رزنامة الاسـبوع : ( الـحـنـجـوري ) للاسـتاذ كـمال الـجـزولـي.

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 11:01 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-16-2008, 10:17 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رزنامة الاسـبوع : ( الـحـنـجـوري ) للاسـتاذ كـمال الـجـزولـي.



    رزنامة الأسبوع

    الحَنْجُورِي!
    ------------------

    كمال الجزولي
    [email protected]

    الإثنين:
    -------------

    على مائدة الإفطار بمطعم الهيلتون بأديس أبابا، ذات صباح من أواخر فبراير الماضي، وقبيل توجُّهنا إلى القاعة الكبرى بمعهد الدراسات الأثيوبيَّة للمشاركة في المؤتمر الدولي الذي نظمته ودعتنا إليه جامعة أديس بالتعاون مع جامعة كورنيل، تحت عنوان (دارفور وأزمة الحكم في السودان)، أفصحت للدكتور منصور خالد، صراحة، عن اعتقادي بأن من أكبر أخطاء الحركة الشعبيَّة، خلال مفاوضات (نيفاشا)، إثنين جوهريَّين:

    أوَّلهما: أنها، ولعدم رغبتها في فتح ملفات الانتهاكات التي قد تكون ارتكبت بمعرفتها ضدَّ حقوق الانسان في الجنوب خلال سنوات الحرب، قد خذلت الجماهير، أيَّما خذلان، بتواطئها مع المؤتمر الوطني، صاحب المصلحة المماثلة في الشمال كما في الجنوب، على طمر مطلب (العدالة الانتقاليَّة) في طوايا صياغة مبتسرة وغامضة للمادة/21، ضمن المواد الموجِّهة، لا الملزمة، من الدستور الانتقالي لسنة 2005م، المستمدِّ من اتفاقيَّة السلام الشامل (CPA)، والتي تنصُّ على أن "تبتدر الدولة (عمليَّة) شاملة للمصالحة الوطنيَّة وإبراء الجراح" (!) علماً بأن (إبراء الجراح) مصطلحٌ دالٌّ على مفهوم (العدالة الانتقاليَّة) العالمي الحديث الذي يستحيل، دون الوفاء بكامل استحقاقاته، إنجاز أيٍّ من هدفي (نيفاشا) الرئيسين المتمثلين في (السلام الشامل) و(التحوُّل الديموقراطي)، كونه يتجاوز، بما لا يُقاس، محدوديَّة نمط (المصالحة) المخاتل، المفتقر إلى المحتوى، والذي خبره شعبنا في 1977م.

    وثانيهما: أنها خذلت، بالأخص، جماهير دارفور، بعدم إيلائها الاهتمام الكافي للحريق الذي كان أواره قد اشتدَّ، خلال المفاوضات، وراح يتمدَّد إلى أنحاء الاقليم كافة، فبدا كما لو ان الحركة قد غفلت عن مغبَّة أن يبدو موقفها سالباً إزاء هذه القضيَّة، ومنكفئاً على مكاسب الجنوب وحده، وهي الطارحة لنفسها في مستوى النصير الأكثر حرصاً على تصفية ظلامات (الهامش) كله، من أقصى السودان إلى أقصاه.

    في معرض ردِّه نحَّى الدكتور طبقه جانباً، وفاجأني، مبتسماً، بنبأين من سبأ العيار الثقيل ما كان بلغني علم أيٍّ منهما من قبل، قال: "صدِّقني .. كلُّ هذا غير صحيح! فأما (المحاسبة) من خلال (العدالة الانتقاليَّة)، فقد طرحناها على مائدة (نيفاشا) كمطلب أساسي للحركة، ولم يوفر د. جون جهداً في محاولة إقناع الطرف الآخر بالموافقة عليها. كنا على استعداد لفتح الملفات ولو من 1956م، لولا أن الطرف الآخر قاوم بشدَّة، فلم نستطع الخروج، بعد لأي، بأكثر من هذا النصِّ الذي وصفته أنت بالمبتسر! وأما دارفور فقد تنبَّهنا إليها والمفاوضات، بعد، على أشدها. كان واضحاً لنا، من يومها، أن البلاد لن تبلغ من (شمول) السلام شبراً تطمئن إليه، في ما لو لم نفعل شيئاً نتدارك به الأوضاع المتردِّية هناك. لذا بادر د. جون بإدراج هذه المسألة باكراً ضمن أجندة المفاوضات، مقترحاً خطة عمليَّة بأن يتضافر الطرفان لإحداث اختراق وطني يضمن وقف إطلاق النار، وإحلال السلام، ومن ثمَّ حراسته بقوات مشتركة من الجيش الحكومي والجيش الشعبي. غير أن الشكوك انتابت الطرف الآخر، للأسف، في مقاصد الحركة، إذ فهم، خطأ، أننا نبحث عن موطئ قدم لنا في الإقليم، فرفض الاتفاق معنا! وهكذا أجهضت الخطة التي كان من شأنها، في ما لو طبِّقت، أن توفر علاجاً وطنياً للمشكلة في وقت باكر، وبكلفة أقل"!

    إنتهت إفادة د. منصور. فهل سنتلقى تعقيباً من الطرف الآخر، أم سيؤثر الصمت لتصبح الواقعتان ثابتتين وموثقتين، إذ القاعدة الفقهيَّة أن "الصَّمت في موضع الحاجة للكلام .. كلام"؟!

