على الحصيرة مفكراً في حيلة اخرى يكسب بها زجاجات العرق من غير ان يجهد نفسه .
    دخل عوض الله البيت فراى فيصل ود الصديق ممدداً على الحصيرة فلم يحييه وتجاهله تماماً وهو يمر بقربه سائراً باتجاه غرفة العجوز بائعة الخمر , ولكن ود الصديق هب واقفاً وهو يقول :
    -السلام سنة الاسلام ياعم عوض الله .
    توقف عوض الله وهو يقول في سره : سارق الغنم يناديني بالعم !! وهو ان يلتفت اليه ويزجره قائلا : عمي يطفي نور عينيك ياعديم الاصل , ولكنه تمالك نفسه وقال من غير ان يلتفت اليه :
    -اهلا يا ود الصديق .
    فتقدم ود الصديق وشد على يد عوض الله وهو يقول :
    -القلوب لبعضها فقد كنت افكر فيك الآن .
    قال عوض الله ببرود :
    -خير .
    فرد ود الصديق بحماسة ,
    -تعال واجلس , انت اليوم ضيفي .
    رفض عوض الله الدعوة قائلا :
    -كلا . سوف اشرب في مركبي .
    فقال ود الصديق من غير ان يفقد حماسه ,
    -اذا سوف اقدم لك عرضا ولن ترفضه .
    قال عوض الله وكانه يستعجل انهاء النقاش
    -ما هو ؟
    زجاجتان من العرق البكر مني وبعض السمك منك ونعبر الي الضفة الغربية ونشرب عند طرف الغابة .
    لم يفكر عوض الله المراكبي كثيرا وقال :
    -موافق .
    فرك ود الصديق يديه بفرح وقال :
    -اذا تعال لنشرب هذا الجردل ونذهب .
    فاعترض عوض الله قائلاً :
    -الجردل سوف يجر جرادلاً اخرى . لن اشرب هنا .
    ولكن ود الصديق الذي كان قد اتى بالجردل امسك بالقرعة وقذفها على الارض ورفع الجردل الي فمه واخذ يكرع بغير توقف حتى اتى على نصفه ومده الي عوض الله قائلا وهو يتجشا :
    -اشربه في نفس واحد
    * * *


    عند اطراف الغابة التي تقع على الضفة الغربية للنهر جلس عوض الله المراكبي وفيصل ود الصديق , وبعد عدة كؤوس قال ود الصديق بلهجة تنم عن الثقة الشديدة بالنفس :
    -مارايك فيً ياعم عوض الله ؟
    -من أي ناحية ؟
    -هي فيً ما يعيب ؟
    -لا يعيب الرجل الا جيبه الخاوي .
    اعتدل ود الصديق في جلسته وقال بفخر :
    -انا رجل مقتدر والحمد لله , انا املك الآن اثنتي عشر عنزاً وتيساً فحل يستطيع ان يعاشر مائة معزة في يوم واحد , وبقرتان احداهما حامل
    -ما شاء الله .
    -وفوق كل هذا املك نقدا سائلا .
    -كم تملك ؟
    -خمسة عشر ألفاً .
    فتح المراكبي عيونه عن آخرها وقال :
    -انت يا ود الصديق تملك خمسة عشر ألفاً ؟
    -وثمانمائة خمساً وعشرون جنيهاً بالتمام والكمال , وقريبا سوف اصير تاجراً كبيراً .
    فهم المراكبي ما يرمي اليه ود الصديق فقال محاولاً إختصار الطريق له :
    -وتنوي ان تتزوج .
    -لهذا كنت افكر فيك هذا الصباح قبل ان تحضر .
    -مبروك .. ولكن قل لي , ماذا تعمل الآن , ما هي مهنتك على وجه التحديد ؟
    ارتبك ود الصديق قليلا وقال بسرعة :
    -تاجر .. نعم انا تاجر .
                  

05-01-2008, 09:44 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    (9)
    كانت منال عوض التي تبلغ من العمر ستة عشر ربيعاً تقف امام المرآة تستعرض جمالها الآسر وتحاول قياس نتؤات جسدها فتمد صدرها وتمسك نهداها من الاسفل وتهزهما , ثم تشد فستانها وتنثني وتنظر الي ردفها في المرآة وبدت راضية تماما على هذا النعم الكثيرة فاشارت الي نفسها في المرآة وقالت بما يشبه الهمس : منال عوض الله لن تتزوج الا رجلاً غنياً .. غنياً جدا . ثم رفعت راسها وهي تقول :بتوسل :يارب لا يهم ان يكون شاباً او عجوزاً , المهم ان يكون غنياً وفاضلاً لينتشلني من هذا الوقع المرير وهذا السجن الكبير . ثم واصلت إستعراض نفسها اما المرآة ولم تشعر الا بصوت والدها يقول وهو يرنو اليها من باب الغرفة :
    -ما شاء الله .. ما شاء الله , لقد كبرت يا منال وصرت عروساً .
    جفلت منال وقالت بوجل :
    -ابي .. متى حضرت ؟
    -الآن .
    -امي ذهبت الي بيت حاج الامام لتزور العازه .
    -انا لم اسالك عن امك .
    ثم نظر اليها طويلا وقال بسرور :
    -سبحان الله .. حينما تزوتجت امك كانت في مثل سنك وصورة طبق الاصل منك.
    ارتفع الدم الي وجه منال وسالت نفسها : ترى كم جردلاً من المريسة شرب اليوم!
    تقدم والدها ووضع يده على كتفها وقال :
    -تعالي يا منال , اجلسي هنا.
    رغم الارتباك الذي تشعر به منال الا ان شعوراً طاغياً بلفرح والسعادة غمرها , فهذه هي المرة الاولى والوحيدة التي يعاملها فيها والدها بعطف وحنان ولم يحدث قبل اليوم ان ابتسم في وجهها او تبسط معها في حديث رغم انها الوحيدة التي تبقت له بعد ان مات ابنه البكر وساعده الايمن غرقاً وحصدت الكوليرا الآخر فجلست قربه على السرير وهي تكاد ان تطير من الفرح .
    -لقد كبرت سريعا يا منال !
    -انا طفلتك ووحيدتك .
    -انت لست طفله , بل انت عروسا لذلك قررت ان ازوجك .
    ظنت منال ان والدها يمزح بفعل الخمر فقالت وهي تضحك وتميل براسها الي الخلف بعفوية :
    -هكذا .....
    قال والدها وهو يجاريها في ضحكها وحركة راسها العفوية ,
    -نعم هكذا .
    وضعت منال راسها على كتف والدها وطوقته بيديها وهي تقول
    -انا الآن لا اريد ان اتزوج .
    -لقد اخترت لك شخصاً مناسباً ويملك مالاً وفيراَ
    شعرت منال ان والدها جادا في قوله فحبست انفاسها وسألته ؟
    -من هو ؟
    -فصل ود الصديق .
    شعرت منال ان سقف الحجرة قد انهال على راسها , فجمالها هو راسمالها الوحيد الذي تعول عليه لينشلها من هذا الفقر المدقع فهل يعقل ان يستولي عليه سارق الغنم فهتفت بعد فترة ذهول طويلة .
    -ود الصديق حرامي الغنم !!!
    قال والدها وقد تقلصت عضلات وجهه الذي اكتسى بالغضب .
    -عيب ان تقولي هذا عن الرجل الذي سوف يصير زوجا لك .
    ثم اذاف وقد تحول الي المارد الجبار الذي يبث الرعب والخوف في قلب ابنته
    -ود الصديق الآن ليس حرامي , انه تاجر وقد قرات فاتحتك معه الساعة .
    -من غير ان يكون لي راي ؟!!
    رفع عوض الله يده في وجه ابنته مهددا
    -انا لم اخبرك لتقولي رايك , بل اخبرتك على سبيل العلم بالشيء فقط.
    ظلت منال طيلة الليل تتوعد وتهدد وامها تهدئها وتطيب من خاطرها قائلة
    -لعله سكران لا يدري ما يقول ... نعم انه سكران .. اصبري حتى الصبح وسترين انها خطرفة سكر .
    ومنال تقول :
    -غدا حالما يصحو اساليه وان كان جادا فيما قال سوف اقتل نفسي ولن اتزوج حرامي الغنم جزعت امها وتذكرت فوراً كل اللاتي انتحرن من القرية في تاريخها الطويل وكن ثلاثة , ولسبب لا تدريه سيطر عليها مشهدان خرجا من اعماق الذاكرة وتمثلا امامها فجاة : مشهد التابوت الخشبي الذي يحوي جثة زينب الامام يرقد على ظهر العربة المكشوفة والاهالي ينظرون اليه بذهول شديد وحاج الامام المسنود بين حاج الماحي وحضرة الناظر وداعة الله السيد يرتجف كعصفور بلله المطر الشتاء ومن عينيه تطل نظرة رعب قاتل موزعة بين التابوت وبين الشمس المحمرة التي بدت أكبر من حجمها الطبيعي في عيون الناس . وفي مشهد جانبي آخر مكمل كانت الحاجة خديجة عبد القادر قد وقعت خلف الباب الكبير مباشرةً على بعد امتار قليلة من السيارة التي تحمل جثة ابنتها الوحيدة وقد ظلت ترتجف وترفس بيديها ورجليها على الارض كانها ذبيحة او مصروع هاجمته نوبة الصرع وظلت هكذا لدقيقتي قبل ان تهمد تماماً وتمضي في غيبوبة إستمرت يومين كاملين . ومشهد اسماء عبد المحمود ملفوفة في كفنها الذي كان يبدو من نحول جثتها وكأن الملفوف داخله عود حطب وليس جثةً لبشر . ضمت المرأة ابنتها الي صدرها بقوة وقالت بهلع .
    -لن تتزوجي حرامي الغنم .
    وفي الصباح اكد عوض الله لزوجته ما قاله بالامس وزاد عليه بان ود الصديق سوف ياتي برفقة العمدة في المساء ليتقدم اليهم بصفة رسمية , وذهبت كل محاولات الام لاقناع الاب بالعدول عن هذا الامر سدى , فظلت تناور طيلة النهار من غير ان تخبر ابنتها بالحقيقة وهي تمني نفسها بان يستجيب الله دعائها وينزل بود الصديق مصيبة تمنعه عن الحضور وكانت تقول لنفسها بثقة : نعم , الله سوف يجيبني , فهو مغيث الملهوف وناصر المظلوم ومجيب دعوة المضطر , وسيطرت عليها هذه القناعة وترسخت في وعيها لدرجة انها قالت في نداءها لربها: حسناً يارب لا تنزل به مصيبة ولكن اصرفه عن ابنتي ووحيدتي بالطريقة التي تراها مناسبة .
    وفي المساء حضر ود الصديق والعمدة فتزلزل ايمان المرأة وكادت ان تكفر وعصفت بها الحيره ولم تستطع ان تفهم لماذا لم يصرف الله ود الصديق عنهم فقالت لابنتها بتاكيد :
    -انا ساصرفه بنفسي وليكن ما يكون .
    وحملت صينية الشاي وذهبت بها الي حيث الرجال الثلاثة مجتمعون في فناء الحوش الصغير .
    وضعت الصينية فوق الطاولة وكانت هناك رزمة نقود امسكت بها وسالت
    -ما هذا ؟
    رد زوجها :
    -هذا مهر ابنتك .
    فالقت برزمة النقود في حجر ود الصديق وقالت له مباشرةً
    -ابنتي ليست معزه .. اشرب هذا الشاي وانصرف ولا تعود مرة اخرى .
    سيطر الذهول على الرجال الثلاثة , فهذه اول مرة في تاريخ القرية تخرج فيها إمرأة الي الرجال وتطرد احدهم وقبل ان يستوعبوا ما حدث اضافت المرأة وهي تهز يديها في وجه العمدة .
    -اسمع يا عمدة انا ليس لديً في هذه الحياة غير منال ولن ازوجها لحرامي الغنم .
    تناول العمدة النقود من حجر ود الصديق وقذف بها في حجر عوض الله ثم نهض غاضبا وبحركة عصيبة اطاح عمامه ود الصديق التي تغطي راسه فتدحرجت على الارض ثم جذبه من شعر راسه وهو يقول :
    -هيا بنا ياحرامي الغنم .
    ثم وجه حديثه قبل ان يغادر الي عوض الله قائلا :
    -كلمة الرجل سيف مسلط على عنقه لا يجب ان تسقطها إمرأة , نهاية هذا الاسبوع سيتم عقد القران .
    وجذب ود الصديق من كم جلبابه واتجها الي الباب فقذفت المرأة بالعمامة خلفهم وهي تصيح .
    -انه عشم ابليس في الجنة .
    وقف العمدة قبل ان يفتح الباب والتفت قائلا
    -ادب إمرأتك يا عوض الله .
    قام عوض الله وانهال على زوجته بالضرب وحينما خفت إبنتها لانقاذها يضربهما معاً وصراخهما يصل ال عنان السماء فهب الاهالي وامتلات الدار الصغيرة عن آخرها واختلط الحابل بالنابل , وفي هذه الليلة المشهودة انتحرت منال عوض الله.
    كان الناس مشغولين بتخليص امها من براثن ابيها فتسللت من بينهم من غير ان يفطن الها احد وهرولت تحت جنح الظلام باتجاه النهر والقت بنفسها من اعلى القيف , وحينما انقذ الاهالي المرأة من براثن عوض الله الذي كان كالثور الهائج اخذت تصيح وهي تهرول هنا وهناك : ابنتي .. منال .. اين هي ؟
    وقضى رجال القرية وشبابها الليل باكمله يبحثون عنها , فقد إجتمع شيوخ القرية في حوش المسجد وارسلوا في طلب جعفر قصاص الاثر فعاد الرسول سريعاً ليقول ان القصاص سكران لا يدري راسه من رجليه , فقاموا بتشكيل مجموعات للبحث : مجموعة الحواته او المراكبيه ارسلت على عجل لتمشيط النهر , ومجموعتان لتمشيط الشاطئ إنطلاقا من الصخره : مجموعة تذهب شمالا والاخرى جنوبا مع التاكيد عليهم بان يذهبوا الي اقصى ما يستطيعون . ومجموعة اخرى كبيرة امرت بالتفرق في الخلاء الممتد من القرية باتجاهتها الثلاثة حتى القرى الاخرى المتاخمة , ومجموعة كلفت بالبحث في المزارع والحقول امرها الحاج عبد الناصر قائلا :
    -لا تغفلوا جرفا ولا حقلا , اصعدوا الاشجار وفتشوا بين اعصانها.
