للباحثين.. مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة السعودية .. دراسة لخالد شبكشي

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 10:38 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.ياسر الشريف المليح(Yasir Elsharif)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-22-2016, 06:47 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50059

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
للباحثين.. مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة السعودية .. دراسة لخالد شبكشي

    06:47 AM February, 22 2016

    سودانيز اون لاين
    Yasir Elsharif-Germany
    مكتبتى
    رابط مختصر


    الملك سلمان يرى الترويج للطائفية الدينية
    وليس فقط الاستثمار السياسي للطائفية



    الطائفية السعودية: تحصين الداخل من خطر الخارج، وأداة لاحتكار نجد الوهابية الأقلوية للسلطة


    مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة السعودية

    أسئلة جمّة تبرز أمام أي مراقب لأوضاع المملكة السعودية بعد ثورات الربيع العربي. السؤال الكبير اليوم هو: ما طبيعة الخطاب الذي ينتج اليوم في المملكة السعودية؟ ومن هو المستهدف بالخطاب، وما علاقة هذا الخطاب بالدولة؟ وهل يعبّر عن الخطاب عن عموم المكوّنات السكّانية، وهل ينسجم مع متطلبات الدولة الوطنية؟ وما تأثير هذا الخطاب على مستقبل السعودية؟