    الثلاثاء:
    --------------

    يأسرني دائماً، كلما ترفق بي الحظ، وأهداني، بين الحين والحين، زيارة، ولو قصيرة، إلى القاهرة، أن ألاحظ، ليس فقط العناية المتزايدة في الأوساط الثقافيَّة المصريَّة براهن حركة الكتابة الابداعيَّة في السودان، والاحتفاء الذي تحيطها به مختلف منابرها ومنتدياتها ونتاجاتها المنشورة، بل أيضاً تلقائيَّة الفرح الهفهاف التي يستقبل بها وجدان المبدع المصري الحقيقي، لا المزيَّف، النازلين في رحابه من الشعراء والأدباء والمفكرين السودانيين، سواء بأشخاصهم أو بإصداراتهم. ولعلَّ هذا، بالذات، هو ما يفسِّر حرص أستاذنا الطيب صالح، شفاه الله ومتعه بوافر الصحَّة وطول العمر، على ألا يفوِّت أيَّة فرصة ليضرب أكباد الطائرات من لندن إلى القاهرة، يقضي فيها الشهر والشهرين.

    قد يلزمني أن أسارع للاستدراك، هنا، بالمعلوم من علاقات شعبينا بالضرورة، وضمنها حميميَّة تواصل حركتيهما الفكريَّتين والأدبيَّتين، حيث ذلك تقليد قديم، متبادَل، متوارَث، ربَّما لم يبدأ بمأثرة جيلي وتاج وفارس في رفد قصيدة التفعيلة في مصر، خلال خمسينات القرن المنصرم، بأثر النموذج العالي، والديباجة الملهمة، والعيار المجمع عليه؛ ولا بالاسهامات الرفيعة للفيتوري ومحي الدين محمد اللذين يطيب لكلا البلدين زعم انتسابهما إليه، ولا حتى بـ (قطار الشمال)، قبل سنوات طوال من ذلك، ومئونته الباذخة التي كانت تترقبها إنتليجنسيا الخرطوم، باللهفة كلها، من (الرسالة) و(المقطم) وغيرهما، أو بالحضور البهي لمعاوية نور في قلب الحركة الفكريَّة والأدبيَّة المصريَّة، والاعتراف السخيُّ به من قمَّة العقاد الشامخة، أو بأشجان التجاني التي كان أتاح لها، باكراً، أن تنطلق من عقالها حين ناجى أرض الكنانة، من أعماق روحه التي ظلت معلقة بها، دون أن يتمكن من بلوغها، حتى فارق الحياة مكتفياً بأن أودعها وصيَّته النبوءة: "وَثقِي مِن عَلائِق الأدَبِ البَاقِي/ ولا تَحْفلِي بأشيَاءَ أخرَى"! على أن كلَّ ما قصدت إلى التشديد عليه هو أصالة الحميميَّة في هذا التواصل، مِمَّا لم تستطع أن تفت في عضده حادثات السياسة وتقلباتها، أو تلجم من اندفاعه خراقات الحكام وسوء تدبيرهم!

    ولئن كانت للفكر والأدب المصريَّين ميزة نسبيَّة، دائماً، ولأسباب سياسيَّة وثقافيَّة معلومة، في هذا التواصل، مِمَّا جعله يبدو، في كثير من لحظاته التاريخيَّة، وكأنه يمضي في اتجاه واحد، فإن العقدين الماضيين شهدا سطوعاً باهراً في المكتبة المصريَّة لأسماء وعناوين سودانيَّة لم تكن معروفة هناك من قبل. وبالنتيجة، لم يعُد نادراً أن تقع، الآن، بين صفحات أهمِّ الصحف والمجلات والاصدارات المصريَّة، على الكثير من الاستعراضات لمؤلفات سودانيِّة، ومن الحوارات مع كتاب سودانيين، ومن المقاربات النقديَّة لأعمالهم، بأقلام كتاب مصريِّين بارزين، من مختلف المدارس والأجيال، كفاروق عبد القادر، وأحمد عبد المعطي حجازي، وفريدة النقاش، وحلمي سالم، ومحمد ابراهيم أبو سنة، وهشام السلاموني، وشعبان يوسف، وأحمد الخميسي، وحلمي شعراوي، وعيد عبد الحليم، وعزمي عبد الوهاب، وفريد أبو سعدة، وحلمي النمنم، ومصطفى عبادة، وغيرهم.

    وإذا كان الفضل في ذلك يعود إلى الظروف الموضوعيَّة، وجلها، للمفارقة، ظروف نازلات زؤاميَّة دفعت بالكثيرين، دفعاً، إلى مغادرة البلاد خلال عقد التسعينات، فإنه يعود أيضاً، وبلا شك، إلى الدَّور المشهود الذي نهضت، وما تزال تنهض به، على هذا الصعيد، شخصيَّات طبيعيَّة واعتباريَّة، أبرزها د. حيدر ابراهيم ومركز الدراسات السودانيَّة، ومحمود صالح ومركز عبد الكريم ميرغني، والياس فتح الرحمن ودار مدارك، والشيخ عووضة والدار العالميَّة، فضلاً عن وجود صحيفتي (الخرطوم) و(الاتحادي) وعشرات الشعراء والأدباء والكتاب والصحفيين السودانيين النابهين بالقاهرة، خلال فترة من أهمِّ الفترات في تاريخنا الحديث.