    ومع تباشيب الفجر الاولى ابتدات المجموعات بالتقاطر على المسجد وهو يجرون اذيال الخيبة وكان خبر تهديدها بالانتحار قد وصل الي الرجال بالمسجد فقال الشيخ احمد ابو عاقله :
    -اذاً تجهزوا للغطس , سنصلي الفجر ونتوجه الي النهر .
    بعد الصلاة والابتهال الطويل الي الله خرج الرجال والشباب وكان الصبية مجتمعون بالحوش الخارجي للمسجد فصاح فيهم ناظر المدرسة قائلا :
    -ماذا تفعولون هنا .. هيا اذهبوا الي المدرسة .
    وتقدم ناحيتهم وهو يصيح فيهم :
    -من يتغيب اليوم سوف اسلخ جلده غدا .
    فتفرق الصبية وجلين .
    حينما نزل السيل البشري باتجاه النهر كان محمدو يجلس على الصخرة وظهره ناحيتهم فهرع نحوه جده حاج الامام وساله :
    -محمدو ما بك ؟
    -لا شيء .
    -لماذا تجلس هكذا ؟
    -انت تعرف انني اعبر النهر فجر كل يوم .
    -ولكنك تعود قبل شروق الشمس .
    -اردت ان اقوم بواجبي , سوف اشارك في الغطس .
    وكان الشباب قد بداوا بالقاء انفسهم في الماء الدافئ . جزع حاج الامام وقال لحفيده :
    -كلا , كلا لن تشارك , لقد شاركت في البحث وهذا يكفي .
    -لماذا انا سباح ماهر .
    -هناك فرق بين السباحة والغطس , وانا قلت لن تشارك .
    تخل محمد الامام في النقاش قائلا لابن اخته
    -اسمع كلام جدك .
    -انا اخبر هذه الاعماق جيدا وسوف اغطس معكم .
    جثا حاج الامام على ركبتيه وتوسل حفيده .
    -اسمع كلامي يابني واذهب , اوقف معي هنا وراقب ما يحدث .
    -بل ساغطس ولا تخف عليً ياجدي .
    نظر حاج عبد الناصر الي حاج الامام وقال في نفسه : يالتصاريف القدر , هل هذا حاج الامام , اين كان كل هذا الحنان والعطف في السابق .
    استنجد حاج الامام بعبد الناصر قائلا :
    -عبد الناصر , لماذا تنظر الينا هكذا , قل شيئا .
    -دعه ياحاج الامام , هل نسيت اننا نحن الاثنين شاركنا في الغطس وكان عمرنا مثل عمره وبنياننا اضعف من بنيانه .
    نظر حاج الامام الي صديقه بعتاب وهو يقول :
    -ذاك زمن وهذا زمن .
    -ولكن النهر هو النهر ولم يتغير .
    فقال الناظر وداعة الله السيد
    -وحفيدك فارس هذا الزمن القادم ايضا .. لقد رايته بام عيني يغيب تحت الماء زمناً طويلاً حتى اخاله قد غرق فاهم باللحاق به فيظهر مرةً اخرى , ان له نفساً طويلاً , دعه يا حاج فأنا اتفاءل به .
    استسلم حاج الامام وقال يوصي ابنه محمد وصيدقه مصطفى الماحي اللذان خلعا ملابسهما تاهبا للغطس .
    -محمد .. مصطفى , لاصقاه ولا تدعاه يبتعد عنكما ... لاصقاه جيدا .
    قال الاثنان بصوت واحد .
    -لا تخف عليه .
    ثم جذبا محمدو وخاضا في ماء النهر .
    تقدم حاج الامام ناحيتهم وهو يقول :
    -اجعلاه بينكما .
    ثم مد يديه ليقول شيئا آخرا ولكن الثلاثة كانوا قد سبحوا مبتعدين فجلس على الرمال قرب الماء وهو يتمت بصوت واهن : يارب .. يارب . فتقدم منه عبد الناصر ووضع يده على كتفه وسأله :
    -لماذا انت قلق عله هكذا ؟
    قال حاج الامام من غير ان يحول بصره عنهم :
    ـ انت لا تشعر بالنار التي تأكلني منذ سنوات يا عبد الناصر , منذ ان رحلت أمه..
    ثم وضع راسه على ركبتيه وهو يراقبهم مبتعدين واردف ،
    ـ لقد رحلت سريعا وكانها طيف او حلما جميلا , وانا لا اريد له ان يرحل سريعا هو الآخر .
    ربت عبد الناصر على كتف صديقه وهو يقول :
    ـ لا تقلق سيعود باذن الله , انه بين امهر سباحين في القرية .
    كان المشهد على سطح النهر فريدا : رؤوس تظهر ليستنشق اصحابها انفاسا عميقة وتختفي تحت سطح الماء مرة اخرى , والشيوخ يراقبون ما يحدث بارتباك واضح وقد بدت لهم الثواني طويلة جدا ولكنها بدت لحاج الامام وكانهال دهوراً من الالم والعذاب . كل الذين غطسوا تحت الماء ظهرت رؤوسهم الا ثلاثة : محمد الامام وابن اخته محمدو ومصطفى الماحي .قال حاج الامام بعصبية :
    ـ لماذا لم يظهروا ؟ لقد تاخرو كثيرا !!
    رد حاج عبد الناصر :
    ــ لم تمر دقيقة على نزولهم تحت الماء .
    صاح حاج الامام وهو يهب وقفا .
    ــ بل مرت ساعة .
    والقى بمسبحته على الرمال واندفع في الماء وهو بجلبابه فامسك به الرجال فاخذ يصيح :
    ــ ابناي ياقوم .. ابناي يع عبد الناصر .. اتركوني اتركوني .
    خلع حاج الماحي جلبابه سريبعا واندفع في الماء وهو يقول :
    ــ لا تتركوه ابدا , انا ساستطلع الامر .
    وما ان بدأ بالسباحة مبتعدا حتى ظهرت الرؤوس الثلاثة في منتصف النهر تماماً فتراخت الايدي الممسكة بحاج الامام الذي ما ان رآها حتى خرً مغشياً عليه فحملوه واسجوه على الرمال بعيدا عن الشاطئ .
    غابت الرؤوس الثلاثة تحت الماء مرة اخرى لتعود وتظهر سريعاً وبدا ان الثلاثة يعالجون شيئا تحت الماء وما هي الا لحظة خطفة بدت للرجال اطول من دهر حتى ظهر على سطح الماء شعرً اسود طويل , ثم وجه منال .
    خرج حاج الماحي من الماء ووقف مع الرجال يراقب الثلاثة وهو يسبحون باتجاههم يجرون جثة منال فترقرقت عيناه بالدموع وقال بصوت سمعه الجميع :
    ــ اسال الله ان تكون آخر الضحايا .
    عوض الله الذي كان منهاراً منذ ليلة الامس اصيب بحالة هستيرية ما ان راى جثة ابنته واخذ يصيح وهو يهيل الرمال على راسه :
    ــ أنا السبب .. أنا السبب .
    فأمسك به بعضهم وسحبوه إلي بيت حاج الإمام المتاخم للنهر .
    خرج الثلاثة بالجثة من الماء فهرع محمد الإمام ناحية أبيه يلحق به مصطفى اما محمدو فقد وقف ينظر الي وجه منال وانفاسه تتلاحق وصدره العاري يعلو ويهبط ولم يفارقه هذا المنظر بعد ذلك ابدا فقد كان يرى وهو ينظر الي وجه منال وجها آخر هو وجه امه زينب.
    سارع عبد الناصر بتغطية الجثة بعباءته وقال وهو يلهث من الانفعال
    ـ الماحي عاون الابطال على حمل اباهم الى البيت واعتني به جيدا , اذهب معهم يامحمدو .
    ثم التفت الي الناظر وقال :
    ـ وداعه , اعط اشارة الخروج للشباب , انا وابو عاقله سنتولى اخراج الماء من الجثة .
    صعد الناظر الي الصخرة واخذ يلوح بالعلم الابيض المربوط على عصا طويله , اما باقي الرجال فغاروا لتجهيز القبر بناءا على امر الشيخ ابو عاقله .
    في بيت عوض الله كانت علوية ام منال في حالة يرثى لها , كانت قاب قوسين آو أدنى من الجنون واخيط الرفيع الذي كان يفصلها عن الجنون هو الامل بالعثور على منال مختبئةً هنا او هناك , اما قد تاكد خبر انتشال جثتها من قاع النهر فقد تلاشى هذا الخيط الواهي وتعطل عقلها عن التمييز السليم فدخلت في غياهب الجنون , وبعد اربعة شهور وبضعة ايام قضت معظمها هائمةً على وجهها تسال كل من يقابلها : هل رايت ابنتي منال لحقت بها فاراحت واستراحت , ولم يمض على وفاتها حول الا وتزوج عوض الله من ارملة سيئة السمعه من قرية اخرى عل الجانب الآخر من النهر وصادف تاريخ زواجه اعلان تطبيق الشريعة الاسلامية في البلاد او ما عرف بعدها بعام بعد الاطاحة بحكم جعفر النميري بقوانين سبتمبر.
                  

05-01-2008, 09:51 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    (10)
    تقع المدرسة الابتدائية على مشارف القرية من الجهة الشمالية وخلفها على بعد ميل توجد تلة كبيرة تشرف على الطريق الترابي الداخل الي القرية , كان محمدو يجلس على هذه التله ويسرح ببصره في الفضاء الامتناهي امامه وجهة منال عوض الله المسجية على الرمال والتي لم تفارق خياله منذ عام ونصف تداخلت في مخيلته مع صورة امه الراحلة , ومن بعيد كانت سيارة اجره تسير ببطء نحو القرية بداخلها رجل يجلس في المقعد الامامي بجوار السائق وفي المقعد إمرأة في بداية العقد الثالث من عمرها تقلب في مجموعة صور بين يديها وبجانبها طفلة في نحو السابعة من عمرها . قالت المراه تسال السائق للمرة الرابعة :
    ـ هل انت متاكد من انها .........
    فقاطعها السائق بتبرم واضح ،
    ـ نعم .. نعم , انها هي .
    اشار الرجل الجالس يمين السائق بيده وقال
    ـ هناك شخص فوق تلك الربوة , قف لنساله عن المنزل الذي نقصده .
    فرد السائق ـ لا داع , انها قرية صغيرة وحالما ندخلها سيدلنا اول شخص نقابله .
    حينما مرت السيارة امام محمدو صاحت المرأة وهي تنظر وراءها
    ـ انه هو , توقف .. توقف .
    قال الرجل :
    ـ واين رايته حتى تتعرفي عليه !!
    ولكن المرأة امرت السائق
    ــ قلت لك توقف .
    ووضعت مجموعة الصور بشنطة يدها الا صورة واحدة ظلت تدقق فيها النظر وهو تنزل من السيارة وتتقدم ناحية محمدو , ثم وقفت على بعد مسافة منه ورفعت يدها قائلة :
    ـ انت تعال من فضلك .
    وقف محمدو وهو يسال نفسه : من هؤلاء . وتقدم ناحية المرأة فراى الصورة في يدها تنظر اليها حيناً وحيناً اليه وحينما صار على بعد خطوتين منها سالته
    ـ هل انت محمد ابراهيم عبد الله ؟
    ـ نعم , من انتم ؟
    قالت المرأة وهي تسلم عليه بحراره
    ـ حقاً ما مات من انجب .
    ثم اردفت وهي تشير الي زوجها وطفلتها
    ـ هذا على زوجي , وهذه بنتي زينب .
    خيل لمحمدو انه راى هذه المرأة قبل ذلك , ولكنه لا يذكر اين ومتى . رآها تنظر الي الصورة وتهتف بتأثر,
    ـ سبحان الله .
    ثم رفعتت ايه راسها فراى الدموع تترقرق في عينيها وهي تقول له
    ـ انت شديد الشبه بالمرحومة امك , تحمل تفاصيل وجهها منذا ان كنت رضيعاً .
    مد محمدو يده بغير وعي وانتزع الصورة ودقق فيها النظر , كانت الصورة لزينب الامام بفستانها المدرسي تحتضن حقيبة كراساتها وهي تنظر الي الكاميرا وإبتسامة عريضة وبريئة تغطي وجهها الجميل التقطت لها حينما كانت بالصف الخامس الابتدائ . كانت هذه المرة الاولى التي يرى فيها محمدو صورة لامة حينما كانت في مثل عمره فسأل بدهشة :
    ـ اين وجدتها ؟!
    ردت المرأة
    ـ اقلب الصورة واقرا ..
    قلب محمدو الصورة على ظهرها وقرا الاهداء التالي : الي الغمامة التي ظللتني في هجير الغربة وكانت لي نعم الاخت والصديق ... الي ناديا اهدي اعز صوري الي قلبي . زينب ،،،،
    قال محمدو وهو يكتم مشاعر الحزن والتأثر :
    ـ كل من عرفها ظل شديد الوفاء لذكراها .. يرحمك ياامي .
    قالت ناديا :
    ـ لقد قضيت اثنتي عشر عاما متواصلة خارج الوطن وانا احلم بالعوده لازور قبرها ولاراك ايضا فقد حملتك في احضاني وعنيت لك منذ ولادتك وحتى حضورخالك والعودة بك ال هنا وعمرك شهران .
    قال محمدو بتأثر ك
    ـ انت وفيه ياخاله .
    قالت ناديا وهي تجذبه من يده :
    ـ هيا بنا , الن تاخذنا الي المنزل ؟
    فركب معهم الساية وناديا وزجها لا يكفيان عن سؤاله عن حاله . سالته ناديا
    ـ كيف حلا خالك محمد ؟
    ـ بخير .
    ـ وجدتك الحاجة خديجة ؟
    قال محمدو بتأثر بالغ :
    ـ يرحمها الله , لقد توفيت منذ ثلاثة اعوام تقريبا .
    نكست ناديا راسها وقالت :
    ـ يرحمها الله , وجدك حاج الامام ؟
    ـ عائش .
    استغربت ناديا الرد البارد والخالي من التعبير ولكنها لم تتوقف عنده كثيرا وقالت
    ـ اطال الله في عمره .
    واضافت
    ـ قل لي , الم ترى صورىي مع المرحومة امك ؟ انها كثيرة وقد اخذها خالك معه .