    خالد شبكشي
    توطئة:
    قبل شروع عبد العزيز في إقامة دولة تحمل إسم إسرته، كان سكان الجزيرة العربية منقسمين مذهبياً، قبلياً ومناطقياً. ولم تُحدِث ولادة الدولة السعودية في العام 1932 أدنى تغيير في البنى الاجتماعية والثقافية، بل حدث ما يشبه ترسيخ الواقع القائم كونه يبطن ضمانة استقرار وتماسك السلطة السياسية. وهنا التقت عوامل متعدّدة: الإنقسامات السكانية الفطرية/ البدائية ما قبل الدولة، والارادة السياسية بتعزيز الانقسام بوصفه خياراً ناجعاً لوحدة السلطة ورسوخ أركانها، وجاء خطاب الدولة الذي يكتسي طابعاً طائفياً في الغالب ومناطقياً أحياناً، وقبلياً نادراً وخصوصاً في مراحل حسّاسة لتجعل من الإنقسام سمة عامة في العلاقات البينيّة بين المكوّنات السكانية المحلية.
    تجدر الإشارة الى أن التصنيف قارٌّ في الموروث الاجتماعي والثقافي، وقد تطوّر سؤال (الحمولة) بالمعنى القبلي من اندكاكه في المجال الاجتماعي ليمتد الى مجالات أخرى سياسية وأيديولوجية، لتأخذ أبعاداً أخرى مذهبية وإيديولوجية (شيعي صوفي ليبرالي اسماعيلي علماني...)، وحتى داخل القبيل الواحد (جامي سروري..).
    لقياس منسوب الطائفية وحدّته، تظهر نوعية المصطلحات المستعملة في التنابذ الطائفي لدى الأطراف المسؤولة عن انتاج تلك المصطلحات وجغرافيتها وانتقالها المكاني واختلاطها بمصطلحات أخرى.
    من الناحية التاريخية، تفرّدت السعودية بكونها الدولة العربية التي تتبنى بصورة شبه رسمية سياسات تمييز طائفية. ويجري التعبير عن ذلك من الناحية النظرية في التعليم الرسمي وخصوصاً المناهج الدينية في المدارس والجامعات، ومناشط المؤسسة الدينية (الكتب، الخطب، الفتاوى، المجلات، المحاضرات..الخ)، كما يعبّر عنها عملياً في إقصاء مكوّنات سكانيّة من المناصب الادارية العليا وكذلك المؤسسات الأمنية والعسكرية، والتهميش الاقتصادي والخدمي..
    مصطلحات من مثل (الرافضة، المبتدعة، أهل الضلال، الفرق الضالة..الخ) كانت محدودة التداول في المملكة حتى آواخر السبعينيات من القرن الماضي، وتقتصر على الكتب الدينية الصادرة عن مشايخ الوهابية. وحتى مناهج التعليم الديني في المدارس والجامعات الرسمية لم تتأثر بالمعجم الوهابي حتى ثمانينات القرن الماضي، إذ كانت اللجان المعنية بإعداد المناهج تنتمي في الغالب لجماعة (الإخوان المسلمين) في مصر من أمثال محمد قطب، مؤلف مقرّر مادة (التوحيد) من قبل وزير المعارف الأسبق الشيخ حسن آل الشيخ، وصدرت الطبعة الأولى منه سنة 1977. وكانت وزارة المعارف السعودية وإدارات الإفتاء طبعت كتباً للإخوان المسلمين منها كتابي (شبهات حول الإسلام) و(قبسات من حياة الرسول) لمحمد قطب على نفقة وزارة المعارف. وكان د. كمال الهلباوي، الرئيس السابق للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، يتولى رئاسة لجنة مستشاري بناء المناهج المدرسية في وزارة (المعارف) السعودية.
    على أية حال، فرضت المتغيّرات السياسية الكبرى في المنطقة نفسها على الداخل السعودي، وكان للثورة الاسلامية الايرانية سنة 1978 تأثير مباشر على تحوّل الخطاب الديني في السعودي. وفور وصول الملك فهد الى العرش سنة 1982 خلفاً للملك خالد، جرى ما يشبه عملية «تطهير» للمؤسسات الدينية والتعليمية والقضائية من عناصر (الاخوان المسلمين) في سياق عملية إعادة وهبنة للدولة السعودية لمواجهة استحقاقات المرحلة الجديدة عقب قيام دولة دينية في ايران ذات طابع ثوري.
    وفجأة، شهد الفضاء العام انفجاراً طائفياً غير مسبوق، وعبّر عن نفسه في مقررات التعليم الديني في المدارس والجامعات الرسمية والتي تنال من المذاهب الاسلامية غير الوهابية وعلى وجه الخصوص الشيعة الإثني عشرية والاسماعيلية والصوفية، وتالياً التيارات الفكرية والسياسية الحديثة مثل العلمانية والليبرالية والوطنية، وكذلك الكتب والخطب الطائفية التي غمرت الساحة الداخلية، وصولاً الى سيطرة المشايخ على القضاء الشرعي الذي راح يصدر أحكاماً ضد الناشطين السياسيين بتهمة (الإفساد في الأرض، أو الردّة، أو سب الرسول، أو الزندقة..).
    بقي الخطاب الطائفي، كأحد أدوات التحصين الداخلي في مقابل الخطاب الثوري الإيراني، طيلة سنوات الحرب العراقية الإيرانية. وشارك في صوغ وتعميم الأدبيات الطائفية فريق من المتخصّصين في العلوم الشرعية في الجامعات الدينية السعودية التي خصّصت كليّات لدراسة العقائد الشيعية بكل فروعها وكذلك الصوفية والرد عليها. وأمكن العثور بسهولة على كميات كبيرة من المصنّفات المذهبية ذات الطبيعة السجالية..
    ويمكن أن نلحظ عملية إحياء للمعجم الطائفي الذي كان فيما مضى مقتصراً على دوائر ضيقة ليكون مورد تداول في الشارع، والإعلام، وفي خطب المساجد، والمحاضرات الدينية في المراكز الدعوية وغيرها..
    يجدر هنا الانتقال الى ساحة أخرى ساهمت في بناء المعجم الطائفي على نطاق واسع. ويقدّم فنار حدّاد، الباحث في في معهد الشرق الأوسط بالجامعة الوطنية في سنغافورة، مقاربة للخطاب الطائفي في العراق بصورة أساسية ما قبل وما بعد 2003. ويرى حدّاد بأنه على امتداد عقود أي منذ عشرينيات القرن الماضي وصولاً الى سقوط نظام صدام حسين في إبريل 2003، كان المصطلح الذي جرى استخدامه لتوصيم المعارضين الشيعة في العراق هو كونهم «عجم» أي من أصول إيرانية بهدف نفي آصالتهم العربية والعراقية. ولكن بعد 2003، تمّ استبدال مصطلح «عجم»، وبرز أسلوب في مناوئة التشيّع كان حكراً إلى حد كبير على الدوائر الدينية الرسمية في السعودية. خطاب الاقصاء هذا يستند في المقام الأول على الآخر الديني الذي يتجسد في كلمة «رافضة». هذا الشكل الجديد من العداء الطائفي يصنّف الشيعة كمشتبه بهم ليس بسبب الولاءات الوطنية الغامضة زعماً من قبل البعض ولا بسبب ما يسمى بـ «الاختلاط العرقي» من قبل آخرين ولكن بسبب المعتقدات التي تعرّف الطائفة ككل.
    في المصطلح الأول (عجم)، تتمّ محاكمة الشيعة على أساس جذورهم القومية والعرقية، ولكن في المصطلح الثاني (الرافضة) تتم محاكمة الشيعة على أساس معتقداتهم. في العراق، يبدو مصطلح عجم ملتبساً، لأن ليس كل الشيعة من أصول إيرانية، بل الغالبية العظمى من الشيعة تتحدّر من أصول عربية، وعليه، فإن الاقصاء قد يشمل قسماً من الشيعة وليس كلهم، ولكن حين يستخدم مصطلح الرافضة فإن الإقصاء يشمل جميع الشيعة، لأن الإقصاء يستند على أساس المعتقدات الشيعية.
    لابد من إلفات الإنتباه الى أن الحرب العراقية الايرانية افرزت معجمها الخاص، الذي بقي هو الآخر في حدود العراق وخلال فترة الحرب (1980 ـ1988). ومن بين المصطلحات التي برزت آواخر الحرب كانت (صفوي)، في إشارة الى العهد الصفوي في إيران، و(مجوسي) في إشارة الى الديانة المجوسية القائمة على عبادة النار في إيران، و(نظام الملالي) في إشارة الى النظام السياسي في إيران بقيادة رجال الدين. وقد خصّص كتّاب حزب البعث العراقي مقالات لتعميم مصطلحات (الصفوية، المجوسية، نظام الملالي) في سياق الحرب على إيران وعلى المعارضة العراقية التي كانت تعمل على إسقاط النظام البعثي في العراق.
    كان نفي عروبة الشيعة العراقيين أحد الأهداف التي عمل الكتّاب البعثيون في نظام صدام على تكريسها، وبقيت آثار ذلك حتى بعد سقوط النظام. وفيما لايزال النسب العربي للشيعة يخضع للمساءلة، فإن خطاب مناهضة الشيعة اليوم يتعلّق بدرجة طاغية بالآخر الديني. إنه المشهد الطائفي لما بعد 2003، والتهاب الأساس الطائفي بطابعه الديني الذي شكّل النزوع الطائفي للحرب الأهلية في سوريا، على حد فنار حدّاد.
    بيئة ما بعد 2003 أفضت الى انتشار التوتر السني الشيعي الى خارج بؤره الجغرافية المعروفة. المشهد الطائفي الجديد يرتسم من خلال تصرفات عنفية ذات طبيعة طائفية واللهجة الاستئصالية المصاحبة غالباً معها.
    قبل 2003، نادراً ما كانت الهوية المذهبية في حد ذاتها التفسير الصريح للتمييز أو العنف سواء من خلال تهجير عشرات أو مئات الآلاف من الشيعة العراقيين في السبعينيات أو الثمانينيات الى إيران.
    ولكن اليوم، لم يعد صادماً لأن ترى العنف يتمّ تأطيره أو تبريره بمصطلحات الهوية الطائفية وفي حد ذاتها كجزء من الشجب الاجمالي لإقصاء للآخرين. منذ 2003، فإن الخطاب منغمس في العقيدة الدينية التي برزت وتركت فراغاً قليلاً للمصالحة بل وفراغاً أقل لـ «الشيعة الطيبين»، كما كان الحال في السابق. فمصطلح «عجم» كان يسبغ على الشيعة السيئين، بحكم اختلاط أعراقهم بالأصول الإيرانية، ولكن تصوّير الشيعة كرافضة هو توصيم ديني لكل الشيعة، لكونهم شيعة(1).
    سوف يظهر بوضوح عقب سقوط النظام السياسي العراقي في عهد صدام حسين في إبريل 2003، أن ثمة معجمية مختلطة بدأت تعكس هوية الأطراف المشاركة في صنعها. فمصطلحات (الصفوية، الرافضة، المجوسية...) كشفت عن ائتلاف جديد غير مكتوب يضم مجموعات من النظام البعثي السابق وعناصر من المقاتلين السلفيين الذين جاءوا من خلف الحدود أو اجتمعوا داخل العراق بعد الحملة الايمانية التي انطلقت في آواخر التسعينيات من القرن الماضي، حين بدأ عدد من قادة البعث الأمنيين والعسكريين بالإنخراط في التيار السلفي في عملية إعادة تموضع أو بالأحرى إعادة إنتاج للبعث العراقي ضمن بيئة دينية سلفية متشدّدة، إذ تنامت الظاهرة بوتيرة متسارعة عقب سقوط النظام البعثي في التاسع من إبريل 2003.
    وقد سعى قادة في النظام البعثي السابق إستدراج القيادة السعودية الى الانخراط في المواجهات المسلّحة في العراق في محاولة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء. برغم من نجاح بعض المحاولات في إقناع الملك عبد الله وعدد من كبار الأمراء لناحية تقديم الدعم المالي بهدف تخريب العملية السياسية العراقية، إلا أن المستوى الرسمي نأى بنفسه عن الإنخراط المباشر، أو حتى تشجيع مواطنين على الهجرة والقتال مراعاة لحساسية العلاقة مع الولايات المتحدة، دولة الاحتلال للعراق وفق قرار مجلس الأمن رقم 1483 الصادر في 22 مايو 2003. والأمر الآخر، أن السعودية لا تزال حتى ذلك الوقت خاضعة تحت تأثير تداعيات هجمات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001، بعد أن ثبت ضلوع 15 مواطناً سعودياً من أصل 19 انتحارياً في الهجمات تلك.
    بعد اندلاع ثورات الربيع العربي في آواخر عام 2010، أخذت الطائفية منحى خطيراً، نتيجة وقوع ثورات في بلدان عربية ذات طبيعة مذهبية مختلطة: البحرين، اليمن، سوريا. كان يمكن أن تحقّق الثورات في هذه البلدان أهدافها بحسب ما تقرّره شعوبها، ولكن لعبت العوامل الخارجية دوراً محورّياً في حرف مسار الثورات نحو غايات القوى الخارجية الاقليمية والدولية.
    في البحرين، دخلت قوات درع الجزيرة بقيادة السعودية في 15 مارس 2011 بهدف القضاء على الثورة الشعبية بدعوى حماية المنشآت الحيوية، وتقدّم مجلس التعاون الخليجي بتوجيه من السعودية بمبادرة أطلق عليها (المبادرة الخليجية) في 3 إبريل 2011 لاحتواء الثورة الشعبية في اليمن، وفي سوريا قرّرت السعودية التدخل المباشر بدعم الجماعات المسلّحة. واجهت الثورة في هذه البلدان تحديّات كبيرة وبالغة الصعوبة، ففي البحرين جرى استخدام القمع الشديد للقضاء على الثورة الشعبية سواء عبر حملة اعتقالات واسعة النطاق طالت قيادات ورموز الثورة، أو استخدام الرصاص الحي والمباشر ضد المتظاهرين، أو الحصار الاقىصادي والمعيشي، وسحب الجنسيات، والتسفير. وفي اليمن، سعت السعودية عبر حلفائها اليمنيين من أمثال عبد ربه منصور هادي وخالد بحّاح ووزرائه من أجل تنفيذ أجندة سعودية تفضي الى القضاء على الثورة، وإعادة إنتاج سلطة مرتبطة بالخارج، وهو ما رفضته غالبية الشعب اليمني وخرج في مظاهرات أدّت الى استقالة هادي وهروبه وحكومة خالد بحّاح من اليمن الى الرياض إيذاناً بإشعال حرب شرسة على اليمن عشية السادس والعشرين من مارس 2015. وفي سوريا التي شهدت مظاهرات شعبية تطالب بالحرية والتغيير الديمقراطي ما لبث ان واجهت تحديّات خارجية، ازدادت خطورتها بعد تسلّم الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات العامة الأسبق، ملف المعارضة السورية في صيف 2012، فانتقلت الثورة الى مرحلة جديدة عنوانها الفوضى وتخريب سوريا الدولة والبلد.
    ما يتعلق بموضوعنا هنا أن الثورات الشعبية في البحرين واليمن وسوريا وما طرأ عليها من أشكال تدخّل خارجي، فجّرت الخطاب الطائفي على نطاق غير مسبوق، وأصبح التدخّل السعودي في هذه البلدان علنيّاً، وبكل الأشكال حسب تصريح لوزير الخارجية السابق سعود الفيصل، في إجابته عن سؤال حول الموقف السعودي من دعوات الجهاد، إذ قال: إننا نجاهد بكل شيء(2).
    ما يلفت في الموجة الطائفية الثالثة أنها لم تعد مهمّة فريق دون آخر، بل ثمة انخراط شامل يشارك فيه السياسي، والمثقف، والليبرالي، ورجل الدين، واللاديني. ولم يعد هناك خطوط حمراء في الحرب الطائفية، في تجاوز واضح لمنطق الأوطان، واستحضار ثقافة ومصطلحات ما قبل الدولة، يترجم تفاقم الصراع من جهة، ويعبّر عن انسداد أفق الحل السياسي من جهة ثانية.
    وبدا واضحاً غياب من يزاول مهمة الناقد لخطاب غرائزي منفلت من عقاله، بل حضر وبكثافة لافتة من يجنح الى التماهي مع الخطاب الطائفي من المصنّفين على النخبة الثقافية والمساهمة في تزخيمه وترسيخه. وبات التفاعل مع هذا النوع من الخطابات الثقافية سبيلاً لكل من يتطلع لتحقيق ذاته في هيئة جديدة. وفي النتائج، ظهرت الطائفية كما لو أنها فرصة لأولئك الذين يبحثون عن المال والوجاهة في وجهة ما، ولتحصين الجبهة الداخلية من وجهة أخرى، في ظل هواجس حول احتمالية انفراط القاعدة الشعبية للنظام السعودي في نجد، والتي لا يمكن الحفاظ عليها بدون خطاب شديد الخصوصية.
    شعر كثيرون بخيبة الأمل عقب رفض أغلبية أعضاء مجلس الشورى السعودية مشروع نظام (حماية الوحدة الوطنية) بنسبة (74 في مقابل 47) في جلسته الـ 48 بتاريخ 16 يونيو 2015 بدعوى أن النظام الأساسي للحكم يتضمن مادة بهذا الخصوص(3). وفي حقيقة الأمر، أن قانوناً من هذا القبيل من شأنه إرباك الساحة الداخلية المشبعة بأدبيات تحرّض على الكراهية الطائفية والعنصرية، وسوف تواجه الحكومة السعودية سيلاً من الاتهامات والأسئلة حول الجهات الراعية أو المتساهلة إزاء انتشار هذا الخطاب في مجالات عدّة، إعلامية وسياسية وثقافية ودينية واجتماعية.
    وكيما يتسنى لنا فهم الخطاب المنتج في المملكة السعودية، وما هي الجهات المشاركة في إنتاجه، وتداعياته على علاقة الدولة بالمجتمع وعلى الفئات الاجتماعية بعضها ببعض لابد من استعراض تظهيرات هذا الخطاب في مجالاته السياسية والاعلامية والثقافية والدينية.
    المنتج السياسي
    برغم من سياسات التمييز بأشكاله الطائفية والمناطقية والقبلية التي تتبناها الدولة السعودية منذ نشأتها العام 1932، إلا أن الملوك السعوديين دأبوا على استخدام لغة ملتبسة تنطوي على عبارات تؤكّد على الوحدة الداخلية، والإنسجام بين المجتمع والسلطة.
    باستثناء الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة السعودية، الذي أبدى استعداده بتطبيق فتوى صدرت عن مؤتمر الرياض في يناير 1927 حضره شيوخ القبائل وعلماء الوهابية وقادة الاخوان (باستثناء سلطان بن بجاد الذي لم يكن حينذاك يعترف بشرعية حكم عبد العزيز وطالب بعزله) بإلزام الشيعة بالبيعة على الإسلام وعدم إظهار شعائرهم الدينية(4)، فإن بقية الملوك السعوديين لم يتبنوا مواقف علنيّة من المكوّنات السكانّية الشيعية (الإثني عشرية والإسماعيلية)، والصوفية. وحتى في ذروة التصعيد الطائفي في ثمانينات القرن الماضي، ولجوء النظام الى تدابير صارمة ضد الشيعة في مجال التوظيف والحريات الدينية لم يصدر عن القيادة السياسية ما يفيد بوجود توجّه مذهبي واضح.
    في عهد الملك سلمان، الأقرب الى عهد الملك فهد في سياسته الطائفية، بدا الأمر مختلفاً الى حد ما. الملك سلمان ألقى كلمة بمناسبة حلول شهر رمضان لعام 1436هـ الموافق 18 يونيو 2015 جاء فيها:
    «إننا ماضون بحول الله تعالى على النأي ببلادنا ومواطنينا عن الفتن والقلاقل والاحتقانات الطائفية، ونؤكد رفضنا التام للتصنيف المذهبي والطائفي، إدراكاً منّا بمخاطره على اللحمة الوطنية في بلادنا»(5).
    في مضمون الكلمة رسالة وطنية لافتة، ولكن في وضعها على محك التجربة العملية، فإنها تتجاوز الواقع القائم بكل انفلاتاته الخطابية، كما تبطن تجاهلاً مقصوداً لسياسات التمييز والتصنيف على قاعدة مذهبية. وعليه، هناك من طالب فريق الملك سلمان بترجمة رؤية الأخير في الوطنية، بحسب الكاتب الحجازي أحمد عدنان(6).
    امتثالاً لأعراف محلية بإخراج الملك من دائرة النقد، يحاول عدنان إرجاع أي إخفاق في تسييل الخطاب الوطني الى الفريق المحيط بالملك، بما يجعل الأخير وكأنه كائن معطّل، أو ذات مقدّسة لا تقبل النقد.
    عدنان يرى بأن الحديث عن المواطنة في المملكة ناقص من دون التطرّق ـ في المستوى الأول ـ إلى الإسماعيلية والشيعة، وطالب بإجراء مراجعية ذاتية لعمل الأجهزة الرسمية التي «تصر على التعامل مع الملفات السياسية كملفات أمنية، وليس هناك ردع لمتطرفي السلفية الذين يريدون قتال إيران عبر استهداف الشيعة السعوديين، ولم يصدر أيّ تشريع رادع يجرم العنصرية والطائفية، فانصرف جمهور تلك القوى المعتدلة والوطنية إلى الإحباط أو إلى التطرف»، حسب عدنان.
    في المستوى السياسي، ثمة متغيّر غير مسبوق في عهد الملك سلمان، إذ يشارك أمراء في الردح الطائفي وبشكل مبتذل. ونحن أمام مثالين فاقعين جرى تعمّد إبرازهما إعلامياً.
    ـ الأول: نص كلمة لأمير المنطقة الشرقية سعود بن نايف بتاريخ 8 إبريل 2015 ينال فيها من الشيعة ويصمهم بأنهم أحفاد عبد الله بن سبأ. وقد نقلت أكثر الجرائد المحلية اليومية نص الكلمة، فيما انفردت صحيفتا (اليوم) التي تصدر في المنطقة الشرقية و(المدينة) التي تصدر في المدينة المنورة، وفيهما تقطن الغالبية الشيعية، بمانشيت شبه موحّد يذكر فيه إسم عبد الله بن سبأ في إشارة استفزازية للشيعة في المملكة(7).
    ولعل الفقرة الأكثر استفزازاً في كلمة سعود بن نايف هي التالي: «..فهناك حثالة شر وهؤلاء في الوقت الذي بلادهم تتعرض إلى ما تتعرض إليه وتقف صفاً واحداً خلف قيادتها نجد أحفاد عبدالله بن سبأ المتلوّن الصفوي من يخرج بوجهه البشع، محاولين شق الصف..».
    ـ المثال الثاني: مقالة كتبها أمير القصيم فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز آل سعود بعنوان (الأبعاد التاريخية للعداء على السلفية.. والتهجم على النهج السلفي السعودي لماذا؟)، تمّ نشره في جريدة (الجزيرة) بتاريخ 10 سبتمبر 2015، ونال فيها من الشيعة والصوفية وكتب:
    «لاشك أننا نرى أن للغرب عذره وللأيدلوجيا المضادة لمذهب السنة والجماعة من المانويين والشيعة الباطنية عذرها كذلك في أن تحارب وتعادي كل ما هو سني، ولكن كيف نجد العذر والمبرر للآخرين ممن يصنفون ضمن المذهب السني..». وفي التفاصيل كتب: «ونتيجة للصراع التاريخي الذي كان قائماً قبل الإسلام بين العرب والفرس فقد ظهرت الدعوة للشعوبية التي قادها المانويون الوثنيون في فارس وما حولها من بلاد خراسان للقضاء على الإسلام ممثلاً في النهج النبوي السني حتى ظهور المذهب الشيعي الباطني الهرمسي «والهرمسية عبارة عن فلسفات وعقائد وثنية»، ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا وهذه الطوائف المنحرفة عن الحق تحارب الإسلام السني وبكل الوسائل المتاحة الفكري منها والثقافي». ثم نال من المذهب الشيعي وقال عنه بأنه متأثر «بالعقائد الوثنية المانوية والهرمسية التي كانت سائدة في بلاد فارس..» وختم بأن المملكة السعودية هي «الآن رأس الرمح في الدفاع عن عقيدة المسلمين القائمة على التوحيد ومذهب أهل السنة والجماعة»(8).
    إن ما يخلص إليه القارىء للمقالة أن المذهب الشيعي يمثل خصماً لعقيدة أهل السنة والجماعة التي تدافع المملكة عنها، ومن شأن هكذا خلاصة حين تندمج في بنية الخطاب الرسمي أن تجعل من الشيعة ومكوّنات أخرى خصوماً للدولة، وأن المملكة هي رأس الرمح في الدفاع عن عقيدة المسلمين التي يمثّل الشيعة مصدر خصومة لها..
    مهما يكن، فقد أثارت المقالة تعليقات نقدية، كون ربط مشروعية الدولة السعودية بالسلفية يفقد تمثيل الأخير للأغلبية السكانية، وينزع مشروعيتها، فضلاً عن ارتباط السلفية في نسختها الوهابية بالإرهاب. في تعليقه على مقالة الأمير، كتب أحمد عدنان:
    «ربط شرعية النظام السعودي بالسلفية يحرج الدولة لالتصاق الارهاب بالسلفية لا بالسنة، ويضعف كيان الدولة ويهدّد مستقبله بسبب انتهاك المواطنة وتضييق شريحة الموالين بحصرها في الوهابيين وحدهم وتحقير غيرهم»(9).
    النزوع الإيديولوجي لدى الطبقة الحاكمة يختزل الدولة في هيئة سياسية تضطلع بمهمة إدارة شؤون الحكم وليس المجتمع. ومن الناحية النظرية، فإن نحل الدولة طابعاً غائياً، لا صلة له بالوظائف التقليدية للدولة المتعارف عليها والمتمثلة في حفظ المصالح ودرء المخاطر وتنظيم الروابط بين فئات المجتمع والسلطة. في حقيقة الأمر، إن الإصرار على تأكيد الهوية السلفية للدولة يؤول الى انتقاص مشروعيتها لأنها تصبح غير ممثّلة لبقية المكوّنات السكانية، التي تعتنق مذاهب أخرى غير سلفية. وفي النتائج، إن أدلجة الدولة يتعارض مع دعوى وطنيتها، لعدم تناسب مساحة التمثيل لكل منهما.
    من تجارب سابقة، يظهر ميل الطبقة الحاكمة لجهة تأكيد هويتها الدينية كلما تعرضت للمسائلة أو التهديد. في أجواء الربيع العربي، وصعود نموذج (الإخوان المسلمين) في مصر وتونس، شعرت الأسرة المالكة في السعودية بحاجة الى إعادة تأكيد مشروعيتها الدينية وفق التفسير السلفي الوهابي.
    في 27 ديسمبر 2011، أقامت جامعة الإمام محمد بن سعود ندوة بعنوان (السلفية منهج شرعي ومطلب وطني) برعاية الإمير نايف بن عبد العزيز، ولي العهد ووزير الداخلية الأسبق. وجاء في كلمة الأخير ما نصّه: «إن المنهج السلفي مصدر عزّ وتوفيق ورفعة للمملكة، كما أنه مصدر لرقيها وتقدمها لكونه يجمع بين الأصالة والمعاصرة، فهو منهج ديني شرعي، كما أنه منهج دنيوي يدعو إلى الأخذ بأسباب الرقي والتقدم، والدعوة إلى التعايش السلمي مع الآخرين واحترام حقوقهم».
    في مثال واحد، على الأقل، صرّح الأمير نايف بعد حادثة مقتل الحجاج الايرانيين العام 1987، للصحافة المحلية ما نصّه: «لن نسمح للأفكار المذهبية أن تروج.. وأن الشيعة في المملكة مواطنون أصليون وهم يقدّمون انتماءاتهم الوطنية على انتماءاتهم المذهبية، ولكن إذا ظهر غير ذلك فإننا نعرف كيف نتعامل معهم لنؤدّبهم»(10).
    على أية حال، فإن من النادر جداً حصول تطابق تام بين الحدود الدينية/ المذهبية والوطنية في أي من دول العالم. وعليه، فإن المستوى الثاني من النقاش ينحصر في قدرة معتقد/ مذهب ما على التعايش مع باقي المعتقدات. وفي ضوء تجربة الدولة السعودية، فإن ثمة صعوبة بالغة في إثبات نجاح المذهب الرسمي للدولة السعودية، أي الوهابية، في التسامح مع بقية المذاهب أو التعايش معها.
