أبو زيد الوهابي ومحنة المساجد النقل تم من الطبعة الثالثة ديسمبر 1980 صفر الخير 1401
المقدمة:
Quote: إن المناسبة التي بسببها أصدرنا هذا الكتيب إنما هي خطبة كان قد ألقاها الإمام الوهابي أبو زيد محمد حمزة، في يوم الجمعة، 5/9/1980 ، وهي خطبة قد خصصها للهجوم علينا، نحن الأخوان الجمهوريين.. ولقد كانت خطبته هذه كسائر خطبه، لا خطر لها، ولا وزن ولا قيمة.. وهي، من ثم، لا تستحق منا ردا.. ولكن لمَّا كان هذا الإمام هو من أنشط أئمة المساجد، على عمومهم، كما أنه من أنشط دعاة الوهابية جاء اهتمامنا بالرد عليه من ههنا.. لا سيما وأن نشاطه هذا وتمثيله من على المنبر، قد أوهم بعض الناس فظنُّوه عالما بالدين، وأخذوا يتتلمذون عليه، ويتأثرون به.. إننا نحن نعلم أن أئمة الوهابية، على العموم، وهذا الرجل منهم، على الخصوص، لا يكرِّسون كل وقتهم، وكل خطبهم من منابر المساجد المنكوبة بهم للهجوم على السادة الصوفية إلا لقلَّة علمهم بالدين، فهم إذا لم يهاجموا السادة الصوفية فلن يجدوا ما يقولونه، وذلك لجهلهم الموبق بالدين ـ شريعته وأدب شريعته.. وهم يحاولون أن يجعلوا من جهلهم فضيلة بالتطاول على من هم أفضل منهم، عند الله وعند الناس..
إننا نحن إنما نصدر هذا الكتيب لبيان جهل هذا الرجل بأبسط أمور الدين، حتى لا ينخدع به الناس، منذ اليوم.. ونحن لا نتجنَّى على هذا الرجل، ولقد سجَّلنا ما قاله من منبره، ونورد لكم أقواله حتى تتبينوا بأنفسكم مبلغ جهله بالدين.. فإلى أقواله!!
الفصل الأول
هل تفويض الزوجة في طلاق نفسها مو شريعة ومو دين وموهو منطق: يهاجمنا الإمام الوهابي في خطبته فيقول: (الحجاب ليس أصلا في الإسلام، قال الحجاب مو أصل في الإسلام! الطلاق يجب أن يكون بيد المره، المره برضو ممكن تتزوج الراجل، وتطلق الراجل، يعني تمشي الساعة ثلاثة صباحا، تجيك في البيت "يضرب بيده على المنبر ممثلا طرق الباب" تفتح الباب، تحاسبها.. كنت وين يا مره؟ ما عاجبك؟ طلقتك!! تشيل شنطتك، وتفوت خلاص.. اي والله!! المره قال تطلِّق الراجل! ما هي، ما هي، كتب أهي.. العصمة تكون بيد المره، والرسول يقول إنما الطلاق لمن مسك بالساق.. منو البمسك رجل التاني؟ الرجل. الرجل، هو البمسك.. إنما الطلاق لمن؟ والقرآن كله الأوامر جاي للرجال، وإذا طلقتموهن، وإذا طلقتموهن، إن طلقتم النساء، والمطلقات، الله؟!! ما في آية بتتحدث للمره، تقول ليها طلِّقي الراجل، لو كان في والمُطَلَّقين ونحن المطلَّقين ومرتي هي التطلقني، وتنتهي الحكاية على كدة، وقعد العدة! وأنا أقعد الثلاثة شهور، العدة في البيت!! أنا!! ما أنا المُطلَّق! والمره طلقتني، وتمشي تكسب تجيب لي المونة الشهرية.. مو منطق مو شريعة، ومو عرف، وموهو منطق، اللهم إلا إذا باع الناس عقولهم، في سوق إبليس، إلا إذا الإنسان باع علقو، وتفكيرو، وباع إنسانيتو.. بعد، بعد داك تصدق هذا. إنت بتصدق مرتك العصمة بيدها وتمشي وتجي...) هذا ما ذكره الإمام الوهابي، وهذا هو فهمه ورأيه في تفويض الزوجة في العصمة، فما هو رأي الشريعة المبذول في هذا الأمر؟!!