    ـ لقد صنع لها براويز جميلة وعلقها مع صور المرحومة وشهاداتها المدرسية في غرفتها .
    هتفت ناديا :
    ـ حقاً .
    ـ حينما كبرت قررت السكن في غرفتها لتكون آخر شيء اغمض عليه عيني واول شيء افتحها عليه , انني انام على سريرها .
    نظرت اليه ناديا بحنو بالغ وهي تقول في سرها : ولكن هذا صعبٌ عليك .
    فقال وكأنه قرا افكارها :
    ـ حاول خالي منعي في البداية قائلا ان هذه الغرفة يجب ان تظل مغلقة ولكنني تمسكت بقراري , انني احس بان روحها تطوف فيها وترعاني , انا احلم بها في نومي كل ليلة .
    في المنزل رحب محمد الامام بضيوفه بحفاوة بالغة وقال لحاج الماحي الذي كان حاضراً وقت حضور الضيوف ،،،،،،
    ـ سوف اذبح لهم عجلاً.
    فقال حاج الماحي على الفور موجهاً حديثه لمحمدو
    ـ اذهب وقل لاميمه وامها تحضران فورا .
    ثم توجه لمحمد قائلاً :
    ـوانا سوف اذهب لحاج عبد الناصر ونعرج على اباك في الحقل
    وفي اقل من ساعة اكتظت الدار بالنساء والفتيات وغلت القدور وارتفعت رائحة الشواء في الجو , ولاول مرة منذ سنين طويلة تستعيد الدار بعضا من صور الماضي الجميل حينما كان اهلها ملء السمع والبصر , وكان حاج الامام يراقب حفيده وهو يسعى حاملاً لهم صحون الشواء او اكواب الشاي فاستبد به العجب والدهشة لهذا التغيير المفاجئ فقلب الامر في راسه سريعاً وهمس في اذن ابنه محمد الذي كان يجلس على يساره في الحصيرة الكبيرة تحت شجرة الليمون : يجب ان تتحلل من قسمك .
    قال حاج عبد الناصر الذي كان طيلة الوقت يضع حاج الامام وحفيده تحت مجهره الدقيق .
    ـ لماذا لا نناقش الفكرة علنا ؟
    ابتسم حاج الامام وقال :
    ـ أي فكرة تقصد ؟ ليست هناك افكار .
    قال الحاج عبد الناصر متوجها الي الجمع الذي التام بعد غياب طويل
    ـ هذا العجوز يظنني لا افهمه !
    ثم توجه الي حاج الامام قائلا :
    ـ انسيت انني اقرا الكلام في عيونك قبل ان تنطق به يا حاج الامام , الم تطلب من ابنك ان يجعل الفرح مستمراً .
    قال حاج الامام :
    ـ حقا انت الوحيد الذي تفهمني يا عبد الناصر .
    احتج الناظر وداعة الله قائلا:
    ـ هذا كلام مبهم , ماذا قال له بالتحديد ؟
    نظر محمد الي حاج عبد الناصر باستغثة فاستجاب الاخير للنظرة المستغيثة وقال مراوغا .
    ـ قال له ان يطلب من الاستاذ على ان يحضر دائما , الا ترون انه السبب في جمعنا بعد فراق طويل .
    امن الجميع على ذلك وطلبوا من على ان يحضر الي زيارتهم دائما فقال لهم
    ــ بل سنتبادل الزيارات والخرطوم ليست بعيدة .
    ** ** **
    قالت العازه لابن اخيها محمد الامام بعد ان انفض الجمع وخلت الدار الا من اهلها وضيوفهم ،،،،،،
    ــ لقد جهزت لهم غرفة الضيوف .
    نظر اليها ابن اخيها وقال لها :
    ــ تبدين سعيدة ياعمه .
    واضاف يداعبها :
    ــ بل انت متالقة الوجه , لقد عدت شابه .
    قالت العمه :
    ــ منذ ان اتيت للاقامة معكم منذ وفاة امك وانتم مكتئبون ودائمي العبوس حتى اتت هذه الشابة فتغير كل شيء واردفت بدهشة :
    ــ واباك وانت وكل منت اتى اليوم خرج سعيداً , حتى محمدو الذي ظنناه لا يعرف كيف يبتسم او يتكلم تغير .
    ثم اضافت وهي تقول بصوت خفيض :
    ــ ان له سحراً وجاذبية لا تقاوم , لقد دعاها محمدو لغرفته ليريها صورها مع المرحومة امه .. هيا نلحق بهم وفي غرفة زينب الامام القديمة ـ والتي يستعملها ابنها الآن ـ كانت ناديا تجول ببصرها فيها وشعور عميق يغمرها ويقول لها بان روح صديقتها تحوم حولهم الآن . كانت الغرفة واسعة ويوجد بها شباك واحد يفتح على فناء الدار الخلفي , على يساء الباب يوجد سرير متوسط الحجم ملاصق الحائط قربة طاولة صغيره عليها صورة مكبرة في برواز ذهبي لزينب الامام , وفي الجهة المقابلة يوجد دولاب خشبي ذو ضلفتين وكنبه بطول مترين , وفي الزاوية مصلاة عليها مصحف جميل , وفي منتصف الغرفة تماما وتحت مروحة السقف توجد طاولة دائرية الشكل بها بعض الكتب والكراسات الخاصة بمحمدو وكانت الغرفة نظيفة ومرتبة بشكل جيد وهي بشكل عام ما زالت تحتفظ بنفس ديكورها ورونقها القديم وكان صاحبتها ما زالت على قيد الحياة . كانت هناك الكثير من الصور والشهادات المدرسية معلقة على الحوائط الاربع .. صور لزينب وحدها واخرى تجمعها مع ناديا او مع الاهل والاصدقاء , واثني عشر شهادةً مدرسية تحمل كلها الترتيب الاول منفرداً او مشتركاً . وقفت ناديا امام احدى الصور كثيراً حتى ظن من معها في الغرفة انها لن تتحول عنها ابدا . كانت الصور لناديا وزينب تجلسان على كرسيين متلاصقين . قال على:
    ــ التقطت لهما هذه الصورة قبل اثنتي عشر عاماً في او ليوم نراها فيها .
    فالتفتت ناديا وقالت :
    ــ حضرت هي والمرحوم ابراهيم وكانا مايزالا عروسين جديدين واقام لهما احد اصدقاء المرحوم حفل صغير ودعانا اليه , ما ان دخلت ورايتها حتى شعرت بنفسي تنجذب اليها ولم استطع مقاومة رغبتي في التعرف عليها.
    اشارت ناديا الي الصور وقالت :
    ــ كانت تجلس هناك والنساء ينظرن اليها باعجاب وحسد معاً , كانت صغيرة مثل سني وآية في الجمال والروعة فقلت لعلى الذي كان يحمل كاميرا : حينما ينفض عنها جمع المهنئين واذهب للسلام عليها وتهنئتها تاتي وتلتقط لنا صورة , ومنذ ذلك اليوم لم نفترق ابدا .. لم ينجح شيء في ابعادها عني الا الموت
    ثم اضافت ودموعها تسيل .
    ــ لقد تشابهت حياتنا بل تطابقت في محطاتٍ كثيرة .
    قال على موجهاً كلامه الي محمد ومحمدو :
    ــ لقد ظلت ناديا تلح عليّ وتضغط لارجها الي السودان , لقد كنا في اواخر العام الاول لزواجنا وكانت تبلغ وقتذاك ثمانية عشر عاماً ولم تنجح في اقامة صداقة هناك , رما لفارق السن بينها وبين المتزوجات هناك وربما لاسباب اخرى كثيرة فشلت رغم سعيها لذلك حتى حضرت المرحومة فانستها امر السفر ولم تذكره مرة اخرى .
    قال محمد محاولاً جر على وزوجته للحديث في موضوع آخر بعيدا عن سيرة اخته الراحلة .
    ــ ولكنكم لم تعودوا كل هذه السنوات , اليس كذلك ؟
    قال على :
    ــ هي كانت ترفض بشدة ان تعود وحدها حتى لو كان ذلك لشهر واحد .
    سأل محمد ؟
    ــ ولماذا لا تاتي معها ؟
    فرد على :
    ــ لم تكن عودتي ممكنة في ظل النظام السابق ولو لا الانتفاضة واطاحة النميري ما عدت ابدا .
    قالت ناديا محاولة انهاء النقاش بعد ان رات ملامح الحزن في وجه زوجها
    ــ هذه قصة طويلة وساحكيها لكم تحت شجرة الليمون على ضوء القمر نجلس للسمر .
    وتحت شجرة الليمون حكت ناديا قائلة :
    ــ كان على وحيد ابويه وتوفيت امه وهو في الرابعة من عمره فسد اباه فراغها بجدارة , صار له اباً واماً ووفر له حياةً رغده وكريمة وحينما كبر على صارا اصدقاء .
    صمتت ناديا قليلا ووالصلت بنبرة حزينة .
    ــ كانت بينهما علاقة تعجز الكلمات عن وصفها , ما زلت اذكره في حفل زفافي ... لقد ظل يرقص معنا حتى الصبح وكانه ملاكا هبط علينا من السماء .
    ثم نكست راسها وقالت :
    ــ رحمه الله كان موته فاجعة عظمى قصمت ظهر على .
    سالت العازة ببراءه .
    ــ هل مات ؟
    ردت ناديا :
    ــ قتل .
    قال محمدو بدهشة
    ــ قتل !!!
    فقالت ناديا :
    ــ كان ضابطا كبيرا برتبة عميد في الجيش اتهم بالتخطيط لقلب نظام الحكم , اعتقل واعدم فورا مع مجموعة كبيرة من الضباط .
    سأل محمدو :
    ــ وهل كان ذلك صحيصا ؟
    فقالت ناديا :
    ــ لا احد يعلم .. لا احد , فهو لم يعد ليخبرنا , المهم ان على اقسم بيمين الطلاق ان يغادر البلد ولا يعود اليها ما دام نظام مايو يحكمها ... كانت المرة الاولى والاخيرة التي يحلف فيها بالطلاق .
    صمتت قليلا واضافت وهي تضحك لتبدد الجو الكئيب الذي خيم عليهم
    ــ كانت عودته تعني طلاقي , وعودتي تعني تحطيمه وقد مكثت معه وتوصلنا الي حل وسط : يحضر لي اهلي كل عام : امي وابي واخي , أي انني وطيلة اثنتي عشر عاماً كنتا اراهم في كل شهراً كاملاً يقضونه معنا هناك .
    سأل محمدو :
    ــ هل ستعودون مرة اخرى ؟
    ردت ناديا بسرعة :
    ــ كلا لن نعود , لقد حضرنا نهائياً وسنقيم بالخرطوم وستضر لنا في الاجازات المدرسية , اليس كذلك ؟
    أومأ محمدو براسه موافقا وواصلوا سمرهم الي ماقبل الفجر بقليل .
    قضت ناديا ثلاثة ايام زارت فيها قبر زينب ثلاثة مرات , كما نسجت خلال هذه المدة القصيرة علاقات متينة مع سيدات القربة وبناتها خاصة اميمة الماحي وتبادلتا كثير من الاسرار , فمثلا قالت ناديا لاميمة انها ستخطط لتزويج بنتها مستقبلاً من محمدو وانها ستاخذه ليقضي الاجازات المدرسيةمعهم بالخرطوم ليتعود عليهم ويحس انه في بيته حتى اذا ما دخل الجامعة اقام معهم بدلاً من السكن في داخليات الجامعة ووعدت اميمة ناديا بان تساعدها في تنفيذا هذا المخطط وباحت لها بقصة حبها لمحمد الامام الذي سدّ عليها منافذ الامل سنيناً طويلة بقسمه فطلب ناديا من اميمة ان تسمح لها بمناقشة محمد ولكن اميمة رفضت فقالت لها ناديا :
    ــ لقد قلت لي انك متاكدة من حبه لك كما انت متاكدة من وجودك معي الآن فدعيني اتحدث معه لعله يريد تشجيعاً .. قد يكون جمالك صده فقالت اميمة بدهشة
    ــ صده !! ان الجمال يجذب ولا يصد .
    فقالت ناديا :
    ــ قد اكون اخطات التعبير ولكن المعنى قريب من ذلك .
    ــ كيف ؟
    ــ حينما يتجاوز الجمال حدود العقل والمنطق فسيجعل المحب في حالة تردد وخوف وقد يعيش حياته كلها ولا يبوح .
    ــ انت تبالغين يا ناديا .
    ــ كلا يا اميمة بل اني اجزم ان أي شاب ينظر اليك سيتوقف نبض قلبه .
    ــ هذه مجاملة منك , انت انسانة رقيقة وراقية التعامل .
    ــ انا لا اجامل يا اميمة , وهناك شيء آخر ادهشني ولم اجد له تفسيراً
    ــ ما هو ؟
    ــ قريتكم هذه عجيبة وامرها غريب .
    ــ ما هو العجيب والغريب فيها يا ناديا
    ــ لقد اجتمعت فيها اضلاع المثلث الثلاثة : الخضرة والماء والوجه الحسن , وهذه اشياء قد تجتمع في منزل او عدة منازل ولكن في قرية بكاملها فهذا شيء يدعو للعجب !
    ــ هذا شيء طبيعي .. كل القرى التي تقع على ضفة النيل مخررة والنيل يعطي ساكنية افضل ملامحه .
    قالت ناديا وهي تتامل وجه اميمه وعيناها الصافيتان الجمال ....
    ثم اضافت :
    ــ قال لنا سائق التاكسي الذي نقلنا ال هنا ان هذه القرية مشهرة بالجمال وقال بالحرف : من ناحية الجمال فهي اشهر من علم على راسه نار .
    ــ هذا صحيح .
    ــ ليست النساء فقط .. حتى الشباب والرجال يتميزون بالوسامة والجاذبية , ترى ما السر في ذلك ؟
    ــ رما لانهم يتزوجون من بعضهم ولا يرضون بالغريب .
    ــ حسناً .. لنعود لموضوعنا الاصلي , لماذا لا تريديني ان اتحدث معه بشانك؟
    ــ الآن لا .
    ــ لماذا وفي استطاعته ان يكفر ن قسمه , كان من المفترض ان يكون لكم الآن ابناء وبنات .
    ــ لقد اعطاني اشارة وانا متفائلة بها .
    ــ ما هي , احكي لي كل شيء بالتفصيل .
