|
Re: الشريعة الإسلامية السلفية، بمقاييس اليوم، غير دستورية!! لماذا؟؟ (Re: Yasir Elsharif)
|
[size=4] الشريعة الإسلامية بمقاييس اليوم غير دستورية لماذا؟؟
عندما جاءت المعارضة "الإسلامية" مستفيدة من "المصالحة الوطنية" كانت قد وطنت نفسها على احتواء نظام مايو كما فصّلنا سابقا وكما اتضح من الوثائق.. في هذا الباب نعرض إلى كتاب أصدر الجمهوريون طبعته الثانية في أغسطس 1977 وعنوانه: "الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور الإسلامي" وإلى كتاب آخر اسمه: "مقترحات الأزهر للدستور الإسلامي جهالة لا تمثل الدين" صدرت طبعته الثانية في أكتوبر عام 1979، ومن خلال عرضي لما جاء في هذين الكتابين، سوف أصل بالقارئ إلى التقرير الذي قررته في عنوان هذا الباب، وبه تكون الإجابة على السؤال.. فلنبدأ: بعد أن يبدأ كتاب "الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور" بتقرير أهمية الإسلام بقوله:
(اننا نحن السودانيين، لن تحل مشاكلنا الأساسية الا بالعودة للاسلام، لأن الاسلام وحده هو الكفيل بتحقيق مطالب الانسان المعاصر المتمثلة في الجمع بين الاشتراكية والديمقراطية ..) ينتقل ليحذر من خطر الفهم السلفي المتخلف فيقول في عبارات واضحة:
(ولكن هذا لا يعني أن أية محاولة لتطبيق الاسلام تنتهي فعلا إلى تطبيق الاسلام الصحيح، وتحقيق ما نصبو اليه من تقدم .. بل أن أي محاولة لتطبيق الاسلام لا تعرف التشريع الجديد الذي يتطلبه الدين الآن، ويقوم على أصول القرآن، وفق الطاقة، والحاجة الحاضرة، لهي محاولة لتزييف الاسلام، وللتنفير عنه، أرادت ذلك أو لم ترده .. فأمر تطبيق الاسلام على الحياة الحديثة لأمر دقيق، وخطير، ولا يقوم الا على العلم بحقائق الدين، وحقائق العصر الحاضر .. وأي دعوة للاسلام دون هذا المستوى انما هي تشويه للاسلام، وابعاد له عن الحياة الحديثة التي هي أحوج ما تكون اليه، ومن ذلك الدعوات السلفيات التي تسيء تقديم الاسلام حين تقدمه للمجتمع الكوكبي الحاضر، ذي الطاقات، والامكانات المذهلة، بحجم حاجة، وطاقة، مجتمع القرن السابع.. ثم هي لا تخجل من تقديم الاسلام بعقل، وثقافة العصر العباسي، لعقل، وثقافة القرن العشرين.. ولذلك فانها لم تفلح الا في خلق الفجوة الكبيرة بين الاسلام وبين طاقات الحياة الحديثة.. وهذه الصورة الشائهة، المتخلفة عن الاسلام، هي التي يعلنها السلفيون باسم الاسلام، ويجدون لها فرصة الذيوع في أجهزة الاعلام الحديثة، ويزهون بها في التجمعات، والمؤتمرات الدولية، باعتبار أنها هي الاسلام، وأنها كلمته الأخيرة، والوحيدة، لأنهم هم الناطقون الرسميون، ولذلك توهم الرأي العام العالمي المستنير أن الاسلام أمر يخص المجتمعات البدائية، القديمة، وليس له مقدرة أو مجال، في تنظيم المجتمع الكوكبي، الذكي، المعقد.. كما انصرف الأذكياء، والعقلاء، عن الاسلام، حين اكتفوا برؤيته في تلك الصورة الشائهة، المنفرة، التي يقدمها الأصدقاء الجهلة، والاسلام بريء من كل هذا الهوس، وهذا الزيف.. ومثل هذا التشويه، على خطره، وبليغ ضرره، فانه تشويه في الحدود النظرية، ولكن التشويه الأكبر، ذا الضرر المتعدي، والمتعدد، يتمثل في محاولات بعض الحكومات لتطبيق الاسلام بهذا المفهوم المتخلف .. فهذه قد أضرت بالانسان، وأضرت بسمعة الاسلام الضرر كله.. ولا أسوأ من ذلك الا محاولات تطبيق قانون العقوبات وحده، على اعتبار أن هذا هو الاسلام.. وقد شهد بلدنا المصون محاولات الطائفية لفرض دستور زائف، ومتخلف، يخدم أغراضها هي وتلبسه قداسة الاسلام.. والحق أن أي محاولة لتطبيق الاسلام على الحياة الحاضرة لا تتسم بميسم الحذق، والذكاء، ولا تعرف تطوير التشريع، انما هي تزييف للاسلام مهما كانت نواياها .. ونظام "مايو" الآن قد كون لجنة لمراجعة القوانين السارية وتعديلها لتتمشي مع أحكام الشريعة وقواعدها .. والآن فاننا سنناقش هذا الاتجاه، وسنراجعه ملتزمين بمسئوليتنا الدينية، والوطنية، التي تلزمنا بالتزام الحق وحده، وآملين أن نتبصر المشاكل، وأن ندرأها قبل وقوعها، اذ الاسلام، أعز، وأقدس، من أن ندخله في التجارب الفاشلة.. كما أننا نرى أنه لا رغبة، ولا مصلحة لنظام "مايو" في محاولة تشوه الاسلام باسم الاسلام، وتطبق مستوياته المرحلية في غير وقتها، فتظهره بمظهر التخلف، حتي عن الأعراف والدساتير الوضعية..)
ثم ينتقل الكتاب ليتحدث عن الدساتير العلمانية فيعطيها حقها عندما يصفها بأنها أقرب إلى أصول القرآن ولذا يجب عدم الارتداد عنها.. وأنا أرجوكم التنبه لما سأضع تحته خطاً أو أكتبه بلون مختلف.. يقول الكتاب:
(ان الدساتير العلمانية التي تكفل حق المساواة والحرية هي حصيلة كدح الانسان الطويل في سبيل تحصيل حريته.. وهو كدح قاس، وطويل تم عبر العرق، والدموع، والدماء، وانتهي الى اقرار الحرية، والمساواة لكل الناس رجالا، ونساء.. وهذا مستوى متقدم بالنسبة لمستويات المجتمعات الماضية، ولكنه مستوى دون طموح انسان القرن العشرين، ودون المستوى الذي تكفل به الاسلام حيث تقدم بـ ((الدستور))، ذلك ((الدستور)) الذي ما الدساتير العلمانية الا اتجاه نحوه، والاّ خطوة في سبيله، تعلن الحاجة اليه، والطاقة به، وتمهد له، ولذلك فليس هناك ((دستور)) حقيقي الاّ في الاسلام، وذلك لأن ((الدستور)) انما هو القانون الاساسي، وهو انما سمي القانون الاساسي لأنه ينص على الحقوق الأساسية، والحقوق الاساسية انما سميت حقوقا أساسية لأنها لا تمنح، ولا تسلب، بغير حق، وهي حق الحياة، وحق الحرية، وما يتفرع عليهما أساسا مما هو مكمل لهما، وحافظ لهما.. وجوهر الدستور هو رفع الوصاية عن الرجال، والنساء، فان فيه كل فرد بشري، من رجل أو امرأة، انما هو غاية في ذاته .. وهذه النظرة الاساسية تؤخذ من آصل أصول الاسلام وهو ((الفردية)) .. فان المسئولية، في أصل الاسلام، انما هي مسئولية فردية، يقول تعالي: ((ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة)) .. ويقول في مبدأ المسئولية الفردية: ((يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها)) .. والمسئولية الفردية تتبعها الحرية الفردية، ولذلك قدس الاسلام، في أصوله، الحقوق الاساسية، والحرية الفردية للدرجة التي نهي فيها نبيه الكريم، على كمال خلقه العظيم، وعلى بعده عن مواطن الاستعلاء، نهاه عن السيطرة على حريات المشركين، الجاهليين، عبدة الأوثان.. ولذلك فالحرية في أصول الاسلام مطلقة، وهي لا تحد الا بعجز الفرد عن حسن التصرف فيها.. وحتى حين يعجز، فان حريته لا تصادر الاّ بقانون دستوي يوفق، في كل اجراءاته، بين حق الفرد في الحرية الفردية، وحق الجماعة في العدالة.. ولكل ذلك قلنا أن ((الدستور)) لا يوجد الاّ في الاسلام .. ثم ينتقل إلى الدعوة إلى وجوب مراجعة قوانين الدولة العلمانية بحسب أصول القرآن وليس بحسب فروعه المتمثلة في الشريعة فيقول تحت عنوان "مراجعة القوانين الحاضرة على أساس آيات الأصول": ان الدعوة للرجوع للشريعة المرحلية، وان كانت في مظهرها هي دعوة للدين، الاّ أنها في الواقع، والحقيقة، انما هي دعوة ضد الاسلام في معنى ما هي ضد آيات الأصول في القرآن.. وانما من هذه الضدية جاء النسخ، وهي أيضا ضد الدستور القائم الآن، والداعي الى المساواة.. وهي بذلك تظهر الاسلام بالتخلف حتى عن الحقوق التي كفلتها الدساتير العلمانية .. هي بايجاز دعوة ضد مكتسباتنا الانسانية، والشعبية الحاضرة.. وهي أيضا ضد بعث الاسلام، ذلك بأن الدعوة الراشدة للاسلام توجب أن نتخذ المكتسبات الحاضرة نقطة انطلاق الى رحاب السنة المطهرة بدل الرجوع من هذه المكتسبات وخير مثل لتوضيح ذلك هو حقوق المرأة.. فهل ستجلس اللجنة الموقرة لتسلب المرأة العصرية حقوقها السياسية، والمدنية، التي أعطاها اياها التطور، والعرف، والدستور، والقانون، بحجة أن هذه الحقوق لا تتفق مع الشريعة المرحلية التي انما جاءها القصور من كونها قد وجدت المرأة، حين شرعت، في حفرة الوأد، فجاءت، في حقها، قاصرة، ومتخلفة؟؟ فهل سنفعل ذلك في وقت يقدم الاسلام فيه للمرأة في أصوله حقوقا أكثر من حقوقها في أي دستور في الأرض، وفي أي قانون؟؟
وبعد أن يمضي الكتاب ليشرح أن الحقوق الأساسية مثل الاشتراكية والديمقراطية والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين وبين الرجال والنساء إنما توجد في أصول القرآن وليس في الشريعة ينتقل ليتحدث عن حكمة تطوير التشريع فيقول تحت عنوان "تطوير التشريع.. لماذا؟":
(والحكمة في تطوير التشريع انما تلتمس، أول ما تلتمس، في التوحيد، ذلك بأن كل ما عدا الذات الالهية انما هو خاضع لسنة التطور.. والتشريع من باب أولى.. لأنه انما يجيء لتلبية، وتنظيم، حاجات، وطاقات، الانسان.. وتلك حاجات، وطاقات، متجددة تجدد الحياة نفسها في سيرها تحت قهر الارادة الالهية من الاستيحاش الى الاستئناس.. والتشريع انما يساير تقدم الانسان من قصوره الى نضجه، حيث يتمتع بالحرية الكاملة والمسئولية الكاملة.. والبعث الديني، حينما يجيء، انما يجيء فيجد المجتمع البشري وقد كون شتى الأعراف التي تقوم عليها حياته، والتي تقف الارادة الالهية الخفية خلف تكوينها.. ومن هذه الأعراف ما هو باطل، ومنها ما هو حق.. فيعمد البعث الديني الى محو ما هو باطل من هذه الأعراف، واثبات ما هو حق منها، ثم التسامي بالأعراف المحققة لغرض الدين الى قمة جديدة في التوحيد.. فليس هناك باطل مطلق في الوجود، والله تعالى انما يسيرنا، وفق ارادته، بثنائية الخير والشر حتى يبلغ بنا باحات الخير المطلق..
ثم يمضي ليتحدث عن الأعراف البشرية الصالحة ويدعو إلى تطويرها إلى الأمام فيقول:
(ولقد قطعت البشرية شوطا بعيدا في التطور في مدى الأربعة عشر قرنا الماضية، وكونت شتى الأعراف التي تتمشى مع مراد الدين من تحقيق كرامة الانسان.. وفي قمة هذه الأعراف ما حققه الانسان عبر صراعه الطويل من أجل حريته وكرامته مثل الانجازات العظيمة التي تمخضت عن النص على حقوق الانسان في المواثيق الدولية، وفي الدساتير القومية.. هذه على سبيل المثال .. وحينما يجيء البعث الاسلامي اليوم بعد أن سارت الحياة العامة، بعيدا عن ظل الشريعة الاسلامية الموروثة، لعدة قرون، حققت أثناءها العديد من الانجازات، فانه لابد لذلك البعث الاسلامي أن يتخذ تلك المنجزات العظيمة التي تحققت في سبيل كرامة الانسان وحريته، بناء تحتيا له يقيم عليه بناءه الفوقي لتحقيق القدر الأكبر من كرامة الانسان وحريته.. فالدستور ((العلماني)) الذي ينص على الحقوق الأساسية انما يقترب خطوات من الدستور كما هو في أصول القرآن بينما تقصر الشريعة الموروثة عن الوفاء بتطلعات الانسان المعاصر والتي لم تعد وافية بها تماما الاّ أصول القرآن.. وكمال الشريعة ليس في بقائها جامدة على صورة واحدة، وانما في مقدرتها على التطور لاستيعاب قدرات الانسان وتطلعاته الجديدة.. وفوق ذلك فان الشريعة، مهما بلغت من السموق، والتسامي، انما هي، في نهاية المطاف، وسيلة لتحقيق كرامة الانسان.. بل ان انزال القرآن، وارسال الرسل، انما هو أيضا وسيلة الى هذه الغاية العظيمة.. والعيب ليس في الشريعة الموروثة التي خدمت مرحلتها التي شرعت لها أتم خدمة، وانما العيب هو عيب المحاولات القاصرة التي تريد أن تنقلها، بكل صورها، وهي في مستوى الوصاية، لتحل مشكلات مجتمع شبّ عن هذا المستوى، فاستأهل أن يشرع له في مستوى الحرية، والمسئولية..
ثم يمضي الكتاب ليوضح الكيفية التي يتم بها تطوير التشريع والمسائل التي يشملها ذلك التطوير نظرياً فيقول تحت عنوان "تطوير التشريع الاسلامي كيف؟؟" ما يلي:
(تطوير التشريع الاسلامي الذي ندعو اليه لا يشمل تشريع العبادات، ولا تشريع الحدود، ولا القصاص، وانما ينصب على تشريع المعاملات، وبخاصة على الاقتصاد – الاشتراكية- وعلى السياسة – الديمقراطية – وعلى الاجتماع – المساواة بين الرجال والنساء – وهو انما يكون بالانتقال من نص فرعي في القرآن الى نص أصلي في القرآن، وهو لا يتعدى القرآن الى سواه، وقد قال تعالى ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)) .. فتطوير التشريع انما يكون بالانتقال من آية الشوري الى آية الديمقراطية، ومن آية الزكاة ذات المقادير الى آية الاشتراكية، ومن آية الوصاية من الرجال على النساء، الى آية المساواة بين الرجال والنساء.. وهذا يعني أن تنسخ الآيات المنسوخة اليوم الآيات المحكمة، لتكون الآيات التي كانت منسوخة، قبل ذلك، هي صاحبة الوقت اليوم.. ذلك بأن النسخ ليس سرمديا، وانما هو ارجاء اقتضاه حكم الوقت.. والدعوة الى التطوير بهذا المعنى انما هي تجاوز للشريعة الى ما هو أوسع، وأوكد، وأدخل في الدين، واتباع لما هو أحسن – اتباع لأصول القرآن – وأصول القرآن هي عمدة السنة المطهرة .. وبحكم الوقت الدعوة الى السنة في حقنا قائمة، بل هي ملحة، وواجبة الأداء .. قال، جل من قائل: ((واتبعوا أحسن ما أنزل اليكم من ربكم، من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة، وأنتم لا تشعرون)) .. وبالتشريع، وبالتخطيط، وبالمنهاج التربوي يبدأ التطبيق ببدايات عملية، وبسيطة، ثم تتسامى الى القمم التي عندها يقصر عن شأو الاسلام تطاول كل متطاول من الفلسفات، ومن العلوم، ومن الأديان ..
وأنا أعرف أن الحواجب سترتفع إلى أعلا بذكر تشاريع الحدود والقصاص بحجة تعارضها مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. ولكن برغم ذلك سأحاول نقل ما يقوله الكتاب بصورة حرفية لأنه وثيقة وأرجو مراعاة ما سأضع تحته خطا لأنني سأعود لشرحه.. يقول الكتاب تحت عنوان "تشريع الحدود والقصاص في أصول القرآن" ما يلي:
(صور الشريعة الموروثة المنفتحة على التطور هي ما يتعلق بالسياسة، والاقتصاد، والاجتماع، حيث يقع تطور الفرد، والمجتمع، من مستوى الوصاية الى مستوى الحرية، والمسئولية.. أما تشريع الحدود والقصاص فانه لا يقوم على فروع القرآن، وانما يقوم على الأصول الثوابت من القرآن، ومن ثم فهو غير قابل للتطوير، الاّ لدى تطبيقه، وذلك بتطوير وسائل درء الحدود بالشبهات .. وتشريع الحدود، وتشريع القصاص يقومان على مبدأ التوفيق بين حاجة الجماعة الى العدالة، وحاجة الفرد الى الحرية .. وانما بهذه المقدرة على التوفيق يرتفع الاسلام الى قمة يقصر عن التطاول اليها سائر الفلسفات المعاصرة.. ولكن كيف السبيل الى اقامة هذا التشريع في مجتمعنا الجديد؟؟ السبيل هو أن يطبق هذا التشريع القائم على أصول القرآن الثابتة في اطار الشريعة الاسلامية المطورة التي تقوم على هذه الأصول .. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فان القانون، من حيث هو، انما هو وسيلة من وسائل التربية، وهو انما أريد به الى سد الثغرات التي تعجز عن سدها التربية، لدى التطبيق، ولذلك فان تطبيق تشريع الحدود، وتشريع القصاص، وسائر التشريعات الاسلامية المتطورة التي ندعو اليها، يجب أن يكون مصحوبا بعمل تربوي شامل لاقامة أخلاق هذا الشعب على جادة الدين، لا سيما وأننا نتفق، جميعا، على أن أزمتنا الحاضرة انما هي أزمة أخلاق.. ومن ههنا دعوتنا نحن الأخوان الجمهوريين، الى اشاعة اسلوب التربية الاسلامية الصحيحة القائمة على النهج النبوي في العبادة، والمعاملة، ذلك النهج الذي انما يستهدف بعث الكلمة ((لا اله الا الله)) في صدور االنساء والرجال لتكون حية وفعالة ومؤثرة في الأخلاق لدى التعامل مع الخالق ومع المخلوق ذلك بأن جوهر ديننا انما هو المعاملة .. قال المعصوم ((الدين المعاملة)) .. ان هدفنا الاساسي انما هو أحياء السنة المطهرة واشاعتها بين أفراد الشعب حتى تصبح الأخلاق الاسلامية عرفا مرعيا.. ولا يجيء تطبيق هذه القوانين الاّ لسد الثغرات التي عجزت عن سدها التربية .. ذلك بأن اقامة تشريع الحدود والقصاص من غير أن تصحبه التربية الصحيحة لمما يشوه صورة الدين في أخلاد الناس بابرازه في صورة قوانين رادعة فحسب، كما نشهده اليوم في بعض البلاد العربية .. بايجاز فان تطبيق تشريع الحدود والقصاص يجب أن تصحبه، وأن تسبقه، تشاريع العدالة الاجتماعية بمساوياتها الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية)
والآن أعود إلى ما وضعت تحته خطا لتأكيد أمر هام هو أن تشريع الحدود والقصاص غير قابل لتطويره نظريا، ولكن لدى التطبيق يتم تطوير وسائل درء الحدود بالشبهات، مع وضع أمر هام في الاعتبار وهو أن هذا التطبيق لا يتم إلا في إطار الشريعة الإسلامية المطورة، يعني لا يتم إلا في خلفية ديمقراطية حقيقية، وخلفية اشتراكية حقيقية، وخلفية من التربية الصحيحة.. أما في غياب الشريعة الإسلامية المطورة فإن أي محاولة لتطبيق الحدود إنما هي تزييف للشريعة وتزييف للدين وتنفير عنه.. ثم يمضي الكتاب ليسرد مناهضة الجمهوريين لما أسموه بالدستور الإسلامي المزيف فيقول:
لقد كانت الأحزاب الطائفية، متحالفة مع الاخوان المسلمين، والوهابية، والفقهاء، قبيل ثورة مايو، تعمل، جاهدة، على كتابة دستور طائفي تنتحل له اسم الاسلام، وتتسابق في تبنيه، والدعاية السياسية له، حتى كادت أن تجيزه في الجمعية التأسيسية المنحلة، لولا أن قيض الله ثورة "مايو" فجاءت في اللحظة الحاسمة، وأوقفت ذلك العبث الذي كاد أن يتم وباسم الدين، والدين منه بريء.. وكان الاخوان الجمهوريون، يومئذ، يقفون، وحدهم، في ميدان مناهضة الدستور الاسلامي المزيف، وكشف زيفه، بصلابة وموضوعية.. وقد قاموا في سبيل تلك المناهضة بحملة توعية شعبية، واسعة، وقوية، تمثلت في المحاضرات، وفي الندوات، والكتيبات، والمنشورات، التي أكدت أنه ليس في الشريعة الاسلامية الموروثة دستور، وانما الدستور في أصول القرآن.. وأبانت أن تبني الأحزاب الطائفية للدستور الاسلامي المزيف انما هو تنفيذ للمخطط الطائفي الذي كان يهدف الى أن تجمع الطائفية، الى السلطة الزمنية، السلطة الدينية، حتى تتم لها السيطرة الكاملة على الحياة في بلادنا، وذلك بفرض دستور طائفي تضفي عليه هالة زائفة من القداسة لترهب بتشاريع منسوبة الى الاسلام، خصومها المناهضين لنفوذها.. وانما من هذا الباب كانت مهزلة محكمة الردة.. ولقد كانت مكيدة سياسية، استغلت فيها الطائفية ((الفقهاء)) في محاولة يائسة لاسكات صوت الاخوان الجمهوريين، الذي كان يشن الحرب الفكرية الضارية ضد الطائفية.. حربا بلا هوادة ولا لين.. وقد أكد الاخوان الجمهوريون، يومئذ، أنه لو قدر لمشروع الدستور الاسلامي المزيف أن ينال أي صورة من صور الشرعية، أو أن يجد أي فرصة للتطبيق، لكان قد عاد بالبلاد أجيالا الى الوراء، تخلفا، وظلاما، ولتمت القطيعة التامة بين هذا الشعب والدين، ذلك بأن دستورهم انما كان تزييفا للدين في سبيل خدمة المصالح الطائفية، مما كان سيؤدي الى تشويه صورة الدين في الأخلاد، والى تأخير البعث الاسلامي الحقيقي عشرات السنين..
ثم ينتقل الكتاب ليدق ناقوس الخطر فيقول بأوضح عبارات وكلمات ما يلي "الخطوط من عندي":
(ان اعظم انجازات "مايو" لهو ضربها لمؤامرة الدستور الاسلامي المزيف التي كانت تدبر، عن جهل بالدين، وعن استغلال بشع للطوائف الدينية، في خدمة المصالح الطائفية، ولقد يكون من نتائجها اغتيال الحريات، وفرض التخلف.. ولقد تعاظم هذا الانجاز بوقوف "مايو" سدا يدرأ خطر الطائفية في العودة الى السلطة من جديد حتى تفرض دستورها ذلك الاسلامي المزيف.. والحقيقة ان "اقصاء "مايو" للطائفية عن السلطة في تلك الفترة الحرجة لهو فضيلة "مايو" التي لا تجاريها أي فضيلة أخرى، لها على الاطلاق.. ذلك بأن الطائفية، بقيامها، حسب طبيعة تكوينها، على استغلال الدين في السياسة، أسوأ الاستغلال، لهي الخطر الحقيقي الماثل، الذي يتهدد حرية هذا الشعب، ودين هذا الشعب، وأمنه الداخلي، وأمنه الخارجي، وأخلاقه، ومقدراته، وكل فرص أمامه في التنمية والتقدم، مما يتضاءل معه أي خطر على هذه البلاد، مهما بدا جسيما وملحا.. والآن!! يلوح شبح الدستور الاسلامي المزيف من جديد!! وهذه المرة، على أيدي الذين، هم أنفسهم، كانوا قد درأوا خطره من قبل!! فها هي لجنتكم تكوّن، اليوم لتعديل القوانين السارية لتتمشى مع أحكام "الشريعة الاسلامية" وقواعدها!! اننا كأصحاب دعوة الى تطوير التشريع الاسلامي، ناهضوا من قبل، وبشدة، الصور المزيفة للدين، ننبه الى خطر السير في الطريق المسدود الذي سارت فيه الأحزاب الطائفية من قبل .. ونؤكد أن العودة الآن الى الشريعة السلفية المرحلية دينيا خطأ وانسانيا خطأ وعمليا غير ممكنة .. ان محاولة تعديل القوانين لتتمشي مع الشريعة الموروثة محاولة مقضي عليها بالفشل، من الوهلة الأولى، الاّ اذا وارت فشلها بالتزييف، والمرواغة، واتخاذ المظهر الديني السطحي، كدأب الأحزاب الطائفية، من قبل، الشئ الذي نرجو، مخلصين، الاّ يتورط فيه نظام "مايو".. اذا كانت خطة لجنتكم قصاراها أن تعدل بعض القوانين لتتمشى مع بعض صور الشريعة الاسلامية الموروثة فهي انما تقع في تناقض ذريع مع روح الشريعة ومع نصها، وهما يقضيان بأن تقوم الشريعة بجميع أركانها، أو لا تقوم!! فهي كل لا يتجزأ، لأن بعضها انما يعتمد على بعض.. وهي، كلها، انما تقوم على الوصاية، وليس على الحقوق الأساسية.. أما اذا كانت خطة اللجنة هي أن تعدل طائفة من القوانين السارية على ضوء الشريعة الموروثة كخطوة مرحلية، تمهد لتعديل سائر القوانين، تدريجيا، لتتمشي مع سائر أحكام الشريعة الموروثة، وبكل صورها في المستقبل، فان هذا الاتجاه ينقصه التفطن الى أن هذه الشريعة غير صالحة للوفاء بحاجة الانسان المعاصر، وطاقته، الهائلتين، وأنه لا بد من تطويرها الى شريعة اسلامية جديدة مبنية على أصول القرآن والسنة .. هذا هو مراد الدين، وهو مراد الحياة المعاصرة أيضا، وقد سيرها الله الى هذه القامة العظيمة التي لا يمكن أن تقارن بقامة الحياة التي شرعت لها هذه الشريعة ..
ثم يمضي الكتاب ليشرح كيف أن مسألة "تعديل القوانين لتتمشى مع الشريعة الإسلامية الموروثة" سيهدد مكتسبات الشعب التي حصّلها في عهد "مايو" وأرجو أن يلاحظ القراء أن الكتاب لم يذكر الديمقراطية كواحدة من تلك المكتسبات، لأن الجمهوريين يعرفون أن نظام مايو ليس ديموقراطيا، فلنقرأ معا ما جاء في الكتاب، وأعتذر عن النقل المطول لأن ما أكتبه وثائق يستفيد منها الباحثون، ولأن بعض المواضيع مثل "الوحدة الوطنية" بين الشمال والجنوب قد تلقت ضربة كبرى فيما بعد نتيجة لهذا التوجه الخطير:
تعديل القوانين لتتمشي مع الشريعة الموروثة يهدد مكتسبات الشعب: 1- في مجال الاشتراكية: ان اتجاه لجنة تعديل القوانين لأمر يهدد بالضياع، كافة المكتسبات التي حققها شعبنا، ويتناقض، تماما، مع كافة مبادئ "مايو" المعلنة في مواثيقها وخطط عملها .. ومن هذه المبادئ انتهاج النظام الاشتراكي.. حيث جاء في الفصل الثاني من الدستور: (المقومات الاقتصادية) المادة 30 ((النظام الاشتراكي هو الاساس الاقتصادي للمجتمع السوداني تحقيقا للكفاية في الانتاج والعدالة في التوزيع بما يكفل العيش الكريم لكافة المواطنين وبما يمنع أي شكل من أشكال الاستغلال والظلم)) ذلك بأنه ليست في الشريعة الاسلامية الموروثة إشتراكية، كما أسلفنا، وانما الاشتراكية في أصول القرآن. ونحن نعلم أن كثيرا من الدعاة الى تطبيق الشريعة الاسلامية الموروثة، اليوم، ومنهم من هم أعضاء في هذه اللجنة، وبطبيعة تفكيرهم، انما يعارضون الدعوة الى الاشتراكية .. فقد جاء في مذكرة من أسمت نفسها ((الهيئة الوطنية للدستور الاسلامي الكامل)) التي تكونت من طائفة ممن يسمون أنفسهم ((علماء السودان))، ومن الدعاة الى الدستور الاسلامي المزيف، قبيل ثورة ((مايو)) ما يلي حول الاشتراكية: (كذلك يحمل لفظ الاشتراكية من المعاني المتناقضة ما يجعل استعماله في أي شكل من الأشكال وسيلة لاستغلاله للانحراف بمبادئ العدالة الانسانية واشعال حرب الطبقات بين المجتمع. واذا كان الاسلام متضمنا لجميع معاني العدالة والشورى وكل المبادئ الانسانية السليمة اذن فلا نرى أي مبرر لورود كلمتي ((الاشتراكية)) و((الديمقراطية)) ضمن بنود الدستور، ويكفي أن يوصف الدستور بأنه اسلامي، اللهم الاّ اذا اتهمنا الاسلام بالقصور وعدم الكمال والشمول وهو أمر لا يدور بخلد واحد من المسلمين)) هذه صورة لفهم الدعاة الى الدستور الاسلامي المزيف، وهو لا يخرج عن فهم كثير من أعضاء اللجنة اليوم – مما يضع اللجنة ومن الوهلة الأولى، في تناقض واضح مع النظام الاشتراكي الذي أعلنت ثورة "مايو" السير فيه.. 2- في مجال المرأة هل ستمنع اللجنة الاختلاط وترد المرأة الى الحجاب؟ ان الاتجاه الى تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية الموروثة، من غير نظر الى تطويرها، يعد تناقضا مزريا مع واقع المرأة السودانية، التي نالت قدرا كبيرا من الحقوق الأساسية مما يسير خطوات كبيرات في اتجاه غرض الدين الاساسي وهو تحقيق كرامة الانسان، رجلا كان أو امرأة .. ومن أكبر مظاهر هذه الكرامة التمتع بالمساواة، وبحقوق ((المواطنية)) الكاملة في المجتمع.. ولقد خرجت المرأة، بفضل الله، ثم بفضل تقدم الحياة، للتعليم وللعمل، ونالت حقوقها السياسية في الترشيح وفي الانتخاب.. ولما جاءت ثورة ((مايو)) بوأتها المناصب السياسية الرفيعة والمنصب الوزاري، كحق طبيعي لها.. وهذا مستوى، من الانجاز في سبيل ارساء حقوق المرأة الاساسية، تضيق عنه الشريعة، ولا تستوعبه، وتتسامى به الاّ أصول القرآن.. ان الشئ الذي لا بد أن يتركز في الأذهان هو أن الشريعة الاسلامية قد قامت على فروع القرآن لتناسب مجتمع القرن السابع الذي كان قد خرج لتوه من الجاهلية التي كانت نظرتها تضيق بالمرأة مما بلغ بها أن تئدها حية، : ((واذا الموءودة سئلت: بأي ذنب قتلت؟)) .. ولذلك فلا بد من امعان النظر في الحكمة، والملابسات، التي قيدت الشريعة، وجعلتها تقوم على الفروع.. وفيما نحن بصدده الآن من أمر تعديل القوانين لتتمشى مع الشريعة الاسلامية، فقد يحق لنا، بل قد يجب علينا، أن نرفع بعض التساؤلات التي تخص قضية المرأة .. كيف يجوز مع تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية الموروثة، أن تتولى المرأة المنصب الوزاري، مثلا، والشريعة صريحة، وواضحة، حيث تنص على أنه ((ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))؟ وكيف يجوز للمرأة أن تختلط، في أماكن العمل ودور العلم، وفي الشريعة الموروثة النهي عن الاختلاط وارد بنص الآية: ((واذا سألتموهن متاعا، فاسألوهن من وراء حجاب))؟ بل وكيف يجوز خروج المرأة، في المكان الأول، وأمر الشريعة واضح ((وقرن في بيوتكن))، وهذا نص صريح لا يصح الخروج عليه، في الشريعة، الاّ لضرورة ملجئة، مثل الخروج للكسب الشريف، لمن لا عائل لها؟ وهل سيمنع الاختلاط بين الفتيان والفتيات في الجامعات، والمعاهد العليا؟ أم أن الدعاة الى تطبيق الشريعة الموروثة سيتورطون في التزييف المنكر للشريعة نفسها، ويدخلون مع واقع الحياة، في التناقض المزري الشبيه بما هو واقع في ((جامعة امدرمان الاسلامية))، اليوم، حيث يحظر الاختلاط بين الطلاب والطالبات ويباح بين الأساتذة والطالبات، مع أن الاختلاط، في الشريعة، ممنوع بين الرجل والمرأة، الاّ ان كانا من المحارم؟ وكيف يتم التوفيق بين أحكام الشريعة الموروثة وبين ما نص عليه الدستور في المادة 38 حيث يقول: ((الناس في جمهورية السودان متساوون أمام القضاء والسودانيون متساوون في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو العنصر أو الموطن المحلي أو الجنس أو اللغة أو الدين))؟ ان دستور البلاد لا يميز بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات.. وهذا تقدم كبير فرضه تقدم المجتمع البشري الذي يتجه نحو الخروج من عهد القصور، الذي استوجب الوصاية، في الماضي، على الرجل، وعلى المرأة، على تفاوت بينهما في ذلك.. وهو، أيضا، مكسب يجب أن نعمل جميعا، على صونه، وتنميته، لا على انكاره والسير ضده.. وهذا، على التحقيق، ما سنتورط فيه اذا لم ننظر الى الشريعة الاسلامية الموروثة بعين مفتوحة، وبصيرة، وشجاعة، ثم كانت لدينا المقدرة على التمييز الدقيق بين الشريعة والدين، بين فروع القرآن التي انبنت عليها الشريعة وبين أصول القرآن التي لم تشرع للمجتمع الماضي، وانما التزمها النبي الكريم في خاصة نفسه .. أشهادة القاضية نصف شهادة حاجب محكمتها؟ جاء في كتاب ((تطوير شريعة الأحوال الشخصية)) للأستاذ محمود محمد طه ما يلي: ((والآن فإنا، بفضل الله، ثم بفضل هذا (( المعروف)) الذي تواضعنا عليه، والذي أملته علينا طبيعة الحياة المعاصرة، حيث أخذنا بتعليم الفتاة في أعلى المراحل، قد أصبحنا نعيش تناقضا واضحا مع شريعتنا السلفية.. لدينا اليوم، في الخرطوم، قاضية شرعية، تخرجت من كلية الحقوق، بجامعة الخرطوم.. وهذا يعني أنها تمارس، أو من حقها أن تمارس حقها في تطبيق الشريعة الإسلامية على المتحاكمين إليها، على قدم المساواة مع زميلها الذي تخرج معها.. ولكن هذه الشريعة تقول أن شهادة هذه القاضية إنما هي على النصف من شهادة زميلها هذا.. أكثر من هذا!! فإن شهادتها إنما هي على النصف من شهادة رجل الشارع!! فهل هذا قول سليم؟؟ لعمري!! إن الخلل ليس في الدين، ولكنه إنما هو في هذه العقول التي لا يحركها مثل هذا التناقض لتدرك أن في الأمر سرا.. هذا السر هو ببساطة شديدة، أن شريعتنا السلفية مرحلية.. وأنها لا تستقيم مع قامة الحياة المعاصرة.. وأنها، لتستطيع استيعاب هذه الحياة، وتوجيه طاقتها الكبيرة، لا بد لها من أن تتفق، وتتطور، وترتفع من فروع القرآن إلى أصوله.. هذا ما تعطيه بدائه العقول، بله حكمة الدين)) .. اذا أدركنا هذا، فانه يحق لنا أن نتساءل عما ستفعله اللجنة العامة لمراجعة القوانين، لتتمشي مع الشريعة، فيما يخص أمر شهادة المرأة .. فهل ستدعونا الى أن نطبق، في محاكمنا المدنية والجنائية، ما تنص عليه الشريعة من أن شهادة المرأة على النصف من الرجل، فلا تقبل شهادة احداهن الاّ اذا دعمت بأخرى؟ وهل سيمتد هذا حتى يشمل من يتولين منصب القضاء عندنا، فتكون شهادة القاضية، مثلا، نصف شهادة حاجب محكمتها؟. وكيف، يا ترى، توفق اللجنة بين أحكام الشريعة الموروثة وبين ما نص عليه الدستور في المادة 38 التي تقول: ((الناس في جمهورية السودان متساوون أمام القضاء))؟؟ وزيرة ولا تملك حق الطلاق!! ان لجنة تعديل القوانين، لتتمشى مع الشريعة، ستواجه بقوانين الأحوال الشخصية وهي ((شريعة))، فماذا ستفعل حيالها؟ هل ستنظر فيها بالرغم عن كونها شريعة، أم أنها ستغفل أمرها بأعتبار أنها كاملة ولا تحتاج الى تعديل؟ مهما يكن الأمر، فان هذه اللجنة مطالبة بأن تواجه التناقض القائم بين شريعة الأحوال الشخصية وبين مكتسبات المرأة من الحياة المدنية، ومن ((الدستور المدني)) .. فعلى سبيل المثال، استطاعت المرأة أن تتبوأ أرفع المناصب التنفيذية حتى أصبحت وزيرة تصرف أمور الناس على مستوى القطر كله، ومع ذلك لا تملك حق الطلاق الذي يستأثر به زوجها وحده، الاّ اذا فوضها فيه.. أكثر من هذا، ومن الناحية النظرية على الأقل، يستطيع الرجل الواحد أن يعدد فيتزوج أربع وزيرات أو أن تكون بين زوجاته المهندسة والطبيبة والمحامية مجتمعات في بيت واحد.. فهل هذا أمر يرضاه الله، أو يقبله العقل السليم؟ ان واقع المرأة المعاصرة، والحياة الحديثة، ومراد الدين، كلها تستوجب تطوير بعض صور الشريعة الاسلامية وذلك بالارتفاع الى أصول القرآن حيث توسع، وتقنن، دينا، حقوق المرأة في المساواة التامة مع الرجل أمام القانون.. وهذا هو السبيل الى ازالة التناقض القائم في العقليات السلفية التي تجهل حقيقة الدين، كما تجهل طبيعة ثقافة العصر الحاضر، وحاجاته، وطاقاته، ومع ذلك تريد ان تفرض صورا من الشريعة خدمت غرضها أجل خدمة، خدمته حتى استنفدته.. فهل تستطيع اللجنة العامة لمراجعة القوانين أن تلج هذا السبيل الذي يقوم على تطوير التشريع الاسلامي ليقوم على أصول القرآن التي جسدها، في حياته، في خاصة نفسه، النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؟ 3- في مجال الوحدة الوطنية الوحدة الوطنية في خطر! إن من اهم انجازات العهد الحاضر ما حققه في مجال الوحدة الوطنية، من انهاء للحرب الأهلية التي كانت تدور بين الشمال والجنوب، والوصول الى اتفاقية الحكم الذاتي الاقليمي في اطار السودان الموحد .. وقد تمت بالأخذ في تطبيق تلك الاتفاقية، الخطوات الأساسية لحل مشكلة الجنوب، على الصعيد السياسي .. ومشكلة الجنوب مشكلة ساهم في تفاقمها التعصب للاختلافات العنصرية والدينية بين الاقليمين، الشمالي والجنوبي .. وقد كان الأخوة الجنوبيون، ومن منطلق عقيدي، يناهضون سائر الاتجاهات الماضية لتطبيق الشريعة الموروثة، لأنهم كانوا يحسون أنهم سيميز ضدهم، على أساس من العقيدة، اذا تم للشريعة أن تطبق، وسيفقدون حقهم في المساواة في الحقوق والواجبات .. وما ذاك الاّ لأن الشريعة تقول أن سكان الدولة من غير المسلمين – من يهود ونصاري وغيرهم – هم الذميون .. والذميون هم من أعطاهم المسلمون الأمان على مالهم، وعرضهم، ودمهم، مقابل أن يعطوا الجزية – فحين يعطي المسلم القادر الزكاة، وهي عبادة، يعطي الذمي الجزية.. يقول تعالى: ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، من الذين أوتوا الكتاب، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)) .. وهم صاغرون هنا، كما جاء في تفسير ابن كثير، تعني وهم ذليلون حقيرون.. كما ذكرنا، ان سكان الدولة من غير المسلمين، في الشريعة الموروثة، لا يتساوون مع سكان الدولة المسلمين، لا في الحقوق ولا في الواجبات.. فليس، مثلا، من حق غير المسلم أن يلي أمر المسلمين، لا في التشريع، ولا في التنفيذ، ولا في القضاء.. كما لا يحق له أن ينخرط في صفوف الجندية، اذ أن مهمة الجيش الأساسية، في الشريعة الموروثة، هي الجهاد لنشر الاسلام، بمقتضي أمر الجهاد بالسيف ((فاذا انسلخ الأشهر الحرم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم، واحصروهم، واقعدوا لهم كل مرصد، فان تابوا، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم، ان الله غفور رحيم)).. فاذا أدركنا، مما ذكرناه، موقف الشريعة من غير المسلمين، فانه يحق لنا أن نتساءل: كيف، والسودان كما نعلم، يضم عددا كبيرا من غير المسلمين، لا سيما في المحافظات الجنوبية، كيف ستواجه اللجنة العامة لمراجعة القوانين حكم الشريعة في معاملة سكان البلاد من غير المسلمين؟ الذي لا شك فيه، ان الاتجاه الي تطبيق أحكام الشريعة الموروثة، على واقع الحياة المعاصرة، أمر مستحيل، من الناحية العملية، وهو صنيع يمثل تهديدا خطيرا لمكتسباتنا في الوحدة بين الشمال والجنوب، وفي المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ، بغض النظر عن عنصرهم أو جنسهم، أو دينهم، الخ ..، كما جاء في المادة 38 من دستور البلاد، مما ينذر بالرجوع بالبلاد الى عهود الصراعات الدينية التي تفرق المواطنين، وتقضي على وحدة البلاد .. ليس هذا فحسب، فان الاتجاه لتطبيق الشريعة الموروثة هو تزييف للدين لمجرد الظهور بالمظهرية الاسلامية!! وهو، بذلك، كفيل بخلق القطيعة التامة بين الدين والمواطنين الذين كان ينبغي أن يعانوا ليتبينوا، بوضوح، الفرق بين الدين الصحيح، والمظهر الديني الخادع .. أكثر من هذا، ان هذا الاتجاه لمما يعوق العمل الجاد المخلص الذي يقوم به الدعاة الحقيقيون لبعث الاسلام واحياء السنة، على بصيرة تامة، بحقائق الدين، وحقائق العصر .. ((وبحسب المرء من الشر أن يعوق بجهالته، دعوة الخير، ولو لحظة واحدة، وهو يعلم)) ..
أكتفي بهذا العرض لما جاء في كتاب "الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور الإسلامي" وأكرر اعتذاري لتكرر كثير من المواد التي تتحدث عن تطوير التشريع في ثنايا هذه الفصول التي هي الآن عبارة عن حلقات.
ثم أنتقل إلى عرض بعض ما جاء في الكتاب الآخر " مقترحات الأزهر للدستور الإسلامي جهالة لا تمثل الدين".. وهناك عدة أسباب لاهتمامي بما جاء في هذا الكتاب، أولها ما يدعيه الأزهر لنفسه من المسئولية عن الإسلام في العالم، والثاني أن السودان كان دائما يتأثر بما يجيء من مصر ومن الأزهر بصورة خاصة.. يبدأ الكتاب بإهداء إلى البشرية جمعاء يقول فيه:
الى سكان المعمورة!! من بلغهم الإسلام، ومن لم يبلغهم بعد!! فإن أصول الإسلام ميراثكم جميعا.. ذلك بأن أصول الإسلام هى المدنية، الكوكبية، المقبلة، التى تُلَقِّحُ، وَتَخْلِفُ، الحضارة الآلية، المادية، الغربية، الحاضرة، التي عجزت عن تحقيق السلام للأرض!! وما ينبغى لها أن تحققه، وما تستطيع!! فما لتحقيق السلام غير مدنية الإسلام!! وإسلام اليوم يتعرض لتطفيف، ولتزييف، ولتشويه، نحن نقاومه باسمكم، وأنتم عن الساحة غائبون، الى أن يتأذن الله بيقظتكم، وهبتكم لاستلام ميراثكم!! نحن اليوم نقاوم تزييف الإسلام مِنْ قِبَلِ من حُملّوا الإسلام، ثم لم يكن مثلهم الاّ كمثل من حُمّلوا التوراة من قبل، فاستحقوا قول الله تعالى فيهم: (مثل الذين حُمِّلُوا التوراة، ثم لم يَحملوها، كمثل الحمار، يحمل اسفارا.. بئس مثل القوم الذين كذّبوا بآيات الله.. والله لا يهدي القوم الظالمين..)!!
ثم يمضي الكتاب ليوضح الغرض منه في المقدمة فيقول:
(هذه مقدمة الطبعة الثانية لكتابنا (مقترحات الازهر للدستور الاسلامي جهالة لا تمثل الدين)، الذي اخرجناه في الرد على (مشروع الدستور الاسلامي) الذي اصدرته اللجنة الفرعية المنبثقة، عن اللجنة العليا لوضع الدستور الاسلامي بالأزهر ...)
ثم ينتقل الكتاب لشرح مسائل الدستور والإسلام وهي أمور وردت في الكتاب الآخر الذي قمت بعرضه بعاليه ولا داعي لتكرارها.. ولذلك سأقفز إلى عرض ذلك الجزء من الكتاب الذي ينتقد وثيقة الأزهر فيقول في هذه المقتطفات التي تتحدث عن نفسها بنفسها ولا تحتاج مني إلى مزيد من التعليق ولكنني سأكتفي بوضع خطوط لتركيز الانتباه عندها:
(لقد جاءت تلك الوثيقة الصادرة عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ضعيفة، بكل المقاييس: فهي قد جاءت متخلفة فى المحتوى الموضوعي، وركيكة فى الصياغة القانونية، بحيث لا يملك المرء الا أن يرفضها جملة وتفصيلا... وأكثر من ذلك!! فإن ضعف المستوى الذي فضحته تلك الوثيقة لينعكس، ليس فقط على الأزهر كمؤسسة تعليمية، ودينية، وإنما يدلل على طريقة التفكير، وضعف مستوى الثقافة العامة، عند القائمين بهذا الأمر.. هذا في الوقت الذي يدعى فيه الأزهر زعامة الفكر الديني الإسلامي المعاصر، ويحاول أن يفرض وصايته على الجميع، فيصدر الفتاوى في تكفير المسلمين، وفي تقديم الأعذار، والمبررات (الشرعية) للسياسيين المدنيين.. ونحن نقول لا وصاية للجهل، والتخلف، على أحد.. فإذا أراد الأزهر أن يجد أي إعتبار عند المسلمين اليوم، فليأخذ بثقافة عصره، ويفهمها، ويعبر عنها في صدق، وفي حرارة، وفي موضوعية. أما إذا اختار الأزهر أن يبقى على تخلفه، وانغلاقه، فإنه لن يبقى حيث هو الآن، على هامش الأحداث، وإنما سيذهب تماما غير مأسوف عليه. ففي الناحية الموضوعية، فإن وثيقة الأزهر ليست بدستور، على الإطلاق.. فهي تناقض جميع المبادئ الدستورية المحترمة، لأنها تقوم على التمييز بين المواطنين على أساس الدين، وعلى أساس الجنس.. كما أنها تحرمهم حرية العقيدة، وتتعارض مع سيادة القانون.. وهي لا تملك إلا أن تكون كذلك، لأنها إنما تقوم على الشريعة الإسلامية السلفية التي تتعارض مع الدستور الإسلامي.. فأما التمييز على أساس الدين فتنصص عليه الفقرات 12 و 13 و47 و65 من الوثيقة. فالفقرة 12 تقول: (تلتزم الدولة بتعليم المسلمين الأمور المجمع عليها من الفرائض والسيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين دراسة وافية على مدار سنوات التعليم) كما تقول الفقرة 13: (تلتزم الدولة بتحفيظ ما تيسر من القرآن الكريم للمسلمين في سنوات التعليم حسب أنواع الدراسة كما تنشئ معاهد خاصة بالقرآن لتحفيظه لمن عدا الطلاب وتطبع المصحف الكريم وتيسر تدواله). وأول ما يتبادر لذهن القارئ السؤال: وماذا عن غير المسلمين؟ ألا تلتزم الدولة بمعاملتهم بالمثل بأن تعلم أطفالهم من أمور دينهم ما تلتزم تعليمه أطفال المسلمين من أمور دين المسلمين؟؟ ألا تلتزم الدولة بإنشاء المعاهد الخاصة بالإنجيل مثلا أو التوراة وطباعة هذه الكتب السماوية؟ ولماذا لا تلتزم دولة (دستور الأزهر) بشئ من ذلك؟؟ أهى دولة للمسلمين فقط؟ وماذا عن حقوق غير المسلمين من المواطنين؟؟ أليست لهم حقوق متساوية مع حقوق المواطنين؟ فاذا أتينا للفقرة 47 من الوثيقة فسيطالعنا النص: (يشترط للمرشح لرئاسة الدولة الاسلام والذكورة والبلوغ والعقل والصلاح والعلم بأحكام الشريعة الاسلامية) !! وفي هذا النص ما يكفي لطرح وثيقة الأزهر كعبث ساذج. كيف ينصص (الدستور) على حرمان المواطن من مجرد حق الترشيح لمنصب عام بسبب دينه أو جنسه؟ أهى دولة للرجال المسلمين وعلى النساء وعلى غير المسلمين الرضا بما يتفضل به عليهم أولئك المواطنون المحظيون؟ إن هذه هي أشد صور التمييز على أساس الدين، أو الجنس، والذي ترفضه جميع الأنظمة القانونية، والدستورية، في العالم، بلا استثناء !! ولكن هذا المستوى من التمييز الصارخ أمر حتمي في فكر الأزهر، ولا فكاك منه، لأنه هو حكم الشريعة السلفية. فطالما ظل الأزهر في إطار الشريعة السلفية، فلا بد له من اشتراط الإسلام ، والذكورة، لمنصب رئيس الدولة... وكذلك الأمر في موضوع القضاء . فالفقرة 65 تقرأ:- (تصدر الاحكام وتنفذ باسم الله الرحمن الرحيم ولا يخضع القاضي في قضائه لغير الشريعة الاسلامية). فأمر القضاء أيضا يكون في تصور الأزهر في إطار الشريعة الإسلامية.. وبما أن حقوق غير المسلمين، وحقوق النساء، في الشريعة الإسلامية السلفية منقوصة لأنها كانت أحكاما مرحلية، خدمت أغراضها، ومرحلتها، حتى استنفدتها، فهي ستكون منقوصة في قضاء الأزهر. وفي ذلك طبعا تمييز ضد غير المسلمين، وضد النساء في الحقوق، والواجبات، أمام القانون. ونحن لا نحتاج أن ننظر بعيدا في أمر التمييز ضد النساء، لأننا نجد في وثيقة الأزهر نفسها نموذجين صارخين لانتقاص الشريعة السلفية من حقوق المرأة. فالفقرة 48 من الوثيقة تقول: (يتم تعيين الإمام ببيعة عامة من جميع طبقات الأمة طبقا للقانون ويجوز للمرأة أن تطلب الإشتراك في الانتخابات متى استوفت شروطه وتمكن من الانتخاب.) اقرأ مرة اخرى: (يجوز للمرأة ان تطلب الاشتراك في الانتحابات).. فالوثيقة لا تحرم المرأة فقط من حق الترشيح للمنصب، بل من مجرد الاشتراك في الانتخاب هو منحة قد يرضى الرجال ان يعطوها للمرأة او يحرموها اياها. وفى الفقرة 68 نجد النص: (تختار للقضاء أصلح المؤهلين له من الرجال وتيسر اداءه لعمله) فالذكورة شرط لتولي القضاء بنص الدستور المزعوم وهذا ايضا هو حكم الشريعة الاسلامية التي يعرفها الازهر . وفي مصادر الوثيقة لحرية العقيدة اقرأ الفقرات 29 و71 كما يلاحظ خرق الفقرات 6 و57 لمبدأ سيادة القانون الذي اشرنا له في صدر هذا الكتيب. فالفقرة 29 تقول:- (الاعتقاد الديني والفكرة وحرية العمل وابداء الرأى بالقول والكتابة او غيرهما وانشاء الجمعيات والنقابات والانضمام اليها والحرية الشخصية وحرية الانتقال والاجتماع كلها حقوق طبيعية أساسية تكفلها الدولة فى حدود الشريعة الاسلامية) وهكذا فقد صادرت نهاية الفقرة أولها. فليس هنالك حق طبيعي، وأساسي، في الاعتقاد الديني، والفكري، وحرية العمل، وابداء الرأى بالقول، والكتابة، او غيرها في حدود الشريعة السلفية. وللتدليل على هذا يمكن اخذ نموذج واضح ولا يقبل المنازعة، وهو حد الردة. فطالما كان تغيير المسلم لدينه يعتبر من اخطر الجرائم التي تعاقب عليها الشريعة بالحد، كما تنصص الفقرة 71 من وثيقة الازهر نفسها، فليس هنالك حرية عقيدة في الشريعة. كما ان انتقاص حقوق غير المسلمين وحرمانهم من تولي المناصب العامة لمجرد انهم غير مسلمين، يعني كذلك انتقاصا لحرية العقيدة. فلا يكفي ان يترك غير المسلمين لاداء شعائرهم الخاصة، او الاحتكام لشرائعهم الشخصية، في امور محددة ولكن لا بد من ازالة ادنى ظل للتمييز بين المسلمين، وغير المسلمين، لأن ذلك لا يمكن ان يعنى الا حرمان غير المسلمين من حقوقهم العامة، وبالتالي مصادرة حرية العقيدة.. وفي ختام هذه النماذج لمفارقة وثيقة الازهر للقواعد والاعراف الدستورية المرعية، وللتدليل على التخلف الرهيب الذي يعيش فيه الازهر والازهريون ، نشير الى نصين آخرين: الفقرة 6 وهى تقول:- (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض ويؤثم من يقصر فيه مع القدرة عليه) والفقرة 57 وهى تقول:- (الامام مسئول عن تمكين الافراد والجماعة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واداء الفرائض) . فأين هذا التصور من اساس سيادة القانون وظروف الدولة العصرية ومبادئ حرية الرأى وخصوصية السلوك الشخصى ما لم يشكل جريمة يعاقب عليها القانون ففي عالم اليوم يكون الانسان في حل وحرية مالم يرتكب جريمة او مخالفة يعاقب او يحاسب عليها القانون فاذا فعل فان اجهزة الامن المتخصصة هي التي تتحرك ضده، بموجب الاجراءات المحددة والموزونة... هذا ما نسميه بسيادة القانون. فأين نضع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصورة المقترحة في وثيقة الازهر؟ وهي لاشك صورة متخلفة تقنن لأخذ المواطنين للقانون في ايديهم وعملهم بالاجتهاد الشخصي. والخطورة هنا طبعا في ان وثيقة الازهر تجيز العمل التنفيذي في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بواسطة الافراد والجماعة.. وهكذا يمكن للقارئ الكريم ان يتصور الفوضى والفتنة التي تنتج عن مثل هذا العمل التنفيذى بالاجتهاد الشخصي.
انتهى الاقتباس من كتاب الجمهوريين "مقترحات الأزهر للدستور الإسلامي جهالة لا تمثّل الدين".. وبه أنهي هذا الباب الثاني من الفصل التاسع..
الكتابة ستتواصل بإذن الله..
ياسر الشريف
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشريعة الإسلامية السلفية، بمقاييس اليوم، غير دستورية!! لماذا؟؟ (Re: Yasir Elsharif)
|
سبحان الله.. لا زول محتج، ولا زول مؤيد للكلام دا؟؟؟
فوق لمزيد من القراء في هذا البورد الذي أصبح يشبه بورصة فرانكفورت أو بورصة نيويورك، واللبيب بالإشارة يفهم.. تكتب البوست تجي بعد ساعتين تلقاه نزل الصفحة الثانية، يا جماعة الخير، البصلي على النبي يدي البوست رفعة، هذا الموضوع أهم من زوال حكومة الجبهة.. حتزول الحكومة وتبقى المصيبة "القوانين" لو ما خلينا بالنا.. سوف تتكرر تجربة "انتفاضة" 1985..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشريعة الإسلامية السلفية، بمقاييس اليوم، غير دستورية!! لماذا؟؟ (Re: Yasir Elsharif)
|
المشاركون والقراء الكرام تحية الدكتورة الفاضلة مهيرة تقول أن الشيخ الشعراوي قال:
Quote: ما ملكت ايمانكم تعنى اسيرات الحرب،شرط ان تكون الحرب حربا شرعية، وليس حروبا طائفية او اهلية |
ما قاله الشيخ الشعراوي، رحمه الله وغفر له، غير صحيح.. هناك طريق لملك اليمين بغير الأسر في الحرب، وذلك هو البيع والشراء، وتجدين الدليل على ذلك في كتاب صحيح البخاري.. بل يمكن للمسلم أن يشتري عبدا من كافر أو مشرك ولا يلزمه الإسلام بعتقه، ونحن نعرف أن سيدنا أبو بكر اشترى سيدنا بلال من مالكه المشرك ثم أعتقه لوجه الله تعالى.. وسأورد لك وللقراء الكرام بعض الأحاديث التي تفيد بأنه يجوز للمسلم أن يبيع عبده أو جاريته، إذا لم يرد أن يعتق، تماما كما يمكنه أن يشتري العبد وأن يشتري الجارية.. وهناك اتفاقية البقط الشهيرة، فقد اشترط فيها المسلمون بقيادة عبد الله بن أبي السرح على عظيم النوبة أن يرسل إلى مصر كل عام 360 رأسا من الرقيق، والرقيق الذي يحضره عظيم النوبة المسيحي لم يأت عن طريق جهاد، بطبيعة الحال، وإنما عن طريق الخطف أو الشراء أو إرغام الضعفاء.. فإذا صح أمر البيع في الماضي لحكم ذلك الوقت، فهل يصح اليوم؟ وإذا كنت ترين أنه يصح ما دام قد صح في الماضي، فما هو الأحسن في نظرك، ميثاق حقوق الإنسان الذي يحرم الرق، ويحرم بيع الإنسان لأخيه الإنسان، أم الالتزام الحرفي بشريعة الإسلام السلفية؟؟ هذا هو السؤال.. http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=9&ID...et=0&SearchLevel=QBE
Quote: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير قال ابن شهاب لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة |
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=0&Rec=4002
Quote: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاءها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أعتقيها فإن الولاء لمن أعطى الورق فأعتقتها فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم فخيرها من زوجها فقالت لو أعطاني كذا وكذا ما ثبت عنده فاختارت نفسها |
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=0&Rec=3977
Quote: حدثنا عبيد الله بن موسى عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي مراوح عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل قال إيمان بالله وجهاد في سبيله قلت فأي الرقاب أفضل قال أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها قلت فإن لم أفعل قال تعين ضايعا أو تصنع لأخرق قال فإن لم أفعل قال تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك |
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=0&Rec=3975
Quote: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عاصم بن محمد قال حدثني واقد بن محمد قال حدثني سعيد بن مرجانة صاحب علي بن حسين قال قال لي أبو هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار قال سعيد بن مرجانة فانطلقت به إلى علي بن حسين فعمد علي بن حسين رضي الله عنهما إلى عبد له قد أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فأعتقه |
| |
|
|
|
|
|
|
|