مشروع الجمهوريين لحل أزمة الزواج وشائعات أئمة المساجد:
والزيجة التي أثارت انفعال الشيخ الوهابي، حتى تمخض عن هذا الهوس، هي زيجة جمهورية، قامت بمدينة الثورة يوم 4/9/1980، وهي ليست أول زيجة، بل هي الزيجة الرابعة التي أقامها الجمهوريون بمدينة الثورة، وهي الزيجة التي تقارب الستين بالنسبة للزيجات، التي أقامها الجمهوريون، في عديد المديريات والمدن، والقرى.. وكل هذه الزيجات، كانت تقوم على مشروع الجمهوريين، (خطوة نحو الزواج في الإسلام) وهو مشروع قد أصدرناه في كتيب سنة 1971 ولاهتمام القراء به، وإقبالهم عليه، وحاجة الناس إليه، ظلننا منذ ذلك الوقت، نطبعه، ونوزعه، وهو يجري الآن في طبعته الحادية عشر، وقد وزع عشرات الآلاف، كما نشرنا عن هذا المشروع عدة تحقيقات في الصحف، وقدمناه في الإذاعة، وبكل ذلك، أصبح هذا المشروع، في حكم البداهة، والمعلومات العامة، التي تُعرف عنا، ولكن رغم كل هذه الفرص الواسعة والمتاحة للشيخ، ليعرف رأينا، وسنده من الشريعة، قبل أن يهاجمه، فإن مستوى علمه، وورعه، ومسئوليته، قد ورَّطه في هذه الهلكة، فخاض الباطل خوضا (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون).. والشيخ الوهابي الذي أظهر أنه يجهل بديهيات الشريعة إلى هذا الحد، كان عليه أن يتعرف على الآراء التي سيهاجمها ـ وهي مبذولة ـ حتى يحترم نفسه، ويحترم مستمعيه، ويحترم الحق، ليبني هجومه على علم، وأمانة ، وصدق، ولو قد فعل ذلك لعلم أن ما ينكره، ويعلن بأعلى صوته، أنه مو شريعة، ومو عرف، ومو دين، هو من أوليات الشريعة، التي من جهلها ليس محله تعليم الآخرين، وتعليمهم الدين نفسه، وإنما محله أن يجلس عند أقدام من يعلِّمه دينه ليصلح به نفسه، فالشيخ الوهابي، قال في خطبته (اي والله!! المره قال تطلق الراجل، ما هي ما هي كتب أهي العصمة تكون بيد المره)..
تفويض المرأة في عصمتها شريعة وقضاء: فماذا قلنا نحن في كتبنا التي يشير إليها الشيخ الوهابي، وإن بدا أنه لم يقرأها؟ أو قل ماذا أوردنا من الشريعة؟ لأن أرم تفويض الزوجة في تطليق نفسها عندنا نحن في السودان، إنما هو أمر شريعة، وأمر قضاء أيضا، ولذلك فهو ما يجب أن يكون مكان جدل، ولكن الناس محجوبون بالعادة، وبالمألوف، حتى عن الشريعة، وعن أمرها المشهور.. قلنا في كتابنا: (خطوة نحو الزواج في الإسلام) الطبعة العاشرة (- يجب أن تكون العصمة بيد المرأة ، كما هي بيد الرجل ، فلا يستأثر بها أحدهما .. ولا يهولن أحداً هذا الكلام ، فإنه جائز شرعاً ، و معمول به قضاءً .. و هو مسنود بأصل الدين، و مستمد من مبدأ التفويض الذي بواسطته يملك الزوج زوجته أن تطلق نفسها .. ففي صفحة 334 من الطبعة الأولى لكتاب (الأحوال الشخصية حسب المعمول به في المحاكم الشرعية المصرية و السودانية و المجالس الحسبية ) للأستاذ معوض محمد مصطفى سرحان جاء ما يلي: (ثم أن التفويض عند الحنفية يصح قبل العقد ، وعند إنشائه ، و بعد تمامه في أي زمن كان حال قيام الزوجية . و صورة التفويض قبل حصول العقد أن يعلق التفويض على المتزوج بها ، كأن يقول أن تزوجتك فأمرك بيدك تطلقين نفسك متى تشائين. فإنه أن تزوجها ثبت التفويض غير المقيد بزمن ، وكان لها الحق في تطليق نفسها متى أرادت. و صورة التفويض عند إنشاء العقد أن تقول إمرأة لرجل يحل له التزوج بها زوجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي أطلق نفسي متى شئت ، أو كلما شئت فقال لها قبلت صح الزواج، و كان أمرها بيدها على الصورة التي قالتها ، و قبلها الزوج .) انتهى.. ويقول معوض في نفس الكتاب، عن تعريف التفويض (فالتفويض في باب الطلاق هو أن يملِّك الزوج زوجته أن تطلق نفسها منه).