    الأربعاء:
    -----------------

    كان من الممكن اعتبار الأمر برمَّته محض خراقة في التعبير لو كنا مطمئنين، وإنْ بقدر عُقلة إصبع، لتوفر حسن النيَّة في ما صدر عن السفير محمود راشد، مدير إدارة حقوق الانسان بالجامعة العربيَّة، الذي لم يجد سوى (حائط) دارفور (القصير) يدلل به على (ازدواجيَّة معايير) المجتمع الدولي من قضيَّة فلسطين، ما يوحي بإعلاء الرجل من شأن الأخيرة على الأولى (!) وذلك في كلمته خلال الجلسة الافتتاحيَّة لاجتماع تحالف المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالقاهرة (29 ـ 31/3/08)، حيث حاول الاستناد، بغير وجه حق، إلى رأي خبير القانون الدولي د. فؤاد عبد المنعم رياض الذي قال راشد إن إدارته حرصَت على دعوته للاستنارة بنصحه في اجتماعها المخصَّص لمناقشة الموقف من المحكمة بتاريخ 27/3/08، فنصح بضرورة الانضمام إليها، رغم أنه انتقد، هو الآخر، (ازدواجيَّة المعايير) في الممارسة الدوليَّة.

    قد تبدو الوشيجة، للوهلة الأولى، بين كلمة مسئول الجامعة وبين رأي د. رياض في قوَّة التطابق بين (أحمد) و(حاج أحمد)! على أن القليل من إعمال النظر سرعان ما يكشف عن أن رأي د. رياض لم ينزلق، إطلاقاً، إلى ما يمكن أن يُفهم منه، تصريحاً أو تلميحاً، أيَّة (مفاضلة)، بأيَّة درجة، بين قضيّتين كلتاهما عادلة، وإنما قصد فقط أن يجئ طرحه متوازناً في سياق تناوله لحقائق العلاقات الدوليَّة الراهنة. فمن المعلوم أن الزوال المباغت لـ (الاتحاد السوفيتي) وضع خارطة العالم بأسره تحت الكفِّ الثقيلة للقطبيَّة الأحاديَّة، مِمَّا أخلَّ بميزان القوَّة الدولي، وبتطبيقات القانون الذي يُفترض أن ينظم ويحكم العلاقات الدوليَّة بما يحفظ مصالح أطرافها كافة، وبخاصَّة أطرافها العالمثالثيَّة الأضعف، وصاحبة المصلحة الأكبر في معالجة هذه الوضعيَّة المختلة. لكن هذا العلاج لن يقع بمنازلة طواحين الهواء، أو بـ (التفضيل) الساذج لقضيَّة عادلة على أخرى، مِمَّا نراه يندُّ، أحياناً، عن النخب المتسيِّدة من شرائح البرجوازيَّات الصغيرة، وطنيَّاً وإقليميَّاً، وإنما بالنضال الشاق، القاصد، المحفوف بقيم التضامن، كي يصير هذا الميزان أكثر عدالة. وما هذا بالأمر المستحيل، وإن بدا كذلك للوهلة الأولى، خصوصاً إذا ساد الوعي الحقيقي، لا الزائف، وسط الجماهير بما يعينها على استمداد الثقة بالنفس من الخبرة التاريخيَّة لحركة التحرُّر الوطني، وما أفضت إليه، في عقابيل الحرب الثانية، من تصفية للنظام الاستعماري القديم، ونيل بلادنا لاستقلالها السياسي، تحت رايات السلام، والديموقراطيَّة، وحقوق الانسان، والأمم المتحدة.

    من هذه الزاوية، فقط، يمكننا أن نلمح السداد في ما أفاد به د. رياض. فهو، وإن كانت عينه على خلل ميزان العلاقات الدوليَّة الراهن، إلا أنه لم يغفل، ولو للحظة، حقيقة كون المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، سواء ورمت أم لم تورم أنوف شانئيها، ليست وليدة (مؤامرة استعماريَّة)، كما في بعض (التهريج الشعبوي)، بل هي ثمرة تضحيات ملايين الناس من شتى الشعوب والجنسيات، على مدى عشرات العقود.

    غير أن مسئول الجامعة أفرغ، للأسف، رأي د. رياض هذا من مضمونه، حين أسقط نصيحته المذكورة، وانطلق يخوض، كأعتى وزير داخليَّة عربي، في مسألة (ازدواجيَّة المعايير)، ويَعقد، لا يلوي على شئ، مقارنة فظة تلقي بظلال كثيفة من الشكِّ على اهتمام العالم بقضيَّة دارفور، مِمَّا يوحى، لا بـ (أهليَّة) قضيَّة فلسطين كي تنال، هي أيضاً، حقها المستحق من التأييد العالمي، بل كي يعلو الاهتمام بها، من زاوية (الأفضليَّة) البغيضة، على قضيَّة دارفور، حتى ليحق التساؤل عمَّا إن كان من الممكن أن يكون ذلك نفسه هو موقف هذا المسئول في ما لو كان المجتمع الدولي قد أولى تأييده لقضيَّة فلسطين، متجاهلاً مأساة دارفور!

    وضع الأمور بهذه الصورة الشائهة التي تحزن الصديق وتسعد العدو لم يقع، فحسب، كمحض زلة لسان، أو كمجرَّد سقطة سياسيَّة وقانونيَّة وأخلاقيَّة من دبلوماسي عهدت إليه الجامعة العربيَّة بإدارة حقوق الانسان، بل فضح، بالأساس، الذهنيَّة الاستعلائيَّة ذاتها التي ظلت تحكم مقاربات هذه الجامعة لقضيَّة دارفور، واختزل، إلى ذلك، ملمحاً مهمَّاً من أزمة النظام العربي كله! إذ لم يعد مِن النادر أن تندَّ مثل هذه الاسقاطات (التفضيليَّة)، اللفظيَّة والعمليَّة، عن أروقة هذه المؤسَّسة، حتى لتبدو مرغمة لا بطلة، وهي تلقي بفتات موائدها، من خلف ظهرها، إلى من أصابهم الضُّر في الاقليم المنكوب!