    ــ قبل اسبوع واحد فقط , حضر الينا بعد المغرب وكان مصطفى قد خرج ولكنه اوصاني قبل خروجه ان ينتظره اذا اتى , وبالفعل ذهب وانتظره بالصالون فاعطتني امي صينية الشاي وقالت لي اذهبي بها اليه عسى الله ان يحلّ عقدة من لسانه .
    تبسمت ناديا وقالت :
    ــ الام مدرسة ..... ها واصلي .
    ــ ما ان وضعت صينية الشاي حتى قام وقال لي بانه سيحضر لا حقا فقلت له لا تكن ملولاً فالناس ينتظرون بالسنين ولا يملون وهناك من ينتظر الي اجلٍ غير مسمى وانت لا تستطيع الانتظار بضع دقائق .
    ــ انت اذا من بدات الاشارة وهو اكملها , ها ماذا حدث بعد ذلك ؟
    ابتسمت اميمه وقالت :
    ــ ردّ على اشارتي باحسن منها .
    اعتدلت ناديا وسألت :
    ــ كيف ؟
    ــ قال لي آن للمنتظر ان يرتاح ويسعد فهو قاب قوسين او ادنى من هدفه .
    ــ هذه اشارة غير كافية .
    قالت اميمة وكانها لم تستع تعليق ناديا :
    ــ لقد كان حزيناً وتائهاً وكانه يتيم يتوق لحضن دافيء , سالته عما به فقال لي ان اباه يتآكل من الداخل وانه هو نفسه يكاد ان يجن بسبب محمدو فقلت له : لقد اخطت بقسمك يا محمد فلو تزوجت وانجبت له اخوةً لما كان حاله هكذا ولما شعر باليتم ابدا , لقد حرمه قسمك من الجو العائلي الصحي الذي كان يجب ان ينشأ فيه فاعترف لي بانه اخطا .
    صمتت اميمة قليلا ومالت براسها الي الوراء وهي تقول :
    ــ قال لي انه سيكفر عن خطاه فقلت اساله بلهفة وبغير وعي : متى يا محمد فنظر الي نظرة دوختني وافقدتني تركيزي .
    فهزت راسها ومسحت قطرات العرق التي بللت جبينها ثم وضعت يدها في صدرها وهي تقول وكانها تخاطب نفسها ولا تشعر بوجود ناديا
    ــ يا الله .... لقد صرحت بها ملامح وجهه وارتعاش يديه وتحركت شفتاه لينطق بها ... كاد ان يقولها ولكن مصطفى دخل علينا فجاة ،،،،،
    قالت ناديا التي كانت مستغرقة حتى اذنيها ـ قالت بغير وعي ـ
    ــ تبا لمصطفى .
    ابتسمت اميمة وقالت
    ــ ليته ما دخل من الباب الامامي... ليته دخل من الباب الآخر .
    ــ ما الفرق ؟
    ــ لانه لو دخل من الباب الخلفي لكانت امي اخبرته ولكان تلكا في الحضور .
    ــ اذا فهو يعلم , هل انت من اخبره ؟
    ــ امي اخبرت ابي وابي اخبره وناقشه في الامر .
    ــ وبالطبع اباك اخبر امك بنتيجة النقاش وامك اخبرتك .
    ــ مصطفى وافق وقال ان عليّ ان انتظر ووعد بمساعدتي ولكن امي ليست هي من اخبرني لذلك .
    ــ اباك ؟
    ــ مصطفى نفسه .
    ــ متى كان ذلك ؟
    ــ قبل ثلاثة اشهر .
    ــ اذاً دعيني اقول لك ان زفافك قد حان وانني لا بدّ عائدة اليكم بعد اقل من شهر , لم يتبقى لي غير محمدو لعله يستمع اليّ ويذيب الجليد بينه وبين الناس .
    وجاهدت ناديا لتشرح لمحمدو ان الظلم الذي تعرضت له المرحومة امه شيء شائع في كل قرى ومدن البلاد وانه لا يجب ان يحاسب الناس على ذنب ارتكبوه بغير قصد وبحسن نية وان الآباء حينما يزوجون بناتهم كرها فانما يفعلون ذلك لا عتقادهم بان ذلك من مصلحة ومنفعة بناتهم وان مشاعر الابوة الطاغية هي التي تصور لهم ذلك واضافت :
    ــ الناس بدات تتعلم من اخطاءها , وماساة منال عوض الله جعلت الناس تعيد حساباتها ـ هكذا سمعت ـ ابتسم محمدو بسخرية وقال :
    ــ وانا ايضا سمعت بان منال لم تكن هي الوحيدة التي انتحرت , لقد كانت الرابعة , وبعد كذا سنة ينسونها ويعودون لجاهليتهم الاولى.
    ــ ولكني سمعت بان اميمة ـ وهي نفسها من قالت لي ذلك ـ بانها رفضت حتى الآن ستة تقدموا لها ولم يرغمها احد على قبول اياً منهم , اليس هذا دليلا على التغير ؟
    ــ هذه حالة استثنائية والجميع ينظرون لها بالدهشة والاستغراب .
    ــ يمكن ان تعمم هذه الحالة وتجعلها نموذجا يحتذى , قل لي كيف .
    ــ كيف ؟
    ــ بالعلم , ليس كافياً ان تتعلم ولكن يجب ان تنشر العلم وتعمل جاهداً ان تغير العادات الضارة الت توارثها الناس وتحارب التقاليد والاعتقادات الخطئة بسلاح العلم , افعل ذلك يا محمدو .
    ثم هزته من كتفه وهي ترجوه
    ــ هل تعدني ان تفعل ذلك ؟
    ــ سأفعل .
    ابتسمت ناديا ورفعت يدها بعلامة النصر قائلة
    ــ النصر لنا .
                  

05-01-2008, 10:04 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    (11)
    كان محمد الامام يجلس ساهما في عزاء والده وهو يسترجع الايام العشرة الاخيرة في حياة والده حين دبت فيه الحياة فجاة وامتلا بالنشاط والحيوية وحدث ذلك تحديدا منذ ان اولموا لناديا واسرتها الصغيره
    وحتى لحظة موته المفاجيء قبل ثلاثة ايام حين سقط في الجامع اثناء صلاة العشاء ليفارق الحياة بعدها باقل من نصف ساعة , حتى ابن اخته محمدو تغير وصار شخصا آخر تماما ولكنه عاد لسيرته الاولى وسلوكه الجاف بمجرد سفر ناديا وزوجها وبنتها , وما ان تذكر محمد الامام ابن اخته حتى صار يغلي من الغيظ ويقول لنفسه بحرقة : ثلاثة ايام لم يجلس في عزاء جده مطلقا , حتى تشييعه لم يحضره . وكان محمدو ومنذ وفاة جده قبل ثالثة ايام يخرج قبل شروق الشمس يتسكع ما بين النهر والحقول ومزارع الذرة ولا يعود الا بعد منتصف الليل ليغلق غرفته عليه لا يخرج منها الا فجر اليوم الثاني ولا احد يعرف اين ياكل لان الطعام الذي تضعه له اميمة الماحي في غرفته تجده في اليوم الثاني كما هو لم يمس , وتذك رحينما انتظره بالامس ـ بايعاز من اميمة ـ في غرفته التي هي بالاساس غرفة امه القديمة حتى عاد ليلا وساله : اين كنت ؟
    لم يجب محمدو فعاد خاله وساله مرة اخرى :
    ـ لماذا لم تحضر تشييع جدك ؟ ولماذا لم تجلس في عزاءه ؟
    قال محمدو وهو يسدد لخاله نظرة باردة
    ـ دعني وشاني
    كاد محمد الامام ان يفقد اعصابه وقال لابن اخته بغضب
    ـ لماذا تعاملني هكذا ؟ ماذا فعلت لك ؟
    فرد ابن اخته :
    ـ بل ماذا فعلت لك انا ياخالي ؟ انني اعاملك بادب واحترام ولم يحدث ان رفعت صوتي امامك .
    ـ ولكنك تعاملني كما تعامل أي شخص وانا لست كاي شخص , انا خالك ويجب ان تفهم معنى ان اكون خالك .
    ـ انا لا افعل شيئا رغما عني , وان كنت متضايقا مني فسوف اترك القرية كلها وارحل .
    هتف محمد الامام بذهول :
    ـ ماذا ؟!
    ـ ارجوك يا خال دعني وشاني , ان حياتي تسير بوتيرة منتظمة وانا راض عنها هكذا .
    ـ ولكن حياتي انا مقلوبة راسا على عقب , لقد ذهبت كل تضحياتي من اجلك سدى .
    وكانت اقل تضحية في نظر محمد هي تركه للجامعة ليتفرغ لتربية ابن اخته فحينما توفيت زينب كان هو قد اكمل السنة الاولى في كلية الزراعة بجامعة الخرطوم وكان في اجازة آخر العام حينما عاد محمدو رفض ان يذهب للجامعة مرة اخرى وصار يشرف مع اباه على الحقو المترامية الاطراف التي يملكها والتي تنوعت محاصيلها بفضله فدرت عليهم ارباحا وفيرة .
    تذكر محمد الامام ذلك فضرب كفا بكف وهو يقول بالم
    ـ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
    فربت حاج الحاج الماحي على كتفه وهو يقول
    ـ كن مؤمنا يا محمد فكلنا الي زوال ولا يبقة الا وجه ربك ذو الجلال والاكرام , ترحم عليه فقد كان رجلا فكن مثله .
    نظر اليه محمد وقال بحسرة
    ـ ليتني الحق به قبل ان .............
    ثم امسك عن الكلام وهو يدفن راسه بين ركبيته , فقال حاج عبد الناصر وهو يضرب كفا بكف ......
    ـ لا حول ولا قوة الا بالله.
    نظر مصطفى الماحي الي صديقه وعرف سبب النار التي تندلع داخله فقام وخرج من صالون العزاء وكان مشحونا بشعور غريب ومن غير ان يدري وجد قدماه تسوقاه باتجاه النهر , وفي اعلى المنحدر توقف وهو بالرجوع حينما لمح محمدو جالسا وحيدا ورجليه ممددة في الماء . فكر قليلا ثم نزلامنحدر ووقف خلف محمدو مدة طافت خلالها ذكريات شتى من الماضي البعيد , واستغرب حينما لم يلتفت محمدو وقال في نفسه : في أي شيء يفكر فلم يلمح حتى ظلي الممدد امامه !! وشعر برغبة جامح في آن يمد يده ويمسح بها على شعر محمدو فتردد قليلا ثم تقدم خطوتين وحيا محمدو وقال :
    ـ آمل ان لا اكون قد افسدت عليك خلوتك
    نفى محمدو ذلك بادب وطلب اليه ان يجلس . جلس مصطفى وقال
    ـ لقد وقفت خلفك لفترة ولم تلتفت اليُ ولم ترى ظلي فاين كنت ؟
    رد محمدو ـ كنت في زمن بعيد احاول رسم واقع له .
    ـ واقع ام ملامح ؟
    ـ ماذا تعني ؟
    ـ لا يستطيع الانسان خلق واقع لماض لم يعشه , بل يحاول خلق ملامح مستندا على ما سمعه او قراه من احداث وهذا الملامح لا تطابق الواقع كما حدث فعلا خصوصا اذا استند في صناعتها على روايات وحكاوي رواها له شخص اصابه الخرف واختلطت عليه الاحداث والاشياء .
    ـ انت تفهمني جيدا .
    ـ افهمك جيدا وهذا ما يجعلني قلقاً عليك .
    ـ حسنا لماذا لا تحكي لي وقائع ذلك الزمن وقد كنت احد ابطاله .
    حول مصطفى وجهه الي الناحية الاخرى وسرح التيار وقد تزاحمت في مخيلته احداث ذلك الزمن منذ ان كان طالبا بالمرحلة الابتدائية وحتى زفاف زينب الامام وعدتها بعد شهور قليلة جثة في صندوق .
    قال محمدو بعد فترة صمت طالت موجهاً لمصطفى سؤالاً مفاجئاً
    ـ هل كنت تحبها ؟
    دهش مصطفى لجراة محمدو ورغم الحرج الذي بدا عليه فقد اجاب بغير تردد
    ـ نعم
    ثم فكر قليلا وقال في نفسه : العازة لم تترك شيئاً . فاضاف
    ـ وقد حدث وتقدمت طالبا الزواج منها ولكن لم يحدث نصيب .
    قال محمدو
    ـ ولماذا لم يحدث نصيب ؟
    اجاب مصطفى بحيرى
    ـ كل شيء بارادة الله
    قال محمدو وقد بدا منفعلا قليلا
    ـ الله لا يتدخل في مثل هذه الاشياء طالمة خلق لنا ارادة وعزيمة , ما دخل ارادة الله هنا , كان الاجدى ان تقول
    : كل شيء بارادة العادات والتقاليد والاعراف المتوارثة
    قال مصطفى بحدة
    ـ محمدو ... ماذا تقول , لماذا تصر على جلدنا وجلد ذاتك بمثل هذا الكلام الجارح ؟
    ـ اليست هذه حقائق ؟
    ـ وهل تظن اننا نسكت عليها , هل تريد من الناس ان يغيروا طبع آلاف القرون بين عشية وضحاها ؟
    قال محمدو
    ـ ارجو المعذره ,
    ـ لا عليك
    ـ وماذا حدث بعد ذلك حينما لم يحدث نصيب ؟
    ـ لا شيء , عدت بعدها الي بورتسودان وواصلت عملى هناك .
    ـ هذه المرة عدت اليها بعلم اهلك وبرضاهم ؟
    ـ صحيح , ففي المرة الاولى ذهبت ولم يدر احد اين كنت حتى عدت واخبرتهم بنفسي.
    صمت مصطفى قليلا وقال محمدو
    ـ هل تعرف لماذا فعلت ذلك ؟
    وكان محمدو يعرف ولكنه قال :
    ـ لماذا ؟
    ـ لان البنات هن يزوجهن سريعا ولاول طارق , ما ان يقولوا للبنت كفى تعليما حتى كان ذلك ايذاناً باستقبال الطارق الاول .
    ـ ذهبت وصارعت الدنيا لتهيء نفسك لطرق بابها قبل ان يسبقك اليها احد .
    نكس مصطفى راسه ويده تعبث بالرمل وقال
    ـ ارايت انني اكثر منك حقدا على التقاليد والاعراف الظالمة ولكن كما قلت لك نحن لسنا يائسون ولا صامتون ايضا .