    أمير القصيم، فيصل بن مشعل آل سعود، من بين أمثلة كثيرة، يؤكد هذه الحقيقة في دفاعه عن الوهابية حين يصف أتباع المذاهب الأخرى بـ»أهل الباطل» وهم بحسب قوله «ممن ينسبون طرقهم لأشياخهم الذين يعبدونهم من دون الله، كما يقول مثلاً «القادرية، والشاذلية والإسماعلية، الخ» في أخطر ظاهرة للشرك عمل على محاربتها الشيخ محمد بن عبدالوهاب وجاهد في سبيلها». ثم يحيل الى موقف للشيخ صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، يقوم على تنزيه الذات (العقيدة الصحيحة) ونفي شامل لما عداها (المبتدعة) بقوله: «فالشيخ محمد بن عبدالوهاب لم ينفرد بمذهب خاص به ينسب إليه، كمذهب الجهمية المنسوب إلى الجهم والمعتزلة والأشاعرة والصوفية ونحوهم ممن خالفوا منهج السلف، ونسبت مذاهبهم إليهم»(11).
    بالغ الملك سلمان بن عبد العزيز في المنافحة عن العقيدة الوهابية من منطلق مذهبي، وحذّر الباحثين من استخدام مصطلح «الوهابية» لكونه ينطوي على بعد ازدرائي وتشويهي. ما يلفت في مقالة سلمان هو الإعلاء من مكانة المذهب الى مستوى الوحي، بما يؤول الى إخراجه من دائرة الجدل، النقد، والمساءلة، وقال بأن الوهابية «دعوة للعودة إلى مبادئ الدين الإسلامي كما جاءت في الكتاب والسنة النبوية الشريفة». وعليه، رفض سلمان أصل فكرة الاصلاح في الدعوة الوهابية على قاعدة «كيف نطالب بإصلاح مضامين الدعوة وهي تلك المضامين التي نادى بها القرآن الكريم والسنة النبوية؟»(12). في الرسالة المضمرة والبعيدة للفكرة، يؤكد سلمان على رهان الإيمان بالوهابية كشرط وجود للدولة السعودية.
    وفي كلمة مكتوبة ألقاها سلمان، أمير الرياض حينذاك، بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بعنوان: «الأسس التاريخية والفكرية للدولة السعودية»، حضرها جمع من الأمراء والعلماء والمسؤولين والإعلاميين، يقول فيها:
    «وعندما ظهرت الدولة السعودية في الدرعية، أعادت للمنطقة الدولة المركزية القائمة على الدين مثلها مثل الدولة الاسلامية الاولى..»(13). نص شديد الكثافة في الشعور بالاصطفاء الديني، إذ يتم تتويج العقيدة الوهابية بكونها التفسير الرسمي والوحيد للإسلام وكذلك الدولة السعودية بوصفها التجسيد السياسي والديني للعقيدة الصحيحة، ونفي كل ما سواها من الدول الاسلامية عبر التاريخ بما فيها الدول الأموية والعباسية والعثمانية.
    في النتائج، هي دعوة تحتكر حق تفسير النص الديني، وتفرض نفسها تجسيداً نهائياً ومثالياً وأميناً للوحي. وإن تحصين المذهب الرسمي بشهادات التنزيه وترسيخها كمرجعية أيديولوجية وحيدة للدولة يبطن إقصاءً مطلقاً لبقية المعتقدات التي تتحوّل بشكل أو آخر غير شرعية من الناحية الرسمية، وهذا يفسر غياب نص واضح في أي من التشريعات يكفل حق أتباع كل معتقد بمزاوالته بحرية تامة ودون قيد أو شرط.
    سوف تبدو هكذا مقاربات بمثابة الظلال التي تتفيأها الأفكار المشجّعة على تركيز الهوية الدينية وليس الوطنية كأساس للعلاقات بين فئات المجتمع والتراتبية التي يجب أن يقوم عليها النظام البيروقراطي للدولة، فيصبح المعيار الديني وليس الوطني هو الأساس الذي يحكم مواقع الأفراد وامتيازاتهم.
    جدالية الهوية، بحسب الكاتب الحجازي عبد الله فرّاج الشريف في ردّه على أتباع المذهب الوهابي، تحوم حول ثنائية: الدين والوطن، في تشكيل هوية الأفراد داخل مجال الدولة، وليس الجماعة. وعليه، طالب الشريف بوضع مادة التربية الوطنية تتناسب والهوية الوطنية للدولة. ولفت الشريف الى الخطاب المناهض لمشروع الدولة الوطنية وكتب ما نصّه:
    «ولا شك أننا في الوطن ابتلينا ببعض من يتعصبون لتياراتهم وطوائفهم ومذاهبهم، ويشتدون على مخالفيهم حتى تنشأ بينهم العداوة والبغضاء، وأصبحنا نقرأ هذا في الكتب ونسمعه على المنابر وتشيعه اليوم وسائل التواصل الاجتماعي»(14).
    لم يكن بالامكان المضي في تحييد المذهب الرسمي للدولة عن الجدل الثقافي الدائر في وقت يلعب فيه المذهب دوراً محورياً في حوادث خطيرة على مستوى العالم. في سبتمبر من العام 2010 بثّت قناة (العربية) المموّلة من الحكومة السعودية برنامجاً تلفزيونياً خلال موسم رمضان لعام 1431هـ بعنوان (الإسلام والغرب) وتناول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلاقته مع محمد بن سعود. وصف أحد ضيوف البرنامج دعوة الشيخ بـ «الوهابية»، وأن أنصارها هم «فريق مُتزمّت ومُتعصّب أثار الفتن في ‏الجزيرة والتخريب في المدينة المنورة، وسرقوا ممتلكات القبر النبوي وهدموا بقية القبور بحركات ‏فوضوية، وأنهم يزعمون أنهم يمثلون الإسلام». أحد الضيوف حمّل الوهابية مسؤولية وصم الإسلام بالإرهاب، فيما حمّل آل سعود سبب انتشار الوهابية في ‏أرجاء العالم.‏
    تقدّم مدير القناة عبد الرحمن الراشد باستقالته، ولكن رئيس مجلس الإدارة رفضها بعد تسوية المشكلة، واكتفى بتأنيبه. وقبل ذلك بشهور، في مايو 2010 أعلنت صحيفة (الوطن)، والتي يرأس مجلس إدارتها نجل أمير مكة، الأمير بندر بن خالد الفيصل، في خبر مُقتضب عن «استقالة» ‏رئيس تحريرها الأسبق جمال خاشقجي على خلفية مقال للكاتب ‏إبراهيم طالع الألمعي بعنوان «سلفي في مقام سيدي عبد الرحمن»، وصف فيه زيارة شخص سلفي الى مقام عبد الرحمن الثعالبي في الجزائرة العاصمة، وصوّب فيه على أتباع السلفية وقال عنهم «يحملونَ ثقافةً جرداء مُسطَّحة الفكر لا تملك التوغُّلَ في الفكر ولا اتِّساع التَّمذْهب بسبب نوع البيئة التي جاؤوا منها..». وانتقد العقيدة الوهابية في زيارة القبور القائمة على قطع الصلة بين الأموات والأحياء، فيما يؤكّد الألمعي على العلاقة الروحية والطقوسية بين العالمين، وقدّم توصيفاً إطرائياً لتجربة زيارة مقام الثعالبي من قبل السكان المحليين أو الزوّار من خارج العاصمة(15). على أية حال، فإن المقال وضع نهاية لمشوار الخاشقجي في الصحيفة.
    في ظل القيود الصارمة المفروضة على النقاش العام، يصبح إخضاع عقيدة الدولة الرسمية للفحص والمراجعة أمراً محظوراً. على الضد، فإن ثمة تسامحاً مفرطاً إزاء نقد المعتقدات الأخرى، يصل الى حد تجريمها وتكفيرها بل وفي بعض الحالات تبرير القتل ضد أتباعها..
    يملي إصرار الطبقة الحاكمة على تماهي الدولة مع المذهب فرض معادلة في الحكم تقوم على احتكاره من قلّة واقصاء الأغلبية عنه. استمرار العلاقة بين الدولة والمذهب يجعل النقاش حول أصل وجود الطائفية في هذا العهد أو ذاك دون طائل، والصحيح أن النقاش يكون حول شكل الطائفية وتمظهراتها بين عهد وآخر.
    وبالمقارنة بين عهدي الملك عبد الله (2005 ـ 2015) والملك سلمان (2015 ـ الآن) يظهر أن الطائفية في عهد الملك عبد الله كانت ذات طبيعة سياسية وتستهدف تغطية نزاعات المملكة السعودية مع الخارج مثل ايران والعراق وتالياً سوريا، فيما كان البعد الديني مخفّضاً، فلم يسمح للتيار الديني السلفي، خصوصاً التيار المقرّب من جماعة (الإخوان المسلمين)، بالإفادة من الطائفية السياسية للتمدّد إجتماعياً وإعلامياً وسياسياً. في حقيقة الأمر، شكّلت الطائفية الدينية حينذاك خطراً على النظام نفسه، بسبب تموقعها سياسياً.. نلحظ ذلك بوضوح مع تصاعد تيار السلفية الجهادية المتمثل في القاعدة، والمشتق من تيار الصحوة الذي انبثق في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. إذ ما إن بدأت موجة العنف تضرب المملكة السعودية في 12 مايو 2003، حتى تصاعدت الأصوات المطالبة بمجابهة الفتاوى المؤيّدة للعمليات الإنتحارية، مع تزايد أعداد المجنّدين في عمليات مسلّحة داخل العراق. وشهدت البلاد حملات متبادلة بين كبار العلماء ومشايخ التنظيمات الجهادية، واستعمل خلالها الطرفان كل أنواع الفتوى تقريباً، ووصلت إلى حد صدور فتاوى بتكفير إبن باز وابن عثيمين، بسبب وقوفهما مع السلطة.
    وفي ظل تصاعدة موجة العنف، ولجوء الحكومة الى العلماء لتعزيز الجبهة الدينية للدولة، إنتقد عناصر الجماعات الجهادية تصريحات المفتى العام الحالي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بتجريم من نزع الطاعة من الحكومة السعودية، ووصفه آل سعود بأنهم (سعوا في إصلاح الأمة والدفاع عنها)(16). وكان واضحاً الجرعة الدينية العالية في التصريحات السياسية للعلماء، فقد ذكر المفتي في تصريح له في 25 يونيو 2003 ما نصّه: (من أحدث حدثاً في البلاد لا يجوز التستّر عليه، بل يجب الإبلاغ عنه ورفع أمره مباشرة إلى ولي الأمر بما يتوافق والشريعة الإسلامية). كما اعتبرت هيئة كبار العلماء التفجيرات بأنها (كبيرة من كبائر الذنوب العظام)، وقال الشيخ أسامة عبد الله خياط، إمام وخطيب المسجد الحرام، في 12 يونيو 2003 بأن التفجيرات (عمل إرهابي يأباه الله ورسوله وصالح المؤمنين)، فيما قال الشيخ عبد الباري الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي، بأنها (كبيرة من الكبائر ليس لها ما يبرّرها لا شرعاً ولا عقلاً)، وحذر (من الغلو الاعتقادي)(17).
    وفي رد فعل على الإنقسام الحاد في المجتمع السلفي إزاء ظاهرة الجماعات المسلّحة التي حظيت بشعبية لافتة، أعلنت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية في 27 مايو 2003م طي قيد وإعادة تأهيل 1710 من الأئمة والخطباء والمؤذّنين في المساجد في مناطق مختلفة من السعودية. وقال الوزارة بأنها تلقّت توصيات رسمية بطي قيد 353 شخصاً من العاملين في المساجد هم 44 خطيب جمعة و160 إمام مسجد و149 مؤذناً، وذلك بعد التأكد من عدم صلاحيتهم للعمل في المساجد، في حين ألحقت بدورات شرعية 517 إماماً و950 خطيباً و750 مؤذناً(18).
    في سياق شديد الاحتقان، انبرى الشيخ سفر الحوالي، من أبرز رموز التيار الصحوي في المملكة السعودية منذ تسعينيات القرن الماضي، وألمح في مقابلة تلفزيونية في نوفمبر 2003 إلى وقوع الدولة في مطب الكفر وطالبها بأن (تلغي كل القوانين الوضعية، وتتحاكم فعلاً إلى الشريعة، وتعدِّل نظام القضاء، وتلغي المعاهدات والولاءات غير الشرعية، وتزيل المنكرات التي تستفز هؤلاء، وتمنع الكُتَّاب الذين يكتبون بعض الكلام الذي فيه إلحاد وسخرية بالدين في الإعلام وغيره)(19).
    إذاً، أدرك النظام السعودي في مرحلة مبكرة بأن الطائفية في بعدها الديني لا تخلو من ارتدادات على النظام نفسه. في عهد الملك عبد الله، لم تظهر الطائفية في بعدها الديني، بل كانت طائفية سياسية، تستهدف مواجهة خصوم السعودية خصوصاً ايران والعراق وسوريا وحزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن.
    نقرأ في انتقادات مشايخ الصحوة لعهد الملك عبد الله ما يؤكد على خصومة الملك عبد الله مع الطائفية الدينية.
    وكانت قناة (روتانا خليجية) قد بثّت مساء التاسع والعشرين من يونيو 2015 حلقة من برنامج (في الصميم) وكانت عبارة عن لقاء مع الشيخ السلفي المتشدد محسن العواجي، الذي قال بأنه: «راضٍ عن القيادة الحالية»، يقصد الملك سلمان، وأوضح: «ولا أعتقد أنني في حياتي رضيت، مثل ما رضيت في وضع القيادة الحالية»، ولكنه استدرك قائلًاً: «سجناء الرأي ما كان لهم أن يسجنوا فضلاً عن أن يبقوا إلى الآن». في إشارة لأزمة السجناء السياسيين الذين قدّرهم الدكتور محمد القحطاني وناشطون حقوقيون آخرون بنحو ثلاثين ألف سجين رأي.
    وفي إجابته عن سؤال حول سبب الرضا، قال العواجي بأنه تمّ «استدراك» الأوضاع في المنطقة نتيجة أخطاء العهد السابق، وإن عصر «المجاملات» انتهى، وإن الزعم بأن «البلاء من البطانة ولا طويل العمر ما قصّر، هذه انتهت الآن»، وختم: «طويل العمر مسؤول عن كل صغيرة وكبيرة في الدولة». وأضاف: «الذين جاملوا الملك عبد الله في وقته، الآن هو في قبره لوحده يواجه كل هذه القضايا بينه وبين الله عزوجل»، وواصل: «لن ينفعه وزير الإعلام ولا المتملّق والمتزلف».
    على الضد، بدا العواجي مرتاحاً لعهد الملك سلمان وقال: «إن القيادة الحالية ستبذل قصارى جهدها في «تصحيح الأخطاء القاتلة» التي كانت خلال عهد الملك الراحل»، وأضاف: «أن الملك وولي العهد وولي ولي العهد وجميع المواطنين السعوديين يعلمون أننا عشنا معاناة العهد الماضي، ولكن الكل يجامل». وفي سؤال عن طبيعة المعاناة التي يقصدها العواجي ذكر من بينها تعهّدات أخذتها السلطات السعودية على من أسماهم «الدعاة» أن لا يتحدثوا ضد «الحوثيين»، في الوقت الذي كان فيه «الحوثيون» ينتشرون في اليمن.
    قد لا تكون الأمثلة التي ساقها العواجي لعقد مقارنة بين عهدي الملك عبد الله والملك سلمان كافية بحد ذاتها لبيان ما وصفه بـ»المعاناة». وقد تكون الإجراءات الصارمة المفروضة على تيار الصحوة القريب من الإخوان المسلمين هي السبب الحقيقي وراء شعور العواجي بالإنفراج في عهد سلمان.
    الشيخ الصحوي المتشدد ناصر العمر وجّه في لقاء تلفزيوني آواخر يونيو سنة 2015 انتقاداً لسياسات الملك عبد الله ووقوع مخالفات شرعية كبرى ومخالفته لهيئة كبار العلماء، حسب قوله. وفي جوابه حول دخول المرأة في الانتخابات البلدية في نوفمبر ـ ديسمبر 2015، قال بأن: «في الزمن الماضي ـ أي عهد الملك عبد الله ـ مع كل أسف في اندفاع لاقحام المرأة في كل شيء: في مجلس الشورى، وفي الجامعات وغيرها؛ وهذا أمر خطير جداً وله آثاره..ولذلك ولخطورة الأمر، أتوجّه الى مقام خادم الحرمين الشريفين ـ سلمان، والذي عرف بتقريب العلماء؛ ومن أول عهده بدأ مع العلماء ويرجع إليهم، ويقول لا أخرج عن رأيكم..أن يعاد الأمر الى هيئة كبار العلماء..لأن في الماضي ما كان يؤخذ برأي هيئة كبار العلماء، يؤخذ إذا وافق رأيهم..)..ثم علّق: «وأنا أقول نأمل، وسمعت هذا من عدد من العلماء يريد أن يحيل هذا الموضوع الى هيئة كبار العلماء، وهم محلة ثقته، هم الذين عيّنوهم وهم محل الثقة والحمد لله فيحال الى هيئة كبار العلماء ليبت في الموضوع برأي شرعي واضح ونحن نقبل بهذا الموضوع ونقبل بما تتوصل اليه الهيئة في هذا المجال»(20).
    في ضوء المعطيات هذه، يبدو واضحاً أن انتقادات التيار الصحوي لعهد الملك عبد الله تتمحور حول تقليص دور العلماء في السياسة وفي صنع القرار. إرتفاع منسوب الطائفية السياسية في عهد الملك عبد الله يشي بحقيقة أنه كان مليئاً بالطائفيين، ولكن بدون طائفية دينية، وإن جزءاً كبيراً من المخزون الطائفي الذي جرى إفراغه كان محمولاً على مشروع سياسي وشعارات سياسية بدرجة أساسية..
    في المقابل، تشبه الطائفية في عهد الملك سلمان (2005 ـ ...) بالطائفية في عهد الملك فهد (1982 ـ 2005)، باستثناء أن الطائفية في عهد الأخير كانت تأسيسية، ولكن ثمة مشترك بينهما في الزخم. ويمكن المجادلة الى حد ما، أن الطائفية السديرية (أي التي يتم إنتاجها في ظل عهد يديره أحد أفراد الجناح السديري) كانت دائماً ذات طابع ديني، وحتى الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية وولي العهد الأسبق كان يميل الى هذا الشكل من الطائفية، في سياق استرضاء العلماء..
    المشتركات بين عهدي فهد وسلمان تبدو كثيرة، إلى حد يمكن إدراجهما في سياق تاريخي واحد. فقد سمح فهد لرجال الدين بأن ينشطوا في العمل الدعوي داخلياً وخارجياً. وبحسب المعطيات الواردة في سيرته الذاتية أن الملك فهد كان ينفق ما معدّله 4 مليار دولار سنوياً على المساجد، والمدارس، والدعاة، والطلبة، والمناهج، لنشر الوهابية خلال العقود اللاحقة(21). وقدّر الباحث والسفير الأميركي السابق في كوستاريكا كيرتن وينسور، ما أنفقته السعودية على نشر الوهابية في العالم خلال عقدين بـ 87 مليار دولار، فيما لم ينفق الاتحاد السوفيياتي على نشر الشيوعية في الفترة ما بين 1921ـ 1991 سوى 7مليار دولار(22).
    لقد سمحت الولايات المتحدة للسعودية بنشر نموذجها الديني لمواجهة خطرين: الخطر الإيراني بعد نجاح الثورة الاسلامية عام 1979، والخطر الشيوعي إبان الحرب الباردة والذي نجحت الولايات المتحدة في مقاومته عبر نموذج ديني متصالح معها في أفغانستان وفي الشرق عموماً.
    في عهد سلمان، بدت ملامح الطائفية تبرز دينياً منذ الأيام الأولى، فقد قرّب سلمان التيار الديني ورفع القيود المفروضة على نشاطه، خصوصاً المنع من السفر، ومزاولة النشاط الدعوي محلياً وخارجياً.
    الصحافية الأميركية كاريل مورفي كتبت مقالاً في 25 فبراير 2015 في مجلة (فورين بوليسي) لامست فيه نقاطاً حسّاسة وتناسب ما نحن بصدده. ترى مورفي بأن سلمان تحرّك بشكل سريع منذ وصوله الى العرش لجهة إظهار أن حكمه سيكون مختلفا عن حكم سلفه، وأثارت تحركاته المخاوف لدى بعض السعوديين بشأن الوجهة الجديدة للملك خاصة في تحوّله بشكل أكبر نحو المؤسسة الدينية الوهابية، بالإضافة إلى السلطات الواسعة التي منحها لنجله الأمير محمد بن سلمان.
    وتخلص مورفي من خلال لقاءاتها مع حوالي 24 سعودياً من أطياف اجتماعية وسياسية متنوعة بالمملكة - رفض كثير منهم الإفصاح عن هويته لحساسية مناقشة سياسات العائلة المالكة - كانت النغمة السائدة والمتكررة خلال الحوارات متمثلة في أن سلمان ربما يُعيد إحياء نظام حكم فهد. وتصف مورفي الأخير بأنه كان استبدادياً، واعتمد على علاقته الوثيقة مع الولايات المتحدة، فضلا عن ممارسة الرقابة الاجتماعية المُتمثلة في الشرطة الدينية(23).
    ثمة ما يجعل الجدل مشروعاً حول دور الطائفية الدينية في تغذية النزعات العنفية لدى تنظيمات سلفية متطرّفة مثل (داعش). إذ يستفيد الأخير من الاحتقانات المذهبية المتصاعدة لجهة تشجيع أفراد التنظيم على القيام بأعمال قتالية بدعوى الامتثال لإملاءات دينية خالصة.
    في الاسبوع الثاني من توليه العرش، دعا الملك سلمان المشايخ وكبار علماء الدين في المؤسسة الرسمية لزيارته في الديوان الملكي، في مؤشر واضح على أنه سوف يولي التيار الديني السلفي أهمية خاصة في عهده، بل ويعوّل عليه في مواجهة الضعف الذي يعاني منه نظامه. أراد الملك سلمان بهذه الخطوة إيصال رسالة واضحة بأن عهده يختلف كلياً عن عهد سلفه، وأن رهاناته تختلف عنه أيضاً. على أية حال، فإن تلك الخطوة لم تكن مفاجئة، فإن حالة الضعف التي يعاني منها الملك سلمان تتطابق مع ميول ذاتية نحو تعزيز الروابط مع المؤسسات التقليدية الاجتماعية والدينية، بالنظر الى التبدّلات الجوهرية التي قام بها منذ توليه العرش والتي تستوجب توفير الحد الأدنى من التوافق على الأقل وسط الحاضنة الشعبية للنظام السعودي.
    هوامش
    (1) Fanar Haddad, The Language of Anti-Shiism, Foreign Policy, 9 August 2013;
    http://foreignpolicy.com/2013/08/09/the-language-of-anti-shiismhttp://foreignpolicy.com/2013/08/09/the-language-of-anti-shiism
    (2) https://www.youtube.com/watch؟v=RmnGNrdR5pghttps://www.youtube.com/watch؟v=RmnGNrdR5pg
    (3) http://www.alriyadh.com/1057477http://www.alriyadh.com/1057477
    (4) جبران شاميّة، آل سعود ماضيهم ومستقبلهم، دار رياض نجيب الريس، بيروت، 1986 ص 198
    (5) خادم الحرمين: نؤكد رفضنا التام للتصنيف المذهبي والطائفي، صحيفة (الحياة) بتاريخ 18 يونيو 2015 أنظر الرابط:
    http://goo.gl/dbnzvThttp://goo.gl/dbnzvT
    (6) أحمد عدنان، الشيعة في السعودية، صحيفة (العرب) بتاريخ 15 مارس 2015 أنظر الرابط:
    http://www.alarab.co.uk/؟id=47542http://www.alarab.co.uk/؟id=47542
    (7) «أحفاد عبد الله بن سبأ يحاولون شق الصف»، صحيفة (اليوم)، 8 إبريل 2015 أنظر الرابط:
    http://www.alyaum.com/article/4058928
    وأنظر أيضاً: أمير الشرقية: شرفاء الوطن لن يسمحوا لشرذمة «ابن سبأ الصفوي» بشق الصف، صحيفة (المدينة) بتاريخ 8 إبريل 2015:
    http://www.al-madina.com/node/599508http://www.al-madina.com/node/599508
    (8) الأمير/ د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، الأبعاد التاريخية للعداء على السلفية.. والتهجم على النهج السلفي السعودي لماذا؟، صحيفة (الجزيرة)، 10 سبتمبر 2015 الرابط:
    http://www.al-jazirah.com/2015/20150910/ar9.htmhttp://www.al-jazirah.com/2015/20150910/ar9.htm
    (9) أحمد عدنان، أمير القصيم و تصنيف «الوهابية السعودية»، صحيفة (العرب)، 15 سبتمبر 2015 أنظر:
    http://www.alarab.co.uk/؟id=61835http://www.alarab.co.uk/؟id=61835
    (10) أنظر: موسى الهادي، الطائفية سلاح العدو الخطير الأخير، دار المنهل، بيروت، 1988، ص 80
    (11) الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز آل سعود، الأبعاد التاريخية للعداء على السلفية.. والتهجم على النهج السلفي السعودي لماذا؟، صحيفة (الجزيرة) مصدر سابق
    (12) سلمان بن عبد العزيز، فليحذر الباحثون من فخ مصطلح «الوهابية” ، صحيفة (الحياة)، 28 إبريل 2010، الرابط:
    http://goo.gl/0M6D3ghttp://goo.gl/0M6D3g
    (13) الأمير سلمان: الدولة السعودية امتداد للدولة الإسلامية الأولى.. وبقاؤها مرهون بالمحافظة على دينها، صحيفة (المدينة)، 30 مارس 2011، أنظر الرابط:
    http://www.al-madina.com/node/296064http://www.al-madina.com/node/296064
    (14) عبد الله فراج الشريف، الهوية الوطنية بين زمانين، صحيفة (المدينة)، 21 نوفمبر 2015 أنظر الرابط:
    http://www.al-madina.com/node/643543http://www.al-madina.com/node/643543
    (15) إبراهيم طالع الألمعي، سلفي في مقام سيدي عبد الرحمن، صحيفة (الوطن) بتاريخ 13/5/2010، أنظر الرابط:
    http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx؟ArticleId=229
    (16) جواب سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ ـ حفظه الله ـ حول البيعة، موقع (الأمن الفكري)، بتاريخ 22 رمضان 1431هـ/ 1 أكتوبر 2010، أنظر الرابط:
    http://amnfkri.com/articles.php؟action=showandid=1309
    (17) أئمة وخطباء المساجد منتقدين أحداث مكة المكرمة، جريدة (اليوم) بتاريخ 21 يونيو 2003، أنظر الرابط:
    http://www.alyaum.com/article/1086787
    وأنظر ايضاً:
    http://www.al-waie.org/home/issue/197/htm/197w03.htmhttp://www.al-waie.org/home/issue/197/htm/197w03.htm
    (18) اعتقالات في السعودية وتوقيف 1700 من أئمة المساجد والخطباء عن العمل، صحيفة (الدستور) بتاريخ 29 مايو 2003، أنظر الرابط:
    http://goo.gl/bcHir0http://goo.gl/bcHir0
    (19) مطالب دعاة الإصلاح في السعودية، برنامج (بلا حدود) في قناة (الجزيرة) مداخلة للشيخ سفر الحوالي، موقع (الجزيرة نت)، بتاريخ 5 نوفمبر 2003، الرابط:
    http://goo.gl/qqhkVGhttp://goo.gl/qqhkVG
    (20) مقابلة مع الشيخ ناصر العمر في قناة (المجد)، مقطع على موقع اليوتيوب بعنوان (نأمل من خادم الحرمين إحالة مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية لهيئة كبار العلماء)، بتاريخ 1 يوليو 2015، أنظر:
    https://www.youtube.com/watch؟v=UsWwCqZLNJghttps://www.youtube.com/watch؟v=UsWwCqZLNJg
    (21) Carol E. B. Choksy and Jamsheed K. Choksy, The Saudi Connection: Wahhabism and Global Jihad, World Affairs, May/June 2015; see:
    http://www.worldaffairsjournal.org/article/saudi-connection-wahhabism-and-global-jihad
    (22) Amb. Curtin Winsor, Ph.D, Saudi Arabia, Wahhabism and the Spread of Sunni Theofascism, Live Leak, May-12-2013; see:
    http://www.liveleak.com/view؟i=b95_1368351158http://www.liveleak.com/view؟i=b95_1368351158
    (23) Caryl Murphy, In With the Old in the New Saudi Arabia, Foreign Policy, 25 February 2015; see the link:
    http://foreignpolicy.com/2015/02/25/in-with-the-old-in-the-new-saudi-arabia-king-salman/http://foreignpolicy.com/2015/02/25/in-with-the-old-in-the-new-saudi-arabia-king-salman/
                  