    ففي 15/3/07، إستغربنا، كمستعربين سودانيين كانوا يؤمِّلون في أن تبيِّض الجامعة العربيَّة وجههم بطمأنة الأغيار من مساكنيهم إلى جدوى الانتماء إليها، أن يقصم ظهرَ هذه الآمال مجلسُ وزراء الصحة العرب يجتمع، بقضِّه وقضيضه، ليقدِّم (دعمه!) لتحسين الوضع الصِّحيِّ في دارفور بما لا يزيد عن 50 ألف دولار (أخبار اليوم، 21/2/07)، ما يعني أن كلَّ وزارة (تبرَّعت!)، مشكورة، بأقلِّ مِن راتب طبيب مبتدئ بإحدى مستشفياتها، علماً بأن كلفة سفر الوفد الوزاري الواحد إلى مقر الجامعة لا بُدَّ قد رَبَتْ على ذلك المبلغ بكثير!

    وفي 3/11/07، أي بعد أكثر من سبعة أشهر، عادت تخنقنا عَبَرَة الخذلان إزاء إعلان الدول العربيَّة، مجتمعة، عن جملة مساهماتها النقديَّة والعينيَّة والفنيَّة لدارفور بما لا يتجاوز المئتين وخمسين مليون دولار (الأيام، 3/11/07)، ما يعني أن كلَّ دولة أسهمت بما لا يزيد كثيراً عن ميزانيَّة أصغر منظمة (أجنبيَّة) ناشطة في الإقليم، وهو مبلغ يتبارى بعض أثرياء هذه الدول بأكثر منه لشراء لوحات مرور مميَّزة لسياراتهم (!) دَعْ ما تطفح به صحافة التابلويد، بين الحين والحين، حول ما ينفقون على (أنشطتهم) الأخرى في (لاس فيغاس) وغيرها!

    وروينا، استطراداً، أننا، ومن خلال مشاركاتنا في بعض الفعاليات التي أقيمت في عدد من بلدان المنطقة حول الدعم العربي الرسمي لدارفور، ما وجدنا (الأشقاء!) يفلحون سوى في تشغيل (الحنجوري!)، بمصطلح السعدني، حول (مؤامرة صهيونيَّة!) تحاك ضد (العروبة والاسلام!) في هذا الاقليم، على حين يتحشد (الفرنجة)، من شتى أنحاء العالم (البعيد)، في التعاطف الانساني النبيل، مادياً ومعنوياً، مع هذه المأساة!

    وكنا، قبل ذلك، قد أبدينا خشيتنا، في 26/5/07، من أن يدفع اليأس، في ما لو استمرَّ الحال على حاله، قيادات نافذة في دارفور إلى المطالبة بمنح الاقليم حق (تقرير المصير)! وللأسف، ما كاد ينقضي شهران، حتى وجدتنا ندقُّ ناقوس الخطر، مجدَّداً، في 5/8/07، بشأن ما رشح، وقتها، من أن حركة جديدة، باسم (جبهة استقلال دارفور/جيش استقلال دارفور!)، برزت تطالب، في بيان تأسيسها، بـ (حقِّ تقرير المصير!)، باعتباره (الحل العملي الوحيد!) للمشكلة، خصوصاً أن دارفور، على حدِّ تعبير البيان، (منفصلة!) عن السودان النيلي، سياسيَّاً واقتصاديَّاً ووجدانيَّاً، بسبب الظلم والتهميش والاستعلاء والاقصاء (السوداني ، 5/8/07).

    وفي أكتوبر الماضي انعقد المؤتمر العام الثاني لحركة العدل والمساواة (القيادة الجماعية) ليطرح حزمة بدائل، فإما (الانفصال!) أو (تقرير المصير!) أو (الكونفدراليَّة!) كنظام حكم (السوداني، 24/10/07). ثمَّ ما لبثت الحركة أن حسمت أمرها بالانضمام إلى صفِّ المطالبة بـ (حقِّ تقرير المصير!)، معتبرة أن تهميش الاقليم لن يُحَل إلا باتفاقيَّة مماثلة لـ (نيفاشا)، وبضمانات دوليَّة توفر للدارفوريين حكماً ذاتياً خلال فترة انتقاليَّة يُستفتون في نهايتها على استمرار الحكم الذاتي أو الانفصال (الأيام، 29/10/07).

    كلُّ ذلك، بينما الموقف الرسمي لـ (الأشقاء العرب!) ما زال يراوح بين (ملاليم) الدعم الشحيح، وبين (حنجوري) لا يرى الأمر برمته غير (مؤامرة صهيونيَّة!) ضد (العروبة والاسلام)! وبالتبعيَّة ما زالت الجامعة العربيَّة تتبلغ دارج المسكوكات (الشعبوقومجيَّة) من سنخ ما أورد مسئولها الرفيع، حتى أنني دوَّنت، على هامش دفتري، وأنا أستمع إليه، عجز البيت الشهير: "فليسعد النطق إن لم يسعد الحال"!