    ـ الم تفكر في الزواج بعدها ؟
    ـ اغرقت نفسي في العمل سنين طويلة وكونت ثروة ضخمة وآن الاوان لاطلق اولادي الذين احملهم في ظهري
    ـ هل صحيح انها كانت حزينة دائما ؟
    ـ من قال لك هذا ؟
    ـ احكي له عنها ولا تخفي عني شيء ؟
    قال مصطفى بتاكيد
    ـ صدقني يا محمدو ان لا شيء يدعو لان تكون قلقا ونافرا هكذا.
    قال محمدو :
    ـ لقد تقرضت امي لظلم فادح وعاشت حياة قصيرة كلها الم ومعاناه وهذا ما يؤلمني .
    قال مصطفى :
    ـ لقد كانت امك عظيمة ورقيقة كملاك .
    قال محمدو وموعه تترقرق في عينيه :
    ـ الجميع يقولون لي ذلك , المعلمون في المدرسة وكل اهل القرية وهذا ما يؤلمني ويعذبني .
    قال مصطفى بدهشة
    ـ اليس هذا مدعاة للفخر والاعتزاز ؟!
    رد محمدو وقد سالت دموعه :
    ـ لماذا حرمتني الاقدار من م بهذه العظمة والروعة ؟!!
    ايقن مصطفى ان محمدو يعاني من حالة يتم حقيقية فمسح على راسه بحنو وهو يقول :
    ـ ولكن الاقدار ايضا عوضتك بشخص لا يقل روعة وعظمة عن امك , شخص مثالي يحبه الكل ويحترمه , انا استغرب نفورك منه !!
    ـ انا ايضا احبه ولكني لا اظهر له ذلك .
    ـ لماذا يامحمدو ماذا فعل لك حتى تجعله يتعذب هكذا ؟! الا تعلم روح امك الطاهرة تتعذب بسبب ذلك ؟
    نكس محمدو راسه اليالارض ولم يجب فقال مصطفى
    ـ لقد كان خالك محمد احب اليها من نفسها , كان اذا مرض تظل طيلة الليل تنتحب الي جواره حتى تمرض هي الاخرى وكان هو يحبها اكثر من نفسه ومن ابويه .
    وسرح ببصره بعيدا وقال بحزن:
    ـ لم ار اخوين مثلهما , وما زلت اذكر قسمه على قبرها .
    قال محمدو :
    ـ احكي لي عن قصة هذا القسم
    ـ حينما دفناها جثا خالك القبر بركبتيه واقسم امام الملا ومازال وفياً لقسمه
    ـ احكي لي المقف كما حدث وشاهدته .
    قال مصطفى ومازال بصره شاردا :
    ـ مازلت اذكره بالحرف , نعم ان قسمه يتردد صداه الآن في اذني ... لقد قال اقسم لك يا اختي ان لا يشغلني شيء في الدنيا عن ابنك , ساكون له اباً واماً واخاً وخالاً وعماً وكل شيئا ولن اتزوج حتى يصير رجلاً , ثم دنا من القبر وهمس : هذا وعد يازينب .
    اجهش محمدو بالبكء علانية وامام شخص لاول مرة وقال
    ـ يا له من وفيا .....
    ـ وانت ايضا يجب ان تكون وفيا , لقد ظللت دائما منطويا ومنعزلا وتحقر كل من يحاول الاقتراب منك , حتى انا , حتى اميمة حينما تتحدث معك في هذا الموضوع بالذات تذهب صامتاً وتغيب لايام واسابيع وفي آخر مرة ناقشتك في امر علاقتك بخالك وجدك رحمة الله ذهبت وغبت عنها لاكثر من ثلاثة اشهر , لماذا تعذب خالك وتعذب الذين يحبوه ويحبونك .
    صمت مصطفى قليلا ثم اردف :
    ـ هل تعلم ان اكثر شخص احب خالك بعد المرحومة امك هو اميمة وانه ايضا يحبها ولكنه مقيد بقسم اقسمه من اجلك فاين وفائك يا محمدو؟
    نظر محمدو الي مصطفى وكان وحهه مبللا بالدموع فوضع مصطفى يده على كتف محمدو وواصل قائلا :
    ـ اسمع يا محمدو , ان ارواح الذين يموتون تظل تحوم حولنا . ترانا وتحس بنا وتنفعل لانفعالاتنا فاذا كان من يحبونه سعيدا سعدت الروح وان كان معذبا تالمت فلا تدع روح امك تتعذب لعذابك وعذاب اخيها , كن سعيداً من اعماقك لتسعدها واسعد خالك لتسعدهها اكثر .
    نظر محمدو الي مصطفى بحب وقال :
    ـ انت شخص رائع .
    قال مصطفى
    ـ حينما تندمج في الحياة ستجد الآخرون ايضا كم هو رائعون . الآن قم واذهب لعزاء جدك فانت لم تجلس في ماتمه منذ رحيله وبعد قليل ينفض الناس ويرفع العزاء .
    قام محمدو ومد يده قائلا
    ـ نذهب سوياً .........
    امسك مصطفى باليد الممدودة وقام وهو يقول
    ـ انا ساذهب لآداء واجب زيارة , اذهب انت وسالحق بك بعد ساعة .
    سار محمدو بخطوات نشطة مرتقياً المنحدر فتنفس مصطفى الصعداء وقال بصوت هامس .
    ـ فلترقدي بسلام يا زينب
    ** ** ** ** ** **
    كان صالون العزاء مكتظاً بالناس ومحمد الامام يجلس بينهم صامتاً وراسه منكسةً للارض وفجاة دخل محمدو واندفع ناحية خاله وارتمى عليه وهو يجهش بالبكاء فاحتضنه خاله بقوة وظل يربت على كتفه ويمسح له شعره تاره ودموعه تارة اخرى وهو صامت فتبادل الجميع نظرات حائرة ولم ينبس احدهم ببنت شفه . ظل الغلام ينتفض من البكاء في احضان خاله وخاله يبكي بصمت ودموعه تنهمر بغزارة وهو ينظر ناحية الباب وكانه يرى ما لا يراه غير فقال فجاة وقد خرج صوته غريبا وعميقاً وكانه خراج من اعماق جب .
    ـ اناس يموتون واحبائهم يحزنون عليهم ردحاً من الزمن , طال او قصر فستاخذهم الحياة الي احضانها من جيديد وتظل الايام في دورتها التي قدرها الله , الا حزني فهو مقيم :
    دنا منه حاج عبد الناصر وقال له :
    ـ استغفر ربك يا محمد وهدئ من روع ابن اختك .
    ثم وقف ورفع يديه قائلا بصوت عال :
    ـ الفاتحة على روح الامام .
    رفع الجميع ايديهم وشفاهههم تردد سورة الفاتحة بصمت وحينما ضم عبد الناصر يديه وقال :آمين . رد الجميع بصوت واحد : آمين فقال الحاج عبد الناصر وهو يرفع يديه مرة اخرى ،،،،
    ـ الفاتحة على روح الطاهرة خديجة عبد القادر وبنتها الطاهرة زينب .
    فقرا الجميع الفاتحة خلف حاج عبد الناصر الذي قال للمرة الثالثة :
    ـ الفاتحة على ارواح كل الذين سبقونا من اهلنا واحبائنا .
    فقر القوم الفاتحة للمرة الثالثة على ارواح الذين رحلوا من القرية الي الدار الآخرة , وحينما خيم الصمت مرةً اخرى همس الغلام في اذن خاله :
    ـ الا نذهب لزيارتهم ؟
    احتضن محمد الامام بن اخته وقال بصوت مسموع :
    ـ لنذهب .
    ثم شبك يده في يد ابن اخته وقال :
    ـ نعم لنذهب , هيا بنا .
    ثم سارا للخارج . تبادل القوم نظرات سريعة ولم يلبثوا ان تبعوهم . الصبية في الخارج انضموا اليهم ايضا وساروا خلفهم بصمت . في الطريق كان الجمع يزداد فكل من كان ذاهبا في حال سبيله او قاصداً مكاناً انضم اليهم حتى صار الجمع هائلاً يتقدمه محمد الامام وابن اخته محمدو والحاج عبد الناصر وحاج الماحي والعمدة الطاهر الزين وبعض شيوخ القرية , وعلى مشارف المقابر المسورة بحائط قصير توقفوا فرفع الحاج عبد الناصر يده محييا اهل القبور قائلا بصوت جهوري
    ـ السلام عليكم اهل قبور المسلمين .
    فردد الجمع التحية خلفه بصوت واحد فانتفض مصطفى الذي كان جاثياً على قبر زينب الامام يقرا الفاتحة على روحها والتفت خلفه بوجل فاصيب بالدهشة والذهول حينما راى الجمع الهائل الذي يردد مقاطع التحية خلف الحاج عبد الناصر وقال في نفسه بعجب : لم يحدث مثل هذا من قبل !! ماذا اتى بالقرية كلها هنا ؟! وتقدم نحوهم فراى من على البعد جمع من النساء يتقدمن ببطء وحذر فقال بصوت مرتعش : هذا يوم سيقف عنده التاريخ طويلا .!
    هم الحاج عبد الناصر وبقية القوم بالدخول ولكن محمد الامام استوقفهم قائلا
    ـ تمهل ياعم , تمهلوا يا قوم .
    وانتصب واقفا على الحائط القصير وادار لهم ظهره وصرخ قائلا وهو يرفع كلتا يديه نحو القبور .
    ـ يا ساكني القبور كم فيكم من مات ظلماً وقهراً , كم فيكم من قضى غماً وهماً . الآن دقت ساعة الظلم وسيدفن هنا فاهنئوا في رقدتكم واصفحوا عن ظالميكم .
    ثم استدار وواجه اهل القربة قائلا باعلى صوته
    ـ هنا ترقد زينب الامام التي انفجرت شرايين مخها , وهنا ترقد ابتسام العوض التي توقف قلبها ليلة زفافها , وهنا ترقد وصال الامين التي قضت يوم صبحيتها , وهنا ترقد اسماء عبد المحمود التي صارت تذبل من يوم عرسها حتى حملتهم جثتها هيكلا بعد شهر ودفنتموها هنا , ومن النهر انتشلتم هدى والتومة وعوضية ومنال اللائي انتحرن قبل ان ينحرهن عرفكم الباطل وعاداتكم الظالمة , وكثيرات غيرهن قد لا اعلمهن ... زهرات ريئات وادتموهن بايديكم وشباب ايضا لحق بهن من غير تاسفوا او تقدروا فداحة ما جنت ايديكم .الآن يجب ان تدفن كل المعتقدات والموروثات البائدة والاعراف الظالمة هنا وتطلبوا الصفح والغفران من قتلاكم .
    الشيوخ والرجال كانوا منكسي الرؤوس وبعضهم سال دمعه رغماً عنه , وكان اكثرهم شعوراً بالعار والخزي هو العمدة الطاهر الزين الذي خطر له ان يميل على الناظر وداعة الله السيد ليساله : هل ترى ما اراه ؟
    ولكنه حينما اغمض عينيه وظل الذي يراه واقفاً امامه لم يختفي او يتلاشى عدل عن سؤال الناظر ومدّ يده في الهواء ليتاكد هل الذي يراه وهماً ام حقيقة ولكن يده لم تلامس الا الفراغ ورغم ذلك ظلت منال عوض الله وامها تحدقان فيه فقال بصوت مرتعش شمعة الناظر : ليتني مت قبل هذا اليوم .والشباب والصبية كانوا ينظرون الي محمد الامام بدهشة وبين الفينة والاخرى يلتفتون خلفهم نحو النساء والفتيات اللائي كن يتبادلن نظرات اختلطت فيها كثير من المشاعر التي فاضت ولم يستطعن كبحها فانطلق هتافهن بصوت واحد : يحيا الحق ويموت الباطل يحيا الحق ويموت الباطل ... هتاف قوي وحار زلزل اركان المقابر . تقدم الحاج عبد الناصر وتسور الحائط القصير ووقف بجوار محمد الامام ومد عصاه نحو الشيوخ امامه قائلا :
    ـ هل تعرفون أي حقاً يهتفون بحياته واي باطل يهتفون بموته ؟ هل ستسالون نساءكم وبناتكم حينما تذهبون من هنا ؟! انا اخبركم , انه حقهن الذي اعطاه لهن الله وسلبتموه انتم , حقهن الذي منحه لهن الاسلام في اختيار شريك حياتهن بغير ضغط آو اكراه تماماً كما اعطي ذلك للرجل فالبستم انتم هذا الحق ثوب الباطل ,, فعلتم ذلك وانتم تدركون ان ذلك ذنباً واثماً ولكنمكم تماديتم قائلين : هذا ما وجدنا آباؤنا عليه وكانكم تعيشون في ايام الجاهلية . ثم مد يده مائلة الي الخلف يشير بها الي القبور وهو يقول :
    ــ عند كل قبر دفنا فيه احدى الضحايا كنت اردد لكم الآيات والاحاديث التي تحث على العطف بالابناء والرفق بالقوارير واشرح لكم معنى قوامة الرجال على النساء وحق البنات في ابداء الراي بالقبول او الرفض وشواهد القبور تشهد على ذلك ولكنكم كنتم تصمون آذانكم عن قولي وتواصلون ذبح بناتكم . ثم دق بعصاه سطح الحائط بغض واردف .
    ــ ولكن باطلكم هذا سيموت الآن وسيدفن هنا للابد شئتم ام ابيتم ومنذ اليوم لن تكون هناك عمودية بالتوارث وسيكون الامرى شورى .
    تقدم العمدة الطاهر الزين واشار الي عبد الناصر قائلاً بغضب شديد
    ــ انزل يارجل وكفى عبثاً , ان للمكان حرمةً وحقاً يجب ان نرعاه .
    رد حاج عبد الناصر :
    ــ انتم لم تراعوا لهم حقاً وهم احياء والآن تتحدث عن حقوقهم وهو اموات , انا لا اعبث يا حاج الطاهر وانت لم تغضب الا للمنصب الذي هدده كلامي . اسمعني يا عمدة واسمعوني جميعا : الآن يجب ان تدخلوا وتطلبوا الصفح , اعترفوا بذنبكم على شواهد قبورهم عسى ان يغفر الله لكم وانا اول المعترفين .
    ثم قال وهو يهم بالنزول .
    ــ هيا ادخلوا واغتسلوا من آثامكم وادعوا بالرحمة والمغفرة لموتاكم .
