قد رأيت الناس في قلب الملايو! د. النور حمد

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 02:35 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.ياسر الشريف المليح(Yasir Elsharif)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-02-2006, 01:07 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50065

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قد رأيت الناس في قلب الملايو! د. النور حمد

    Quote: قد رأيت الناس في قلب الملايو!

    (1 من 5)

    د. النور حمد
    [email protected]

    على كثرة ما تيسر لي من فرص للتعرف على مناطق مختلفة من العالم الغربي، إلا أنني لم أحظ بأي فرصة للتعرف على بقاع جنوب شرقي آسيا، إلا مؤخرا جدا حيث قادتني خطاي ولأول مرة، إلى دولة ماليزيا. وماليزيا، كما هو معروف عنها، واحدة مما سمي في العقدين الأخيرين من القرن العشرين بمجموعة "النمور الآسيوية". وقد نالت مجموعة النمور الآسيوية ذلك اللقب بسبب ما حققته من نمو إقتصادي سريع ومذهل. غير أن ماليزيا تميزت بكونها قد بقيت الأرسخ إقتصادا بين رصيفاتها من مجموعة النمور الاسيوية، خاصة بعد الهزة الإقتصادية المعروفة التي ضربت إقتصادات شرق آسيا، في نهاية التسعينات من القرن الماضي.



    ظللت لفترة من الوقت أظن أن الإعجاب بماليزيا والترويج لنموذجها أمران يقف وراءهما دعاة مشروع الدولة الإسلامية في الوطن العربي. وكنت أظن أنهم إنما يفعلون ذلك بسبب حاجتهم الماسة إلى نموذج ما ذي صلة بالإسلام يرفعونه من أجل التدليل على صلاحية وصدقية توجههم. ولكني حين زرت ماليزيا، وتعرفت على نموذجها عن كثب، انفتح ذهني على جوانب عديدة من تجربتها، بدت لي أبعد وأعمق من تلك التي فتنت دعاة الدولة الإسلامية في المشرق العربي، وخاصة في السودان. وسوف أحاول في هذه السلسلة القصيرة من المقالات مقاربة ما بدا لي من شأن ماليزيا وتجربتها المتميزة. فما لمسته في ماليزيا يدلل على أنها دولة ذات رؤية واضحة. وتتميز رؤيتها بكونها لا تشوبها شائبة من شوائب التهوس الديني. كما تتميز تجربتها في عمومها بعمق ونضج لا نجد مثيلا له في خطاب مروجي الدولة الدينية الإسلامية في الوطن العربي.



    ماليزيا دولة اختارت أن تناطح الغرب، غير أنها ظلت تفعل ذلك في هدوء تام، ودونما صخب أو جلبة. اختارت ماليزيا ميدان المناطحة العملية، المتمثل في النهضة، والنمو، والتحديث، والتركيز على الإرتقاء بحال الإنسان الماليزي على أوسع نطاق ممكن. انحازت الدولة الماليزية، رغم تبنيها للنهج الرأسمالي، إلى سواد شعبها ضد قوى الإحتكارات العالمية المولعة بصناعة الفقر والعمل على استدامته. وحين رأيت ماليزيا وحالها من التقدم، عجبت حقيقة أن تكون هذه الدولة قد استقلت في عام 1957، ويكون السودان قد استقل في عام 1956 !! فأين السودان اليوم، وأين ماليزيا؟ بل أين مصر "أم الدنيا" ذاتها اليوم، وأين ماليزيا؟!



    تقول بعض التقارير الإقتصادية، إن مصر الخمسينات من القرن الماضي، كانت متقدمة على ماليزيا، من جميع الوجوه. أما اليوم، فلا مقارنة بين ماليزيا ومصر!! والسؤال: ما الذي جعل ماليزيا تتقدم كل هذا التقدم، وجعل ـ على سبيل المثال، لا الحصر ـ دولا شرق أوسطية مثل مصر، وسوريا، والعراق، والأردن، والسودان، تعاني كل هذه المعاناة وهي تحاول ارتقاء سلم النمو، عبر نصف قرن من الزمان، وبلا نجاح يذكر، مع ملاحظة التفاوت في مقادير النجاح وسط هذه الدول المشار إليها؟!



    تمثل ماليزيا الكتلة الأكبر مما سُمي في الماضي بـإتحاد "الملايو". وقد لمست ديار الملايو شغاف أخيلتنا ونحن نعبر بحر الصبا، حين ورد ذكرها في غنائنا الوطني الثوري في السودان، مما ساد حقبة الستينات. والإشارة هنا إلى "نشيد آسيا وإفريقيا" الذي صاغ كلماته الشاعر المفَّوه تاج السر الحسن، ولحنه وقام بآدائه الفنان العظيم عبد الكريم الكابلي. ورد في ذلك النشيد الطافح بالعاطفة الثورية المشبوبة، ذكر "الملايو"، بضع مرات. والملايو هو الإسم العام لذلك الإقليم الذي ضم إبان الحقبة الإستعمارية في جنوب شرقي آسيا، عددا من المستعمرات والمحميات البريطانية، المنتثرة في ذلك الأرخبيل البديع الواقع جنوب شرقي بحر البنغال. غير أن اتحاد الملايو تفكك بعد أن خرجت منه كلا من سينغافورة وبروناي، وتشكلت أثر ذلك الدولة الماليزية بشكلها الحالي.



    جسدت قصيدة شاعرنا تاج السر الحسن روح تلك الحقبة الثرية من تاريخ الكوكب التي مثلها عقد الستينات من القرن الماضي، لكونها قد عبرت بعاطفة صادقة عن أشواق وتطلعات ما ُسمي وقتها بـ "حركات التحرر الوطني".

    قال تاج السر الحسن:



    قد رأيتُ الناسَ في قلب الملايو

    مثلما شاهدت جومو

    ولقد شاهدت جومو

    مثلما امتد كضوءِ الفجرِ يومُ



    ويمضي تاج السر الحسن مغردا بأحوال تلكم الأيام وأشواقها، فيقول:



    أنتِ يا غاباتِ كينيا يا أزاهرْ

    يا نجوماً سمقتْ مثل المنائرْ

    يا جزائرْ

    ههنا يختلط القوس الموشى

    من كل دارٍ كل ممشى

    نتلاقى كالرياح الآسيوية

    كأنشايد الجيوش المغربيهْ

    ونغني آخر المقطع للأرض الحبيبهْ

    للظلال الزرق في غابات كينيا والملايو

    لرفاقي في البلاد الآسيويهْ

    للملايو ولباندونق الفتيهْ

    لليالي الفرح الخضراء في الصين الجديدهْ

    والتي أعزف في قلبي لها ألف قصيدهْ



    ثم يمضي تاج السر الحسن ليقول وهو ممتليء بنشوة التضامن التي جمعت بين من خلصت رقابهم حديثا من نير المستعمر فيقول:



    فقلد مُدت لنا الأيدي الصديقهْ

    وجهُ غاندي، وصدى الهندِ العريقهْ

    صوتُ طاغور المغني

    بجناحين من الشعرِ على روضةِ فنِّ

    يا دمشقُ

    كلنا في الهم والآمال شرقُ



    تغنت تلك الأنشودة بأمجاد من حرروا رقاب بلدانهم من نير الإستعمار، ومن قام منهم بثورات ضرب بعضها شرقا وبعضها غربا، وزعم بعضها حيادا إيجابيا. ثم دارت عجلة الزمان، وتبخرت أشواق تلكم الأيام، ووضح أن ما ظنه الناس حيادا، عبر حقبة الحرب الباردة، لم يكن في حقيقة أمره، من الناحية العملية التطبيقية، سوى انحياز لواحدة من الكتلتين الكبيرتين. وسقطت كثير من آمال الشعوب المضطهدة من ثقوب سلة الخطاب السياسي المؤدلج، المنمق، الخالي مما يمكث في الآرض وينفع الناس! غير أن النموذج الماليزي، فيما يبدو، قد بقي، وبقي شامخا جدا.



    لو نظرنا في داخل الإطار الكبير للكراهية الغربية الموجهة للدول الإسلامية عموما، لوجدنا أن ماليزيا تحتل مكانة خاصة بها. والسبب في ذلك هو كونها دولة يغلب عليها الطابع الإسلامي غير أنها تتميز بكونها ناجحة إقتصاديا، رغم كونها لا تدور في فلك الغرب، كما يدور الآخرون. فماليزيا دولة ناقدة لإسرائيل إلى درجة رفض تبادل التمثيل الدبلوماسي معها. كما أنها دولة انحازت إلى سواد جمهور شعبها في وجه زحف الإحتكارات الغربية. يضاف إلى ذلك، أن نجاح ماليزيا الإقتصادي المتميز، واستقرارها السياسي، ومسلك أهليها المحافظ، قد قدمت جميعها برهانا ساطعا على أن النجاح الإقتصادي والإستقرار السياسي لا يقتضيان بالضرورة تبني النسخة الأمريكية للرأسمالية. كما لا يقتضيان بالضرورة أيضا، التكامل الإقتصادي مع أمريكا وفق معاييرها وشروطها. ويمكن القول أن النجاح الإقتصادي والإستقرار السياسي لماليزيا، قد دحضا، من الناحية العلمية التطبيقية، تصور أن النجاح الإقتصادي والإزدهار لا يكونان بغير الدوران في فلك المنظومة الغربية، وقبول كل إملاءاتها، بلا استثناء. كما أن ماليزيا قد برهنت أيضا، وهذا مهم جدا، على أن الثقافة الإسلامية لا تقف بالضرورة في وجه التحديث والنمو، أو في وجه أن تصبح الدولة جزءا مرتبطا بالمنظومة الإقتصادية الكوكبية، في عصر تنهار فيه الحواجز الاقتصادية والثقافية وبسرعة شديدة!



    وقفت ماليزيا رغم تبنيها نهج التطور الرأسمالي أمام العولمة موقفا متشككا، ولم تترك مواطنيها يقعون تحت رحمة الشركات العابرة للقارات التي تسعى بكل قوتها لطرد التجار المحليين من السوق، والقضاء على بائعي الخدمات المحليين. فبالعولمة لاحت للرأسمالية الأمريكية فرصة ذهبية جديدة لفرض نوع غير مسبوق من الهيمنة على بقية العالمين. ولقد كشف عن موت وعود الرأسمالية نابهون عرب ومسلمون كثيرون، أذكر منهم الدكتور سمير أمين في كتابة المدهش Obsolescent Capitalism، والدكتور عبد الحي زلوم في كتابه المتفرد، "نذر العولمة".



    مما يزيد من حالة الحنق الأمريكي والغربي عموما تجاه ماليزيا كونها لم ترتبط بحركات التطرف الإسلامي. فهذه الصفة بالذات قد جعلت مهمة الغرب في النيل من ماليزيا سياسيا، مهمة أكثر صعوبة. فماليزيا دولة ناجحة إقتصاديا، ومستقرة سياسيا. كما أنها دولة معتدلة المسلك، كثيرة العمل، قليلة الكلام. وقد وصفت بعض التقارير ماليزيا بأنها دولة نجحت في استئصال الفقر. وماليزيا بنموذجها الناجح الشديد الاستقلال، دولة تزعج الغرب، وخاصة أمريكا، بأكثر مما تفعل فنزويلا ورئيسها شافيز الناهض عبر شاشات الفضائيات في مواجهة حالة القطبية الواحدة الراهنة. ففنزويلا تعاني مشاكل لا تعاني منها ماليزيا. ولا تحتاج الآلة الإعلامية الغربية إلى كثير جهد لتكشف الإخفاقات الفنزويلية الداخلية، ومن ثم إظهار رئيسها بكونه مجرد ديماغوغ ثرثار. غير أن فعل نفس الشيء مع ماليزيا لا يبدو ميسورا، وهنا تكمن قوة النموذج الماليزي.



