دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة..
|
كان السلفيون من الأخوان المسلمين وأنصار السنة والفقهاء والوعاظ، بحكم وجودهم داخل أجهزة مايو، وبالتحديد الأمانة العامة للشئون الدينية، يحاولون التأثير على السلطة كي توقف نشاط الجمهوريين..
في هذا البوست سوف أستعرض بعض الحوادث التي وثَّقها الجمهوريون في كتبهم.. وقد دفعني لذلك بوست كتبه أحد هؤلاء السلفيين ونشر فيه قصيدة للدكتور أحمد إسماعيل البيلي يعاتب فيها الدكتور الراحل عبد الله الطيب بسبب قصيدته التي قال فيها عن الأستاذ أنه شهيد.. والكتاب الذي أنا بصدد استعراضه قد قام بإعداده خمسة من الجمهوريين والجمهوريات هم:
• بتول مختار • ابراهيم مكى • أسماء محمود محمد طه • عصام عبدالرحمن • عوض الكريم موسى
وصدر تحت عنوان:
الميزان بين محمود محمد طه والأمانة العامة للشئون الدينية والأوقاف
بتاريخ ذو الحجة 1374 ـ ديسمبر 1974
|
|
|
|
|
|
|
|
المقدمة وقصة الكتاب!!! (Re: Yasir Elsharif)
|
Quote: المقدمة هذا مقدمة كتابنا الذى اخترنا له اسم ((الميزان بين محمود محمد طه والأمانة العامة للشئون الدينية والأوقاف)) هادفين من ورائه الى كشف الاتجاهات الرجعية التى بدات تسيطر على بعض الأجهزة الرسمية فى بلادنا.. قصة هذا الكتاب: وقع فى أيدينا، قبل أيام قليلة، منشور من عدة صفحات، كتبه السيد أحمد البيلى، مدير مصلحة الدراسات الدينية، بالأمانة العامة للشئون الدينية، فى شهر يوليو من هذا العام.. ولقد استهدف المنشور، على حد زعم كاتبه ((تقويم وتقييم)) الفكرة الجمهورية التى اطلع على تسع وثائق من كتبها.. وبكل الأسف جاء ذلك المنشور خاليا تماما من الفكرة الجمهورية، وحاويا لاتهامات جاهلة، ومغرضة، ما كان يمكن أن تقوم عند كاتب الشئون الدينية لو قد اطلع على كتب ((الدعوة الاسلامية الجديدة)) التي زعم أن منها وثائق بين يديه، اللهم الا اذا قلنا أن غرضه المبيت للنيل من هذه الدعوة أعماه عن الفهم، وعن المسئولية، ليمكننا الله منه، ومن أمانته العامة التى كلفته بمهمة هذا التقرير..
قال السيد البيلى لمندوبنا اليه: أن الأمانة العامة للشئون الدينية هى التى كلفته بكتابة هذا التقرير بناء على طلب السيد رئيس الجمهورية!! ولو جاز هذا القول، فمن أين للسيد أحمد البيلى، ولأمانته العامة للشئون الدينية، الحق فى توزيع المنشور على نطاق أقاليم السودان، ما دامت الحكومة لم تصدر رأيا فى أمره، أو تأمر بتوزيعه الى الآن؟؟ حقيقة الأمر أن هذا المنشور لا يشرف أحدا، مهما كان حظه من العلم، أو الدين، ذلك أنه جاء مفارقا لهما تمام المفارقة، كما دلل على أن بعض أجهزتنا الرسمية أصبحت مطية لأهواء بعض الطامعين من خفاف الأحلام الذين لا يرعون لهذا الشعب حرمة، أو كرامة.. فمن أجل احقاق الحق، ومن أجل حماية هذا الشعب الطيب، الكريم، وصونا لحرمته، وكرامته، رأينا اصدار هذا الكتاب، ليكون نذيرا عريانا للغافلين، ودرعا واقيا يتحصن به الشعب من الجهل، ويتسامى به للمعرفة والعلم، فيحمل قضيته بين يديه..
مالكم كيف تحكمون؟ نتوجه بهذا السؤال للأمانة العامة للشئون الدينية التى كلفت السيد أحمد البيلى بكتابة هذا التقرير المتحامل على ((الدعوة الاسلامية الجديدة))، وهو رجل اشتهر بعداوته لهذه الدعوة، وبتجنيه عليها، حتى فى المناسبات الرسمية، وفى حضرة الأمين العام للشئون الدينية، وعلى سبيل المثال ما جرى فى مدينة عطبرة!! ففى مساء الجمعة 31/3/72، قدم الدكتور عون الشريف، وزير الشئون الدينية والأوقاف، يومذاك، محاضرة بعنوان ((أثر الدين فى المجتمع))، وذلك بمركز الشئون الدينية بعطبرة.. وكان الدكتور عون الشريف قد افتتح، فى ذلك اليوم، مسجد القوات المسلحة، وصلى صلاة الجمعة به.. وعقب المحاضرة سأل أحدهم، وهو من المعروفين بمعارضة ((الدعوة الاسلامية الجديدة))، الدكتور عون الشريف عن رأيه فى ((الدعوة الاسلامية الجديدة))، فلم يدل الدكتور عون برأى واضح فيها، وانما اتجه حديثه الى التعميم، فما كان من السيد أحمد البيلى، الذى كان يرافق الدكتور عون، إلا أن تولى الإجابة على السؤال بإثارة الشبهات حول ((الدعوة الاسلامية الجديدة))، مخرجا التخريجات المغلوطة عنها، ومحاولا إثارة العواطف الدينية ضدها، هابطا الى مستوى المهاترة، مدعيا – كذبا- أنه طلب مناظرة الأستاذ محمود محمد طه، وأن الأستاذ محمود قد اعتذر بأن حياته قد تتعرض للخطر!! مختتما حديثه المثير بقوله: ((وأنا – أحمد البيلى – أرفع رايتى خفاقة لمعارضة هذا الرجل))!! ولم يتجاوب مع حديثه المثير هذا الا الأخوان المسلمون، والفقهاء وشرذمة ممن جاز عليهم تضليله، بينما سفهه الجمهور الواعى الذى يعرف صدق ((الدعوة الاسلامية الجديدة)) ونبلها.. هذا طرف مما قاله أحمد البيلى بمدينة عطبرة، وقد وقع هذا تحت سمع، وبصر الأمين العام للشئون الدينية، فكيف جاز، إذن، للشئون الدينية أن توظف رجلا هذا دأبه فى عمل يتطلب الموضوعية والحياد؟؟ الجواب قريب!! وهو أن الشئون الدينية تقصد الى عدم الموضوعية، والى عدم الحياد، ذلك أنها تعامل ((الدعوة الاسلامية الجديدة)) معاملة الضرة، حيث قامت هى، وبغير كفاءة، على الفكر السلفى، فى حين قامت دعوتنا على فكر تقدمى جديد، وجرىء، يدعو للبعث الاسلامى، فى وضوح رؤية، وكفاءة، وموضوعية.. ثم قام على نهجها مجتمع جديد، من كل الوجوه، داخل المجتمع السودانى، تربى أفراده على نهج السنة، وذلك بسلوك طريق النبى محمد، عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، فعفت أخلاقهم، وطابت سيرتهم، حتى اشتهروا بحسن الأحدوثة بين الناس.. ثم هم، مع ذلك، دعاة متمرسون يحبون هذا الشعب السودانى، ويثقون فيه ثقة تامة، ويسعون بينه حثيثا لنشر الوعي الاسلامي فى غير تكلف، ولا رياء، وبلسان رطب، صادق، مبرأ، بفضل الله، من أوضار الجهالات، وظلمات النفوس، وهكذا، دائما، فان الرائد لا يكذب أهله.. |
Quote: رسالة المسجد: يرى الجمهوريون أن للمسجد رسالة لما يضطلع بها بعد، وهى أنه المكان الطبيعى لنشر الفكرة الاسلامية الصحيحة.. كما كان طول المدى.. وفى العام الماضى حاول الجمهوريون نفخ الروح فى مواته، حتى يعود حيا ومعافى، فقرروا دخول المسجد، فى نشر الوعى، وتبديد ظلمات التخلف والجهل، التى خيمت على مجتمعنا السودانى زمنا طويلا.. فوجدوا عند شعبنا الكريم استجابة طيبة، واقبالا حارا، انبعثت، على اثرهما، فيه روح الدين قوية، وثابة، مشرقة، فعبر، بألسن مختلفة، عن احترامه، وتقديره، واعجابه.. ثم لم يلبث أن انتشر خبر الحركة بين الناس.. فانزعجت بذلك الشئون الدينية، ومن ورائها ائمتها، ووعاظها، لهذا الحدث الجلل، فلجأوا، فى محاولة يائسة، الى اثارة المصلين بساقط من القول، وساقط من التهريج، فى غير صدق، وفى غير موضوعية.. فلم يستجب لهم الشعب، كما لم نستجب نحن لاستفزازهم، فتكبدوا هزائم منكرة الى أن تداعى بهم الأمر أخيرا الى اصدار المنشورات والتوجيهات الى الأئمة تمنع حديثنا بدعوتنا داخل المساجد!! وقد تلقف هذه التوجيهات المغرضون من معارضينا وأخذوا يثيرون بعض البسطاء بالكذب علينا. عجبا!! فهل رأى الناس هوانا كهذا الهوان!! لا ضير ما دام شعبنا العملاق قد كان واقفا الى جانبنا فى كل تلك اللقاءات الحية العامرة. وعليه فقد رأينا، درءا للفتنة، ونزولا عند وعد الله بالعودة الى المساجد، أن ننتظر قريبا منها حتى حين، وذلك مصداق قوله تعالى: ((ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها أسمه، وسعى فى خرابها؟؟ أولئك ما كان لهم أن يدخلوها الا خائفين.. لهم فى الدنيا خزى، ولهم فى الأخرة عذاب عظيم)).. فلتعلم، إذن، الشئون الدينية، ومن خلفها وعاظها، وائمتها، الذين يقبضون مرتباتهم، عند آخر كل شهر، لإمامة المصلين، ولحماية الدين!! ان تلك الجولة ليست الأخيرة، بيننا وبينهم.. فموعدنا معهم الصبح.. أليس الصبخ بقريب!! وهكذا خلت سنة الأولين، حيث أن الصراع المحتدم بين الحياة والموت، المتمثل فى الصراع بين الجديد والقديم، وبين الدين والخرافة، لا بد أن يبلغ به الكتاب أجله، وهو أجل قصير، نكاد نراه، ونكاد نحدده، من فرط قربه، ويومها سينتصر الله للحق، وللدين، انتصارا باهرا، يغنى شعبنا، والانسانية من ورائه، من مغبة التجارب الفاشلة، فينفتح الطريق لرسالة المسجد، فتتحرر العقول، وتتطهر القلوب، ويدخل الناس، بفضل الله، فى دين الله أفواجا..
محكمة الردة: من الأدلة القاطعة على فساد التقرير الذى رفعه السيد أحمد البيلى، مطالبته بتنفيذ حكم محكمة الردة، وهو بذلك يكشف قناعه، ويحدد شخصيته، ويدلل على مستواه العلمى، والثقافى.. فليعلم، اذن، ولتعلم أمانة الشئون الدينية، أن محكمة الردة ليست محكمة بالمعنى المفهوم عن المحاكم.. وانما هى مؤامرة دبرت بليل، ونفذت بمن يسمون ((برجال الدين))، الذين عرفوا دائما بتنفيذ هوى الحكام، مهما كان حظ ذلك الهوى من مخالفة الدين، كل ذلك يهون فى سبيل المحافظة على دنياهم.. وكاتب التقرير يعلم أن السبب الحقيقى لمحكمة الردة هو انزعاج السلطة الحاكمة، يومئذ، ومن ورائها أدواتها من الطائفية والأخوان المسلمين، حين نهض الجمهوريون يعملون عملا واضحا، ومشهودا، فى معارضة ما أسموه ((الدستور الاسلامي))، وما أسميناه ((الدستور الاسلامي المزيف))، خوف أن يلتحف قداسة الدين، فيزهق الحريات، ويحارب كل تقدم باسم ((الدين))، فيكبل الشعب بقيود الجهالة، والخرافة، مما يعطى الطائفية الفرصة الذهبية لبسط سلطانها على الشعب.. ولكن الله سلم.. ولن يسلم الله هذا الشعب لجلاديه ومضلليه.. هذه ثقتنا فيه حيث قلنا فى كتابنا ((زعيم جبهة الميثاق الاسلامي فى ميزان الثقافة الغربية والاسلام)) ما نصه: ((وقد بدأ يظهر لنا الخطر الحقيقي الذي تتعرض له هذه البلاد من وضع دستور قاصر من جميع الوجوه يدعي لنفسه شمول ، وإحاطة ، وكفاية الدستور الإسلامي .. وقداسته أيضاً..ولكن الله لن يخلي بين هذا البلد وبين مضلليه ، فقد عوده الخير دائما، وسيصل عادته إن شاء الله )).. هذا هو سر محكمة الردة مؤيدا بالمستندات الرسمية فى مكاتب الدولة.. فما رأى السيد البيلى، ومن ورائه الشئون الدينية؟؟.. هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى، فان محكمة الردة محكمة غير دستورية، لا يقرها دستور السودان المؤقت يومذاك، كما لا يقرها دستوره القائم الآن، لأنها تناقض، وتصادر نصوص حرية الاعتقاد، والتعبير، المكفولة فى كليهما.. ثم هى، بعد ذلك كله، قبلت اتهامات من مدعيين كاذبين، ولم ترجع لنصوص الكتب موضوع الدعوة لتباشر مسئوليتها فى تحرى العدالة، واحقاق الحق، ان كان للحق فى عرفها حرمة.. ثم هى قبلت شهادة شاهد قال: ((فى رأيى كذا وكذا..)) مما سيرد تفصيله فى مكانه من متن هذا الكتاب، الذى نحن بصدد تقديمه للقراء. .. ثم كلمة أخيرة: وقبل أن نختم هذه المقدمة، نحب أن نؤكد للقراء الكرام أن تقرير السيد أحمد البيلى جاء متهافتا، فلا قيمة له ولا خطر.. وأننا ما كنا لنحفل به، على المستوى الذى ترون، لولا أنه جاء يحمل اسم مصلحة الدراسات الدينية، حيث أنه، بهذه الصفة، يمثل أمانة الشئون الدينية، ويتحدث باسمها ويعبر عن سياستها.. فعليها تقع تبعته، ومسئوليته، وهى مسئولية باهظة، ولا ريب.. فنأمل لأمانة الشئون الدينية أن تعى هذا الدرس جيدا.. وفى الختام.. فها نحن قد وضعنا القضية برمتها بين يدى الشعب السوداني ليحكم لنفسه بنفسه، فما ضاع حق لم ينم عنه أهله.. والآن فالى تقرير السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية بالأمانة العامة للشئون الدينية والأوقاف، ونحن انما نزنه بميزان الحق والعدل.. |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
وها قد جاء البيلي بعد سبعة أشهر من تنفيذ جريمة العصر على الأستاذ محمود يكتب قصيدة ينعي فيها على الدكتور عبد الله الطيب أن يكتب قصيدة يرثي في الأستاذ محمود ويصفه بالشهيد..
تهمنا هذه الأبيات من قصيدة البيلي لأنها اشتملت على تكبُّر وإدِّعاء وتخلُّف عجيب: ألم تسمع بأني قمت يوما * بناديهم أجادل في أناة وسل عونا يجبك جواب صدق * فعنهم قد كتبت ملاحظاتي وفي التقرير باطله فضحنا * وأوصينا بست مناظرات فلما راعه ما قد طلبنا * توارى واحتمى بمؤنثات لكي لا أرتدي لقتال أنثى * دروعا من نصوص سابغات فإن الفحل يأنف أن يعادي * ذوات أساور ومخضبات وإن برزت فحولهمو فإني * أبارزهم وأقذف حارقاتي
عجباً!!! الأستاذ محمود الذي يخرج من بيته ويسافر إلى المدن الكبرى ويعقد محاضرات ويفتح باب النقاش فيها لمن يريد يتوارى عن النقاش؟؟!! الدكتور عبد الله الطيب نفسه شهد للأستاذ محمود في قصيدته تلك بالذكاء والشجاعة:
قد شجانى مصابه محمود مارق قيل، وهو عندى شـهـيد وطنيّ مجــــــاهد وأديــب منشئٌ، فى بيـانه تجـويد وخطـيـبٌ مـؤثر ولــديـه سرعـة الـرّد والذكاء الفريـد وجرئ، وشخـصـــه جـذّاب ولدى الجــد، فالشــجـاع النجيد ذاق سجن المستعمرين قديماً ومضت فى الكفاح منه العقـود
وقال عنه: واثقا كان فى الخصومة بالفكر لـو الفـكــر وحده المنشــود سـبـق النـاس فـى السياسة رأيا حين فيها تفكيرهم مـحـدود وقد احتج وحده حين لم يُلفَ عن البرلمـان صوتٌ يذود ذلكم أوّل انقــلاب بلوناه وللشـر مُــبدىء ومعيد ـــــ
نعم، أوصى البيلي في تقريره بمناظرات علنية تذاع وتتلفز ولكنه لم يرسل صورة من التقرير للجمهوريين!! أكثر من ذلك، رفض أن يعطي مندوب الجمهوريين نسخة من التقرير.. وقد كانت في ذلك حادثات رواها الجمهوريون في كتابهم تستحق أن نوردها هنا:
Quote: نمى الى علمنا خبر التقرير، وحصلنا على صورة خطية منه، اذ أن مصلحة الدراسات الدينية لم تعمل على توصيل نسخة مطبوعة منه لنا، ذلك مع أن التقرير يتعلق بنا – نحن الأخوان الجمهوريين – من عدة وجوه.. فهو (تقويم وتقييم) لدعوتنا – على حد تعبير كاتب التقرير، وهو قد تضمن فى ((توصياته)) قيام حملة كثيفة من هذه المصلحة ضد دعوتنا، وافساح المجال لنا للمناقشة، ودعوة الأستاذ محمود محمد طه (الى مناظرة علنية تذاع وتتلفز...)!! وقد سعينا الى الحصول على نسخة مطبوعة من التقرير.. وفى هذا الصدد قام مندوب من الأخوان الجمهوريين (الأخ عصام عبد الرحمن) بالاتصال بالسيد مدير مصلحة الدراسات الدينية – كاتب التقرير- وبالسيد مدير مكتب الأمين العام للشئون الدينية والأوقاف.. ففى يوم الأحد 24/11/1974 قصد مندوبنا – الأخ عصام عبد الرحمن – الى مصلحة الدراسات الدينية، وذلك لمقابلة السيد أحمد البيلى (كاتب التقرير)، فلم يجده، فقابل نائبه، وموظفا آخر، وعلم أن السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية فى اجتماع بمصلحة الدعوة.. كما علم، من ذلك الموظف، أن مساعدى المحافظين للشئون الدينية يرسلون فى طلب نسخ من التقرير، وأنه يمكن أن يقابل السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية بمصلحة الدعوة، أو السيد مدير مكتب الأمين العام للشئون الدينية والأوقاف، وذلك للحصول على نسخة من التقرير.. حيث أن التقرير قد طبع بمكتب الأمين العام. فقصد الأخ عصام الى الأمانة العامة للشئون الدينية والأوقاف، وعلم أن السيد مدير مكتب الأمين العام غير موجود، كما علم أن السيد أحمد البيلى فى اجتماع ببعثة الحج، فكتب اليه خطابا أدخل اليه فى الاجتماع.. وهذه صورته:- بسم الله الرحمن الرحيم الخرطوم فى 24/11/1974 السيد/ أحمد البيلى.. المحترم من عند الله تحية مباركة طيبة وبعد منذ يومين وأنا أسعى لمقابلة سيادتكم، ولكن انشعالكم بأمر بعثة الحج حال دون ذلك.. وأحب أن أعرف سيادتكم بأننى جمهورى، من تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه.. وأنا أود مقابلتكم لأحصل على نسخة من تقريركم المبدئى عن ((تقويم وتقييم آراء الأستاذ محمود محمد طه)) الذى أصدرتموه فى 15/7/1974. وقد حضرت الآن لمصلحة الدعوة لمقابلتكم بهذا الخصوص، ولكنى علمت أنكم مجتمعون فى مكتب مدير الدعوة. ولقد طلب منى السيد السكرتير أن أدخل اليكم طلبى هذا لأرى ان كنت استطيع الحصول على نسخة من هذا التقرير، أو مقابلتكم فى أى وقت تقترحونه.. وفى الختام تقبلوا تحياتى مرة أخرى.. المخلص عصام عبد الرحمن أحمد ص ب 1151 امدرمان – أو قسم الرياضيات كلية العلوم جامعة الخرطوم ولما اطلع السيد أحمد البيلى على هذا الخطاب أوقف الاجتماع، وطلب ادخال الأخ عصام عليه.. فدخل، وعلم منه أنه يمكنه الحصول على نسخة من التقرير من السيد مدير مكتب الأمين العام، فقصد الأخ عصام الى السيد مدير مكتب الأمين العام، فلم يجده، وترك خطابه الى السيد أحمد البيلى مع أحد الموظفين بالمكتب، على اعتبار أنه طلب رسمى للحصول على نسخة من التقرير. وعلم من ذلك الموظف أن المكتب قد أصدر مئات النسخ من التقرير، وأنه ربما تكون قد نفدت، وأن الطلبات للحصول على نسخة من التقرير تنهال عليهم.. ولكنه وعد باحالة طلب الأخ عصام للسيد مدير المكتب.. وفى يوم الاثنين 25/11/1974 قصد الأخ عصام الى السيد/ عبد الرحيم حماد مدير مكتب الأمين العام للشئون الدينية والأوقاف، وأخبره بأمر الطلب الذى قدمه فى اليوم السابق، فذكر له السيد مدير مكتب الأمين العام أن التقرير ممهور باسم السيد أحمد البيلى مدير مصلحة الدراسات الدينية، وأنهم انما قاموا بطبعه بمكتبهم فقط، وانه ليس لديهم أية نسخ من التقرير. فطلب الأخ عصام من السيد مدير مكتب الأمين العام كتابة رد على طلبه فى هذا المعنى، فلم يستجب، وأعاد اليه الطلب.. وفى يوم الخميس 28/11/1974 قصد الأخ عصام الى مكتب السيد أحمد البيلى، فدخل عليه، ووجد معه أحد الموظفين.. وعلم من السيد أحمد البيلى أنهما يقومان بأمر يتعلق ببعثة الحج، وأنه مشغول هذه الأيام بهذه البعثة، ودخل أثناءها أحد الشيوخ المصريين فى زى الأزهريين، وجلس.. قال الأخ عصام للسيد أحمد البيلى: ((لقد جئتك بخصوص التقرير الذى احلتنى، للحصول على نسخة منه، الى السيد مدير مكتب الأمين العام. وقد اعتذر السيد مدير المكتب بأنه ليست لديهم أية نسخ، وذكر أنهم أعطوك عددا منها، وأنه يمكننى الاتصال بك للحصول على نسخة منك.)) فذكر له السيد البيلى أنهم لم يعطوه أكثر من خمس نسخ، وقد وزعها جميعا، كما ذكر له أنه كتب التقرير كموظف، اذ طلبت منه الأمانة العامة للشئون الدينية كتابة هذا التقرير، وذلك عندما طلب السيد رئيس الجمهورية الرأى الرسمى للشئون الدينية فى أفكار الجمهوريين. فطلب منه الأخ عصام أن يعطيه ولو نسخته الخاصة ليصورها ويرجعها له، فاعتذر عن ذلك قائلا بأنه كموظف لا يحق له أن يتصرف فى تقرير رسمى. فذكر له الأخ عصام أننا حصلنا على نسخة خطية من التقرير ولاحظنا فيها بعض الأخطاء الاملائية والنحوية البسيطة.. وذكر له الأخ عصام بعض محتويات تلك النسخة فقاطعه السيد البيلى بقوله: ((بالضبط، هذا ما حواه التقرير)). فقال له الأخ عصام: ((نحن لا نشك أن هذا هو تقريركم، ولكننا كنا نرجو أن نحصل على نسخة موثقة وخالية من تلك الأخطاء البسيطة التى نعتقد أنكم قد لا ترتكبونها. كما نعتقد أيضا، ان تقريركم قد أحتوى على اقتراحات محددة كالمناظرة، ولذلك فقد كان واجبكم أن ترسلوا لنا، ونحن الطرف المقترح مناظرته، نسخة منه فور صدوره، خاصة وأن التقرير ليس معروضا للبيع فى السوق.)) فقال السيد البيلى: ((يمكنك أن تطلب نسخة من الدكتور عون، فلديهم نسخة مصححة)). وعبر السيد البيلى عن استغرابه لاحجام مكتب السيد الأمين العام عن اعطائنا نسخة من التقرير. وقال له الأخ عصام: ((ان كنت تعتقد أن لدى مكتب الأمين العام نسخا فيمكنك أن تطلب لنا نسخة وسوف نعيدها اليهم)). فقال السيد البيلى أنه كموظف قد كتب التقرير كما طلب منه وأن دوره ينتهى هنا. وسأله الأخ عصام عن الرأى الرسمى فى التقرير، فقال أن شيئا من ذلك لم يصلهم، وقال أنه ربما رؤى عدم الأخذ بالاقتراحات التى تضمنها التقرير، أو أنه رؤى أن الاستاذ محمود لا يقتنع بالمناظرات، اذ جرت معه العديد منها، ثم قال للأخ عصام: ((لعلك تذكر مناظرتى له؟ وأنا على استعداد لأن أناظره اذا لم تفعل الجهات الرسمية شيئا.)) فقال له عصام: ((لا أذكر أنك ناظرت الأستاذ محمود، والذى أعلمه انك لم تناظره، كما أعلم أن المناظرات التى تحدثت عنها لم تتم)). وهنا ودعه الأخ عصام، وهم بالخروج، ولكنه سمع من السيد البيلى هذه العبارة: ((هدى الله الجميع)) فعاد اليه وقال: ((ان الله سيهدى الجميع اذا كان الجميع صادقين فى طلب الهداية.)) وهنا قال السيد أحمد البيلى للأخ عصام: ((كمتعلم وتابع للأستاذ محمود.. هل يمكن أن تكلمنى قليلا عن نقطتى حول أن الأستاذ محمود رسول؟)). فقال له عصام: ((أنا على استعداد للحديث معك عن كل ما جاء فى تقريرك)). فقال السيد البيلى: ((حدثنى عن ذلك بسرعة)). فقال عصام: ((لو كنت فعلا حريصا على ذلك، ووقتك ضيق فيمكننى أن أضرب معك موعدا لأناقشك)) فقال: ((تناقشنى أنت؟)) فقال عصام أنا او الأستاذ محمود، أو أى واحد من الجمهوريين.. وبهذه المناسبة أحب أن أذكر سيادتك بأننى كنت من بين خمسة من الأخوان الجمهوريين حضرنا لزيارتك منذ أكثر من العام ونصف العام للحديث حول الفكرة الجمهورية، فاستقبلتنا، وتركتنا بالمنزل لنكرم فى غيابك، معتذرا بأنك لديك درس بجامع فاروق، وأخذت منا نمرة التلفون لتحدد ميعادا نلتقى فيه لنتناقش حول الفكرة الجمهورية.. وأحب أن أقول لك أننا ما زلنا فى انتظار اتصالك التلفونى بنا منذ ذلك الزمن، فلماذا لم تتصل بنا كما وعدتنا. ألم يحدث ذلك؟)). فأجاب السيد أحمد البيلى بالايجاب. فقال له الأخ عصام: ((اذن لماذا وعدتنا ولم تتصل بنا؟)) فقال السيد البيلى: ((لقد كنتم ضيوفى، فماذا كنت تتوقع منى أن أفعل؟)) فقال له عصام: ((كوننا ضيوفك لا يعنى أن تجاملنا وتعطينا وعدا ثم تخلفه!! وأنت، كرجل دين، لا شك تعلم معنى وأهمية وضرورة الوفاء بالوعد. بل أن عامة الناس يقولون أن وعد الحر دين عليه.. فلماذا لم تف بوعدك؟)) فقال السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية: ((لم أتصل بكم تلفونيا لأنى رأيت أن النقاش معكم غير مجد، خاصة وأنى ناقشت أمامكم فلم يقتنع)).. فقال له عصام: ((لا أسألك الآن عن جدوى النقاش أو عدم جدواه، وانما أسألك عن الوفاء بوعد، فأنا أعلم أن هناك واحد من احتمالين: أما أن النقاش معنا مجد، وأما غير مجد، فاذا رأيت أن النقاش معنا غير مجد فهذا لا يعفيك من مسئولية وعدك بأن تتصل بنا تلفونيا.. وقد كان يمكنك، بل كان يجب عليك، أن تتصل بنا لتخبرنا أنك أدركت أن النقاش معنا غير مجد.. ولذلك فأنت تتصل بنا لتفى بوعدك ثم تعتذر عن مقابلتنا.. وحتى لو كنا كفارا فلقد كان ينبغى عليك أن تبرىء ذمتك وتفى بوعدك، فلماذا لم تتصل بنا تلفونيا كما وعدت؟)) فقال السيد/ مدير مصلحة الدراسات الدينية: ((ما بتصل.. مش على كيفى؟)).. هنا تركه الأخ عصام، مودعا، فسمع، وهو يغادر المكتب، السيد أحمد البيلى وهو يقول للرجلين الجالسين معه: ((شايفين نوعهم؟)).. هذا ما كان من أمر سعينا للحصول على نسخة مطبوعة من التقرير.. وما جرى بين الأخ عصام عبد الرحمن مندوب الأخوان الجمهوريين والسيد/ مدير مصلحة الدراسات الدينية.. ومنه يتبين ما يلى:- 1- ان السيد/ مدير مصلحة الدراسات الدينية قد كلف بكتابة تقرير رسمى عن ((الدعوة الاسلامية الجديدة)).. 2- وأن التقرير طبع بمكتب الأمين العام للشئون الدينية والأوقاف... 3- وأن مئات من النسخ قد طبعت منه ووزعت.. 4- وأن الطلبات للحصول على نسخ من التقرير تتوالى، وخاصة من مساعدى المحافظين للشئون الدينية والأوقاف.... 5- وأن الأخوان الجمهوريين لم تصلهم نسخة رسمية، مع أن التقرير يتعلق بهم من عدة وجوه.. كما نتبين مما سبق ان الأخوان الجمهوريين كانوا قد سعوا الى السيد أحمد البيلى فى داره لادارة الحوار حول ((الدعوة الاسلامية الجديدة))، ولكنه أخلف وعده فى الاتصال بهم فى هذا الصدد، حتى كلف بكتابة تقرير حول دعوتهم.. وسنرى، فى هذا الكتاب الذى بين يدى القراء، مجانبته للأمانة العلمية والموضوعية فيما زعم أنه ((تقويم وتقييم)) للدعوة الاسلامية الجديدة. ومن عجب أن يرد فى ((توصية)) التقرير، بالرغم من كل هذا مايلى:- ((أن تقوم حملة مكثفة مركزة على أباطليه فى جميع المدن الكبرى وأن يفسح المجال لأتباعه لكى يناقشوا ما يسمعون حتى ينفضوا عنه وهم على يقين من أنهم كانوا ضحية الجهل بحقائق الاسلام)).. ونحن نتساءل: لماذا لم يتصل السيد أحمد البيلى بالأخوان الجمهوريين لمناقشتهم، لا سيما وقد فتحوا مجال النقاش من جانبهم، وذلك بدافع مما يراه هو واجبا دينيا عليه فى انقاذهم من ((الجهل بحقائق الاسلام)) – على حد تعبيره؟ .. لماذا؟؟.. الاجابة قريبة: سوء الغرض!! |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
Quote: فى حين قامت دعوتنا على فكر تقدمى جديد، وجرىء، يدعو للبعث الاسلامى، فى وضوح رؤية، وكفاءة، وموضوعية.. ثم قام على نهجها مجتمع جديد، من كل الوجوه، داخل المجتمع السودانى، تربى أفراده على نهج السنة، وذلك بسلوك طريق النبى محمد، عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، فعفت أخلاقهم، وطابت سيرتهم، حتى اشتهروا بحسن الأحدوثة بين الناس.. ثم هم، مع ذلك، دعاة متمرسون يحبون هذا الشعب السودانى، ويثقون فيه ثقة تامة، ويسعون بينه حثيثا لنشر الوعي الاسلامي فى غير تكلف، ولا رياء، وبلسان رطب، صادق، مبرأ، بفضل الله، من أوضار الجهالات، وظلمات النفوس، وهكذا، دائما، فان الرائد لا يكذب أهله.. |
كلام صادق وأمين , ويلامس كبد الحقيقه , ويتطابق تماماً مع الواقع المعاش .
د.ياسر , لك ألف مليون تحيه .
| |
|
|
|
|
|
|
رد (Re: Yasir Elsharif)
|
العزيز ياسر الشريف هذه بوستات مهمة وارجو ان تضيف كل ما يمكن إضافته الحالة النفسية والفكرية السودانية العامة مهيأة هذه الإيام لتلقي واستيعاب الفكرة وجيد ان ترجع بالناس لتاريخ الفكرة وسرد ماضيها لك التحية
اتوق الي تواصل خارج البوستات هذا الإيميل ...... ارجو ان ترسل لي رقم تلفونك [email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
Quote: العزيز ياسر الشريف هذه بوستات مهمة وارجو ان تضيف كل ما يمكن إضافته الحالة النفسية والفكرية السودانية العامة مهيأة هذه الإيام لتلقي واستيعاب الفكرة وجيد ان ترجع بالناس لتاريخ الفكرة وسرد ماضيها لك التحية
|
د. ياسر تحياتي وإحتراماتي، أؤمن على قول الأستاذ محمد فقيري، فقد وعى الشعب السوداني وذاق الأمرين من تجار الدين، فهذه أنسب الأوقات لنشر الفكر الجمهوري بين الناس، وقد سقط القناع المزيف الذي كان يرتديه السلفيون. وأنا متابع جيد لهذا الصراع فى البورد، وبودي معرفة المزيد إبان نظام مايو، ولك وافر الشكر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
عزيزي دكتور ياسر عاطر التحايا متابعين لمجهوداتك التوثيقية الجيدة وسنضيف لهذا البوست قريبا ان شاء الله نماذج من استغلال الاخوان المسلمين والسلفيين لأجهزة الدولة الرسمية مثل ديوان النائب العام والبوليس بالإضافة للشئون الدينية والقضاء الشرعي للكيد للجمهوريين .. سنتحدث عن قضايا كوستي حيث استغل السلفيون المساجد للكيد للجمهوريين والتحرش بهم تحت مرأى ومسمع الأجهزة الرسمية (ولنا تسجيلات صوتية تظهر ذلك) كما سنتحدث عن استخدام قوة البوليس بقيادة مالك أمين نابري لضرب وتفريق محاضرة الأستاذ محمود محمد طه بنادي الخريجين بمدني بالبمبان (وعندنا تسجيل صوتي لما تم سننشره هنا للتوثيق) .. وطبعا اسلوب العنف هذا اسلوب قديم ومرصود عندنا فقد هاجم أحد المهووسيين الأستاذ محمود في نادي الأعمال الحرة بالأبيض في نهاية الستينات وهو يقدم محاضرة عن "لا اله الا الله" وضربه بعصا في رأسه فأحدذ شجا كبيرا احتاج للخياط (حديث الأستاذ والضربة أيضا مسجل عندنا وسنرفعه في هذا الخيط) .. وقد لازم هذا الأسلوب العنيف حركة الجمهوريين طوال عهد مايو فكان السلفيون يتحرشون بهم في الأحياء والميادين العامة وفي الجامعات وسنعطي أمثلة لذلك ايضا وقد كان جل ذلك يحدث تحت تواطو الأجهزة الرسمية هذا برغم معارضة الاخوان المسلمين لنظام مايو في ظاهر الأمر الا أن بعض كوادرهم كانت تعمل من داخل النظام على اسكات صوت الجمهوريين .. تحدث الأخ دالي في لقائه الأخير مع الأخ الصحفي صلاح شعيب عن هذه المرحلة حديث تجربة وسأقوم بنشر هذا الحديث بعد أن ينشر الأخ صلاح شعيب لقائه في الصحف .. عمر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Omer Abdalla)
|
أخي العزيز عمر عبد الله،
تحية طيبة
وقد سعدت جدا بمرورك وبوعدك رفد البوست بمواد توثيقية من الأنواع النادرة.. حادثة ضرب الأستاذ محمود حدثت قبل 4 أيام من انقلاب مايو في عام 1969 في الأبيض وقد كنت حاضرا تلك المحاضرة..
من جانبي سأواصل التوثيق من كتاب "الميزان" وسأنتقل إلى كتب أخرى مثل "بيننا وبين الشئون الدينية وأساتذتها من أزهريين ومن سعوديين" وكتاب "الدين ونحن وعون الشريف" وكتاب "نحن نتهم شريعة الأحوال الشخصية" وغيرهم من الكتب..
Quote: الرسالة الثانية من الاسلام: وتحت عنوانه ((زعمه بأنه رسول الرسالة الثانية)) قال السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية: (وبدون خجل ولا حياء يصف نفسه بأنه رسول ولكنه يتواضع ويقول أنه رسول الرسالة الثانية، فأقرأ قوله فى صفحة 10 من كتاب الرسالة الثانية من الاسلام ((وإنه لحق أن النبوة قد ختمت ولكنه ليس بحق أن الرسالة قد ختمت)) ولكي يبرهن على صدق الدعوة بأن محمدا قد ختم النبوة ولم يختم الرسالة ساق دليلا على ذلك قوله تعالى: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين.. وكان الله بكل شيء عليما")) هذا ما قاله السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية، محاولا أن يشير الى ما جاء فى صفحة 10 من كتاب (الرسالة الثانية من الاسلام) إشارة مخلة لا تعطي الصورة الكاملة لما جاء. فان تمام ما جاء هناك هو: ((من المأذون؟ ولكن رسول الله قد التحق بالرفيق الأعلى وترك ما هو منسوخ منسوخا، وما هو محكم محكما.. فهل هناك أحد مأذون له في أن يغير هذا التغيير الأساسي، الجوهري، فيبعث ما كان منسوخا، وينسخ ما كان محكما؟؟ هذا سؤال يقوم ببال القارئ لما سلف من القول.. والحق أن كثيراً ممن يعترضون على دعوتنا إلى الرسالة الثانية من الإسلام لا يعترضون على محتوى هذه الدعوة، بل إنهم قد لا يعيرون محتوى الدعوة كبير اعتبار.. وإنما هم يعترضون على الشكل.. هم يعترضون على أن تكون هناك رسالة، تقتضي رسولا، يقتضي نبوة، وقد ختمت النبوة، بصريح نص، لا مرية فيه.. وإنه لحق أن النبوة قد ختمت، ولكنه ليس حقا أن الرسالة قد ختمت: (( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين.. وكان الله بكل شيء عليما)).. ومعلوم أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا.. ولكن النبوة ما هي؟؟ النبوة هي أن يكون الرجل منبأ عن الله، ومنبئاً عن الله.. أي متلقياً المعارف عن الله بواسطة الوحي، وملقيا المعارف عن الله إلى الناس، على وفق ما تلقى، وبحسب ما يطيق الناس.. فبمرتبة التلقي عن الله يكون الرجل نبياً، وبوظيفة الإلقاء إلى الناس يكون رسولا.. هذا هو مألوف ما عليه علم الناس.. ولكن هناك شيئا قد جد في الأمر كله، ذلك هو معرفة الحكمة وراء ختم النبوة بمعناها المألوف.. لماذا ختمت النبوة؟؟ أول ما تجب الإشارة إليه هو أن النبوة لم تختم حتى استقر، في الأرض، كل ما أرادت السماء أن توحيه، إلى أهل الأرض، من الأمر.. وقد ظل هذا الأمر يتنزل على أقساط، بحسب حكم الوقت، من لدن آدم وإلى محمد.. ذلك الأمر هو القرآن.. واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة.. وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك، جبريل - أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا، للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا، ولكنا لا نعقل عنه.. السبب؟ أننا عنه مشغولون.. قال تعالى في ذلك: (( كلا!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا!! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)).. وإنما جاء القرآن بمنهاج شريعته، ومنهاج طريقته، وبأدبه في كليهما، ليرفع ذلك الرين، حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القرآن، بالقدر الذي وعى عن الله.. من رسول الرسالة الثانية؟؟ هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام.. كيف نعرفه؟؟ حسنا!! قالوا أن المسيح قد قال يوما لتلاميذه: (( احذروا الأنبياء الكذبة!!)) قالوا: (( كيف نعرفهم؟؟)).. قال: (( بثمارهم تعرفونهم))..)) هذا ما جاء فى كتاب (الرسالة الثانية من الاسلام).. وهو أمر غريب نرجو أن يحمل ما يطالع الناس من غرابته على أن يتبينوه قبل أن يتورطوا فى انكاره... وهو غريب على السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية، ومن باب أولى.. فانه مقيم على التفكير الديني السلفي الذي لا يرى أن هناك علما مستأنفا في الدين، وهو، من ثم، لا ينتظر العهد الذهبي للأسلام الذي أمامنا، والذي تبشر به الآية: ((هو الذى أرسل رسوله بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدين كله.. وكفى بالله شهيدا)) أما قول السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية: (على أن هناك آية صريحة فى النص على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم وهي قوله تعالى: "وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون") فقول ما كان يحتاج الى أن يقوله في حقنا لو كان قد اطلع، حقا، على ما جاء فى صفحة 17 من كتاب (الرسالة الثانية من الاسلام)، وهو: ((إن محمداً رسول الرسالة الأولى، وهو رسول الرسالة الثانية، وهو قد فصل الرسالة الأولى تفصيلا، وأجمل الرسالة الثانية إجمالا، ولا يقتضيى تفصيلها الا فهما جديدا للقرآن، وهو ما يقوم عليه هذا الكتاب الذى بين يدي القراء..)) ويقول السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية:
((وقد جاء فى صحاح كتب السنة النبوية الأحاديث الدالة على أنه خاتم الرسل والأنبياء على السواء، ونكتفي هنا بما رواه الترمزي رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم فى رواية أنس بن مالك أن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي – الترمزي)). هذا قول السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية، وهو، أيضا، قول لا يقال فى ضوء ما ورد من فهم للحكمة وراء ختم النبوة. فان ختم النبوة لا يعني نهاية الفهم عن الله من القرآن. ومحمد رسول الرسالتين: الرسالة الأولى، والرسالة الثانية، قد بلغهما معا، فى معنى ما بلغ القرآن وسار السيرة، ولكنه فصل الأولى، وأجمل الثانية.. أما تفصيل الرسالة الثانية فيقع فى مضمار الفهم عن الله من القرآن. وقد ختمت النبوة، فى معنى انقطاع الوحي، بعد أن استقر، بين دفتي المصحف، كل ما أرادت أن توحيه السماء الى الأرض. وقد ختمت رسالة النبوة التى يكون رسولها نبيا، بذلك المعنى للنبوة. فاذا كان أمر الرسالة الثانية من الاسلام حقا، وهو بلا ريب كذلك، فان الفهم عن الله من القرآن لم ينقطع ولن ينقطع.. ومن ثم يجيء المفهوم الجديد للرسالة.. ومن عجب أن يقول السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية
((أن من الأسئلة التى يمكن أن توجه لمحمود ويحار كيف يجيب: إن صح أن الاسلام الذي نزل على محمد مقسم نصفين رسالة أولى وكان محمد صلى الله عليه وسلم رسولها ورسالة ثانية كنت أنت رسولها فما الذي يمنع أن تكون هناك ثالثة لها رسول ورسالة رابعة لها رسول رابع وهكذا؟ ولعل محمودا سوف يجيب قائلا: أن الأسلام رسالتان فقط ولا ثالث لهما، وكيف يرد على من يبادره سائلا: وما النص على أنه رسالتان تبدأ الأولى فى القرن السابع الميلادى وتنتهي فى الربع الأخير من القرن العشرين؟)) هذا ما قاله السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية. وتساؤله، بعد إغفال الجانب غير الموضوعي منه، يمكن أن يرد بهذه الصورة: اذا كانت هناك رسالة ثانية فما الذي يمنع أن تكون هناك رسالة ثالثة ورابعة؟ وهذا التساؤل يواجهنا به، كثيرا، معارضونا من السلفيين، عن قلة فهم حينا، وعن سوء قصد في أغلب الأحيان، والأمر، ببساطة شديدة، ان الاسلام انما هو رسالتان فحسب لأنه أصول قامت على المسئولية، وفروع قامت على الوصاية.. والمجتمع، أي مجتمع، انما هو مستوى من مستويين: اما في مستوى المسئولية فله أصول القرآن، واما في مستوى الوصاية فله فروعه. والله تعالي يقول عن رسالتي الاسلام ((الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها، مثاني..)) ويقول عن مستوى الرسالتين ((قل نزله روح القدس من ربك، بالحق، ليثبت الذين آمنوا، وهدى، وبشرى للمسلمين)) فان الرسالة الأولى هي رسالة أمة المؤمنين، فى حين ان الرسالة الثانية هى رسالة أمة المسلمين.. فما رأى السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية فيما ذهبنا اليه من أن سنة النبي هى الرسالة الثانية، وذلك حيث جاء في صفحة 5 من كتاب (الرسالة الثانية من الاسلام): ((.. وما الرسالة الثانية الا بعث هذه السنة لتكون شريعة عامة لناس، وانما كان ذلك ممكنا، بفضل الله، ثم بفضل تطور المجتمع البشرى خلال ما يقرب من أربعة عشر قرنا من الزمان..))؟ |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
مواصلة لمقتطفات مختارة مما جاء في كتاب "الميزان بين محمود محمد طه والأمانة العامة للشئون الدينية"..
أرجو ملاحظة المقابلة بين رجلين ينتميان لنفس النظام المايوي.. الأول هو البيلي من وزارة الشئون الدينية والثاني هو الدكتور منصور خالد الذي أخرج طبعة جديدة من كتابه "حوار مع الصفوة" وهو عبارة عن مقالات نشرت في أوقات مختلفة إبان الحكم النيابي الثاني في منتصف الستينات.. وسأعرض لمثل هذه المقابلة بين الإتجاهين في السلطة في حلقات مقبلة ..
Quote: الكتب التى صدرت فى معارضة دعوتنا: وتحت عنوانه ((رابعا – موقف العلماء منه)) قال السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية: ((وقد ألفت حتى الآن أربعة كتب ضده منها: 1- نبي آخر الزمان للأستاذ محمد علي يوسف. 2- القول الفصل للأستاذ حسين محمد زكي. 3- نقض مفتريات محمود محمد طه للأستاذ الدكتور الأمين داؤود 4- وهناك كتيب رابع صدر بقلم أحد علماء المملكة العربية السعودية ولم نقف على أسمه)).. هذا ما قاله السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية، بالأمانة العامة للشئون الدينية والأوقاف.. أما كتاب (محمد علي يوسف) فهو كتاب ينضح بالاسفاف، وينطق بسوء الغرض، وسوء الفهم، معا.. ونحن لا يهمنا منه الا قول المؤلف (صفحة 104 الطبعة الثانية) : ((يخطئ من يظن أن الاسلام رأسمالي، وينافق من يقول أنه شيوعي، ويجمع بين الخطأ والنفاق من يزعم أنه اشتراكي..))!! وهو قول يدل، أبلغ الدلالة، على فهم المؤلف للاسلام، فعنده أن من يزعم أن الاسلام اشتراكي انما "يجمع بين الخطأ والنفاق"!! والسيد مدير مصلحة الدراسات الدينية انما يلتقي معه فى هذا الفهم.. ألم يكن من قبل مقرر ((الهيئة الوطنية للدستور الاسلامي الكامل))، وعضو لجنة الصياغة التي وضعت مذكرتها، والتي جاء فيها ((كذلك يحمل لفظ "الاشتراكية" من المعاني المتناقضة ما يجعل استعماله في أي شكل من الأشكال وسيلة لاستغلاله للانحراف بمبادئ العدالة الانسانية واشعال حرب الطبقات بين المجتمع)) ؟؟ !! ورأى السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية في الاشتراكية ليس بدعا، فهو رأي سائر أضرابه من المشتغلين بالفقه والوعظ.. وهم انما يضطرون الى اخفائه وتمويهه اضطرارا وذلك مجاراة للأوضاع السياسية المتغيرة.. أما كتاب (الأمين داؤود) فهو مثل للاسفاف، ليس له نظير! ونحيل القارئ الى الصفحات التالية منه، والتي جاء فيها من البذاء والاقذاع وساقط القول ما أن المرء ليتحرج من ايراده ههنا.. (الصفحات هى 33، 43، 46، 48، 63). وقد عمد فيه مؤلفه الى أن ينقل من كتبنا، نقلا مخلا بالمعنى، والى أن يخرج التخريجات المغلوطة، والى أن يطلق الأحكام الباطلة، والى أن يهبط الى دركات سحيقة من الاسفاف.. ومن أمثلة ذلك ما جاء فى صفحة 26 من كتابه (الطبعة الثانية)، تحت عنوانه (مخلوق يرمي خالقه بعدم العدل) : (في صحيفة الرأي العام بتاريخ 7/1/1965 يعترض محمود محمد طه على ربنا اعتراضا جريئا بأنه – سبحانه- ليس بعادل، وهذا الاعتراض لم ينشر في صحيفة الرأي العام وحدها، بل كرر نشره كثيرا فى عدة صحف وفي كتبه وفي النشرات التي يوزعها على الناس من وقت لآخر، يقول بالحرف: "نجد أن حظ المرأة في تشريع الاسلام الذي بين أيدينا الآن، حظ مبخوس، فهي على النصف من الرجل في الشهادة .. وعلى النصف منه في الميراث، وعلى الربع منه في الزواج، وهي دونه في سائر الأمور الدينية والدنيوية. فلماذا؟؟") ويقف الأمين داؤود عند هذا الحد من النقل من منشور الجمهوريين.. وتمام النص وارد تحت عنوان (الأحوال الشخصية) من هذا الكتاب الذى بين يديك، نقلا عن كتاب (بيننا وبين محكمة الردة)، فلترجع اليه.. والأمين داؤود شوه النقل، فهو بدل أن يبدأ بأول الكلام، وهو قولنا ((وحين نجد أن حظ المرأة في القرآن، من المسئولية الفردية، مساويا لحظ الرجل مساواة مطلقة)).. يتركه وراءه ليبدأ من ((نجد أن حظها في التشريع الاسلامي الذي بين أيدينا الآن، حظ مبخوس .. الخ ..))، وهو بدل أن يواصل النقل بعد قولنا "فلماذا ؟؟" يقف.. ويذهب ليخرج تخريجات لو واصل النقل لما وجد اليها سبيلا. هذا، وقد اعتمد الأمين داؤود على هذا النقل المشوه من منشور الجمهوريين فى ادعائه، كمدع أول، أمام محكمة الردة- أو، بالأحرى، مهزلة محكمة الردة! – وقد ورد الرد على ادعائه الباطل في كتاب (بيننا وبين محكمة الردة) والذي ذكر السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية أنه اطلع عليه قبل كتابة تقريره!! وبالرغم عن تفنيد كتاب (بيننا وبين محكمة الردة) لادعاء الأمين داؤود يصر السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية على التمسك به، فيورده من ضمن حجج تقريره العجيب.. فلقد مر علينا قوله تحت عنوان ((الأحوال الشخصية)) من هذا الكتاب الذي بين يديك: ((ومن آرائه الباطلة فيما يتعلق بتشريع الأسرة فى الاسلام قوله أن حظ المرأة فى الميراث والشهادة وحظها فى الميراث أمر مثبت فى التنزيل الحكيم..)) هذا هو حظ السيد أحمد البيلي من الأمانة العلمية... ولا ننسى أنه مدير مصلحة "الدراسات الدينية" !! أكثر من ذلك، فان "الشئون الدينية" قد اشترت مئات النسخ من كتاب الأمين داؤود، كمرجع من المراجع التى يعتمد عليها جيش وعاظها فى حربهم المعلنة ضدنا.. بل أنه صار يروج لهذا الكتاب فى المساجد!! وليس استشهاد السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية به في تقريره ببعيد!! ونحن نحب أن يرجع الناس الى الصفحات السالفة الذكر من كتاب الأمين داؤود، وبخاصة صفحة 33، معتذرين عما تسببه لهم من أذى، حتى يدركوا مبلغ ما انحدرت اليه ((الأمانة العامة للشئون الدينية)) من الخصومة الحمقاء، وذلك بتبنيها البذاء والاقذاع والقول الساقط باسم الدفاع عن الدين!! ان كتاب الأمين داؤود ينم، تماما، عن قدر الأمانة العامة للشئون الدينية... فهى لن تعدو قدرها!! هذا، والكتاب مطبوع، فى طبعته الثانية، بالمطبعة الحكومية!! أما كتاب (حسين محمد زكى) فليس خيرا من سابقه! وحسين محمد زكي هو المدعي الثاني أمام مهزلة محكمة الردة وقد قال فى ادعائه أمام تلك المهزلة (يقول محمود محمد طه فى كتابه الرسالة الثانية صفحة 87 النص الآتي: ((وما من نفس إلا خارجة من العذاب في النار، وداخلة الجنة، حين تستوفي كتابها في النار، وقد يطول هذا الكتاب، وقد يقصر، حسب حاجة كل نفس إلى التجربة، ولكن، لكل قدر أجل، وكل أجل إلى نفاد. والخطأ، كل الخطأ، ظن من ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقا، فجعل بذلك الشر أصلا من أصول الوجود، وما هو بذاك. وحين يصبح العقاب سرمديا يصبح انتقام نفس حاقدة..) ويقف حسين محمد زكى عند هذا الحد من النقل من كتاب "الرسالة الثانية من الاسلام" من صفحة 87 (الطبعة الأولى)، (صفحة 88 الطبعة الرابعة)، ثم يذهب ليقول "فهو بذلك يصف الله تعالى بالحقد" مع أن النص يقول: " والخطأ، كل الخطأ، ظن من ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقا، فجعل بذلك الشر أصلا من أصول الوجود، وما هو بذاك. وحين يصبح العقاب سرمديا يصبح انتقام نفس حاقدة، لا مكان فيها للحكمة، وعن ذلك تعالى الله علوا كبيرا" .. فهو قد حذف عبارة " وعن ذلك تعالى الله علوا كبيرا" ليصل الى غرضه المبيت. ولقد أورد حسين محمد زكي ذلك النص من كتاب (الرسالة الثانية من الاسلام) مبتورا، وذلك في كتابه الذي أسماه (القول الفصل في الرد على محمود محمد طه) – صفحة 142 – وقد بتر عبارة " وعن ذلك تعالى الله علوا كبيرا"، ثم ذهب يخرج التخريجات المغرضة.. والرد على ادعاء حسين محمد زكي أمام "مهزلة محكمة الردة" قد ورد فى كتاب (بيننا وبين محكمة الردة) الذي زعم السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية أنه اطلع عليه، كما اطلع على كتاب (الرسالة الثانية من الاسلام)، قبل كتابة تقريره.. وبالرغم من ذلك يستشهد السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية بكتاب حسين محمد زكي الذي تضمن هذا الادعاء، كما تضمن ادعاءات أخرى على شاكلته.. مغفلا، عن قصد، ردنا عليه في كتاب (بيننا وبين محكمة الردة).. ورجل، كالبيلي، على هذا القدر من عدم الأمانة العلمية، يتبوأ منصبا رسميا، ويتحدث باسم الدين، بل ويدعي الغيرة على الدين!! أما الكتاب الذى قال عنه السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية (وهناك كتيب رابع صدر بقلم أحد علماء المملكة العربية السعودية لم نقف على إسمه) فهو كتاب بعنوان (المحاضرة الدفاعية عن السنة المحمدية) لمحمد أمان.. والسيد مدير مصلحة الدراسات الدينية لم يقف على إسمه، ناهيك عن أن يطلع على محتواه، ومع ذلك يستشهد به كأحد الكتب التي صدرت في معارضة دعوتنا!! وهذا مثل آخر لعدم الأمانة العلمية التي يطفح بها تقريره العجيب. ويكفي أن نورد من هذا الكتاب، الذي قال السيد أحمد البيلي أنه لم يقف على إسمه، ما جاء فى صفحة 26: ("حسنات الأبرار سيئات المقربين" وقد ذكرت في بعض مواقفي مع صاحبنا (يقصد الأستاذ محمود محمد طه) أن هذا الكلام ليس بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا قول صحابي، ولا تابعي، بل هو قول أبى سعيد الخراز – أحد الصوفية – كفى الله المسلمين شرهم، كما ذكرت أنه غير صحيح من حيث المعنى)!!هذا ما جاء فى كتاب (محمد امان)، أما رأيه في السادة الصوفية فليس جديدا ما دام هو "أحد علماء المملكة العربية السعودية"!! وهو رأي (جماعة أنصار السنة) الذين يلتقون مع الأخوان المسلمين، ورجال الأمانة العامة للشئون الدينية، في معارضة دعوتنا.. ورأي (جماعة أنصار السنة) في السادة الصوفية انما يخبر عن مستواهم من الدين أحسن اخبار!! ونحب أن نورد هنا ما جاء في كتابنا (طريق محمد) عن التصوف الاسلامي ونسأل السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية رأيه فيه... فقد جاء فى صفحة 26 من هذا الكتاب (الطبعة الخامسة) : ((إن التصوف الإسلامي، في حقيقته، هو تقليد السيرة النبوية.. فالنبي، في خاصة عمله، قبل البعث، وبعد البعث، هو عمدة الصوفية، وإن كان اسم الصوفية لم يظهر إلا مؤخرا. فالصوفية، في حقيقة نشأتهم هم أنصار السنة المحمدية، ولقد ازدهر التصوف في القرون السبعة التي تلي القرن الثالث، وكانت قمته في القرنين السادس والسابع، ثم لحق التصوف من التبديل، والتغيير، والضعف ما لحقه، مما نراه الآن، وهو، على ما هو عليه، من هذا الضعف، وهذا الانحراف عما كان عليه السلف، أقرب إلى الدين، من كثير من المظاهر الكاذبة، التي تدَّعي الدين وتعيش باسمه)) هذا ما جاء في كتاب (طريق محمد) .. فالصوفية، فى حقيقة نشأتهم، هم أنصار السنة المحمدية.. وكتاب محمد أمان (أحد علماء المملكة العربية السعودية) الذي أسماه (المحاضرة الدفاعية عن السنة المحمدية) انما هو، برأيه هذا في السادة الصوفية، عمل ضد السنة المحمدية!! ومع ذلك فالسيد مدير مصلحة الدراسات الدينية مطمئن، تمام الاطمئنان، لكتاب يخرجه (أحد علماء المملكة العربية السعودية) في أمر من أمور الدين.. فهو يستشهد به، حتى من غير أن يقف على اسمه!! والسيد أحمد البيلي، فيما يبدو، وشيج الصلة بدعوة (جماعة أنصار السنة)، وهى، عندنا، دعوة باطلة... ألم يقل السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية في تقريره: ((ومن الأخطاء الشنيعة التي يقع فيها استشهاده بالأحاديث الموضوعة المكذوبة عليه صلى الله عليه وسلم من مثل عبارة "ما وسعني أرضي ولا سمائي وانما وسعني قلب عبدي المؤمن") ؟؟!! ومعروف طعن (جماعة أنصار السنة) فى صحة الأحاديث الشريفة والقدسية التي يوردها السادة الصوفية (ومنها هذا الحديث) وهي، فى حقيقتها، آصل أصول الدين.. وقد رأينا، آنفا، كيف أنكر المعنى الباطني للقرآن.. كما تذهب (جماعة أنصار السنة) .. ورجل كهذا الفقيه السعودي، لا يستحق أن نخوض معه في حديث عن الدين، وهذا رأيه في السادة الصوفية .. كما أننا ما كنا سنهرق في التعليق على كتابه قطرة واحدة من المداد، لو لم يستشهد به مدير مصلحة الدراسات الدينية.. هذه هي الكتب التي أشار اليها التقرير العجيب كمراجع يستشهد بها فى معارضتنا، وهذا هو نصيبها من الدين، ومستواها من الأخلاق.. ويمضي السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية في تقريره ليقول: "وقد أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف بعد اطلاعها على كتابه الرسالة الثانية فتوى بأن ما جاء فى الكتاب (كفر صراح ولا يصح السكوت عليه) وطالبت بمصادرة هذا الفكر الملحد والعمل على ايقاف هذا النشاط الفكرى الهدام..)) هذا ما قاله السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية.. وبغض النظر عن صحة خبر هذه الفتوى، فان الأزهر ليس حكما على دعوتنا، ذلك بأن دعوتنا غريبة، كل الغرابة عليه. ونحن لن نتوقع الا أن يكون رأي الأزهر في دعوتنا صورة، كبرت أو صغرت، لمهزلة محكمة الردة!! أليس الأزهر هو المدرسة التي يتخرج فيها الأشياخ من أضراب رجال الأمانة العامة للشئون الدينية؟ وتاريخ الأزهر انما هو، كله، سير خلف الحكام، حتى الأجنبى منهم، "وتفصيل" للفتاوى على قدر أهوائهم.. واليكم طرفا من هذا التاريخ الحافل بالمخازي: * أصدر علماء الدين المصريون بيانا لتهدئة الثورة المصرية ضد الفرنسيين، ابان الغزو الفرنسي لمصر، يقول: "نصيحة من كافة علماء الاسلام بمصر المحروسة .. نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ونبرأ من الساعين في الأرض بالفساد ..)) ويستطرد البيان فيقول: " فعليكم الاّ تحركوا الفتنة، ولا تطيعوا المفسدين، ولا تسمعوا كلام من لا يقرأون العواقب، لأجل أن تحفظوا أوطانكم، وتطمئنوا علي عيالكم، وأديانكم، فان الله سبحانه وتعالى، يؤتي ملكه لمن يشاء، ويحكم بما يريد، ونصيحتنا لكم، ألا تلقوا بأيديكم الى التهلكة.."!! هذا هو موقف علماء الدين بمصر من الغزو الفرنسي! موقف التثبيط لثورة الشعب المصري ضد الاستعمار، وذلك بهذه "النصيحة": "ونصيحتنا لكم الا تلقوا بأيديكم الى التهلكة" .. كلمة حق أريد بها باطل.. وهذه "النصيحة" هي التي كان "ينصح" بها علماء الدين فى السودان الجمهوريين كلما اتصلوا بهم ليذكروهم بواجبهم الديني فى مناهضة الاستعمار الانجليزي، ولم يكن موقف علماء الدين فى السودان من الاستعمار الا من قبيل موقف أضرابهم من علماء الدين بمصر .. التزلف الى الأنجليز والتزيى "بكساوى الشرف" التي كانوا ينعمون بها عليهم، والافتاء وفق الأغراض الاستعمارية.. ألم يفت مفتي الديار السودانية بتحليل الافطار فى رمضان للجنود السودانيين المحاربين مع الانجليز، آنذاك، على أساس أنهم مجاهدون فى سبيل الله ؟!! هذا، وليس بعيدا عن الأذهان، تشبيه أحد الوعاظ لقادة انقلاب 17 نوفمبر ببعض الصحابة والأنبياء؟!! * وابان الاحتلال الانجليزي لمصر عام 1914 استعان الانجليز بعلماء الدين لتهدئة حركة المقاومة الشعبية.. وقد جاء في كتاب (حوليات مصر السياسية) – تأليف أحمد شفيق باشا رئيس الديوان الخديوي السابق – ما يلي: ((رسالة هيئة كبار العلماء في الحرب .. ولم يكتف القوم باعلان الأحكام العرفية، ولا باصدار القائد العام للجيوش البريطانية، الذي أعترف فيه بما للخيلفة من الاعتبار عند مسلمي القطر، بل لجأوا، من باب زيادة الحيطة، الى الاستعانة بهيئة كبار العلماء بالديار المصرية، فاستصدروا منها في 16/11/1914 رسالة الى الأمة، تدعوها فيه الى السكون، والتفادي عن الفتن، واطاعة الحكومة، وكان على رأس كبار العلماء صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر ((الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر والشيخ بكري عاشور مفتي الديار المصرية)) ولم يترك أصحاب الفضيلة، العلماء، آية من آيات الذكر الحكيم، أو حديثا من الأحاديث النبوية، تحض على عدم المخاطرة، وعدم إلقاء الانفس الى التهلكة، أو اتقاء الفتنة، أو البعد عن تدخل المرء فيما لا يعنيه، الا أتوا به في هذه الرسالة))!! * جاء فى مجلة الأزهر بمناسبة عيد ميلاد فاروق (سنة 1939) ما يلى: ((عيد ميلاد جلالة الملك المعظم فاروق الأول.. حضرة صاحب الفضيلة الإمام يحتفل به فى الأزهر.. احتفلت الأمة المصرية عن بكرة أبيها يوم 11 فبراير الراهن بعيد ميلاد صاحب الجلالة الملك فاروق الأول احتفالا يستوقف النظر من اشراق الوجوه وافترار الثغور، وقد قام رجال الأزهر بواجبهم من الاحتفال بهذا العيد الكريم تحت رئاسة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الامام الشيخ محمد مصطفى المراغي واحتشد فيه بعد صلاة العشاء اعلام العلماء والطلاب وكبار موظفي المعاهد. وما وافت الساعة الثامنة حتى نهض صاحب الفضيلة الأستاذ الامام فألقى خطبة جمعت فأوعت من مناقب حضرة صاحب الجلالة الفاروق..)) !! * وجاء فى مجلة الأزهر يوليو 1962: ((دعا الامام الأكبر شيخ الجامع الأزهر اساتذة الكليات وشيوخ المعاهد ومدرسيها وطلابها الى مؤتمر عام يناقشون فيه مشروع الميثاق الوطنى من الوجهة الأزهرية، فلبى دعوته عشرات الألوف من جنود الرسالة المحمدية وورثتها في القاهرة والمحافظات تحت رئاسته في قاعة الامام محمد عبده بالأزهر..)) وخرج المؤتمر بتوصيات منها: ((بعد دراسته "الميثاق الوطني" ومناقشته قرر المجتمعون أن هذا الميثاق الوطني في مبادئه يتفق ومبادئ الدعوة الاسلامية، وانه ينشد مجتمعا انسانيا قامت الدعوة الاسلامية في مكة على أساسه وجاءت مرحلة المدينة لتنظيم حياة هذا المجتمع)) !! * وجاء فى مجلة الأزهر، الجزء الأول – السنة الرابعة والثلاثون – المحرم سنة 1383 هـ، يونية 1962م ما يلى: ((عام جديد على أزهر جديد.. بقلم أحمد حسن الزيات: .. ان ميثاقك الذي عاهدت الله الوفاء به، وعاهدك الشعب على اللقاء عليه، حروف من كلمات الله، لم يؤلفها أحد قبلك في أي عهد، لا في القديم، والحديث، لا في الشرق والغرب، ولم يبق شيء في نفوس المعذبين في الأرض والمستضعفين من الناس الا وجدوه فيه..))!! * جاء في مجلة الأزهر يناير 1963 – الجزء السادس السنة الرابعة والثلاثون – تحت عنوان "عصرنا الذهبي الرابع" ما يلي: ((.. وسينتشر ضوء ميثاقك المحكم الهادي في كل نفس، وفي كل أرض، انتشار كلمة الله لأنه الحق الذي وضعه الله في شرعه والمنهج الذي سنه لجميع خلقه..)) !! هذا هو تاريخ الأزهر!! سير فى ركاب السلطة، وافتاء بما تريد، وتملق رخيص لها.. ولقد أخرج الأزهر بيانا عن الأخوان المسلمين جاء فيه: ((.. ولكن أعداء الاسلام حين عز عليهم الوقوف أمامه حاولوا حرب الاسلام باسم الاسلام، فاصطنعوا الأغرار من دهماء المسلمين، ونفخوا في صغار الأحلام بمغرور القول ومعسول الأمل. وألفوا لهم مسرحيات يخرجها الكفر لتمثيل الايمان وأمدوهم بأمكانيات الفتك وأدوات التدمير..)) ((.. واذا كان القائمون على أمر هذه المنظمات قد استطاعوا أن يشوهوا تعاليم الاسلام في افهام حفنة من الناشئة واستطاعوا أن يحملوهم بالمغريات على تغيير حقائق الاسلام تغييرا ينقلها الى الضد منه والى النقيض من تعاليمه فان الأزهر لا يسعه الا أن يصوب ضلالهم ويردهم الى الحق من مبادئ القرآن الكريم والسنة المشرفة..)) ((.. واني لأعجب أشد العجب ممن يدعي الاسلام والغيرة عليه كيف يسوغ له أن يوالي أعداء الاسلام وأن يأخذ منهم مقومات الفتك بالمسلمين ويستعين بمالهم على أخوة له فى الدين والوطن والانسانية.. الا ساء ما يدعون وبئس ما يفترون..)) هذا هو رأى الأزهر في (( الأخوان المسلمين)) .. وهو رأي ما كان ليخرجه فيهم لولا أنه كان يمالئ به السلطة، فالأخوان المسلمون "والأزهر" انما ينبعثون، جميعا، من اديم واحد هو التفكير الديني السلفي المتخلف. وقد قال الدكتور منصور خالد في كتابه (حوار مع الصفوة) – صفحة 80، 81 – ما يلي: ((ان الاسلام ليس بملك لفرد أو جماعة.. فلا يكفي أن تأتي الدولة أو الصدفة التاريخية أو الميراث برجل توليه مكان الصدارة في أمور الدين فيظن بعض الناس، ويظن هو بظنهم، أنه قد أضحى كبيرا للمجتهدين، وواليا على المؤمنين وظلا على أرضه لله المكين.. وقد ظننت أن الأخوان المسلمين، وهم الذين يقولون بالعمل على ابراز الاسلام فى صورته الصقيلة التي تناسب العصر، ظننت أنهم لن يروا في تأييد هذا النفر من شيوخ الدين التقليديين مكسبا ولن يروا فى مؤازرتهم ربحا.. ظننت هذا وهم الذين يذكرون أن علم الشيخ المراغي غفر الله له – لم يمنعه من أن يكون مفتيا لأخطاء الملعون فاروق. وان اباحة الإفطار للمسلمين في تونس لم تجد لها من سند الا عند الشيخ ابن عاشور مفتي الديار التونسية.. وان الافتاء بكفر الأخوان المسلمين – يوم أن حاربتهم الدولة – انما قال به الشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الأزهر الشريف..)) وقال الدكتور منصور خالد فى كتابه (صفحة 194): ((أتابع ما يدور.. وأسمع ما يتردد فلا أراه يختلف كثيرا فى جوهره، عن ما شهدته مصر العشرينات.. أتابع وأسمع فأرى نماذج لشيوخ مصر وهم يدينون رجلا ذا عقل وارف وخيال مدرار مثل الشيخ علي عبد الرازق ويتهمونه بالزندقة والفسق. وأرى نماذج للشيخ التفتنازي.. ذلك الشيخ الذى يجب أن يوضع أمثاله فى حوانيت العاديات كنموذج للتحجر الفكري.. أرى نماذج التفتنازي – أو الزفتنازي كما وصفه شاعر الشعب الصداح بيرم التونسي – أراه وهو يقف في المنابر ليدين المرحوم عمر لطفي المحامي داعية التعاونيات وأحد منارات الطريق في تاريخ التطور الاجتماعي في مصر .. يدينه بالالحاد والشيوعية لدعوته التعاونية تلك..)) هذا ما قاله الدكتور منصور خالد فى كتابه (حوار مع الصفوة).. والآن فما رأي السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية فيما رويناه ههنا من تاريخ الأزهر؟ وما رأيه في بيان الأزهر حول "الأخوان المسلمين"؟ قد يكون السيد أحمد البيلي "أخا مسلما"، أو قد لا يكون.. ولكنه، بالتأكيد، انما ينطلق من نفس منطلق "الأخوان المسلمين" الفكري.. ويلتقي معهم، كل الالتقاء، في معارضة دعوتنا.. ألم يكن البيلي من دعاة "الدستور الاسلامي المزيف" الذي يدعو به "الأخوان المسلمون"؟ فليع السيد أحمد البيلى، وأشياخ الأمانة العامة للشئون الدينية كل اولئك، أما استناد السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية الى رأى الأزهر في دعوتنا، فهو استناد الى سبب واه لا يلقى احتراما من ذي بصيرة.. وقد عرفنا تاريخ الأزهر في اصدار الفتاوى!! فالأزهر لا يمثل الا القلعة الكبرى للتفكير الديني السلفي المتجمد الذي عزل الدين عن الحياة الجديدة، يعانون، أشد المعاناة، من مركب النقص بإزاء هذه الحياة الجديدة.. والدعوة الاسلامية الجديدة انما تقوم، ان شاء الله، على أنقاض هذا التفكير الدينى المتخلف.. تبعث الاسلام وتحيي السنة، وتعيد الدنيا الى حظيرة الدين.. |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
وفي هذه الفقرات يعرض كتاب "الميزان بين محمود محمد طه والأمانة العامة للشئون الدينية" لمسألة المناظرة ويسرد وثائق هامة من الصحف تعود إلى تواريخ محددة وأحداث بعينها..
Quote: ويمضى السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية ليقول في تقريره العجيب: ((وقد طالبه بعض العلماء بعقد مناظرة معلنة تقام بدار اتحاد طلاب جامعة الخرطوم على أن يحضر ويدافع عن آرائه فرفض الاشتراك في المناظرة متعللا بأنه فوق مستوى من سيناظره)) هذا ما قاله السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية.. أما "بعض العلماء" الذي قال عنه أنه طالب الأستاذ محمود محمد طه بعقد "المناظرة" فهو عطية محمد سعيد (أحد زعماء الأخوان المسلمين وجبهة الميثاق السابقة) .. وأحد شهود مهزلة محكمة الردة أيضا!! وحقيقة الأمر يحكيها ما نشر بصحيفة الرأي العام يومي 14/11/67، 26/1/1968.. ونترك القارئ مع ما نشر، يومئذ، ليحيط بالأمر من جميع أطرافه: ((الرأي العام 14/11/1967م "مناظرات" حول دعوة مناظرة "للأستاذ محمود محمد طه")) أطلعت على دعوة السيد عطية محمد سعيد، للأستاذ محمود محمد طه، لمناظرته، تحت الشروط التي عددها- والاحظ أن الدعوة جاءت قلقة، ومضطربة، بسبب عقدة تقصير عانى منها السيد عطية، نتيجة مواقف وقفها بمدينة القضارف، أذكر منها: 1- ان السيد عطية كان موجودا بالقضارف، حين وصول الأستاذ محمود اليها، وقد طلب اليه نفر من المواطنين مواجهة الأستاذ محمود في محاضرته، بالنادي الأهلي، مساء ذلك اليوم السبت 25 نوفمبر، ولكنه اعتذر بسبب سفره لدوكة، أو عصار، على ما أذكر. 2- حينما عاد السيد عطية للقضارف، وجدها واقفة على قدم وساق مع الأستاذ محمود، حيث يتحدث لمواطنيها في محاضرته الخامسة، مساء ذلك اليوم، الأربعاء 29 نوفمبر، بدار المعلمين عن "أسس دستور السودان".. فبدل أن يحضر السيد عطية، لمواجهة الأستاذ محمود، بدار المعلمين، ذهب ليقيم محاضرة في نفس الوقت عن "محمود محمد طه في ميزان الاسلام" قوبلت بالاستهجان والاستخفاف لعدم الجدية في المواجهة. 3- في هذا الظرف أرسلت أنا – كاتب هذه السطور – وليس الأستاذ ذا النون جبارة – خطابا للسيد عطية، عن طريق جبهة الميثاق، اقترحت فيه قيام مناظرة نواجه فيها بعضنا تحت عنوان: "عطية محمد سعيد ومحمود محمد طه، يتناظران عن ماهية الاسلام". كما اقترحت النادي الأهلي مكانا للمناظرة، لامتيازه بحسن الموقع، وتوفر الاضاءة. وتركت للسيد عطية، وأخوانه، حق الاعتراض عليه، ومع ذلك، اعتذر السيد عطية أيضا بسبب السفر.. وقد أعلنت بنفسي صورة خطابي، واعتذاره، على المواطنين المجتمعين مع الأستاذ محمود بدار المعلمين.. وكأثر لرد فعل الظروف التي أوجزتها بعاليه، وما نشأ عنها من تعليقات بالقضارف، جاءت دعوة السيد عطية، المشروطة، لمناظرة الأستاذ محمود محمد طه، والتي أعلنت بجريدة الرأي العام.. ويلاحظ القارئ، من غير عناء في تدقيق النظر، اضطراب الدعوة، وعدم جديتها، لأن الداعي ترك أمر دعوتها عائما، فهو لم يحدد تاريخ الدعوة، ولا مكانها، ولا موضوعها، وكان من واجبه أن يفعل ذلك، ثم يترك للمدعو حق الموافقة أو الرفض. ان وضع الأمر بهذه الصورة، التي نشره بها السيد عطية، ليس أكثر من تمثيلية ضعيفة الحبكة، قصد بها ادراك ما فاته بالقضارف.. وهيهات! ثم من حق السيد عطية علينا أن يعرف أن اقتراحنا لمناظرته بالقضارف، لم نقصد من ورائه، البتة، منازلته في ميدان الفكر الديني، لأننا نعرف سلفا المستوى الثقافي لأفكاره، وانما قصدنا، بحق، تعرية وكشف التضليل الذي يمارسونه باسم الدين.. وقد تحكمت أيضا في الموقف ظروف القضارف، التي هى غير ظروف الخرطوم.. هذه بالاضافة الى أننا نعلم، يقينا، أن السيد عطية عاجز، بطبيعة تفكيره، عن مناظرة أفكار الأستاذ محمود، وغير جاد فيما يدعي، والا فليقل لنا لماذا لم يتعرض هو، أو حزبه، لمؤلفات الأستاذ محمود بالنقد والنقاش، وهي كما تعلم كثيرة وقد وزعت منها عشرات الألوف في أنحاء البلاد المختلفة؟ ثم هي تنشر، وتبشر بأفكار دينية تختلف مع السيد عطية وحزبه، اختلافا أساسيا، فماذا فعلوا في معارضتها؟؟ وأخيرا أسوق مثالا حيا على عدم الجدية وسذاجة الفكر في دعوة السيد عطية، وهو اشتراطه، لقيام المناظرة، قيام لجنة تحكيم تكون قراراتها ملزمة للطرفين، مع ان البداهة في عرف قضايا الفكر ترفض هذا الرأى لسذاجته، ثم فيه دليل على أن فكر السيد عطية هين عليه، وهو على استعداد للتخلي عنه بقرار لجنة تحكيم! فهل رأى الناس هوانا للدين والفكر كهذا الهوان؟ تصوروا لو ان كفار مكة طلبوا الى النبي مناظرتهم على مثل شروط السيد عطية.. أيقبلها؟! وعليه، فاني، نيابة عن الحزب الجمهوري، أرفض مناظرة الأستاذ محمود محمد طه للسيد عطية محمد سعيد.. سعيد شايب - الحزب الجمهوري)) ونشرت "الرأي العام" – 26 يناير 1968 – هذه الكلمة للأستاذ محمود محمد طه: "حول مناظرات الأستاذ عطية محمد سعيد.. تحية 1- بالاشارة لدعوتك إياى لمناظرة، المنشورة بصحيفة الرأي العام يوم الأربعاء 6/12/67 ورد الأستاذ سعيد الطيب شايب عليها نيابة عن الحزب الجمهوري.. 2- كل ما قاله الأستاذ سعيد هو رأي الحزب الجمهوري، كان ولا يزال. 3- ولكن الحزب اطلع على دعوتك الثانية، المنشورة بجريدة الرأي العام الغراء عدد 17/1/68، وبخاصة، قولك ((خامسا.. لقد اتصلت ببعض المسئولين بهذه الجامعات فرحبوا بالفكرة ووعدوا بتقديم التسهيلات اللازمة للمناظرة وأنا في انتظار موافقكتم لتحديد التاريخ المناسب)) فرأى أن ينزل عن رأيه هو في أمر هذه المناظرة عند رأيك انت فيها – استجابة لرغبتك انت وارضاء لخواطر أناس قد يكون إلحاحك قد علق خواطرهم بقيامها، ابتغاء أن يظهر الله الحق، على لساني، أو على لسانك، فينتفع به منتفع، ويهتدي به مهتد، أو يزيد هداية.. 4- على هذا فامض في سبيل الاعداد وارتبط بأى زمن يناسبك فاني لأرجو الله أن يمكنني من الالتزام به.. وان احتجت لأي مساعدة في الاعداد فان الحزب يمكنه أن يعين من أعضائه من يقوم بتقديم تلك المساعدة.. 5- ليس للحزب أي شرط يشترطه غير أن تكون المناظرة مفتوحة للعامة، بغية توسيع الفائدة.. والله المسئول أن يظهر الحق ويزهق الباطل – "ان الباطل كان زهوقا".. هذا مع تحياتي واطيب أمنياتي.. يمكن الاتصال بتلفون 77089 – ذو النون جبارة الطيب – ص. ب 752 الخرطوم)) هذا ما كان من أمر الدعوة الى "المناظرة" الذي يزعمه السيد أحمد البيلي، كما يزعمه عطية محمد سعيد (زعيم جبهة الميثاق السابقة)!! ولقد رفض الجمهوريون، أخيرا، قيام المناظرة بعد أن تبين لهم أن عطية محمد سعيد، بما تنم عنه شخصيته، وبما يمثله من فكر، ليس في مستوى النظير الذي يناظر الأستاذ محمود محمد طه.. كما اوضحوا استحالة قيام حوار فكري في جو كالجو الذي اختاره عطية محمد سعيد حيث يتم حشد (الأخوان المسلمين) لإحداث التهريج وإثارة الشغب. ولقد عرض الجمهوريون، بديلا لذلك، أسلوب المحاضرات، حيث يمكن أن يجري فيه النقاش بين الطرفين على أساس ما يقدم المحاضر في محاضرته.. وقدم الأستاذ محمود محمد طه عشرات المحاضرات، فلم يظهر فيها أحد من هؤلاء (الفقهاء)!! والتهرب من مواجهة الأستاذ محمود محمد طه، في الحوار العلمي، كان دأب (الفقهاء) من زمن طويل.. وقد دعوا، مرات عديدة، الى الحوار، دعوات عامة، ودعوات خاصة، فلم يلبوا الدعوة، ولم يعتذروا عنها.. وانما ذهبوا ليشيعوا الشبهات حولنا، ويثيروا الفتنة في غيبتنا، بل أنهم عمدوا، دائما، الى الحيلولة دون أن نعطى الفرصة في الدفاع عن أنفسنا في المنابر التي يحتكرونها للهجوم علينا.. واليكم مثلا لهؤلاء الفقهاء في التهرب من المواجهة الفكرية، والانصراف الى الخوض في الأعراض: في يناير 1960 فصل المعهد العلمي، بامدرمان، ثلاثة من الطلاب، لانضمامهم الى الدعوة الاسلامية الجديدة التي وجدوا فيها من الصدق، ما لم يجدوه في (فقهاء) ذلك المعهد، ولا فيما يتلقونه عنهم.. وقد بدت لهم مفارقة هؤلاء (الفقهاء) الواضحة للدين. وعلى اثر ذلك قام الشيخ محمد المبارك عبدالله، شيخ المعهد العلمى، بامدرمان، آنذاك، بالهجوم الجائر على الأستاذ محمود محمد طه بين جدران فصول الدراسة، وعلى أعمدة الصحف.. فرد الأستاذ محمود عليه بما يكشف خطل موقفه وباطل دعواه.. وقد نشرت صحيفة (الأخبار)، بتاريخ 31 يناير 1960، هذه الكلمة للأستاذ محمود: ((مع الحوادث والناس – الأخبار 31 يناير 1960 - محمود محمد طه يتحدث عن بيان مشيخة المعهد.. وفصل الطلاب الثلاثة وقصة رفع التكاليف كاملة: 1- في نكبة المعهد المؤسفة، جرجر شيخ العلماء اسمي بين جدران فصول الدراسة، وشهر بي في الصحف، في بلاغاته، وبيانه الرسمي، وأساء الى سمعتي عند الرأي العام جميعه، بصورة مؤلمة، وانا أعرف ما لي من حق عليه عند القضاء، ولكن لست بصدده الآن، وانما أنا الان بصدد ما لي عليه من حق أدبي يجعل من واجب محرري الصحف أن يعطوا هذا البيان نفس الاهتمام الذي أعطوه لبيان الشيخ.. ولقد كان الطلبة يسألون عن رأيهم فى، ويطالبون بإصدار حكم علي، أنا بالذات، ويراد منهم ان يقولوا عني أمرا لا يرونه في.. فاذا قالوا أن محمود محمد طه غائب الآن، ولا موجب للتحدث عنه، ويمكنك، أيها الشيخ الجليل، أن تسأله في أي وقت شئت، وبأي وسيلة شئت، أصر الشيخ على الاجابة المحددة التي يريد.. فاذا ذهب الطلبة ليشرحوا رأيهم في طريقة الاستجواب، لم يمهلوا، وانما أعجلوا إعجالا، واستفزوا استفزازا، واستخرجت منهم، في حالة الاستفزاز، والاثارة، عبارات بنى عليها الشيخ قراره المؤسف.. 2- ان هؤلاء الطلبة الثلاثة، منهم اثنان يحملان الشهادة الأهلية، وينتميان الى قسم الشريعة، في القسم العالي، وهو آخر مراحل المعهد العلمي، والشهادة الأهلية، في ذاتها، درجة علمية لا تحمل الجمهرة الغالبة من خريجي المعهد العلمي أكثر منها، ومع ذلك يقول الشيخ عنهما، وعن زميلهما، الذي هو ثالث فرقته: ((ان لهم خرافة سخيفة تتنافى مع ما علم من الدين بالضرورة)). ويقول في بيانه عن محيسي، وهو حامل الشهادة الأهلية، وهي، كما قلنا، مرتبة علمية يعترف بها المعهد ولا تحمل الجمهرة الغالبة من خريجيه أكثر منها – يقول عنه في بيانه: ((بل قد قال محيسي في بلاهة مضحكة أن محمود محمد طه لو صلى ما اتبعته))، ويقول عنهم في بيانه أيضا ((من نوع هؤلاء المغفلين الضالين الذين يجرون وراء الأوهام والأباطيل المفضوحة))) 3- والآن فان هناك أحد أمرين: اما ان الأفكار التي يحملها الطلبة الثلاثة ((من الأوهام والأباطيل المفضوحة))، فيكون طلبة المعهد العلمي، حتى بعد أن ينالوا درجته العلمية الأهلية، غير قادرين على الاعتصام عن ((الأوهام والأباطيل المفضوحة))، واما ان تكون هذه الأفكار أفكارا صحيحة، قوية، لها أصالة في الدين فاتت على شيخ العلماء، وشيخ العلماء يعلم أن هذه الأفكار قد قرأها هؤلاء الطلاب، فيما يقرأون من مادة خارج المعهد، وهو يعلم مصدرها حق المعرفة.. فما هو واجبه؟ أليس من واجبه نحو طلابه، ونحو دينه، ان يناقش هذه الأفكار، ويفضحها، ويظهر وهمها، وباطلها، او يعرف صحتها وسدادها، فيدخلها في المعهد عن بينة، أو يحاربها عن بينة، بدعوى أن للمعهد رسالة محددة، وأن حرية الفكر مكانها المعاهد المدنية لا الدينية؟. 4- والآن الى الرأي العام جميعه أسوق هذا الحديث التالي: لقد حملت أنا هذه الأفكار، التي من أجلها رفت شيخ المعهد الطلاب الثلاثة، الى الدكتور كامل الباقر، مراقب مصلحة الشئون الدينية، وأخذت من وقته نحو الساعة، أناقشه فيها، بعد أن تركتها عنده في اليوم السابق ليقرأها قبل النقاش. وانتهينا من النقاش، وقد اقتنع الدكتور الباقر بأننا لو أجتمعنا أنا وشيخ العلماء في مجلس لعرف عن هذه الأفكار الكثير مما ينكره الآن.. فقد كنت أخبرت الدكتور الباقر بأن شيخ العلماء لم يعط نفسه الفرصة ليفهم ما نقول طيلة الثلاث سنين الأخيرة، وطلبت منه ان يعمل على ان نجتمع بالشيخ لهذا الغرض، فأخبرني أنه سيعقد هذا الاجتماع اما في المعهد العلمي، واما في مكاتب مصلحة الشئون. وشعرت انه يميل لأن يكون الاجتماع بالمعهد، اعتبارا لمكانة الشيخ فقبلت.. 5- كان هذا الحديث بيني وبين الدكتور الباقر صباح يوم الثلاثاء الماضي، وفي حوالي الساعة الواحدة والنصف من نفس اليوم، اتصل الدكتور مشكورا وقال ان فضيلة الشيخ قد قبل ان يكون الاجتماع غدا (الأربعاء)، الساعة الرابعة بعد الظهر، بمنزله، فحاولت ان احتج على المكان، ولكن الدكتور لم ير في ذلك بأسا، وطلب منى الموافقة، فوافقت. وخرجت من مكتبي على ذلك، ولكن الشيخ عاد واتصل بالدكتور، بعد نصف ساعة، ليقول: ((أعفوني من هذا الاجتماع))، ولم يتمكن الدكتور الباقر من الاتصال بي الا صبيحة الأربعاء ليبلغني آخر التطورات.. 6- والآن فاني أرى انه من حقي، وقد خاض الشيخ فيما خاض فيه من أمري، ومن حق الطلبة المفصولين، والباقين، ومن حق الرأي العام السوداني، ومن حق الاسلام، على شيخ العلماء، أن يناقشني في هذه الأفكار نقاشا علنيا، في مناظرة، يحضرها كل من يحب، حتى ينجلي الحق لذي عينين. واني اعتقد أن من واجب الصحافة ان تعلن طلبي هذا، وان تسانده، وان تسعى لتحقيقه.. وعلى الله قصد السبيل.. محمود محمد طه)) هذا، ولم يستجب شيخ العلماء لدعوة المناظرة، كما لم يحضر للمناقشة في أية محاضرة من المحاضرات التي قدمها الأستاذ محمود محمد طه، ودعا اليها (الفقهاء) خاصة وأفراد الشعب عامة.. ومن هذه المحاضرات محاضرة بعنوان (لحل مشاكلنا الحاضرة يجب تطوير الشريعة الاسلامية) التي كانت الدعوة اليها عامة، كما وزعت بطاقات دعوة خاصة اليها على زعماء الهيئات والأحزاب الاسلامية وعلماء الشريعة.. وقد أقيمت بدار الجمهوريين بالموردة بتاريخ 16/4/1965. وأقام الجمهوريون (مهرجان الصلاة) الذي بدات ليلته الأولى بدارهم في يوم 28/11/1965، ونشرت الدعوة اليه صحيفة السودان الجديد في نفس ذلك اليوم.. وكانت الدعوة لأفراد الشعب عامة، ولعلماء الشريعة الاسلامية خاصة. ثم قدم الأستاذ محمود محمد طه ندوة بعنوان (الرسالة الثانية من الاسلام) بدار الجمهوريين بالموردة بتاريخ 3/11/1966، وقد دعى اليها رجال الدين ببطاقات دعوة خاصة، أرفقوا معها ((رسالة الصلاة)).. كل هذه المحاضرات والندوات، وغيرها، يعلن عنها، على أوسع نطاق، ويدعى اليها (الفقهاء) دعوات خاصة ودعوات عامة، فلا يلبون، ثم يذهبون، بعد تهربهم من المواجهة الفكرية، ليثيروا الشبهات حول دعوتنا، في غيبتنا!! ان صنيع هؤلاء (الفقهاء) انما هو مثل الخصومة الفاجرة ليس له نظير.. |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
مواصلة......
Quote: مهزلة محكمة الردة: ويقول السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية تحت عنوانه: (سادسا – موقف الجهات الرسمية قبل ثورة مايو 1969) ما يلي: ((1- "القضاء الشرعى: تقدم اثنان من العلماء هما فضيلة الشيخ الأمين داؤود الأستاذ بالجامعة الاسلامية والشيخ حسين محمد زكي المدرس بالمعاهد الدينية (يومئذ)، تقدما بعريضة الى فضيلة قاضي المحكمة الشرعية العليا بالخرطوم يطالبان فيها بالحكم على محمود محمد طه بالردة وذكرا، في العريضة، عبارات من كتب، رأيا أنها توجب الردة على قائلها. وقد استمعت المحكمة الى عريضة الادعاء وأصدرت حكما على المتهم بالردة، وكان ذلك الحكم بتاريخ 18/11/1968. ولم يعبأ محمود بالحكم ولم يستأنفه وظل يواصل نشاطه باسم الدين الاسلامي الذي حكمت المحكمة بارتداده عنه..)) ويمضي السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية فيقول ((2- رأس الدولة: في 25/3/1969 كان مجلس السيادة قد وجه خطابا لبعض العلماء للتدوال في أمر محمود ودعوته المنافية للدين الاسلامي، وبخاصة لما كثرت الشكاوي من نشاطه، وذلك بعد أن حكمت عليه بالردة محكمة شرعية عليا في القضية رقم 1035/1968 وان فضيلة قاضي القضاة رفع مذكرة بما ينبغي على الدولة فعله حيال محمود ودعوته، حماية للعقيدة الاسلامية الصحيحة من الافساد من عقول الأجيال الناشئة، وقد تقدم فضيلة قاضي القضاة بمذكرته رقم م ش/ع/1/12 بتاريخ 20/1/1969م وطالب بأن يتدخل السيد وزير الداخلية لمنع المحكوم عليه بالردة وأتباعه من التحدث باسم الاسلام خطابة وكتابة، وأن تصادر كتبه ولكن شيئا مما طلبه فضيلته لم يتم، حتى أندلعت ثورة مايو 1969..)) هذا ما قاله السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية.. ويحسن هنا ان نحيط القارئ علما بحقيقة محكمة الردة (المهزلة) التي يحتفل بها السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية كل هذا الاحتفال، فيستشهد بها في معارضتنا.. جاء في كتاب (مهزلة محكمة الردة مكيدة سياسية)، وهو من الكتب التي قال السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية أنه اطلع عليها قبل كتابة تقريره، جاء في صفحة 10، 11 ما يلي: ((لقد ظل الأخوان الجمهوريون، ولا يزالون، يدعون الناس الى الاسلام على بصيرة واضحة، مستمدة من الأصول الثوابت للدين الحنيف، ولقد أوسع الأستاذ محمود محمد طه فكرة البعث الاسلامي الجديد تبيانا، وشرحا، في عديد مؤلفاته، وفي عديد محاضراته، بموضوعية، وبعلمية، وفي أسلوب معجز، وتماسك منطقي، أعاد للدين هيبته، واحترامه، وأعطاه سطوة فكرية لم يشهدها تاريخ الأديان، وتاريخ الأفكار.. ومع هذا، ولعله من أجل هذا، وقف من يطيب لهم أن يسموا أنفسهم "رجال الدين" عقبة أمام هذه الدعوة، يصدون عنها الناس بالتشويش عليهم، وبتحريضهم، مدفوعين في هذا الصنيع المنكر بسوء الفهم، وسوء التخريج، وسوء القصد أيضا.. وقد فعلوا كل أولئك منبعثين من ضغينة قديمة، فقد أوقر نفوسهم أن الأستاذ محمود محمد طه قد أبان للناس، ومنذ الأربعينات، زيف رجال الدين عامة، وطبقة القضاة الشرعيين منهم بخاصة، وفرق بينهم وبين الدين الصحيح، وأوضح تبعيتهم للسلطة الزمنية، واستغلالهم الدين لأغراض سياسية.. وفي الجانب الآخر فقد تحملت الدعوة الاسلامية الجديدة عبء تنوير الرأي العام، وتعليمه، وأعادة تربيته، فكشفت للناس جميعا زيف الأحزاب السياسية، وأبانت لهم أنه، في حقيقة الأمر، لم تكن عندنا أحزاب سياسية ذات مذهبية محددة، وإنما هي أحزاب طائفية تقوم على الفساد، وعلى الجهل، وعلى الطفيلية.. ومن ههنا التقى رجال الدين التقليديون برجال السياسة التقليديين في محاربة الدعوة الاسلامية الواعية، وقد استغلوا في ذلك القضاء الشرعي أبشع استغلال حتى أخرجوه عن كل طور معقول، فأباح لنفسه ما لا يستباح لأي قضاء يحترم نفسه، وذلك يوم نفذت محكمة الخرطوم الشرعية العليا مكايد السياسيين والسلفيين، وزعمت أنها أعلنت ردة الأستاذ محمود محمد طه عن الاسلام.. وكان هذا في يوم الاثنين 27 شعبان عام 1388 هـ الموافق 18 نوفمبر عام 1968م .. ذلك اليوم الذي بلغنا عنه أنه "قد دخل التاريخ.. إنه يؤرخ بداية تحول حاسم، وجذري، في مجرى الفكر، والسياسة، والاجتماع – في مجرى الدين – في هذه البلاد ان شاء الله)).. وقد أعلن الجمهوريون، ومنذ الوهلة الأولى، عدم احترامهم لهذه المكيدة السياسية الضعيفة الحبكة، والتي حاولت أن تعصم نفسها، وتستر عريها، بالتحافها ثوب الاجراءات القضائية الرسمية، حتى يتوهمها الناس أنها ذات مظهر شرعي.. لم يمثل الأستاذ محمود محمد طه أمام تلك المحكمة، ولم يستأنف حكمها، عن قصد، وعن تصميم، كي تبقى تلك المحكمة وثيقة رسمية تدين القضاء الشرعي بالجهل، والتخلف بصورة لا رجعة منها.. وتبقى أيضا نموذجا حيا يجسد للجيل الحاضر المصير القاتم الذي كان ينتظره لو آلت الأمور الى أولئك الرجال، ومن هم على شاكلتهم، وذلك بإقرار ما يسمى، في ذلك الوقت، (بالدستور الاسلامي)، والذي كان أيضا مؤامرة طائفية أطفأ الله نارها بلطف بالغ.. ومهما يكن من أمر، فسنحاول أن نبين فيما يلي الخلفية التاريخية لمواقفنا من رجال القضاء الشرعي، ومن رجال السياسة والتي تصعدت الى محكمة الردة.. ثم نحاول بعد ذلك تقييم تلك المحكمة مع ايرادنا شيئا مما قاله عنها المثقفون والقانونيون في تلك الأيام..)) كما جاء في الصفحات 26، 27، 28، 29، من كتاب (مهزلة محكمة الردة مكيدة سياسية) ما يلي: ((بمثل هذا النقد المركز تولت الدعوة الاسلامية الجديدة كشف زيف الأحزاب السلفية، فكانت المحاضرات العامة تقام وباستمرار – عن الموقف السياسي الراهن – حيث يبصر الشعب بحقيقة زعمائه، وبحقيقة السلفيين، حتى ضاق السياسيون والسلفيون ذرعا بالنقد الموضوعي، فسعوا لإيقاف المحاضرات العامة، ولمنع نشاط الجمهوريين.. وها هو المدعي الأول في محكمة الردة الشيخ الأمين داؤد ينقل لنا خطابا من أحد أعضاء مجلس السيادة السابقين، السيد الفاضل بشرى المهدي، بتاريخ 3/11/1968، أي قبل أسبوعين من المحكمة! ولقد تعرض ذلك الخطاب للأستاذ محمود محمد طه بعبارات يعف القلم عن ايرادها، ويهمنا الآن قول عضو مجلس السيادة "وأرجو أن يتخذ الاجراء الرادع ضده". وتحدثنا أيضا جريدة الرأي العام الصادرة بتاريخ 14/11/1968، أي قبل أربعة أيام من انعقاد محكمة الردة، بالآتي: ((وبنفس الوقت جاءنا من وزارة التربية والتعليم أن السيد رئيس مجلس السيادة لم يصدر أية تعليمات لمنع المحاضرة المذكورة، وكل الذي حدث هو أن فضيلة مولانا قاضي قضاة السودان بعث بخطاب الى السادة رئيس وأعضاء مجلس السيادة، بصورة لوزارة التربية وسلطات الأمن، ينصح فيها بعدم تقديم المحاضرة خشية أن يكون فيها ما يثير المسلمين.. وتقول الوزارة أنها اتصلت من جانبها، دون إيعاز من مجلس السيادة الموقر، بالسيد عميد معهد المعلمين العالي لإبلاغ الطلاب مقدمي الندوة، باحتمال اثارة الأمن.)) وتمضي الرأي العام فتقول بعد هذا ((ونود أن نؤكد أن العميد بالإنابة قد اجتمع بالطلاب، وأبلغهم اعتراض الرئيس الأزهري على المحاضرة وطلب منهم الغاءها، وأنهم قد أصروا على تقديمها وقدموها بالفعل)).. وفي مثل هذا المناخ كانت الدعوة للدستور الاسلامي على أشدها، وكان الامام الهادي يتحدث في الصحف اليومية عن فرض الدستور الاسلامي بالقوة، وكان السيد الأزهري يتحدث عن جعل القضاء الشرعي فوق القضاة المدني.. وكان السيد الصادق المهدي لا يرى السلطة التنفيذية ملزمة بأحكام المحكمة العليا لأنها أحكام تقريرية.. أما الجمهوريون فقد كانوا موظفين أنفسهم لكشف هذا الدجل الطائفي.. في مثل هذا المناخ اتصل المدعي الأول الأمين داؤد محمد بقاضي القضاة وبقاضي المحكمة الشرعية العليا الشيخ توفيق أحمد صديق الذي سينظر الدعوى، ووجد منهما "قبولا وموافقة" على رفع الدعوى حسبة.. أكثر من هذا، وجد موافقة القاضي الذي سينظر الدعوى على الوقوف (بجانب الحق) – كا يراه المدعي!! ولقد تحدث المدعي الأول عن هذه الاتصالات في كتابه (نقض مفتريات محمود محمد طه وبيان موقف القضاء منه)- صفحة 45 الطبعة الثانية.. يتضح من كل هذا أن زعماء الدين، وزعماء السياسة، قد اجتمعوا على محاربة الدعوة الاسلامية الجديدة فدبروا تلك المكيدة السياسية، مستغلين في ذلك رجال القضاء الشرعى أشنع استغلال..)) وجاء في صفحة 29، 30 من كتابنا (مهزلة محكمة الردة مكيدة سياسية) ما يلي: (وفي يوم الاثنين 27 شعبان 1388 الموافق 18 نوفمبر 1968 انعقدت ما سميت بالمحكمة الشرعية العليا بالخرطوم، ولقد استمعت المحكمة لخطابي المدعيين، ولأقوال شهودهما، لمدة ثلاث ساعات، ثم رفعت جلستها لمدة ثلث ساعة، وعند انعقادها للمرة الثانية قرأ القاضي حيثيات الحكم التي جاء فيها: "حكمنا غيابيا للمدعيين حسبة الأستاذين الأمين داؤد محمد هذا، وحسين محمد زكي هذا، على المدعى عليه الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري، الغائب عن هذا المجلس، بأنه مرتد عن الاسلام، وأمرناه بالتوبة من جميع الأقوال والأفعال التي أدت الى ردته، كما قررنا صرف النظر عن البنود من نمرة 2 الى نمرة 6 من العريضة، وهي من الأمور التي تتعلق وتترتب على الحكم بالردة وفهم الحاضرون ذلك)). ولقد أيد قاضي القضاة حكم محكمة الردة بعد ثلاثة أيام من صدوره بالصحف اليومية (جريدة الرأي العام العدد 8323، جريدة الصحافة العدد 1766 بتاريخ 21/11/1968).. لقد كان الكيد السياسي وراء محكمة الردة كبيرا، حتى أن الغرض أعجل الذين أقاموا محكمة الردة، فخرجت المحكمة على الناس بصورة ضعيفة جعلها مهزلة حقيقية في تاريخ القضاء في هذه البلاد.. ولقد أصدر الجمهوريون في تلك الأيام كتاب "بيننا وبين محكمة الردة"، أوضحوا فيه عدم الأمانة التي اتصف بها المدعيان أمام محكمة الردة، وذلك بنقلهما نقلا مخلا شوه المعانى التي وردت في كتبنا، كما أصدروا أربعة وعشرين منشورا تنتقد تلك المحكمة الهزيلة)) هذا ما جاء في كتابنا (مهزلة محكمة الردة مكيدة سياسية). وقد أعطينا، فيما سلف، صورة لادعائي المدعيين، الأمين داؤد وحسين محمد زكي، أمام تلك المحكمة.. صورة لسوء النقل من آرائنا ولسوء التخريج عنها.. أما الأخطاء القانونية التي أرتبكتها تلك المحكمة فلا يكاد يحصيها العد، ومنها: 1- لا توجد محكمة على الأطلاق تملك صلاحية سلب أي مواطن حقه في الرأي.. لا، ولا المحكمة العليا نفسها، بل إن من أوجب واجبات المحكمة العليا حماية هذا الحق، ذلك وفاء بالواجب الدستوري الذي ينص على أن المحكمة العليا هي حامية الدستور.. فما ظن القانونيين في هذه البلاد بمحاكم، لا تملك اختصاصا للنظر الا في دعاوى الزواج والطلاق وما يتفرع منهما بين المسلمين أو غيرهم، اذا رضوا التقاضي عندها، تزج بنفسها في مثل هذه القضايا الكبيرة التي تتعلق بكرامة الانسان وحريته؟ 2- قبلت المحكمة بينات سماعية من الشهود، وقد كانت كلها ادعاءات باطلة، من خصوم سياسيين مثل (عطية محمد سعيد) الذي قال: "وفي رأيى أن الأستاذ محمود كذا وكذا.." فمتى كان (الرأى) شهادة معتمدة أمام محكمة!! كما أورد بعض الشهود نصوصا من كتب لم ترجع المحكمة الى أصولها حتى تستوثق من صحتها، وجميع النصوص التي عرضت على المحكمة كانت مبتورة – كما أسلفنا.. 3- رفعت الجلسة لمدة ثلث ساعة، صدر بعدها أخطر حكم أصدرته محكمة سودانية! وثلث الساعة لا يكفي لمجرد قراءة أقوال المدعيين، وأقوال شهودهما، فضلا عن فحصها، وتقييمها، ووزن البينات، مع مراجعة نصوص القانون، وذلك مما يقف حجة قاطعة على أن هذا الحكم كان معدا قبل انعقاد المحكمة! أليس في هذا العمل غير المسئول تجريح لتاريخ القضاء السوداني؟ وقد استنكر كثير من المثقفين تلك المحكمة التي قصدت الى مصادرة حق حرية الرأي، وفرض الإرهاب الفكري، واستغلال الدين في الغرض السياسي.. قال الدكتور منصور خالد في كتابه (حوار مع الصفوة) الصادر في عام 1974 – صفحة 187 – ما يلي: ((ومثل هذا الأسلوب في محاربة الخصوم الفكريين قد ينحرف في الغالب الأعم الى حرب ضارية ضد كل خصم سياسي.. حرب ضد الساحرات المهومات.. ولدينا نموذج حي لهذا فيما قال الأستاذ محمود محمد طه.. وهو رجل مسلم مليء بالايمان حتى المشاش، ومفكر يشرف الفكر الاسلامي.. رجل مثل محمود لم ينج من تهمة الزندقة لجسارته الفكرية ولمحاولته الرائدة في وضع الدين في اطار العصر – والحرب ضده حرب غير أمينة وليست من أخلاق الاسلام في شيء.. حرب تنقل القضايا الفلسفية الفكرية في أسلوب غير أمين الى الشارع ليتجادل فيها العامة الذين لا يملكون المواعين الفكرية لاستيعابها.. بعبارة أخرى ينقل الحديث نقلا خاطئا الى الأذن الخاطئة لتفهمه الفهم الخاطئ وتنفعل به الانفعال الخاطئ..)) وقال الدكتور منصور خالد في كتابه – صفحة 190- ما يلي: ((ومن بين رجال الدين هؤلاء طائفة قضاة الشرع.. وما كنت أود أن أتناولها بالحديث لولا أحداث الأشهر القليلة الماضية.. ما كنت أود أن أتناولها بالحديث لو اقتصرت على أداء واجبها كموظفي دولة يتقاضون رواتبهم من مال دولتهم التي تجبيه، فيما تجبي من ريع بيع الخمور..)) ((.. نعم ما كنت لأتناولهم لو اقتصروا على أداء واجبهم الذي يحدده لهم القانون. قضاة أنكحة وميراث.. قانون وضعه الاستعمار وارتضاه الذين ورثوا الأرض من بعده.. وهو قانون لا يملك أن يحدد للمسلمين ظلال الله على الأرض.. كتب التاريخ تقول أن هذه الظلال قد انحسرت بانحسار ملك آل عثمان.. ولا يكفي – حسب تقديري المتواضع – أن يقوم مواطن فاضل بدراسة الشريعة الاسلامية دراسة وظيفية ثم يرتدي قفطانا ويتمنطق بحزام ويضع على رأسه عمامة وفي يده مسبحة كهرمان.. لا يكفي هذا ليجعل من المواطن الفاضل حفيظا على دين الله.. هذه هى الصورة التي أراد الأعاجم والاستعمار من بعده أن تنطبع في رؤوسنا عن الدين ورجل الدين)) |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
رحم الله الأب فيليب عباس غبوش الذي رحل قبل أيام قليلة.. لقد دخل الأب فيليب عباس غبوش التاريخ واشتهر بتلك المحاصرة للدكتور الترابي في الجمعية التأسيسية بشأن الدستور الإسلامي.. وكان لتلك المحاصرة أكبر الأثر في سقوط الدستور الإسلامي في الجمعية التأسيسية..
Re: وداعا فيليب غبوش ... نصير المهمشين ...الذى حاصر ا...وع الدستور الاسلامى
وقد جاء ذكر تلك الحادثة وتفاصيلها في كتاب "الدستور الإسلامي؟ نعم.. ولا" للأستاذ محمود محمد طه.. سيلاحظ القارئ ورود إسم أحمد البيلي كمقرر للجنة الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي الكامل..
Quote: جبهة الميثاق:
لقد سقط الدستور الإسلامي الكامل في اللجنة القومية للدستور الدائم للسودان !! وعن بعض ملابسات سقوطه يحدثنا محضر مداولات هذه اللجنة في مجلده الثاني على النحو التالي :- ((السيد موسى المبارك : جاء في مذكرة اللجنة الفنية نبذة حول الدستور الإسلامي في صفحة (7) أن يكون رأس الدولة مسلما ، أود أن أسأل هل لغير المسلمين الحق في الاشتراك لانتخاب هذا الرئيس ؟)) ((السيد حسن الترابي : ليس هناك ما يمنع غير المسلمين من انتخاب الرئيس المسلم ، الدولة تعتبر المسلمين وغير المسلمين مواطنين ، أما فيما يتعلق بالمسائل الاجتهادية فإذا لم يكن هناك نص يترك الأمر للمواطنين عموما ، لأن الأمر يكون عندئذ متوقفا على المصلحة ، ويترك للمواطنين عموما أن يقدروا هذه المصلحة ، وليس هناك ما يمنع غير المسلمين أن يشتركوا في انتخاب المسلم ، أو أن يشتركوا في البرلمان لوضع القوانين الإجتهادية التي لا تقيدها نصوص من الشريعة .)) ((السيد فيليب عباس غبوش : أود أن اسأل ياسيدي الرئيس ، فهل من الممكن للرجل غير المسلم أن يكون في نفس المستوى فيختار ليكون رئيسا للدولة ؟)) ((الدكتور حسن الترابي : الجواب واضح ياسيدي الرئيس فهناك شروط أهلية أخرى كالعمر والعدالة مثلا ، وأن يكون غير مرتكب جريمة ، والجنسية ، وما إلى مثل هذه الشروط القانونية .)) ((السيد الرئيس : السيد فيليب عباس غبوش يكرر السؤال مرة أخرى .)) ((السيد فيليب عباس غبوش : سؤالي يا سيدي الرئيس هو نفس السؤال الذي سأله زميلي قبل حين – فقط هذا الكلام بالعكس – فهل من الممكن أن يختار في الدولة – في إطار الدولة بالذات – رجل غير مسلم ليكون رئيسا للدولة ؟)) ((الدكتور حسن الترابي : لا يا سيدي الرئيس )) هذه صورة مما جرى في بداية معارضة اقتراح الدستور الإسلامي الكامل .. ويلاحظ محاولة الدكتور الترابي التهرب من الإجابة مما أضطر معه السيد رئيس الجلسة أن يطلب من السيد فيليب عباس غبوش ليعيد السؤال ، بغية أن يتلقى عليه إجابة محددة ، لأنه سؤال في حد ذاته ، محدد .. فلما أعاده ، لم يجد الدكتور الترابي بدا من الإجابة ، فأجاب ب "لا" !! ومن تلك اللحظة بدأت المعارضة التي انتهت بهزيمة اقتراح الدستور الإسلامي الكامل ، وهي معارضة قد رصدت كلها في محاضر مداولات اللجنة القومية للدستور ، فلتراجع .. وتهرب الدكتور الترابي في أول أمره عن الرد المحدد ليس أمرا عرضيا ، وإنما هو أمر شديد الدلالة على مبلغ التناقض الذي يرزح تحته الدكتور الترابي وزملاؤه من دعاة الإسلام ، ممن تلقوا ثقافة غربية واسعة .. فهم يشعرون بضرورة مسايرة العصر الحاضر في منشآته التقدمية ، وبصورة خاصة الديمقراطية ، والاشتراكية ، ثم انهم لا يجدون في الفكر الإسلامي الذي تتلمذوا عليه ما يسعفهم بهذه المسايرة ، فظلوا يعيشون تناقضا مزعجا ، جنى على ملكاتهم ، وعطل طاقاتهم ، وأظهرهم بمظهر يستوجب الرثاء ، ويستدر الإشفاق .
ودعاة إسلاميون آخرون
وحين سقط الدستور الإسلامي الكامل في اللجنة القومية قام نفر من كرام المواطنين ، يمثلون صفوة ممن جمعوا بين الثقافة الغربية وبعض الثقافة الإسلامية ، وأسموا أنفسهم "الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي" وأصدروا مذكرة عن "الدستور الإسلامي الكامل ، لجمهورية السودان" .. وقد جاء في ديباجة هذه المذكرة قولهم : ((وقد كان نتيجة لذلك أن أعلنت الأحزاب الشمالية الرضا بالدستور الإسلامي على اختلاف بينها . وأن ذلك الخلاف الذي حدث داخل اللجنة القومية للدستور أدى إلى أن يجتمع فريق من إخوانكم بالعاصمة المثلثة ويتشاوروا في الطريقة المثلى التي تفضي بنا إلى دستور إسلامي كامل . ((وقد شكلت هيئة تحت اسم الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي الكامل . وبعد عديد من الاجتماعات أنتهت الهيئة إلى تشكيل مجلس للبحث والتشاور والاتصال بالسادة زعماء الأحزاب تسألهم مناصرة الدستور الإسلامي الكامل ، ماداموا مقتنعين بأن بناء الدولة وفقه سيؤدي إلى سعادة المواطنين أجمعين مسلمين وغيرهم .)) ((وقد اتصلت الهيئة بالسادة رؤساء الأحزاب وزعماء الطوائف فوجدت منهم ترحيبا وتأييدا ومنهم من رغب إلى هذه الهيئة أن تضع مذكرة تحدد فيها السمات البارزة التي يتميز بها الدستور الإسلامي عما عداه من الدساتير .)) ((لذلك فقد كلفت الهيئة سبعة من أعضائها لصياغة المذكرة . ولما فرغت اللجنة من وضع المذكرة عرضتها على الهيئة فناقشتها ثم أقرتها على هذا الوضع الذي بين يدي القارئ.
وفيما يلي أسماء الهيئة ولجنة الصياغة :
1- السيد الدرديري محمد عثمان رئيسا 2- السيد الدكتور كامل الباقر سكرتيرا 3- السيد أحمد البيلي مقررا 4- السيد عبد الماجد علي أبوقصيصة 5- السيد عوض الله صالح 6- السيد مندور المهدي 7- السيد بدوي مصطفى 8- السيد مجذوب مدثر الحجاز 9- السيد محمد العربي 10- السيد أبشر أحمد حميده 11- السيد داؤد الخليفة عبد الله 12- السيد يوسف اسحق حمد النيل 13- السيد على طالب الله 14- السيد محمد هاشم الهدية 15- السيد عوض حامد جبر الدار 16- السيد يوسف الخليفة أبوبكر 17- السيد عمر عبد الله صبير أسماء لجنة الصياغة 1- السيد الدرديري محمد عثمان 2- السيد الدكتور كامل الباقر 3- السيد مجذوب مدثر الحجاز 4- السيد عوض الله صالح 5- السيد بدوي مصطفى 6- السيد مندور المهدي 7- السيد أحمد البيلي (( هذا – ونحن نأمل أن تقف الأحزاب على اختلافها إلى جانب هذه المبادئ ، وأن يقف بجانبها كذلك اعضاء الجمعية التأسيسية حتى يضعوا للأمة ما نادت به من دستور إسلامي كامل يحقق الخير لأفرادها أجمعين .)) (( وإننا لنهيب بأفراد الأمة على اختلاف أحزابهم وطوائفهم أن نعمل في تكاتف ودأب وصلابة لبناء دولتنا على أساس الإسلام ، ومن كان ذلك هدفه فالنصر حليفه . )) انتهى قولهم . ولقد أوردنا لك هنا كشفا بأسماء السادة أعضاء هذه الهيئة حتى تتعرف عليهم ، فإنهم من أكبر رجالات هذه البلاد من جهة التحصيل العلمي ، والمناصب الرسمية في الدولة ، فماذا قالوا في هذه المبادئ التي يدعون الأحزاب والطوائف للوقوف بجانبها "في تكاتف ودأب وصلابة لبناء دولتنا على أساس الإسلام" ؟ - "ما داموا مقتنعين بأن بناء الدولة وفقه سيؤدي إلى سعادة المواطنين أجمعين مسلمين وغيرهم" ؟ قالوا من صفحة (5) " عندما ننادي بقيام الدستور الإسلامي وتحقيق مبادئ الشريعة الإسلامية إنما ننادي بقيام دولة حديثة بكل ما في هذه الكلمة من مفهوم . فالديمقراطية بكل أشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية عرف الإسلام مضمونها قبل أن تتصورها الدول الحديثة . إن نظام الحكم في الإسلام يقوم على أساس أن الدولة أرض ، وشعب ، وحكومة ، كما هو الحال في تصورها الحديث" هذا ما قالوه في صفحة نمرة 5 ولكن اقرأ ما قالوه في صفحة نمرة 11 . 1- الديمقراطية صارت الديمقراطية من الشعارات التي تحمل معاني كثيرة ومتناقضة بمستوى التناقض القائم بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي . فالدول الشيوعية تصف أنظمتها بالديمقراطية وكذلك تفعل الدول الغربية الرأسمالية على الرغم مما بين الشرق والغرب من خلاف في المبادئ والفلسفات أما المسلمون فقد وصفهم الله بقوله ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) 143 – البقرة . 2- الاشتراكية كذلك يحمل لفظ "الاشتراكية" من المعاني المتناقضة ما يجعل استعماله في أي شكل من الأشكال وسيلة لاستغلاله للانحراف بمبادئ العدالة الإنسانية وإشعال حرب الطبقات بين المجتمع وإذا كان الإسلام متضمنا لجميع معاني العدالة والشورى وكل مبادئ الإنسانية السليمة إذن فلا نرى أي مبرر لورود كلمتي "الاشتراكية" "والديمقراطية" ضمن بنود الدستور ، ويكفى أن يوصف الدستور بأنه إسلامي . ((اللهم إلا إذا اتهمنا الإسلام بالقصور وعدم الكمال والشمول وهو أمر لا يدور بخلد واحد من المسلمين)) انتهي كلامهم .
القصور قصور المسلمين لا قصور الإسلام
والذي يطلع على مذكرة "الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي" من المسلمين الواعين لا يخطر بباله قصور الإسلام ولكن يتجسد أمامه قصور دعاة الإسلام ، حتى عن الإدراك السليم لقضايا العصر فضلا عن الإدراك السليم لحقائق الإسلام . يضاف إلى كل ذلك أن هذه الهيئة يمكن أن تتهم بعدم الأمانة الفكرية . فهي قد شعرت بالحاجة إلى المراوغة التي شعر بها الدكتور الترابي ، ولما لم يكن عندها فيليب عباس غبوش ليضطرها إلى التحديد ، كما جرى للدكتور الترابي ، حاولت أن تغرق غموضها في الأسلوب المنمق ، الفج ، الذي لا يحوي من الحق شيئا ، بل إنه ليقوم على الباطل .. فاقرأوا إن شئتم قولهم من صفحة نمرة 8 ، تحت عنوان "حقوق غير المسلم" . "1- سكان الدولة من غير المسلمين يتمتعون ، في حدود القانون ، بحرية تامة في دياناتهم ، وعباداتهم ، وتعليمهم الديني ، (لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي) "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ، إن الله يحب المقسطين " "وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد" "2- من حقهم أن يطالبوا بالقضاء في أحوالهم الشخصية حسب قانونهم الديني أو تقاليدهم الخاصة " "3- يتساوون مع المسلمين في الحقوق والواجبات الأخرى" هذا مع أن كل من أوتي أقل حظ من المعرفة بالشريعة يعلم أن سكان الدولة من غير المسلمين - من يهود ونصارى وغيرهم - يعرفون باسم الذميين ، وهم من أعطاهم المسلمون الأمان على مالهم ، وعرضهم ، ودمهم ، مقابل أن يعطوا الجزية - فحين يعطي المسلم القادر الزكاة يعطي الذمي الجزية - ومن هاهنا فان القول بالمساواة في الحقوق ، والواجبات ، يصبح هراء باطلا . ثم إن الآيات التي أوردوها في نمرة 1 أعلاه كلها منسوخة ولم تقم عليها الشريعة ، وهي منسوخة بآية السيف "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " ومنسوخة بآية "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ، ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ، ورسوله ، ولا يدينون دين الحق ، من الذين أوتوا الكتاب ، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" فهل مع هذه العبارة الواضحة يزعم زاعم أنهم "يتساوون مع المسلمين في الحقوق والواجبات الأخرى" ؟ ثم انك عندما تتحدث عن الديمقراطية - وأنت تتحدث عنها بمجرد حديثك عن الدستور - فإنه لا يكفي أن تساوي بين المواطنين في بعض الحقوق والواجبات ، وتميز بينهم في بعضها الآخر تمييزا يقوم على أساس العقيدة ، أو العنصر ، أو الطبقة ، مثلا . ولابد من المساواة التامة بين المواطنين في جميع الحقوق والواجبات - وإلا فلا تتحدث عن الدستور ، ولا تتحدث عن الديمقراطية . |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
يتواصل.... من أجل الباحثين عن الوثائق والحقائق، ومن أجل الجيل الجديد لأن هذه الوثائق غير متوفرة الآن لكثير منهم..
Quote: موقف المثقفين: وتحت عنوانه: (ثالثا – موقف المثقفين والعوام منه) يقول السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية: ((المثقفون فريقان، فريق ألم بالدراسات الاسلامية من تفسير وحديث ومصطلح وفقه وأصول الخ.. وهؤلاء موقفهم من محمود ودعوته موقف المعارض.. وهناك مثقفون اكتفوا من الثقافة الاسلامية بما درسوا في المنهج المدرسي العام، من هؤلاء، الى جانب بعض العوام، تتكون شعبية محمود، وأنهم بطبيعة الحال لا يستطيعون دحض الآراء الشاذة التي يوردها محمود لأن حصيلتهم من المعارف الاسلامية ضئيلة، وهم يظنون أنه على حق ما دامت كتبه ورسائله ومحاضراته مملوءة بـ "قال الله" و"قال المعصوم"، غير مدركين مدى الأخطاء التي يقع فيها في كثير من المواضع)).. هذا ما قاله السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية.. فالدين، عنده، انما هو تحصيل وإلمام ((بالدراسات الاسلامية من تفسير وحديث ومصطلح وفقه وأصول الخ...)) وأما ميزان "التقوى" فهو، عنده، ليس بذي بال، فلم يذكره.. حقا إن الدين قد تحول على أيدى هؤلاء الفقهاء الى قضايا ومطولات فقهية معقدة، أبعدتهم عن واقع الحياة المعاصرة... فتجمدوا وتحجروا، وجمدوا الدين وحجروه... وعندهم أنه لا يعتد برأي من ليس ملما ((بالدراسات الاسلامية)) التي أشار اليها السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية))!! والفقهاء انما هم، بذلك، ضحايا تعليم ديني خاطئ، وتفكير ديني متخلف، ونحن لا نلومهم على عدم الفهم لما ندعو اليه من تطوير التشريع، ولكننا نلومهم على عدم الصدق، حتى في التزام الشريعة المرحلية، فهم قد عاشوا على الدين، على طول المدى، ولم يبد منهم، في أي لحظة، أي استعداد، ليعيشوا له... ان ديننا ليس دين قراءة وتحصيل، وانما هو دين عمل.. والخطة التعليمية فيه هي: ((واتقوا الله ويعلمكم الله))... والفقهاء بما هم عليه اليوم، من جمود وتحجر، انما ينشرون سوء الفهم للدين بين الشباب، ويوجدون سوء التفاهم بين الشباب المثقف والدين.. وانه ليشرف (الدعوة الاسلامية الجديدة) أن يجد الشباب المثقف فيها ما لا يجده عند الفقهاء من صدق الدين، وسعة الدين، ومن الحلول العلمية التي يقدمها الدين لحل مشاكلنا اليومية. وانه ليشرفنا أن تكون "شعبية" دعوتنا من الشباب المثقف و"العوام".. لا من الفقهاء!! فان الشباب المثقف والعوام هم أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير... ولقد كانوا هم عنصر حركتنا الوطنية، بينما كان الفقهاء يتزلفون ويتقربون للحكام المستعمرين.. والشباب المثقف والعوام أقرب الى فطرة الدين وبساطته ممن انطمست فطرتهم بقضايا الفقه المعقدة، فظنوا أنهم حصلوا العلم الذي لا جهل بعده!! الشباب المثقف والعوام هم عماد "الدعوة الاسلامية الجديدة".. ونحن لنا الغد.. استعداء السلطة: وجاء تحت عنوانه ((سادسا – موقف الجهات الرسمية بعد مايو 1969)) ما يلى: ((سادسا – موقف الجهات الرسمية بعد مايو 1969:- حتى الآن لم تتخذ الجهات الرسمية من دعوة محمود موقفا محددا لوقف نشاطه بكل ضروبه وقد حان الوقت لكي تقف الدولة منه موقفا محددا وحاسما حماية للاسلام دين الأغلبية لسكان هذا القطر وأن في ترك محمود يزاول نشاطه وهو مرتد خارج عن دين الاسلام، حسب ذلك الحكم الشرعى القائم، فيه اثارة لمشاعر المسلمين على اختلاف طوائفهم وطرقهم، ومن شأن ذلك أن يؤدي الى ازعاج السلام العام في كل مكان يقف فيه محمود أو أحد أتباعه للتحدث باسم الاسلام.. وفي رأيي أن أنصار محمود الحقيقيين قلة لا يعبأ بها ولكن كثيرا من الشيوعيين انضموا الى دعوته وبخاصة بعد حركة يوليو 1971 فانهم يلتقون معه في القول بشيوعية الأموال وفي تحطيم أركان الاسلام ركنا بعد ركن، فكل ما بينهما من فرق هو أن الشيوعية تلغي الدين من اعتبارها من أول وهلة – ولكن محمودا يخالفهم في أنه يزعم أن تجويد تقليد المعصوم في الصوم والصلاة والزكاة والحج ينتهي به الى أن يتجاوزها جميعا الى مرتبة تكون له شريعته الفردية المطلقة في كل أولئك، والشيوعيون تحت ستار الدعوة الاسلامية للجمهوريين يستطيعون أن يصلوا الى بعض ما يريدون "زعزعة العقيدة الاسلامية" ثم اقتلاعها من نفوس كثير من الشباب هم في مأمن من أن تنالهم غضبة الشعب أو نصوص الدستور ما داموا سائرين وراء رسول الرسالة الثانية..)) هذا ما قاله السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية.. وهو، كما ترون، استعداء واضح للسلطة على ((الدعوة الاسلامية الجديدة)).. والا فماذا تعني عباراته ((وقد حان الوقت لكي تقف الدولة منه موقفا محددا وحاسما حماية للاسلام دين الأغلبية لسكان هذا القطر))؟ انما هو استعداء رخيص!! فما معنى أن يوصي في (توصيته) بأن تقوم حملة مكثفة، (منهم)، ضد الجمهوريين، وأن يفسح فيها المجال للجمهوريين للمناقشة، وأن "يدعى" الأستاذ محمود محمد طه الى ((مناظرة علنية تذاع وتتلفز))!.. ما معنى هذا، وهو يطلب من الدولة أن تقف من الدعوة الاسلامية الجديدة ((موقفا محددا وحاسما حماية للاسلام دين الأغلبية لسكان هذا القطر)) – على حد تعبيره؟؟ كيف يبدو، حينا، وكأنه يطلب مقارعة الحجة بالحجة، ثم يذهب ليستعدي السلطة علينا ويطالبها بوقف نشاطنا؟.. ثم اتجه السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية اتجاها آخر في استعداء السلطة علينا، وذلك حين قال: ((وأن في ترك محمود يزاول نشاطه وهو مرتد خارج عن دين الاسلام، حسب ذلك الحكم الشرعي القائم، فيه اثارة لمشاعر المسلمين على اختلاف طوائفهم وطرقهم، ومن شأن ذلك أن يؤدي الى ازعاج السلام العام في كل مكان يقف فيه محمود أو أحد أتباعه للتحدث باسم الاسلام))... هذا قول أحمد البيلي. فهو، اذن، يريد أن يثير حساسية السلطات تجاه حالة الأمن.. وذلك أيضا استعداء رخيص للسلطة علينا، لا يجوز على أحد، ولقد دلت التجارب انه اذا خلى السلفيون بيننا وبين هذا الشعب، فانه يتقبل منا ما نقول باهتمام، ويقبل عليه باعجاب. وكل الذي حدث، مؤخرا، هو أن السلفيين قد أخذوا يثيرون الشغب ويثيرون العواطف، مما أثار حساسية المسئولين تجاه حالة الأمن، فاستغل السلفيون هذه الحساسية في مزيد من اثارة العواطف واثارة الشغب!! وكان أحجى ان لو قصر السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية تقريره على ((تقويم وتقييم)) آرائنا – على حد تعبيره – بدلا من الحديث عن ازعاج ((السلام العام))، فان ذلك من واجب المختصين بالأمن.. والحديث عن الأمن يسوقنا الى أن نقرر، بتأكيد شديد، أن الجمهور انما يقابل حديث الجمهوريين، حينما خاطبوه، بتفهم واعجاب كبيرين.. ولا يحول بيننا وبين جمهورنا أى شيء، فنحن على صلة وثيقة وحميمة به.. كل ما هنالك هو ما يذيعه رجال الأمانة العامة للشئون الدينية من شبهات حول دعوتنا، وما يشنونه من هجوم جائر علينا، مسخرين في ذلك امكانيات الدولة، مستغلين مناصب الدولة.. غير أن هذا الغبار لم يستطع أن يحجب جمهورنا عن الرؤية الواضحة. ومثل لذلك ما حدث (بدار الفنانين)، بكوستي يوم 2/11/1973، حيث كان الأخ سعيد الطيب شايب يقدم محاضرة بعنوان (الاسلام وتحديات العصر)... فبعد مضي حوالي ثلث الساعة من المحاضرة، والجمهور منشد بكلياته الى الحديث القوي الرفيع، أخذت حفنة قليلة، من الذين جاز عليهم تضليل رجال الشئون الدينية، تثير الشغب، وتهدد بالقتل، فتدخل رجال الأمن وخاطبوا هذه الحفنة بالتزام الهدوء، فلم تستجب، ففضت المحاضرة، وعلى اثر ذلك رفع الأخوان الجمهوريون قضية جنائية، أمام محكمة جنايات كوستي، ضد الحفنة المشاغبة... فجرمتها المحكمة، ولم تأخذ بادعاءات الدفاع، الذي حاول أن يوحي بأن دعوة الجمهوريين مثيرة لمشاعر الجمهور. ولقد جاء في حيثيات الحكم ما يلي: ((..ان النص علي معاقبة من يهين الدين، موجود في قانون عقوبات السودان .. والمادة 16 (هـ) من الدستور، كما ذكرت عبارة عن مؤشرات للمشرع .. توضح له علامات الطريق، حتى لو سلمنا جدلا، بمنطق ممثل الدفاع هل قام الشاكي بأي فعل، يعتبر اهانة للعقيدة الاسلامية!! انني، وبعد أن استمعت الى أقوال الشاكي .. واستمعت الى تسجيل المحاضرة، التي ألقاها .. لا يسعني الا أن أقول: أن الشاكي داعية، من دعاة الاسلام .. بل وقد ذكر في حديثه، أنه ينتمي الي جماعة، تدعو الي بعث الاسلام من جديد .. ليقوم بدوره في المجتمع. لم أجد في حديث الشاكي، كلمة واحدة، يمكن أن تعتبر ماسة للعقيدة الاسلامية، أو للنبي الكريم .. وكل ما هناك أن الشاكي، ورفاقه يدعون الى الاسلام، بفهم جديد، ومختلف عن بعض ما ألفه الناس .. ولهم آراء، تخالف الآراء التي يعتنقها البعض .. ان اختلاف المذاهب، والآراء، ما هو الا اثراء للحركة الفكرية، والاسلامية بوجه خاص .. وقد شهد الاسلام، اختلاف المذاهب من عهد بعيد .. وبعد كل ما تقدم أقول: بأن الدفع الأول، الذي أثاره السيد، ممثل الدفاع، لا يجد ما يسنده في القانون، والواقع)) وقال السيد القاضى (مرتضى محيي الدين)، قاضي المحكمة، في ختام تلك الحيثيات: ((بقيت كلمة أخيرة، تود المحكمة أن توجهها للجميع ، والمحكمة وهي تدين المتهمين الخمسة، تشجب في ذات الوقت، السلوك المتطرف، والغير لائق، الذي أتوه .. وهو سلوك يتنافي مع الآداب العامة، وينم عن تسلط، وارهاب فكري غير مقبول. وأن الدعوى بأن المتهمين، صدر منهم، ما صدر غيرة علي دينهم .. لا يبرر سلوكهم هذا، فالقانون في هذه البلاد لا يزال سيدا .. والسلطات المختصة، وحدها هي المناط بها حماية الأمن، والاستقرار، ولا تسمح المحكمة بان يأخذ الناس القانون بأيديهم .. حتي تعم البلاد حالة من الفوضي، والاضطراب .. واذا كان رأي المتهمين، ان ما صدر من المحاضر، أو خلافه يمس عقيدتهم الدينية .. فليس أمامهم، الا للجوء الي السلطات المختصة .. وتبليغها الأمر. وتود المحكمة في ذات الوقت .. ان تشيد بالروح العالية، والخلق الكريم، الذي اتصف به المحاضر .. فلولا سعة صدره، ودرجة انضباطه العالية .. لمشاعره، لحدث ما لا يحمد عقباه .. في تلك الليلة)).. هذا ما جاء في حيثيات الحكم الذي صدر ضد المشاغبين الذين جاز عليهم تضليل المضللين من الفقهاء والوعاظ.. وعندما أعطى السيد القاضي الفرصة للمتهمين لالتماس أسباب تخفيف الحكم عليهم، نهض الأخ سعيد الطيب شايب، فأعلن، نيابة عن الجمهوريين، تنازله عن القضية، راجيا المحكمة أن تسعهم بالعفو الشامل، وذلك بهذه الكلمات: ((بسم الله الرحمن الرحيم ... وبعد.. أرجو أن أعرف محكمتكم الموقرة بأنه ليس من أسلوب الجمهوريين اللجوء الى المحاكم لأخذ حقوقهم، ولم نفعل ذلك الا مضطرين، وبعد أن أعيتنا كل الحيل لاقناع هؤلاء الأخوان المتهمين بأننا أصحاب حق في التعبير عن رأينا وأن حريتهم في معارضتنا تنتهى حيث تبدأ حريتنا.. والآن، وبعد أن تأكد لهم أنهم مذنبون، وانهم بسبيل التماس تخفيف الحكم عليهم، فاني أعلن تنازلي عن هذه القضية، وأرجو من محكمتكم الموقرة أن تسعهم بالعفو الشامل)).. هذا مثل للشغب الذي يحركه (الفقهاء) والوعاظ في المساجد.. ومثل لرأي القضاء في الجمهوريين، وفي دعوة الجمهوريين.. كما هو مثل لوعي الجمهور، ولعدم استجابته لتحريض (الفقهاء)، فمن هو الفريق الذي يتسبب، فعلا، في ((ازعاج السلام العام))؟!! ان اتجاه السلطات، الى وقف محاضرات الجمهوريين، بحجة الحفاظ على حالة الأمن، انما هو عمل ضد حرية الفكر، وضد الملتزمين بالنظام والقانون، ولمصلحة أعداء الفكر، وأعداء النظام والقانون.. ولقد أنى أن يصحح هذا الوضع دون ابطاء، فان له أسوأ الأثر على الحركة الفكرية في بلادنا.. ويشتط السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية في استعداء السلطة علينا حتى يقول: ((وفي رأيى أن أنصار محمودالحقيقيين قلة لا يعبأ بها ولكن كثيرا من الشيوعيين انضموا الى دعوته وبخاصة بعد حركة يوليو 1971..)) هذا ما قاله السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية.. ونحن نترك للقارئ الحكم على مستوى هذه الخصومة الذى انحدر اليها السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية.. والتى تبيح له أن يزور في الكلام!! ما دليل السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية على أن "كثيرا من الشيوعيين" انضموا الى (الدعوة الاسلامية الجديدة) وخصوصا بعد حركة يوليو 1971؟ أم أنه ظن أنه يمكن أن يثير، بقوله هذا، حساسية المسئولين؟ ان هذه الفرية لا تجوز على من له أدنى مستوى من الفهم.. ولذلك فنحن ننصرف عنها الى النقطة الأخيرة في تقريره العجيب.. وذلك ما جاء تحت عنوانه: ((تاسعا – ما ينبغى اتخاذه نحو دعوته)) وهو: ((1- ان تقوم حملة مكثفة مركزة على أباطيله في جميع المدن الكبرى وأن يفسح المجال لأتباعه لكى يناقشوا ما يسمعون حتى ينفضوا عنه وهم على يقين من أنهم كانوا ضحية الجهل بحقائق الاسلام. 2- أن يتولى هذه المحاضرات علماء متمرسون على الجدل والمناظرة وأن يكونوا من الملمين بالفقه وأصول الفقه والحديث ومصطلح الحديث واللغة والتفسير والتصوف.. الخ... 3- بعد أن تلقى المحاضرات الكافية في كل المدن التي يظهر له فيها أتباع نحو مدن: مدني، كوستي، بورتسودان، عطبرة، الأبيض، العاصمة المثلثة وهلم جرا.. يدعى الى مناظرة علنية تذاع وتتلفز على أن تخصص كل ليلة لموضوع واحد مثلا: 1- المناظرة الأولى حول الصلاة 2- المناظرة الثانية حول الزكاة 3- المناظرة الثالثة حول الصوم 4- المناظرة الرابعة حول الحج 5- المناظرة الخامسة حول المرأة 6- المناظرة السادسة حول المؤمنون والمسلمون 7- المناظرة السابعة حول ادعائه الرسالة الثانية وهلم جرا.. على أن يحضرها عدد ضخم من رجال الفكر في الجامعات الثلاث وفي غيرها وأن يدير المناظرة أحد أساتذة الجامعات، وأن يحكمها أساتذة الشريعة في جامعة الخرطوم، والجامعة الاسلامية، وجامعة القاهرة الفرع..)) هذا ما جاء في توصيات السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية.. أما التوصية الأولى فقد جاء فيها ((أن تقوم حملة مكثفة مركزة على أباطيله في جميع المدن الكبرى..)) فهى توصية تريد أن تخول للشئون الدينية استغلال امكانيات الدولة، والمنصب الرسمي في الدولة، لمحاربة فكر ينبغي أن تكفل له حقوق الحرية، وهو يزعم انه هو الناطق عن المصحف اليوم! أما التوصية بالمناظرة فعجيبة!! كيف يحكم المناظرة أساتذة الشريعة وهم خصم فيها، بحكم تفكيرهم السلفي؟!! وهل تحسم قضايا الفكر بلجنة تحكيم..؟ ان هذه التوصية لتتحدث عن مستوى الموصي بها أبلغ حديث! وما جاء بشأن (المناظرة) في التقرير هو ((بعد أن تلقى المحاضرات الكافية في كل المدن التي يظهر له فيها أتباع نحو مدن مدني، وكوستي وبورتسودان وعطبرة والأبيض والعاصمة المثلثة وهلم جرا.. يدعى الى مناظرة علنية تذاع وتتلفز...)) أولا: عبارة: ((يدعى الى مناظرة علنية تذاع وتتلفز..)) تريد أن تقول أن على الأستاذ محمود محمد طه أن يمتثل لأمر بالمناظرة... وذلك ما نرفضه أشد الرفض.. ثانيا – المناظرة تقتضي ان يكون المناظر نظيرا لمن يناظره... والسيد أحمد البيلي ليس نظيرا للأستاذ محمود محمد طه.. لا، ولا أضراب السيد أحمد البيلي من "الفقهاء"!!.. وقد رأينا مستوى السيد أحمد البيلي من تقريره هذا، كما رأينا مستوى أضرابه من الفقهاء مثل الأمين داؤود وحسين محمد زكي، وذلك مما كتبوا وأذاعوا عن (الدعوة الاسلامية الجديدة)، باسم الدفاع عن العقيدة! لقد سعينا كثيرا، الى دعوة هؤلاء الفقهاء الى الحوار حول دعوتنا، فلم يكن منهم الا الانصراف عن الحوار، الذى يليق بالعلماء، الى تشويه آرائنا.. بل الى التأليب علينا وإثارة الشغب ضدنا!! فلما تبين لنا أن هذا نصيبهم من العلم أغفلنا ما يكتبون، وما يذيعون عن دعوتنا، تاركين للشعب أن يقول كلمته فيهم.. ثالثا – نحن مستعدون الى أن نخاطب الشعب بدعوتنا من خلال الصحف والاذاعة والتلفزيون، وللفقهاء أن يدلوا برأيهم فيها.. من خلال تلك الأجهزة.. حتى تتاح، أمامنا وأمامهم، كل فرص الحكم، لنا أو علينا.. فنحن لا نبتغي الا إجلاء وجه الحق.. ثم لا نبتغي الا أن تتاح كل الفرص لاجلاء وجه الحق.. خاتمة: أما بعد، فان ما زعم السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية أنه "تقويم وتقييم" لدعوتنا، انما هو، في الحقيقة، "تقويم وتقييم" للشئون الدينية، يوكد رأينا فيها، منذ زمن طويل.. وهو أنها انما تقوم على فهم خاطئ للدين، وتنشر فهما خاطئا للدين، وتستغل الدين في أكل الرزق، واجتلاب الجاه... ورأينا في هذا التقرير الذى كتبه السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية، بتكليف من الأمانة العامة للشئون الدينية، أنه مثل بليغ في عدم الأمانة، احتشد بسوء النقل، وسوء التخريج، وسوء التعبير أيضا.. ونحن نعلم أن السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية، وأضرابه من الفقهاء، والوعاظ، وعامة السلفيين الذين تستخدمهم الشئون الدينية، ضحايا تفكير ديني خاطئ، وتعليم ديني متخلف، عطل ملكاتهم، وجمد فكرهم، وعزلهم عن تيار الحياة الجديدة.. ولذلك فنحن لا نلومهم على عدم الفهم، وان كانوا ليسوا بمفازة من تحمل اصره، بقدر ما نلومهم على اعجالهم انفسهم، وعلى عدم صدقهم، وعلى عدم امانتهم.. ذلك بأنهم لم يعطوا انفسهم الفرصة الكافية للاطلاع المستأني على دعوتنا، وللسؤال عما يشكل عليهم فهمه منها.. وانما ذهبوا يذيعون عنا ما لم نقله، ويخرجون على أقوالنا شتى التخريجات المغلوطة، بسوء غرض مبيت، وفي خصومة جائرة... ومهزلة محكمة الردة، والهجوم الجائر علينا في المساجد، ثم تقرير السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية، أبلغ شواهد على تلك الخصومة الفاجرة، المستخفة بكل حرمة، وبكل ذمة، وبكل خلق.. ولقد دعونا هؤلاء الفقهاء، والوعاظ، كما دعونا غيرهم من اصحاب الاختصاص والاهتمام بالشريعة، من قضاة شرعيين، وأساتذة شريعة وغيرهم، دعوناهم، جميعا، مرات عديدات، الى الحوار العلمي الموضوعي الذى يليق بالعلماء، فلم يستجيبوا لنا... وقد عرضنا عليهم دعوتنا في كتاباتنا المستفيضة، وفي محاضراتنا وندواتنا، وفي زياراتنا الخاصة لهم.. فلم يعطوا انفسهم فرصة الفهم حتى يتفقوا معنا على بينة، أو يختلفوا معنا على بينة، والصدور سليمة من الضغن، والسخيمة.. فهلا أعار هؤلاء الفقهاء، والوعاظ، والقضاة الشرعيون وأضرابهم، محتوى دعوتنا اهتماما؟ وهلا أعطوا أنفسهم الفرصة لفهمها؟ بايجاز شديد، نحن نقول بان الاسلام رسالتان.. اثنتان.. فروع نسخت الأصول، فأحكمت، لوقتها، كرسالة أولى.. وأصول آن لها ان تنسخ الفروع، فتحكم، لهذا الوقت، كرسالة ثانية... ونقول بأن السنة ليست هي الشريعة... فالشريعة هي الفروع، وهي عمل عامة الأمة، في حين ان السنة هى الأصول، وهي عمل النبى في خاصة نفسه... والرسالة الثانية التى ندعو بها، انما هى دعوة لاحياء هذه السنة، بعد اندثارها، لتخرج بالناس – كل الناس- من تيه الجاهلية الثانية الى ضياء الاسلام، كما خرجت الشريعة بالناس من تيه الجاهلية الأولى الى نور الايمان.. ونحن نعلم ان ما نقول به جديد وغريب..ولكنه حديث في آصل أصول الدين... هو حديث من قمة جديدة وسامقة في تحقيق التوحيد.. ومن ثم جدته .. ومن ثم غرابته.. ولكن ألم يبشر المعصوم بالغرابة التى تصحب عودة الدين؟ (بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبي للغرباء، قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها..) فهل، بعد كل هذا، يحسب هؤلاء القضاة الشرعيون، والفقهاء، والوعاظ، وأضرابهم، انهم على شيء وهم يعارضون هذه الدعوة التى تبشر بعودة الدين، وبالعهد الذهبي للدين، وسندها من التوحيد، والقرآن، والسنة، جد عتيد؟ هل يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وهم يذيعون عنها البهتان، ويزورون في الكلام؟ اننا – نحن الجمهوريين – لنزعم أننا بفضل الله علينا، ثم بفضل التصاقنا بالله، الداعون، اليوم، الى الله، على بصيرة، وكتاب منير.. أكثر من هذا، نحن نزعم ان ما ندعو اليه الناس هو الاسلام الذي لا اسلام غيره منذ اليوم... فليخرس، اذن، الخراصون والمرجفون! وليعلموا أن دعوتنا انما هى الحاقة التى تحق الحق، وان فجر نصرها العزيز قد آذن بانبلاج، وان حجة المبطلين اليوم، داحضة، باذن الله تعالى، لقوله تعالى: ((والذين يحاجون في الله، من بعد ما أستجيب له، حجتهم داحضة عند ربهم، وعليهم غضب، ولهم عذاب شديد* الله الذى أنزل الكتاب، بالحق، والميزان* وما يدريك؟ لعل الساعة قريب!!)) صدق الله العظيم |
| |
|
|
|
|
|
|
بيننا وبين الشئون الدينية وأساتذتها من أزهريين ومن سعوديين (Re: Yasir Elsharif)
|
في أغسطس من عام 1975 كتب الجمهوريون كتابا عنوانه "بيننا وبين الشئون الدينية وأساتذتها من أزهريين ومن سعوديين".. في تقديري أن هذا الكتاب فيه مواجهة شديدة جدا لسلطة مايو ممثلة في واحدة من وزاراتها وهي وزارة الشئون الدينية والأوقاف.. وفيه أيضا مواجهة لرابطة العالم الإسلامي والأزهر.. وبعد شهر واحد من ذلك الكتاب وقعت محاولة الإنقلاب العسكري بتدبير من الطائفيين والإسلامويين السلفيين في سبتمبر 1975..
Quote: الأخوان الجمهوريون
بيننا وبين الشئون الدينية وأساتذتها
من أزهريين ومن سعوديين
الطبعة الأولى شعبان 1395 هـ ـ أغسطس 1975 م
الإهداء
إلى الذين قال تعالى فيهم: "وإذا سمعوا اللَّغْوَ أعرضوا عنه، وقالوا: لنا أعمالُنا، ولكم أعمالُكم.. سلامٌ عليكم، لا نبتغي الجاهلين.."
بسم الله الرحمن الرحيم "ولولا فضل الله عليكم ورحمته، في الدنيا والآخرة، لمسَّكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تَلَقَّوْنه بألسنتكم، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هيناً، وهو عند الله عظيم.." صدق الله العظيم
المدخل: على "الدعوة الإسلامية الجديدة"
الدعوة الإسلامية الجديدة، دعوة إلى إحياء وبعث السنة الأحمدية التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه، والتي بشَّر بإحيائها في حديثه المشهور حين قال "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء، قالوا من الغرباء يا رسول الله؟ قال الذين يحيون سنتي بعد اندثارها".. وقال أيضاً عن الغرباء، في رواية ثانية "هم فئة قليلة مهتدية، في فئة كبيرة ضالة".. ونحن، بفضل الله، لعلى يقين تام، بأن هذه الدعوة التي رفع لواءها الأستاذ محمود محمد طه، منذ أكثر من ربع قرن من الزمان، هي الإسلام، عائداً من جديد، وهي الدعوة الوحيدة الناطقة اليوم عن المصحف، في مشارق الأرض ومغاربها.. ولقد بشَّر بها الأستاذ محمود في وقت نَصَل فيه المسلمون عن دينهم، وأصبحوا يعيشون على قشوره، بعد أن أحاطت بهم تيارات الحياة المادية المعاصرة.. ثم هي قد جاءت أيضاً في الوقت الذي انبهمت فيه سبل الإرشاد، وضربت فيه الإنسانية في التيه، وقد عزَّ، وحار، بها الدليل.
ولقد أصدرت الدعوة الإسلامية الجديدة، في سبيل رسم، وتأمين، خط العودة إلى الدين، نحواً من ثلاثين مؤلفاً، وزعت مئات الألوف من النسخ، بلغ بعضها مستوى الطبعة الثامنة، ولا يزال الطلب عليه متزايداً، يضاف إلى ذلك مئات من المنشورات، والكتيبات، والمقالات، التي حملتها الصحف، وجرى بها النقاش في مئات المحاضرات، والندوات، والتي أقيمت على طول البلاد وعرضها.. ونحن من وراء كل ذلك السعي، نستهدف تأسيس الدعوة، حتى يقوم التبشير بها على بينة وبصيرة.. ومن تلك البصائر النيِّرة، إصرارنا على تقديم الدعوة مبرأة من أوضار الجهالات، ومباذل التعصب، وحرصنا على مخاطبة الناس على قدر عقولهم وطاقاتهم الجديدة في هذا الثلث الأخير من القرن العشرين.. ولعله من الضرورة بمكان أن نؤكد أن مخاطبة إنسانية القرن العشرين على قدر طاقاتها الهائلة المتجددة، وحاجاتها المتزايدة، ليس بالأمر العفوي، كما يفعل كثيرون اليوم، وإنما هي، وخاصة في أمر الدين، تتطلب الداعية المروض، الحاذق، الفطن، المتأدب بأدب الحق وأدب الحقيقة، والقادر، من ثم، على تقديم الدين في مستوى تلك الطاقات، والحاجات الهائلة التي لا تقع تحت حصر، وعلى يكاد يكون به الدين جديداً في الأرض! وإلى هذا المعنى وردت الإشارة من قوله تعالى "قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً".. ثم إن هذه الدعوة على شمولها وعمقها، ودقتها، التي تتسع لأعم المفكرين، هي في ذات الوقت في متناول الرجل العادي الأمي، أو من هو على شاكلته من محدودي العلم والثقافة، ذلك أنها، وكما سبقت الإشارة، دعوة على بعث السنة المطهرة التي تتجه بالناس إلى تقليد النبي صلى الله عليه وسلم، في أسلوب عبادته وفيما يطيقون من أسلوب عادته، حتى يكون قدوتهم، وإمامهم، ووسيلتهم.. وعلى هذا النهج من السلوك تتعلق الهمم بالتجويد وتصبو للكمال.. وهذا ما قامت عليه محاولة الجمهوريين اليوم، وقد عقدوا العزم أن يتشبهوا بحال أستاذهم المعبر عنه بالكلمات في قوله: "لن يهدأ لي بال حتى أرى الإنسانية قاطبة وقد قام ما بينها وبين ربها على الصلاة، وما بينها، فيما بينها على الصلة".
وحجة الدعوة الإسلامية الجديدة في مخاطبة الناس اليوم، ليست في هذه المعرفة المحمولة في الكتب فحسب، وإنما هي، وبقدر أكبر من ذلك، في أبنائها وحملتها الذين تربوا على نهجها في سلوك السنة، فأصبحوا يعيشون بفضل الله ثم بفضل توجههم، وحسن إقبالهم، الشمائل النبوية، في غير تعمُّل، ولا تكلُّف، ولا رياء.. ثم هم يحاولون، دائماً، وفي كل يوم، تجسيدها في لحمهم ودمهم.. وبحمد الله فقد "وجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً". المقدمة: في هذه المرحلة الدقيقة من مراحل الوعي في بلادنا غدا السودان الحبيب وشعبه العملاق، هدفين من أهداف الأطماع الخارجية المتربصة، والمحدقة، بشعبنا، وببلادنا.. وهي تتمثل في أظهر صورها في الجهل المسيطر على الأنظمة الرجعية في كل من مصر والسعودية، وفيما يدور في فلكيهما من جهلاء الشعوب الإسلامية والعربية، المتصدرين للزعامة والرئاسة، تحت ستار حماية الدين، والذود عن الإسلام!!
ومنذ أيام قلائل وقعت في أيدينا ثلاث رسائل: الأولى من "الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة"، والثانية من "الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر"، وهاتان الرسالتان موجهتان للشئون الدينية بالسودان.. وفي كلتيهما تدخل سافر، وغير كريم، في أخص شئوننا الداخلية، لا ترضاه نفس حر، ولا يقبله عقل كريم!.. ذلك أنه يحظ من قدرنا كأمة لها اعتبارها، وكشعب له كينونته، ومميزاته، ثم هو بعد ذلك كله، يقدح ويجرح من كرامتنا التي اشتهرنا بها على مر العصور، وفي أحرج الأوقات.. والتي عبَّر عنها يوماً الأستاذ محمود محمد طه في خطاب مفتوح للمرحوم جمال عبد الناصر [محمد نجيب] قال فيه: "إن السودانيين قوم يؤذيهم أن يطمع طامع فيما يحمون، كما يؤذيهم أن يبالغ في العطف عليهم العاطفون".. فيجب علينا اليوم أن نردد، بحالنا وبمقالنا، هذه العبارات، هذه العبارات المضيئة المشرقة لتنير لنا طريق الحرية، ولتفتح أمامنا أبواب المجد، فنحفظ تراثنا، وندفع عن كرامتنا..
أما الرسالة الثالثة، والتي حملت رد الشئون الدينية على رسالة الأزهر، فقد كانت بكل أسف، مثلاً من أمثلة الطيش والتهافت، لا تشرِّف كاتبها، وتدمع، في نفس الوقت، جهاز الشئون الدينية بالغدر، والتآمر، على قضية الدين، والفكر، بهذا البلد.. وقد اتجهت الرسائل الثلاث إلى الخوض في عرض الجمهوريين على غير هدى، ولا بيِّنة، ولا كتاب منير، وبجرأة على الحق لا يملكها العارفون.. ولقد عمدت تلك الرسائل إلى تشويه أفكارنا، وإثارة الفتن حول دعوتنا، على نحو لا يليق إلا بتلك الجهات المشبوهة التي تحكي، وتدَّعي الدين، بلا دين.. ومما يدعم رأينا، ويؤكد اتهامنا بتآمر تلك الجهات، مجتمعة، على دعوتنا، أنهم قد اتجهوا جميعاً، وفي خبث واضح، إلى استعداء السلطة علينا، ومطالبتها بتحريم نشاطنا، ومصادرة أفكارنا، ولكن هيهات!! فإن الله معنا وهو حسبنا، ونعم الوكيل!!
وحسب أشياخ الشئون الدينية من الهوان أن يصبحوا غرضاً من أغراض الطامعين، وهدفاً من أهدافهم، يستخدمونهم في كبت الأفكار، ومصادرة الحريات..
أما بعد، فإن الجمهوريين يرفعون النذير العريان، كعهدهم دائماً، وقبل فوات الأوان.. لكي لا تزلَّ قدم بعد ثبوتها..
والآن، فإن التآمر الخارجي لم يقف، ولن يقف عن الجمهوريين وحدهم، وإنما سيتجاوزهم كلما وجد سبيله سهلاً وممهداً إلى مكتسبات الشعب ليرمي به مرة أخرى في أحضان الطائفية والرجعية، لتلتقي النظارئ بالنظائر، وتنضم الشكول إلى الشكول.. ولكن ذلك لن يكون، فإن الله لهم بالمرصاد.. فقد قال، وهو أصدق القائلين: "ويمكرون ويمكر الله.. والله خير الماكرين"..
الرسالة الأولى: من "الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة":ــ
قلنا في مقدمة هذا السفر أننا قد وضعنا أيدينا على ثلاث رسائل، ولم نشأ أن نفصل عنها في ذلك الموضع من الكتاب، بأكثر من الإشارة الإجمالية عنها.. كما سنمسك الآن عن التعليق عليها حتى نورد نصها كاملاً لنوجد المشاركة الفعلية بيننا وبين القارئ فنتفق على واضحة منها أو نختلف عليها.. وها نحن فيما يلي نورد النص الكامل لرسالة "الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة":ــ بسم الله الرحمن الرحيم ((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)) رابطة العالم الاسلامي .. الرقم 1 ـ 723/ الأمانة العامة. التاريخ 5 ربيع الأول 1395 هـ مكة المكرمة. المرفقات.. حضرة صاحب المعالي الأخ الدكتور/ عون الشريف قاسم وزير الشئون الدينية والأوقاف ـ الموقر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أفيد معاليكم بأنّ من ضمن القضايا الاسلامية التي ناقشها المجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي في دورته السادسة عشرة (محمود محمد طه) السوداني الذي ادعى الرسالة وأنكر ختم الرسالة وأنه المسيح المنتظر كما أنكر الجزء الثاني من الشهادة الى آخر ما جاء في ادعاءاته الباطلة.. وبعد مناقشة الموضوع من جميع جوانبه أصدر المجلس حكمه بالاجماع بارتداد المذكور من الإسلام وتأييدا لما حكمت به المحكمة الشرعية العليا بالخرطوم وأنه يجب على المسلمين أن يعاملوه معاملة المرتدين كما يجب مصادرة كتبه أينما وجدت ومنع طبعها. أرجو من معاليكم التكرم بنقل هذا القرار الى حكومتكم الموقرة وبذل مساعيكم الحميدة لدى المسئولين فيها للمساهمة معنا في تنفيذه خاصة وقد صدر من مجلس يضم نخبة من العلماء والزعماء الممثلين من معظم الشعوب الإسلامية في العالم. وانتهز هذه الفرصة للإعراب عن صادق شكري وتقديري لتعاونكم الدائم مع الرابطة فيما يرفع شأن الاسلام والمسلمين وتفضلوا بقبول فائق التحية والاحترام. التوقيع الأمين العام ـ أحمد صالح القزاز
بهذا الخطاب الجاهل المغرض قد تأكَّد، واستعلن، بُعد المسلمين ومفارقتهم لجوهر دينهم، والتي لم تعد شيئاً خلافياً يقع الإختلاف عليه، كما كان الحال قبل وقت مضى، وإنما أصبح بفضل الله، ثم بفضل الحوادث التي يسوقها لنا أمراً ظاهراً، ومشهوراً، يتفق عليه جميع الناس، اللهم إلا من مكابر أعماه التعصب، وطمسه الحقد عن رؤية الحق الأبلج، أو من طابع استذله حب الدنيا، فسعى ليأكلها بتغفيل الناس وإيهامهم أنهم على الجادة وأنهم بخير .. ولئن جاز مثل هذا العبث، وهذا التضليل على بعض البسطاء والسُّذج من المسلمين اليوم، فلن يجوز عليهم غداً، وذلك بفضل المجهودات الهادفة، والوعي النامي المتزايد، الذي زحمت به الدعوة الإسلامية الجديدة أجواء الحياة في بلادنا على نحو لم تسبق عليه، مما أثار، وحرَّك، أطماع المغرضين من ذوي النفوس المريضة، فسعوا بالفتنة والشقاق حتى تم لهم ما أرادوا من إصدار تلك الأحكام، وتلك الفتاوى، التي حواها خطاب الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي للدكتور عون الشريف.. والتي ظنوا أنها ستقضي على الفكرة الجمهورية بجرة قلم، ولكن هيهات! فإن هذه الدعوة لم تؤسس قواعدها على أكوام الرمل، وإنما بنيت على الحجر الصلب! فواعجبي من هؤلاء الذين لا يعرفون قد أنفسهم ولا قدر خصومهم.
إن الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة تقف بعملها الطائش هذا، وغير المسئول، كأكبر دليل على أن المسلمين قد أصبحوا اليوم غثاء، كغثاء السيل، لا يبالي الله بهم.. وسنرى أدلة كل أولئك مفصلة في مناقشتنا لما حواه ذلك الخطاب العجيب! :ــ
دَعْوَى الرِّسالة:
جاء في ذلك الخطاب العجيب زعمهم أن الأستاذ محمود محمد طه قد "ادعى الرسالة" فهل هذا صحيح؟ أم أنهم قد تورطوا في هلكة؟؟ قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".. فهلاَّ تذكر محررو ذلك الخطاب المتهافت هذا النذير الإلهي، فأراحونا وأراحوا أنفسهم من هذه الهلكة وهذه الغثاثة التي يتورطون، ويسوقون الناس جهلاً إلى التورط معهم، فيها، إذ يخوضون فيما ليس لهم به علم؟! نحن نطالبهم باسم الشعب السوداني الذي يستهدفونه من وراء هذه الأباطيل وهذه الإتهامات الجوفاء، أن يثبتوا لنا أن الأستاذ محمود محمد طه قد ادعى الرسالة قولاً، أو كتابة، وألاَّ يلقوا بالقول على عواهنه، ودونكم مؤلفات الأستاذ، ودونكم محاضراته، وندواته، ومجالسه الخاصة، فإن ظفرتم من ذلك بشيء تطمئن إليه نفوس المؤمنين فافعلوا، وإلاَّ فاستحيوا من أنفسكم قبل غيركم، وأنم الذين تدَّعون قيادة المسلمين! من غير أن تحتكموا لآداب الإسلام على نحو ما رأينا في النذير القرآني قبل قليل.. أما نحن فننفي هذا الإدعاء، نفياً قاطعاً، لعلمنا أنه لم يقع مطلقاً، ثم لعلمنا أن إنسانية اليوم ليست بحاجة إلى رجل يعلن عليها أنه رسول، وإنما هي بحاجة حياة أو موت إلى داعية يحلم أحلامها، ويعيش مشاكلها، ثم هو قادر على تقديم الحلول الناجعة لمشاكل أفرادها، ومجتمعاتها، على نحو يفضي بالوسائل إلى غاياتها فيقوم المجتمع السليم المعافى الذي ينجب الأفراد الأحرار.. هذه هي حاجة إنسانية اليوم.. وقد فعل الأستاذ محمود في هذا السبيل فعلاً يتقاصر أمام عظمته كل داعية، ويتأدب من هيبته كل دَيِّن اطلع على حقائق الدين وخبر كرامة الفكر.. هذا ما نحن عليه، وهو واضح لا يحتاج إلى دليل، إلا إذا احتاج النهار إلى دليل.. ولكننا برغم ذلك الوضوح نسوق للشعب الحقائق حتى يكون على بينة منا ومن دعوى المدَّعين علينا:ــ
جاء في كتابنا طريق محمد الطبعة الثالثة من قول الأستاذ "ويؤخـذ من دقائـق حقائق الدين أن نبينا رسول الأمتين: الأمة المؤمنة ـ الأصحاب ـ .. والأمة المسلمة ـ الأخوان ـ .. وأنه بذلك صاحب رسالتين: الرسالة الأولى محمدية، والرسالة الثانية أحمدية.. أو قل الرسالة الأولى الشريعة التي فصلها للأمة ، والرسالة الثانية السنة التي أجملها ، ولم يفصلها إلا في معنى ما مارسها ، وعاشها دما ولحما.." جاء هذا في كتاب طريق محمد.. أما في كتاب الرسالة الثانية فقد ورد في الصفحة الخامسة من الطبعة الرابعة ما أكَّد أن الرسالة الثانية هي السنة النبوية، فاسمعوا إذن ما قاله الأستاذ في هذا المعنى: " فالسنة هي شريعة النبي الخاصة به .. "هي مخاطبته هو على قدر عقله" .. وفرق كبير بين عقله ، وبين عقول عامة الناس .. وهذا نفسه هو الفرق بين السنة والشريعة .. وما الرسالة الثانية إلا بعث هذه السنة لتكون شريعة عامة الناس"..
من هذا يتضح، وبجلاء، أن موضوع الرسالة الثانية عندنا هو تفصيل ما عاشه النبي صلى الله عليه وسلم، وما أجمل تبليغه بسيرته، وأن ذلك لا يكون إلا لرجل آتاه الله الفهم عنه في القرآن، وأذن له في الكلام.. فما رأي القراء إذن؟ وما رأي الشعب السوداني المستهدف وراء تلك الأكاذيب، وتلك المفتريات؟؟
هذه واحدة.. أما الثانية فقد جاءت أهزل من سابقتها، وهي إن دلَّت على شيء إنما تدل على أن أشياخ "رابطة العالم الإسلامي" بمكة، عوام لا يعرفون الدين، ومن باب أولى يجهلون القرآن.. فماذا قالوا عن ختم الرسالة:
ختم الرسالة:
قال "علماء رابطة العالم الإسلامي" في خطابهم الهزيل الذي مرَّ بنا قبل قليل في هذا الكتاب، أن الأستاذ محمود محمد طه "أنكر ختم الرسالة"".. ألقوها هكذا عارية، ومن غير أن يوردوا شيئاً من أقوال الأستاذ، إمعانا منهم في التضليل، وكتم الحقائق على الناس.. قال تعالى وهو أصدق القائلين "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيَّنَّاه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا، وأصلحوا، وبينوا، فأولئك أتوب عليهم.. وأنا التواب الرحيم" فنعوذ بالله من وعيد الله..
ومن جانبنا فإن هذا الصنيع منهم لا يضيرنا بقدر ما يدل علينا، حتى ينتبه الناس فيأخذوا دينهم على بينة، وعلى بصيرة.
ومن هذه البينات، وهذه البصائر، قولنا بعدم ختم الرسالة، فإن هذا حق غفل عنه كل الناس، فدرجوا على ما ألفوا من غير هدى، وها نحن نحاول إيقاظهم بنجاح.. وأول ما يقال في هذا الأمر أن النبوة قد ختمت بنبينا محمد عليه صلوات الله وسلامه، ولكن الرسالة لم تختم، وبينة هذا الأمر يجليها قوله تعالى "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين.. وكان الله بكل شيء عليماً" وفي هذا القول كفاية للعارفين، ولكن لا بد من تبسيطه، وتذليل صعوبات الفهم لمن هم دونهم، من المسلمين وغيرهم حتى يصبح الأمر جلياً وواضحاً.. فمن أجل ذلك نسوق في هذا الكتاب ما ورد عن الأستاذ محمود محمد طه في كتابه الرسالة الثانية من الإسلام، الطبعة الرابعة الصفحة "10" والذي تكفل بشرح هذا الأمر شرحاً دقيقاً ووافياً.. فقد جاء في ذلك قوله "والحق أن كثيراً ممن يعترضون على دعوتنا إلى الرسالة الثانية من الإسلام لا يعترضون على محتوى هذه الدعوة، بل إنهم قد لا يعيرون محتوى الدعوة كبير اعتبار.. وإنما هم يعترضون على الشكل.. هم يعترضون على أن تكون هناك رسالة ، تقتضي رسولا ، يقتضي نبـوة ، وقد ختمت النبـوة ، بصريح نص ، لا مرية فيه.. وإنه لحق أن النبـوة قد ختمت ، ولكنه ليس حـقا أن الرسالة قد ختمت: (( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ، ولكن رسول الله ، وخاتم النبيين.. وكان الله بكل شيء عليما)).. ومعلوم أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا .. ولكن النبوة ما هي؟؟ النبـوة هي أن يكون الرجل منبأ عن الله ، ومنبئاً عن الله .. أي متلقياً المعارف عن الله بواسطة الوحي ، وملقيا المعارف عن الله إلى الناس ، على وفق ما تلقى ، وبحسب ما يطيق الناس .. فبمرتبة التلقي عن الله يكون الرجل نبياً ، وبوظيفة الإلقاء إلى الناس يكون رسولا .. هذا هو مألوف ما عليه علم الناس .. ولكن هناك شيئا قد جد في الأمر كله ، ذلك هو معرفة الحكمة وراء ختم النبوة بمعناها المألوف .. لماذا ختمت النبوة ؟؟ أول ما تجب الإشارة إليه هو أن النبـوة لم تختم حتى استقر ، في الأرض ، كل ما أرادت السماء أن توحيه ، إلى أهل الأرض ، من الأمر .. وقد ظل هذا الأمر يتنزل على أقساط ، بحسب حكم الوقت ، من لدن آدم وإلى محمد .. ذلك الأمر هو القرآن .. واستقراره في الأرض هو السبب في ختم النبوة .. وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك ، جبريل - أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا ، للوهلة الأولى ، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول ، ذلك بأن القرآن هو كلام الله ، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا ، ولكنا لا نعقل عنه .. السبب ؟ أننا عنـه مشغـولون .. قال تعالى في ذلك: (( كلا!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا!! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )).. وإنما جاء القرآن بمنهاج شريعته ، ومنهاج طريقته ، وبأدبه في كليهما ، ليرفع ذلك الريـن ، حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن ، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القـرآن ، بالقدر الذي وعى عن الله .. " انتهى.
فما رأي "علماء" ومشايخ "رابطة العالم الإسلامي" بمكة، في هذا الذي نقول؟ هل اطعلوا عليه؟ أم ساقوا ما قالوا على ما وردهم من سفه وإشاعات؟ وقد كنا نربأ بأمثالهم عن هذا الهوان الذي اختاروه لأنفسهم، بأنفسهم، فذهبوا في إهلاك أنفسهم وتضليل شعوبهم مذهباً يدل على أنهم آخر وأبعد من يتحدث عن أمر الدين، ذلك أن من يتحدث عن الدين لا بد أن يكون محكوماً بقواعد، وآداب الدين، وما بدا منهم لا يدل على أنهم يتحلون بشيء من ذلك.. قال تعالى "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم، ولتعرفنهم في لحن القول.. والله يعلم أعمالكم".. وكما عبَّر أيضاً عن هذا المعنى أصحابنا الصوفية، فقالوا: "تحدَّثوا تُعرفوا" وقد تحدث هؤلاء بما دل عليهم، وأعان على معرفتهم.. فالحمد لله الذي وهبنا من الدين ما نميز به بين الأمرين، نفجنب شعبنا مزالق الزيغ، والهوس، حتى لا يؤخذ بحملات التضليل والسعورة، والمستوردة على غرة.. ونحن، وكما قلنا قبل قليل، كنا نود أن نسمع من "علماء" "رابطة العالم الإسلامي" رأيهم فيما ورد عنا غن "ختم النبوة" و "ختم الرسالة" بدلاً من مهاترات العوام التي ذهبوا إليها.. أوليس من الأليق بهم وبحرمة "العلماء" أن يتبينوا وأن يتثبتوا من كل ما وردهم عنا حول هذا الأمر الجلل، وأن يذهبوا في مناقشته مناقشة موضوعية تواجه ما ذهبنا إليه من الحجج بدلاً من السير في تلك المتاهة المهلكة بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير.. ثم أليس في ذلك مصداق لما أخبر به القرآن الكريم حيث قال "ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يُدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين؟؟"
ومن ناحيتنا، فإننا لا نحفل بأمثال هؤلاء، ولكننا فقط أردنا إلى تسليط الضوء عليهم حتى يكون الشعب على بصيرة من أمر "الشئون الدينية" في بلادنا، والتي تحفل بأمثال هؤلاء الجهلة، بما تفسح لهم المجال لتضليل الشعب، وبما تمكنهم من مخادعتنا حين ينسبون لوزيرنا من التعظيم والألقاب الكبيرة ما يأباه الدين، وتتأذى منه نفوس المؤمنين.. اقرأوا مرة ثانية قولهم "حضرة صاحب المعالي الأخ الدكتور".. ألا تدل هذه الألقاب الكثيرة على فراغ في الفكر، ومرض في النفس، أم ما رأيكم أنتم؟؟
والمسيح المنتظر؟!
قال مشايخة "رابطة العالم الإسلامي" في خطابهم المتهافت آنف الذكر، أن الأستاذ محمود محمد طه قد ادعى بأنه "المسيح المنتظر" كما أنكر "الجزء الثاني من الشهادة" وكما وعدنا القراء، فإنا سنواصل استقصاء تلك الإتهامات الرعناء واحداً واحداً حتى نأتي عليها جميعاً، على نحو يزيل اللبس، ويمكِّن من الحقيقة، حتى يكون شعبنا الكريم على بينة وواضحة من الأمر..
وأول ما يقال عن هذا الأمر، أن لم يرد عنا ادِّعاء لمقام المسيح في أي من كتبنا أو أحاديثنا، وذلك لسبب بيسط وبديهي وهو أن المقامات لا تنال بادعائها، كما أنه ليس من أدب الدين في شيء ادعاء المقامات لأن الادِّعاء في شرعة التوحيد عجز عن الوفاء بالتزام واجب العبودية نحو الربوبية.. ثم لأن التستر خلف الأسماء الكبيرة، والمقامات العالية، ينطوي على شيء من الإرهاب الفكري، للناس، الذين يريدون حلاً لمشاكلهم، ولذلك فإننا حريصون، أشد الحرص، على عرض المحتوى الموضوعي للإسلام بعد نفي الغموض الديني عنه، وعلى نحو يبرز للناس فضيلة الإسلام التي لا تُجارى، فيسلكوا إلى الله على فكر ويقين.. ومهما يكمن من الأمر، فإن قولنا هذا ليس مقصوداً منه أن ينفي مجيء المسيح، فإن ذلك أمر مفروغ منه بالضرورة، وإنما قصدنا به إلى نفي فرية ادعائنا لذلك المقام.. لأنه من الجهل بمكان، إضاعة الوقت في ادعاء مقام لا يكون إلا بالتحقيق، ولا يجلى إلا لوقته في اليوم الموعود.. ثم نضيف بأن مجيء المسيح أمر بشَّرت به كل الأديان، وسيتحقق بمجيئه، إن شاء الله، كل الكمالات الإنسانية الموعودة لأهل الأرض، والتي ليس بيننا وبينها إلا أن نعمل في أداء الواجب المباشر جهد الإتقان، في الدعوة إلى الله على بصيرة حتى يكون المكان فينا، وفي من حولنا، مستعداً لمجيئه.. وأضعف الإيمان في هذا الأمر أن نؤمن بمجيئه، وأن ننتظره. فإن المسيح عليه السلام قد قال مرة لتلاميذه "حتى الذين ينتظرون فإنهم يصلّون" وكما جاء مثل ذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال "من كان في انتظار الصلاة فهو في صلاة" وعليه فنحن دعاة للتبشير بعودة المسيح لمجرد أننا دعاة لعودة الإسلام.. وقد جاء في إهدائنا لكتاب الرسالة الثانية قول الأستاذ: ((إلي الإنسانية : بشرى وتحية : بشرى بأن الله ادخر لها من كمال حياة الفكر وحياة الشعور، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.. وتحية للرجل وهو يمتخض ، اليوم ، في أحشائها ، وقد اشتد بها الطلـق ، وتنفس صبح الميلاد .))
هذا ولقد تواردت البشارات الدينية في القرآن الكريم، وفي الخبر الشريف، تتحدث مبشرة بمجيئه.. وفي ذلك يقول جل من قائل "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.. وكفى بالله شهيدا". وهذا يوم موعود، ومنتظر، عند أهل القلوب، وقد جاء على نهج القرآن في هذا المعنى، قول المعصوم صلى الله عليه وسلم "لو لم يبق من الدنيا إلا مقدار ساعة لمدّ الله فيه، حتى يبعث رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً" وجاء أيضا "كيف أنتم إذا نزل بينكم ابم مريم حكما عدلاً مقسطاً يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ويفيض المال حتى لا يقبله أحد" أو كما قال.. وجاء في كتابنا "القرآن ومصطفى محمود، والفهم العصري" قول الأستاذ ((فأما ساعة التعمير فهي لحظة مجيء المسيح ليرد الأشياء إلى ربها حسّاً ومعنى، وليملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ويومئذ يظهر الإسلام على جميع الأديان، ويتحقق موعود الله "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً" ويتأذن الله بالتطبيق، كما تأذن بالإنزال، وذلك فيما يتعلق بقوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا".. وهذه ساعة التجلي الكمالي))
فهل أدرك "علماء" رابطة العالم الإسلامي شيئاً؟ وهل خطرت على قلوبهم أمثال هذه المعاني أو أطراف منها في يوم من الأيام؟؟ نخشى عليهم أن يكونوا على غير انتظار لمجيء المسيح، فيصبحوا كمن كره الله انبعاثهم، فثبطهم فقيل اقعدوا مع القاعدين.. ثم ما رأي الشئون الدينية في هذا الذي نقول، وهم المخاطبون بهذه الجهالات والعاملون على نشرها وتوزيعها؟ أرايكم يا هؤلاء وقد صدق فيكم قول من قال:ــ كالعير في البيداء يقتلها الظمأ * والماء فوق ظهورها محمول.
محمد رسول الله: أو الجزء الثاني من الشهادة؟
إن هؤلاء النفر من رجال الدين الذين ذهبنا نطلق عليهم في هذا الكتاب إسم "علماء" "رابطة العالم الإسلامي" يمكن أن يكونوا أي شيء، أو أن يدَّعوا لأنفسهم ما شاءوا من الألقاب، أو أن ينتسبوا لما شاءوا من المذاهب والأفكار، ولكن ليس لهم الحق البتة في ادعاء الانتساب إلى الإسلام أو التحدث باسمه، ذلك أنهم قوم لا خلاق لهم، ولا دين، حيث يعظمون على الله الفرية، ويعرضون بأعراض الناس، وبدينهم، في غير حياء، أو مسئولية، ليضلوا عن سبيل الله بعلم، أو بغير علم، مثلهم في ذلك مثل الذين قال تعالى في حقهم "ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا، فلا يغررك تقلبهم في البلاد!! كذبت قبلهم قوم نوح، والأحزاب من بعدهم، وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، فأخذتهم.. فكيف كان عقاب؟؟" فهذه دائما سيرة الحق بين أهل الباطل، ولكن لا ضير!! فإن الصبح قريب!! وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. أي فرية، وأي كذب، أكبر، وأعظم، من قولهم أن الأستاذ محمود محمد طه ينكر الجزء الثاني من الشهادة ـ أي ينكر "محمداً رسول الله" ـ وهو الرجل الداعية الذي تفرَّد بالدعوة إلى طريق محمد صلى الله عليه وسلم، عبر قرون الدعوة الإسلامية، وأقام من نفسه عليه دليلا، فاستجاب له خيار شباب هذا البلد، وسلكوا طريق السنة على يديه، فتنورت نفوسهم، وتعلقت بالخير قلوبهم، واشتهروا بحلاوة الشمائل، وحسن الأحدوثة بين الناس، حتى غدت السنة، بفضل الله ثم بفضل صدقهم وحسن توجههم، عائدة بهم من جديد، بعد أن طال غيابها، واندثارها..
ويسرنا أن نسوق فيما يلي وبين يدي القراء طائفة من أقوال الأستاذ في هذا الأمر، والتي لا نملك بسبب ضيق المقام أن نذهب فيها مذهب التفصيل والتوسع، حتى نبرز للقارئ المدى الذي تبلغه دعوتنا في حبه، وتصديقه، وتوقيره، ومعرفة مقامه صلى الله عليه وسلم، ولكننا سنكتفي بالقليل في سبيل دحض جهل وافتراءات "علماء" "رابطة العالم الإسلامي" بمكة، فنكشف بذلك عن مدى التآمر، والتواطؤ، وعدم الأمانة الذي عليه الشئون الدينية حين تبتهج بهذه الافتراءات، وتعمل على نشرها لتضليل الشعب المسكين المتغول عليه بكيد المكابرين من أبنائه:ـــ جاء في كتيب "قل هذه سبيلي" الصادرة الطبعة الأولى منه في 1952 م ما يأتي: ((ولكن كيف يمرن الإنسان نفسه، وبطريقة منظمة على أن يحيا دائما في حالة من الوعي الداخلي، واليقظة، وضبط النفس؟؟ الجواب قريب: بان يقلد محمدا في منهاج حياته تقليدا واعيا مع الثقة التامة بأنه قد أسلم نفسه إلى إرادة هادية ومهتدية، تجعل حياته، مطابقة لروح القرآن وشخصيته متاثرة بشخصية أعظم رجل، وتعيد وحدة الفكر، والعمل فى وجوده، ووعيه كليهما، وتخلق من ذاته المادية، وذاته الروحية كلاً واحداً متسقاً قادراً على التوفيق والتوحيد بين المظاهر المختلفة فى الحياة))..
وجاء في منشور "إلى الراغبين في الله" الذي أصدره الأستاذ محمود محمد طه في يوم الثلاثاء 25 ذو الحجة 1384 هـ الموافق 27/4/1965م والصادر ايضاً في الطبعة الأولى من كتاب "طريق محمد" في مارس 1966م ما يأتي:ـــ ((إن محمدا هو الوسيلة إلى الله وليس غيره وسيلة، منذ اليوم، فمن كان يبتغي الي الله الوسيلة التي توسله، وتوصله إليه، ولا تحجبه عنه، أو تنقطع به دونه، فليترك كل عبادة هو عليها اليوم، وليقلد محمداً، في أسلوب عبادته، وفيما يطيق من أسلوب عادته، تقليداً واعياً، وليطمئن حين يفعل ذلك، أنه أسلم نفسه لقيادة نفس هادية ومهتدية.. إن على مشايخ الطرق، منذ اليـوم، أن يخرجوا أنفسهم من بين الناس ومحمد، وأن يكون عملهم إرشاد الناس إلى حياة محمد بالعمل وبالقول، فإن حياة محمد هي مفتاح الدين.. هي مفتاح القرآن، وهي مفتاح "لا إله إلا الله" التي هي غاية القرآن.. وهـذا هو السـر في القـرن في الشهادة بين الله ومحمد (( لا إله إلا الله محمد رسول الله )).. وجاء أيضا في مقدمة الطبعة الثالثة من كتاب "طريق محمد" والذي يجري اليوم في طبعته الثامنة ما يأتي من قول الأستاذ محمود محمد طه عن ذاته الشريفة تحت عنوان: من هو محمد؟ (( هومحمد، بن عبد الله، بن عبد المطلب، النبي، الأمي، المبعوث من قريش في الأميين منذ القرن السابع، والذي ختم الله به النبوة وأنزل عليه القرآن المقروء اليوم والمحفوظ بين دفتي المصحف.. لا يعرفه المسلمون وإن ظنوا جهلا أنهم يعرفونه.. وهذه الدعوة إلى اتباعه، وحسن تقليدِه التي يقدمها هذا الكتيب: "طريق محمد" لا تستقيم على خير وجوهها إلا إذا قدمت تعريفاً به يجعل اتِّباعه وتقليده عملاً علمياً يحترم أقوى العقول المعاصرة، ويقنعها بجدوى ممارسته وإتقانه)).. وجاء أيضاً في هذه المقدمة عن أزلية نبوته صلى الله عليه وسلم:ـــ ((وعن أزلية نبوته قال المعصوم: "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين" ومعنى هذه العبارة أنه كان نبياً، عالما بنبوته، في الأزل.. وقد ظهر مصداق ذلك عندما برز إلى عالم الأجساد، فإنه، وهو جنين في رحم أمه، كان يختلف عن الأجنة في الأرحام، فقد برئ وحام أمه به، مما تتعرض له وحامى النساء من الغثيان، وخبث النفس، واستيفاز الشعور، وكان حمله على أمه خفيفاً، تجد بركته في يقظتها بالصحة، وبهجة النفس، وبالمسرة المتصلة.. وتجد بركته في نومها بالرؤى المفرحة، وبمثل ذلك اختلفت طفولته، واختلفت يفاعته، واختلف شبابه، حتى لقد أيقن أنه خلق لغير ما خلق له أترابه من الشباب، ثم لم يلبث أن ألح عليه هذا الإيقان حتى اعتزل المجتمع ، وآوى إلى الغار..)).. ونواصل من أقوال الأستاذ في هذه المقدمة ما يعين على وضوح الرؤية ودحض الافتراء، فقد جاء فيها: ((ويؤخـذ من دقائـق حقائق الدين أن نبينا رسول الأمتين: الأمة المؤمنة ـ الأصحاب ـ .. والأمة المسلمة ـ الأخوان ـ .. وأنه بذلك صاحب رسالتين: الرسالة الأولى محمدية، والرسالة الثانية أحمدية.. أو قل الرسالة الأولى الشريعة التي فصلها للأمة والرسالة الثانية السنة التي أجملها، ولم يفصلها إلا في معنى ما مارسها وعاشها دماً ولحماً.)) وجاء في المقدمة أيضاً عن الذات المحمدية ((الذات المحمدية أول قابل لتجليات الذات الإلهية، وهي المشار إليها في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، "قال قلت يا رسول، الله بأبي أنت وأمي، أخبرني عن أول شيء خلقه الله.. قال: أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر)) والذات المحمدية حقيقة أحمدية، قمتها ولاية، وقاعدتها نبوة.. ومقامها المقام المحمود الذي قامه النبي ليلة عرج به بعد أن جاوز سدرة المنتهى، وفيه صح له الاتصاف بقوله تعالى "ما زاغ البصر، وما طغى" وذلك في جمعية بلغت فيها وحدة الذات البشرية قمة طوعت لها شهود الذات الإلهية..))..
وتحت عنوان "المسلمون ما خطبهم" من تلك المقدمة، قال الأستاذ: ((والمسلمون، اليوم، ليسوا على شيء، وإنما هم في التيه.. يعيشون الجاهلية الثانية ـ جاهلية القرن العشرين ـ والعاملون منهم بالدين لا يتعدى عملهم القشور إلى اللباب.. وليس لهم إلى خروج من هذا الخزي غير طريق محمد.. ونحن إذ نقدمه لهم في هذا الكتيب، وإذ ندعوهم إليه، ننذرهم عواقب الإبطاء في الأخذ به.. ثم إننا، من وراء المسلمين، وبعد المسلمين، نقدمه للإنسانية جمعاء، فليس لها من طريق غيره إلى كمال التحرير، ولا كمال التمدين.. ومن أجل ذلك فقد جاءت عبارة إهدائه هكذا :ـــ "إلى الراغبين في الله ، وهم يعلمون ، والراغبين عن الله ، وهم لا يعلمون .. فما من الله بد .")) وقد ورد أيضاً من أقوال الأستاذ في متن "طريق محمد":ـــ ((إننا قد استيقنا من أنه بتقليـد محمد تتوحد الأمة ويتجدد دينها، ولذلك فإنا قد جعلنا وكـدنا تعميق هذه الدعـوة، ونقـدم فيما يلي نموذجاً يعيـن كل من يريـد أن يتخـذ إلى الله سبيـلاً))؟؟ وورد في ذلك المتن أيضاً عن وصفه صلى الله عليه وسلم ((هذه نفس اكتملت لها عناصر الصحة الداخلية، واتسقت قواها الباطنية، وتحررت من الأوهام، والأباطيل، وسلمت من القلق، والخوف العنصري، البدائي، الساذج.. ما أحوج بشرية اليوم، كلها، إلى تقليد هذه النفس التي اكتملت لها أسباب الصحة الداخلية)).. وأخيرا نضيف لهذه الطائفة من المختارات ما جاء في كتابنا: القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري: ((وجلّ ما أريد هو أن يأخذ الناس – كل الناس – أنفسهم بالسير خلف المعصوم، في إتقان، وتجويد لتقليده، في أسلوب عبادته، وفيما يطيقون من أسلوب عادته، حتى يأخذوا من سمت هذه الحياة الخصبة، المهتدية، الهادية، مفتاح مغاليق القرآن.)) ثم يمضي السياق إلى أن يقول (( ولقد وظف الجمهوريون حياتهم لبعث هذه السنة المطهرة)). فهل بعد هذا بغية لمبتغ؟ ما رأي "علماء" "رابطة العالم الإسلامي" بمكة، وما رأي الشئون الدينية في هذا الذي أوردنا؟؟ هل تريدون الحق؟ إذن فاسمعوا: إنكم بفعلكم الرديء هذا، قد قصدتم الفتنة والإضلال عن الحق.. ولم تقصدوا وجه الله، كما لم تقصدوا مصلحة الناس.. ولو كان لكم فيهما أدنى حظ لتبينتم، وتثبتم، قبل أن تهلكوا أنفسكم بهذه الصورة المؤسفة! فعودوا إلى الله "إني لكم منه نذير مبين".
إلى آخر ما جاء في ادِّعاءاته الباطلة
وبعد، فإن مثيري الفتنة لم يكتفوا بكل الذي افتروا علينا زوراً وبهتاناً، وإنما ذهبوا أكثر من ذلك حين عمموا، وأعظموا على الله الكذب بقولهم القاصر "إلى آخر ما جاء في ادعاءاته الباطلة"، ونتساءل عن ماهية هذه الادعاءات الباطلة، التي لم يشاءوا الإفصاح عنها؟! والجواب: أنهم قد أعجلوا أنفسهم هذه المرة أكثر من سابقاتها، حيث ذهبوا إلى غرضهم في إثارة الفتنة، واستعداء السلطة مباشرة، ومن غير أن يتوكأوا على أكاذيبهم التي درجوا عليها في مسيرة هذا الخطاب العجيب المتهافت.. فأي استخفاف بدين الناس هذا؟ وأي استخفاف بعقولهم؟ أعظم من هذه الدعاوي وهذه الأكاذيب التي يفتريها "علماء" "رابطة العالم الإسلامي" بمكة جهاراً نهاراً في تكفير مسلم، على افتراض وجود ادعاءات باطلة! وقد لا تكون هي بالضرورة في تصور الذين كتبوا إليهم!! فأي عبث هذا يا مشايخ؟ وما هذا الغباء، بالله أريحونا منكم، وأريحوا الإسلام، فإنكم لأشأم على البلاد من كل شؤم وشؤم.
محكمة الردة مرة أخرى
ثم يمضي خطابهم آنف الذكر ليقرر ((وبعد مناقشة الموضوع من جميع جوانبه، أصدر المجلس حكمه بالاجماع، بارتداد المذكور من الإسلام، وتأييداً لما حكمت به المحكمة الشرعية العليا بالخرطوم، وأنه يجب على المسلمين، أن يعاملوه معاملة المرتدين كما يجب مصادرة كتبه أينما وجدت ومنع طبعها.)). نقرر أولاً لمواجهة هذا الجزء من الخطاب أنه قد صيغ صياغة لغوية ركيكة لا تليق بمحفل يدَّعي الحدب، والحرص، على الإسلام والمسلمين.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإننا نتساءل:ـــ أي يعيش هؤلاء القوم؟ وهل هم يشاركوننا الحياة في هذا الثلث الأخير من القرن العشرين؟ وحيث حققت إنسانية اليوم قيماً عالية في احترام حق الحياة، وحق الحرية، لجميع الناس؟ أم تراهم لا يكادون يفقهون قولاً؟ مثلهم في ذلك مثل الحمار الذي يحمل أسفاراً، فبئس مثل القوم الظالمين.. إن حكم الردة الذي قضت به "رابطة العالم الإسلامي" بمكة، على الأستاذ محمود محمد طه، وتأييدها لما حكمت به المحكمة الشرعية العليا بالخرطوم إنما يكشف بجلاء عن أبعاد التآمر، والتواطؤ الرجعي الذي يستهدف هذه البلاد، ويتهددها.. نحن جميعاً نعلم أن الطائفية في الماضي قد أوشكت أن تنجح في تغفيل الناس باسم الدستور الإسلامي، ولكن الله سلم، وقيَّض الأستاذ محمود محمد طه ليتصدى لتلك الجهالات، ويكشف زيفها، وتضليلها.. فأقام الدوات، والمحاضرات، والمهرجانات، تحت شعار "الدستور الإسلامي المزيف"، مما كان له أطيب الأثر في نشر الوعي القومي بالبلاد.. ولما كانت الطائفية لا تحتمل المعارضة فقد حركت أدواتها، حتى كانت محكمة الردة المعروفة، والتي جعلها الله نكالاً على الطائفية وأذنابها، فجنوا منها أسوأ العواقب! واليوم فإن التاريخ سيعيد نفسه، وبصورة أكبر، وإننا من هذا المنبر، نؤكد "لعلماء" "رابطة العالم الإسلامي" ولمن والاهم من الزعماء الذين أشاروا إليهم في خطابهم آنف الذكر: إن الحق لا بد منتصر، وإن الباطل لا بد منهزم.. وإن الدائرة ستدور عليهم قريباً، وسوف يواجهون نفس المصير الذي واجهته الطائفية في هذه البلاد.. والحق بذلك زعيم!؟ إن على مشايخ الرابطة أن يعلموا ولو بعد فوات الأوان، أن "محكمة الخرطوم الشرعية العليا" والتي أسمينها فيما بعد "بمحكمة الردة"، قد كانت طرفا في مؤامرة اشترك في إفكها مجلس السيادة، وقاضي القضاة، وصنائعه، والمدعيان الكاذبان، وشهود الزور، الذين أتوا بهم لذلك الغرض.. من أجل ذلك فقد كانت إجراءات المحكمة مثلاً للجهل والغباء، الذي لا يفوت، أو يقع من أقل الناس مسئولية، فكيف به إذا وقع من محكمة طاب لها أن تسمي نفسها "محكمة الخرطوم الشرعية العليا".. أكثر من ذلك هل يعلم السادة "علماء" "رابطة العالم الإسلامي" أن محكمة الردة كانت محكمة غير دستورية؟ وأنها عملت في غير اختصاصها؟ فتجنت بذلك على القانون، واعتدت على الدستور.. ثم هي قد كانت، من قبل ذلك، ومن بعده، مكيدة سياسية، عمدوا بها إلى إسكات صوت الحق الوحيد في هذا البلد؟؟ ولكن هيهات!! والذي يهمنا من وراء كل أولئك أن شعبنا العملاق قد تجاوب معنا يومئذ تجاوباً طيباً، فكان قريباً من مستوى مسئوليته.. أما اليوم، فنحن ننتظر منه أكثر، ننتظره أن يكون في مستوى مسئوليته تماماً، وحيث توجب علينا جميعاً أن نحمي ديننا، وأن نذود عن وطننا، حتى لا تتكرر بنا التجارب الفاشلة، وحتى لا نكون لقمة سائغة تلتهمها أفواه المسعورين من المعتدين أعداء الحرية والدين.. فهل أدلكم على المطية الذلول؟؟ إذن فأقبلوا على "الدعوة الإسلامية الجديدة" فإن فيها شفاء من كل داء..
وأخيرا فأين حرمة القانون
ويلجأ بعد ذلك "علماء" "رابطة العالم الإسلامي" بمكة، إلى الفتنة العمياء، وإلى التحريض والخروج بالناس على القانون، ليحملوه في أيديهم، فتعم الفوضى، ويضطرب حبل الأمن والنظام.. ونحن بهذا التقرير لم نقصد إلى تجريمهم، أو التجني عليهم، وإنما قصدنا أن نعين القارئ بوضع النقط فوق الحروف، حتى يتبين مواقع أقدامه، فلا يقع فريسة لفعل طائش، يدفعه إليه بعض خفاف الأحلام ممن لا يرعون له حرمة أو كرامة.. اقرأ مرة ثانية كيف يغررون بك، وبعد أن افتروا بين يديك صنوفاً من الأباطيل، وصنوفاً من الأكاذيب، حين يقولون في غير حياء، أو حذر: ((وأنه يجب على المسلمين، أن يعاملوه معاملة المرتدين كما يجب مصادرة كتبه أينما وجدت ومنع طبعها)).. والسؤال الآن "لزعماء وعلماء" "رابطة العالم الإسلامي" بمكة، ليحدثونا عن كيفية معاملة المسلمين للمرتدين؟ إن كان لهم رأي غير الذي ذهبنا لتقريره عنهم في تخريجنا آنف الذكر؟.. وحرصاً منا على تعميم الفائدة نسأل "رابطة العالم الإسلامي" عن حكم محكمة الردة؟ وهل هو في مستوى أحكام الحدود الأخرى، أم دونها؟ ثم عن كيفية تنفيذه؟ وهل ينفذ بيد الحكومة أم بيد جمهور المسلمين؟ ثم هل يمكن أن يجري تنفيذه بحكومة علمانية لا تقوم أحكامها على ما أنزل الله من الشريعة الإسلامية، كما هو واقع الحال في بلادنا؟ وفي غيرها من البلدان الإسلامية؟ أم ماذا يرى هؤلاء الأشياخ الذين يتحدثون باسم الدين ويجهلون أبجدياته؟!
كتب الدعوة الإسلامية الجديدة بين المنع والمصادرة
من البداهة بمكان أن نقرر، أنه ليس بمستغرب على هؤلاء الأشياخ، ولا على حكوماتهم، إصدار الأوامر التعسفية، لمصادرة الكتب، أو لمنع طباعتها، لأنهم لا يقيمون لحرية العقيدة، ولحرية الرأي، وزناً، ومن ثم فإن شعوبهم قد قسرت على الذل، ونشأت على الهوان، فلا قيمة لها عندهم، ولا وزن.. ولكننا، بحمد الله، قد تميزنا عنهم بشعب عملاق هو في كل وقت أعلى قامة من حكوماته، وقد التفتت إليه الأنظار بعد ثورة أكتوبر التي أصبح بها بحق معلماً للشعوب، تنتظر عنده الفرج وتترقب الإنقاذ.. وحكوماتنا، على علاتها، قد كانت دائما بسبيل من شعبنا، فهي على أثره.. وقد نتفق، أنا وأنت، ونحسب على حكوماتنا، على اختلافها، عيبوباً، وأخطاء كثيرة، ولكن، مع ذلك، فإن أسوأ حكوماتنا، وفي أسوأ العهود، أفضل، بكثير، وبما لا يقاس، مما يسمى بالحكومات الإسلامية، أو بالحكومات العربية، تلك التي نعرفها جيداً.. وعليه فإن مخاطبة "علماء" "رابطة العالم الإسلامي" في هذا الصدد لحكومتنا عن طريق وزيرنا نعتبره تدخلاً أجنبياً سافراً في شئوننا الداخلية، ونحن لن نقبله، ولن نسكت عليه.. كما أننا سنعنف الشئون الدينية أشد التعنيف على جهالاتها وعلى ابتهاجها بذلك الخطاب الرديء، المتهافت، الذي عملت على نشره، وتوزيعه، بين الناس في غير روية أو تفكير، حتى أصبحت، بفعلها الطائش هذا، دون مستوى المسئولية المناطة بها، ودون مستوى الكرامة التي اتصف وعرف بها الشعب السوداني على مر الأيام، فهل تعي الشئون الدينية هذا الدرس؟؟ هذا لا يعنينا، بقدر ما يعنينا أن يستيقظ شعبنا، فلا يسمح لعابث مستهتر، مثل "رابطة العالم الإسلامي"، بالتدخل في شئونه الداخلية، وإلى الحد الذي تقول فيه على لسان أمينها: "أرجو من معاليكم التكرم بنقل هذا القرار الى حكومتكم الموقرة وبذل مساعيكم الحميدة لدى المسئولين فيها للمساهمة معنا في تنفيذ هذا الأمر" اقرأوا مرة ثانية: "للمساهمة معنا في تنفيذ هذا الأمر". فمن هم يا ترى هؤلاء الذين يتولون مسئوليتنا، ويطلبون من حكومتنا المساهمة معهم في تنفيذ هذا الأمر، على حد قولهم؟؟ إن هذا أمر غريب، نرفضه، ولا نذعن له، ثم هو لا يجرؤ عليه، إلا غبي متحامل!! فمن هو إذن ذلك الغبي المتحامل الذي أغرى بنا تلك الرابطة الهزيلة؟!
الخطاب الثاني صورة طبق الأصل بسم الله الرحمن الرحيم الأزهر مجمع البحوث الاسلامية مكتب الأمين العام 5/6/1972 السيد/ الأستاذ وكيل وزارة الشئون الدينية والأوقاف بالسودان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، فقد وقع تحت يدي لجنة الفتوي بالأزهر الشريف، كتاب الرسالة الثانية من الاسلام، تأليف محمود محمد طه، طبع في أم درمان الطبعة الرابعة عام 1971 م ص. ب 1151. وقد تضمن هذا الكتاب أن الرسول بعث برسالتين فرعية ورسالة أصلية. وقد بلغ الرسالة الفرعية، وأما الأصلية فيبلغها رسول يأتي بعد، لأنها لا تتفق والزمن الذي فيه الرسول.. وبما أن هذا كفر صراح ولا يصح السكوت عليه، فالرجاء التكرم باتخاذ ما ترونه من مصادرة لهذا الفكر الملحد والعمل علي ايقاف هذا النشاط الهدّام، خاصة في بلدكم الاسلامي العريق.. وفقكم الله وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الأمين العام لمجمع البحوث الاسلامية دكتور محمد عبدالرحمن بيصار
خرافة "الأزهر الشريف" ليس لها، بحمد الله، اليوم وجود إلا في اعتبار بعض من السذج، والبسطاء من المسلمين، الذين لم تشملهم، بعد، حركة الوعي العام الصاعدة في أقطارهم، وفي غيرها من بلاد الله، ولكن الأمل معقود باضطراد، لاستنقاذهم سريعاً من براثن الجهل الديني وما يلحق به من عوامل الرجعية والتخلف، المتصلة بتقديس "الأزهر الشريف".. ونحن نرجو أن يكون لمحاولتنا هذه اليد الطولى، والفضل الأكبر ـ على الأقل ـ في 1ـ استنقاذ السودانيين الذين لا يزالون تحت تأثير هذه الخرافة، لاسيما بعد أن أصبح الأزهر، في وقتنا الحاضر، من أكبر الدلائل على موت الإسلام، ومفارقة المسلمين، ولعلنا لا نأتي بجديد إذا قررنا أن الأزهر، كان ولم يزل، ركيزة من ركائز الحكام الإنجليز، والحكام المصريين، يستخدمونه في بسط نفوذهم، وتدعيم سلطانهم، بإشارعة روح الإرهاب الديني، وما يتصل بها من حماية الحكام باسم الدين، تحت شعار الشرع الحنيف.. ووجه الأزهر في هذا المجال، مجلل بالعار والسواد، كما أن محازيه لا تقع تحت حصر، أو بيان.. فكم كفَّر!! وكم خذَّل!! وكم تواطأ!! وكم أكل مشائخته الدنيا باسم الدين، فبنوا لحومهم، وشحومهم، الفانية بغير الحق، فضربوا بذلك، وعلى مر الأيام، أسوأ مثل لرجل الدين الخائر، المتقاعس، الجبان!! ألم تسمعوا بما كتب الأستاذ أحمد حسن الزيات، رئيس تحرير مجلة الأزهر، أيام المرحوم جمال عبد الناصر، وحين ذهب يناقش، ويقارن، بين اشتراكية محمد، واشتراكية جمال، وما تصل بتلك المقارنة من نقاش مع العقاد، فقرر الزيات، وفي غير حياء "أن وقفة جمال عبد الناصر في ميدان التحرير تعدل كل العهود التي انكفأ العقاد يؤلف عبقرياتها" أو كما قال؟؟ فما رأي القراء في هذا، وما رأي المدافعين عن الأزهر؟؟ هؤلاء وأولئك مدعوون للإطلاع على كتابنا: "الدين ورجال الدين عبر السنين" ليقفوا بأنفسهم على مخازي الأزهر، وعلى مفاسده، مبوبة، ومحددة، ومؤرخة.. والآن، وبسبيل من تلك المخازي، وتلك العيوب، التي اشتهر بها الأزهر، فقد سعى إن شاء الله إلى حتفه حيث دخل في عرضنا معتديا فرمانا بالكفر، وبالإلحاد، في غير ورع أو حياء، وبغير بينة، وفي جرأة على الحق، وعلى الدين، لا تتوفر إلا عند أشباهه من محترفي الدين، الذين لا يخافون الله، ولا يخشون لقاءه، من أمثال الدمي، والنماذج المفتعلة التي رأيناها، و "كرابطة العالم الإسلام بمكة"، "وكالشئون الدينية"، "وكمحكمة الخرطوم العليا الشرعية ".. ومن عجب فإنهم يفكرون على نحو واحد، ويتآمرون على نمط واحد، ويقررون، في أخطر الأمور، "كالردة عن الإسلام" مثلاً، على إشاعات يتلقفونها من الشارع، ولا يكلفون أنفسهم مسئولية التثبت منها، أو البحث عنها في مصادرها، ليهلكهم الله بأيديهم، ويقضي أمراً كان مفعولاً.. ونحن نزعم أن الناس سيشهدون قريباً نهاية هذه المؤسسات الرجعية الفارغة المحتوى، فينفتح لهم طريق الحق على مصراعيه، لينهلوا من معينه الصافي، فيعود فيهم الدين قوياً وخلاّقا، يحرر القلوب، ويحرر الرؤوس، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.. ولكي نجعل طريق الدين ممهداً، فلا بد إذن من مواجهة هذه المؤسسات، وفضح أمرها للناس، وتعريتها، حتى تزول عنها تلك القداسة المدعاة، وقد رأيتم ما جرى منا مع رابطة السعودية، وسنفعل مثل ذلك مع "الأزهر" ومع "الشئون الدينية".. وسوف لا تكون رحلتنا معهم طويلة كما كانت مع "رابطة العالم الإسلامي" وما ذاك إلا لأن أقوالهم متشابهة ومتكررة، وقد سبق الرد عليها في جملة ما أصاب "رابطة السعودية" المسماة "برابطة العالم الإسلامي".. ولكننا وحرصاً على الفائدة وتعميماً لها، سنقف معهم بعض الوقت لندفع الباطل بالحق فإذا هو زاهق، وعلى الله قصد السبيل، ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين.. وبعد، فقد اطلع القراء الكرام على خطاب الأزهر الذي مر بنا قبل قليل، والمعنون لوكيل الشئون الدينية والأوقاف بالسودان.. وقد قامت حجة ذلك الخطاب المتحامل، الرديء، على رمينا بالكفر، والإلحاد، بسبب فهم خاطئ قام عند "لجنة الفتوى"، أو قل بسبب غرض مبيت عندها للنيل منا، فانطلقت، من غير أن تتبين، وكعادة الأزهريين دائماً، في إصدار الفتاوي، للهوى والطغيان.. ولكن ذلك لن يجوز على شعبنا الذي نثق أن قامته أكبر من أن تنخدع بهذه المهازل التي لا تقوم على أساس من فكر أو دين.. هذا وقد بلغنا أن بعض أعوان الشئون الدينية ببورتسودان، ومدني، وعطبرة، وكوستي، يقومون هذه الأيام، بقراءة تلك الفتاوي، وتوزيعها على الشعب، بغية إثارته، ولكن، ولله الحمد، فقد كان الشعب أكبر من أكاذيبهم، وترهاتهم، فلم يعبأ بهم، ولم يلتفت إليهم، بل، على النقيض، فقد زاد إقباله علينا، وتنوع اهتمامه بالفكرة الجمهورية، فاقتنى كتبها، وتساءل عن تفاصيلها على نحو لم نعهده فيه من قبل.. وهكذا فإن الله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. ومن أهم ما جاء في خطاب الأزهر قولهم عن دعوتنا ((وقع تحت يدي لجنة الفتوي بالأزهر الشريف، كتاب الرسالة الثانية من الاسلام، تأليف محمود محمد طه، طبع في أم درمان الطبعة الرابعة عام 1971 م ص. ب 1151. وقد تضمن هذا الكتاب أن الرسول بعث برسالتين فرعية ورسالة أصلية. وقد بلغ الرسالة الفرعية، وأما الأصلية فيبلغها رسول يأتي بعد، لأنها لا تتفق والزمن الذي فيه الرسول..)).. نبادر فنقرر أن كل هذا الكلام كذب واختلاق.. ولم يصدر من الأستاذ محمود محمد طه مطلقاً.. وعليه، ومن باب أولى، فإنه ليس موجوداً "بالرسالة الثانية من الإسلام" التي زعموا اطلاع لجنة الفتوى عليها.. فما رأي القراء إذن في هذا الافتراء الذي افتعله الأزهر افتعالاً، ونشرته الشئون الدينية، وفي غير ورع، أو حذر، من كليهما!! فدونكم كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام"، فإن فيه لكم غناء؟؟ وأما في هذا المقام فسننقل للقارئ طرفاً مما جاء عن هذا الأمر، من نفس الكتاب ومن نفس الطبعة الرابعة التي وردت إشارتهم إليها. جاء في صفحة 16،17 من كتاب الرسالة الثانية، الطبعة الرابعة 1971م ما نصه: ((ومرحلة العقيدة هي مرحلة الأمة المؤمنة.. وهي أمة الرسالة الأولى.. ومرحلة العلم هي مرحلة الأمة المسلمة.. وهي أمة الرسالة الثانية.. وهذه الأمة لم تجئ بعد، وإنما جاء طلائعها، فرادى، على مدى تاريخ المجتمع البشري الطويل. وأولئك هم الأنبياء، وفي مقدمتهم سيدهم، وخاتمهم، النبي، الأمي، محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. وهو قد بشر بمجئ هذه الأمة المسلمة، كما جاء برسالتها، مجملة في القرآن، مفصلة في السنة، وقد أسلفنا الإشارة إلى معنى السنة.. وحين تجيء هذه الأمة المسلمة فإنها لا تبدأ إلا بما بدأت به الأمة المؤمنة، وهي مرحلة العقيدة، ولكنها لا تقف في الدرجة الثالثة من درجات السلم التي وقف جبريل في أسئلته عندها، وإنما تتعداها في التطور إلى ختام الدرجات، فتكون بذلك صاحبة عقيدة، وصاحبة علم، في آن معا، فهي مؤمنة، ومسلمة، في حين أن الأمة الأولى مؤمنة، وليست مسلمة، بهذا المعنى النهائي للإسلام.. ويجب أن يكون واضحا فان جبريل إنما وقف، في أسئلته، عند نهاية درجات العقيدة لأنه إنما جاء ليبين للأمة المؤمنة دينها، ولم يجئ ليبين للأمة المسلمة، التي لما تأت بعد.. إن محمدا رسول الرسالة الأولى، وهو رسول الرسالة الثانية.. وهو قد فصل الرسالة الأولى تفصيلا، وأجمل الرسالة الثانية إجمالا، ولا يقتضي تفصيلها إلا فهما جديدا للقرآن، وهو ما يقوم عليه هذا الكتاب الذي بين يدي القراء)).. هذا ما جاء في مقدمة الرسالة الثانية، الطبعة الرابعة، التي تحدث عنها خطاب الأزهر، فما رأي القراء؟ وما رأي الشعب في هذه الشئون الدينية التي يصف عليها من عرقه، ودموعه، وهي سادرة في تكريم الغي الموفي بأهله على النار؟ وماضية في تضليل الشعب؟ أوليس من المؤسف حقاً أن يصدر مثل ذلك الكلام الذي ليس له وجود في كتابنا المشار إليه، من هيئة كالأزهر تدَّعي قيادة العالم الإسلامي؟ وأليس من المؤسف أكثر أن تمضي الشئون الدينية في غيها مع الأزهر فتضلل الشعب وتخون أمانة المسئولية؟! من قال لكم يا رجال الأزهر أن الأستاذ محمود محمد طه قد قال في كتابه الرسالة الثانية من الإسلام ما افتريتموه في خطابكم العجيب حين نسبتم إليه من قولكم ((وقد تضمن هذا الكتاب أن الرسول بعث برسالتين فرعية ورسالة أصلية. وقد بلغ الرسالة الفرعية، وأما الأصلية فيبلغها رسول يأتي بعد، لأنها لا تتفق والزمن الذي فيه الرسول..))! ما رأي الشعب السوداني في هذا الكذب الواضح المفتعل؟ نحن نترك للشعب أن يقرر نفسه بعد أن نحيطه بالمعلومات الوافية ومنها ما جاء في صفحة 5 من كتاب الرسالة الثانية، مقدمة الطبعة الرابعة، حول هذا الأمر، وتحت عنوان "السنة هي الرسالة الثانية" ما يلي: ((السنة شريعة، وزيادة.. فإذا كانت العروة الوثقى هي الشريعة، فإن السنة أرفع منها.. وإذا كان حبل الإسلام متنزلا من الإطلاق إلى أرض الناس، حيث الشريعة - حيث مخاطبة الناس على قدر عقولهم - فإن السنة تقع فوق مستوى عامة الناس.. فالسنة هي شريعة النبي الخاصة به.. هي مخاطبته هو على قدر عقله.. وفرق كبير بين عقله، وبين عقول عامة الناس.. وهذا نفسه الفرق بين السنة والشريعة.. وما الرسالة الثانية إلا بعث هذه السنة لتكون شريعة عامة الناس، وإنما كان ذلك ممكنا، بفضل الله، ثم بفضل تطور المجتمع البشري خلال ما يقرب من أربعة عشر قرنا من الزمان.. وحين بشر المعصوم ببعث الإسلام إنما بشر به في معنى بعث السنة، وليس في معنى بعث الشريعة.. قال: (( بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ.. فطوبى للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها )).. ويجب أن يكون واضحاً أنه لا يعني إحياء الشريعة، وإنما يعني إحياء السنة.. والسنة، كما قلنا، شريعة، وزيادة.. السنة طريقة.. والطريقة شريعة موكدة..)) ورد هذا في كتاب الرسالة الثانية التي زعمت لجنة فتوى الأزهر الإطلاع عليه فافترت علينا بالباطل ما كان يمكن ألا يكون لو اصطنعت الأناة وترثت في الأمر قليلاً ولكن القصد المبيَّت لإصدار الفتوى كان حاكما ومسيطراً، فذهبوا إلى حيث تآمروا من غير تدقيق، فجاءت فتواهم مثلاً للركاكة والاستعجال.. اقرأ معنا ما جاء ف صفحة 134 من كتاب الرسالة الثانية، عن الرسالة الثانية لترى كيف أهان هؤلاء النفر أنفسهم ودينهم:ـ ((الرسالة الثانية هي الإسلام، وقد أجملها المعصوم إجمالاً، ولم يقع في حقها التفصيل إلا في التشاريع المتداخلة بين الرسالة الأولى وبينها، كتشاريع العبادات، وكتشاريع الحدود، قال تعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا)) هذا اليوم يوم عرفة، من حجة الوداع، في السنة الثامنة من الهجرة، وقد كان يوم جمعة. وهذه الآية هي آخر ما نزل من القرآن.. وهي قمة رسالات السماء.)) هل بعد هذا البيان الواضح، فرصة لمتقول أن يقول ما قاله "علماء السوء" بالأزهر، أو أن يردد، أو ينشر، ما ردده ونشره "علماء الدنيا" بالشئون الدينية في سبيل الجاه، وفي سبيل الدنيا، ومن غير اعتبار لما يلحقوا بأعراض الآخرين من الأذى حين يرمونها بالكفر والإلحاد؟ اللهم إن هذا فسوق نبرأ إليك منه ونسأل اللطف منك لقومنا من وعيدك الحق حيث قلت وأنت أصدق القائلين: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة". وفي كل الذي تقدم بيان مقنع وإشباع كاف لقومنا من عبث العابثين وخيانة المفسدين، الذين لا يرعون حرمات الله ولا حرمات الناس.. ونحن، وكما أكدنا دائماً، لا نقيم وزناً لأمثال هؤلاء المرتزقة، ولا نجعل لهم قيمة، ولكن غرضنا دائما أمامنا وهو هذا الشعب الأصيل الذي نأمل أن يكون دائماً محصناً بالوعي ومثبتاً بالحق ليملأ مكانه في الصدارة والقيادة.. ومن أجل هذه الغاية سننقل فيما يلي كلمة أخيرة من كتاب الرسالة الثانية، الطبعة الرابعة، 1971م التي زعم أساطين الغواية الإطلاع عليها.. فقد ورد في صفحة 106 من ذلك الكتاب ما نصه: ((فإذا كان هذا الحديث صحيحا، وهو صحيح، بلا أدنى ريب، فإن له أثرا بعيدا في مستقبل الفكر الإسلامي، ذلك بأنه يعني أن الإسلام، كما جاء به القرآن، ليس رسالة واحدة، وإنما هو رسالتان: رسالة في طرف البداية، أو هي مما يلي اليهودية، ورسالة في طرف النهاية، أو هي مما يلي المسيحية، وقد بلغ المعصوم كلتا الرسالتين، بما بلغ القرآن وبما سار السيرة، ولكنه فصل الرسالة الأولى بتشريعه تفصيلا، وأجمل الرسالة الثانية إجمالا، اللهم إلا ما يكون من أمر التشريع المتداخل بين الرسالة الأولى، والرسالة الثانية، فإن ذلك يعتبر تفصيلا في حق الرسالة الثانية أيضا، ومن ذلك، بشكل خاص، تشريع العبادات، ما خلا الزكاة ذات المقادير.)) فما رأي رجال الأزهر؟ وما رأي رجال الشئون الدينية؟ وما رأي الشعب في "رجال الدين" هؤلاء الذين مرضت قلوبهم وعميت أبصارهم، فأنكروا الحق الأبلج؟؟ أفي أمثال هؤلاء قال إمام المديح البصيري قولته الخالدة؟ قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد * وينكر الفم طعم الماء من سقم ختاما نكتفي بهذا القدر في مواجهة ادعاءات الأزهر الكاذبة الجوفاء، وفي النفس حاجة للمزيد من الكتابة، ولكن صونا لهذا الحيز المحدود وكسباً للوقت نرجو أن نحيل القارئ لمؤلفات "الدعوة الإسلامية الجديدة" وعلى الخصوص 1ـ الرسالة الثانية 2ـ طريق محمد 3ـ تطوير شريعة الأحوال الشخصية.. وبالإطلاع على هذه الكتب يتمكن القارئ بفضل الرؤية الواضحة، من متابعة قضية الأصول والفروع وما تبعها من النسخ والإحكام والله ولي التوفيق. هذا من ناحية "الفتوى" أما من ناحية القرار الذي اتخذه الأزهر والذي جاء كما يلي ((وبما أن هذا كفر صراح ولا يصح السكوت عليه، فالرجاء التكرم باتخاذ ما ترونه من مصادرة لهذا الفكر الملحد والعمل علي ايقاف هذا النشاط الهدّام، خاصة في بلدكم الاسلامي العريق..)) يلاحظ القارئ الاتفاق التام بين قرار أزهر مصر، وبين قرارات رابطة السعودية، مما يؤكد التآمر على دعوتنا الإسلامية الجديدة التي أقلقت مضاجعهم وهزت عروشهم، والتي لن ينالوا منها شيئاً بفضل الله، ثم بفضل يقظة شعبنا العملاق.. وقرار الأزهر، ربغم ضعفه وهوانه، نتعتبره مثلاً آخر من أمثلة التدخل في شئوننا الداخلية، وهو تدخل سياسي لم تكتمل له عناصر النضج المطلوبة في مثل هذه الحالات، وهكذا شأن "رجال الدين" دائماً لا يعرفون عن السياسة شيئاً، ولا يعرفون عن الدين ما يكفي، ومع ذلك تستخدمهم، وتستغلهم، الجهات الرجعية المتخلفة، لأنها ليست بأكثر منهم حكمة، أو أوسع منهم تجربة، وعلى هؤلاء وأولئك تقع مسئولية بُعْد الشباب الأذكياء عن الدين، ونفورهم عنه.. ونحن نعلم أن ضمير الدين قد مات في الأزهر، واندثر، ولذلك فنحنلسنا في هذا المجال بسبيل محاسبته على قراراته الرديئة، الممعنة في الرداءة، وإنما نحن بسبيل توعية شعبنا ليأخذ بزمام المبادرة فلا يخدع على غرة.. ومن أولى واجباتنا في هذا الصدد أن نشدد النكير على الشئون الدينية التي تفتح مجال هذا البلد للأجانب ليعيثوا فيه الفساد، وليتدخلوا في شئونه الداخلية، على نحو ينفر منه كل كريم.. إن الشئون الدينية بتنكرها لهذا الواجب تقصر عن مسئوليتها في حماة الشعب وفي صون استقلاله.. وهي من ثم متهمة بالتآمر مع جهات رجعية وذات مصلحة في بسط نفوذها على السودان.. وإلا فبم تبرر مواقفها هذه المشبوهة؟ وبماذا تدافع عن نفسها وهي تحتفل بالجهل، وتكرِّمه، وتنشره على الشعب؟! إن معاداة الشئون الدينية للدعوة الإسلامية الجديدة قد خرجت عن كل معقول، وهي في هذا السبيل لا ترعى حرمة الدين، ولا حرمة الوطن، ولا حرمة القانون.. ونحن لم ننزعج من مواقف الشئون الدينية، بل على النقيض كنا سننزعج لو لم تقف منا هذه المواقف.. لماذا؟ لأنه ما خلا في أمة نذير إلا قال أمثال ناس "الشئون الدينية" إنَّا بما أرسلتم به كافرون..
الخطاب الثالث صورة طبق الأصل 23/7/1972 النمرة وش دو/1/!/8/1
السيد/ الدكتور محمد عبدالرحمن بيصار الأمين العام لمجمع البحوث الاسلامية الأزهر – القاهرة. تحية طيبة بالاشارة إلى خطابكم المؤرخ 5/6/1972 والخاص بكتاب الرسالة الثانية من الإسلام تأليف الأستاذ محمود محمد طه، إن موضوع مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه ونشاطه الذي يقوم به موضوع دراسة دقيقة بواسطة هذه الوزارة وسلطات الأمن المختصة في جمهورية السودان الديمقراطية، وستتخذ فيه الاجراءات المناسبة بعد اكمال دراسة الموضوع من جميع جوانبه. هذا وتجدر الاشارة الي ان المحكمة الشرعية العليا بجمهورية السودان الديمقراطية كانت قد أصدرت حكمها غيابيا في القضية نمرة 1035/1968 في 18/11/1968م ضد الأستاذ محمود محمد طه وحكمت غيابياً بأنه مرتد عن الاسلام وأمرته بالتوبة من جميع الأقوال والأفعال التي أدت الي ردته، وتجري الآن عملية جمع هذه الحقائق للمساعدة في الدراسة واتخاذ الاجراءات اللازمة وشكرا . محمد أحمد ياجي وكيل وزارة الشئون الدينية والأوقاف.
أولاً ما رأي الشعب السوداني في هذا الخطاب الهزيل المتهافت؟ ثم ما رأيه في هذه "الشئون الدينية" التي تعمل دائماً على إظهاره بهذا المظهر الضعيف المستكين؟ إن الشئون الدينية بنشرها لأسرار متابعة أجهزة الأمن لنشاط الأستاذ محمود محمد طه ونقلها لدولة أجنبية، ذات مصلحة في متابعة تلك الأسرار يشكل جريمة أمام القانون.. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإن هذا الشعب يعز عليه أن تكون أخبار وأسرار قادته وأبنائه في ملفات دولة أجنبية في الوقت الذي لا يعرف هو شيئا عن تلك الأسار. اقرأوا مرة ثانية لكي لا تنسوا، ماذا قالت "الشئون الدينية" على لسان وكيلها: ((إن موضوع مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه ونشاطه الذي يقوم به، موضوع دراسة دقيقة بواسطة هذه الوزارة وسلطات الأمن المختصة في جمهورية السودان الديمقراطية، وستتخذ فيه الاجراءات المناسبة بعد اكمال دراسة الموضوع من جميع جوانبه.)).. هكذا قالت الشئون الدينية فما رأي القراء في هذا العبث وفي هذا الهوان؟ نحن لا نعجب من هذا الهوان الذي وضعت فيه الشئون الدينية نفسها، حينما رضيت أن تقوم بدور الموظف الصغير الذي يرد على استجواب رئيسه الكبير، وهو مأخوذ، بهيبته وأسير لعظمته! ولكننا نعجب أشد العجب أن تكون بيننا وزارة سودانية تتطوع بنقل أسرار البلد وأسرار المواطنين ولاسيما ما يتعلق منها بمتابعة أجهزة الأمن لهم، إلى دولة خارجية، هي صاحبة مصلحة تعادي الأستاذ محمود محمد طه معاداة عمياء، خرجت عن طور المعقولية والاتزان، وبلغت حظر دخوله للأراضي المصرية.. أكثر من ذلك بلغت مستوى مضايقة الآخرين، لأنهم يحملون إسماً مشابهاً لإسمه أو إسماً مطابقاً له؛ ومن حق القراء أن يعرفوا أن كل تلك المعاداة، قد قامت بسبب آرائه السياسية ومواقفه الجريئة الشجاعة في سبيل المحافظة على تراب هذا البلد، ومن أجل تأمين وحماية استقلاله.. وبهذه المناسبة يحق لنا أن نذكر هنا ما ندعم به اتهامنا للشئون الدينية عن سوء غرضها وسوء قصدها حينما رضيت أيضاً أن ترعى تدخلاً رجعياً صدرته السعودية تحت إسم "رابطة العالم الإسلامي" في الوقت الذي تعلم فيه "الشئون الدينية" أن السعودية تعادي الأستاذ محمود محمد طه كما تفعل مصر، وقد منعته هي الأخرى من دخول أراضيها، لا لسبب إلا لكشفه لجهالات الفكر الديني السلفي المتخلف الذي كانت تقوم عليه "جبهة الميثاق الإسلامي" في هذا البلد، والتي كانت ترجو بفضل المعونات السعودية وغيرها أن تبلغه ما تريد من فرض دستور إسلامي مزيف وقاصر من جميع الوجوه، ولكن هيهات! فإن الله قد حمى الشعب من جهالاتهم!! كل ذلك معلوم عند الشئون الدينية التي تزخر بأساطين الفكر السلفي المتخلف، والذين يعز عليهم أن ينتصر الإسلام في هذا البلد على حساب جهالاتهم وتخلفهم، لهذا السبب، ولغيره من الأسباب، طوعت أجهزة "الشئون الدينية" في نقل الأخبار ومتابعة المعلومات عن رجل أقل ما يقال عنه أنه المفكر الإسلامي الوحيد في هذا العصر، وأنه الداعية الوحيد الذي لا تنتابه الشكوك ولا تبلغه الظنون، وأنه أعف الناس، وأبعد الناس عن معاداة الناس، والعنف بهم، لأنه داعية "الحرية لنا ولسوانا".. فلماذا تتعقب الشئون الدينية مثل هذا الرجل؟ ولمصلحة من تفعل ما تفعل؟ ثم لماذا تنشر على الشعب، وبطرق ملتوية، تلك الفتاوي الجاهلة، وتلك القرارات الطائشة؟ إن الشئون الدينية لا تعرف أقدار الرجال في هذا البلد، وقديماً قيل إن من جَهِل العزيز لا يعزه! والآن فهل تعلم الشئون الدينية أن الأستاذ محمود محمد طه هو أول وأصلب من قاوم الإستعمار البريطاني في هذا البلد، ثم هل تعلم أنه الرجل الوحيد الذي عفَّ وعزف عن غنائم الجهاد الوطني حينما تسابق عليها الكثيرون؟ وبعد الإستعمار!! هل تعلم الشئون الدينية بأنه الرجل الوحيد الذي ظل على رأيه وعلى دعوته في معارضة كل حكومات العهد الوطني؟ معارضة الناقد البصير والصادق العفيف؟ الذي لم يفرط في حق البلد ولا في حق من يخالفونه الرأي لحظة من ليل أو لحظة من نهار.. فما بال الشئون الدينية التي لا تعرف شيئاً عن تاريخ هذا البلد، وتاريخ الرجال، تتطاول على رجل في قمة الوطنية، وفي قمة المسئولية؟ ثم ماذا دهاها لتغري بنا أجانب لا يعرفون لقيم الرجال حرمة؟ ولا يرعون لمسئوليات الدين عهداً.. مما تقد يتضح، بجلاء، أن قضيتنا مع الشئون الدينية وحلفائها من "رابطة العالم الإسلامي" و "الأزهر الشريف" ليست قضية دينية، وإنما هي قضية سياسية، ألبست لبوس الدين لتجوز على شعبنا المستهدف من ورائها، وعلى غيره من الشعوب، وإلا فما علاقة الدين بتحريم الأفكار، ومصادرة الكتب؟ وهل قيمة الدين في غير مقدرته على مواجهة ما يثار في وجهه من المشاكل والآراء، وحسمها بقوة الحجة، وقوة الفكر، حتى يتبوأ الدين مكانه السامي الذي يحرز به إقناع الجميع واحترام الجميع؟ ثم بم تدفع الشئون الدينية عن فتوى الأزهر، الذي اتضح أنه لم يطلع على كتاب الرسالة الثانية الذي بنى حكمه عليه، وذلك بدليل أن العبارات موضوع الدعوى والتي أصدر حكمه على أساسها لم ترد مطلقاً في كتاب الرسالة الثانية من الإسلام، الطبعة الرابعة، وكما سبقت الإشارة إليها، وإنما كانت من صنعهم ليبرروا فتواهم المتهالكة، المغرضة، وليخدعوا عن الله، ويضلوا عن سبيله، مثلهم في ذلك مثل من قال تعالى في حقهم:ــ "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" إن خطاب "الشئون الدينية" موضوع هذا الباب من الكتاب لم يصل إلى نهايته في النقاش حتى الآن، رغم أننا كنا نود أن لو اكتفينا بما كان، لأن "الشئون الدينية" لا تستحق منا أكثر مما وجدت، ولكن حرصنا أن قد تكون ببعض القراء حاجة إلى متابعته والرد عليه تجعلنا نواصل الحديث عنه، أملاً في محو آثار عدوانها إن تبقى منه شيء حتى الآن.. ومما يذكر في هذا الصدد ما ورد عنهم في آخر الفقرة الماضية، التي أوردناها بعاليه وهو قولهم "وسـتتخذ فيه الاجراءات المناسبة بعد اكمال دراسة الموضوع من جميع جوانبه." جاءت هذه العبارة تكملة لقولهم السابق "إن موضوع مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه ونشاطه الذي يقوم به، موضوع دراسة دقيقة بواسطة هذه الوزارة وسلطات الأمن المختصة في جمهورية السودان الديمقراطية" وكأني بكاتب الرسالة الذي هو وكيل الشئون الدينية قد قصد بهذه العبارة التكميلية أن ينساق مع اتجاه الأزهر، لفرض العقوبات ومصادرة الكتب حيث حاول أن يستنطق العبارة لتقول: اسبر قليلاً فنحن ماضون في تنفيذ رغبتك لمصادرة الكتب وإيقاف النشاط المتصل بها.. ثم لما راجع عبارته ووجدها لا تفي بغرض الأزهر وأنها لم تعبر عن استجابة الشئون الدينية لتوجيهات الأزهر بما يكفي، لجأ ليقول وفي غير موجب للقول ((هذا وتجدر الاشارة الي ان المحكمة الشرعية العليا بجمهورية السودان الديمقراطية كانت قد أصدرت حكمها غيابيا في القضية نمرة 1035/1968 في 18/11/1968م ضد الأستاذ محمود محمد طه وحكمت غيابياً بأنه مرتد عن الاسلام وأمرته بالتوبة من جميع الأقوال والأفعال التي أدت الي ردته، وتجري الآن عملية جمع هذه الحقائق للمساعدة في الدراسة واتخاذ الاجراءات اللازمة وشكرا)) واضح من سيرة هذا الخطاب كيف أن الشئون الدينية قد حددت موقفها في الوقوف بجانب سياسة الأزهر التعسفية، وأن كل ما جاء في هذا الصدد عن الدراسة الدقيقة إنما جاء متحذلقاً ومتهافتاً، فهو لا يخلو أن يكون دعوى كاذبة، ولا تتعدى أن تكون حبراً على ورق.. هذا ما وقع عندنا من الفهم لسياق ذلك الخطاب العجيب! ثم هو بعينه ما قد صدقته تصرفات الشئون الدينية مع الدعوة الإسلامية الجديدة وعلى طول المدى، ومما يذكر في هذا الصدد ما جاء في تقرير تقدم به السيد أحمد البيلي مدير مصلحة الدراسات الدينية بالشئون الدينية قائلاً ((حتى الآن لم تتخذ الجهات الرسمية من دعوة محمود موقفا محددا لوقف نشاطه بكل ضروبه وقد حان الوقت لكي تقف الدولة منه موقفا محددا وحاسما حماية للاسلام دين الأغلبية)).. أما تطوع الشئون الدينية بذكر محكمة الردة وقراراتها في معرض ردها على الأزهر، فإنما جاء ليؤكد عزمها على مواصلة ما بدأته المحكمة الشرعية العليا في هذا الصدد، وهو عزم مفلول بعون الله وتوفيقه. إن الشئون الدينية بتحاملها على الدعوة الإسلامية الجديدة إنما تدلل دائماً وفي كل يوم، على جهلها الشنيع بمبادئ الإٍسلام الذي تتسمَّى به وتعيش عليه، وهو منها براء. وفي الحق إن الشئون الدينية هي آخر من يتحدث عن الإسلام الذي تتبجح به، وتتباكى عليه، وإلا فلتدلنا على سندها الشرعي الذي يبيح لها رعاية الكنائس. قلنا قبل قليل أن الشئون الدينية لا تعرف أبعاد مسئولياتها القانونية، ونضيف اليوم أنها لا تعرف أيضاً أبعاد مسئولياتها الشرعية، وهي في هذا الجانب الذي تدعي معرفته أجهل منها في غيره، فما الحل إذن والحال كما قد وصفنا؟ هل الحل أن تبقى الشئون الدينية أم تذهب إلى الجحيم؟ الجوب بكل تأكيد أن تبقى، لأن حكم الوقت لا يزال يتطلب جهازاً يرعى المسئوليات الدينية في الدولة العلمانية! ولكن لا بد لذلك الجهاز أن يكون مقتدراً وأن يكون في مستوى الكفاءة العلمية، والمسئولية الأخلاقية، وألا يتعدى حدوده، وأن يرعى حرمات الآخرين.. فإن عجز بعد ذلك عن التزام كل أولئك فإن ذهابه يصبح ضرورة لا بد منها.. وعلى نفسها جنت براقش..
الخاتمة
لقد اتضح لنا جلياً من مصاحبتنا لرحلة هذا الكتاب، أن الجهل بالدين والتضليل باسمه قد تميزت به المؤسسات، والمسميات الإسلامية، قبل غيرها، حيث أقامت وجودها على المظاهر الكاذبة الجوفاء، وعلى الأسماء الكبيرة الفضفاضة الفارغة المحتوى مثل ما قد رأينا من أمثال "الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة"!؟ أو "مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف"!؟ أو "الشئون الدينية".. وما إلى ذلك من التماثيل، والهياكل، والأصنام، التي أضلها الله على علم، وأضل بها ليقضي أمراً كان مفعولاً.. ونحن في هذا السفر نؤكد لشعبنا الكريم أن "فتوى الأزهر" وقرارات "رابطة العالم الإسلامي" وما إليهما من اهتمامات الشئون الدينية وسعيها لنشر تلك الفتاوي، والقرارات، وتوزيعها على الجمهور، بطريق، أو بآخر، لا يؤثر علينا البتة، ولا يشغلنا بهم ساعة من ليل، أو ساعة من نهار، لثقتنا أننا في كنف الله المصون، وفي حصنه المتين.. ثم ليقيننا أن تلك المسميات الفارغة المحتوى، نمور من ورق، لا تستحق قيمة المداد الذي يهرق في مواجهتها، ولكن همنا قد تعلق باستنقاذ بعض مواطنينا من الذين قد يقعون فريسة في براثن تلك الجهالات، وتلك التخريجات المغرضة، التي لم تقم على أساس من علم، أو خلق، أو دين، والتي إن دلت على شيء، إنما تؤكد رأينا دائماً في رجال الدين، ومن هم على شاكلتهم من المرتزقة، ومأفوني الرأي، مهما تستروا وراء الأسماء الخادعة، والمضللة.. ثم إننا نحب أن نؤكد لشعبنا الكريم أيضا، أن ما جاء بتلك الفتاوي الجاهلة المغرضة، إنما تلقفه مُصْدِرُوها جاهزاً من مرتزقة الأخوان المسلمين، الهاربين من أرض الوطن، والذين أفسد نومهم، وأقلق مضاجعهم، وقع أقدام قافلة الفكر الجمهوري وهي تجتاز المدائن والقرى، فتجد الترحاب، وتجد الفهم، وتجد القبول؛ في الوقت الذي يعيشون هم فيه عالة على بلاط الملوك، وعلى فتات الموائد، حرصاً على دنياهم الغالية، وأملاً في أن يُعانوا ليعودوا حكاماً مسلطين على رؤوس هذا الشعب المسكين، ولكن هيهات!! فإن ذلك لن يكون، وأيم الحق، ذلك، لأن الله قد حفظ هذا البلد، وأحاطه بعنايته الرحيمة، التي عودها إياه، ثم لأن الشعب السوداني، الطيب الكريم، لم يبلغ بعد من الهوان على الله أن يسلمه للأخوان المسلمين.. وأخيراً، وفي ختام هذه الخاتمة، نؤكد لشعبنا، تأكيداً لا يقبل الشك، أن ليل الجهل الذي طال قد آذن بزوال، وستشرق بإذن الله شمس الحياة الدافئة على الناس قريباً، وفي الأيام القليلة المقبلة، فترسل ضياء الإسلام إلى الأحياء جميعاً في كل صقع من أصقاع الأرض، فتتبدد دياجير الظلام، وترتفع ألوية الدعوة الإسلامية الجديدة خفاقة في كل مكان، من قمم الجبال وإلى وهاد الوديان، وسيردد الناس يومئذ ـ كل الناس ـ بلسان الحال ولسان المقال، قول الكريم المنان: ((إذا جاء نصر الله، والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبح بحمد ربك واستغفره.. إنه كان تواباً)) صدق الله العظيم
الأخوان الجمهوريون أم درمان ـ ص. ب 1151 تلفون 56912 الإثنين 18/8/1975 ======== هذا الكتاب:ــ منذ أيام قلائل وقعت في أيدينا ثلاث رسائل: الأولى من "الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة"، والثانية من "الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر"، وهاتان الرسالتان موجهتان للشئون الدينية بالسودان.. وفي كلتيهما تدخل سافر، وغير كريم، في أخص شئوننا الداخلية، لا ترضاه نفس حر، ولا يقبله عقل كريم!..
هذا الكتاب:ـــ أما الرسالة الثالثة، والتي حملت رد الشئون الدينية على رسالة الأزهر، فقد كانت بكل أسف، مثلاً من أمثلة الطيش والتهافت، لا تشرِّف كاتبها، وتدمع، في نفس الوقت، جهاز الشئون الدينية بالغدر، والتآمر، على قضية الدين، والفكر، بهذا البلد.. وقد اتجهت الرسائل الثلاث إلى الخوض في عرض الجمهوريين على غير هدى، ولا بيِّنة، ولا كتاب منير، وبجرأة على الحق لا يملكها العارفون.. ولقد عمدت تلك الرسائل إلى تشويه أفكارنا، وإثارة الفتن حول دعوتنا، على نحو لا يليق إلا بتلك الجهات المشبوهة التي تحكي، وتدَّعي الدين، بلا دين..
الثمن 25 قرشاً |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
مواصلة لكتاب "الطائفية تتآمر على الشعب.. وأرجو ملاحظة قول الجمهوريين عن مايو أنها مرحلية.. وتأكيد أنهم ليسوا طامعين ولا خائفين من أحد.. هذا تاريخ يجب على المثقفين المهتمين قراءته..
Quote: بسم الله الرحمن الرحيم (وكيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاّ، ولا ذمة .. يرضونكم بأفواههم، وتأبى قلوبهم، وأكثرهم فاسقون * اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، فصدوا عن سبيله .. إنهم ساء ما كانوا يعملون) صدق الله العظيم
خلفية تاريخية:- لقد جاءت سلطة مايو فى منعطف خطير من تاريخ بلادنا، وحيث تمكنت الطائفية من رقاب المواطنين أكثر من أى وقت مضى، فاستشرى الفساد السياسى، وتسابقت الأحزاب الى السلطة والى كراسى الحكم، بأى سبيل، حتى أصبحت الغاية تبرر الوسيلة، فاشترت ذمم النواب واستصدرت لهم ولمحاسيبهم الرخص التجارية وما إليها من أسباب الثراء والسيطرة الإقتصادية على الشعب، حتى ملأوا الجيوب وأتخموا البطون .. فى هذا المعترك الآسن كانت الطائفية تعمل عملا متواصلا لفرض وصايتها على الشعب والى الأبد بفرض دستور طائفى وقاصر من جميع الوجوه، أسمته "الدستور الاسلامي" وجنّدت فى سبيله كل أبواقها من المرتزقة ومحترفى الدين بأجهزة "الشئون الدينية" و"القضاء الشرعى". بالإضافة الى رصيدها الجاهز من "الأخوان المسلمين" بجبهة الميثاق الإسلامى ومن على شاكلتهم فملأوا الدنيا ضجيجا وهوسا بإسم الدين، حتى أصبحت البلاد على حافة الهاوية ومجرى الطوفان .. ولكن الله سلّم، فقد أدركت عنايته الرحيمة شعبنا الكريم الذى جبل على محبة الدين حتى استغله الطغاة والمتسلقون الى السلطة باسم الدين .. فى هذا الوقت العصيب من تاريخ أمتنا سعت السلطة الطائفية القائمة وحلفاؤها من "الأخوان المسلمين" و"رجال الدين" وبعض مشايخ الطرق الصوفية الى حل "الحزب الجمهوري" وتصفيته إداريا، بعد أن فشلت "محكمة الردة" فى إصابة ذلك الهدف، وبالفعل قد بدأت اجتماعاتهم لذلك الغرض الاّ أن الله أبى، فجاءت مايو فى صبيحة 25 مايو وبعد يومين فقط من حادث إعتداء تعرّض له الأستاذ محمود محمد طه وهو يحاضر آلاف المواطنين بدار إتحاد العمال بالأبيض، وبعد أن ضاقت به الإتجاهات السلفية، وعلى رأسها الأخوان المسلمون ضيقا أحمق ساقها لسلوك ذلك المركب الصعب فى جو مشحون بالتهريج وبالتوّتر.. وسط ذلك التآمر الرجعى جاءت سلطة مايو، وكانت بمثابة الإنقاذ للشعب من الفساد الدينى الذى تهدّد بلادنا وأوشك أن ينجح فى فرض الدستور الاسلامي المزيف الذى قال عنه الأستاذ محمود محمد طه فى كتابه "لا إله الاّ الله" الصادرة الطبعة الأولى منه فى 25 مايو 1969، ما يأتى:- (فان الدستور الإسلامي الذي يدعو إليه الدعاة الحاضرون - جبهة الميثاق، والطائفية ، وأنصار السنة، والفقهاء – ليس إسلاميا، وإنما هو جهالة تتستر بقداسة الإسلام. وضرره على البلاد محقق، ولكنهم مهزومون ، بعون الله وبتوفيقه .. ولن يبلغوا بهذه الجهالة طائلا) وقد صدقت بفضل الله نبوءة الأستاذ ..
مقدمة: الطائفية وأعوانها من السلفيين لا يعيرون الفكر كبير اهتمام، لأنهم لا يقيّمون الإنسان، الاّ بالمعنى الذى يكون به تابعا وذليلا، رهن إشارتهم، فى سبيل أمجادهم الزائفة .. وعلى هذا الفهم، فإن كل إدّعاء من الطائفية للديمقراطية، أو الإشتراكية، كذب، وهراء، ذلك أن الطائفية والديمقراطية نقيضان لا يتفقان، فحين تقوم الطائفية على التبعية العمياء، وعلى الإشارة، تقوم الديمقراطية على المسئولية الرشيدة، بالتزام حرية الفكر، والقول، والعمل، وكذلك الحال مع الإشتراكية، فإنها والطائفية ضدان، فحيث تقوم الإشتراكية على التنمية للموارد، وعلى عدالة التوزيع، تقوم الطائفية على الإقطاع، وعلى استغلال عرق الكادحين من أتباع الطائفة. هذا استطراد لا نحب أن نواصله الاّ بالقدر الذى يعمّق فى فكر الشعب عبث الطائفية، وعدم مسئوليتها حينما تضلّل الشعب بالتباكى على الديمقراطية، وعلى الإشتراكية.. أما حلفاؤها من (الأخوان المسلمين) ومن هم على شاكلتهم من "رجال الدين" المنبثين فى "الشئون الدينية" وفى غيرها من المرافق "كالجامعة الإسلامية" و"القضاء الشرعى" و"وزارة التربية" فإنهم سلفيون ينكرون التقدم، ويحاربون، باسم الله، والدين، كل فكر تقدمى، وثورى، يسعى لتغيير، وتطوير حال الناس .. ثم هم، مع ذلك، يسرفون فى التمتّع بأطايب العيش، وبهجة الحياة التى ينكرونها، وبرغم من أنهم يتمسحون على جدار ثورة مايو إلاّ أنهم، فى ذات الوقت، يعادونها ويعملون ضدها .. يعملون بأفكارهم المتخلّفة، وبثقافاتهم البائدة .. وهم يعتقدون أن الديمقراطية، والإشتراكية، كفر، وخروج على الدين، وكذلك حالهم مع العلم التجريبى الذى سبر أغوار الفضاء .. هؤلاء وأولئك يشكلون العقبة الكؤود أمام تطور، وترّقى، هذا الشعب .. بل ليس هناك سبيل لهذه الغاية الاّ بالقضاء فكريا على آرائهم الرجعية المتخلّفة التى يتدثرونها بإسم الدين .. أكثر من ذلك انهم ليسوا متدينين بالمعنى الذى به الدين وإنما هم متهوسون ومتعصبون بالمعنى الذى هم به سياسيون، حزبيون، يعملون، كما يعمل غيرهم من رجال الأحزاب، على أساس من الشيطنة، والمكر .. أما الدين، فإنهم لا يعرفونه، ومن ثمّ فإنهم لا يتخلّقون بأخلاقه، ولا يتأدبون بآدابه .. فلهذه الأسباب مجتمعة رأى الجمهوريون أنه لا فرصة لعودة الدين ليحرر الرؤوس، ويحيي القلوب، الاّ بعد إزالة تلك العوائق عن طريق تقدّم الشعب، فوّظفوا أنفسهم فى مواجهتهم، وفى كشف زيفهم، وإدعاءاتهم الباطلة والمضللة، حتى يجد الشعب طريقه ممهدا لبعث الإسلام، فيتحلّى بالمعرفة ويتوسل بأسبابها الرشيدة، فينعم بخيراتها التى لا تنضب ولا تنتهى .. ولقد تحمّل الجمهوريون فى هذا السبيل كثيرا من الأذى، وكثيرا من العنت، ولكنهم بحمد الله قد بدأوا يرون ثمار مجاهداتهم، ومثابرتهم، حية متحركة، تعمل عملا متواصلا للتغيير، وتنتظر أن يتأذن الله بالتغيير الشامل، فلا يبقى على ظهر الأرض جاهل أو مرائى .. وها هنا لا بد من وقفة قصيرة نحدد فيها المسائل تحديدا، ونضع بها النقط على الحروف .. فنحن، وهذه سيرتنا مشهودة ومعروفة، لا نعادى أحدا، ولا نستعدى على أحد، ولكننا نصر على حقنا فى مخاطبة شعبنا، وتنويره، حتى يدرك مسئولياته الدينية، فلا ينخدع لمخادع، أو مكابر، بعد اليوم، باسم الدين .. هذا من ناحيتنا .. أما من ناحيتهم، فقد تمكنوا، ولا ندرى كيف. من استعداء السلطة علينا، ولعله عن طريق تخويفها بمسألة الأمن، حتى بلغت السلطة أن منعت محاضراتنا العامة، فى أى منبر من منابر البلاد، ولو قد تروّت السلطة قليلا فى أمرنا لأنصفتنا منهم، حيث أننا لم نتسبب، ولا يوما، فى إثارة الأمن، ولا فى الخروج على القانون، فى الوقت الذى تميّزوا فيه هم بإثارة الأمن، وبالخروج على القانون. هذا هو واقع الحال.. ولكن السلطة اتجهت للتضييق علينا نحن، وتركتهم هم على ما هم عليه من الجهل، ومن عدم المسئولية.. ونحن فى هذا مظلومون، ومتضررون .. والضرر الواقع علينا ليس ضررا شخصيا، ولكنه ضرر واقع على كاهل الشعب، لأننا الجهة الوحيدة التى تستطيع مواجهة الجهل السلفى، وتستطيع سحب البساط من تحت أقدامه .. ولا نخال أحدا من المسئولين يرضى للجهل أن يستشرى على نحو ما قد وصفنا، ولكنهم فى رأينا لا يتصورون أبعاد المشكلة على ما هى عليه من السوء والخراب.. فنحن من هذا المنبر نطالب بحقنا فى الفرص المتكافئة، حيث لا يصح أن نمنع من الحديث على نطاق القطر فى الوقت الذى يجد فيه جهلة السلفيين، والأخوان المسلمون، الفرص مهيئة، ومتاحة فى كل مكان، ليشوهوا، وينشروا عنا الأكاذيب، بلا خجل، وبلا حياء .. ونحن، وكما أسلفنا القول، لا نستعدى السلطة، ولكننا نناقشها، ونطلب اليها ان توجه المسئولين الدينيين بمؤسساتها، ليباشروا معنا حوارا موضوعيا بدل التهريج الذى هم عليه الآن، وذلك لكى يتمكن الشعب من المشاركة الموضوعية التى تفتح أمامه أسباب التوعية التى تعينه على بلوغ غاياته وأمجاده.. هذا هو الطريق الذى نقترحه للتوعية، ولخدمة الشعب .. وهو طريق عادل، كما ترون، فما الرأى إذن؟
نحن ومايو على طريق الثورة المرتقبة:- بُعيد 25 مايو 69، قرر الجمهوريون حل "الحزب الجمهوري" إلتزاما بقرار السلطة الجديدة، التى جاءت فى ساعة الصفر، والبلاد على شفا الهاوية، وقد بلغ الدجل السياسى، باسم الدين، ذروته .. فتآمرت الطائفية وأذنابها على وأد الحريات العامة، فأفسدوا وجه الحياة فى بلادنا، فقفز الى مصاف المسئولية بعض المحاسيب، وخفاف الأحلام .. والحكومة سادرة فى غيّها لا تسمع، ولا تجيب .. مطمئنة الى ائتلافها الطائفي القائم على تقسيم الأسلاب بين الشريكين الكبيرين وبين أذنابهم من المتسلقين والمتشنجين .. فى هذا الوقت الدقيق جاءت ثورة "مايو".. ومع انها، فى ظاهر أمرها، قد كانت حركة جيش، الاّ أنها قد وجدت من حسن الإستقبال، وحسن التأييد، ما أكد أن البلاد لم تكن تحكم حكما ديمقراطيا، وإنما كانت تعيش الفساد السياسى بكل ضروبه وألوانه .. ونحن الجمهوريين قد سعدنا بمايو، وقررنا تأييدها، واتفقنا على أن يكون هذا التأييد على مستويين من مستويات العمل .. تأييد سلبى، ما سارت "مايو" مطمئنة على مسيرتها، ومن غير أن تعترضها عقبات طائفية، أو معوقات حزبية .. وتأييد إيجابى إذا ما تعرضت لضغوط طائفية، يخشى أن تضعف من موقفها .. وقد كان هذا دأبنا منذ جاءت والى يوم الناس هذا.. ثم إننا نرى أن "ثورة مايو" مهما قيل عن حسناتها، ومهما عددنا من إنجازاتها، هى حركة مرحلية، نرجو أن يخرج الشعب، بفضل الله، ثم بفضل إنجازاتها فى محاربة الطائفية، وفساد الإدارة الأهلية، وما تبعها من إنجازات الوحدة الوطنية بالجنوب، وتعمير البلاد بحركة التنمية، نرجو أن يخرج الشعب، بعد كل أولئك، الى رحاب الديمقراطية الواسعة، فينخرط "رجال مايو" مع الشعب فى وحدة وطنية شاملة، بعد أن أدّوا دورهم فى المرحلة .. هذا هو رأينا فى ثورة مايو، وقد التزمناه فى كل أوقاتنا .. فحملناها بهممنا فى كل الأوقات، وواجهنا خصومها من "الطائفيين"، "والأخوان المسلمين"، يوم تعرضّت لتجربة شعبان الخاسرة، مواجهة حاسمة، ومشهودة من الخصوم، ومن الأصدقاء .. أكثر من ذلك، تحركنا، وبسرعة فائقة، يمكن أن توصف فى غير مبالغة، بأنها قد فاقت كل المجهودات المبذولة يومئذ، فاتصلنا بالنقابات التى أشيع عنها وحولها قرار الإضراب، وأقنعناها بوجهة نظرنا فى ضرورة بقاء "مايو"، درءا لخطر الطائفية الماثل، وتأمينا لمكاسب الشعب .. كما أجرينا عديدا من الإتصالات على نطاق القطر مع كل من رأينا تأثيره على الموقف العام، حتى هدأت الأمور، واستقرت الأحوال.. ولقد أخرجنا فى سبيل تأمين هذا الموقف منشورات قوية، وحاسمة، كان لها اليد الطولى فى مواجهة أحداث يومئذ، وبعد أن أوصلناها الى كل قطاعات الشعب، من طلاب، وأساتذة، وعمال، ومزارعين، ومثقفين، ومهنيين.. وفتحنا حولها عديد الندوات، والمناقشات، مما كان له أطيب الأثر فى تخفيف حدة التوتر القائمة ... ومن قبل شعبان، وبعد شعبان، كانت "الشئون الدينية" تعمل ضدنا عملا تستغل به كل الأجهزة الرسمية، حتى بلغت أن حركت رجال الأمن ضدنا، وقد حاولنا فى هذا الأثناء تصحيح الموقف، فأطلعنا المسئولين على الحقيقة، على أمل أن يتبيّنوا عنت "الشئون الدينية" ومكايدتها، وقد كتبنا فى سبيل ذلك كتابات مطوّلة .. وقدمنا بيانات محددة، عن نشاطنا، وعن تعدى "الشئون الدينية" علينا، وعن وضعها العراقيل فى سبيلنا، وإثارة المواطنين علينا، بالكذب، وبالتشويه، وبالتباكى على الدين، مما عرّض الأمن العام للخطر مرات ومرات.. كتبنا كل ذلك للمسئولين، ولكنهم لم يعملوا شيئا يرد إلينا اعتبارنا.. فتركناهم، وذهبنا فى سبيلنا، غير أننا فوجئنا بقرارات من مجلس الأمن القومى، يمنع فيها (الأستاذ محمود محمد طه والجمهوريين من تقديم المحاضرات، والندوات العامة) فأثلج ذلك صدور الشامتين الحاقدين من فلول "الأخوان المسلمين"، وغيرهم من السلفيين المنبثين فى الأجهزة الرسمية، وفى غير الأجهزة الرسمية .. وبلغتنا هذه الأخبار فى الأسواق، وفى البيوت، ومن أفواه موظفى "الشئون الدينية" وأصدقائهم. ومع ان الأمر محزن، إلاّ اننا لم نعبأ به، كما لم نذهب فى معاتبة "مايو" على ظلمنا، ولا على انسياقها مع أكاذيب "الشئون الدينية"، لا سيّما بعد أن أطلعناها قبلا على كل شىء.. ثم رحنا فى طريقنا الى ان فوجئنا مرة أخرى بصدور قرار جديد من مجلس الأمن القومى أيضا .. يواصل فيه تعميم منع الأستاذ محمود محمد طه من الحديث فى الأماكن العامة، ومن المنابر العامة، فلم ننزعج، ولم نستغرب، ولا حتى بعد أن استغلت "الشئون الدينية" هذا الأمر استغلالا غير كريم، وذلك حيث عملت على نشره على أوسع نطاق، وبرغبة واضحة، فى إبلاغ الخبر الى كل المصالح، والى كل الوزارات، والى كل الأجهزة الرسمية، حتى لقد بلغ نقاط البوليس الضاربة فى بطن الريف .. أيضا استغل هذا القرار السلفيون المتربصون بنا فى وزارة التربية، فأخرجت الوزارة وبعجل شديد، منشورا عنونته لكل جهات التعليم فى السودان، حتى بلغ كل مدرسى الثانويات العالية، والثانويات العامة، والإبتدائيات، على مستوى القطر .. إن هذا الذى قامت به هاتان الوزارتان، وعلى الحجم الذى وزّع به، دللّ على أن السلفيين إنما يستغلون الأجهزة الحكومية لمصالحهم الحزبية الضيّقة، ومن أجل أن يتربصوا بنا نحن الدوائر .. وفى الحقيقة إنهم يتربصون بوعى الشعب، وبسلامته، كما يتربصون بالسلطة التى وضعت أيديهم على أزمَّة مرافق هامة من مرافق التوعية والإرشاد، فى هذا البلد المنكوب بأدعياء العلم، وأدعياء الثقافة، ممن لا خلاق لهم، ولا دين .. ومن ناحيتنا نحن فلم نقبل ذلك فى حقنا .. ونحن، كما قد يعلم أعداؤنا وأصدقاؤنا، ومن غير أن نزكى أنفسنا، من أخلص الناس لقضية هذا الشعب، ولقضية الإنسانية من ورائه، ومن أحرص الناس على استتباب الأمن فى ربوع هذه البلاد .. ولكن الله شاء أن يبتلينا، وان يختبرنا، فوضعنا هذا الموضع .. فتقبلنا عنايته، وذهبنا نحرّك القانون، فرفعنا قضية دستورية ضد مجلس الأمن القومى لنقطع دابر الفتنة، ونرد كيد الكائدين .. وفى هذه الفترة التى أعقبت تلك التحركات، أخرجنا عددا من الكتب، شددّنا فيها النكير على مواقف "الشئون الدينية" الرديئة، وعلى حلفائها من السلفيين فى الأجهزة الأخرى .. فعلنا ذلك من أجل توعية الشعب، ومن أجل تحصينه بالوعى اللازم لاجتياز هذه الفتن الماكرة .. ولقد شاء الله أن نبلغ بهذا بعض ما نريد من التوعية الراشدة لشعبنا الكريم .. وبينما نحن نواصل سعينا فى هذا الأمر، وقعت أحداث الجمعة المؤسفة، التى سلّم الله شعبنا الحبيب من شرورها العجيبة بعنايته الرحيمة، فالحمد لله كما هو أهله .. وبمناسبة أحداث الجمعة، فقد حملنا "مايو" على هممنا، ومنحناها من تأييدنا الروحى ما أوفى بعهدنا فى تأييدها وحمايتها .. وشاء الله أن يؤيد "مايو" فكفكف ألسنة الفتنة بسرعة فائقة، ومن غير أن تحتاج منا "مايو" لمرحلة التأييد الإيجابى.. فنحن، إذن، ومن خلال هذه الصفحات العاجلة، أصدقاء لمايو .. ونحب أن نكون مفهومين، عندها وعند الشعب، وأن نكون واضحين، فإن مساندتنا لهذا الوضع القائم اليوم، لا تكون بالتمليق، ولا بالمداهنة، وإنما تقوم على النقد البانى الشجاع، الذى يبّصر بالعيوب ويعين على طرائق الإصلاح، وفق الإمكان، ووفق الطاقة .. فنحن لسنا راهبين، لا!! ولا نحن راغبين .. نحن لسنا خائفين من أحد، ولسنا طامعين فى أحد، وإنما نحن أصدقاء مخلصون، يعلمون أن الشجاعة ليست فى المعارضة، من أجل المعارضة، وإنما الشجاعة فى معرفة الحق، والتزام الحق، فى جميع الأوقات، وفى جميع الأحيان . ومن هذا الباب، فقد فرّغنا أنفسنا للعمل فى مجال الدعوة الإسلامية، والتوعية الفكرية، حتى نقطع على السلفيين، من أدعياء الدين، طريق الرجعة، فنؤمن ساحتنا بتسليح الشعب بسلاح الدين الصحيح، والمعرفة الحقة، التى هى وحدها صمام الأمان.. وقد عملنا نحن وحدنا فى هذا المجال، وعلى هذا النهج، ولا نزال، وفى كل عهود الحكم الوطنى.. فنحن وحدنا بفضل الله، القادرون على هذا الأمر .. الذى عجز عنه كل الناس .. فهل يصح بعد هذا البيان أن يفسح المجال لغيرنا من الأدعياء وان توضع أمامنا العقبات؟ |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسلفيين إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
مواصلة من كتاب "الطائفية تتآمر على الشعب" الطبعة الثانية ديسمبر 1975
Quote: أبعاد حركة الجمعة المشئومة:
وحركة الجمعة على ما كانت عليه من بشاعة وخطر، إنما هى هدية ساقها الله لنا لنتعلم، حتى لا نقلل من خطر القائمين بها، المتربصين بنا الدوائر، وحتى نعمل فى توعية الشعب توعية دينية صحيحة، ليأخذ حذره، فلا يؤتى على غرة .. ولن يكون ذلك ممكنا الاّ إذا فتحت السلطة الحاضرة صدرها للنقاش، وللحوار، اللذان يخصبّان الحياة، ويحميان الوقت من الضياع .. ونحن فى هذا نذهب أكثر من ذلك، فلا نكتفى من الحكومة، بمجرد الإسماح بهذا الذى نقترح، وإنما ننتظر منها أن تسعى من أجل تشجيعه، والإصرار عليه، حتى يكون شعبنا على واضحة من أمره، وعلى بصيرة من ربه، فيميّز الخبيث من الطيب، وينتصر للمعرفة، وبقطع دابر الخرافة، والى الأبد .. وفى هذا وحده الأمان من الفتن، ومن عاديات الزمن.. وقد فدى الله شعبنا من هذه الفتن، فأطفأ نارها بلطف بالغ، وخسارة زهيدة، مما أورثنا يقينا على يقين، بأن عنايته الحانية، الرحيمة، معنا أبدا، ومحيطة بسوداننا على الدوام، فلله الأمر من قبل، ومن بعد، وعليه وحده التكلان، وإنه لهو المسئول أن يجعلنا بحق شكره قائمين، وأن يأخذ بمسيرة شعبنا الى أرض التمكين، حيث تشرق الأرض بنور ربها وحيث تتم نعمته على سكانها، فيحل بينهم السلام، وتنتصر فيهم، وبهم المحبة .. الطائفية:
ومن حق شكره علينا أن نراجع أبعاد هذه الأحداث وأن نعد لكل شىء عدته، فإن الأمر خطير، يحتاج الجد قبل كل شىء، وقد قيل من أعطى الجد يعطى الجد، وعليه فإن محاولة الإنقلاب الرجعى التى جرت أحداثها السريعة فى يوم الجمعة الموافق الخامس من سبتمبر سنة 75 لم تكن مفاجأة لم يدققون النظر فى سير الأحداث، ولا لمن يتعمقون تاريخ الصراع السياسى فى هذا البلد، ويكفى أن نعلم أن للطائفية جذورا ضاربة فى أعماق عقائد شعبنا المحب للدين، مما طوّع لها إستغلال المواطنين سياسيا وماديا منذ فجر الحركة الوطنية .. وبرغم حركة التقدم الصاعدة فى أوساط شعبنا، ومحاولاته المستمرة للتحرر من آثارها البغيضة، الا انها لا زالت بيننا، تحاول ان تستعيد مراكز نفوذها السابقة، مهما كلفها ذلك من جهد، ومهما كلفها من ثمن .. وكعادة الطائفية دائما، فإنها لا تسخى بساداتها، وإنما تسخى دائما بأدواتها، وأتباعها، فتدفع بهم فى أتون المصائب، وهى فى مأمن مما قد يسوقه ذلك الموقف المعين من بلاء ومن محن .. ونحن لا نحب للشعب أن يذهب تقديره لحركة الجمعة من غير هذا الإتجاه، فيخطىء الهدف، ويخطىء الطريق الى الأمان من تكرارها، وقد جرت الحكمة بأن كل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها .. وعلى الحكومة أيضا أن تتعمق هذه المؤامرة، بأبعادها المختلفة، وأن تواجه الشعب بالحقائق حتى يكون على علم بمجريات الأمور، فيعد عدته، ويواجه المشكلة فى حجمها الحقيقى، فلا يسمح مطلقا بعودة الطائفية، التى تعمل جاهدة، وعلى مستوى كل التحركات لتستعيد أرضها المفقودة، باستعادة السلطة التى حرمت منها، بعد أن كانت بيديها وقتا ليس بالقصير..
الأخوان المسلمون:
ومن أيادى الطائفية، وأبعاد المؤامرة، "الأخوان المسلمون" الذى قلنا عنهم، قبل قليل، إنهم من أدوات الطائفية، وأنهم من أكثرها نشاطا فى العمل، داخل البلاد وخارج البلاد .. ومنهجهم فى العمل استغلال عواطف الشعب الدينية، بالخطب الجوفاء، وبالتهريج المتشنج، الذى أفسدوا به كثيرا من شباب هذا البلد بما أدخلوا عليهم من أساليب الرياء الدينى، وأساليب العنف الغريبة على أخلاق شعبنا، حتى أصبحوا الآن يشكلون الخطر الحقيقى على مستقبل هذا الشعب، وعلى أخلاق هذا الشعب، وحيث هم اليوم يسيطرون على اتحاد طلاب جامعة الخرطوم، باعتبارهم أكبر قوة عددية منظمة بالجامعة، كما يسيطرون على تحركات الطلاب بالمدارس الثانوية العليا، وهم، بهذا الحجم، يشكلون أكبر عقبة فى وجه الإستقرار التعليمى بالسودان، ما لم يتدارك الأمر منذ الآن .. ولا يحسبن أحد أننا نستعدى السلطة على "الأخوان المسلمين" كلا!! فإن ذلك ليس من أخلاقنا، ولا هو يقع منّا مطلقا .. فنحن أحرص عليهم من أنفسهم، وأرأف بهم منهم.. وإنهم هم، فى تقييمنا، ضحايا لعدم الصدق فى الأخذ غير الناضج من الفكر السلفى المتخلّف عن واقع الحياة اليوم، مما أوردهم موارد الهلكة، والضياع .. حيث ضلّ سغيهم فى الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .. هذا الخطر المحدق ليس لدرئه من سبيل الاّ سبيل الحوار المفتوح، والاّ بإثراء أجواء الحياة فى بلادنا بالنقاش الفكرى المتكافىء، الذى يستهدف كشف الجهالات الدينية، وتعريتها حتى يدرك الجميع مدى بعدها عن جوهر الإسلام، وعن أخلاق الإسلام.. بهذا، وبهذا وحده، نستطيع أن نحمي الشعب من شرور "الأخوان المسلمين".. وبهذا الطريق وحده، يمكن أن نعينهم ليتبينوا حقيقة أمرهم، ومدى مفارقتهم، فيفيئوا، بفضل الله، ثم بفضل إنجازات الفكر الحر، القوي المستحصد، إلى رحاب الإسلام الوريفة، الواسعة.. هذا رأينا، وهو رأي عتيد، ما نرى غيره إلا الطوفان، وإلا الضياع، فهل يعي معنا المسئولون هذا الذي نقول؟ أكثر من ذلك!! هل يوافق المسئولون أن هذا الخطر ـ خطر "الأخوان المسلمين" لا تحده القوانين، بل قد تزيد من فعاليته بسبب الملابسات العديدة المتصلة به، والمتفرعة منه؟.. فإذا صحَّ هذا في الأذهان، فلم يبق إلا أن يجد أسلوب الحوار المقترح فرص التطبيق والممارسة، ونحب أن نؤكد، لمن عسى يحتاجون لتوكيد، أن هذه المهمة الكبيرة ليس لها غيرنا.. بل إننا الوحيدون القادرون على بلورتها، وقيادتها، إلى بر السلامة، والمحبة، من غير مبالغة، وفي غير إسراف.. هذا، ونحب أن نؤكد في هذا الصدد، قصور أجهزة الحكومة الدينية، المتخلفة بدوائر "الشئون الدينية" و "القضاء الشرعي" وما إليهما من أجهزة التعليم الديني بوزارة التربية عن القيام بهذه المهمة، لأنه هي الأخرى، في أشد الحاجة إلى التقويم، وهي مقصودة بهذه التوعية التي نستهدف بها الفهم السلفي، والفكر السلفي في جملته، حتى ينفتح طريق الرؤية الواضحة أمام شعبنا.. وبذكر الأجهزة الدينية الرسمية، يجدر بنا أن نشير إلى القارئ الكريم، انها بسبب عجزها عن الدخول معنا فى مواجهات فكرية، لجأت الى إسلوب ردىء، من أساليب الإفتراء والكذب الرخيص، أوهموا به أجهزة الأمن، كما أوهموا الحكومة، بأننا نشكل خطورة على الأمن، مما حدا بالسلطة الى الحد من نشاطنا، على النحو الذى ذكرنا طرفا منه فى مقدمة هذا الكتاب .. ونحن الآن نطلب الى الحكومة أن تحتكم للفكر، فتهىء أسباب الحوار بيننا، من جهة، وبين عموم السلفيين من الجهة الأخرى، ليتمكن الشعب، صاحب المصلحة الحقيقية، بفضل الله، ثم بفضل المشاركة فى الفكر والمتابعة من أن يحكم لنفسه أين يقع الحق.. |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسعودية إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
مواصلة استعراض كتاب "الطائفية تتآمر على الشعب".. للتوثيق ومن أجل الباحثين والدارسين..
Quote: الجبهة الوطنية:
وبذكر "الأخوان المسلمين"، كبعد من أبعاد الطائفية، وكأداة نشطة من أدواتها، نذكر "الجبهة الوطنية" كبعد آخر للطائفية.. و"الجبهة الوطنية" المعروفة اليوم بهذا الإسم، هى نفسها جبهة الأحزاب الطائفية المبادة، والتى تحالف معها أيضا فى الماضى "الأخوان المسلمون" فى الإعتداء على الدستور، بتعديل مادة الحقوق الأساسية من دستور السودان المؤقت، وكما تحالفوا معها أيضا فى معركتهم الوهمية من أجل ما سمىّ بالدستور الاسلامي، ومن أجل رئاسة الجمهورية .. ثم أن جبهة الأحزاب الطائفية هذه، قد كانت فى الماضى أيضا ذات علاقات مشبوهة مع السعودية، بلغت حد التمويل الواسع من أجل كسب معارك الإنتخابات.. ولقد دفعت السعودية، بواسطة سفيرها "العبيكان" فى الخرطوم "للإمام" الهادى مائتى ألف من الجنيهات، وقد كتب السيد الهادى للملك فيصل باستلام المبلغ الذى كانت له اليد الطولى فى فوز حزب الأمة فى معركة الإنتخابات، ثم أردف السيد الهادى عن طلبية جديدة لمبلغ مليون جنيه من أجل معركة رئاسة الجمهورية، ومن أجل إقرار الدستور الاسلامي .. جاء كل ذلك فى الوثيقة نمرة (71 "أ") من كتاب "المتآمرون" الذى أصدرته شركة الأيام عقب حوادث أبا، وقدمته للقراء بمقدمة ضافية من السيد وزير الداخلية يومئذ .. "والجبهة الوطنية" المزعومة هذه تعمل اليوم بفضل المساعدات السعودية والليبية من أجل القضاء على النظام الحاضر، ومن أجل فرض "دكتاتورية إسلامية" لا تختلف عن النظام الملكى الرجعى، الاّ فى الإسم .. ثم إنها هى، فى حقيقتها، أبعد ما تكون عن الإسلام .. ونحن نأمل بهذا أن نجدد ذاكرة شعبنا، حتى لا ينخدع مرة أخرى فى الأحزاب الطائفية التى خبرها وعايش فسادها، مهما حاولت أن تتستر، من جديد، وراء الدين الذى انتهكت بإسمه حرمات الأخلاق، وحرمات الدستور، وحرمات القضاء ..
السعودية:
نحن نتهم السعودية، كبعد خارجى من أبعاد التآمر الرجعى، الذى وقعت أحداثه المؤسفة، فى صباح جمعة الخامس من سبتمبر الجارى، وذلك لعدة أسباب .. أهمها أن السعودية، فى جملة الرأى، تتبنى كل الدعوات السلفية للإسلام، وتنفق عليها، لأنها تحلم بيوم تتربع فيه على عرش الإمبراطورية الإسلامية المزعومة .. وهذا القول باتهام السعودية لا نلقيه جزافا، أو على عواهنه، وإنما نعلم تبنيها لحركة الوهابية "أنصار السنة" المنتشرة فى بعض مدن السودان، وخاصة الشرقية منها، وكما نعلم أيضا عن تبنيها لحركة "الأخوان المسلمين" بالسودان، وعن مدى علاقتهما الحميمة، والودودة معهم، قبل "مايو"، وبعد "مايو"، وكيف أنها عملت على إيوائهم، وأنفقت على إعاشتهم، وتحركاتهم، بعيد إختلافهم مع سلطة "مايو" بالسودان.. أما علاقة السعودية "بالجبهة الوطنية" المزعومة، فهى علاقة قديمة مع الطائفية فى السودان وأحزابها، كالذى مرّ علينا قبل قليل بين الإمام الهادى والملك فيصل، والوارد ذكره فى الوثيقة .. من كتاب "المتآمرون" وهو كتاب جمعت حقائقه من أقوال المسئولين ومن الوثائق الرسمية، وطبع تحت إشراف الحكومة، وهو جامع لعلاقة السعودية بالطائفية قبل "مايو" وبعد "مايو" .. هذا بالإضافة الى ما شهدنا جميعا من تحركات قادة "الجبهة الوطنية" من السعودية وإليها .. وبتذاكر سفر سعودية مفتوحة على طائراتها، كما يحدثنا كتاب "المتآمرون" المشار إليه، هذا بالإضافة الى تكاليف الإعاشة والإقامة. ونحن، لهذه الأسباب ولغيرها مما لا نورد ذكره بسبب من ضيق المجال، اتهمنا السعودية كبعد من أبعاد التآمر، سواء أكان ذلك مباشرا لهذه المؤامرة، أو غير مباشر، بما سبقها من تقوية، وإعداد .. ثم إنه مما يؤيد إتهامنا للسعودية تجربتنا الشخصية معها فيما يخص الجمهوريين، وكيف أنها تدخلت فى شئوننا الداخلية عندما حكمت على الأستاذ محمود بالردة، وطلبت الى وزير "الشئون الدينية" أن يطلب بإسمهم من حكومتنا تحريم أفكارنا، ومصادرة كتبنا، لا لشىء الاّ لأن عملاءها من "الأخوان المسلمين" وما اليهم من السلفيين الجهلاء، قد حملوا لها أخبارا مشوّهة عن دعوتنا "الإسلامية الجديدة"، فأضافتها من غير ترو الى ما عندها من معلومات عن حركتنا المناوئة لحلفائها بالسودان، ولنظامها الرجعى المتخّلف، الذى يمثل أسوأ دعاية للحكم الإسلامى ..
ليبيا:- تميّزت ليبيا، على عهد القذافى، بمحاولات عديدة للتدخل فى شئون الدول الأخرى .. وعلى نحو اشتمل على كثير من أوجه الرعونة والعبط .. ومع أن القذافى يحلم بتوسيع لزعامته بين الأقطار العربية والأفريقية، الاّ أنه، وبرغم ذلك كله، قليل الخطورة، لأن جهله مكشوف، لا ينطلى حتى على دهماء الشعوب، دع عنك قاداتهم والمشتغلين منهم بالمسائل العامة .. أما عن دوره فى المؤامرة الأخيرة، فنحن نتهمه كبعد من أبعادها أيضا، وذلك بقرينة إقامة زعماء "الجبهة الوطنية" المزعومة بعاصمة بلاده، وبقرينة حرية تنقلهم منها واليها، هذا بالإضافة الى القرينة الأهم، فى شهوة الحكم والتدخل المشهورة عنه فى شئون الآخرين، من غير روية أو تكفير، وعلى نحو ما قررنا عن مبالغاته فى صدر هذا الحديث..
طبيعة مؤامرة الجمعة:
نستطيع أن نقرر، من الوهلة الأولى أن طبيعة إنقلاب مؤامرة الجمعة طبيعة يمينية، وهو بهذا المعنى، إنقلاب رجعى، حيث استهدف تحقيق مصلحة الطائفية، على حساب مصالح الشعب، المتغول عليه دائما من الإنتهازيين من أبنائه الذين لا هم لهم الاّ أنفسهم .. وسنحاول، فيما يلى، أن ندلل على طبيعة هذه المؤامرة التى ولدت ميتة، نفعل ذلك من بيان زعيمها الذى حاول التستر خلف عبارات ركيكة المعنى عن استقلال القضاء، واستقلال الجامعة، وحرية الصحافة .. الخ ..
الظاهرة السلفية للمؤامرة:-
حاول البيان أن يلبس الإنقلاب ثوب الدين، فى محاولة ساذجة لاستغلال عاطفة الشعب الدينية، فبدأ بالتعوذ من الشيطان الرجيم، وبسم الله الرحمن الرحيم، كعادة السلفيين .. ثم حشد بعبارات الثناء، والحمد، لله، (الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، الذى يسر هذا النصر) هذه الشنشنة المكشوفة إن دلت على شىء فإنما تدل على الطبيعة السلفية للإنقلاب، وعلى الأصابع الرجعية التي تقف من خلفه .. وفى هذا كفاية، ليدرك الشعب مدى الخطورة التى كان يمكن أن تتعرض لها البلاد، لو قدّر لهذا الإنقلاب المشئوم أن ينجح!
الإنقلاب ضد الإشتراكية:
إن مما يوضع فى كفة حسنات مايو، أن لها محاولات جادة فى انتهاج الطريق الإشتراكي، والدعوة السلفية المتخلفة، لجهلها بالإسلام، وبحكم الوقت، تناصب الإشتراكية العداء .. لقد أفصح بيان زعيم الإنقلاب عن هذا الجهل، عندما أعلن عن إعادة الأموال المغتصبة الى أهلها، فهو يعنى بذلك إدانة منجزات التأميم، للبنوك والشركات، وما تبعها من مصادرات لأملاك بعض الأفراد والبيوتات، وليس لمدافع عنه أن يقول أنه قصد غير ذلك، حيث كان فى سعة من أمره، أن يقول، أو يأمر بمراجعة قرارات التأميم والمصادرة، نسبة لاقتناعه بوجود مآخذ صحبت التطبيق مثلا!! فهل رأى الناس جهلا أكبر من هذا الجهل الذى يبشر الشعب الكادح بالرأسمالية؟ وينذر، منذ البداية، بالتخلّف الإقتصادى، والإفلاس الذى ينتظر البلاد على يديه؟! إن الذى يهمنا من هذا الذى إجتزأنا به فى هذا الباب أن يدرك الشعب مدى الخطورة التى كان سيتردى فيها لولا أن لطف الله وسلّم!! ونحن بهذا نحب للشعب وللحكومة أن يعتبرا بهذا الفهم السقيم، الذى يتجرأ فيتصدى لمثل تلك المحاولة الغبية، ونحب لهما أن يجعلا فى حسابهما أن هذه الجولة المشئومة، لن تكون آخر جولة للسلفيين، الاّ إذا أخذ التغيير الشامل مجراه فى كل الأجهزة السلفية القائمة اليوم، "كالشئون الدينية" و"الجامعة الاسلامية" و"القضاء الشرعى" وما شابهها من أجهزة التعليم الدينى بوزارة التربية، إذ أن كل هذه الأجهزة سلفية بطبيعة تعليمها، وبطبيعة ثقافتها، وهى بهذا السبب، تتنكر لكل مظاهر التقدم، ولكل احتياجات الإنسان المعاصر، الى المساواة الإقتصادية، والمساواة السياسية، والمساواة الاجتماعية، وباسم الدين، وباسم الله، لتوهم الشعب، بأن الإشتراكية، والديمقراطية حرام، وأنهما إنما هما رجس من عمل الشيطان!! .. هذا هو واقع هذه المؤسسات، من غير زيادة أو مبالغة، وبرغم ذلك فنحن نصرف عليها على حساب قوت الشعب، وعلى حساب عرقه، ودموعه، وهى سادرة فى غيّها وجهلها، وعاملة على تعويق مسيرة الشعب، الذى دفع لها كثيرا، وصبر عليها كثيرا، فهل تعى هذا الذى تقول؟؟ أم أنها تنتظر غضبة الحليم؟ |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسعودية إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
Quote: إستقلال القضاء:
وعد بيان الإنقلاب المشئوم على لسان زعيمه، باستقلال القضاء، فهل هذا حق ينزلون عنده، أم أنه كلام يقال والسلام؟ وفى الحق، فإن هذا الذى يقولون كذب، ورياء، أرادوا به الى تضليل شعبنا، الذى يعلم عنهم كل شىء، ونحن بهذا الذى نكتب، لم نقصد الى مناقشتهم، حيث أنهم آخر من يتحدث، أو يدافع عن حرمة، واستقلال القضاء.. وإنما قصدنا الى تعريتهم بتجديد ذاكرة شعبنا، عن مخازيهم فى الفتنة العمياء التى افتعلتها الطائفية، وأذنابها بحزب الأمة، والإتحادى الديمقراطي، وجبهة الميثاق، أيام الأزمة الدستورية الشهيرة، التى استهدفوا بها الى طرد نواب الحزب الشيوعى من الجمعية التاسيسية، تأمينا لمصالح الطائفية التى لم تعد قادرة على احتمالهم.. فهل تذكر الطائفية هذا؟ ثم هل تذكر إهانتها للقضاء، يوم دعت جماهيرها للخروج على القانون، وحمّلتهم له فى أيديهم؟ فحملوه مع الحراب، وفروع الشجر، وبعد أن حمت ظهورهم بجنود الشعب؟! فهل تذكر الطائفية هذا أيضا، أم أنها تحتاج لمن يعينها على التذكر؟ وقبل ذلك هل تذكر الطائفية وأذنابها رفض حكومة الصادق المهدى لتنفيذ حكم المحكمة العليا فى القضية الدستورية التى رفعها الشيوعيون ضد تعديل الدستور؟ علما بأن المحكمة العليا، هى صاحبة الحق فى تفسير الدستور! وأخيرا هل يذكرون قولة الصادق المهدى الشهيرة فى وصف حكم المحكمة العليا، بأنه "حكم تقريرى" وأنه لا ينفذه؟ تصوروا أن مثل هذا القول قد صدر من رجل كان على قمة الجهاز التنفيذي! .. أبعد هذا يجد الطائفيون وأذنابهم الجرأة ليتحدثوا فى بيان إنقلابهم الهزيل عن استقلال القضاء الذى أهانوه بأطماعهم، ودنسوه بسلطاتهم؟ استحيوا يا هؤلاء من غيركم!! إن كنتم لا تستحيون من أنفسكم!! وتذكروا: أن عيون الشعب مبصرة!!
استقلال الجامعة: قررنا فيما تقدم الطبيعة اليمينية للإنقلاب، وكشفنا عن أبعاده المختلفة، المتمثلة فى الطائفية، وحلفائها، من فلول الأحزاب، والأخوان المسلمين .. ونقرر الآن، أن هؤلاء هم أيضا آخر من يتحدث عن إستقلال الجامعة، وعن الحريات الجامعية، لا للاساتذة ولا الطلاب، وهم الذين أنفقوا حياتهم فى التعدى على حرمات الآخرين، وعلى حرياتهم، فى الجامعة.. ويحسن بهم أن يرجعوا لأنفسهم، قبل أن نرجع بهم الى مذكراتنا، فيذكروا كم مرة شتموا، وكم مرة ضربوا، وكم مرة مزقوا وسرقوا صحف أخوانهم من الطلاب الذين يخالفونهم الرأى .. كل ذلك، وأكثر منه، قد حصل .. فليريحوا الشعب من هذه الغثاثة التى يتقيأونها، وليتركوا الجامعة وشأنها، فإنهم لأشأم على الجامعة، وعلى السودان، من كل شؤم وشؤم ..
والجامعة الاسلامية
بالرغم من أن عهد "مايو" قد أعاد أخيرا "للجامعة الإسلامية" كينونة لا تستحقها، الاّ أن بيان زعيم الإنقلاب قد أصرّ على تجريمهم، إذ ذهب يتحسر على إغلاقها الذى كان من سلطة مايو فى بادىء الأمر، ومن غير أن يذكر متى كان ذلك، ولماذا؟ وفى رأينا أن "الجامعة الاسلامية" يجب أن تذهب، لأننا أولا نرفض ثنائية التعليم فى بلادنا، وثانيا لأنها تجسد الجهل بالدين، على مر السنين .. هذا بالإضافة الى أنها، فى تقديرنا، ليست جامعة بالمعنى الذى به الجامعات جامعات، وإنما هى مسخ لمعهد أم درمان العلمى القديم بكل عيوبه فى المحتوى والمستوى .. ويكفى "الجامعة الاسلامية"، عندنا، عارا أن شيخها الأول أو مديرها محمد المبارك عبدالله قد ناصبنا العداء واتهمنا بالمروق على الدين، لأنه استمع لمحاضرة بالكلية الإسلامية – قبل أن تصبح جامعة – تحدث فيها الأستاذ محمود محمد طه عن الإشتراكية، فى نطاق حديثه عن "كيف يخدم الإسلام المجتمع" .. هذا وقد أرغى الشيخ وأزبد، لأن فى علمه أن الإشتراكية كفر، ورجس، من عمل الشيطان!! وأخيرا هل تصدقون؟؟ ويا هول المفاجأة!! إن نفس هذا الرجل، عندما عاد مديرا للجامعة الإسلامية على عهد "مايو"، ملأ أعمدة الصحف بالدعوة للإشتراكية التى هى عنده من صميم الإسلام!! فما رأى القراء فى أمثال هؤلاء الفقهاء الذين يفصّلون دينهم، وأفكارهم، على حسب هوى الحكام، ومن غير أن يكون عندهم أدنى إعتبار، لدينهم، أو لكرامتهم؟ أمثال هذا بالجامعة الإسلامية، وغيرها من المرافق السلفية كثيرون، وأسوأ من ذلك أن بعضهم يعتبر مثل هذا الشيخ من الأمثلة العليا للفقيه الجليل .. فهكذا أهانوا الدين، وأهانوا العلم، حتى صح عنهم ما قاله شاهد من أهلهم:- ولو أن العلم صانوه صانهم * ولو هم عظموه فى النفوس لعظما ولكن أهانوه فهان، ودنسوا * محياه بالأطماع حتى تجهما أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة، * إذن فاتباع الجهل قد كان أحكما ..
ومن أمثلة العار، والمذلة، نسوق مثلا لن تنمحى آثاره يد الدهر، من جبين الجامعة الاسلامية .. ذلك ما أقدم عليه إثنان من أساتذتها، هما: الأمين داؤد محمد، وحسين محمد زكي، اللذان حملا إفك "محكمة الردة"، إرضاء، وتزلفا، للطائفية الحاكمة، وتآمرا مع أجهزة القضاء الشرعى المتواطئة .. وقد جرى كل ذلك على سمع وبصر أساتذة "الجامعة الاسلامية" وطلابها، فلم يحركوا ساكنا فى الإعتراض عليهما، أو على العار الذى لحقهم، ولحق جامعتهم والى الأبد.. |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصراع بين الجمهوريين والسعودية إبَّان نظام مايو.. إعادة قراءة.. (Re: Yasir Elsharif)
|
سلامات يا عزيزي عثمان وشكرا على ما تفضلت به.. أرجو متابعة الجزء الأخير من كتاب "الطائفية تتآمر على الشعب" وأرجو أن تلاحظ ما جاء فيه عن دور السعودية وتحذير الجمهوريين لنظام مايو من صداقتها..
Quote: الخاتمة:
وأخيرا فإننا نحب أن يترّسخ فى الأذهان، ودون لبس، ضرورة بقاء سلطة "مايو" فى هذه المرحلة الدقيقة، من مراحل تطورنا .. ونحن، فى رأينا هذا، لا نمالى أحدا .. كلا!! ولا نداهن أحدا، وما ينبغى لنا، ولكننا نظن فى أنفسنا، مسئولية ووطنية، يحتمان علينا النهوض بالواجب .. ولا نرى أن هناك واجبا، أوجب، من العمل المخلص الدؤوب لحماية شعبنا من التردى، مرة أخرى، فى براثن الطائفية، وتحت قبضة الأحزاب السلفية، بكل عيوبها المشهودة.. وهى قد تعود أشد شراسة، وأشد تنكيلا .. ونحن، فى هذا العمل، إنما نحن فى سباق مع الزمن .. ولعل فى مؤامرة إنقلاب "الجمعة" – الذى أحبطته "يد عليَّة" – درسا كافيا أماط اللثام عما كان يمكن أن يحل ببلادنا على يدى القائد الإنقلابى، وعلى أيدى الذين زجوا به، فى أتون هذه المؤامرة الغبية .. ويجب أن يكون واضحا – وبجلاء شديد – ان الطائفية يستحيل فى حقها أن تحكم بلادنا حكما ديمقراطيا .. ولا هى كانت تفعل ذلك فى يوم من الأيام .. فليست الديمقراطية هى مجرد المؤسسات، ولا هى "بورقة الإنتخابات"، وإنما هى فكر يمارس، وخلق يعاش – فكر يمارس فى سعة آفاق، وخلق يعاش فى سماحة نفس – وهذا لا يتأتى بالتمنى .. ولكنه إنما هو آت بفضل الله، ثم بفضل الإصرار المثابر الداعى لإنجاب الإنسان السودانى الحر المسئول .. ذلك الإنسان القادر على ممارسة القيم الديمقراطية الرفيعة بكفاءة، وبإحسان .. فأين الطائفية، من كل أولئك!؟ أوليست هى التى استذلته حتى انساق خلفها معصوب العينين!؟ ويجب أن يكون واضحا – وبجلاء شديد – أن سلطة "مايو" كانت، ولا تزال، حائلا بين الشعب وبين الطائفية.. ومن ههنا جاء دعمنا لهذه السلطة .. ومن هذا الباب جاء تأييدنا لها .. ونحن نرجو لها أن تبقى، وأن تبقى قوية لاجتياز هذه الفترة المرحلية، الحرجة من تاريخنا .. ولا يحسبن أحد أن هذه السلطة يمكن أن تستمد قوتها، من التأييد المداهن، ولا من التملق الذليل .. وإنما قوة السلطة الراهنة تجىء من التأييد الناقد الذى يبصر بالمثالب، ويهدى الى العيوب .. ويخطىء من يظن أن الطائفية قد انتهى أمرها بتلك التصفيات الحاسمات، ونحن لا نقلل من شأن ذلك العمل، ولكننا نحب له أن يأخذ حجمه الحقيقى .. فإن جذور الطائفية ضاربة فى أعماق عقيدة شعبنا، وهى ما زالت حية فى القلوب، وفى الرؤوس .. وهذا هو عين ما جعل الطريق ممهدا أمام المغامرين الذين لما ييأسوا بعد فجازفوا بذلك العمل الأخرق تحقيقا لأحلام زعماء الطائفية والذين ما فتئوا يمنون أنفسهم بالعودة .. هل تريدون الحق؟؟ إن الطائفية قد استطاعت، بسلاح العقيدة الدينية، أن تعطّل الرؤوس، وتستغل الأيدى، وتستعبد النفوس.. ولذلك فإن هزيمتها النهائية لن تكون الاّ بسطوة الفكر الأصيل الذى يكشف زيفها، ويدمغ باطلها، فإذا هو زاهق.. لكل هذه الإعتبارات فإن بقاء سلطة "مايو" ضرورة ملّحة فى هذه المرحلة من تاريخنا .. وهى لا بد أن تبقى مفتوحة العينين لواجباتها الجسام والتى لن تستطيع النهوض بها على وجهها الأكمل، أو إن شئت على أى وجه، الاّ بثلاثة مواقف، ليس فى دونها حزم ولا عزم، ولا فى دونها موضع لكريم يبغى الخير لشعبه والعزة لوطنه .. وبثلاثة المواقف هذه يتحقق للسلطة الراهنة ما نريد من قوة، تنال بها شرف حراسة هذا الوطن، من كيد أعدائه الذين يتربصون به آناء الليل، وأطراف النهار .. وأول هذه المواقف:
على السلطة أن تقف بإصرار شديد، من أجل فتح باب التوعية الفكرية، وذلك بتهيئة المناخ الصالح للنقاش، وللحوار .. فإن هذا هو السبيل الوحيد لهزيمة الطائفية، ولهزيمة "الأخوان المسلمين".. فقد علمتنا التجارب أن هذين التنظيمين لا يستطيعان المواجهة الفكرية، كما أنهما لا يصمدان أمام النقاش الموضوعى .. ولقد كانت لنا مع تنظيم "الأخوان المسلمين" تجربة بجامعة الخرطوم، حيث كانت تقام أركان النقاش المفتوحة مما عرّض تنظيم "الأخوان المسلمين" لهزيمة فكرية ماحقة، أثّرت على وجوده، حسا ومعنى، حتى بدأ واضحا لكثير من الطلاب زيف هذا التنظيم الفارغ الذى لا ينطوى الاّ على الإلتواء، والاّ على الإدّعاء، بالرغم من الجلبة والضوضاء التى زحم بها أفق الحياة الجامعية .. ونحن نرى أن تصر السلطة، بحسم ليس للتردد عليه من سبيل، على تعميم هذه التجربة على نطاق القطر جميعه.. وعلى السلطة أن تكون عالمة ان هذا هو واجبها الأول الذى ما ينبغى لها أن تفرّط فيه لحظة .. لان هذه هى التنمية الحقيقية التى بها يخلق الإنسان السودانى "المنمى" وهذا هو أثمن رأس مال. ونحن نثق أن القوانين الرادعة، تنعش هذه التنظيمات السلفية، واننا إذا سرنا على هذا النحو الذى لا يتيح فرص النقاش والحوار، فإن الطائفية ستظل باقية لأعوام طويلة قادمة، ويمكنها أن تنقض علينا فى اللحظة المناسبة .. وفى درس "الجمعة" عبرة لمن يعتبر .. لهذا فإن واجب السلطة الأول التمسك بمبدأ الحوار الموضوعى، تمسكا لا يعرف الإنحناء، ولا الإنثناء .. وعليها أيضا يقع واجب تنظيم هذه الحرية الفكرية، والإشراف عليها، بما يزيدها إزدهارا ونماء .. ونحن على ثقة تامة أن مثل هذاالمناخ الصالح يقتلع العقيدة الطائفية من قلوب الشعب .. كما أنه يهزم تنظيم "الأخوان المسلمين" والى الأبد.. وثانى هذه المواقف:
على السلطة واجب مراقبة السلفيين المنبثين داخل الأجهزة الرسمية، والذين مردوا على تقويض هذا النظام من الداخل، بالنصيحة المدلِّسة تارة، وبالتعويق المتعمّد تارة أخرى، ثم باستغلال الأجهزة الرسمية فى سبيل مصالحهم الحزبية الضيّقة .. ونحن نعلم صعوبة هذه المراقبة .. ولكن على السلطة أن تعرف أعداءها من السلفيين الذين أظهروا لها الولاء، ولكن البغضاء قد بدت من أفواههم .. وما تخفى صدورهم أكبر .. ونحن نتهم "أجهزة الشئون الدينية"، و"قضاة دوائر الأحوال الشخصية" "والجامعة الاسلامية" بأنها أوكار الدعوة السلفية، وهى، من ثمّ، وبالضرورة التكوينية، ضد التقدم .. فلنأخذ حذرنا منها، ولنضعها تحت المراقبة المستمرة، ولنجبرها إجبارا على الحوار الموضوعى، فإنه به وحده يكشف زيفها الذى يلتحف قداسة الإسلام.. ثالث هذه المواقف: لقد أنى للسلطة أن تدرك أنه لا خير يأتى لشعبنا من الصداقة الحميمة للملكة السعودية .. كما أن هذه الصداقة الحميمة القائمة اليوم تتعارض مع دعوة السلطة لتصفية الطائفية، ولتصفية التنظيمات السلفية .. فلكأننا، بهذا الصنيع الحاضر، نأخذ بالشمال ما أعطيناه باليمين .. ونحن حين نقول قولنا هذا لا يغيب عن بالنا وجوب إحترام سياسة حكومتنا القائمة على حسن الجوار بين السودان وجيرانه، ولكننا لا نرى أن تتسع تلك العلاقة الى الحدود التى تغرى بالتدخل فى شئوننا الداخلية، لا سيما أن المملكة السعودية متهمة عندنا بتمويل الدعوة السلفية بأساليب يصعب كشفها، والإحتراز منها .. ويكفى فى هذا الصدد تمويلها لمساجد دعوة "أنصار السنة"، وايواؤها لزعماء الدعوة السلفية الهاربين من بلادنا. وغنى عن البيان أن السعودية دولة متخلّفة سياسيا، وفكريا .. فهى الوطن "الأم" لكل الدعوات السلفية، وان السير خلفها، إنما هو إعانة للظالم على الظلم .. ونحب أن نكون مفهومين فإننا لا ندعو للقطيعة مع المملكة السعودية، ولكننا نرى أن يقوم التعامل، بيننا وبينها، على التكافؤ، وعلى معاملة الند للند، كما هو الحال فى معاملة الدول لبعضها، على أساس من الكرامة، والإحترام المتبادل، لا وكس ولا شطط.. أما بعد:- فإن هذا الحديث قد اتسم بالصدق وبالوضوح، فلنتمسك جميعا، شعبا وحكومة، بالصدق، وبالوضوح، فإنهما يفتحان أبواب الخير الواسعة التى بها وحدها ينزل شعبنا منازل العزة والكرامة التى نرجوها له بين الشعوب .. خاتمة الطبعة الثانية
عند صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب، ظن بعض أصدقائنا القراء أن فى كتابنا هذا الكثير من المبالغة، وأننا قد جانبنا ما عهدوه فينا من علمية، ودقة، فى تحليل الأحداث .. ونحن نجد الآن فى المحاكمات التى تدور اليوم، وفيما تمّ من تحقيقات سبقت هذه المحاكمات، مصداقا لما ذهبنا اليه، فإن حجم المؤامرة قد فاق كل التقديرات، بل إنه قد أذهل المراقبين الذين يظنون أنهم يرصدون الأحداث .. ذلك ان الإتهام فى هذا التآمر قد شمل بعض الذين كانوا محل الثقة والتقديم فى هذا العهد .. أيضا كشف تطور الأحداث أن المؤامرة الفاشلة، لم تكن مؤامرة على السلطة الراهنة .. وإنما هى – وكما هو مثبت فى عنوان كتابنا هذا – مؤامرة على الشعب، بدأت قبل "مايو" وسيظل خطرها ماثلا، فهى كانت ولا تزال تسعى لتضليل الشعب ولتغفيله .. وانه من رأينا أن هذا الخطر لن يزول الاّ إذا تحصّن شعبنا بالفكر الإسلامى الواعى القادر على دحر الطائفية، وعلى اقتلاع جذورها نهائيا .. ومن هذا المنطلق، وعلى ضوء ما تجدد من أحداث .. فإننا ندعو هؤلاء الأصدقاء، وندعو المعارضين أيضا لإعادة النظر فى هذا الكتاب، ولمتابعة ما اتسم به من صدق، ومن وضوح رؤية .. ونحن إذ نقول هذا القول لا يفوت علينا أن كتابنا هذا قد كان ممجدا عند الكثيرين من القرّاء الكرام الذين أدركوا من الوهلة الأولى صدقه، ودقته فى تحليل الأحداث .. من أجل هؤلاء .. ومن أجل أولئك نعيد طبع هذا الكتاب رجاء أن يعم النفع، وأن تعم الفائدة وعلى الله وحده التكلان..
الأخوان الجمهوريون أم درمان ص ب 1151 تلفون 56912
الطبعة الأولى 18 سبتمبر 1975 رمضان 1395 الطبعة الثانية 9 ديسمبر 1975م 7 ذى الحجة 1395 هـ
فى هذا الكتاب
• نحن ومايو على طريق الثورة المرتقبة • أبعاد حركة الجمعة المشئومة • الطائفية • الأخوان المسلمين • الجبهة الوطنية • السعودية • ليبيا • طبيعة مؤامرة الجمعة • الظاهرة السلفية للمؤامرة • الإنقلاب ضد الإشتراكية • إستقلال القضاء • إستقلال الجامعة • والجامعة الاسلامية ..
الثمن 20 قرشا |
| |
|
|
|
|
|
|
الأستاذ محمود بالصوت قبل لحظات من الإعتداء عليه في الأبيض وفي اليوم التالي لذلك!! (Re: Omer Abdalla)
|
أشكرك يا عزيزي عمر لهذا التوثيق الرائع.. لقد كنت حاضرا تلك الليلة وأذكر تفاصيلها كما لو كانت البارحة.. تلك الأيام استمعت للأستاذ محمود محمد طه وأُخذت بقوة الحجة وقوة البيان.. ربما كان ذلك الشخص مدفوعا من بعض المنتفعين من إسكات صوت الأستاذ محمود.. لقد تشرفت بأن كنت ضمن مجموعة من الناس الذين ذهبوا إلى المستشفى وبقيت هناك حتى تمت معالجة جرح الأستاذ محمود، وصحبته هو والجمهوريين إلى أن دخل إلى مكان إقامته بمنزل الأخ حسن بشير في حي الموظفين بالقرب من منزلنا .. وفي اليوم التالي قدَّم الأستاذ محمود محاضرة عن مشكلة الشرق الأوسط بنادي السكة حديد بالأبيض حضرتها أيضا.. وسوف يلاحظ المستمع أن الأستاذ الحاج الطاهر المحامي قد تحدث قبل الأستاذ واعتذر نيابة عن أهل الأبيض عن حادثة الإعتداء التي تمت في اليوم السابق وقد علق الأستاذ محمود على اعتذاره ذاك بكلمات خالدات وهي أن الأستاذ الحاج ليس بحاجة أن يعتذر عن أهل الأبيض وهي مدينة معروفة بإعجاب كثير من أبنائها بفكر الأستاذ محمود. في نفس تلك الأيام قام إنقلاب مايو العسكري في ليلة 24 مايو 1969.. هذه هي محاضرة الأستاذ محمود في ثاني يوم للإعتداء.. http://www.alfikra.org/talk_view_a.php?talk_id=18 ..
Quote: عزيزي دكتور ياسر عاطر التحايا أعود للمساهمة بشيء من التوثيق لأحداث العنف التي تعرض لها الجمهوريون ولعله يحسن أن نبدأ بهذه الحادثة التي تمت قبل مجي نظام مايو بأربعة ايام وقد كان السلفيون حينها يعدون لتمرير مؤامرة الدستور الأسلامي "المزيف" فأزعجهم صوت الأستاذ محمود محمد طه ووقوفه القوي ضد حل حزب الشيوعي وكشفه عن أبعاد التآمر فعقدوا له ما سمي بمحكمة الردة ثم طفقوا يثيرون العامة والبسطاء ضده .. في يوم 21/5/1969 تعدى أحد المهوسين على الأستاذ محموداثناء القائه لمحاضرة فى نادى العمال بالابيض فضربه بعصا في رأسه فشجه وقد لفت أنظار الحضور حينها اهتمام الاستاذ محمود بأن لا يعتدي أحد على الشخص الذي ضربه.. وقد حكى الأستاذ سعيد الذي تظللنا ذكرى رحيله هذه الأيام عن الطبيب الذي قام بخياطة الجرح قوله أنه لم يكن هنالك بنج في المستشفى فتقرر الخياط من غيره .. قال أن الأستاذ محمود كان ثابتا وأن الطبيب كان متوترا وكان يقف على أمشاط قدميه كلما غرز غرزة وقد كان الأستاذ يحكي له قصص يحاول أن يصرف بها باله عما يقوم به من عمل شاق .. قال الطبيب أنه لم ير شجاعة ومقدرة على التحمل مثل ذلك .. تسجيل صوتي للضربة في أثناء محاضرة "لا اله الا الله" ويظهر في التسجيل انزعاج بعض الاخوات الحاضرات حينها:
وقد تم فتح بلاغ بواسطة البوليس على المعتدى وطلب من الأستاذ محمود أن يحضر فأرسل الخطاب التالي للسيد ميرغني النصري المحامي:
عزيزى ميرغنى .. تحية
1: لقد اعلم ان التنازل لا يعفى الجانى من العقوبة ، لان المجنى عليه طرفان : شخصى الضعيف، وتنازلى يقبل ، ولكنه لا يتعدانى ليسقط حق المجتمع على الجانى حين جنى ، ولذلك فإنه يطالب به، ويعاقب عليه، وتنازلى يعتبر من العوامل المخففة عليه .. ولا يمكن ان يكون هناك قانون يمنع التنازل، لان العفو فوق القصاص، عقلا، وقانونا، ودينا. 2: يهمنى فى هذا الامر شيئان "أ" ان يكون تنازلى مفيدا للجانى فى تخفيف العقوبة عليه، "ب" الا احتاج لاتنازل ان اسافر الى الابيض ..
واريدك ان تتكرم بان تمكننى من هذين الامرين معا باى صورة تراها مع مزيد شكرى ..
المخلص محمود محمد طه
وقد وجدت من ضمن الوثائق هذين الخطابين الذين يعكسان وجهة نظر المسئولين حينها:
جمهورية السودان وزارة العدل صندوق بوستة 32 العنوان التلغرافى "قانونى"
الخرطوم 23 مارس 1970م النمرة وع/6/1/3372
السيد / محمود محمد طه ص.ب 11510 ام درمان
بالإشارة إلى خطابكم بتاريخ 22/3/1970م ـ ان التنازل فى مثل جريمة المادة 1127 لا يقبل ولقد سبق ان اخطرنا بذلك حكمدار بوليس الابيض. ـ
وشكراً ..
التوقيع صديق عبد الحليم وكيل نيابة مديرية الخرطوم
والخطاب الثاني:
خطاب المحامى العام فى 30/4/1970م بخصوص التنازل
السيد الوكيل
موضوع هذا البلاغ هو التعدى بالضرب على السيد محمود محمد طه اثناء القائه لمحاضرة فى نادى العمال بالابيض بتاريخ 21/5/1969 ، وقد وجهت للمتهم الذى ضرب السيد محمود تهم بموجب المواد 127(أ) 277 ، 279 و 283 من قانون العقوبات.
الآن طلب السيد محمود شطب البلاغ ضد المتهم لان محور الشكوى هو.. وهو يتنازل عن حقه فى القصاص ولكن السيد قاضى الجنايات بالابيض يصر على ان يمثل السيد محمود امام المحكمة والسيد محمود لا يريد السفر ولا يرى جدوى من القضية.
ورأيت ان يطلب من السيد قاضى الجنايات مراعاة ذلك لان القضية يمكن ان تحكم دون الاستماع الى اقوال السيد محمود وهى غير مفيدة لانه يقول انه لم يتبين شكل المتهم ولا يعرفه بل شعر بضربة على راسه (انظر ص 1 من يومية التحرى ).
ويبدو ان السيد القاضى مصر على ان يمثل السيد محمود امام المحكمة ازاء ذلك الاصرار طلب منا السيد ميرغنى النصرى المحامى نيابة عن الاستاذ محمود استعمال سلطة سحب البلاغ . ولكنى كما سبق ان ذكرت ان استعمال السلطات بموجب المادة 231(1) من قانون التحقيق لا يجب ان يير اجراءا روتينيا ولابد من مراعاة الصالح العام اولا ولكن السيد النصرى غير مقتنع بهذا الراى.
وفى تصورى اننا يمكن ان نوجه السيد وكيل نيابة كردفان الى ان ينتهج واحدا من سبيلين : اما:
(1) ان يطلب من المحكمة السير فى القضية وادانة المتهم وهو معترف دون اجبار السيد محمود على الحضور . أو:
(2) ان يطلب من المحكمة حفظ البلاغ لان القصد الجنائى لم يكن متوفرا نسبة لان المتهم يعانى من مرض الصرع وقد ذكر الطبيب ان المتهم ظل يصاب بنوبة او نوبتين فى الشهر ( ص4 من يومية التحرى ) ولكن ليست هناك بينة فى راى الطبيب تشير الى ان المتهم فى حالة هيجان الته العاطفة الدينية اذ سمع ان السيد محمود ضال ومضل والتطرف الدينى فى حد ذاته ضرب من ضروب الامراض العصبية لان الانسان يكون غالبا فى حالة غير طبيعية. عليه ارفع الاوراق لسعادتكم لاتخاذ ما ترونه مناسبا وشكرا.
فضل الله الرشيد المحامي العام
30/4/1970م |
| |
|
|
|
|
|
|
|