    وكان محمدو يمسك بيد مصطفى وهو يراقب ما يحدث بذهول شديد فدنا من مصطفى هامساً .
    ــ ان خالي اعظم واشجع رجل في الدنيا .
    ضغط مصطفى على يده وقال :
    ــ يجب ان تكون مثله .
    دخل الناس وتفرقوا في القبور والنساء بقين مترددات بين البقاء والذهاب فزجرهن عبد الناصر قائلاً :
    ــ والآن ماذا تنتظرن , اذهبن الي بيوتكن .
    فغادرن وهن يكدن ان يطرن من الفرح وطيف محمد الامام الذي فجر الثورة من اجلهن يداعب خيال البنات والصبايا والامهات مشدوهات لا يطن يصدقن ما حدث . العمدة بقي واقفا في مكانه وهو مطرق الراس يدق بعصاه على الارض بعصبية ويده الاخرى تعبث بذقنه التي لم يحلقها منذ ثلاثة ايام فتقدم منه عبدالناصر والناظر وداعة الله السيد فبادره عبد الناصرقائلا :
    ــ هل انت غاضب مني يا عمدة ؟
    فانفجر العمدة كالبركان قائلا :
    ــ انت يا عبد الناصر تفعل بي ذلك ؟ انت صديق عمري واقرب الناس الي قلبي تشمت في الصغير والكبير وتجعلني اضحوكة النساء ؟ لماذا فعلت ذلك ؟ لماذا ؟!
    حاول عبد الناصر ان يتكلم ولكن العمدة رفع يده اليسرى في وجه عبد الناصر قائلا ووجهه يرتجف :
    ــ لا اريد ان اعرف , دعاني وشاني .
    ثم استدار ليذهب ولكن الناظر امسكه من كتفه وقال له
    ــ لا تدع الغضب يعميك يا عمدة ........
    فقاطعه العمدة قائلا
    ــ يعميني عن ماذا يا حضرة الناظر ؟!
    ثم اردف بحسم وهو يوجه حديثه لبعد الناصر ،،،،
    ــ ما تخطط له لن يحدث ابدا .
    واستدار ذاهبا ولكن الناظر لحق به واقسم عليه بالطلاق ان لا يذهب حتى تحل هذه المشكلة حلا جذريا يرضى الطرفين معاً ولكن العمدة الغضب رفض البقاء فامسك به الناظر وقال له بدهشة :
    ــ هل تقبل ان اطلق امراتي بعد هذا العمر ؟!!
    فلم يجد العمدة بدا من البقاء فانتحوا بعيداً فبادر الناظر العمدة قائلاً
    ــ تذكر انني اقسمت بالطلاق ان لا تذهب قبل ان نتم حديثنا .
    قال العمدة :
    ــ ليس بيننا حديث يقال , هذا الرجل يخطط منذ زمن بعيد لانتزاع العمودية مني وانتم تساعدونه وبؤيدونه ولكني اقول لكم وهذا آخر ما عندي من قول : لن اتنازل او اترك حقا ورثته من آبائي واجدادي الذين اسسوا هذه القرية .
    قال الناظر :
    ــ عبد الناصر لم يطلب منك يوماً ان تتنازل او تتنحى , كل مطالبه التي نوافقه عليها جميعا هي ان تسمى لنا خلفية غير ابنك .
    قال العمدة بانفعال :
    ــ وماله ابني ؟! الانه يسكر ؟ رئيسكم الذي حكم البلاد كلها ستة عشر عاما كان يسكر!!
    قال عبد الناصر :
    ــ وماذا كانت النتيجة ؟ لقد قاد البلاد الي الهاوية وقد رايت كيف كانت نهايته .
    قال العمدة على الفور :
    ــ انت اذا استوحيت فكرتك الجهنمية من الانتفاضية التي اطاحت بالنميري , ارايت كيف يفكر الداهية يا وداعة انا الآن اشك في ان الناس تجمعوا عفوا , لقد تجمعوا بتحريض مسبق منه .
    قال عبد الناصر وقد كاد ان يفقد اعصابه ,,,,,,,,
    ــ انا لم اخطط لشيء ولم احرض احداً وانت تعلم ذلك جيداً .
    قال الناظر :
    ــ اهدآ حتى نعرف كيف نتفاهم
    فقال العمدة :
    ــ ليس بيني وبينكم تفاهم , انتم متفقون علىّ , اين او عاقلة واين الماحي ؟ لماذا انسحبا ؟!
    قال الناظر :
    ــ ابو عاقلة لم ياتي حتى ينسحب , انه ليس موجودا بالقرية , والماحي انت تعلمه رجل حنين ورقيق القلب ودائما يتجنب مثل هذه المواقف , ونحن جميعاً .. اهل القرية كلهم متفقون ولكن ليس ضدك وما يهمنا هو مصلحة القرية وهي فوق كل اعتبار آخر .
    ضرب العمدة كفاً بكف وهو يقول :
    ــ عدوي الانتفاضة انتقلت الي قريتنا المنسية ... ماذا دهاكم يا قوم , انتم تعلمون ان العمودية شيءٌ شكلي , قولا لي ما هو النفوذ الذي اتمتع به ... انا لا سلطان لي على احد وكثيرا ما انسى انني عمدة .
    قال عبد الناصر :
    ــ وهذا هو مربط الفرس , انظر الي الاراضي الموقوفة على القرية لقد اصبحت بوراً وخازن الجمعية فارغة منذ زمن ... العمودية تحتاج الي دم جديد يردفها .
    التفت العمدة الي الناظر قائلا وهو يشير عبد الناصر
    ــ الم اقل لك انه يسعى لانتزاعها مني ؟
    قال عبد الناصر :
    ــ لم اقل يوماً تنحى ولكننا كنا جميعا نناقشك كاصدقاء في امر الخضر الذي لا يكاد يفيق من السكر ولايمر عليه حول الا طلق وتزوج , لقد جاوز الاربعين ولم ينصلح حاله , لم نره يوما في فرح او كره , هل نسيت يا عمدة ما فعله ابنك في العام الفائت , الم يذهب ليتزوج في قرية اخرى والناس مجتمعون هنا في عزاء خاله الذي لم تجف تربته ؟هل مثل هذا الشخص يصلح ليكون عمدةً يا عمدة ؟ لقد اعيتنا الحيلة معك وانت ترفض ان تغادر العمودية بيتك , لو ان رزقك بابن لكان الامر تغير .
    قال العمدة :
    ــ ولكنني مازلت قادرا على الانجاب .
    قال عبد الناصر بنفاذ صبر :
    ــ ونحن قلنا لك ان الذي ستسميه لنا خليفة لن يصير عمدة اذا اكرمنا الله بولد من صلبك وان التسمية كان لم تكن , نحن نريد فقط اجراءاً ضامنا حتى لا يثير الخضر المتاعب اذا حدث لك امر الله .
    قال العمدة :

    أنا ليس لدى اخوه وليس عندى غير الخضر و ....................

    فقاطعه عبد الناصر :
    أنت دائماً معانداً ومكابراً ترفض الاعتراف بأخطائك
    والتفت ناحية المقابر وهو يواصل قائلاُ :
    وبعض هذه الاخطاء كان قاتلاً ولو كنت مكانك لتنحيت فوراً
    قال عبد الناصر ذلك وهو يعلم أنه يثقل على صديقه العمده ولكنه كان مضطر لتكثيف الضغط عليه حتى يرضخ لمطالبه إنفتح الجرح الغائر في أعماق العمده فشعر بغصة في حلقه وهو يقول
    هل تقصد بنت عوض الله يرحمها الله ، لماذا تحملونى ذنبها وأنتم تعلمون أننى ما قصدت إلا الخير ، تعلمون جيدا أن غرضى كان توفيق رأسين في الحلال
    فقال عبد الناصر :
    وأنت تعلم ان ود الصديق ليس فيه ذرة من خير أو حلال ، إنه ابن سفاح ولص وزان وسكير وما كان يجب ان تذهب معه .
    ود الصديق لا أهل له وأنا ذهبت معه بصفتى العمده وأبو الجميع هنا ، وكان عشمى ان الزواج سيصلحه ويكفينا شره .
    حتى لو كانت نيتك خيرا بحكم ان الزواج سيصلحه كان يجب ان تفهمه أن لا يتزوج إلا إمراة من طينته .
    تدخل الناظر قائلاً :
    يرحمها الله هي وامها ، كفى يا عبد الناصر كفى
    ولكن عبد الناصر واصل قائلاُ :
    دعنى يا وداعه ، يجب أن ننتهى من هذا الأمر الان فالمرء لا يضمن هل يعيش اللحظة القادمه ، والعمده وأنت وأنا كلنا لم يتبقى لنا الكثير من العمر لنعيشه ، غداً أو بعد غد نرحل ويجب أن نضع الأمانة بين يدى رجل يرعاها بصدق وأمانة وفوق كل هذا بهمة ونشاط ، أنا لم أطلب يوماً من الطاهر أن يترك العمودية ولكننى أطلبها منه الآن ، ونظر إلى العمدة وقال بحسم
    يجب أن تتنحى
    لم يتفاجأ العمده فقال :
    لصالح من ؟
    لصالح أي شخص تراه مناسباً غير إبنك
    وإن رفضت ,,,,,,,,,,,,,
    في هذه الحاله فسأعلن الأمر للناس يوم الجمعة وعليها أن تختار عمدتها الجديد
    لوفعلت ذلك فستكون قد أنهيت علاقتنا للأبد .
    سأظل صديقك رغماً عنك وسأزورك شئت أم أبيت وستحضر مجلسنا أمام الدكان يومياً .
    قال الناظر محاولاً تلطيف الجو بين الصديقين
    وإذا امتنعت عن الحضور فسنأتى ونحملك بالقوه .
    قال العمده للناظر :
    أنا سأفترض أنك لا تعلم نوايا عبد الناصر وأسالك سؤالاً
    ثم التفت إلى عبد الناصر وقال له :
    أنت لا تتحدث أبداً ، ولا تقاطعنا ، ثم سأل الناظر :
    لو أثار عبد الناصر الأمر يوم الجمعه وطلب من الناس أن تنتخب عمده جديد فمن هو الشخص الذي سوف يجمعون عليه برأيك ؟
    فهم الناظر المعنى فقال :
    ولماذا تفترض أنه عبد الناصر ياعمده ؟ أنه ليس المثال الجيد الوحيد في القريه
    ولكنه الأكثر تأثيرا على الناس وسينخبوه بالإجماع ، أرأيت كيف خطط صديقك !
    الأمر ليس كما تظن يا عمده .
    فتحدث عبد الناصر قائلاً :
    بل هو كما يظن يا حضرة الناظر
    فصدق الناظر لوهلة أن عبد الناصر يسعى للعموديه فعلاً فقال له
    إذا فظنون العمده صحيحه !
    قال عبد الناصر :
    نعم إنها صحيحة ، ولكن ليست كلها
    فنظر إليه العمده وقال بأسف :
    مبروك يا عبد الناصر وأهنئك على تخطيطك الشيطانى وتذكر أنه لن يضمنا مجلس بعد اليوم .
    ثم التفت إلى الناظر وقال له :
    ها قد حلت المشكله من جذورها وأنا راض .
    واستدار ليذهب فقال عبد الناصر على الفور .
    الناظر أقسم بالطلاق والمشكلة لم تحل بعد لأنك لم تعرف من هو الشخص الذي سارشحه للناس في حال انتخبونى وقد لا ترضى عنه .
    قال الناظر :
    ماذا تقصد ؟
    أقصد أننى لن أقبل أن أكون عمدة ، العمده يا حضرة الناظر يجب أن يكون شاباً وسأرشح لهم شابا لن أشاح العمده بيده وقال :
    وماذا فعلت حينما تتتازل عنها لأبنك ، الأمر سيان
    قال عبد الناصر :
    ليس أنا من يفعل ذلك وأرجو أن لا تسئ بي الظن أكثر من ذلك .
    إلتفت العمده و قال :
    إذا فهو محمد الأمام
    قال عبد الناصر :
    إذا فهو محمد الأمام
    قال عبد الناصر :
    لن أرشحه حتى لا تقول أننى أخذت العموديه منك لاضعها في بيت أقربائي
    قال الناظر لعبد الناصر بغضب وضيق شديد
    لماذا تمارس معنا لعبة القط والفأر ؟! قل لنا من هو وأرحنا
    قال عبد الناصر
    إنه أبن الماحى ... مصطفى ... ما رأيكم
    بدا السرور على وجه الناظر وقال
    إختيار موفق وصائب ، مصطفى زين شباب البلد ما رأيك يا عمده ؟ لو كنت غير موافقاً عليه فبإمكاننا إختيار شاب أخر ، شبابنا أفضل شباب الوجه البحرى كله
    قال عبد الناصر للعمده بلهجة حانيه
    تنتازل يا أخى ودعنا نعيش ما تبقى لنا من أيام بسلام وهدوء
    بدت آثار التفكير العميق على وجه العمده فأردف عبد الناصر
    لا تتنازل ... أنا أسحب طلبي لك بالتنحى ، فقط وافق عليه خليفة لك واعلن ذلك للناس
    قال العمده لعبد الناصر
    هل اتفقت مع الماحى على هذا الأمر ؟
    فأقسم عبد الناصر بأغلظ الإيمان أن الماحى لا يعلم شيئاً لا هو ولا إبنه مصطفى وأنه كان ينوى قبل لحظة فقط أن يرشح محمد الأمام وأضاف
    ولكنني سحبت ترشيحه بعد أن كلت لي التهم : مرة أتهمتنى بأننى طامع فيها ، وأخرى طامع فيها لأبنى فسحبت ترشيح محمد لأنه قريبى حتى أدفع التهم عن نفسى وارضيك .
    لمعت عينا العمده وهو يقول :
    سيكون لكم ما تريدون ولكن امهلونى وقتا ، شهرا على الأقل ولا يثر أحدكم الموضوع بعد ذلك أبداً حتى اعنله أنا للناس ويجب أن تعداني بذلك
    قال عبد الناصر في نفسه : لقد خطر له أمر وهو يدبر لشيء ما . فسأله
    ولماذا شهر يا عمده ؟
    فثار العمده في وجه عبد الناصر
    سبحان الله يا عبد الناصر ، ألا تريد أن يكون أبن الماحى هو العمده بعدى ؟
    قال عبد الناصر :
    بلى ،،،،،،،،،،،
    وأنا سأريحكم من الأساس ، سأتنازل له .