02-22-2016, 07:15 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50059

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثين.. مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة ا� (Re: Yasir Elsharif)

    مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة السعودية
    (الحلقةالثانية)

    خالد شبكشي

    لا يقدّم محصول الخطب، والمحاضرات، والكتب، والفتاوى، والتوجيهات الخاصة، والنشاطات الدعوية عموماً وفي أي وقت، ما يفيد بمساهمة الخطاب الديني في شكله المذهبي في تنمية الميول الوطنية أو تعزيزها لدى مواطني المملكة السعودية.. في الوقت نفسه، لم تنجح الطبقة السياسية في تحرير الدولة من طابعها الديني، وتالياً الانفتاح على مجمل المكوّنات السكّانية في سياق مشروع إدماج وطني شامل. ومن أجل فهم العقدة العالقة بين حدّي الانتماء الديني والولاء السياسي يلزم الفصل بين مرحلتين وخطابين: مرحلة إنشاء الدولة والخطاب الخاص بها، وكان ذا طبيعة مذهبية خالصة، ومرحلة تسيير الدولة والخطاب الخاص بها.
    المنتج الديني
    في المرحلة الأولى كانت مكوّنات الخطاب تتمركز حول إيصال القدرة التحريضية إلى أقصى مدى يسهم في تعبئة وتجنيد الأفراد في الغزوات ضد المناطق الأخرى التي أصبحت فيما بعد جزءاً من الدولة السعودية. في تلك المرحلة، كان الاقصاء، والخصومة، والتمايز مطلوبين كشروط في إقامة الدولة بصرف النظر عن مواصفاتها أو إن كانت تسلّطية أو تعاقدية.
    وفي المرحلة الثانية، لم يعد بالإمكان تسيير الدولة بخطاب تحريضي ذي طبيعة إنقسامية وخصامية، وإقصائية، بل لابد من تكييف الخطاب مع المرحلة الجديدة، أي أن تتطابق مواصفات الخطاب مع شروط الدولة. إذ لا يمكن الحديث عن دولة وطنية وخطابها مذهبي إقصائي.
    هناك من يجادل بأن القيادة السياسية السعودية عملت على إجراء تعديلات جوهرية في بنية الخطاب الديني في تمظهره الوهابي. وقد سعى الملك عبد العزيز إلى إقناع جيشه العقائدي (الإخوان) بالتخلي عن عقائد (التكفير والهجرة والجهاد) وطلب من المشايخ إعادة توجيه الأتباع بما يتناسب ومرحلة الدولة. بصرف النظر عن مدى النجاح الذي تحقّق في تلك المرحلة، إلا إن الخطاب الديني الوهابي حافظ على زخمه وتماسكه وتأثيره على الأقل في مجالات حساسة مثل التعليم والقضاء والشؤون الدينية.
    إن تراجع زخم الخطاب الديني خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي عاد مجدداً في عهد الملك فيصل (1962 ـ 1975) في مواجهة القومية العربية بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ثم جنح الخطاب الديني منذ نهاية السبعينيات وما بعدها نحو الطائفية في مواجهة خطاب الثورة الإسلامية الايرانية ومتوالياتها.
    لا بد من الإشارة الى أن المنتج الثقافي الطائفي لم يكف عن الصدور منذ الاعلان عن قيام الدولة السعودية في العام 1932. في رصد عاجل لنوع الكتب التي جرت طباعتها وتعميمها في المملكة وخارجها، يمكن أن نلحظ حضور الفتاوى والكتب والمقالات التي تشتمل على تكفير طوائف إسلامية مثل الشيعة والصوفية والاسماعيلية أو المدارس الكلامية مثل الاشاعرة والمعتزلة والماتريدية وغيرها.
    بعد خمس سنوات من إعلان الدولة السعودية، أي عام 1937، صدر كتاب (الصراع بين الإسلام والوثنية) لمؤلفه عبد الله القصيمي، وأعيدت طباعته في عام 1982، في وقت كان القصيمي قد تنكّب الى الالحاد الصريح.
    كرّس القصيمي الكتاب لعقد مقارنة بين ما يعتقده الإسلام المتمثل في الوهابية والوثنيّة المتمثلة في التشيّع. لغة الكتاب الصارمة والانتقائية لا تسعف على قراءته بطريقة محايدة، ومن ذلك قوله: «لما إن كان مذهب الشيعة قائماً على عداء الصحابة وعلى الغلو في آل البيت كره المتشيعون كل أرض يوالي أهلها الصحابة وقدّسوا كل أرض يعاديهم أهلها، ولهذا فإنهم يكرهون الحجاز أشد الكراهة لأن أهله لم يزالوا من أولياء أبي بكر وعمر ولأن في الحجاز جسدي هذين الخليفتين..»، ويضيف «وهجوم القرامطة على مكة وتخريبها وانتهاب الحجر الأسود وقتل الحجيج مرجعه هذا، لأن القرامطة فرقة من فرق الشيعة..ولأجل هذا فإنه يندر أن يحج الشعة وهم يعتقدون أن بلداً يحلّه مشهد من مشاهد آل البيت أفضل من مكة، وزيارة واحدة لمشهد من المشاهد أفضل من الحج..»(1).

    الشيخ العريفي
    يرشد الكتاب بمضمونه الملتهب إلى نوع الخطاب الذي يجري إنتاجه حينذاك حتى بعد قيام الدولة السعودية. فقد كتب ابراهيم بن سليمان الجبهان (تبديد الظلال وتنبيه النيام الى خطر التشيع على المسلمين والإسلام)، طبع بإذن من رئاسة وإدارة البحوث العلمية والافتاء والدعوة والإرشاد، رقم 4411/5 في 11/7/1400هـ الموافق 26 مايو 1980، وأعيدت طباعته أكثر من مرة. ويكشف الجبهان عن سبب تصنيفه للكتاب بما نصّه:
    وكان أول ما حملني على كتابة هذه الرسائل كلمة ألقاها سماحة الشيخ محمود شلتوت، شيخ الجامع الأزهر، من محطة صوت العرب. قال في مستهلها (إن المذاهب الاسلامية الخمسة واحدة جوهراً، واحدة مصدراً، واحدة مورداً وإنه يجوز التعبد بالفقه الشيعي) الى آخر ما جادت به قريحته المشلولة. وكانت هذه الكلمة بمثابة ناقوس الخطر، فقد نبهتني الى أن (وراء الأكمة ما وراءها)(2).
    ويمكن أن نرصد نماذج مماثلة من الكتب المذهبية لمؤلفين ينتمون للمذهب الوهابي والتي تمّت طباعتها وتعميمها على نطاق واسع وبإشراف مؤسسات رسمية. عناوين من مثل (نصيحي الى كل شيعي) للشيخ أبي بكر الجزائري، وكان يوزّع في المناطق الشيعية وفي المدارس وحتى خلال موسم الحج، إلى جانب كتب أخرى لمؤلفين من أمثال إحسان إلهي ظهير، وعبد الله الغريب والحفناوي، من بينها كتب: «الشيعة والتشيّع» و»الشيعة وأهل البيت» و»الشيعة أصولها ومعتقداتها» و»الشيعة والتصحيح» و»جاء دور المجوس» وغيرها.
    يمكن وضع تلك المؤلفات في سياق سياسة التحصين لدى الحكومة السعودية إزاء الخطاب الثوري الايراني. من الضروري عدم التقليل من شأن ارتدادات تلك التدابير الحمائية على الوحدة الداخلية، الهشّة بطبيعتها. ومن غير الممكن القبول برواية أن صعود النبرة الطائفية كان رد فعل على الخطاب الثوري الإيراني بطابعه الشيعي، إذ يمكن العثور على أمثلة عديدة ثقافية وسياسية وعقدية سابقة، وتعود الى ما قبل وبعد قيام الدولة السعودية تكشف عن أن تماسك المجتمع المحلي لم يكن بالقدر الكافي، وهناك ما ينهض دليلاً على فشل السلطات السعودية في تحقيق الاندماج الوطني.
    لسنا في صدد مناقشة تفصيلية لمجمل الإرث الطائفي المتراكم منذ قيام الدولة السعودية سنة 1932، ولكن سوف نكتفي ببعض النماذج ذات الصلة بمستقبل الخطاب وتأثيراته على مستقبل الدولة السعودية، منذ تولي الملك سلمان العرش في يناير 2015.
    لقد تساءلت مجلة (فورين بوليسي) عن السبب الذي يدفع قطر والسعودية والامارات لتوفير منبر لشيوخ الوهابية الذين ينادون بتدمير الشيعة، والعلويين، والمسيحيين واليهود. وربطت المجلة بين تنامي انغماس السعودية في حروب عبر الشرق الأوسط، وبين توفيرها منصّة للدعاة المتطرّفين الذين يعتقدون بأن هذا الصراع ليس ضد الدولة الإسلامية «أي داعش» أو الخصوم في اليمن.
    سعد بن عتيق العتيق، الداعية السعودي الذي يحتفظ بروابط قديمة مع الحكومة السعودية والمسؤول عن الوعي الإسلامي في وزارة التعليم، دعا الله أن يدمّر الشيعة والعلويين والمسيحيين واليهود. وبرغم من أن الملك سلمان يلحّ على أن الكراهية السنيّة الشيعية تحفّز على التدخل في اليمن من قبل قوى إقليمية، أي إيران، إلا أن العتيق ينبىء عن قصة أخرى: في حديثه الى قناة (الإخبارية) السعودية الرسمية بعد يوم من دخول الرياض الحرب في اليمن، قال العتيق بأن الأراضي اليمنية مخصصة فقط لعقيدة التوحيد و»ربما لا تكون قد تلوثت، لا من قبل الحوثيين ولا الإيرانيين». لقد وصف هذه المجموعات بـ»الروافض»، وهي تسمية مهينة لاحتقار الإسلام الشيعي، وتحدث بشكل أكثر فجاجة قائلاً: «نحن نطهر الأرض من هذه ال############ان».
    وترفض المجلة ادعاء السعودية وغيرها من الدول عدم علمها عن أحاديث الكراهية التي تبّث «لسنوات في أماكن بارزة وبكل علانية تحت سمع وبصر الحكومات»(3).
    وفي محاضرة للعتيق في جامع محمد بن عبد الوهاب في العاصمة القطرية، الدوحة، بتاريخ 30 يناير 2015، دعا فيها على من وصفهم بأعداء الدين وعلى اليهود والنصارى والنصيرية والشيعة(4).
    برغم من أن المساجد الخاضعة تحت إشراف الدولة شهدت منذ مطلع الثمانينات خطباً تحرّض على بعض الطوائف الاسلامية في المملكة مثل الشيعة والاسماعيلية، إلا أنها كانت تجري في مناطق هامشية وبعيداً عن الإعلام، ولكن أمكن العثور في السنوات الأخيرة من عهد الملك عبد الله وعهد الملك سلمان على نماذج لخطب تحرّض على مكوّنات دينية محلية.
    في جامع الإمام تركي بن عبد الله بالرياض، حذر الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة في خطبة الجمعة مما أسماها «المذاهب والجماعات الضالة والهدامة، خاصة التي ترفع شعارات إسلامية في الظاهر وهي في الحقيقة لديها أهداف خفية، معارضة للدين والقيم والأخلاق» مشيراً إلى «دعاة الطرق الصوفية» الذين يدّعون حسب قوله «شركيات وعبادات ويخالفون الحق ولا يتقيدون بسنة محمد صلى الله عليه وسلم»(5).
    بعد اندلاع الحرب على اليمن في مارس 2015، أخذ الخطاب الطائفي منحى خطيراً، وقام أئمة مساجد وكلها تابعة للدولة بالتصريح بمواقف تحرّض على الكراهية. على سبيل المثال، بثّت قناة (وصال) في ليلة الثالث عشر من شهر رمضان لعام 1436هـ الموافق 30 يونيو 2015 صلاة التراويح من جامع عائشة الراجحي بمكة المكرمة بإمامة الشيخ محمد المحيسني، ودعا قائلًا: «نسألك اللهم عزاً ونصراً وتمكيناً لإخواننا المجاهدين فى اليمن والشام والعراق، اللهم انصرهم على الرافضة الملحدين، وانصرهم على اليهود الخائنين، وعلى النصارى الحاقدين، وعلى المنافقين المندسين»(6).
    في أجواء شديدة الاحتقان، أطلق أعلى سلطة دينية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بالتزامن مع مناسبة عاشوراء من شهر المحرم لعام 1437هـ، والذي يكتسب أهمية روحية بالنسبة للطائفة الشيعية، تصريحات حادّة على برنامج (مع سماحة المفتي) الذي تبّثه قناة (المجد) الرسمية، ودعا الى ضرورة «اتباع سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ محذّراً البعض من مخالفتها بالغلو..». ووصف إحياء يوم عاشوراء بأنها «بدعة تخالف العقيدة السليمة». ووصف من يقوم بذلك بأنهم «مبتدعون ويزعمون أنهم يحبون آل بيت النبي»(7).
    وليس بوسعنا النظر الى مثال المفتي معزولاً عن سياق عام ممتد على مدى عقود طويلة. فقد كان هناك إصرار لا يكل على تظهير الموقف النبذي من الطوائف الأخرى كما لو أنها شرط من شروط حفظ وحدة السلطة المركزية. ولذلك، قد تصدر فتاوى تبطن تحريضاً على الكراهية دونما سبب ظاهر ومباشر يستوجب ذلك.
    في حالات أخرى ترسم السياسة خارطة طريق رجل الدين الذي يعمل في مؤسسة رسمية. على سبيل المثال، صدرت فتوى للشيخ صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، بتكفير الشيعة في سياق تأييد بيان المفتي العام الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ بخصوص انتقادات الشيخ يوسف القرضاوي ضد (حزب الله) كرد فعل على مشاركته في القتال في سوريا الى جانب النظام. وقال الفوزان:
    إنني أؤيد ما قاله سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ في الشيعة الرافضة، خصوصا (حزب اللات) ، وقد عرفت عداوتهم للإسلام والمسلمين من قديم، وفي هذه الأيام ظهرت عداوتهم أكثر في حربهم لأهل السنة في سوريا.... هذا هو تاريخهم الأسود تجاه الإسلام والمسلمين منذ نشئوا... وهم وإن تظاهروا بالإسلام وطلبوا التقارب مع أهل السنة ، فإنما ذلك من باب الخداع من أجل الاعتراف بمذهبهم الباطل، حتى يتمكنوا من الكيد للإسلام والمسلمين، ثم يوقعون بالمسلمين كما فعل أسلافهم.... قد عرف عن الشيعة وقوفهم الدائم مع الكفار ضد المسلمين كما في حروب التتار والصليبيين، ولكن الله ناصر دينه(8).
    وكما يظهر في كلام الفوزان، فإنه لم يكتف بنقد الموقف السياسي لحزب الله، بل جعله مدخلاً لهجوم غير منضبط على الشيعة، يختلط فيه التاريخ السجالي بالرؤية الذاتية. من شأن هذا الخلط التنبيه الى وجود الحافز الدائم على خوض رجال المؤسسة الدينية الرسمية غمار هذا النوع من السجالات التي يحقّقون فيها ذواتهم، ويؤكدون على أنهم حرّاس دائمون لما يزعمون بأنها «العقيدة الصحيحة».

    المفتي عبدالعزيز آل الشيخ
    عاصفة الحزم، وتمذهب الخطاب
    بعد احتلال تنظيم «داعش» الموصل في 10 يونيو 2014، كنا أمام مشهد غير مسبوق، إذ تمّت إعادة إدماج «القاعدة» و»داعش» في المجال الوهابي تشرعنه الخصومة مع إيران وحزب الله في لبنان/ سوريا والحشد الشعبي في العراق. ثم جاءت الحرب على اليمن في 26 مارس 2016 لتنقل الخطاب السائد في الدولة الى مسرح آخر، حيث يحتدم النزال السياسي والعسكري والاعلامي على خلفية مذهبية مكشوفة.
    المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ أطلق خلال خطبة صلاة الجمعة في مسجد جامع الإمام تركي بن عبدالله بمنطقة قصر الحكم وسط مدينة الرياض في 10 إبريل 2015 دعوة للتجنيد الاجباري، وقال: «لا بد من تهيئة شبابنا التهيئة الصالحة؛ ليكونوا لنا درعاً للجهاد في سبيل الله ضد أعداء الدين والوطن». تأتي الدعوة في سياق عقدي عبّر عنه المفتي نفسه في مقابلة مع صحيفة (عكاظ) في 10 نوفمبر 2009، أي إبان الحرب السادسة التي شاركت فيها السعودية ضد حركة «أنصار الله»، وصف فيها عقيدة الحوثيين بالفاسدة وقال بأن «من يقاتلون الحوثي إنما هم مجاهدون».
    ومنذ العام 2011 ساهم الخطاب الطائفي المرتفع في المملكة على وجه الخصوص والمنطقة عموماً في تقريب المسافة بين المعتدل والمتشدّد في المجال الجغرافي الذي نشأت فيه الوهابية، حتى باتت أدوات التحليل متطابقة بين العلماني اللاديني والسلفي المتشدّد داخل المجال الوهابي السعودي.
    ومنذ بدء «عاصفة الحزم» ضد اليمن، مرّ الاعلام السعودي الرسمي بمنخفض أخلاقي وثقافي حاد، مثال في الإسفاف: الكاتب في صحيفة (المدينة) محمد الرطيان كتب مقالاً في 13 إبريل 2015 حول «لثغة» السيد حسن نصر الله، واستخدمها متكئاً للنيل الشخصي بطريقة مبتذلة وهابطة.
    بدا وكأن العقل النمطي هو المسؤول عن توحيد الرؤية إزاء الآخر، فلا فرق بين الآخر الدولة، أو المذهب او الجماعة، إذ توحّدت المعايير وأصبح المذهب وحده معيار الحكم النهائي.
    بلغ التوتّر ذروته، وبات جمهور السلطة عامل ضغط إضافي على القيادة السياسية، وأصبح شريكاً في صوغ خطاب طائفي موتور، بل يظهر ما تبطنه القيادة بما في ذلك الحديث عن تشكيل «حلف سني» يضم الى جانب دويلات الخليج في مجلس التعاون مصر وتركيا وباكستان.
    كان المحرّض الطائفي نشطاً في «عاصفة الحزم» في وقت يكاد يغيب فيه المحرّض الوطني، إذ غابت الدولة وحضرت الطائفة بسطوة شعاراتها من قبيل «من ليس معنا فهو ضدنا» و»سوف نحارب لوحدنا حتى لو تخلى العالم بأسره». وحتى القوة العربية المشتركة التي جرى الاعلان عنها بطريقة احتفالية، أسبغ عليها طابعاً طائفياً، وغذّت أحلاماً مندّسة في اللاوعي الجمعي، الى حد أن هناك من وهبها تفويضاً مفتوحاً بـ «إنقاذ» الأمة واستكمال مهمتها في سوريا وربما العراق!
    حين تصبح حرية التعبير حكراً على فئة دون سواها لا تعود حرية، وإنما مصادرة عليها. كلمة لجبران خليل جبران: (قمة الوقاحة حين تنسى فعلك وتحاسبني على ردة فعلي) تختصر بيان لمجموعة من المشايخ في مناصرة الشيخ المثير للجدل محمد العريفي بعد هجومه على المرجع الديني الشيعي السيد علي السيستاني والانتقادات التي تعرّض لها العريفي نتيجة ما وصف بأنه تطاول على الأخير.
    الموقعون الإثنا وأربعون هم من حقول التعليم والقضاء والدعوة. 8 من جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالرياض (عبد الرحمن البراك وعبد الله بن حمود التويجري)، ومدير الجامعة الاسلامية سابقاً عبد الله بن عبد الله الزايد، والداعية الصحوي المتشدد ناصر العمر والشيخ عبد الله بن حمد الجلالي، ورئيس التوعية الاسلامية بتعليم الرياض سابقاً الشيخ حمود بن صالح النجيدي، والداعية المعتقل الشيخ يوسف الأحمد عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام، وغيرهم.
    البيان تضمن مواقف حادّة وتكفيرية مثل:
    فإن أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين ما يزالون يجلبون بخيلهم ورجلهم للكيد لهذا الدين وأهله». وأوضح البيان بما جرى بعد خطبة العريفي وهجومه على السيستاني «حيث تكالب الروافض وإخوانهم العلمانيون للنيل من فضيلة الشيخ محمد والوقيعة في عرضه وإلصاق التهم به في الصحف وعلى المواقع الشبكية.
    وعبّر الموقعون على البيان عن مساندتهم للعريفي وأعادوا تأييد مقولاته في السيستاني والشيعة عموماً وفي الأخير دعا الموقّعون «عامة الشيعة إلى أن يتوبوا إلى الله عز وجل من مذهبهم الباطل القائم على الطعن في القرآن وفي الصحابة وعلى الشرك بالله بدعاء الأموات..»(9).
    في خطوة تصعيدية أخرى أصدر مائة وأربعون شيخاً وهابياً (بيان بشأن واجب أهل الإسلام تجاه الخطر الصفوي الإيراني) في 17 يناير 2016، وجاء موتوراً من بدايته حتى الخاتمة. جمع البيان بين لغة إعلام البعث العراقي السابق (الصفويين، نظام الملالي، المجوس، الفرس، وغيرها) واللغة الطائفية التي أدمن مشايخ الوهابية على استخدامها، ووجد في الصراع السياسي مع ايران فرصة للتصويب ليس على النظام الايراني بل منه على التشيع عقيدة وجماعة.
    الطريف في البيان استخدام الموقّعين مصطلحات تنطوي على إدانة غير مباشرة لهم مثل (نظام الملالي) مع أنهم ينتمون الى رجال الدين، وهذا على وجه الدقة المعنى الحقيقي لمفهوم (الملالي) بحسب المعجم السياسي البعثي، بل كان الشيخ ناصر العمر، وهو من صقور الموقّعين على البيان، متهماً بتبني نسخة وهابية لحكم رجال الدين على غرار نظام «ولاية الفقيه» في ايران، وهذا ما يسهب في شرحه في محاضرة له بعنوان «على بصيرة»، والتي أكّد فيها على أن ولاية الأمر تنطبق بدرجة أساسية على العلماء، وأن الأمراء تبع لهم(10).
    استهل البيان بعبارات تنم عن توتّر المشرفين على البيان بالقول: «فلا زال سجل الإجرام والغدر للنظام الصفوي الإيراني الخبيث تتوالى صفحاته السوداء مكتوبة بمداد من دماء أهل الإسلام في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بل وفي إيران نفسها، ممارساً أبشع صور الإجرام والتنكيل والحصار والتجويع والتعذيب، سعياً منه لفرض الهيمنة والسيطرة على كل بلاد الإسلام..».
    بدا واضحاً أن لغة البيان تكشف عن الهدف من صدوره وهو ما عبّر عنه بكلمات قد تبدو مخاتلة، وتتصل على وجه التحديد بالصراع الايراني السعودي على النفوذ في المنطقة.
    يمكن تفّهم غضب الموقّعين على البيان فيما يتصّل بالخوف من تعاظم النفوذ الايراني بعد تنفيذ الاتفاق النووي ورفع العقوبات، ولكن ما يلفت أن الموقّعين استغلوا المناسبة السياسية للتعبئة المذهبية، فحملوا على المعتقدات الشيعية في عودة الى السياق السجالي الكلاسيكي الذي يتموقع فيه الموقعون على البيان.
    وجّه الموقعون ضربة مزدوجة لإيران ولعموم الشيعة على السواء بالحديث عن انتقال أموال الخمس من الشيعة الى إيران «لتنفيذ مخططاتها الاجرامية» حسب البيان.
    وكما في بيانات سابقة، يقدّم مشايخ الوهابية الموقّعون على البيان أنفسهم بكونهم ممثّلين عن المسلمين عامة. الاستعمال المتكرر لعناوين عامة من قبيل «أهل الاسلام»، «المنطقة الاسلامية» وأضرابها، وهي من المصطلحات الغامضة التي يراد منها التعبئة وليس الاقرار بصحتها. بكلمات أخرى، أن إضفاء العنون الإسلامي على منطقة لا يعني من وجهة نظر مشايخ الوهابية الاعتراف بصحة معتقدات أهلها.
    حشد الموقّعون جملة مواقف من قضايا محلية وخارجية، وعقدية وسياسية. كان لهم على سبيل المثال موقف من حرق السفارة السعودية في طهران، وهذا يمكن وضعه في سياق الصراع الإيراني السعودي، ولكن تجاوز الموقّعون ذلك لتسجيل موقف من السبب وراء الحرق، وهو حكم الاعدام ضد الشيخ النمر. الموقعون أعطوا موقفاً مذهبياً أكثر منه سياسياً، وفيه انتصار لمؤسسة القضاء الخاضعة بصورة كاملة للمذهب الوهابي. وصف مشايخ البيان حكم الاعدام بأنه (حكم شرعي) وأن الشيخ النمر هو «أحد المفسدين في الأرض» وأنه «من المحسوبين» على إيران.

    ناصر العمر
    ينطلق الموقعون في بيانهم من رؤية خاصة عن الدور المنوط بهم فهم معنيون «بنشر دينه ونصرته» للحيلولة دون «تسلط الاعداء ومنهم الإيرانيون الصفويون على أهل الإسلام..».
    ثمة ملاحظة لافتة في البيان، وهي تعمّد المشايخ الوقوف عند موضوع العلاقة بين المكوّنات الشيعية في المنطقة وايران. يجدر نقل النقطة كما هي قبل تفكيكها على النحو التالي:
    من المهم التنبه إلى خطر ما تفعله فئات من الأقليات في الدول الإسلامية ساعية للتحكم بالأكثرية منسلخة من نسيجها الوطني، ثم تعزز ذلك بقطيعتها وانفصالها المجتمعي، لتدين بالولاء والتبعية السياسية والمذهبية للخارج وتكون خنجراً يوظف للانقلاب على المجتمع والدولة، وهنا نطالب هذه الأقليات بالتعقل والاستقلالية ومراجعة سياساتها حتى لا تكون أداة تستخدم لتنفيذ أهداف أجنبية(11).
    الخلفية الاتهامية التي ينطلق منها المشايخ تعكس جانباً من الصراع الداخلي بين المكوّنات السكانية على خلفية مذهبية. في هذه الفقرة المكثّفة تبرز رؤية الشيخ ناصر العمر وسفر الحوالي في ما يعتقدونه «تحكّم الأقلية في الأغلبية» دونما دليل أو أدلة تثبت ذلك. القطيعة والانفصال المجتمعي الذي يتحدث عنه الموقّعون ليس سياسياً بالضرورة، بل المؤكّد هو المذهبي ولكن بأثره السياسي. يلحظ في الفقرة سالفة الذكر الجمع بين السياسي والمذهبي في الحديث عن التبعية والولاء للخارج. فهل كان يقصد بأن يتخلى الشيعة عن مذهبهم لإثبات عدم تبعيتهم المذهبية للخارج مثلاً؟
    يصدر المشايخ عن موقف تخويني لمن يصفونهم بالأقليات، وهو موقف يكتنز علاقة المركز والاطراف، إذ يمارس أهل المركز شكلاً من أشكال الوصاية المؤسسة على ذريعة احتكارهم للحقيقة الدينية أولاً وللحقيقة الوطنية ثانياً. ولذلك يحذّر المشايخ من انسلاخ الاقليات من النسيج الوطني، برغم من غموض إن لم يكن نبذ مكوّن «الوطنية» في الثقافة السلفية الوهابية حصرياً، الأمر الذي يجعل استخدامه هنا في مقابل الاقليات هو من قبيل المناكفة وليس القناعة الدينية، اللهم الا في حال قرّر مشايخ الوهابية الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي أو إدماج الثاني في الأول.
    فرضية ارتباط الاقليات (وهنا الشيعية بدرجة أساسية) بالخارج (وهنا إيران حصرياً)، ليست ثمرة مواكبة ميدانية بقدر ما هي رؤية عقدية مستحكمة في العقل السلفي الوهابي. وكما في كل النقاشات المختطفة مذهبياً، تغيب معايير الدولة، كأساس لنقاش علمي موضوعي، وتحضر المعايير المذهبية الخاصة وليست الدينية العامة، بما يبقي النقاش في حلقة مفرغة وفي نهاية المطاف يصبح الجدل عقيماً.
    في ملاحظة أخرى، يتقمص المشايخ دور المستشارين الأمنيين، من خلال مطالبة دول الخليج قاطبة بتعزيز دور الاجهزة الاستخبارية والأمنية. وتبدو خطة التحصين لدى المشايخ أشمل مما يمكن توقعه فهم يطالبون برفع درجة التأهب للحيلولة دون وقوت اختراقات «استخبارية وسياسية واقتصادية»، وهذه الاختراقات لا تقوم بها ايران وإنما، وبناء على الخلفية سالفة الذكر، خلايا محلية..
    تموضع مشايخ البيان في سياق الصراع الايراني السعودي والحديث عن مواجهة مشروعين متناقضين والمطالب بتعزيز مشروع مضاد للمشروع الايراني، ينطوي على مطلب خاص لدى المشايخ بتعزيز دورهم في الدولة السعودية بعد سنوات الاقصاء والتهميش التي تحدّث عنه ناصر العمر ذات لقاء تلفزيوني. من المقترحات التي تقدّم بها المشايخ في سياق تعزيز دورهم في المجتمع والدولة هو ما وصفوه «بناء شراكات حقيقية مع علماء الأمة والمؤسسات والجمعيات الإسلامية، لتحصين بلاد المسلمين من خطر التمدد الصفوي».
    ما هو متناقض في بيان مشايخ الوهابية المطالب بـ «دعم أهل السنة في إيران، ونصرة قضاياهم..» وأن يكون ذلك «من الأولويات الاستراتيجية التي يجب السعي لها بكل الوسائل المتاحة..»، مع أنهم قبل ذلك يطالبون بفك الارتباط بين الاقليات الشيعية وايران وألا يسمحوا للأخيرة بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج عبر اختراقات استخبارية وسياسية واقتصادية، فيما هم هنا يقدمون دعوة مفتوحة لدعم أهل السنة، وهم أيضاً أقلية في ايران. وذات الشيء يقال أيضاً عن التدخل في الشأن العراقي والحديث عن أهل السنة في العراق ومطالبة «عموم المسلمين حكومات وشعوباً، مؤسسات وأفراداً، المسارعة لنصرة إخوانهم في العراق ومعونتهم بكافة الصور والوسائل السياسية والإغاثية والحقوقية والإعلامية، وبكل الطرق المشروعة للدفاع عن أنفسهم والحفاظ على هويتهم وبلادهم».
    في واقع الأمر، أن التناقض الظاهري بين حالة الاقليات الشيعية في دول الخليج والاقليات السنيّة في ايران والعراق وغيرها محسوم لدى المشايخ، ببساطة للخلفية التي ينطلقون منها، فهم يقدّمون أنفسهم بوصفهم أوصياء، وملاّك للحقيقة الدينية المطلقة وبالتالي يحق لهم توزيع الحق والباطل وفق الطريقة التي يشاؤون بموجب الصلاحية التي تمنحها إياهم الحقيقة الدينية.
    لفتة مهمة ختم بها البيان «أن الخلاف مع ايران ليس مجرد خلاف سياسي عابر، بل هو خلاف عقدي متجذر»، وفي الترجمة العملية أن الخلاف مع الشيعة هو خلاف عقدي، وهذا ما يؤكدّه المشايخ في كل مناسبة.
    بصورة إجمالية، تحفل مواقع كبار علماء الوهابية بفتاوى تنص صراحة على كفر الشيعة وغيرهم من الطوائف الاسلامية في المملكة مثل الصوفية والاسماعيلية والزيدية. ويدعو بعضها الى تخيير هذه الطوائف بين: الانتقال الى العقيدة الصحيحة، أي الوهابية، أو الهجرة أو القتل. مسألة كفر الشيعة باتت محسومة، وبحسب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين «فالرافضة بلا شك كفار»(12).
    إن أول ما تكشف عنه نبرة الخطاب الديني المرتفعة في شكلها ومضمونها: ضعف فكرة الدولة، لا يبدو أنها بلغت لدى التيار السلفي درجة يمكن أن نقول عنها بأنها أصبحت إطاراً جامعاً ونهائياً. وتؤكد النبرة تلك أيضاً أن أفول فكرة الدولة وكثافة حضور الخطاب الطائفي يجعل من الدولة مادة خلافية لدى الديني، ومبتذلة لدى السياسي، وفي أسوأ الاشكال تتحول الى أداة ابتزاز لدى مثقف السلطة.
    في النقاشات المحتدمة العلنية داخل المملكة ثمة سياق غالب يضع الجميع على المحك وهو بلا ريب غير الدولة. فالمواطنة ليست المبدأ الذي يشكل منطلقاً ومفتاحاً لأي نقاش داخل المكوّن الإجتماعي الواحد أو بين المكوّنات بعضها ببعض، بل على العكس تصبح مضاداتها محرّضات على النقاشات العقيمة حول الوطن. أولئك الذين اختاروا المزج بين حقل اليقينيات وحقل المتغيّرات يوحدّون سياق النقاش حول ما هو انتماء ديني وما هو ولاء سياسي.
    فالمطالبة بوضع حد للتعارض بينهما بمثابة الاحتجاج أن الايمان بالله يتعارض مع القبول بشروط الدولة. إن التباين بين رجل الدين والمثقف الليبرالي في السعودية، خصوصاً في سنوات الخصوبة الطائفية، ليس بين الدولة واللادولة ولكن بين اللادولة مطلقاً والدولة المشروطة. أي أن التصوّرات التي يحملها رجل الديني السلفي حول الدولة تجعل منها كياناً معدوماً، وهذا ما تكشف عنه طبيعة المحاكمات التي تتمّ على أساس قبول الأفراد ورفضهم بوصفهم مكوّناً في كيان هلامي لا طبيعة له ولا هوية، وإن بدا بأن الايمان الديني شرطه وصبغته النهائية.
    أما بالنسبة للمثقف الليبرالي، ونخص الأقرب الى السلطة، فهو يضع شروط أهل الحكم، غير المتطابقة غالباً مع شروط الدولة الوطنية، كيما تخضع أبناء الفئات الأخرى من خارج مجال تأثير المركز لـ «امتحان قبول» في الدولة، التسلّطية حكماً.
    من جهة أخرى، تشكل مواقع التواصل الاجتماعي فضاءً رحباً لرجال الدين للتعبير دونما قيود عن آراء عقدية إزاء بقية شركائهم في الوطن. الداعية المثير للجدل محمد العريفي والذي يحوز على أكبر عدد من المتابعين في (تويتر) نحو 13.7 مليون متابع، وفي (فيسبوك) نحو عشرين مليون، له تغريدات ذات طبيعة تحريضية منها:
    في 12 يوليو 2012 كتب: (مذهب الرافضة: دمُ السنيّ أحقرُ من دم الكلب. حدثني لاجئون سوريون أن شبيحة شيعة كانوا يرددون: اقتل أحفاد معاوية.. اقتل أعداء الحسين).

