|
البراءة من دم ابن يعقوب (واعتقاله) مقال خطير للافندي.
|
عبدالوهاب الأفندي القدس العربي اللندنية
(1) كنت أعتقد أنني تجاوزة مرحلة الاستغراب والصدمة لما يقع في السودان. فما من شيء من الكبائر والعظائم يمكن أن يقع في ذلك البلد المنكوب بأهله إلا وقد وقع ما هو أفظع منه. وهل بعد دارفور وما شهدته من عظائم استحلال دماء المسلمين وأعراضهم من كبيرة؟ وهل بعد التعاون مع مخابرات الدول الاستكبارية والتزلف لإسرائيل من إثم يمكن أن يرتكب؟
(2) ولكنني أعترف رغم كل هذا أن صدمتي حين علمت لأول مرة بحادث الاختفاء الغريب للشاب محمد الخاتم موسي يعقوب ابن الصحافي السوداني المعروف موسي يعقوب لأكثر من عامين دون العثور علي أثر له فاقت كل ما سبق. سبب الصدمة والاستغراب هو أن كل الدلائل تشير إلي أن جهة ذات طابع رسمي هي المسؤولة عن اختفاء الشاب الذي كان أحد كوادر الحركة الإسلامية ومن مؤيدي النظام قبل أن ينقلب عليه ويصبح معارضاً شرساً. وهي تشير إلي أنه لم تعد هناك حرمات أو خطوط حمر أو عصمة لحقوق العباد.
(3) أبرز وأهم الدلائل علي المسؤولية الرسمية تأتي من تصرف الأسرة، وخاصة والده المعروف بأنه من الموالين الخلص للحكم علي ضراء لحقته. وقد لزم موسي يعقوب الصمت لأكثر من عامين وهو الصحافي المفوه صاحب العمود الراتب في الصحف السيارة والمتحدث الضليع في الندوات. وكان من الواضح أن هذا الصمت كانت بترتيب مع من يهمهم الأمر، حتي نفد الصبر كما قال يعقوب في مقابلة صحفية عندما سئل لما ذا قرر رفع صوته بالشكوي بعد طول صمت.
(4) بحسب معلومات أسرة محمد الخاتم فإن الشاب الذي تخرج في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم كان من كوادر الحزب الحاكم النشطة، حيث عمل بعد تخرجه في الإعلام المركزي التابع للحزب. وكان قبل ذلك ممن التحق بتمطوعي الحرب في الجنوب، حيث أصيب أكثر من مرة. وقد انحاز إلي المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس البشير في الصراع الدائر بين شقي الحركة، حيث تولي قيادة مجلس شوري المؤتمر في الجامعة. ولكنه بعد خلافات مع إخوته تحول إلي دعم المؤتمر الشعبي بقيادة الشيخ الترابي قبل أن يترك التنظيمين معاً وينشط كإسلامي مستقل ينتقد الحكومة بهمة ونشاط في بيانات وخطب يلقيها في المحافل الطلابية والشبابية، ولكنه نقد من موقع الموالاة ومحاولة الإصلاح.
(5) في يوم الجمعة الثالث من مارس عام 2006، خرج الخاتم من منزله للحاق بموعد عاجل، ولم يلتفت لتنبيه والدته بأن وقت الغداء قد حان. وعندما لم يرجع حتي منتصف الليل بحث عنه أهله في المستشفيات وغيرها من المظان. ثم تلقوا اتصالاً من جهات أمنية تطلب منهم تحضير ملابس واحتياجات لابنهم الغائب. وكانت المفاجأة أن الحقيبة التي أعدت وتركت في المنزل اختفت بدورها بفعل فاعل استخدم مفتاح الابن الغائب للدخول إلي المنزل وأيضاً لتفتيش سيارته والعبث بمحتوياتها.
(6) لم يسمح للأسرة بزيارة ابنها المختفي، وبعد مدة تحول الموقف إلي إنكار المعرفة بمكانه. وعندما استيأس الأهل رفعوا الشكوي لأهل الشأن حتي بلغت الرئاسة، وتم تشكيل لجنة علي أعلي مستوي للبحث في مصير الشاب الغائب، ولكنها لم تحرز نتيجة رغم مرور قرابة الثمانية أشهر علي تشكيلها.
(7) الجهات الرسمية تدعي البراءة من دم ابن يعقوب ومن التسبب في اختفائه. ولكن المريب يقول دائماً: خذوني. فكما ذكرت في مرة سابقة عن إحصاءات ضحايا دارفور، فإن الجهة التي تعرف براءتها من تلك الدماء لا تجادل في عدد الضحايا وتحاول التقليل منهم. وبالفعل فإن موسي يعقوب قارن بين الضجة التي أثارتها الحكومة حول اختفاء أحد دبلوماسييها في مدينة جوبا عاصمة الجنوب في مطلع العام الحالي حين زعمت السلطات هناك أيضاً جهلها بمصيره كما يدعي القوم في الخرطوم حول ابن يعقوب. ولم يهدأ للسلطات بال حتي تم العثور علي الدبلوماسي المفقود وإعادته إلي الخرطوم علي طائرة خاصة.
(8) الريبة أيضاً تحيط بما حدث من إقناع والد المختفي بعدم إثارة الموضوع علناً، وهو إقناع لا بد أن يكون تم من جهات ذات سلطة. فموسي يعقوب ليس بالجاهل بهوية أهل الحل والعقد في البلاد، وليس بالغريب عن دوائر صنع القرار. ولا يمكن أن يكون لزم الصمت لعامين وهو كسميه يكظم حزنه ويردد: وا أسفا علي محمد، إلا إذا كان قد فهم من جهات ذات شأن أن صبره سيكافأ بإعادة ابنه الذي هو في الحفظ والصون. ولو كان الأمر غير ذلك لما اعترض معترض علي رفع الصوت بالمطالبة بتحديد مكان الغائب، ولكانت الجهات الرسمية إياها تسابقه في البحث عمن يستهدف أنصار الحكومة -حتي وإن كانوا مشاكسين- وأبناءهم.
(9) حين ما بلغتنا تفاصيل غرائب ما وقع لابن يعقوب عبر قائمة سودان-نيوز البريدية التي يتحفنا بها الأخ الدكتور محمد جزاه الله خيراً، وما كشف عنه الخبر من ممارسات ما كانت تخطر لنا بالحسبان، لم يجد أحد الإخوة المشتركين ممن اكتوي بنفسه من ممارسات سابقة للقوم، لم يجد ما يعلق به إلا عبارة واحدة: حسبنا الله ونعم الوكيل! (بالانجليزي كما يقول جماعة مدرسة المشاغبين). ونحن أيضاً لا نريد أن نزيد عليها ونحن نختم هذا التعليق. حقاً، حسبنا الله ونعم الوكيل!
|
|
|
|
|
|