    قال عبد الناصر والناظر بصوت واحد وهما غير مصدقان ن
    تتنازل !!!!
    نعم أتنازل ، لقد مللت منكم ومن إلحاحكم ومن العمودية بنفسها وأنا أحتاج وقتاً أسوي فيه الأمر مع إبنى وأقنعه بالتنازل
    قال الناظر :
    حسناً ... حسناً خذ شهران أو ثلاثه ,,,,,,,,,,
    فبدت علامات الإرتياح على وجه العمده وقال :
    لا تتحدثان بهذا الأمر بعد ذلك أبدا حتى في مجلسكما الخاص ، لا أريد أن يعلم أحدا ... حتى مصطفى نفسه فقال عبد الناصر في نفسه مجددا : ترى لأي أمر يدبر ؟
    نظر إليه العمده واستنتج ما يفكر فيه فقال له :
    غداً أو بعد غد أو ربما الليلة نفسها ستعرف بماذا افكر وستعلم نيتى وحينما تعلم يجب أن يظل الأمر سراً حتى اعلنه أنا للناس
    قال الناظر :
    أنا لا أفهم معنى كلامك !
    ستفهم ، وفي كل الأحوال أكتما الأمر
    واستدار ذاهبا بإتجاه القريه فقال له عبد الناصر بصوت عال
    ألا تدخل لقراءة الفاتحه ؟
    فرد عليه من غير أن يلتفت
    وهل تركت لي وجهاً أدخل به
    ثم التفت قائلاً من غير أن يتوقف
    غداً سأتى وأزورهم واحدا واحدا
    دخل عبد الناصر والناظر المقابر وذهب كل منهما في اتجاه . بحث عبد الناصر بعيونه عن حاج الماحى فرآه واقفاً بالقرب من قبرى والديه فتقدم منه وقرأ الفاتحه على روحهما وما أن أتمها حتى بادره حاج الماحى
    ها .. ماذا فعلت مع العمده ؟
    لقد طلبت منه أن يتنحى
    توقعت منك أن تعتذر له أن تزيد الطين بله ، أنت يا عبد الناصر تثير الأمر علنا وأمام النساء وتحرج الطاهر !!!
    لقد أخذتنى الحماسه وزل لساني بها رغماً عنى ولكننى قلت ما دام إبتللت فسأعوم حتى أحسم الأمر
    لقد كان الأمر محرجا
    الطاهر رجل طيب القلب ، صحيح أنه سريع الغضب ولكنه طلب منا أن نكتم الأمر حتى يرتب الوضع مع الخضر ثم بعد ذلك يعلنه بنفسه للناس
    ومن سيستلم منه ؟
    ***************
    عموما أنت أكثر من يستحقها لأنك الأكثر إحساساً بمشاكل الناس
    وهل ضغطت عليه وأغضبته ليتركها لى !! كلا يا أخي ، نحن في حاجة لعمده شاب وذو همه عاليه يستطيع أن ينظم شئوننا في الإنتخابات القادمه ، لقد اقترحت عليه أحدا لن يختلف عليه إثنان وقد وافق عليه .
    إنه محمد الإمام أليس كذلك ؟
    ليس هو ولن أخبرك به لأن الطاهر أخذ علينا عهداً أن لا نخبر أحداً
    تغبرت ملامح الماحى وقال لعبد الناصر
    وهل أنا أحداً غيركم ؟! لقد انسحبت بإرادتى ولو بقيت لعرفت من هو ولو رآنى الطاهر الأن فسيخبرنى صمت عبد الناصر فقال الماحى
    تكلم يا رجل ، أم أنك تظن أننى سأطوف القرية بيتاً أقول لهم عمدتكم هو فلان ! الطاهر محقاً بطلبه كتمان الأمر حتى يسويه ويخرج به بصورة تحفظ ماء وجهه ولكن ليس علي
    قال عبد الناصر :
    وهل تعدني أن لا تناقش الأمر ولا تذكره حتى أمام أهل بيتك
    أمرك عجيب !! أعدك
    إلتفت عبد الناصر ناحية قبر الأمام وقال :
    إنه هناك
    قال الماحى وهو يرسل بصره في الإتجاه الذي التفت إليه عبد الناصر
    هناك أين ؟
    هذا الذي يقف بين إبنا الرحوم حاج الأمام
    قال حاج الماحى بدهشه
    مصطفى !!!!!
    نعم مصطفى ، إنه عمدتنا الجديد
    صمت حاج الماحى طويلاً فسأله عبد الناصر
    ماذا بك ، هل أخطأت باختياره ؟
    لا أظن أنه سيوافق
    قال عبد تالناصر وقد بدا عليه الغضب
    لا يكون رجلاً إذا رفض واجباً كلفته به بلدته ، إن الأمر تكليف وليس تشريف وإن كان هناك سبباً يعجزه عن القيام بهذا الواجب فعليه إعلانه للناس
    سوف يظن بى الطاهر الظنون .... لن أو افق
    إسمع يا أخي ، لقد وعدتنى أن يظن الأمر سرا ويجب أن يكون كذلك حتى يعلن الطاهر للناس تنازله وتقديمه لمصطفى مرشحاً ووقتها فقط لك الحق أن تعترض ولكنك ملزما أن توضح على الملأ أسباب إعتراضك والحكم للأغلبيه
    فكر الماحى قيلاً وسأل عبد الناصر ؟
    هل قال لك الطاهر أو لمح لك بأن الأمر مدبر بيننا ؟
    سألني إن كنت تعلم فأقسمت له بأنك وأبنك لا تعلمان شيئاً ، وسأقول لك أمر حتى اريحك ، لقد طلبنا إليه أن يبقى عمدة ويوافق أن يخلفه مصطفى ولكنه وافق أن يتنازل له بمحض إرادته وكان يبدو راضياً
    أنت تعلم يا عبد الناصر أن مصطفى كثير المشاغل .... أراضى وكماين طوب ولو ارى
    اللوارى تذهب وتأتي بإبراداتها فهو نظم عملها جيداً مع إدارة الغابات ، والأرض والكماين أنت المسؤول عنها وهو ينظم لك الشئون الحسابيه ليس إلا
    حسنا لنؤجل الكلام في هذا الموضوع حتى يحين أجله
    بدا الإرتياح على وجه عبد الناصر وقال مغيرا الموضوع على الفور
    هذا يوم " عظيم
    فرد حاج الماحى
    بإسستثناء أيام الحج فهذا أعظم يوم أشهده في حياتي
    أنا أستغرب كيف حدث هذا ، وهنا !!
    لقد ألقى محمد بالحجر الأول في البركه الساكنه ثم ثار البركان الكامن في النفوس .... لو حكى لى أحد بما حدث اليوم فلن أصدقه أبداً ، أنا شاهد العيان أكاد لا أصدق وأظن أننى في حلم
    هل تظن أن هذا اليوم سيسقط من ذاكرة الزمن ؟
    لن يسقط ، فما حدث اليوم سيجله التاريخ
    أنت محق فما اليوم سيحمله الرواة ويحدثوا به أهل القرى والحضر
    أعتقد أن أهل السودان كلهم سيسمعون به ، بل إنى أجزم بأن سوار الذهب * نفسه سيسمع بما حدث اليوم هنا فقال عبد الناصر وهو يتنهد
    أتمنى أن يحتذو حذونا وبفعلوا ما فعلنا
    فقال حاج الماحى بتأكيد
    تمنى يا عبد الناصر تمنى فهذا يوم تحقيق المنى ، فأنا أشعر بإن الله سبحانه وتعالى قد نزل من عليائه ومعه كل ملائكته ، أشعر به بيننا الأن
    ثم أضاف وهو يفرك يديه
    سبحان الله ، هذا شعور لم أشعر به قبل ذلك إلا في أيام الحج
    قال عبد الناصر :
    أنا لا أتمنى إلا الخير لهذه القريه وأهلها
    ثم أضاف يسأل حاج الماحى
    وأنت ماذا تمنيت على الله يا حاج الماحى ؟
    أمنيتان ، عاجله وآجله ، أما الأجله فهى الرحمة والمغفرة لموتانا
    والعاجله ؟
    والعاجله ؟
    لن أصرح لك بها فهى شأن خاص
    أظننى أعرفها
    قال حاج الماحى في سره : هذا الرجل تزيده الأيام فظنه وذكاءا . فسأله
    ما هي ؟
    فأشار عبد الناصر ناحية محمد ومصطفى ومحمد وقال
    أظنك تمنيت على الله أن يهدى هذين الشابين ويرزق كل منهما بالودود الولود
    وكان هذا فعلاً ما تمناه حاج الماحى وتضرع إلى الله أن يحققه مع إختلاف بسيط ، فقبل لحظات من وصول حاج عبد الناصر كان الماحى قد تذكر فجأة يوم أن جاءته زوجته قبل ثلاثة أشهر وبضة أيام تقول له :
    إبنتك ستعنس يا رجل ، إفعل شيئاً . فقال لها : وماذا أفعل ... هذا شأن يخصها . فقالت المرأة : لقد تقدم لها حتى الآن خمسه والسادس لن يأتي أبداً ، أي شاب سيعتقد أنه سيقابل بالرفض لذلك لن يتقدم إليها أحد بعد الآن ... أفعل شيء فأنت أباها وصاحب الرأى الأول والأخير . فرد عليها : هي وحدها صاحبة الرأى في هذا الشأن ودورى ينحصر فقط في تقديم النصح والمشوره . فقالت المرأة بدهشه : إذا فأنتما متحالفان ، هل يعقل أن توافقها على إنتظار المستحيل !! إن ذلك لن يتحقق إلا بعد سنين طويله وستكون قد شاخت . فسالها : عن من تتحدثين يا أمراة ومن هو الذي تتنظره سنين ؟! فقالت المرأة : ألا يعلم ؟ فقال لها : تحدثى يا امرأة فردت زوجته : إبنتك عاشقه ، إنها متيمه . فقال بنفاذ صبر : عاشقه ! ويحك يا امرأة من هو ؟!!! فقالت تحب ابن الإمام . فشعر بالإرتياح وقال بغير إكتراث : لا بأس . فقالت المرأة بعجب : أقول لك ابنتك تعشق محمد الأمام وتقول لى لا بأس !!!!!! فرد عليها : لأننى أنا نفسى كنت سأعشقه لو كنت بنتا . ثم دنا من زوجته وهمس في أذنها بمرح : وما الحب منى = ولا شياً بأيدينا .
    أظن أن البيت هكذا ، نعم إنه هكذا . فقالت زوجته : لماذا تأخذ الأمر بكل هذه البساطه ؟!!! فرد : بل هو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لي فمحمد شاب رائع ومثالى حباه الله بكل شيء ، جمال الروح والأخلاق وجمال الطلعه والوسامه... كلما رأيته ذكرنى طبعه وشكله بالنبى يوسف عليه السلام . فقالت زوجته : وهذه هي المشكله لأن نصف فتيات القرية كإبنتك يحببنه بصمت . فقال لها : والنصف الباقي من يحببن ؟ لا بد انهن يحببن مصطفى . ثم أضاف بنفس البساطه والمرح : لا تخافى فإبنتك أجمل من في القريه ، بل هى أجمل من في الوجه البحرى كله شرقه وغربه ....
    حينما يتزوجان سينجبان بناتا كالحور العين ، فقالت المرأة بسخريه : يتزوجان .. متى ؟ هل نسيت قسمه ؟! فقال : أباه يمارس عليه ضغوطا ليكفر عنه ، وحتى لو لم يفعل فبعد عامين سينتهى مفعول قسمه ولن يكون سارى المفعول . فسألت المرأة : كيف وقد اقسم أن لا يتزوج إلا بعد أن يصبح محمد و رجلاً يعتمد على نفسه . فقال : لقد سأل أباه الشيخ أحمد أبو عاقله بأن محمد لا يستطيع الزواج إلا بعد يصير محمدو رجلاً وكل من احتلم أصبح رجلاً يمكنه الإعتماد على نفسه في قضاء حوائجه ، أى أن مدة القسم هى إحتلام محمدو إلا في حاله واحده فقط . سألت المرأة بلهفه : ما هي
    ؟ فواصل قائلاً : إلا إذا كان محمد قد نوى ساعة نطقه بالقسم إن يصير محمدو رجلاً يعتمد على نفسه من الناحية الماديه وفي هذه الحالة لن يتزوج إلا بعد أن يستقل محمدو مادياً ويكسب قوت يومه من عرق جبنيه ، وقد سأل أبو عاقله محمد هل نوى ساعة أقسم فأجاب محمد بأنه لا يدرى لأنه ساعة الحد اخته وأهالوا عليها التراب أقسم وهو مشحوناً بالألم والحزن . فسألت المراة : وبماذا أفتى الشيخ ؟ فرد عليها قائلاً : قال ان النيه غير متوفره ويستطيع الزواج بعد أن يبلغ الصبى مبلغ الرجال ، أى عند إحتلامه إلا إذا كفر فلا تثريب عليه . فقالت زوجته وقد بدا الإهتمام على وجهها : وهل نوى الكفاره ؟ فرد عليها : أباه توسل إليه أن يكفر ولكن محمد أصر أن يبر بقسمه لاخته الراحلة . فقالت المرأة : والحل ؟ فكر قليلاً ,,,
    ورد : على بنتك أن تنتظر عامان آخران . فقالت زوجته : وربما ثلاثه . فقال : محمدو سليم البنيه وهو ينمو سريعاً ، ثم إنى أفضل أن تنتظر عشرة أعوام لتتزوج من محمد على أن تتزوج غيره الأن . فقالت له زوجته : وما أدراك أنه ستزوج بها ؟ قد تكون عينه على فتاه أخرى . فقال : هذه هي المشكلة ، علينا أن نعرف هل يحبها أم لا حتى لا ندعها تعيش في الوهم أكثر من ذلك . فقالت زوجته : وكيف نعرف ؟ فقال لها : ألست أمها .. تحرى الأمر منها . فقالت له : وهل تتوقع أن يكون قد صارحها وطلب منها الإنتظار ؟ فقال : لا أتوقع ذلك ولكن للمكاشفه لغة أخرى غير لغة اللسان ، لو كان يريدها فعلا فلا بد أ نتكون رسالته قد وصلت إليها ، ألم يقل الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه ـ ما أضمر شخص شيء إلا ظهر ف فلتات لسانه أو على صفحات وجهه . فقالت زوجته :إذا كان الأمر كذلك فمصطفى نفسه قد يكون يعلم بحكم أنه أقرب أصدقائه سيإلى قلبه ولا يفترقان إلا قليلاً : فقال لها : بدأت تفهمين ، عليك بابنتك واتركى مصطفى لي تذكر حاج الماحى هذا الحوار في اللحظات القليله التى سبقت وصول حاج عبد الناصر لذلك لم يبد عليه أنه تفاجأ حينما قال له عبد الناصر أنت تدعو الله لشابين ليتزوجا فقال له :
    كانك ساحر ياعبد الناصر ، كيف تستطيع قراءة أفكار الناس
    فرد عبد الناصر :
    لأنني اقرأ الأحداث قراءة صحيحة وأخضع المعطيات التي امامي حتى ولو تكن مادية للتشريح الدقيق فيكون حكمي صائباً في أغلب الأحيان
    بالنسبة لمصطفى فأمره محسوم فلولا وفاة حج الإمام المفاجئة لكنا نحتفل بخطبته اليوم
    إذا ادعو الله مجددا لصهرك
    قال حاج الماحى بإستغراب
    صهرى !! هل قال لك أنه ينوى الزواج من ابنتى ؟
    كلا
    إذا لماذا تقول صهرى ؟!
    لأن الفتاة الجميله ذات الحسب والنسب وذات الدين أيضاً يجب أن لا ينكحها إلا شاب لا يقل عنها حسباً ونسباً و ديناً ولهذا السبب طلبت منه أن يتزوجها
    وصمت قليلاً ثم أردف لم أطلب منه ذلك هكذا بال مقدمات بل كنا نتحدث بأمر محمدو وأتينا على ذكر تعلقه بإبنتك فطلبت منه أن يتزوجها .
    وماذا قال لك ؟
    لا يهم ماذا قال لي ولكنني أيقنت في تلك الليلة بأنه لن يتزوج غيرها أبداً
    كيف ؟
    لقد سمعت دقات قلبه ، ثم أنك لو سكنت قلباً يا أخي فلابد أن تتعرف على من يشاركونك السكن فيه
    قال حاج الماحي بتأثر
    أنت رجل نبيل يا عبد الناصر
    وأنبل ما في هو حبي لكم ، والأن قل لى من هي صاحبة الحظ السعيد التي ستتزوج عمدتنا الجديد ؟
    إبنة عمدتنا القديم نفسه
    إبتسم عبد الناصر وقال
    الآن قد فهمت
    فهمت ماذا ؟
    الطاهر هو لم يتغير ولن يتغير أبداً ، لقد كان ثائراً جداً رافضاً التفريط في ملك آبانه وأجداده رافضاً تسمية شخص يخلفه وما أن ذكرت له مصطفى حتى بدا عليه التفكير وقال بعد حين سأتنازل له ، وراودني إحساس أن في الأمر شيء ... الآن أستطيع أن أقسم أ، المرشح لو كان شخصاً آخر غير مصطفى ما وافق أبداً ولو اضطر لمقاطعتنا جميعاً وإلى الأبد
    الطاهر يعلم أن إبنه لا خير في ولأهالي لن يرضوا به عمده بعده ، وكان الأمر يشكل له هأجساً وهماً ثقيلاً وكان دائم الشكوى للمرحوم حاج الإمام
    لذلك كان المرحوم يقول لنا لا تثقلوا عليه ودعوا إبنه للزمن عسى أن يصلحه ، ها قد أتاه الزمن بحل من السماء ، ولكن أليس غريباً أن يتنازل لمصطفى ونحن لم نطلب منه أكثر من أن يجعله خليفته
    أنا أعرف كيف يفكر الرجل ، فبعد أن ضمن مصطفى زوجاً لإبنته فهو يفضل أن ينصبه عمده في حياته خوفاً من أن يثير الخضر المشاكل بعد موته
    إبتسم الماحي وواصل قائلاً
    ومن ناحية أخرى فالعروس هي أحب بناته إليه وأقربهن إلى قلبه ولابد أنه يحتضنها الآن ويقول لها بإسلوبه الساحر اللطيف : لأجلك يا بنتي سوف أجعل مصطفى عمده ، سول أتنازل له للتزوجيه وهو عمدة البلد
    بنت عمدة طيب تتزوج عمدة شاب وثري .. يا لحظها ، قل لي متى فاتحته بالأمر ولماذا لم أسمع به ؟
    قبل أربعة أيام ، في الليلة التي سبقت وفاة الإمام ذهبت إليه ناقلاً له رغبة مصطفى فرحب جداً وكأنه كان يتوقع الأمر وينتظر حدوثه ولكنني إشترطت عليه أن أسمع موافقة البنت بنفسي قبل أن نتقدم لها رسمياً وتمسكت بهذا الشرط مذكرا له ولزوجته باميمة بنتي التيب أعطيتها كل الحق ف إختيار زوجها بنفسها
    وقد وافقت البنت
    أشرق وجه الماحى وهو يقول
    إسمع يا أخي ماذا قالت ... حين أتت بها امها وقفت أمامنا فأخبرها وسألها رأيها فنكست رأسها للأرض ولم تجب ولكن السعادة بانت على وجهها فقالت أمها : السكوت علامة الرضا يا حاج الماحى . ولكنني قلت للبنت لا حياء في الدين يا بنتي ب، الدين أعطاك الحق في إبداء الرأي بالقبول أو الرفض ، أسمعيني رأيك فردت رداً تفائلت به
    تفاءلت به وجعلني أضمن لإبني زوجةً صالحة
    ماذا قالت ؟ لابد أنها قالت بيت شعر .. أنت مغرم بالأدب
    قالت لي : والدين أيضا يا عمي حدد مواصفات الزوج الصالح وكلها تنطبق على مصطفى . هل رأيت يا عبد الناصر الأدب والبلاغة .. تعبير سليم ينم عن ذوق راق وشخصية قوية وقويمه ، قلت لها : بارك الله فيك يا بنتي أنت تقولين درراً وحكماً فأشار إليها أباها وقال لي : لهذا السبب أ، أحبها أكثر من نفسي
    فرك الماحي يديه وتلفت حوله وقال وهو يدنو من عبد الناصر :
    يبدو أنهما يحبان بعضهما وقد رتبا للأمر جيدا ، فقال عبد الناصر :
    أي من بنات العمدة هي ؟
    ألم تعرفها بعد .. أنها أوسط العقد من زوجته الثانية
    هذا دليل على أن الطاهر بدأ يتغير فعلاً ، لقد كان في السابق يرفض أن يزوج الأصغر من بناته ويترك الأكبر ، عموماً الرجل أهداكم قطعة من قلبه ، ولكن ألم تلاحظ شيئاً عندما أتينا إلى هنا ؟
    شيء مثل ماذا ؟
    لقد كان جاثياً على قبرها .
    هل تقصد أنه لم يتحرر من حبها ؟
    لم أقصد ذلك ، ولكن العمده قد يكون لاحظ ذلك
    قال حاج الماحي وهو ينظر ناحية ابنه الواقف مع محمد الإمام ومحمدو
    ومن أهل القرية يأتي إلى هنا ولا يذهب إلى قبرها للترحم عليها ، إن قبرها هو المحطة الثانية وربما الأولى لكل زائر وكأنها ماتت بالأمس فقط
    قال عبد الناصر بتأثر
    مازالت تعيش في قلوب الناس وكأنها لم تمت ، يرحمها الله ويغفر لأباها
    قال الماحى
    إنه الوفاء يا عبد الناصر ومصطفى وفياً للذكرى ولكنها ذكرى أخويه ، منذ أن تزوجت وهو يتذكرها كاخت و زميلة دراسه وبعد موتها يترحم عليها كاخت ـ هكذا قال لي ـ ثم أن هناك شيئاً
    ماهو ؟
    أستطيع أن أقسم أنها المرة الوحيدة التي يزورها وحده منذ وفاتها
    وأردف وهو يشير ناحيتهم
    دائماً يحضران وقد عوضه الله بدره لا تقدر بثمن
    ثم وضع يده على كتف الماحي وهو يقول
    مبروك لمصطفى
    سوف تكتمل نعم الله علي لوتزوجت اميمة وساغادر الدنيا وأنا مرتاح البال
    نظر عبد الناصر ناحية مصطفى ومحمد ومحمدو وقال
    سوف يحدث ذلك ، راقبهم جيداً فهناك معطيات جديده
    وتركه ذاهباً إلى الجهة الشرقيه من المقابر حيث قبور آبائه وأعمامه
    أما الثلاثة فكانوا قد اتجهوا ناحية القبور الثلاثة فور دخولهم ...... قبر زينب يتوسط قبرى والديها .. تحلقوا حول القبور وقرأوا الفاتحة ثم جثاً محمدو على قبر آمه وقال
    أنا نادم يا امي على العذاب الذي سببته لروحك ، ولكنني الآن سعيد فلتسعد روحك الطاهره
    كان محمد الإمام ومصطفى الماحي يراقبان الغلام والألم يعتصرهما إعتصاراً فقال الفتى
    إن خالي مازال وفياً لقسمه لك
    فجلس خاله بجواره وسأله ؟
    من أخبرك ؟
    تجاهل الفتى السؤال وقال وهو يدنو من قبر امه
    ولكنه سيكفر عنه ، أنا أتشوق أن يكون لي اخاً أو أختاً أحنو عليهما كما كان يفعل خالى معك
    وقف محمد الإمام ونظر إلى مصطفى بقلق ولكن مصطفى ضغط علي كتفه وهو يقول بتصميم
    يجب أن تكفر عن قسمك ، إن من حقه ن يكون له أخوه صغار
    قال محمد
    كيف تحدثانى عن الزواج ولم يمض على وفاة أبى أربعة أيام !
    أشار مصطفى إلى قبر حاج الإمام قائلاً
    ألم يحدثك هو أيضاً بهذا ؟ ألم يطلب منك ذلك قبل عشرة أيام أثناء المأدبه التي أقمتها للاستاذ على واسرته
    قال محمد بذهول
    هو أخبرك بهذا ؟!
    أشاح مصطفى بيده وقال
    هول تظن أن حاج عبد الناصر وحده الذي كان تخمينه صائباً
    تلعثم محمد وقال :
    ولكن ..........................
    فقاطعه مصطفى قائلاً
    ولن ذلك يسعده وقد أقسمت أ، تسعده ، وذلك أيضاً يسعد روح أمه وروح جدته امك وروح أباك ، ويسعدنى أنا أيضاً
    غمغم محمد الإمام
    لن أتوانى عن فعل شيء يسعده ولو كان فيه هلاكى
    قال مصطفى :
    لم يكن الزواج يوماً هلاكاً لأحد ، إنه إرضاء الله ، ثم إن من سوف تتزوجها أسعد مخلوقه في الدنيا لأنها تحبك
    ونظر إلى محمدو الذي إلتفت يتابعهما وغمز إليه مواصلا
    وتحب إبن أختك هذا كثيرا
    أشار محمدو إلى خاله وقال :
    هو أيضا يحبها
    نظر محمد إلى مصطفى وإلى إبن أخته وقال وهو يتلعثم
    عن من تتحدثان ؟
    رد مصطفى
    هل تظنني غافلاً عن ما يدور بقلبك يا صديقي
    قال محمد الإمام وقلبه يدق بعنف
    حقا لا أعلم ، اخبراني من هي ؟
    فرد مصطفى :
    ومن غيرها يحب إبن أختك ، أنت تعلم يا صديقي ولكنني سأفترض أنك لا تعلم وأخبرك : إنها الفتاة الوحيدة التي تقدم إليها أكثر من خمسة خطاب رفضتهم واحد تلو الآخر من غير أن يتدخل أحد من أهلها للتأثير عليها ورضخوا لرغبتها في سابقة هي الأولى والوحيدة من نوعها في القرية .
    قام محمدو وتقدم ناحية خاله الذي إلتفت إلى الخلف بإرتباك وقال
    هل عرفت الآن من هي يا خال ، حسناً سأقول لك الحرف الأول من إسمها وستعرف من هي ، إن الحرف الأول من إسمها هو : اميمه الماحي شيخ إدريس
    كاد مصطفى أن يقهقه ضاحكاً ولكنه سيطر على نفسه وقال وضحكته التي تجلجل داخله ترسم صورتها بوضوح في ملامح وجهه
    لم أكن أتصور أنك تحمل هذا القدر من الدعابه وروح المرح
    فأتاهم صوت حاج الماحي الذي كان قد إقترب كثيراً وهو يراقبهم
    هكذا يجب أن نتغلب على الأحزان لتستمر الحياة
    ثم جال ببصره في أرجاء المقابر وكان أهل القرية يهمون بالمغادره فقال
    سبحان الله ، دخلوها موتى وهاهم يخرجون منها أحياء مفعمين بالصحة والحيويه
    ثم ضرب كفأ بكف وأردف
    يا للمفارقه ..... أفي مثل هذا المكان تنفجر الثورة وتبدأ الحياة !!!!!!


    إنتهت
    15 – 1 – 2005
    جبــــل كاف الجنــــــــون
    سلسلة جبال الأكاكوس بالصحراء الكبري
    بالجنوب الليبي
                  

05-01-2008, 10:06 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    الكــــــــــــاتــــــــب


    ضياء الدين الشريف محمد صالح الشريف


    • ولد في أول يناير 1970 بقرية ود السيد علي الضفة الشرقية للنيل الأزرق محافظة شرق الجزيرة وفيها تلقي تعليمه الإبتدائي .
    • هاجر مع أسرته في بداية الثمانينيات الي مدينة بور تسودان الساحلية بشرق السودان وفيها تلقي تعليمه المتوسط بالمدرسة الأميرية والثانوي بمدرسة باوراث الثانوية .
    • سافر الي جمهورية مصر العربية وألتحق بمعهد البحوث الإسلامية بالأزهر .
    • بدأ بالكتابة في الصحف والمجلات منذ أن كان طالباً بالمرحلة الثانوية ونشرت له العديد من المقالات والقصص في مختلف الصحف القومية وبعض الدوريات العربية .
    • مارس التدريس لفترة قصيرة بالجماهيرية العظمي .
    • عضو سابق بالأمانة العامة للتكامل العربي الليبي السوداني .



    أعمال تحت الطبع :
    ** العقرب أختي ( رواية )
    ** الصوفي المدمر ( رواية )
    ** شياطين المسجد ( مجموعة قصص )
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de