    لم يبع جهاز الدولة الماليزي نفسه بالكلية لأجندة الرأسمال الكوكبي، وبقي إلى حد كبير حائلا بين الشعب وبين طغيان الرأسمال الوافد. وطغيان الرأسمال دفق طبيعي ينداح تلقائيا ليسيطر، لا على السوق وحده بغرض حصره في يد القلة المحلية المنحازة إلى قوى الاحتكارات العالمية، وإنما يتعدى ذلك ليسيطر على مفاصل السياسة والتشريع في البلد! والهدف النهائي من ذلك الإندياح هو محو الخطوط الحمراء الفاصلة بين جهاز الدولة، وبين قرارات مجالس إدارات الشركات والمؤسسات والإحتكارات الكبيرة العاملة في الدولة. وهذا هو ما أنجزته الرأسمالية في نهاية شوطها في أمريكا. فالبيت الأبيض لا يحكم، وإنما هو محكوم، في حقيقة أمره، في كل ما يأتي وما يدع. وتبقى هذه حقيقة قائمة على الرغم من أن الشعب الأمريكي يقوم من الناحية العملية، بانتخاب ممثليه. ولكن الإحتكارات الكبيرة تختطف هؤلاء الممثلين المنتخبين، وتوجههم ضد مصالح من انتخبوهم لتبقى هي المتحكم الأول والأخير في اللعبة السياسية. وأخطر من ذلك، أصبحت المؤسسات الإحتكارية هي المتحكمة في درجة وعي الشعب ووجهة ذلك الوعي. فالديمقراطية نفسها، وصندوق الإختراع قد تم تكييفهما عن طريق مختلف المؤثرات، حتى لا يأتيا بما لا يصب في مصلحة المالكين! والآلة الإعلامية المفترض فيها أن تظل السلطة الرابعة لتراقب الأداء الحكومي، تم احتواؤها وأصبحت مجرد ذراع من أذرع الرأسمال، واجبها الأول والأخير هو غسل الأدمغة، وتجهيل السواد الأعظم من الناس، ورهنهم للمتشكل الراهن إلى درجة التصويت ضد مصلحتهم!



    ولابد من الإشارة إلى أن الرأسمالية الكلوب، كما تجسدها التجربة الأمريكية، لا تقود إلى الإفقار المادي وحسب، وإنما إلى أفقار روحي هو أفدح بكثير من الإفقار المادي. فالإفقار الروحي قد ظل ولا يزال هو ترياقها الأكثر فعالية ضد نزعات التغيير. فهو الذي مكن لها من الصمود أمام العمل النقابي، ومن احتواء وإبطال مفعول كل جهد بشري خلاق استهدف تعديل بنيتها. فعن طريق الإفقار الروحي تم إزهاق روح التفكير النقدي وسط الغالبية العظمى من السكان، فأصبحت الممارسة الديمقراطية شكلا بلا محتوى. وهكذا تم حجب الفرد عن ذاته وعن جوهره الإنساني الكامن فيه. كما تم حجبه من أن يرى مصالحه متسقة مع مصالح الآخرين داخل بلاده، وخارج حدود بلاده. فالرأسمالية تقوم بعمل مؤسسي مدروس لعزل المواطن وتقوية النزعة الفردانية فيه. مما لمسته من زيارتي هو أن ماليزيا تمثل برهانا عمليا ساطعا على أن النهوض ممكن، وأن تبني نهجا رأسماليا معتدلا يستلهم قيم الثقافة المحلية أمر ممكن أيضا. وقد برهنت ماليزيا أن الثقافة الإسلامية لا تقف بالضرورة في وجه التحديث والعصرنة والإعتدال. كما برهنت من ناحية أخرى أن الرأسمالية كنهج اقتصادي لا تحمل بالضرورة في بنيتها مناعة طبيعية مطلقة ضد الإصلاح النسبي.

    (نواصل)

    من سودانايل..
                  

12-02-2006, 01:44 PM

nassar elhaj
<anassar elhaj
تاريخ التسجيل: 05-25-2003
مجموع المشاركات: 1129

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قد رأيت الناس في قلب الملايو! د. النور حمد (Re: Yasir Elsharif)

    شكرا ايها العزيز د . ياسر الشريف
    وشكرا د. النور حمد لهذه الكتابة التحليلية
    والقراءة الممتعة بروح أدبية وأبداعية رائعة...
    استفدت جداً
    استمتعت جداً ..
                  

12-02-2006, 04:54 PM

mansur ali
<amansur ali
تاريخ التسجيل: 03-27-2004
مجموع المشاركات: 576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قد رأيت الناس في قلب الملايو! د. النور حمد (Re: nassar elhaj)

    شكرا يادكتور شريف لنقل هذا المقال
    وبعد،،،،
    كنت أترقب قراءة إنطباعات دكتور النور عن ماليزيا منذ أول إشارة له فى "منتدى سودان للجميع" .وحرصي على ذلك يعود لـ" تقديري الكبير لتأملات الدكتور الفلسفية خصوصاًعند مراجعاته لجوانب من بدايات تشكله الفكري . فكثير من تأملاته تجاه تجاربه وتجارب مجايله فى القرن المنصرم تعكس بصورة صادقة أبعاد مهمة لمرحلة من مراحل تطوره الفكري والوجودى.
    ***

    ساعود لاحقا رغم إنطباعي السلبي من المقال .
                  

12-02-2006, 06:59 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50065

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قد رأيت الناس في قلب الملايو! د. النور حمد (Re: Yasir Elsharif)

    شكرا نصار ومنصور على المرور والتعليق..

    مقال الدكتور النور شجعني على أن أعرف علاقة الدولة في ماليزيا بالإسلام من ناحية التشريع والقوانين..

    وجدت هذه النبذة في موسوعة ويكيبيديا الحرة سأشرككم فيها وأتمنى أن يلتحق الدكتور النور بالخيط.. لا أعرف إن كانت الدولة الماليزية تطبق القوانين والعقوبات كالتي تفعلها دولا مثل السعودية والسودان وإيران وباكستان.. من الفقرات أدناه لم يتضح لي ولذلك السؤال مطروح.. والسؤال الآخر هو: ما هي طبيعة العلاقة بين ماليزيا وبين حكومة السودان؟ وما هو دور الشركات الماليزية في إنتاج وتصدير البترول السوداني؟ يدور كثير من الحديث عن أرصدة ضخمة لحكومة الجبهة أو أفراد منها هناك في ماليزيا!!!


    Quote: اتحاد ماليزيا هو ملكية دستورية انتخابية. اسميا يرأسها حاكم أعلى ويشار إليه ك "ملك". الملوك يتم اختيارهم لمدة قدرها خمس سنوات من بين تسعة سلاطين لأقاليم عرقية الملايو. الأقاليم الأربعة الأخرى يرأسهم "حكام عامون" لا يدخلون في الاختيار.

    نظام الحكومة شكل على غرار نظام وستمنستر، وهو من سنن الإستعمار البريطاني.

    عبأ رئيس الوزراء السابق، الدكتور محاذير محمد كل طاقات البلاد للنهضة في مشروع أسماه "ماليزيا 2020". الحكومة الحالية تحت قيادة عبد الله بدوي تروج لمشروع نهضة ماليزي يسمونه الإسلام الحضاري.


    وصلة "الإسلام الحضاري" في ويكيبيديا :
    بالضغط هنا
    وقد وجدت أن محتوى الصفحة منسوخ من موقع "إسلام أونلاين"..
    http://www.islamonline.net/arabic/arts/2005/03/article01.shtml


    Quote: طرح رئيس وزراء ماليزيا داتو سري عبد الله أحمد بدوي مشروعًا لنهضة الأمة على هدي تعاليم الإسلام؛ وذلك من أجل استعادة دور الحضارة الإسلامية، ويسمى هذا المشروع بـ"الإسلام الحضاري" (Civilizational Islam/ Islam Hadhari) ، وهو اصطلاح يقصد به المنهج الحضاري الشامل لتجديد الإسلام في ماليزيا، ويستخدم كمحرك للأمة نحو التقدم والتطور والريادة الإنسانية.

    ويهدف هذا المشروع لتقديم الإسلام بمنظوره الحضاري باعتباره دينًا يشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويلبي متطلبات الروح والبدن والعقل، ويعالج قضايا الفرد والجماعة والدولة. كما يعرض هذا المشروع منهجا شاملا ومتكاملا للعمل بالإسلام على نحو يميزه عن مناهج الدعوة والعمل الإسلامي كالصوفية والحركات الإسلامية السياسية، فضلا عن جماعات العنف والتكفير.
    المبادئ العشر
    يعرف رئيس وزراء ماليزيا مشروع الإسلام الحضاري فيصفه بأنه: "جهد من أجل عودة الأمة إلى منابعها الأصيلة، وإعطاء الأولوية للقيم والمعاني الإسلامية الفاضلة لكي توجه الحياة وترشدها"، ويحدد مبادئه في الآتي:

    1- الإيمان بالله وتحقيق التقوى: وذلك لأن الإيمان بالخالق هو العامل الأساسي في الاستخلاف وعمارة الحياة، بينما تقوى الله تفضي إلى جليل الأعمال وأحسن الأخلاق وأعدل العلاقات بين الناس. وبالتالي لا يقتصر دور هذا المبدأ الإيماني على تزكية الروح وتنقية المعتقد وتصحيح العبادة، وإنما يتعداه إلى العناية بالسلوك وأعمال الجوارح.

    2- الحكومة العادلة والأمينة: التي جاءت عن طريق الشورى والاختيار الحر دون قهر أو إكراه، وتعمل على بسط العدل ونصرة المظلومين وردع الظالمين، وترد الحقوق إلى أهلها، وترعى مصالح الأفراد على اختلاف أعراقهم ومعتقداتهم، كما تقوم على قضاء حوائجهم بأمانة وتجرد وإخلاص.

    3- حرية واستقلال الشعب: إن الحرية هي القيمة الكبرى في الحياة الإنسانية، وهي الحافز للعمل والإبداع، وبها يكون الإنسان مستقلا وحرًّا في قراراته؛ وقد خلع عن رقبته طوق العبودية والتبعية.

    4- التمكن من العلوم والمعارف: فالعلم هو المرتكز الأساسي لنهضة الأمة، والوسيلة التي يستعان بها على عمارة الأرض، وتسخير ما فيها، وترقية الحياة، والانتفاع بالطيبات من الرزق.

    5- التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة: التي تعني التنمية بكامل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والروحية والمادية والثقافية والحضارية، وتجعل صلاح الإنسان غاية وهدفا لها.

    6- تحسين نوعية الحياة: وتعني سلامة الحياة واستقرارها وجودتها وتوفير متطلباتها الضرورية.

    7- حفظ حقوق الأقليات والمرأة: رعاية حقوق الأقليات العرقية والدينية، وكذلك احترام المرأة وتقدير مكانتها وتعزيز دورها الإيجابي في المجتمع.

    8- الأخلاق الحميدة والقيم الثقافية الفاضلة: العناية بالأخلاق الفاضلة والقيم المعنوية السامية في كل المجالات والجوانب، وأن تكون هي الأساس لتربية الأجيال.

    9- حفظ وحماية البيئة: العمل على حماية البيئة والحفاظ عليها ومنع ما يهددها من عوامل التلوث والآفات والإهلاك.

    10- تقوية القدرات الدفاعية للأمة: وذلك للحفاظ على سلامة ووحدة أراضي الدولة وحماية المصالح العليا لشعوبها والمحافظة على استقلالها وسيادتها.


    لماذا الإسلام الحضاري؟
    ويحدد عبد الله بدوي الأسباب التي دفعته لطرحه هذا فيقول: "إن الإسلام الحضاري جاء لنهضة وتقدم المسلمين في الألفية الثالثة، ومن أجل المساعدة على دمجهم في الاقتصاد الحديث". كما أن يصلح أن يكون "الترياق للتطرف والغلو في الدين"، وذلك لأنه "يشجع على التسامح والتفاهم والاعتدال والسلام". وفي بلد متعدد الثقافات والأعراق فإن الإسلام الحضاري يهدف لمصلحة الجميع على اختلاف عقائدهم وأديانهم وأعراقهم، ويضيف: "من المؤكد أننا كمسلمين يجب أن نعامل غير المسلمين بالحسنى والإنصاف"، مشيرًا إلى أن هذا المشروع "سوف يؤدي إلى الامتياز والتفوق، وسيكون مصدرًا للفخر والاعتزاز ليس للمسلمين وحدهم، وإنما لغير المسلمين أيضًا".

    ويحدد بدوي سمات المجتمع الماليزي الذي يستهدف مشروع الإسلام الحضاري إيجاده في ثماني سمات هي:

    1- أن يتحلى بالأفكار الوسطية والمعتدلة التي تساعد على تقوية بناء الأمة والدولة.

    2- قوامه الأخلاق الفاضلة حتى يكون قدوة للأمة كلها والناس جميعًا.

    3- يتصف بالمسئولية والجدية في تأدية دوره وواجباته.