    على هذه الخلفيَّة لا تبدو في الأفق القريب، للأسف، ولو بارقة أمل في أن يُصلِح النظام العربي من موقفه هذا، رغم أن المجتمع المدني ما انفكَّ يسجِّل، في الآونة الأخيرة، تجاوزاً مستقلاً وملحوظاً لهذا الموقف. ويجدر أن نشير، في هذا المقام، إلى النداء غير المسبوق الذي وجَّهته، مؤخراً، أكثر من عشرين منظمة إسلاميَّة إلى الجامعة العربيَّة ودولها، بمناسبة انعقاد قمَّتها الأخيرة بدمشق في 29/3/08، تطالبها بإيجاد حلِّ للأزمة، بدلاً من مساندة طرف على طرف، وأن تولي الاقليم الاهتمام الكافي، وأن تثبت ادعاءها بأنها لا تتخذ (جوانب عرقية) فى العنف الدائر هناك! كما حثتها على إزالة العراقيل التي تضعها الحكومة أمام نشر قوَّات السلام الدوليَّة، وأن تساهم في حماية المدنيين، وتقديم المساعدات الانسانيَّة لهم (الأيام، 29/3/08). ذلك فضلاً عن الرسالة الأخرى التي وجهتها منظمات عربيَّة إلى ذات القمَّة تطالبها بالضغط لنزع سلاح الميليشيات، والوصول إلى اتفاق سلام شامل، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وحماية موظفي الإغاثات التي تدنت، خلال العام الماضي، إلى أدني مستوياتها منذ العام 2004م.

    أما الاجتماع الاستراتيجي نفسه لتحالف المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد خلص، في ذات السياق، إلى التوصية بتعجيل انضمام الدول العربيَّة إلى المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، والاسراع بموائمة التشريعات الوطنيَّة مع (نظام روما)، والامتناع عن عقد اتفاقات ثنائيَّة للإعفاء من الملاحقة الجنائيَّة أمام المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة (في إشارة للإتفاقات التي درج النظام الأمريكي المناهض للمحكمة على إبرامها مع بعض الدول)، والتعاون معها بما يمكنها من ممارسة عملها في كلِّ القضايا المعروضة أمامها، بما فيها قضيَّة دارفور، وإفساح المجال أمام مؤسَّسات المجتمع المدني لدعم هذه المحكمة عبر إطلاق حقِّ التنظيم، والرأي، والتعبير، وعدم التضييق على النشطاء، حيث لا سبيل لاتقاء المحاكمات الجنائيَّة الدوليَّة إلا في إطار أنظمة حكم ديموقراطيَّة تلتزم المعايير الدوليَّة لاستقلال القضاء، وإطلاق الحريات الأساسيَّة. ونادى البيان الختامي بأن يأخذ المجتمع المدني زمام المبادرة في ترسيخ مفهوم العدالة الجنائيَّة عبر أكبر جبهة لدعمها، من قضاء، وصحافة، ونقابات، وأحزاب، وجمعيات، وأكاديميين، وقادة رأي.

    أخيراً، لئن كان مطلب (الانفصال) هو أقصى مخاطر يأس (الهامش) من استمرار (الوحدة) بشروط (المركز) المدعوم من النظام العربي، وآخر مآلات التجاهل الذي تلقاه محنة أهل دارفور من هذا النظام، فإننا، وبكلِّ ما يحتقن به إحساس الخذلان من مرارة، نضع خط تشديد ثقيل، ليس فقط تحت حقيقة ما انتهى إليه عبد الواحد النور، القائد الدارفوري الأكثر شعبيَّة وسط معسكرات النزوح واللجوء، من خطوة غير محسوبة، ولا معقولة، ولا مقبولة، وإن كانت، للأسف، سهلة التفسير حدَّ الفجيعة، بافتتاح مكتب لحركته في إسرائيل؛ وإنما أيضاً تحت حقيقة اضطرار أعداد كبيرة من الدارفوريين إلى اللواذ بأحضان (العدوِّ الصهيوني)، هرباً من الجحيم المشتعل في الاقليم الذي كان يُرسل، على أيام خيره، كسوة الكعبة المشرَّفة سنوياً، ويُعتبر، إلى ذلك، من أهمِّ مضخات الثقافة الاسلاميَّة في البلاد!

    الخميس:
    -------------

    صُعقتُ، تماماً، عندما علمت أن قرابة الأربعة ألف قطعة نادرة مِمَّا خلف الحروفي السوداني العالمي الراحل عثمان وقيع الله، والتي كان، لأجلها، قد اعتزل الدنيا بما فيها، لأكثر من نصف قرن، منكفئاً عليها وحدها، يوشِّيها وينمنمها ويجوِّدها، ما بين السودان وبريطانيا، حتى ارتقى بها إلى أعلى الذرى، وظلَّ يضنُّ بها حتى على كبريات المتاحف والغاليريهات في العالم، بقيت معرَّضة للضياع أو التلف، ما بين الخرطوم ورفاعة، منذ عودتها في معيَّته إلى البلاد، ثمَّ وفاته، بُعَيد ذلك بوقت قصير، مطالع عام 2005م! أما الدولة فواقفة تتفرَّج، ووزارة (ثقافتها) مشغولة باصطناع المزيد من القيود التي تكبِّل حريَّة الآداب والفنون!

    الإهمال الذي تجده أعمال وقيع الله الآن هو بمثابة إهانة لا تغتفر، بل جريمة شنعاء في حقِّ مجمل حركة الإبداع في بلادنا، من حيث هو هدمٌ متعمَّدٌ لمزار تاريخي ضخم، وطمسٌ مقصودٌ لجزء عزيز من ذاكرة أمَّتنا التشكيليَّة؟!

    الجمعة::
    --------------

    إذا كان الدرس الأساسي الذي ترتب على ما كابدت الشعوب من نزاعات مسلحة، وما سدَّد ملايين الضحايا من كلفتها المبهظة، هو أنه لا (سلام) بلا (عدالة)، بحيث أصبح (المعيار) الوحيد المعتمد، عالمياً، لتكريس (السلام) هو تحقيق شكل من (العدالة) تبرأ به الجراح الفاغرة، وتطمئن معه الأنفس المكدودة، خلال (فترة انتقاليَّة) محدَّدة تعقب هذه النزاعات، فما هو، يا ترى، (المعيار) الذي اعتمده والي جنوب كردفان حين أعلن عن تخصيص عشرة مليار جنيه (كجائزة!) تمنح "لأيَّة محليَّة تكون خالية من النزاعات؟!" (أجراس الحريَّة، 11/4/08).

    يبدو لي أنه لم يخطر ببال السيِّد الوالي، مِن جهة أولى، أن الناس لا يتنازعون، حين يتنازعون، ترقباً لـ (جوائز) تغريهم بإنهاء نزاعاتهم! ومن جهة أخرى أن ذات هذا المبلغ قد يصلح نواة لتطوير صندوق مرموق يقابل كلفة التعويضات، وجبر الأضرار، وإعادة التأهيل، وإقامة المشروعات التنمويَّة الصغيرة، الكفيلة بإقصاء شبح النزاعات! كما وأنه لم يحاول، من جهة ثالثة، تكبُّد (مشقة) الإجابة على السؤال الأساسي: لو كانت المحليات خالية، أصلاً، من النزاعات .. فما جدوى الجوائز؟!

    السبت:
    -------------

    ذات ظهيرة قائظة من صيف 1998م، إحتجت لقضاء مشوار ضروري من مكتبي إلى مكتب صديقي كمال بخيت، رئيس تحرير (الرأي الآخر) أوان ذاك. ولأنني استصعبت إخراج سيارتي من موقفها الذي حصلت عليه بصعوبة في الشارع المزدحم، فقد رجوت صديقاً جاء يزورني أن يقلني بسيارته، فوافق شريطة أن أتولى أنا قيادتها.

    كانت سيارة صديقي بيضاء وسيارتي صفراء. وفي مكتب كمال وجدنا، بين زوَّاره الكثر، ثلاثينيَّة ناحلة، رقيقة الحال، ما تكاد تلفت النظر. وما أن رآنا كمال حتى هبَّ يرحِّب بنا هاشاً كعادته. ثمَّ أشار إلى الفتاة، وصاح مأخوذاً:

    ـ "تصور يا كمال قبل دقايق الأخت دي قالت لي حيجيك هسِّي واحد صاحبك ملتحي ولابس كذا وكذا .."!

    ثمَّ استدرك، فجأة، مخاطباً الفتاة:

    ـ "لكين كمال عربيتو صفرا وانتي قلتي حيجي سايق عربيَّة بيضا"!

    تبادلنا، مرافقي وأنا، نظرات مدهوشة، إلتفتُّ بعدها إلى كمال قائلاً:

    ـ "بس أنا فعلاً جيت سايق عربية فلان دا البيضا"!

    فارتمى كمال على كرسيِّه مبهوراً، بينما الفتاة ساكنة تماماً، إلا من ابتسامة غامضة تكسو محياها!

    ................................

    أوضح لنا كمال أنها جاءته، أوَّل مرة، قبل حوالي شهرين، وألحَّت، بما يشبه الهستيريا، في طلب مقابلته لأمر قالت إنه يتعلق بحياة أطفاله! كانت تهذي، لاهثة الأنفاس، جاحظة العينين، مبحوحة الصوت، بكلام مفكك عن عقربة، وأنقاض، وفردة حذاء طفل، قبل أن تتوقف، فجأة، لتسأله:

    ـ "إنت في ضهر بيتكم في زي ممر مقفول كدا"؟!

    تذكر أعمال الصيانة في بيته، والانقاض في الموضع الذي أشارت إليه، وأدرك أنها إنما تحذره من خطر داهم يتهدَّد أطفاله!

    بلا كثير تفكير انقذف داخل سيارته، وانطلق إلى البيت. وما أن بلغه حتى اندفع يركض، كالممسوس، إلى حيث أشارت الفتاة. ولدهشته كانت أوَّل ما وقعت عليه عيناه .. فردة حذاء طفل بين الأنقاض! أمسك بمجراف، وأخذ يجذب الحذاء بحذر. وبغتة .. إنفلتت من داخله عقربة سوداء ضخمة كادت تنحشر تحت الأكوام لولا أن عاجلها بضربة قويَّة صرعتها في التو!

    كان أكثر ما شغل كمالاً، عندما قفل عائداً، سؤال الفتاة، وقد وجدها جالسة تنتظره في هدوء، عن كيف ألمَّت بكلِّ تلك التفاصيل، بل كيف عرفته هو نفسه! وسرعان ما جاءه التفسير الصَّاعق في طوايا الابتسامة الغامضة:

    ـ "شفت ده كلو في المنام، وعرفتك من صورتك الفي الجريدة"!

    ................................

    مرَّت شهور، وأمست تلك الحكاية العجيبة محض ذكرى من (مصايب) صديقي كمال التي لا تنقضي، إلى أن رنَّ جرس الهاتف ذات نهار بمكتبي، وما أن رفعت السَّمَّاعة حتى جاءني صوته يلهث:

    ـ "أسمع .. إنتو عندكم مشكلة في أنبوبة الغاز في البيت"؟!

    ـ "غاز شنو يا زول .. قول بسم الله"!