دليل التفويض في الكتاب والسنة: ويمضي معوض في كتابه فيورد الأصل المشهور فيقول: (والأصل في هذا الباب، ما روي أن نساء النبي (ص) طالبنه بسعة النفقة بما لا يقدر عليه، فغضب، وحرَّمهن على نفسه شهرا، فأنزل الله سبحانه وتعالى عليه قوله (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا.. وإن كنتن تردن الله، ورسوله، والدار الآخرة، فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما). فخيَّرهن النبي (ص) فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة) ومن هذا أخذ جمهور الفقهاء، مبدأ تفويض العصمة للزوجة، وقد شذ عن الجمهور الظاهرية، بحجة أن الطلاق قد جعل بيد الزوج، وهذا أمر لا خلاف عليه، ولكنهم لم يأتوا بدليل يمنع الزوج من تفويض زوجته في طلاق نفسها، فبقي الدليل الذي اعتد عليه الجمهور، وأكثر جمهور الفقهاء، فإن الصحابة أنفسهم قد أجمعوا على اعتبار مبدأ التفويض..
إجماع الصحابة على مبدأ تفويض العصمة للزوجة: ولنورد أمثلة لذلك فقد جاء في الموطأ طبعة دار إحياء الكتب العربية الجزء 2 صفحة 81 (حدثني يحيى، عن مالك، أنه بلغه، أن رجلا جاء إلى عبد الله بن عمر، فقال يا أبا عبد الرحمن، إني جعلت أمر امرأتي في يدها، فطلَّقت نفسها.. فماذا ترى؟؟ فقال عبد الله بن عمر، أراه كما قالت، فقال الرجل لا تفعل يا أبا عبد الرحمن، فقال ابن عمر: أنا أفعل؟ أنت الذي فعلته). وجاء فيه في صفحة 83 (حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، أم المؤمنين، أنها خطبت على عبد الرحمن بن أبي بكر قريبة بنت أبي أمية، فزوجوه ثم أنهم عتبوا على عبد الرحمن، وقالوا ما زوَّجنا إلا عائشة فأرسلت عائشة إلى عبد الرحمن فذكرت ذلك له فجعل أمر قريبة بيدها...) وكمثل لاختلاف الأصحاب، في التفاصيل، داخل مبدأ التفويض، فقد جاء في كتاب (أحكام الأحوال الشخصية في الفقه الإٍسلامي) المشهور في محاكم دوائر الأحوال الشخصية في صفحة 292 ما نصه (وإذا قال لها "أمرك بيدك" أو "اختاري نفسك" فاختارت نفسها كان ذلك طلقة رجعية، وروي هذا عن سيدنا عمر، وعبد الله بن مسعود وابن عباس، وبه قال ابن أبي ليلى، والشافعي وروي عن سيدنا علي، أنه يقع طلقة بائنة، وبه قال الأحناف، حتى يزول سلطانه عنها وهذا ما يقتضيه تمليكه إياها أمرها...) وهذه مجرد أمثلة كما قلنا، وإلا فإنه لم يرد عن أحد من الصحابة، نقض لمبدأ تفويض العصمة للزوجة، وأنها تملك بذلك الحق في تطليق نفسها..
إجماع الأئمة الأربعة على مبدأ تفويض العصمة للزوجة:
وأئمة المذاهب الأربعة قد أجمعوا على إثبات مبدأ تفويض العصمة للزوجة ولهم في ذلك تفاصيل كثيرة وهي مبذولة في سائر كتب الفقه مثل الفقه على المذاهب الأربعة الصفحات 370 ـ 385 وكتب الأحوال الشخصية التي أوردنا منها ما عليه العمل القضائي في كتاب معوض محمد مصطفى سرحان، والمسألة أشهر من أن تذكر لها مراجع معينة.. وإذا كان هذا الشيخ الوهابي لا يعرف كل ذلك، ثم هو يعطي نفسه حق الحديث عن الدين، بل تعليم الناس الدين، فإنه لا يستحق أن يصعد أي منبر من منابر المساجد.. ثم إن هذا الشيخ يجهل جهلا يجعله لا يستحق حتى أن يكون وهابيا، ذلك بأنه لا يعرف ما يقوله مشايخ الوهابية..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة