|  | 
  |  هوامـش علـي دفتر الحــرب |  | خـالد عـويس
 
 _ بغداد حورية تنقر على شبابيكنا كل صباح .
 تغني لنا أغنيات "السياب" و" الجواهري" . تغسل وجوهنا بـ"دجلة" و"الفرات" . وتطعمنا التمر واللبن . حين تجرح بغداد ، ينزف الشعر وترعف الأغنيات ويصبح للأيام نكهة "هولاكو" .
 . يا هذا الحزن الشاهق على هذه المدينة "القلب" !
 _  بغداد ، تختزل أحزاننا فى حزن عينيها . تنطوي على أوجاعها لتتنزر بالمتفجرات حول خصرها الجميل ، وتكحل عينيها بالبارود ، وتشدّ يدها على حجر أهدته اياها "جنين" ، لتقيم عرس أروع حبيباتنا وأغلاهن وأطهرهن على ضوء الشموع "القنابل" !!
 _ بغداد فى حميمية زميلى _ فى الزمان_ نضال الليثي في أثناء تسكعنا من هانغر لين الى أكسفورد سيركس وهو يدعوني الى السمك "على الطريقة العراقية " ، فى دموع الشاعر يحي السماوي ذات ليلة كئيبة فى فندق قصر الرياض ، فى كراسات نزار وهو يشخبط حروف نورانية لبلقيس ، فى أناقة كاظم الساهر ، فى لهجتها "الموسيقي" وارتمائها الجميل بين ضفتي دجلة والفرات ، فى أنوارها المتلألئة المنعكسة على الماء ، فى كربلاء ... حيث الحزن يتجوّل فى الشوارع ملفوفا فى جنازة "الحسين" ، فى قهوة مظفر المرّة ودفاتره الفوضوية !!
 _بغداد يا حبيبتي وصديقتي وأمي ، كيف أنت ،
 وكيف هى نهاراتك ومساءاتك ،
 وكيف أضحي الموت على أرصفتك ، موتا أنيقا يعلّم المدن "الميّتة" كيف تصحو مدينة ما ، وكيف تسمو على جراحها لتطبب جراح أمة ؟!
 _ بغداد ، فى عينيّ "ليندا" الحزينتين وجمالها العراقي الفاتن . حين تصطخب "ليندا" بحزنها العراقي ، تتمشي السخونة فى مفاصل اجوار رود ونايتس بريدج . لــــــــ"ليندا" بغداد خاصتها، تختصر مشاويرها المتعبة من كوبا الى كوريا ، ومن بيروت الى "الرصافة" .
 تنفث دخانها بعصبية ، وتتلوّن عيناها بقصائد مظفر .
 وحين تتلو علىّ أبيات "عراقية" ، أرتمي منهكا تماما على دكات بغداد !!
 _ بغداد ، بقية من "كرامة" و"ارادة" . بقية من روح أبدية لم تتعوّد على "ماكدونالد" ، ولم تبلل ريقها بكؤوس العلب الليلية . لم تفتش فى مقالب " مانهاتن" عن لقمة مغمّسة فى الدم . لم تكشف ساقيها لـ"أباتشي" .
 ولم تفتتن يوما بـ"الراب" !!
 _ بغداد ، يا آخر القصائد ، ويا آخر العرّافات اللائي يحكين عن "القدرة" المعجونة فى الدمع . بغداد ، يا خازنة الموسيقي والجمال ، يا "لعشتار" التى أهدتك خواتيم عرسها، وأيقونات فجيعتها !!
 _ كل الجنائز تبتديء فى "كربلاء" وتنتهي فى "كربلاء" ، لماذا كان قدر "كربلاء" هكذا دوما ، ولماذا هى مدينة الحزن والوجع ؟
 _    هأنذا يا سيدتي ، أجيئك محزونا بغربتي ، ومقهورا بوجعي ، ومدفونا فى حمي الكلمات . أجيئك مزهوا بدمائي ، ومفتونا بجراحي ، ومملوءا بكؤوس الليل . ورغم جرحك _ سيدتي _ أجدك سخية فى منحي فرحا غير مؤقت ، ونصر غير زائف . وأجدك منتشية بجراح لم تصنعها المعارك التافهة ، ولا الغزوات النكراء . انه فرحك !!
 _ كقصيدة شعر ، تجدل أبياتها من ليل عراقي طويل . وتفيض بسحر الكلمات من زهو الرصافة . ترتمي بغداد شاحبة ومنهكة ، انما "طاهرة" !!
 _ هل عثروا علي سيف "الرشيد" أو عمامة "المتنبيء" ؟
 ليس بعد يا عزيزتي . كل ما عثروا عليه ، بيت شعر ، وحيد ، ومحزون ..
 " حتي الظلام هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق" *
 _ بغداد ، يا فاتنتي : رماحك أنبتت أزهار فى بيروت والخرطوم والقاهرة ، وأسدلت ضفائر من لبلاب فى صنعاء وعمّان . فأشرعي سيوفك كى يزدهر الجمال !!
 _ بغداد ، تبلّغي سلام الأطفال فى بلادي ، وتقبلي دموعي !!
 
 *  بيت شعر للشاعر العراقي الكبير : بدر شاكر السيّاب
 |  |  
  |     |  |  |  |