    ـ "كمال أنا ما بهظر .. متذكر الشابَّة العجيبة اللاقيتا في مكتبي"؟!

    ـ "شابَّة شنو"؟!

    ـ "ياخي بتاعت العقرب الفي بيتنا"!

    ـ "أها .. مالا"؟!

    ـ "ضربت لي هسَّي منزعجة .. قالت أحذِّركم لو ما حصَّلتو أنبوبة الغاز حتعمل ليكم كارثة"!

    للوهلة الأولى لم أستوعب جيِّداً ما قال. لكن بعد برهة ألفيت سيارتي تهدر مجنونة، عبر الجسر، وأنا خلف مقودها، صوب الخرطوم بحري. وما أن دلفت إلى الشارع المفضي إلى حيِّنا، حتى صكت أذني جلبة عظيمة، وأبصرت سيارة زوجتي مفتوحة الأبواب على مصاريعها، وقد تحلق حولها خلق كثيرون يهيلون عليها التراب، كما أبصرت صبية يتراكضون بأسطال الماء من كلِّ فج!

    دُست على المكابح، بقوَّة، أوقف سيارتي قبل خطوتين أو ثلاثة فقط من الحشد، حتى لقد طوَّحت مثيرة زوبعة من الغبار. لكنني عندما انفلتُّ خارجاً منها لاحظت أن الحريق قد أخمد تماماً، فلم تتبق منه سوى آثار طفيفة، وسيارة متسخة تماماً، و .. لدهشتي .. أنبوبة غاز متفحِّمة السطح ملقاة غير بعيد من السيَّارة، وقد أطفأها الناس، بحمد الله، قبل أن تنفجر!

    كان مبلغ همِّي، لحظتها، أن أرى زوجتي وإبنتي وأطمئنَّ عليهما. ولم يطل بحثي، إذ ألفيتهما لم تصب أيُّهما بسوء، لحسن الحظ، فقط ألجأهما رعب المفاجأة إلى سور أحد البيوت القريبة.

    فيما بعد روت لي زوجتي أنها ذهبت لإحضار إبنتنا من المدرسة. ولأن أنبوبة الغاز في مطبخنا كانت فارغة، فقد أخذتها معها، حيث غيَّرتها في طريق العودة. لكنهما، وعلى بُعد أمتار من البيت، فوجئتا بألسنة اللهب تندلع، على حين غرَّة، من الأنبوبة الجديدة!

    ................................

    في طرحه لمفهومه عن (واقع جمهوريَّات الموز) في أمريكا اللاتينيَّة، يتذكر ماركيز أن عامل الكهرباء طرق بابهم ذات صباح، ليبلغهم، على عجل، بأن عليهم أن يغيِّروا شريط المكواة. ثم ما لبث أن أدرك أنه أخطأ العنوان، فاعتذر وانصرف. لكن بعد ساعات، عندما حاولت زوجة ماركيز استخدام المكواة .. إشتعل الشريط"!

    من فوق هذا النوع من الخبرات الشخصيَّة، أسَّس الروائي الثوري لمفهومه الفريد عن (الواقع) الذي لاحظ، بحق، أنه "لا ينتهي عند ثمن البطاطس"! ومن ثمَّ أطلق دعوته الجهيرة للاقرار بأن "السلطان المطلق للخيال"! فمعظم حقائق العلم، بدءاً من الملاعق وانتهاءً بعمليات زرع القلوب، كانت، أصلاً، في مخيلة البشر!



    الأحد:
    ---------------

    دخل مالك بن دينار على حاكم البصرة بلال بن أبي بردة الأشعري، فقال له بلال:

    ـ "أدع الله لي".

    فردَّ ابن دينار قائلاً:

    ـ "ما ينفعك دعائي لك، وعلى بابك أكثر من مئتين يدعون
    .. عليك"!
                  

04-16-2008, 11:05 AM

Adil Osman
<aAdil Osman
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 10208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رزنامة الاسـبوع : ( الـحـنـجـوري ) للاسـتاذ كـمال الـجـزولـي. (Re: بكري الصايغ)

    Quote: السبت:
    -------------

    ذات ظهيرة قائظة من صيف 1998م، إحتجت لقضاء مشوار ضروري من مكتبي إلى مكتب صديقي كمال بخيت، رئيس تحرير (الرأي الآخر) أوان ذاك. ولأنني استصعبت إخراج سيارتي من موقفها الذي حصلت عليه بصعوبة في الشارع المزدحم، فقد رجوت صديقاً جاء يزورني أن يقلني بسيارته، فوافق شريطة أن أتولى أنا قيادتها.

    كانت سيارة صديقي بيضاء وسيارتي صفراء. وفي مكتب كمال وجدنا، بين زوَّاره الكثر، ثلاثينيَّة ناحلة، رقيقة الحال، ما تكاد تلفت النظر. وما أن رآنا كمال حتى هبَّ يرحِّب بنا هاشاً كعادته. ثمَّ أشار إلى الفتاة، وصاح مأخوذاً:

    ـ "تصور يا كمال قبل دقايق الأخت دي قالت لي حيجيك هسِّي واحد صاحبك ملتحي ولابس كذا وكذا .."!

    ثمَّ استدرك، فجأة، مخاطباً الفتاة:

    ـ "لكين كمال عربيتو صفرا وانتي قلتي حيجي سايق عربيَّة بيضا"!

    تبادلنا، مرافقي وأنا، نظرات مدهوشة، إلتفتُّ بعدها إلى كمال قائلاً:

    ـ "بس أنا فعلاً جيت سايق عربية فلان دا البيضا"!