    4- تكون فيه العلاقات بين أفراده مترابطة وتقوم على الثقة والأخلاق الفاضلة.

    5- يتصف بالنظام ويحترم سيادة وحكم القانون.

    6- متحد الكلمة ومتعاون ومتكافل فيما بينه.

    7- تطبق الدولة تعاليم الإسلام الحقيقي وتحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.

    8- تكون الدولة رائدة وقائدة وليست تابعة وذليلة.

    مظاهر الإسلام الحضاري وعناصره

    يقوم مشروع الإسلام الحضاري -كما يطرحه عبد الله بدوي- على عشرة عناصر أساسية ينبغي على المسلمين أفرادًا وجماعات العمل على تحقيقها، وهي:

    1- التعليم الشامل: الذي يجمع بين معارف الوحي وعلوم العصر، ويغطي فروض الكفاية والأعيان ويؤدي واجبات الوقت دون تقصير.

    2- الإدارة الجيدة: التي تحسن إدارة الموارد البشرية والمادية وتوظيف الاستخدام الأمثل لها.

    3- التجديد في الحياة: بمعنى ترقية أساليبها من ناحية التمدن والحضارة.

    4- زيادة جودة الحياة: وتوفير متطلبات الحياة الكريمة على أجود هيئة وأكمل حالة.

    5- قوة الشخصية: من حيث الإخلاص والأمانة؛ فالإخلاص أساس الأقوال والأعمال، بينما الأمانة عماد المجتمع والدولة، وبغيرهما لا يمكن إيجاد الإنسان الصالح والمجتمع الصالح. وهي أخلاق تقوم عليها الحضارات، وبغيابها تزول وتغرب.

    6- الحيوية والنشاط: من حيث استجابته للمتغيرات وإدراكه لمتطلبات الحياة المتجددة ومسائلها المتشعبة.

    7- الشمول والسعة: يقوم المشروع على الفهم الشمولي للإسلام؛ فهو لا يركز على جانب دون الآخر، ولا يأخذ تعاليم الإسلام مجزأة. ويعتبر الإسلام منهج حياة كاملا؛ فهو عقيدة وعبادة، وأخلاق ومعاملة، وتشريع وقانون، وتربية وتعليم، ودولة ونظام، يتناول مظاهر الحياة كلها، ويحدد منهاجًا للسلوك البشري في كافة أطواره.

    8- العملية والواقعية: لا يجنح إلى المثالية المجردة؛ فهو منهج عملي واقعي من حيث مراعاته واقع الحياة وطبيعة الإنسان وتفاوت الناس في استعداداتهم ومداركهم وحاجاتهم ومطالبهم.

    9 - الاستقلالية وعدم التبعية للأجنبي: سواء كانت تبعية فكرية أو ثقافية أو اقتصادية وسياسية.

    10- تعزيز المؤسسة الأسرية: فالأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، وبصلاحها يصلح المجتمع وتترابط علاقاته وتتوحد مشاعره.

    التحديات التي تواجه الإسلام الحضاري

    وبعد أن يعرض رئيس الوزراء الماليزي لجوانب رؤيته يحدد جملة من التحديات التي تواجه مشروع الإسلام الحضاري، وهي في جملتها تحديات داخلية، أبرزها:

    1- الجمود والتقليد: يقف تيار الجمود والتقليد عقبة أمام محاولات التجديد والاجتهاد بدعوى الإبقاء على القديم وإن لم يكن صالحًا لعصرنا؛ وهو تيار يعبر عن نفسه في الجمود المذهبي والتقليد الفكري.

    2- التطرف: وهو تيار أفرزته المشكلات والاختلال العميق في المجتمعات المسلمة، ويعبر عن نفسه في حركات التطرف الفكري والسلوكي.

    3- الانعزال والترهب: وهو تيار ينتشر وسط الأمة الإسلامية، وتغذيه المواقف السلبية الداعية إلى الزهد والرهبنة والابتعاد عن الدنيا والانصراف عنها كلية.

    4- العلمانية: وهي اللادينية التي ترفض ارتباط الدين بالحياة، وتوجيهه لجوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتحارب تدخل تعاليم الدين في شئون الدولة والحكم.

    5- أحادية المعرفة: المعرفة الجزئية سواء بالشرع أو الواقع تؤدي إلى نظرة جزئية للأمور وتحجب عن صاحبها معرفة الأبعاد الحقيقية للقضايا، وبالتالي يكون حكمه قاصرًا وعاجزًا عن المعالجة الوافية، ولا بد من معرفة بالشرع والواقع معًا.

    6- الضعف في إدارة الوقت: إن إهدار الوقت وعدم إدراك قيمته من أوضح أسباب الفشل والتردي في الحياة العامة في البلاد الإسلامية.

    شهادة من قريب

    داتو بروفيسور عبد الله محمد زين، وزير الشئون الإسلامية والأوقاف بماليزيا هو أحد أبرز المفكرين الماليزيين الذين ساهموا في المشروع، وهو أستاذ سابق للدراسات الإسلامية بالجامعة الوطنية الماليزية، حصل على درجة الدكتوراة من جامعة الأزهر، وعمل نائبًا لمدير جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا. وله مساهمات في مجال الفكر والدعوة الإسلامية، وعرف بالاعتدال والوسطية.

    وقد شرح محمد زين المشروع في كلمة ألقاها أمام المؤتمر العالمي حول قضايا الإسلام الحضاري، فقال: "الإسلام الحضاري هو مدخل لتجديد المجتمع المسلم، ويقدم منهجًا جديدًا وصحيحًا لفهم الإسلام في الوقت المعاصر. وعليه فإن الإسلام الحضاري هو جهد لإعادة دور الحضارة الإسلامية التي تقوم على القرآن والسنة، ولا يمكن أن ينحرف عن العقيدة الصحيحة".

    ويفسر أسباب وتوقيت طرح المشروع، فيقول: "لأن الغربيين يسيئون فهم الإسلام ويتهمونه بالتطرف وينظرون إليه نظرة سلبية؛ فقد قامت الحكومة الماليزية بالدعوة لهذا المشروع".

    وهو يرى أن "الإسلام الحضاري يؤكد على تنمية الجوانب الحضارية التي تستند على العقيدة الصحيحة، كما يهتم بتحسين وتطوير نوعية الحياة عبر المعرفة والعناية بالجوانب الروحية والمادية. وهذا المشروع يتسق ويتناغم مع مبادئ خطة الإستراتيجية العشرينية التي تهدف إلى أن تصير ماليزيا بحلول عام 2020 دولة صناعية متقدمة ومتطورة، وهذه التنمية المراد تحقيقها ليست تنمية للقطاع الاقتصادي فحسب، بل هي تنمية تشمل الجوانب الاجتماعية والروحية والثقافية والمادية".

    ويولي مشروع الإسلام الحضاري أهمية خاصة لبناء الذات؛ فهو "يركز على المعرفة والتعليم والمعرفة العقلية والنقلية، كما يشجع على معرفة وتوظيف تقنية المعلومات. والمشروع لا يعني الإسلام التحرري بمعنى التحرر من القيود الأخلاقية أو التأثر بالغرب، ويغمض العين عن الجوانب السلبية في الحضارة الغربية".

    ولا يتعجل زين تطبيق المشروع أو فرضه سريعًا، ويقول: "ستجتهد الحكومة الماليزية في تنزيل ذلك على الواقع بسلاسة وتدرج؛ لأن التطبيق الحكيم والمتأني يؤتي ثمارًا جيدة، وإلا فمن الممكن أن يرفض المجتمع المفهوم الجديد. والمشروع قابل للتطوير واستيعابه للأفكار والاجتهادات النافعة والجديدة؛ فنحن في حاجة لتلبية متطلبات الحياة المعاصرة بما يتفق مع إسلامنا وتعاليم ديننا".

    ويضيف داتو عبد الله قائلا: "في ظل الإسلام الحضاري نسلم بتعدد وجهات النظر واختلاف الآخرين معنا، وهذا الاختلاف هو اختلاف تنوع وليس اختلاف أضداد؛ مما يعني أنه يثري الفكرة ويطورها، خاصة إذا روعي أدب الاختلاف والحوار"، والإسلام الحضاري "ليس مذهبًا جديدًا أو فرقة مبتدعة، كما لا يجبر أي مسلم على الاقتناع بها، وإنما هو مشروع لإحياء الأمة".

    وبالتالي فإن الإسلام الحضاري "هو اجتهاد بشري وليس وحيًا معصومًا؛ ولذلك هناك احتمال الاختلاف معه". ومن خلال مشروع الإسلام الحضاري تحاول ماليزيا أن تقدم نموذجًا للعالم يمكن أن يقتدى به.

    ويقول داتو عبد الله: إن هذه الفكرة المبدعة من رئيس الوزراء تهدف إلى الاستقرار السياسى والسلام الاجتماعي واستدامة النمو في ماليزيا؛ لأنها من العناصر المهمة لاستدامة النمو الاقتصادي. ويولي المشروع اهتمامًا للتعليم الإسلامي واللغة العربية ومواد التربية الإسلامية والفقه الضروري، ويبدأ تطبيق منهج تعليمي لهذا الغرض من المراحل التعليم الأولى، خاصة للتلاميذ المسلمين حتى يعمقوا صلتهم بالإسلام ويتمثلوه في حياتهم. والحكومة حريصة على الأمانة والطهارة ومحاربة الرشوة وتعمل جاهدة بكل الوسائل في هذا المضمار.
    هل التحديث من سمات الإسلام الحضاري؟

    يجيب داتو عبد الله زين عن هذا السؤال فيقول: "الوسطية والتوازن هي أهم سمات مشروع الإسلام الحضاري، والتحديث لا يعني إهمال القديم، وهناك حرج في وصف المشروع بالحداثة؛ لأنها غالبًا ما تقترن بالمفاهيم الغربية، وكذلك الحال بالنسبة لوصف الإسلام التقدمي، ونفضل إطلاق وصف الوسطية على مشروع الإسلام الحضاري".

    ويضيف: "الوثائق الرئيسة للمشروع قيد المراجعة من قبل وزارة الشئون الإسلامية ومعهد تفهيم الإسلام، وتشتمل على 60 صفحة، وسيطالع رئيس الوزراء بنفسه هذه الوثائق ليخرج المشروع في ثوب قشيب. وسيكون باللغة الملايوية، ثم يترجم إلى اللغتين العربية والإنجليزية. ويشمل ذلك أهداف المشروع، ومبررات الأخذ بالإسلام كمنهج حياة متكامل من أجل تطوير المسلمين وزيادة تقدمهم في مجالات العلوم والتقنية والاقتصاد والإدارة والأخلاق. وسيكون الكتاب مشروعًا متكاملا ودليلا واضحًا. والآن تمهد الحكومة لقيام منابر تناقش قضايا الاقتصاد والتعليم والثقافة، وتجمع المختصين والخبراء وعلماء الشريعة.

    ما الفرق بين الإسلام الحضاري والإسلام السياسي؟

    يقول داتو عبد الله زين إجابة عن هذا السؤال: "الإسلام الحضاري يبدأ من أسفل إلى أعلى، ومن القاعدة إلى القمة، ومن الجمهور والقرى إلى القادة بطريقة منظمة ومتدرجة ورفيقة، وبالتركيز على الأولويات حيث العبرة بالمعاني والمقاصد لا الألفاظ والعبارات".

    "الإسلام الحضاري ليس دينا جديدا ولا مذهبا فقهيا مبتدعا، وإنما هو طريقة تقوم على مثل وقيم الإسلام الخالدة لتعزيز تقدم الحضارة الإسلامية، وهي طريقة لعرض الإسلام بواقعية وعملية وعودة الأمة إلى مصادر الإسلامية الأصيلة ومبادئه القويمة. ويعطي مشروع الإسلام الحضاري مزيدًا من الاهتمام لزيادة جودة الحياة الإنسانية لكل الناس بغض النظر عن أعراقهم وثقافاتهم ومعتقداتهم".

    ويعزز ذلك هدف الرؤية الإستراتيجية لماليزيا بحلول عام 2020 أن تكون دولة متقدمة، كاملة التطور ومنجزة لعملية التنمية المتوازنة والشاملة والمتوازنة بكامل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والروحية والمادية والثقافية والحضارية، وأن تحقق مراتب متقدمة في العدالة الاجتماعية والمثل المعنوية والاستقرار السياسي والمشاركة الشعبية وجودة الحياة ونزاهة الحكومة والوحدة الوطنية.
                  