    صالح الفوزان
    بتاريخ 16 يوليو 2012 كتب: (أسلوب الرافضة المخربين في البحرين والقطيف أسلوب واحد..إعتداء على الشرطة دراجات نارية ومولوتوف وحرائق! فهل قائدهم واحد؟ أم تدربوا بمكان واحد؟).
    في 26 إبريل 2015 كتب: (رأي: سنوات أدرّس وأؤلف في علامات الساعة لم أر حديثاً يُشير لقوّة رافضية آخر الزمان كما أشير لليهود والروم فاستنتجت أن الرافضة لهداية أو زوال).
    وبقدر ما تثير مصادر العريفي أسئلة مشروعة، فإن اللغة التي تصوغ مثل تلك الآراء تلامس جوهر الدولة، بما هي إطار لتنظيم العلاقات والمصالح بين مختلف الفئات المنضوية بداخلها. بكلمات أخرى، يتعامل العريفي مع الشيعة لا بوصفهم مكوّناً سكّانياً في دولة، بل جماعة مذهبية تقع خارج نطاق أي كيان يكفل المساواة سواء كان ذلك دولة أم أمة أم أي إطار لا يتحقق فيه التمايز. في التغريدتين الأوليين يرسم صورة الشيعة للآخر، وفي التغريدة الأخيرة، يصدر الحكم عليهم، فيخيّرهم بين الذوبان في المذهب السلفي الذي ينتمي إليه العريفي أو الإبادة. وفي كل الأحوال، ثمة نزوع مستبد بنفي الآخر وإثبات الذات يوجّه التصوّرات إزاء الآخر والحكم عليه.
    يجري التعبير عن التمايز الطبقي على قاعدة مذهبية بأشكال مختلفة ومن قبل مختلف رجال الدعوة الوهابية في المملكة. الداعية المعروف سعد البريك لم يجد وسيلة للتعبير عن اعتراضه على الممثل التلفزيوني ناصر القصبي في نقده لمشايخ الوهابية إلا من البوابة المذهبية. وتحدّى البريك عبر برنامج (مجلس التراويح) الذي يقدّمه في قناته على (يوتيوب) القصبي بتمثيل «دور الروافض لو حلقة واحدة»(13).
    يصدر التحدي عن رؤية عقدية إزاء الشيعة، وقد عبّر عن ذلك في مناسبات عديدة. نذكر منها خطبة في المسجد الجامع بقرية الرايس، على ساحل البحر الأحمر بمنطقة المدينة المنورة، في 17 مارس سنة 2012 بعنوان (أهمية التوحيد وخطر الرافضة) تحدّث فيها عن دور عقيدة التوحيد في إنجاز مشروع الدولة السعودية وفي الوقت نفسه تناول الشيعة «وخطرهم على الامة وانهم يحاولون بشتى الطرق تقويض بنياننا في حرب عقائدية..»(14)، بحسب وصفه.
    وبرغم من أن الأمثلة التي أوردها البريك لا تتصل مباشرة بالشيعة في المملكة، إذ كان يتناول حوادث سوريا والبحرين واليمن، إلا أن الارتدادات المباشرة على شيعة المملكة لا يمكن استبعادها، وهذا ما ظهر في التفجيرات التي حصلت في المناطق الشيعية بالمنطقة الشرقية، من دالوة الإحساء، الى القديح، والدمام وسيهات، وانتهاءً بمحاسن في الأحساء.
    تمثل خطبة البريك امتداداً لرسالة الشيخ الصحوي المتشدّد ناصر العمر بعنوان: (واقع الرافضة في بلاد التوحيد) التي طبّعت أول مرة سنة 1992. وتكشف الأخيرة عن نزعة استئصالية لدى التيار الديني الرسمي في السعودية.
    يرصد العمر في رسالته الانشطة الشيعية كافة في المجالات الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية والدينية، ليخلص الى توصيات لجهة إيقافها بصورة كاملة، بما في ذلك وضع حد لتكاثر الشيعة: «إيجاد حل سريع لمدّهم وتكاثرهم وزحفهم المخطط على المنطقة الشرقية لما في ذلك من الخطر على معتقدات وأمن هذه البلاد». وزاد على ذلك بأن طالب بوقف الأنشطة الدينية كافة: «إيقاف جميع علماء ودُعاة وملالي الرافضة، وفرض الإقامة الجبرية عليهم، ومنعهم من التدريس، أو الحديث للناس في مجامعهم ومنتدياتهم، أو تأليف الكتب وكذا سائر الأنشطة الأخرى، وإيقاع العقوبة الرادعة لم يثبت منه مخالفته لذلك»(15).
    بعد قيام القضاء الألماني بملاحقة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين في مايو 2009، وتصاعد المطالبات برفع دعاوى ضد مشايخ الوهابية أمام المحاكم الأوروبية، قام الشيخ ناصر العمر بإزالة التوصيات من رسالته، كما قام آخرون بعملية تنقية شاملة لمحتويات مواقعهم وحذف ما يمكن أن يدين المشرفين عليها.
    لم يتخل العمر عن كل ما ورد في رسالته، وبعد مرور نحو خمسة عشر عاماً على صدورها عاد وأكّد موقفه وقال: «والذي أراه أن الروافض أخطر من اليهود والنصارى». وأنهم «أخطر من أمريكا ومن اليهود ومن غيرهم..». وعارض دعوة التقريب وقال: «فهذه كلها تخدم العدو..»(16).
    الملفت أن العمر ذكر في رسالته سالف الذكر، مسجد العنود الذي اختاره «داعش» هدفاً لعملية انتحارية في 30 مايو 2015 وأدّت إلى استشهاد عدد من المصلّين، ولولا افتداء أحد الحرّاس الأهليين الشهيد عبد الجليل الأبرش، لكان عدد الشهداء كبيراً.. يقول العمر:
    «أما في بلاد أهل السنة، كالدمام مثال، فللرافضة لقاءات داخل البيوت في مجالس يتمّ فيها ما يتم في الحسينيات من احتفال أو عزاء أو دعوة أو غير ذلك. كما أنهم قد أعطوا مسجداً جامعاً في (حي العنود) وأصبحوا يصلّون فيه ويكثر فيه سوادهم مع أن إسم وزارة الحج والأوقاف مكتوب بشكل واضح على مدخل المسجد. وقد علّقت في ذلك المسجد المسابح، وفرشت الحصر، وأقصيت المصاحف»(17).
    في رسالة العمر ما يشي بنوع العلاقة غير المتكافئة بين الفئات السكانية على أساس الانتماءات الدينية، والتي من شأنها التحكّم في أحوال كل واحدة منها وفي حالات معينة تحدد مصيرها. فالانتماء المذهبي يحسم الموقع السياسي والحقوقي لكل طائفة، وعليه فإن الدولة وقوانينها أو الوطن وقيمه ليست مورد تبجيل من جانب رجال المذهب الرسمي في المملكة.
    إن ثمة إكراهاً يمارسه العمر في ربط السياسي بالمذهبي، فهو، شأن أهل دعوته، لا يميّز، على سبيل المثال، بين إيران الدولة والتشيع المذهب، وحين يصوّب على ايران لا يفرّق بينها وبين انتمائها المذهبي. فالقضية بالنسبة له مذهبية، ولكن يقاربها بطريقة أخرى تبدو في الظاهر سياسية، ولكن في المحتوى ينصاع الى ما يمليه المعتقد الديني الخاص.
    وما يجعل الشيعة السعوديين في دائرة الاستهداف الإيديولوجي والسياسي، وفي ترجمته العملية الأمني، أن العمر، كما كثيرين من أهل دعوته، يستدعي البعد المذهبي في أي جدال تكون فيه إيران أو حزب الله في لبنان أو عراق بعد 9 إبريل 2003، وأخيراً اليمن بعد صعود العامل الحوثي.. عناوين في المساجلة السياسية/ العقدية.
    في مؤتمر لنصرة الشعب العراقي، خصّص الشيخ العمر كلمته للنصرة أهل السنة في العراق، وتحدّث عن الخطر الشيعي من زاوية مذهبية خالصة. بدا التاريخ والعقيدة، من بين مبررات أخرى لا صلة لها بالحاضر، فاعلين رئيسين في كلمة العمر. دور الحاضر كان مجرد دمغة لتأكيد تفسير العمر لحوادث التاريخ، وهذا ما أضفى اطمئناناً على مواقف العمر من حزب الله، وايران، وأخيراً التشيع، الذي وجد فيه «الخطر الأشد». إحضار الشيعة في المملكة الى دائرة الصراع، تفسير العمر نفسه لنوع الخطر الذي يشكّله الشيعة على عموم المنطقة، بما فيها الخليج. وعليه، فإن الإتكال على خاصيّة الانصياع لدى البشر، يصبح العمر وليس الدولة مرجعية لتوجيهات الأفراد، لأن الاحتكام لا يتم بناء على ما تتطلبه الدولة، بل ما يتطلبه رجل الدين في تفسيره للنصوص الدينية.
    ولذلك، فإن العمر يفتتح الخصومة من البوابة السياسية، ولكنه ما يلبث أن يغلق الخصومة من البوابة المذهبية. فهو يتحدث عن تفوّق ايران وحزب الله في السياسة، ولكن حين يطالب بمواجهة التفوق يضع له مقترحات مذهبية من قبيل: بيان حقيقة المذهب الشيعي، وحقيقة الخلاف مع الشيعة، كما حذّر من «خطورة التساهل في التعامل مع الشيعة والاغترار بالدعوة إلى الوقوف مع المظلومين أو المستضعفين»(18).
    المشكلة لدى العمر وكثيرين من المنشغلين في الحقل الديني، تكمن في جهل مفاعيل تفسيراتهم، وتطبيقاتها الراديكالية ضد أولئك الذين نزع العمر عنهم حق الحياة، وحمّلهم مسؤولية الشرور عبر تاريخ المسلمين. بعد وقوع الهجوم الانتحاري على مسجد العنود بالدمام في 29 مايو 2015، واجه العمر انتقادات واسعة نتيحة تحريضه على الشيعة في رسالته سالفة الذكر، وعلى مسجد العنود بوجه خاص.
    ونفى العمر في حديثه لبرنامج «140» على شبكة «المجد» الفضائية أن يكون قد حرّض على قتل الشيعة وأن فحوى ما يؤكّد عليه هو«خطورة تحكُّم الأقلية في الأكثرية..». وبيّن العمر، أن الذين فجّروا في القديح وفي الدمام هم أنفسهم الذين فجّروا أضعافهما في أهل السُّنَّة(19).
    وهنا يلفت العمر الى نقطة جوهرية في الاحتجاج، إذ يتم تجاوز الجغرافية السعودية، ليحل مكانه الإطار المذهبي المفتوح. في حديثه عن تحكّم الأقلية في الأكثرية، يجعل من الدولة السعودية إطار التحاكم النهائي، للخروج في هيئة الضحية أو الخاسر، بينما في موضوع الهجمات الإرهابية يفتح أفق المكان على ما هو أبعد من جغرافية الدولة السعودية، لأن الاكتفاء بالأخيرة يؤول حكماً الى إدانة العمر ويضعه في قائمة واحدة مع المنفّذين للهجوم الارهابي فيما يخرج الشيعة ضحايا حتميين.
    على أية حال، فإن نفي العمر لتهمة التحريض، تنقضه تغريدات له على «تويتر» منها تغريدة له بتاريخ 16 أغسطس 2015 يقول فيها: «خطر الرافضة في الخليج تعدى التوقعات إلى حقائق كارثية، وما خلية حزب الله بالكويت إلا طليعة جيش احتلال صفوي، فمتى نعي تقية ودين المجرمين!».
    في حقيقة الأمر، أن للعمر تغريدات ذات طبيعة تحريضية تطاول فئات أخرى من بينها تغريدات ضد من يصفهم بالليبراليين ونختار منها:

    سفر الحوالي
    بتاريخ 19 يناير 2015: (العلماء والدعاة يبنون ويصلحون «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت»، والليبراليون والمنافقون يهدمون ويفسدون «ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون»).
    بتاريخ 21 أغسطس 2015: (أطل بعض الليبراليين برؤوسهم المملوءة سما زعافا بعد بيات عدة شهور، ليستأنفوا بث تلك السموم، فياترى ماسر ذاك البيات وهذه العودة المريبة!).
    بتاريخ 10 أغسطس 2015: (بعض مقالات كتبة الليبرالية تزيدك قناعة بزيف مبادئهم وفجورهم في الخصومة «يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار»..).
    بتاريخ 5 أغسطس 2015: (ليبراليو ومنافقو اليوم لا يدركون أن القرآن يشملهم بحديثه عن المنافقين وهتكه لأستارهم، ويحسبون أنه يتحدث عن حقبة تاريخية ماضية).
    بتاريخ 31 يوليو 2015: (شكرا عزام الدخيل، فقد فضحت فلول المنافقين والليبراليين بقرارك، ولا عذر لأحد بعد اليوم أن ينخدع بتلبيسهم «يحسبون كل صيحة عليهم”..).
    بتاريخ 30 يوليو 2015: (شكرا عزام الدخيل عندما تعتني بالقرآن الكريم، أساس قيام الدولة، وسر بقاءها، وتلك حقيقة الوطنية، لا ما يدعيه أعداء الوطن من الليبراليين وغيرهم).
    للإشارة فإن الشكر كان بسبب تصريح وزير التعليم السابق عزام الدخيل بما نصّه: (سنتوسع في فصول تحفيظ القرآن لأن من يحمل القرآن في صدره سيحميه من كل فكر ضال).
    ضروب اليقين لدى العمر تجعل التمحور على الذات قوة تدمير لما عداها، إذ يكون النبذ لكل آخر خاصية راسخة ولا تقبل مجرد التفكير في وجود شريك يتنفس الحرية. في نقده لمعرض الكتاب في الرياض في مارس 2008 عارض العمر السماح لكتب محظورة بالدخول والعرض وهي التي قال عنها: (كتب تروج لليهودية والنصرانية والبوذية والصوفية ـ ومن بينها كتب ابن عربي ـ والإسماعيلية والباطنية والتشيع والأباضية (الخارجية) والدرزية، وحتى كتب إلحادية وفيها سب لذات الله جل وعلا، وسب لرسوله صلى الله عليه وسلم، وكتب تطعن في عقيدة أهل السنة والجماعة كتلك التي تنكر رؤية المؤمنين لله عز وجل في الآخرة، وكتب السحر والجنس والشذوذ ـ تحت لافتة الثقافة، وكلها مطروحة وغيرها بشكل علني في المعرض، أمامي منها الآن قائمة)(20).
    وبعد أيام من هجومه على معرض الرياض الدولي للكتاب، تمّت مصادرة العديد من الكتب والروايات السعودية والعربية.
    في سياق الخصومات، يصبح كل آخر شيطاناً كاملاً، وتؤكّد صورة الآخر لدى الديني وغير الديني في حال الخصومة، أنها نقيض الموضوعية، وهي بالقطع على الضد من العدالة. لم يجد العمر ما يميّز فيه المكوّن الصوفي في بلده سوى اتهامهم بأنهم يدرّبون أبنائهم على العمالة، وأن الغرب يتعامل معهم كـ «بديل»، والسبب في ذلك بحسب رأيه: «أن بعض اصحاب البدع قد لا يكونون مقبولين في بعض البلاد، فقد لا تقبل بعض الشعوب المسلمة الرافضة أو النصيريين، لكن قد تقبل الصوفية”(21).
    ونلتقي هنا عند النقطة الحاسمة، حيث يتوحّد السياسي والديني في التملّك الاحتكاري للحقيقة، وتالياً للحق في احتكار الحكم ومتوالياته. ويلخّص هذا التوحّد عبد العزيز بن ريس الريس ، المشرف العام على موقع (الاسلام العتيق) بما نصّه: (إني لأدعو أهل الخير والهدى أن يضعوا أيديهم بأيدي هذه الدولة السلفية المباركة، ويقطعوا الطريق على كل متربص بها الدوائر من الرافضة والصوفية والعلمانية، والأحزاب السياسية المتقنعة بقناع الشريعة .فوالله إن هذه الدولة غصة في حلوق الكفار وأهل البدع من الرافضة والصوفية..)(22).
    استخدام منابر الدولة في إطلاق مواقف مذهبية أو فئوية، بقدر ما يهدّد الوحدة المجتمعية، فإنها تضع الدولة والدين في مواجهة غير متكافئة. فالدولة هي ساحة الصواب والخطأ، ولكن حين يتم إقحام الدين طرفاً فيها، تنقلب المعادلة الى إيمان وعدم إيمان. وهذا ما يلفت إليه الشيخ فريد الغامدي المحاضر في جامعة أم القرى بمكة، من خلال خطبة الجمعة في جامع بغلف بمكة المكرمة، تناول فيها حرب السعودية على اليمن وقال:
    (عباد الله.. عداوة الشيعة لأهل السنة عداوة شديدة، وتلك العداوة والبغضاء متأصلة في نفوسهم منذ أن اعتنقوا عقيدة التشيع الفاسدة أصلاً ومنهجاً، ولا عجب فإن الحية لا تلد إلا حية، فمن يستقرئ التاريخ أيها المسلمون، فإنه سيجد المآسي والمجازر التي أقامها الشيعة ضد أهل السنة، وتحالفهم مع أعداء الإسلام أشهر من أن يذكر. عباد الله.. إن لهؤلاء مواقفهم الغادرة بأهل السنة والجماعة سجلها التاريخ عليهم في مصادره الوثيقة «(23).
    يلتزم الشيخ المتشدّد عبد الرحمن البرّاك المسار نفسه، فقد أصدر بياناً في 28 مارس 2015، أي بعد يومين من اندلاع الحرب على اليمن حول مقاتلة الحوثيين في اليمن لأنهم شيعة اثني عشرية!! وقال:
    ( فإن من المعروف عن الحوثيين أنهم معتنقون لمذهب الرافضة الاثني عشرية..أن مذهب الرافضة يقوم على الشرك بالله بالغلو في أئمتهم الاثني عشر، فهم يدعونهم ويستغيثون بهم، ويحجون إلى قبورهم. ومن المتقرر عند العلماء أن جميع طوائف الرافضة؛ كالإثني عشرية والنصيرية والدرزية أشد عداوة لأهل السنة من غيرهم..فالواجب على المسلمين من أهل اليمن وغيرهم التعاون على نصرة إخوانهم المظلومين، بالدفاع عنهم، وكسر شوكة هذه الطائفة الضالة طائفة الحوثيين....وعليه فقتالهم مشروع، وهو جهاد في سبيل الله)(24).
    فتوى البرّاك تنطلق من الرؤية العقدية والتاريخية لتبرير العدوان وليس من خلال ردود فعل على عدوان حاصل. البرّاك يستند على تصوّراته الذاتية حول حوادث التاريخ لإسباغ مشروعية على فعل الاعتداء على الحوثيين في الوقت الحاضر. لدى البراك فتوى سابقة بتكفير الشيعة، لا تختلف عن فتاوى التكفير التي أصدرها علماء الوهابية على مدى أكثر من قرنين. بل زاد البرّاك على فتاوى التكفير بأن جمع في الشيعة وبلغة صريحة وصارمة:الكفر والشرك والنفاق. وعدّ ذلك حكماً عاماً لطائفتهم، أي بما يشمل عامة الشيعة(25).
    البرّاك كان أحد صقور البيانات المحرّضة على الكراهية، وشارك في بيانات يهاجم فيها الشيعة وحزب الله عقب الانتصارات التي حقّقها بدحر قوات اسرائيل من جنوب لبنان في مايو 2000 ثم في حرب تموز (يوليو) 2006، وخشي مشايخ الوهابية أن تتزايد شعبية حزب الله في العالم العربي، فلجأ الى التصويب على المذهب الشيعي، وقال الموقّعون على البيان وعددهم 22 بأنه بني على «أصول كفرية» وأضافوا: «لشيعة الروافض هم الذين احدثوا في الامة شرك القبور.. وهم يثيرون الفتن وانواع من الفساد والدمار بالمسلمين وزعزعة الامن في بلاد المسلمين»(26).
    هوامش
    (1) عبد الله القصيمي، الصراع بين الإسلام والوثنية، القاهرة 1982، الجزء الأول، ف
    (2) إبراهيم بن سليمان الجبهان، تبديد الظلام وتنبيه النيام إلى خطر التشيّع على المسلمين والإسلام، طبع خاص، الطبعة الثالثة 1988، ص 8
    (3) Oren Adaki, David Andrew Weinberg, Preaching Hate and Sectarianism in the Gulf, Foreign Policy, May 5, 2015, http://foreignpolicy.com/2015/05/05/preaching-hate-and-sectarianism-in-the-gulf-saudi-arabia-qatar-uae-saad-bin-ateeq-al-ateeq/http://foreignpolicy.com/2015/05/05/preaching-hate-and-sectarianism-in-the-gulf-saudi-arabia-qatar-uae-saad-bin-ateeq-al-ateeq/

    (4) مقطع على يوتيوب بعنوان (قطر - الوهابي سعد بن عتيق العتيق يدعو على الشيعة)، أنظر الرابط:
    https://www.youtube.com/watch؟v=_olH4Erf5t8https://www.youtube.com/watch؟v=_olH4Erf5t8

    (5) المفتي: فرق ضالة تدعي أنها تنتسب إلى الإسلام وهي تعمل ضده وتطعن فيه، موقع (سبق) الالكتروني، بتاريخ 3 مارس 2011، أنظر الرابط:
    http://sabq.org/bdRedehttp://sabq.org/bdRede
    (6) إمام مسجد عائشة الراجحي بمكة يدعو لداعش و يكفر الشيعة، أنظر الرابط:
    https://www.youtube.com/watch؟v=5bnYZ9rjiTchttps://www.youtube.com/watch؟v=5bnYZ9rjiTc

    (7) مفتي المملكة: ضرب الصدور وسفك الدماء يوم عاشوراء مخالف للسنة، موقع (ٍسبق) الالكتروني، بتاريخ 18 أكتوبر 2015، أنظر الرابط:
    http://sabq.org/E9Jgdehttp://sabq.org/E9Jgde

    (8) الشيخ الفوزان: «الرافضة» مخادعون يتظاهرون بالإسلام ويتربصون بالسنة، صحيفة (المدينة) بتاريخ 7 يونيو 2013، أنظر الرابط:
    http://www.al-madina.com/node/458328http://www.al-madina.com/node/458328

    (9) بيان للعلماء في مناصرة الشيخ «العريفي»، موقع (المسلم) بتاريخ 10/2/1431هـ الموافق 26 يناير 2010، أنظر الرابط:
    http://www.almoslim.net/node/123159http://www.almoslim.net/node/123159

    (10) ناصر بن سليمان العمر، على بصيرة (1 - 2)، موقع المسلم، بتاريخ 14 مايو 2006
    http://www.almoslim.net/node/83311http://www.almoslim.net/node/83311

    (11) بيان بشأن واجب أهل الاسلام تجاه الخطر الصفوي الايراني، موقع المسلم، 6/4/1437هـ، الرابط:
    http://www.almoslim.net/node/248814http://www.almoslim.net/node/248814

    (12) اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين أسئلة في العقيدة، دفع زكاة أموال أهل السنة لفقراء الرافضة، السؤال: س43: ما حكم دفع زكاة أموال أهل السنة لفقراء الرافضة (الشيعة)..
    الرابط:
    http://www.ibn-jebreen.com/books/6-67-3986-3585-3257.htmlhttp://www.ibn-jebreen.com/books/6-67-3986-3585-3257.html

    (13) بالفيديو: سعد البريك يتحدى ناصر القصبي.. وقناة إم بي سي لا تعرض شيئًا يفيد الإسلام، موقع صحيفة (صدى) الالكترونية، بتاريخ 23 يونيو 2015 أنظر الرابط:
    http://www.slaati.com/2015/06/23/p355368.htmlhttp://www.slaati.com/2015/06/23/p355368.html

    (14) الشيخ سعد البريك، أهمية التوحيد وخطر الرافضة، تصوير ومونتاج اللجنة الاعلامية بمكتب الدعوة بالرايس، 23 ربيع ثاني 1433هـ/17 مارس 2012، انظر الرابط:
    https://www.youtube.com/watch؟v=wApsbPaBDMshttps://www.youtube.com/watch؟v=wApsbPaBDMs

    (15) ناصر بن سليمان العمر، واقع الرافضة في بلاد التوحيد، رسائل العقيدة، نسخة الكترونية، نشر سنة 1413هـ/1992، ص 6؛ 52
    (16) الشيخ ناصر العمر في لقاء مطول مع شبكة (أنا المسلم).. يجيب عن عديد من القضايا التي تهم الأمة الإسلامية والشباب المسلم، بتاريخ 30 شعبان 1431هـ/11 أغسطس 2010
    http://almoslim.net/node/132564http://almoslim.net/node/132564

    (17) ناصربن سليمان العمر، واقع الرافضة في بلاد التوحيد، مصدر سابق، ص 15
    (18) د. ناصر العمر: الخطر الشيعي يمتد ليشمل المنطقة كلها، موقع المسلم، بتاريخ 23 ذي القعدة 1427هـ الموافق 14 ديسمبر 2006، أنظر:
    http://almoslim.net/node/46688http://almoslim.net/node/46688

    (19) ناصر العمر: لم أحرِّض ضدّ الشيعة وتهديد «داعش» بتصفيتي ليس جديداً، موقع (سبق)، بتاريخ 19 يونيو 2015
    http://sabq.org/mV9gdehttp://sabq.org/mV9gde

    (20) أنظر الرابط:
    http://www.almoslim.net/node/83816http://www.almoslim.net/node/83816

    (21) د. العمر: ما يجري في سوريا حرب عقدية ولا بد من استمرار الاحتساب، موقع المسلم، بتاريخ 23 جمادى الأولى 1432هـ/27 إبريل 2011
    http://www.almoslim.net/node/145324http://www.almoslim.net/node/145324

    (22) عبد العزيز بن ريس الريس، تناقضات الحركيين ناصر العمر أنموذجاً، موقع (الإسلام العتيق) بتاريخ 25 ربيع الأول 1433هـ/18 فبراير 2012، أنظر الرابط:
    http://islamancient.com/play.php؟catsmktba=101652http://islamancient.com/play.php؟catsmktba=101652

    (23) بالفيديو..الغامدي يسرد أهداف الشيعة والحوثيين في خطبة الجمعة، موقع الوئام، 31 مارس 2015، الرابط:
    http://goo.gl/5BkUMBhttp://goo.gl/5BkUMB

    (24) الشيخ عبد الرحمن البراك: قتال الحوثيين جهاد في سبيل الله، موقع سبق الالكتروني، 28 مارس 2015، أنظر:
    http://sabq.org/aw2gdehttp://sabq.org/aw2gde

    (25) تكفير عوام الرافضة - العلامة الشيخ المفتي عبدالرحمن بن ناصر البراك، بتاريخ 31 ديسمبر 2006، أنظر الرابط:
    http://www.surour.net/index.php؟group=viewandrid=549http://www.surour.net/index.php؟group=viewandrid=549

    (26) رجال دين سعوديون يهاجمون الشيعة وحزب الله، وكالة رويترز، 1 يونيو 2008، أنظر الرابط:
    http://ara.reuters.com/article/idARAOLR16226220080601؟pageNumber=2andvirtualBrandChannel=0[/b]

    المصدر: مجلة الحجاز
                  

02-22-2016, 07:18 AM

الهادي الشغيل
<aالهادي الشغيل
تاريخ التسجيل: 12-07-2015
مجموع المشاركات: 4388

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثين.. مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة ا� (Re: Yasir Elsharif)

    الزول الشريف ده حاطب ليل وحاطب اللليل ده ممكن في الظلمة يرفع ليهو حية أو ثعبان على أساس أنه قطعة خطب ..
    فالود الشريف دخ يغوص بين ردهات القوقل ويأتي الى المستنقعات الآسنة ويعمل كوبي بيست دون التحقق من
    صحة ما ينشر ثم يأتي ليتقيأ هنا ويرش كل عفن في جوفه ..

    ولمثل هذا الشريف نقول ( لا يضر السحاب نباح الكلاب )

    ونقول له :

    ياناطح الجبل العالي ليكلمه ** أشفق على ارأس لا تشفق على الجبل

    ونقول له :

    كناطح صخرة يوماً ليوهنها *** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

    أتحدى أن تجد نقاشاً جاداً لهذا الشريف فهو يهرب عند أول زنقه .. أتمنى أن يرينا مرة واحدة في حياته أنه جادي في نشر فكرته بدل من اللت والعجن والخرمجة البيسوي فيها دي .
                  

02-22-2016, 07:21 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50059

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثين.. مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة ا� (Re: الهادي الشغيل)

    Quote: الزول الشريف ده حاطب ليل وحاطب اللليل ده ممكن في الظلمة يرفع ليهو حية أو ثعبان على أساس أنه قطعة خطب ..
    فالود الشريف دخ يغوص بين ردهات القوقل ويأتي الى المستنقعات الآسنة ويعمل كوبي بيست دون التحقق من
    صحة ما ينشر ثم يأتي ليتقيأ هنا ويرش كل عفن في جوفه ..

    ولمثل هذا الشريف نقول ( لا يضر السحاب نباح الكلاب )

    ونقول له :

    ياناطح الجبل العالي ليكلمه ** أشفق على ارأس لا تشفق على الجبل

    ونقول له :

    كناطح صخرة يوماً ليوهنها *** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

    أتحدى أن تجد نقاشاً جاداً لهذا الشريف فهو يهرب عند أول زنقه .. أتمنى أن يرينا مرة واحدة في حياته أنه جادي في نشر فكرته بدل من اللت والعجن والخرمجة البيسوي فيها دي .


    لا تظلم نفسك. لو قرأت ربما تستفيد.
                  

02-22-2016, 07:27 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50059

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثين.. مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة ا� (Re: Yasir Elsharif)

    الكلمة التي شطبها نظام منبر سودانيز هي:


    الجــــرذان
                  

02-22-2016, 08:01 AM

عثمان عبدالقادر
<aعثمان عبدالقادر
تاريخ التسجيل: 09-16-2005
مجموع المشاركات: 1296

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثين.. مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة ا� (Re: Yasir Elsharif)


    ليت قومي يعلمون عن هذا السرطان الذي انهك جسد الأمتين العربية والإسلامية وفي مقدمتها جمهوريتنا المنكوبة !!.

    تحياتي ياسر واستمر .

    ابوحمــــــــــــــــــــــد
                  

02-25-2016, 07:36 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50059

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للباحثين.. مستقبل الخطاب.. مستقبل الدولة ا� (Re: عثمان عبدالقادر)

    فوق

    ثم التحويل إلى المكتبة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de