    فارتمى كمال على كرسيِّه مبهوراً، بينما الفتاة ساكنة تماماً، إلا من ابتسامة غامضة تكسو محياها!

    ................................

    أوضح لنا كمال أنها جاءته، أوَّل مرة، قبل حوالي شهرين، وألحَّت، بما يشبه الهستيريا، في طلب مقابلته لأمر قالت إنه يتعلق بحياة أطفاله! كانت تهذي، لاهثة الأنفاس، جاحظة العينين، مبحوحة الصوت، بكلام مفكك عن عقربة، وأنقاض، وفردة حذاء طفل، قبل أن تتوقف، فجأة، لتسأله:

    ـ "إنت في ضهر بيتكم في زي ممر مقفول كدا"؟!

    تذكر أعمال الصيانة في بيته، والانقاض في الموضع الذي أشارت إليه، وأدرك أنها إنما تحذره من خطر داهم يتهدَّد أطفاله!

    بلا كثير تفكير انقذف داخل سيارته، وانطلق إلى البيت. وما أن بلغه حتى اندفع يركض، كالممسوس، إلى حيث أشارت الفتاة. ولدهشته كانت أوَّل ما وقعت عليه عيناه .. فردة حذاء طفل بين الأنقاض! أمسك بمجراف، وأخذ يجذب الحذاء بحذر. وبغتة .. إنفلتت من داخله عقربة سوداء ضخمة كادت تنحشر تحت الأكوام لولا أن عاجلها بضربة قويَّة صرعتها في التو!

    كان أكثر ما شغل كمالاً، عندما قفل عائداً، سؤال الفتاة، وقد وجدها جالسة تنتظره في هدوء، عن كيف ألمَّت بكلِّ تلك التفاصيل، بل كيف عرفته هو نفسه! وسرعان ما جاءه التفسير الصَّاعق في طوايا الابتسامة الغامضة:

    ـ "شفت ده كلو في المنام، وعرفتك من صورتك الفي الجريدة"!

    ................................

    مرَّت شهور، وأمست تلك الحكاية العجيبة محض ذكرى من (مصايب) صديقي كمال التي لا تنقضي، إلى أن رنَّ جرس الهاتف ذات نهار بمكتبي، وما أن رفعت السَّمَّاعة حتى جاءني صوته يلهث:

    ـ "أسمع .. إنتو عندكم مشكلة في أنبوبة الغاز في البيت"؟!

    ـ "غاز شنو يا زول .. قول بسم الله"!

    ـ "كمال أنا ما بهظر .. متذكر الشابَّة العجيبة اللاقيتا في مكتبي"؟!

    ـ "شابَّة شنو"؟!

    ـ "ياخي بتاعت العقرب الفي بيتنا"!

    ـ "أها .. مالا"؟!

    ـ "ضربت لي هسَّي منزعجة .. قالت أحذِّركم لو ما حصَّلتو أنبوبة الغاز حتعمل ليكم كارثة"!

    للوهلة الأولى لم أستوعب جيِّداً ما قال. لكن بعد برهة ألفيت سيارتي تهدر مجنونة، عبر الجسر، وأنا خلف مقودها، صوب الخرطوم بحري. وما أن دلفت إلى الشارع المفضي إلى حيِّنا، حتى صكت أذني جلبة عظيمة، وأبصرت سيارة زوجتي مفتوحة الأبواب على مصاريعها، وقد تحلق حولها خلق كثيرون يهيلون عليها التراب، كما أبصرت صبية يتراكضون بأسطال الماء من كلِّ فج!

    دُست على المكابح، بقوَّة، أوقف سيارتي قبل خطوتين أو ثلاثة فقط من الحشد، حتى لقد طوَّحت مثيرة زوبعة من الغبار. لكنني عندما انفلتُّ خارجاً منها لاحظت أن الحريق قد أخمد تماماً، فلم تتبق منه سوى آثار طفيفة، وسيارة متسخة تماماً، و .. لدهشتي .. أنبوبة غاز متفحِّمة السطح ملقاة غير بعيد من السيَّارة، وقد أطفأها الناس، بحمد الله، قبل أن تنفجر!

    كان مبلغ همِّي، لحظتها، أن أرى زوجتي وإبنتي وأطمئنَّ عليهما. ولم يطل بحثي، إذ ألفيتهما لم تصب أيُّهما بسوء، لحسن الحظ، فقط ألجأهما رعب المفاجأة إلى سور أحد البيوت القريبة.

    فيما بعد روت لي زوجتي أنها ذهبت لإحضار إبنتنا من المدرسة. ولأن أنبوبة الغاز في مطبخنا كانت فارغة، فقد أخذتها معها، حيث غيَّرتها في طريق العودة. لكنهما، وعلى بُعد أمتار من البيت، فوجئتا بألسنة اللهب تندلع، على حين غرَّة، من الأنبوبة الجديدة!

    الا يبدو ان هذا من شغل وحيل جهاز الامن والمخابرات؟. والمرأة رقيقة الحال، غامضة الابتسامة، المتنبئة بالمستقبل ومصائبه، تعمل فى جهاز الامن والمخابرات!؟
    لاحظ ان المستهدفين فى هذه الاحداث التى تبدو قضاء وقدر، ليسوا كمال الجزولى ولا كمال بخيت، اللذين كانا معارضين للنظام وقتها، وإنما استهدفت هذه الحوادث اقرب الاقربين لهما. ابناء كمال بخيت وزوجة وبنت كمال الجزولى.
    اين هذه المرأة "المتنبئة" الآن؟
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de