12-03-2006, 02:11 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50065

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قد رأيت الناس في قلب الملايو! د. النور حمد (Re: Yasir Elsharif)

    Quote:
    [email protected]


    قد رأيت الناس في قلب الملايو! (2 من 5)

    د. النور حمد
    [email protected]

    في كتابه المتقدم على أوانه المسمى، "مشكلة الشرق الأوسط"، أشار المفكر الشهيد، الأستاذ، محمود محمد طه إلى أن حركة عدم الإنحياز ليست، في حقيقة أمرها، سوى حركة منحازة. وأشار الأستاذ محمود محمد طه تحديدا إلى دولتين تزعمتا هذه الحركة، وهما الهند منتهجة الخط الرأسمالي، ويوغوسلافيا منتهجة الخط الشيوعي، وعجب كيف أن كليهما قد ضمتهما معا ما سميت وقتها بـ "كتلة عدم الإنحياز"! وللأستاذ محمود أطروحة متميزة في الجمع بين الإشتراكية والديمقراطية تحتاج أن تزار من قبل الباحثين، وأن تتم مقاربتها في ضوء المستجدات الكوكبية الراهنة. وقد تفضل بالإشارة إلى أطروحة الأستاذ محمود محمد طه تلك، الدكتور سمير أمين في كتابه المتفردObsolescent Capitalism ، الذي سلفت الإشارة إليه، كما نوه بأطروحاته ألستاذ محمود محمد طه، أيضا، البروفيسر الأمريكي المعروف، كورنيل ويست في كتابه Democracy Matters.



    كما ذكرت في الحلقة السابقة أن بعض التقارير ذهبت لتقول إن ماليزيا دولة نجحت في استئصال الفقر!! وتلك لعمر الحق شهادة ضخمة، لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم. وعموما ليس ممكنا من الناحية العملية أن تخرج دولة ما، في بدايات أمرها، عن خط التنمية الرأسمالي. ولكن الرأسمالية نفسها طرائق قددا، ربما اقترب بعضها من ملامسة أفق الإشتراكية. فالدولة التي توسع في مظلة الضمان الإجتماعي، فترعى المتعطلين عن العمل، وتقوم بتأهيلهم، وتدريبهم، ومتابعة أمرهم حتى يحصلوا على وظائف، دولة تنفتح رأسماليتها على أفق إشتراكي. والدولة التي تقيم نظاما للتقاعد يحفظ للمتقاعدين كرامتهم حتى يغادروا الحياة، دولة تستلهم قيم الإشتراكية ونزعتها الإنسانية. والدولة التي تفتح فرص التعليم لأبنائها، وتيسره وتسهله، وتجعله في متناول الجميع، وتشجع عليه، دولة تستقبل قبلة إشتراكية أيضا. والدولة التي تقدم لعامليها تأمينا صحيا جيدا، وتوسع من تلك المظلة حتى تشمل غير القادرين على شراء بوليصات التأمين الصحي، وكذلك العاطلين عن العمل، دولة تفتح رأسماليتها على أفق إشتراكي. وقد نحت كثير من الدول الرأسمالية مناحى من هذا النوع، تقل هنا وتكثر هناك، فقطعت بذلك الطريق على المروجين للحركات الثورية الشيوعية، وللتطرف في الأخذ بالنهج الإشتراكي.



    الشاهد أن ماليزيا المحافظة، التي تحررت في عام 1958، لم تتعثر كثيرا عقب إستقلالها، كما تعثر الثوريون من التجريبيين الإعتباطيين الذين اعتلوا أسنمة نوق السلطة في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا. فقد قيض الله لماليزيا قادة مستنيرين، وحاذقين، وهادئين، عرفوا ما يريدون لشعبهم، فبنوا على بناء بعضهم بعضا. فكان اللاحق منهم يبني على ما أنجزه السابق، ويدفع به إلى آفاق أكثر رحابة. انشغلت ماليزيا بالتعليم الجيد المربوط بالإحتياجات الحقيقية للتنمية وللتحديث والتمدين. كما انشغلت بتطوير البنية الإقتصادية، ورفد إقتصادها ذي الطبيعة الزراعية أصلا بإنشاء بنية صناعية متقدمة. كما أن ماليزيا نأت بنفسها عن الإسراف في الأدلجة والإنغماس في متاهات الشعار الطنان والعنتريات ونزعات التحدي الصبيانية للقوى الكبرى. عملت ماليزيا في صمت وعرفت كيف تحمي أفقها التنموي، وأحلامها الوطنية، وترابها الوطني، من تعارك الكتلتين الكبيرتين عبر حقبة الحرب الباردة. ولذلك تمكنت من أن تحقق ما حققت من إنجاز تنموية باهرة.



    يقولون: "الفضل ما شهدت به الأعداء"! فحين وجدتني أسيرا لحالة طاغية من الإعجاب بما رأيته من انجازات ماليزيا الملفتة، آثرت حرصا على الحيدة، ونأيا عن الإندفاعات العاطفية المتحمسة غير المسنودة بالبراهين الإحصائية، أن أقرأ شيئا عما ورد عن ماليزيا في تقرير وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، المسمى "كتاب حقائق العالم"، CIA World Fact Book، ويحتوي هذا الكتاب على ملخصات إحصائية عن كل دولة من دول العالم. وهو كتاب منشور على شبكة "الإنترنت". وقد أيد ما وجدته في ذلك التقرير مجمل انطباعاتي.



    مما ورد في ذلك التقرير على سبيل المثال لا الحصر، أن سكان ماليزيا يبلغون أربعة وعشرين مليون نسمة. عشرة ملايين منهم يدخلون شبكة "الإنترنت"! فلو حذفنا عدد الأطفال، والطاعنين في السن ممن تعدوا الخامسة والخمسين، نجد أن كل أو معظم القوى العاملة في ماليزيا، مربوطة بشبكة الإنترنت! وهذه النسبة في استخدام الإنترنت ربما تقاصرت دونها بعض الدول الصناعية الكبرى. والإرتباط بشبكة الإنترنت أحد أهم مظاهر التقدم العلمي والإقتصادي، والتجاري، والثقافي أيضا. وهو أيضا مؤشر على إرتفاع متوسط الدخل الفردي وعلى اتساع شبكات الإتصالات ووصولها إلى المكاتب والبيوت وسائر المرافق عبر أجزاء القطر. فشبكة الإنترنت أصبحت اليوم الوعاء الحامل للمعاملات التي تتم على مستوى الكوكب كله. فهي وسيط يتزايد استخدامه كل يوم لقضاء المعاملات البنكية، والتجارية، والإدارية، بل والخدمية. وما تسمى بـ "الحكومة الإليكترونية" إنما تهدف إلى تسهيل وتسريع المعاملات المختلفة، مع تقليل التعامل التقليدي القائم على المكاتبات الورقية التي تتكدس بلا حساب يوما بعد يوم. فالتعامل الإليكتروني يقضي أيضا على مسلسلات التوقيعات الكثيرة، وغيرها من صور الروتين المكتبي البيروقراطي المعقد الذي يهدر الوقت. ولا غنى للحكومة الإلكترونية عن شبكة الإنترنت. الشاهد أن دخول عشرة ملايين فرد من ضمن أربعة وعشرين مليون يمثلون مجموع سكان ماليزيا، إلى شبكة الإنترنت، يمثل في حد ذاته شهادة لا تعادلها شهادة عن حال ماليزيا من التقدم، ومن الرفاه الإجتماعي.



    أيضا يقول التقرير، إن معدل البطالة في ماليزيا حسب تقارير عام 2005 يبلغ 3.6 % فقط!. ومعدل نسبة السكان التي تعيش تحت خط الفقر هي 8 % فقط! أما الأمية وسط الرجال فهي 8%، ووسط النساء 15% فقط. وترجع إحصائية الأمية هذه إلى عام 2002 ولا بد أن هذه النسب قد تغيرت نحو الأفضل اليوم. ويقول التقرير أيضا، إن المعدل المتوسط المتوقع لعمر الفرد من الذكور يبلغ حوالي 69 عاما ويبلغ وسط الإناث 72 عاما. وفي كل أولئك دلالة حقيقية على حال الدولة الماليزية من التقدم.



    ورد أيضا في التقرير أنه على الرغم من أن ماليزيا قد فصلت عملتها الوطنية الـ "رينغيت" عن الدولار الأمريكي، إلا أن سعر عملتها ظل ثابتا ولم يشهد غير تذبذب طفيف. أيضا ذكر التقرير أن ماليزيا كانت الدولة الأقل تأثرا بالهزة الإقتصادية التي ضربت النمور الآسيوية في نهايات تسعينات القرن المنصرم. وقد يكون من الأنسب أن أترجم هذه الفقرة مما أورده كتاب وكالة المخابرات الأمريكية، المشار إليه آنفا. فهي فقرة شديدة الدلالة على الحالة الصحية العالية للإقتصاد الماليزي. فقد جاء في ذيل ذلك التقرير: ((إنخفاض معدلات التضخم، ووجود معدل صحي من إحتياطي العملات الإجنبية، إضافة إلى ضآلة مقادير الديون الأجنبية، كلها عوامل تجعل من غير المتوقع أن تتعرض ماليزيا، في المدى المنظور، لأي أزمة إقتصادية كتلك التي حدثت عام 1997 ))!



    حرصت على إيراد بعض الإحصاءات ليكون حديثي مدعما بالأرقام وألا يعتمد حصرا على إنطباعات المشاهد. رغم أن المشاهدة ربما كفت وحدها في الإستدلال على حال البلد من التقدم، أو التأخر. فمظاهر التقدم لا تحتاج إلى إحصاءات. فالنقص في القدرة على ترويض البيئة الحضرية في منطقة الشرق العربي، والعجز عن نقلها من حالة الإستيحاش إلى حالة الإستيناس، يطالع العين منذ الوهلة الأولى. فالتقدم والتأخر أمران لا يمكن إخفاؤهما. وربما لا يحتاج التحقق منهما إلى أكثر من مجرد نظرة عابرة ماسحة.



    في معظم دول إفريقيا والشرق الوسط، بما في ذلك الدول النفطية، نسبية الغنى، يطالع العين نقص القدرة في الوصول إلى كل جوانب البيئة الحضرية. فأنقاض البناء المبعثرة هنا وهناك، وقبح الأبنية التجارية، وتنافر طابعها المعماري، وقبح المناطق الصناعية التي تتخلل المشهد، وانعدام نسق موحد لللافتات التجارية، ثم فوضى مواقف السيارات، كلها دلائل على نقص القدرة وعلى نقص المعرفة والخبرة لدى المخططين ولدى التنفيذيين من المهنيين بأطراف معادلة خلق المشهد الحضري المتماسك. ولا ننسى أيضا مسلك مستخدمي الطريق من راكبي المركبات والراجلين، ومبلغ انصياعهم أو عدمه لنظم السير، والتزامهم أو عدمه بأصول الاستخدام الصحيح للطريق. فهذه كلها مقاييس بواسطتها نقيس مبلغ تقدم أو تأخر المشهد الحضري. بل إن مثل هذه الظواهر لتتعدى قياس درجة تمدن المشهد الحضري لتدل على حال النظام التعليمي للبلد، ومبلغ وفائه بالجوانب التدريبية المتعلقة بالإنضباط الحضري في شتى تجلياته. فالتقدم لا يحدث إتفاقا، وإنما هو علم، وتخطيط، وتنفيذ، وتوعية، ومراقبة ومحاسبة. فالمتابعة المستمرة بغية تسديد الثغرات ومراجعة أوجه الأداء المختلفة هي صمام استدامة نماء المشهد الحضري.



    الشاهد أن انضباط المشهد الحضري هو أول ما يلفت النظر في ماليزيا. ولهذا الإنضباط جانبان: أحدهما يتعلق بجماليات شكل الشارع والمباني، والعلامات الإرشادية والتحذيرية، إضافة إلى التحكم في المساحات الخضراء، والآخر يتعلق بمسلك البشر المنتشرين في هذا المشهد. ويشمل ذلك أزياءهم، وانطباعهم على القانون، وتقيدهم بقواعد المسلك الحضري. فعبر المسافة الفاصلة بين المطار ووسط مدينة كوالالمبور، والتي تمتد لحوالي الخمسين كيلومترا، لا توجد أي مظاهر من مظاهر الإهمال أو قصور اليد في الوصول إلى كل أجزاء المشهد الحضري وضبطها وتنغيمها. فالمشهد جميعه يقول أن يد الإنسان تطال فيه كل جزئية. وهذا هو الفرق بين القدرة والعجز. فكل شيء في هذا المشهد مضبوط ومنغم في لحن واحد متسق.



    مثل سائر دول جنوبي شرقي آسيا، تتسم شوارع ماليزيا بكثرة مستخدمي الدراجات النارية "سكوترز". وظاهرة الدراجات النارية تحمل دلالة على حيوية الإقتصاد، وعلى الروح العملية وسط أفراد الشعب الذي يريد أن يصل إلى مواقع العمل بأقل التكاليف. وتتمتع العاصمة كوالا لمبور بنظام للمواصلات العامة بالغ الكفاءة. وهو مكون من شبكة ضخمة من البصات تربط كل أجزاء المدينة، ومن مترو أنفاق يربط أطراف المدينة. وتكاليف التنقل في ماليزيا زهيدة جدا. ومع ذلك يفضل قطاع من العاملين استخدام الدراجات النارية لكونها تمنح حرية أكبر في الحركة. غير أن للدراجات النارية عيب غير خاف وهو كونها شديدة التلويث للبيئة، فماكيناتها تعمل عن طريق حرق الزيت مع الوقود. وينطبق هذا على الركشات التي هي ظاهرة هندية انتقلت حديثا إلى شوارع الخرطوم. ولبداية النهضة الإقتصادية أحكامها. المهم هو أن تكون هناك خطط مرسومة لإصحاح البيئة كلما تقدمت حالة الإقتصاد، وتحسنت دخول الأفراد، وأصبحت الدولة والفرد قادرين ماليا على الإستثمار في جهود الإصحاح البيئي بخلق وسائل نقل جماعية كافية لا تستخدم الوقود المحروق.



    أما السيارات في ماليزيا فمعظمها سيارات صغيرة وهي تذكر بالأجيال الأولى من السيارات اليابانية التي ظهرت في عقد السبعينات من القرن الماضي. وهذا النوع من السيارات، وأشهرها سيارة "بروتون" يتم تصنيعها في ماليزيا، بموجب اتفاق مع إحدى الشركات اليابانية الكبيرة. وبذلك النهج ضمنت ماليزيا توفير سيارات تناسب دخول سكانها، وضمنت في نفس الوقت تدريب مواطنيها على صناعة السيارات، كما وسعت فرص العمالة لهم. ومن الملاحظ قلة السيارات الفخمة في شوارع كوالالمبور، خاصة السيارات الأوربية الصنع، من طراز مرسيديس، وبي أم دبليو، وأودي، وفولفو وغيرها من سيارات الفخامة المتوسطة. وقد استنتجت من كل ما تقدم أن الدولة ليست في خدمة الطبقات العليا لذوي الدخول المرتفعة، وإنما هي دولة مهتمة إهتماما أصيلا بعامة الشعب، وآية ذلك حرصها على صناعة سيارات تناسب دخول الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى. هذا إضافة إلى توفير نظام للنقل العام شديد الإتساع، بالغ الإنضباط، وزهيد التكلفة يستخدمه وبراحة كبيرة من لا يقدرون على شراء السيارات ومن لا يريدون إقتناءها أيا كانت أسبابهم.

    (يتواصل)

                  

12-03-2006, 02:37 AM

Dr.Elnour Hamad
<aDr.Elnour Hamad
تاريخ التسجيل: 03-19-2003
مجموع المشاركات: 634

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قد رأيت الناس في قلب الملايو! د. النور حمد (Re: Yasir Elsharif)


    شكرا الأخ ياسر لنقل المقال من سودانايل
    وشكرا لمن زاره وأخص بالشكر الإخوة:

    نصار الحاج
    منصور علي

    (عدل بواسطة Dr.Elnour Hamad on 12-03-2006, 02:38 AM)
    (عدل بواسطة Dr.Elnour Hamad on 12-03-2006, 02:54 AM)

                  

12-07-2006, 04:29 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50065

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قد رأيت الناس في قلب الملايو! د. النور حمد (Re: Yasir Elsharif)

    تسلم يا أخي النور..

    لقد استمتعت جدا بالوصف في الحلقة الثالثة.. وصف بديع!! كأنني أقف أو أجلس إلى جانبك وأنت تحكي.. "حلقت بنا الطائرة فوق المضيق الفاصل بين كتلتي اليابسة الإندونيسية والماليزية، ثم مالت يسارا نحو كتلة اليابسة الماليزية. ومررنا في هذه الإستدارة فوق ميناء كبير تغلب على مبانيه سقوف القرميد الأحمر، وتبدو عليه كثرة الحركة التجارية وحسن التنظيم.".. وقلت في سري: النور دا بكتب أثناء ما هو في الطائرة في مذكرات؟؟ أم أنه يكتب مثل ما يكتب الناس عندما يعود إلى البيت ويجلس إلى الأريكة؟؟ "شوفتا الأريكة دي كيف؟؟" .. يا زول ما نسحرك، عينا باردة.. بس قربت تلحق صديقنا عبد الله عثمان في التسفار والسياحة.. ما فضّل ليهو إلا جزيرة قوام.. بس ننتظرك هنا في ألمانيا حسب وعدك..
    تخريمة: غايتو لو مشيت السودان حتكون عندك انطباعات رهيبة عن الفوضى والبؤس البؤس البؤس.. سبحان الله!! الجماعة الحرامية ديل حافظين فلوسهم في ماليزيا!!
    ياسر


    Quote:
    [email protected]


    قد رأيت الناس في قلب الملايو! (3 من 5)

    د. النور حمد
    [email protected]

    بدأت رحلتي هذه إلى ماليزيا من مطار الدوحة بدولة قطر عند منتصف الليل، على متن طائرة الخطوط الجوية القطرية. علت الطائرة في الجو، ومع إندفاع الطائرة شرقا بدأ ساحل الدوحة المتلأليء بمصابيح الصوديوم الصفراء، ومن خلفه المدينة المضيئة، الشبيهة بشكل حدوة الحصان، تبتعد رويدا رويدا. وخلف الشط والمدينة الوضيئة كانت ترقد ظلمة الصحراء ممتدة حتى الجزء الآخر من لسان اليابسة القطري، قبالة جزيرة البحرين. وبعد قرابة الساعة من التحليق فوق اللسان المائي الفاصل بين ساحل قطر وساحل دولة الإمارات، كنا نطل من علو شاهق على دولة الإمارات. كانت المدن الإمارتية واضحة في الليل. فهذه هي أبو ظبي، وذلك هو الطريق السريع المضيء يشير إلى مدينة العين التي تتلألأ أضواؤها في البعيد. في تلك الليلة تمنيت أن يجيء اليوم الذي يبدو السودان من الجو في الليل، على ذلك النحو البديع.



    عبرت بنا الطائرة لسان اليابسة الإمارتي والعماني الذي ينتهي عند مضيق هرمز، وأصبحنا من ثم فوق بحر عمان، الذي أفضى بنا إلى عرض المحيط الهندي قبالة ساحل الهند الغربي. وبعد سويعات دخلنا المجال الجوي لشبه القارة الهندية. وكان ضوء النهار قد أدركنا ونحن فوق منتصف شبه القارة الهندية. ومعلوم أن السفر شرقا يختصر الساعات الفاصلة بين الليل والنهار. فبعد قرابة الثلاث ساعات من وقت الإقلاع، كانت هالة الصبح قد بدأت في الظهور فوق الأفق الشرقي، وأخذت، تزحف رويدا رويدا نحو كبد السماء المعتم. لاحظت من التمثيل الإليكتروني لمسار الرحلة المبثوث على شاشات العرض بالطائرة، أن عبور شبه القارة الهندية قد كان من جهة الشمال الغربي، إلى جهة الجنوب الشرقي. وبعد بضع ساعات خلفنا وراءنا اليابسة في شبه القارة الهندية، وأصبحنا فوق خليج البنغال الشاسع الذي بعبوره انتهينا إلى مقدمة جزيرة سومطرة الإندونيسية، وساحل ماليزيا المراقد لها، في جهة الشمال الشرقي.



    عند الواحدة ظهرا بتوقيت شرقي خليج البنغال بدأت الطائرة في الهبوط التدريجي نحو العاصمة كوالالمبور. بين جزيرة سومطرة وشبه الجزيرة الماليزية يرقد مضيق مالاكا الذي يمتد من جهة الشمال الغربي إلى جهة الجنوب الشرقي، حيث تقع عند نهايته جزيرة سينغافورة. حلقت بنا الطائرة فوق المضيق الفاصل بين كتلتي اليابسة الإندونيسية والماليزية، ثم مالت يسارا نحو كتلة اليابسة الماليزية. ومررنا في هذه الإستدارة فوق ميناء كبير تغلب على مبانيه سقوف القرميد الأحمر، وتبدو عليه كثرة الحركة التجارية وحسن التنظيم. وحزرت أن ذلك الميناء هو ميناء مالاكا، وهو ميناء ذو تاريخ عريق وقد لعب دورا هاما في تسرب الإسلام إلى بلاد الملايو. وبعد دقائق أخرى مالت الطائرة يسارا مرة أخرى، وأصبحت تسير في اتجاه الشمال وهي تقترب كثيرا نحو الأرض، استعدادا للهبوط في مطار كوالالمبور. ومع الإنخفاض المستمر، بدأت غابات أشجار نخيل الزيت الداكنة الخضرة أكثر وضوحا. وبدأت ماليزيا من ذلك الإرتفاع المنخفض غابة استوائية واحدة ذات ظلال زرق، كما وصفها تاج السر الحسن.



    كان المطار هو فاتح دهشتي وشهيتي للوليمة البصرية التي كانت تنتظرني. فهو مطار بالغ الحداثة. تتوسط صالاته التي تقاطع بعضها بعضا، أدغال أستوائية بديعة، أحاط بها الزجاج من كل جانب، أما سقوفها فمفتوحة على السماء من أعلى. ويمتاز المطار بسقف مرتفع جدا يملأ من بداخله بالإحساس بالجلال والفخامة. كما أن وجود الأدغال الاستوائية خلف الزجاج في تقاطعات الصالات جعل الصالات وكأنها أحاطت بالطبيعة، من غير أن تمسسها. ويشبه مطار كوالالمبور المطارات الأمريكية التي لا تقيد النظر، والتي تتميز بأنها تعطي إحساسا بالسعة والراحة. وفي تقديري أن فخامة وعملية التصميمات المعمارية الأمريكية تتجلى كثيرا في المطارات الفسيحة المريحة، التي تنعم أغلب أجزائها بضوء النهار، وتجعل العين على صلة مستمرة بالخارج. فالمطار الأمريكي لا يكتم أنفاسك، ولايقيد نظرك، ولا تحس فيه بشدة الإزدحام، ولا تحس فيه بأنك محبوس ومحاط بك. وتلك خصائص مهمة في الإحساس بالطمأنينة وبالراحة النفسية.



    وكما يرشد المطار الأمريكي عن نفسه بنفسه بكفاءة عالية، كذلك كان مطار كوالالمبور. كل شيء فيه سهل وواضح، ولا يحتاج القادم إليه إلى إرشاد. وفي كل تلك السماء تقليد ماليزي متقن لإبداعات المصممين الأمريكيين الذين لا يتركون شيئا للصدفة أو لإجتهاد المستخدم. فهم يكثرون من العلامات الإرشادية، ويحرصون على تثبيتها حيث لا تخطئها عين المستخدم. كما يحرصون على أن تكون متتابعة فلا تختفي عن العين أبدا. كما أنهم يختارون حجم الحروف ونوع الخط حتى تصبح قراءاته سهلة من على البعد. وهم قد طوروا كل ذلك وفق دراسات متأنية تمخضت عن نظام متكامل متجانس لا يتغير، جعل أي جزء من أمريكا يمثل كل أمريكا، وفي كل شيء.



    ومع تجويد الأمريكيين للتصميم وإخضاعه للدراسات والإستبيانات، قبل تنفيذه، فهم مع ذلك يرقبون بقلق اللحظة التي يتجاوز فيها الواقع صلاحية التصميم. ومما يميز الأمريكيين كونهم لا يتعايشون مع المشاكل حين تبين لهم. فهم دائما في بحث عن حلول لجعل كل شيء يعمل على أفضل شكل ممكن. وهم يقدرون الملاحظة الناقدة، ويسعون إليها، ويأخذون بها، ولا يستنكف متخصصوهم، وما أكثر متخصصيهم، من أن يأخذوا برأي الجمهور فيما يخصه، ومن ذلك المطارات، وسائر المرافق العامة. ومن يعيش في أمريكا فترة من الوقت ويتنقل عبر مطاراتها يرى، حتى حين يزور أوروبا الغربية ـ على جلال قدرها ـ مقدار البون الشاسع بين طرفي الحضارة الغربية شرقي وغربي الأطلسي.



    أجدني أسرفت في التغزل في النموذج الأمريكي، وأنا الذي جئت لأتحدث عن ماليزيا!! غير أني أطمع في أن يعذرني القارئ الكريم بسبب القرينة الدالة على استيعاب الماليزيين لفضائل التصميمات الأمريكية وتمثلها في كل تفاصيلها. والحضارة تنقل عن طريق دراستها بدقة ومحاكاتها، ثم إخضاعها للظرف المحلي بغية توطينها، إن لزم الأمر. ويبدو أن هذا هو ما فعله الماليزيون. وهو ما يفعله الصينيون اليوم، ويدهشون به الأمريكيين أصحاب التجربة الأصليين. ولا عيب في النقل، وكما قال السهروردي المقتول: ((فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم، إن التشبه بالكرام فلاح)).



    الشاهد أن مطار كوالا لمبور مطار مدهش. والمطار هو عنوان البلد، وهو خلاصة مركزة يمكن أن يقرأ منها الزائر حال البلد التي هو مقدم عليها. يمكن للزائر أن يقرأ مبلغ ما ينتظره من راحة أو من متاعب من مجرد نظرة بسيطة عجلى إلى حال المطار، وإلى طريقة تعامل موظفيه مع القادمين من الزوار، ومن أهل البلد نفسه. وقد قرأت مما رأيته في مطار كوالا لمبور، أنني لن أواجه متاعب تذكر في ذلك البلد، ولم يخب حدسي.



    حين خرجنا من الطائرة عبر الممر الذي يصل الطائرة بالصالة وجدنا أنفسنا في صالة ضخمة فسيحة حسنة الإضاءة، حسنة التهوية. سرنا قليلا وعرفنا من اللوحات الإرشادية أن الوصول إلى موظفي الجوازات يقتضي ركوب قطار كهربائي سريع. صعدنا إلى القطار الكهربائي، وهو قطار بلا سائق، يحدثك بموقعك من الإعراب في كل نقطة من نقاط الرحلة. وفي لحظات كنا في منطقة الجوازات. سار كل شيء في هدوء، وحين جئنا إلى سيور الأمتعة أدهشتني كثرة السيور، وسعة المنطقة التي تخرج إليها الأمتعة، وكذلك سرعة وصول الأمتعة. فمنطقة استلام الأمتعة لا تقل عن مساحة ميدانين لكرة القدم، وهي ملأى بالسيور المتوازية. وعلى كل سير منفصل توجد لوحة مضيئة تعلن عن إسم شركة الطيران الواصلة ورقم السفرية. وعموما فإن سعة المطار وحسن تنظيمه تقولان إن هذا المطار مجهز لاستقبال عدد من طائرات الجامبو الضخمة، دفعة واحدة، من غير أن يعاني من الإرتباك، والتكدس، والإحتقان، والفوضى. ولعلهم مستعدون لإستقبال طائرة آيربص 380 الجديدة التي تنقل ما يعادل سكان قرية صغيرة.



    أيضا، لم يفتش أحدهم أمتعتنا، على الأقل لم نر ذلك! فلربما يكونون قد اكتفوا بتمريرها على أجهزة الكشف الشعاعية، في منطقة ما بين الطائرة والصالة، وربما لا. الشاهد، أننا لم نر أحدا يمرر أمتعتنا من خلال جهاز شعاعي. وفي ذلك احترام وحساسية مطلوبة تجاه مشاعر الضيف. فكأنهم أرادوا بذلك أن يقولوا للقادم إنك غير متهم، وغير مشكوك في نواياك. حملنا أمتعتنا من السير وتوجهنا إلى خارج المطار دون أن يسألنا أحد. ويبدو أن هذه السهولة واليسر في الإستقبال، إلى جانب أمور أخرى كثيرة، هي التي جعلت ماليزيا تستقبل عشرين مليون سائحا كل عام. وقد عرفت هذا الرقم من حديث لوزير ماليزي كان يخاطب إجتماعا لتنظيم سائقي عربات الأجرة، حثهم فيه على تعلم اللغات الأجنبية وتيسير أمور السياح، والإبتعاد عن استغلالهم عن طريق استهدافهم برفع سعر الأجرة.



    الشاهد، أن من يتشدد ويجنح للسيطرة والوسوسة الأمنية، وسوء الظن بالقادمين، على قلة نسبة المجرمين، يخسر. ومن ييسر الأمور، ويثق في خلق الله، وفي غلبة الخير على الشر، يكسب. فبحساب بسيط مبني على تقدير متواضع جدا يمككنا القول: لو أنفق كل شخص زار ماليزيا ما يعادل الألف دولار أمريكي فقط، وهذا تقدير بالغ التواضع، فإن دخل ماليزيا من السياحة يكون عشرين مليارا من الدولارات في العام الواحد! ولنا أن نتصور تبعا لذلك حجم العمالة المحلية التي يستوعبها تقديم الخدمات لعشرين مليون سائح يأتون كل عام، وينفقون مثل هذا المبلغ الضخم! وقس على ذلك! الشاهد أن الحضور الطاغي للثقافة الإسلامية في ماليزيا لم يدفع بالحكومة الماليزية العاقلة أن تفرض على السياح حين يفدون إلى ماليزيا، التخلي عن أسلوب حياتهم، وطريقة عيشهم التي ألفوها في بلادهم. وقدوم عشرين مليون سائحا في العام، يدل في حد ذاته على ضخامة واتساع البنية التحتية لصناعة السياحة في ماليزيا. فهي بنية قادرة على أن تستوعب هذا الرقم الضخم من القادمين، دون أن ينوء به كاهلها، وتلك في حد ذاتها أعجوبة تنموية!



    أيضا من شواهد تقدم ماليزيا أن الحجز بالفنادق فيها يمكن أن يتم مسبقا عن طريق الإنترنت، باستخدام بطاقات الإئتمان Credit Cards. فباستخدام محرك البحث "قوقل" مثلا، يمكن للقادم إلى ماليزيا أن يستخدم وسائط الحجز العالمية مثل أوربتز، وهوتيل دوت كوم، وترافيلوستي، وغيرها من وسائط الحجز العالمية. ويمكن للزائر أن يتعرف قبل قدومه بوقت كاف، على تفاصيل عشرات، بل ومئات الفنادق في مدينة كوالالمبور، وحدها. كما يمكنه قراءة درجة الفندق وتصنيفه إضافة إلى تقارير النزلاء عن كل واحد منها. أيضا يمكن التعرف عن طريق الخريطة عن موقع الفندق في المدينة وقربه أو بعده عن المعالم المهمة في المدينة، وكذلك قرب الفندق أو بعده عن خطوط المواصلات الرئيسية، وما إلى ذلك. فخريطة كوالمبور يمكن تنزيلها من الإنترنت، وهي خريطة مفصلة توضح كل معالم المدينة، ومواقع الفنادق، ومستوياتها. وهذه كلها تشير إلى بنية اقتصادية متقدمة متكاملة ومربوطة بعناية بمخزن المعلومات الكوكبية في شبكة الإنترنت. ولا عجب إذن أن أصبحت ماليزيا مقصودة سياحيا بهذا القدر.



    (نواصل)
                  

12-11-2006, 04:17 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50065

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قد رأيت الناس في قلب الملايو! د. النور حمد (Re: Yasir Elsharif)

    Quote:

    قد رأيت الناس في قلب الملايو (4 من 5)

    د. النور حمد
    [email protected]

    بنهاية الحرب الباردة وبروز حالة القطب الواحد على الساحة الدولية، أصبح العالم أكثر ضيقا، وأكثر وحشة وإخافة مما كان عليه في السابق. فبسقوط الشيوعية، على بؤس تجربتها في كل من روسيا والصين، تبخر الأمل في عالم أكثر إنسانية. كما تضاءلت وضمرت وانزوت آداب وفنون ثرة سبق أن نبتت وأزهرت على أديم تربة الحلم الإشتراكي الكبير. كان لتلك الآداب والفنون أبلغ الأثر في تشكيل وجدان ووعي الكثيرين، وقد مثلت في الإطار التاريخي الذي احتلته فرجة انسرب منها نور الأمل في قلوب مئات الملايين من بني البشر. غير أن الأمور لم تسر وفق توقعات دعاة الإشتراكية وأنصارهم في مختلف بقاع الأرض، وأصبحت الرأسمالية بين عشية وضحاها، خيار الجميع، الذي لا مندوحة منه. يستوي في ذلك من يحبونها، ومن يكرهونها.



    الشاهد أن تجربة ماليزيا التي لمستها من خلال المشاهدة، ومن خلال تحليل دلالات المشاهدة، أنعشت في داخلي بعضا من رواقد الآمال بإمكان وجود تجربة رأسمالية أقل إرهاقا لكاهل الأفراد، وأقل مصادرة لإنسانيتهم، وأكثر أخذا بأيدي عامة الناس. والأخذ بأيدي عامة الناس هو الشيء المفقود في عالم اليوم، وهو في ذات الوقت المطلوب اليوم. فالخلق عيال الله، أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله. وقد كان المأمول، ولايزال، عند أولي الألباب، ألا ينسد باب الأمل. ولو انسد باب الأمل، يوما، لأصبح باطن الأرض، أفضل لبني البشر، من ظاهرها. فالرأسمالية في صورتها الخام لا تصلح للمستقبل. بل هي لم تصلح للحاضر في المقام الأول. غير أن الأمل لا يزال قائما في هزيمتها ولكن عن طريق تخفيف غلوائها بالإصلاح الوئيد، بعد أن وضح فشل منهج التثوير الذي شابته الغوغائية أينما حدث.



    تخلق الرأسمالية التفاوت الطبقي، وتحرص على تكريسه وتكريس ما ينتج عنه من تباعد بين بني البشر. وهي بذلك الوصف إنما تخلق إحتقانا منذرا بالشر، لكونها تثير وتعمق مشاعر الغبن والضغينة. ولا أدري على وجه اليقين ما إذا كانت ماليزيا دولة تحرص بالفعل على تقليل الفوارق الطبقية، وتحرص على الأخذ بأيدي سواد شعبها، أم أنني رأيتها كذلك لكوني مجرد غريق يائس يتشبث بزبد طاف فوق وجه الماء، ظنا أن في الإمساك به إمكانية للنجاة. ومع ذلك فإن إحساسي مما رأيت في ماليزيا وما لمست، يعضد الاقتراح بأن تجربتها جديرة بالدراسة، وجديرة بالإستلهام.



    الفندق الذي نزلت فيه يقع في المنطقة التجارية بوسط المدينة، ولا تفصل بينه وبين أبراج بتروناس سوى محطة واحدة. ولذلك فقد كنت أذهب إلى الأبراج راجلا، ولا يستغرقني ذلك أكثر من عشر دقائق. وأبراج بتروناس تحفة معمارية فريدة. وقد أصبحت مزارا للسياح من جميع أنحاء العالم. فهي قد مثلت حتى وقت قريب جدا، أعلى مبنى في العالم كله. كما أنها تميزت بتصميم معماري فريد. فهي مكونة من برجين توأمين لهما قوام دائري رشيق منسحب نحو الأعالي في هيئة مخروطين. والبرجان يصوبان قامتيهما الفارعتين نحو كبد السماء مهيمنين على فضاء المدينة. ولم ينس مصممو هذه الأبراج، رغم حداثتها وعصرانيتها، أن يضفوا عليها روحا مستلا من معمار شرق آسيا التقليدي. وقد أصبحت أبراج بتروناس أيقونة ماليزية دالة على جوهر المعاني المندغمة في كل ما مثلته نهضة تلك الديار. كما أصبحت قلبا نابضا بدلالات مدينة كوالالمبور، لا يقل في أهميته الحسية والمعنوية عن دلالات مبنى الأكروبول بالنسبة لأثينا القديمة، أو أهرام الجيزة لطيبة القديمة، أو الحدائق المعلقة لبابل القديمة.



    بالرغم من الموقع المتميز للفندق الذي نزلت به، في وسط المدينة، وبالرغم من فخامته وتصنيفه العالي، إلا أن سعر الإقامة فيه كان أقل من سعر الإقامة في موتيل أمريكي بالغ التواضع، مما لا يصل تصنيف درجته إلى نجمتين! من نوافذ الفندق في الأدوار العليا يطل المرء على بانوراما مشهد المدينة الرائع، وهو مشهد تمتد فيه العمائر البيضاء فوق التلال المتباعدة، الغارقة في لجة من الخضرة الإستوائية الداكنة. ويمكن للرائي من ذلك الإرتفاع أن يرى شبكة الشوارع الحديثة المكتظة بالمركبات التي تتدفق فوقها، ليل نهار. فحركة المرور في كوالالمبور حركة حاشدة بلا كبير إختلاف يذكر في كثافتها، بين ساعات الليل وساعات النهار.



    المدينة في عمومها غابة إستوائية، عالية الأشجار، داكنة الخضرة. وتتميز مبانيها التي يبتلعها ذلك الدغل الإستوائي الممتد نحو حافة الأفق مثل بحر لجي، بسقوف القرميد الأحمر، التي أضفت على المدينة طابعا متميزا ربط بين روح الشرق وشيئا من سمات المعمار الإسلامي الأندلسي. كما تميزت كوالالمبور بشمول الرصف. وقد رأيت ذلك في كل المواقع التي زرتها منها. وقد تفاوتت الأماكن التي زرتها بين مناطق شديدة الإزدهار مثل مركز المدينة، وبين مناطق تطغى عليها ملامح الحياة الشعبية. ومع الاختلاف بين مركز المدينة التجاري وأطرافها إلا أنه لا ترهل في المدينة. فقد بدت لي كُلاًّ حضاريا متماسكا، شأنها شأن المدن الغربية التي تحتفظ أحياؤها الشعبية بحد أدنى من المظهر الحضاري، والإنضباط الحضاري.



    كل شيء في كوالالمبور يبدو في مكانه الصحيح، مما يدل على سلطة القانون وهيبته وسلطة وهيبة الإدارة البلدية. الشاهد أن الرصف في كوالالمبور يمتد من الجدار إلى الجدار، فلا تراب ولا غبار. ومواقف السيارات منظمة ومخططة بشكل جيد، والناس ملتزمون بقواعد المرور، وقواعد الوقوف، وقواعد عبور الطريق. أما محطات المترو فهي تضارع أحدث محطات المترو في المدن الغربية، وربما تميزت على بعض رصيفاتها الغربية بالنظافة. والنقل الجماعي في كوالالمبور ذو كفاءة عالية وذو تكلفة زهيدة جدا، خاصة إذا اشترى المستخدم تذاكر المترو للإستخدام طويل المدى. وكفاءة النقل الجماعي هو ما ميز رأسمالية غرب أوروبا التي انفتحت على التأثيرات الإشتراكية على الرأسمالية الأمريكية المصمتة التي شجعت اقتناء المركبات الخاصة، فخلقت نمطا من الإستهلاك، ومن الإضرار بالبيئة، لا ضريب لهما.



    مظهر الناس في الشوارع يدل على عموم ستر الحال، وعلى انتشار التعليم، وعلى اتساع سوق العمل، وشيوع الدخل المناسب. ويدل على كل ذلك قلة الناس المشتغلين بالأعمال الهامشية، وندرة المتسولين. فالناس نظيفون ومهندمون في غالب حالهم، ولا توجد مظاهر للفقر الشديد. أما النساء فخليط من الأزياء. فمن ينتمين منهن للعرقية الصينية يلبسن البلوزات مع التنورات أوبنطلونات الجنيز، كما يرسلن شعورهن. أما المنتميات إلى العرقية الهندية فيظهر بعضهن في الساري، وغيره من أشكال الزي الهندي، كالسروال والقميص الطويل، وبعضهن يظهر في الأزياء الإفرنجية. أما الملايويات فغالبيتهن يلبسن التنورات والبنطلونات وفوقها القمصان أو البلوزات. غير أن أكثيرية الملايويات يرتدين أغطية الرؤوس كما في بعض مناطق الشرق الأوسط. ولا يدل الحجاب في ماليزيا على التزمت بقدر ما يدل على الإنتماء الديني والهوية الثقافية. والناس عموما محافظون ومهذبون وودودون. والمرأة موجود في كل مكان، بل أن وجودها يبدو أكثر من وجود الرجل في الأماكن العامة. ويبدو أن للمراة الملايوية حضورا متميزا نوعا ما، ربما ترجع أسبابه لوضعية المرأة في ثقافتهم. والملايويون يحيطون الغريب بالاهتمام، وتلك في غالب الحال خلة شرقية ربما رسختها التعاليم الإسلامية.



    يقف برج الفندق منتصبا فوق قاعدة عريضة مكونة من ثلاث طوابق تمثل مركزا تجاريا كبيرا. ويقع بهو الفندق ضمن صالات وممرات المركز التجاري. الطريف أن الطابق الأسفل من المبنى تحتل غالبيته مطاعم شعبية صغيرة يرتادها الموظفون والموظفات ساعة الغداء. وهي تقدم أطباقا من مختلف بلدان آسيا وبأسعار زهيدة جدا تناسب صغار الموظفين. في حين تحتل الطابقين الأعلى، حيث بهو الفندق، مطاعم أفخم وأغلى. وهو غلاء نسبي لا يصل درجة الغلاء في غالبية المدن العالمية الكبرى. الشاهد أن انخفاض الأسعار في ماليزيا أمر ملفت للنظر. وقد يفهم المرء غلاء أماكن مثل لندن ونيويورك، على التفاوت بينهما. ولكن من الصعوبة بمكان أن يفهم المرء غلاء مدن مثل الخرطوم، والقاهرة، وبيروت وغيرها من المدن العربية التي أصبحت تضارع، وربما تتفوق أحيانا على المدن الغربية في الغلاء! فعلى سبيل المثال لا يفهم المرء كيف يصبح ثمن قطعة أرض خالية في واحد من أحياء الخرطوم أكثر من سعر بيت مكتمل في مدينة أمريكية متوسطة الحال! هذا مع فارق مستوى الدخل الفردي، وفارق مستوى الحياة، ومستوى الخدمات بين القطرين! وكيف يكون سعر الوقود في السودان، وهو دولة منتجة للنفط، يضارع سعره في أمريكا وهي دولة مستوردة للنفط في غالب حالها، مع كل الفوارق المذكورة أعلاه.



    يبدو لي أن الغلاء والرخص أمران مرتبطان بسياسات الدولة وتوجهاتها، أكثر من ارتباطهما بحرية السوق الطبيعية. وربما يكونان مرتبطين أيضا بفساد المسؤولين، الذين يصبحون بحكم مواقعهم، وبحكم السلطات التي يتمتعون بها، جزءا من حلقات السمسرة في البلد، وجزءا من حلقات السوق العالمية. فربما يكون سبب الغلاء غير المتناسب مع حال البلد هو إرتباط النخب المتنفذة في البلد بقوى الرأسمال الدولية والنزعة المغالية في تحقيق الأرباح، التي أصبحت ظاهرة كوكبية ملحوظة في الآونة الأخيرة. بل وأصبحت واحدة من نذر العولمة التي أصبحت تنشر النسخة الأمريكية من الرأسمالية بسرعة البرق، وتحيل من ثم حياة سكان أرياف العالم إلى جحيم لا يطاق. فما يلفت النظر في ماليزيا هو أن الدولة مشغولة فيما يبدو بأن تفتح للقطاع العريض من السكان مسارب عديدة إلى ثروة البلد، وذلك حسب طاقة كل فرد من حيث التأهيل والتدريب. هذا مع العمل الدؤوب من جانب الدولة على زيادة طاقة الأفراد وزيادة تأهيلهم عن طريق التعليم والتدريب الجيدين.



    نعم هناك تفاوت في دخول الأفراد في ماليزيا، شأن كل بلد رأسمالي. ولكنه تفاوت من النوع الذي لا يخلق غبنا وحنقا يهددان السلام والأمن الإجتماعيين. فهو فيما يبدو تفاوت معتدل ومفتوح على إمكانية الحراك، وإمكانية أن يغير المرء بجهده وجهد الدولة مجتمعين موقعه من سلم الدخل الفردي، وسلم المكانة الإجتماعية. فحتى الذين يعيشون في أسفل سلم الرواتب في ماليزيا، إنما يعيشون حياة كريمة. وهذا في تقديري مقياس نجاح الدولة، ومقياس إلتزامها بوظيفتها الطبيعية التي تتلخص في إزالة مواطن الإحتقان في البنية الإجتماعية التي يتسبب فيها إيثار الصفوة أنفسهم بالمداخل إلى كنوز الثروات في البلد، واستخدام التقنين والتشريع والإجراءات الإدارية لحجب عامة الجمهور عنها، وخلق مبررات زائفة لإقصاء وتهميش السواد الأعظم.



    للنجاح الماليزي الباهر، فيما لمست، شقان: شق ارتبط بقيادة واعية ومعتدلة وصادقة في توجهها في خدمة شعبها. وقد عملت هذه القيادة على رسم خطط إقتصادية للنمو السريع أتت أكلها في وقت وجيز. ولم يكن لتلك الخطط أن تؤتي أكلها لولا الإستقرا السياسي الذي نتج عن الإعتدال وعن النزعة العملية وتجنب تضييع وقت الناس وتشتيت جهدهم وتتويههم في ثنايا الخطاب الساسيي المؤدلج الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وأعني هنا الخطاب الطنان المفتون بمصارعة القوى الكبرى بتدبيج الألفاظ، لا بالعمل. أما الشق الثاني: فهو قصد الدولة الأصيل والنبيل للنهوض بعامة الناس. الأمر الذي وفر فرص العيش الكريم لكل ماليزي وماليزية، وجعل من ماليزيا مزارا تهوي إليه أفئدة كثير من بني البشر.

    يتواصل


                  

12-11-2006, 09:25 AM

Abu Eltayeb

تاريخ التسجيل: 06-01-2003
مجموع المشاركات: 2200

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قد رأيت الناس في قلب الملايو! د. النور حمد (Re: Yasir Elsharif)

    فوق الفوق ,
    وبلا أى تعليق !
    ولا قول لدى فوق
    أقوالكم ......
    الأجلاء النور حمد,
    وياسر الشريف وجميع الإخوه ,
    ألف تحيه ليكم .
    مامون
                  

12-12-2006, 12:39 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50065

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قد رأيت الناس في قلب الملايو! د. النور حمد (Re: Yasir Elsharif)

    سلامات يا مامون.. شكرا على المرور..



    Quote: قد رأيت الناس في قلب الملايو (5 من 5)

    د. النور حمد
    [email protected]

    بنموذجها الذي تخطى المشكلات الهيكلية التي تعانى منها أغلبية الدول النامية، تطرح الدولة الماليزية، التي يغلب على سكانها المسلمون الناطقين بغير العربية، تحديا للدول الإسلامية التي يغلب على سكانها النطق بالعربية. ويشمل هذا التحدي كل الدول العربية، ما ارتبط إسمها بالثروة، مثل دول الخليج النفطية، وما لم يرتبط إسمها بالثروة، من تلك التي تحقق دخولا سنوية أقل، معتمدة على إقتصاد شحيح متنوع المصادر، تقابله كثافة سكانية عالية نسبيا. وعموما، فإن الثراء العربي المزعوم ثراء نسبي. فالتقرير الذي أصدرته إحدى المنظمات الدولية، قبل فترة قصيرة، يقول إن الناتج القومي لكل الدول العربية مجتمعة، بما في ذلك الدول النفطية، أقل من الناتج القومي لأسبانيا وحدها. مع ملاحظة أن أسبانيا تعد واحدة من دول أوروبا الغربية الأفقر نسبيا!



    التحدي الذي تطرحه ماليزيا على الدول العربية لا ينحصر في كونها دولة وفرت العمالة لحوالي 97% من سكانها، وبلغت من الإنجاز حدا وصفتها معه بعض التقارير بكونها دولة نجحت في استئصال الفقر. وإنما يتعدى ذلك بكثير. خاصة إن نحن استصحبنا ما حققته ماليزيا من إنجاز مذهل في محو الأمية، وفي إنشاء قاعدة عريضة لتعليم حديث، أهلها لكي تصبح دولة ذات بنية صناعية متقدمة أغرت كبرى الشركات من دول الإقليم الصناعية مثل اليابان، وغيرها من الدول الصناعية الأخرى، التي تبحث عن عمالة أرخص نسبيا، أن تنقل تصنيع بعض منتوجاتها للشركات الماليزية وللعامل الماليزي. فبفضل المهارة، ونظم العمل الحديثة المرتبطة بالمنظومة الغربية، إضافة إلى أخلاقيات العمل، والإنضباط الشديد جذبت ماليزيا الصناعات الجنبية، خاصة صناعة الإلكترونيات. يضاف إلى ذلك حالة الإستقرار السياسي المستدام الذي هو مفتاح النمو كما نوه بذلك كثيرا الدكتور مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا السابقوأحد مهندسي النهضة الماليزية الحديثة. والتعليم الجيد أصبح في حد ذاته ثروة قومية تجلب العمل إلى البلدان، كما هو ظاهر في تجربة الهند وعديد دول شرق آسيا. فبعد ظهور شبكة الإنترنت، شرعت الشركات الغربية التي تبحث عن عمالة أرخص، في تصدير العمل إلى الدول التي تسمح بنيتها التحتية التقنية ونظام تعليمها باستقبال فرص العمل المهاجرة بحثا عن الأرخص.



    أيضا يتمثل تحدي ماليزيا للدول العربية في ما أنجزته في مشوار التحديث والتكامل مع الحالة الكوكبية الراهنة، ومجمل قضايا الإرتباط بنبض العصر. فماليزيا دولة إسلامية محافظة، ولكنها دولة معتدلة، لا تمارس ذلك النوع من التزمت، أو الإرتباك تجاه الزائر الأجنبي، مما يجعله يحس بالإختناق، لحظة الوصول. كما يتمثل تحدي ماليزيا للدول العربية أيضا، في نجاحها الباهر في خلق حياة حضرية حديثة مضطردة الإتساع، يقل فيها التباين كل يوم بين المدينة والريف. هذا إضافة إلى تحويل ماليزيا إلى إسم محبوب لقطر مستقر، بديع القسمات، بلغ من الحسن حد اجتذاب عشرين مليون سائحا كل عام!

    ليس بخاف فتون مروجي مشروع الدولة الدينية في الشرق الأوسط بالدولة الماليزية. فهم كثيرو الحديث عنها، كثيرو الزيارات لها، وكثيرو تبادل المنافع معها، كما في حالة السودان، على سبيل المثال. فقد عاشت كثير من كوادر إسلاميي السودان في ماليزيا. بل ولا يزال بعضها يعيش هناك. والفتون بماليزيا، من أيٍ جهة جاء، فهو فتون في محله. فماليزيا دولة ترمز إلى الكثير في عالم يبحث الناس فيه عن رأسمالية إنسانية السمات، منفتحة على أفق الحلم الإشتراكي المضيع. غير أن قومنا في السودان، رغم فتونهم بماليزيا، لم يبد منهم ما يدل على أنهم قد درسوا نموذجها بعناية كافية، ليتمثلوه كما ينبغي. فهم قد فتنوا بها، كمنجز جاهز، تشكل الهوية الإسلامية عنصرا مهما فيه. غير أنهم تنكبوا جادة نموذجها، فيما يتعلق بتحقيق الإنفراج السياسي، والإستقرار السياسي، والتعايش السلمي الإثني، ومس حياة أغلبية المواطنين باتساع الفرص، وانفتاح الأبواب للنمو الفردي، إقتصاديا ووجدانيا، وللإزدهار الأسري المتسع. فالذي طبقه أهل الإنقاذ، في السودان، حتى هذه اللحظة، شيء مختلف.



    استهدفت ماليزيا القطاع الأوسع من شعبها، بالتعليم الممتاز الذي يأخذ بافضل ما في النموذج الغربي. ثم زادوا على ذلك بخلق قاعدة للتوظيف الواسع، واتاحة فرص العيش الكريم للقطاع الأكبر، مستهدفين رفع أحوال الشرائح الدنيا. واستهدف أهل الإنقاذ ـ فيما ظهر لنا من تجربتهم ـ ذواتهم، وذويهم، ومحاسيبهم، وسائر إخوتهم في مركب "التمكين"! فأثاروا الضغائن وانعزلوا عن هموم عامة الناس وتطلعاتهم، حتى أضحوا مثارا للتندر وسط عامة الناس. وها قد مضت على عهد الإنقاذ سبعة عشر عاما، وكل الشواهد تقول، إن ما يحدث من تغيير ومن تحسين أمر لا يزال يخص القلة، وليس فيه لسواد الناس كبير حظ.



    لايحتاج النمو الإقتصادي إلى دليل، اللهم إلا إذ احتاج النهار إلى دليل. فتضخم العاصمة السودانية بالشكل التي هي عليه الآن، ونزوح أهل المدن الكبيرة القريبة مثل ود مدني، وعطبرة، وكوستي، وغيرها إليها تمثل دليلا قويا على إستمرار تدهور أحوال الريف وبوتائر أكثر إفزاعا مما مضى. وكأني بنا نعود إلى التاريخ إرتدادا نحو صورة "الدولة المدينة" City State ، التي لا يهتم فيها الملك بما هو خارج الحصن، إلا بوصفه فضاء لفرض القنانة وجلب الإتاوات، وبلا نصيب يذكر في الثروة والأمن لمن هم خارج الحصن.



    بدأت الهجرة من الريف إلى المدينة بصورة مكثفة في عهد الرئيس الأسبق، جعفر نميري. غير أن تلك الهجرة أخذت أكثر أبعادها مأساوية في عهد الإنقاذ الحالي. فقد أسهمت الإضطرابات السياسية الواسعة والتي لا شبيه لها في تاريخ السودان الحديث، في تزايد وتائر النزوح. وأصبحت الخرطوم جاذبة أكثر، رغم جحيم حياتها المرهقة. فقد دفع تدهور البنى الخدمية في الريف أهل الريف إلى نزوح جماعي غير مسبوق. كما وفد من أهل الجنوب الملايين بسبب الحرب. وعلى هذه الخلفية من التدهور، دخل عنصر المغتربين في الصورة. فهم حين رأوا خواء الريف من كل شيء، وساءهم حال أهلهم فيه، شرعوا في شراء العقارات في العاصمة، بما يكسبونه من مال خارج البلاد. وبدأ نوع جديد من الهجرة اتسم فيه المهاجرون باقتدار اقتصادي نسبي، سببه جيوب المغتربين. ومهاجرو هذه الفئة لا يتجهون للسكنى في أحزمة الفقر حول العاصمة، وأنما ينضمون إلى الشرائح الأفضل وضعا، نسبة لما لهم من قدرات مالية نسبية سببها العمل في الخارج. وهكذا شهدت العاصمة السودانية، تضخما غير مسبوق، وشهد سوق العقار فيها ـ شراء وإيجارا ـ غلاء لم يشهد له السودان مثيلا. وقد أسهم وجود المنظمات والهيئات الأجنبية وقدوم بعض المستثمرين الأجانب في رفع حرارة سوق العقار في الخرطوم. الأمر الذي سبب ضربة أخرى قاضية للطبقة الوسطى المدينية التي كانت تحتضر أصلا، ومنذ وقت غير بالقصير.



    الشاهد أن ما يحدث الآن في السودان، نادر الشبيه. وهو قد جاء نتيجة لسلسلة متصلة الحلقات من الأخطاء القاتلة، والتقديرات القاتلة، والثقة المفرطة بالذات عند أهل القرار. يضاف إلى ذلك التعامل بانفراد مع قضايا لا يصلح معها إهمال الخصم السياسي، وإهمال العالم الناصح. فالدولة في السودان اليوم تبدو كمن أدركه اليأس، نتيجة للانخفاض المريع في مدى الرؤية. فاتخذ الأداء الحكومي نهج التداوي الوقتي الذي نبت فوق تربة هذه الأوضاع الكارثية. ونهج التداوي الوقتي لا يتجه بطبيعته إلى إصلاح البنى، بقدرما يتجه لمجرد تخفيف الوجع النفسي لدى القائمين على الأمور. فالدولة لم تعد قادرة، أو مهتمة من الناحية العملية، ومن منظور تنموي حقيقي، بشيء يجري خارج الخرطوم.



    وجهد الدولة في الخرطوم نفسه، جهد لم يتجاوز سفلتة بعض الطرق وإنارتها، وفك بعض الإختناقات المرورية، هنا وهناك، بإنشاء بعض الطرق البديلة، وإنشاء بعض الجسور، بطريقة غير مدروسة. ولايبدو أن ما يجري يدل على كونه جزءا من خطة كبيرة شاملة. ومع إقرارانا بأهمية تعبيد الطرق وتوسيعها وإنارتها كجزء لا يتجزأ من مشروع النهضة العامة، إلا أن ما يحدث الآن لا يلمس في حقيقة الأمر حاجات السواد الأعظم من المواطنين، إلا لمسا هامشيا. فالنمو الحقيقي يجب أن يتمثل في مزيد من الوظائف، ومزيد من زيادة الدخول، ليس في العاصمة وحسب وإنما في كل مكان بتوسيع القاعدة الإقتصادية، ونشر أنماط الإقتصاد المتقدم في كل مكان. فهذا وحده هو ما يجعل الريف جاذبا ومغريا بالسكنى. وهو ما يمكن أن تبدأ معه الهجرة المعاكسة نحو الريف الخاوي الذي لا تزال أغلبيته ترقد في ظلام العصور الوسطى. فالعاصمة اليوم أضحت رأس عملاق على جسد قزم. وأصبح من المتعذر تماما إدارتها بطريقة عصرية.



    ما يميز التجربة الماليزية على تجربتنا هو عيار القيادة. وأعني بعيار القيادة، المعرفة بما هو مطلوب من الدولة النامية في عالم اليوم. ثم توفر القامة الأخلاقية اللازمة لمنع الإنحراف أو التقاعس عن تحقيق ما هو مطلوب. فالتغيير لا يتم بالأماني، وإنما هو علم وعمل بمقتضى العلم. ومن العلم تجنب مزالق الآيدولوجيا وتجنب الخطاب الديني المغلق والمتزمت. ومن العلم أيضا، تجنب أفكار التوسع الإقليمي عسكريا أو آيديولوجيا مما يلقي بالبلاد في منزلق مناطحة الجيران ومن ورائهم القوى الكبرى، وجلب العداء الدولي. فمن المهم جدا وضع الشعب في المقام الأول، ووضع النخب المتنفذة في المقام الثاني. ومن العلم ومن الأخلاق خلق دولة مؤسسات، لا دولة نزوات فردية وقتية، تكرس الموروث السلبي في الحياة السياسية السودانية المستمر منذ فجر الإستقلال.

    تتشكل ماليزيا من ثلاث إثنيات هي: الملايو والصينيون، والهنود. فهي إذن دولة متعددة الثقافات، متعددة الديانات، متعددة الأصول العرقية. ومع ذلك نجحت في أن تحقق وحدة وطنية مكنتها من تحقيق قدر كبير من الإستقرار السياسي انعكس في نمو اقتصادي مذهل، وفي نهضة شاملة غطت كل أطراف البلد. حتى أصبحت دولة يشار إليها بالبنان. والنظام السياسي في ماليزيا نظام ملكي دستوري، شبيه بالنظام البريطاني ولذلك فإن إسم رئيس الوزراء يطغي فيه على إسم الملك. وخفوت صيت الملك يمثل في حد ذاته دلالة على صحة الديمقراطية، وعلى الشفافية، وعلى تجنب عبادة الفرد التي تمثل أبرز سمات أنظمة الحكم في عالمنا العربي.

    كان عزاءا لي وسلوى، في غيهب الفوضى التي أحاط بنا سرادقها في منطقة الشرق الأوسط، وحالة تضعضع الأمل، واضمحلال مدى الرؤية في مسار التحولات لدينا، أن رأيت الناس في قلب الملايو. وحين رأيتهم، رأيت بشرا سعداء تنضح وجوههم بشرا، وينثال نور الأمل من جباههم الناطقة بالحرية، وبالأمن، وبستر الحال، وبالعزة والكرامة. وقد ملأني كل ذلك شعورا بأن في نهاية هذا التيه التاريخي الذي ضعنا فيه، وهذا النفق المظلم الطويل الذي حبسنا أنفسنا فيه، بصيص من نور الأمل المبشر بدنو ساعة الخروج.

    (انتهى)


                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de