|
الزوجة والفيران في كندا.. والدكتور الشوش والثغرات..
|
لقد أعجبتني القصة التي أوردها الدكتور محمد إبراهيم الشوش في جريدة الرأي العام اليوم.. ولكن مغزى القصة لا يتناسب مع الحكمة من إيرادها، فإن البلد قد انتهت بسبب الجبهة وليس بسبب محاولات مجلس الأمن.. محاولات مجلس الأمن والأمم المتحدة تحاول أن تصلح ما أفسده حكم الجبهة الديكتاتوري..
لم يدخل اليهود من حدودنا وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا
رحم الله الشاعر نزار قباني..
والآن إلى القصة الطريفة.. --------- 0000000000 علامات استفهام محمد ابراهيم الشوش سد الثغرات حدثني صديق هاجر لتوه الى كندا، انه انتقل وأسرته الصغيرة الى سكن في حي متواضع في احدى مدن كندا، وكان البيت أنيقاً والسكان لا بأس بهم، وان كانوا حشريين بعض الشيء. المشكلة الرئيسية التي واجهته، انه اكتشف بعد فترة قصيرة ان الحي موبوء بالفئران، وان قسماً كبيراً منها يأنس الى بيته ويتخذه سكناً ومطعماً. وما كان ذلك ليقلقه كثيراً لولا ان زوجته كانت تخاف الفئران أكثر مما تخاف أي شيء آخر في الوجود. وكانت تتشنج حرفياً وتدخل في حالة من الهستيريا ان رأت واحداً منها أو أعلمها أحد بوجوده، وكان أطفالها يتبرعون بذلك عن طيب خاطر بل ان ذلك قد شغلهم عن دروسهم. ويبدو ان الخوف من الفئران قد تحول من الأم الى الأطفال فقد كانوا يصرخون ويولولون ان رأوا فأراً أو لعب أحدهم على خيالهم. وكان الابن الأكبر بالذات مغرماً بالمقالب وان كانت تنتهي دائماً «بلبعة» على ظهره.
وكان لابد من فعل شيء وخصوصاً بعد تهديدات الزوجة المتكررة أنها لن تبيت - بتربة أمها - في ذلك البيت الموبوء ليلة واحدة. وقد أثارت الفئران كوامن غضبها فبدأت «تنقنق» حول الهجرة وهذا البلد «الفقر» وروعة الحياة بين أهلها في الثورة بأم درمان كما لو كانت ضاحية من ضواحي باريس وكوبنهاجن، وتلعن اليوم الذي جاء بهم وسط الفئران ودوشة الأولاد، وقد انمحى من ذاكرتها كل الضببة والعقارب والذباب والناموس.
وكان طبيعياً ان يخطر في باله الحل السوداني التقليدى باحضار قطة لحل هذه الأزمة التي أوشكت ان تطيح بزواجه. ولم يكن اقتناء قطة أمراً سهلاً فكل القطط مملوكة لأصحابها وليس هناك قطة مطلوقة بلا أهل. وأخيراً جاء الفرج حين اعلنت الطفلة الكبيرة ان قطة صديقتها قد ولدت، واعلنت استعدادها لمنحها واحدة من المولودات. ووافقت الأسرة على الفور.
ودخلت القطة في حياة الأسرة وكان يوماً أسود. كسرت الزهرية الكرستال التي جاءتهم هدية زواج من والده، وخربشت الستارة وحولتها الى شرائط ممزقة، وحشرت نفسها في الغسالة وسط الملابس.. و.. و.. واذا اصطادت فأراً ولا تفعل ذلك إلا في الليل كانت تأتي به فخورة الى حجرة نوم الزوجين وتنتظر فوقه حتى يصحو احدهما وكان ذلك يملأ الزوجة رعباً فتدفن رأسها وترفض ان تنزل رجلها الى الأرض إلا بعد ان يحمل زوجها الفأر ويلقيه بعيداً في شارع تتدنى درجة حرارته الى الثلاثين أو الأربعين تحت الصفر.
جاءت القطة فزعة فأصبحت وجعة. ذكره ذلك بأهل قريته. أفزعهم ذئب شرس ظل يخطف كل يوم واحداً من حيواناتهم خروفاً أو نعجة أو معزة أو ديكاً. وضاقوا ذرعاً بذلك وطلبوا النجدة فأرسلت لهم سلطات المنطقة مجموعة من أربع رجال أشداء يحملون بنادقهم ويتربصون عند مدخل القرية. ويبدو ان الذئب قد أحس بهم فلم يشرفهم بطلعته وظل الحال على ذلك بضعة أيام وأهل القرية يكرمونهم ويذبحون لهم ويولمون.. فقال أحد رجال القرية يا أخوانا هؤلاء الناس يأكلون أكثر مما يأكل الذئب، وقد كان يأتينا حيناً بعد حين وهؤلاء يقيمون بيننا.
أما قطة صاحبنا فقد بدا ألا مناص من التخلص منها ولكن كيف؟ ففي بلاد تحترم القطط والكلاب أكثر مما تحترم البني آدمين لا يمكن اللجوء الى الاساليب الوحشية المتبعة في بعض أحيائنا كأن «تهبتها» بحجر أو تدخلها في جوال وتخبط بها الحائط. كما ان صاحبي رجل عطوف مؤمن يعرف قصة المرأة التي دخلت النار في قطة عذبتها. وبعد مداولات واستشارات تقرر اتباع الوسائل القانونية، وأهونها الاتصال بجمعية الرفق بالحيوان ودفع مبلغ 95 دولاراً بالاضافة لتكاليف الترحيل.. وقرر صاحبي ان الأمر يستاهل هذه التكلفة.
وكان عليه بعد ذلك ان يلجأ للاساليب الميكانيكية المتحضرة وقد دفعه لوصفها بالتحضر ان زوجته قد اعلنت في غيظها والقطة تودع البيت ان احضار القطة كانت على أي حال فكرة متخلفة وسبحان الله الذي جعلها خبيرة حضارية في آخر الزمن..
استشار صديقي بعض أصحاب الحوانيت المتخصصة واشترى عدداً من الشراك الصينية الرخيصة الثمن وجلس ينتظر، وكانت هذه الشراك تحدث اصواتاً في منتصف الليل تدفع به وزوجته الى حجرة المطبخ خوفاً ان يكون أحد الاطفال قد اصيب. ويبدو ان الفئران الذكية قد اتخذتها لعبة تتسلى بها. وانتهى الأمر بشراك مغطاة بمادة لزجة يلتصق عليها الفأر. ولا يمكن تخليص الفأر إلا بإلقاء الشرك بفأره في صندوق القمامة. وكان ذلك يثير تقزز صديقى بصورة لم يعد يحتملها. فقرر الاستعانة بقسم ابادة الحشرات والزواحف. وجاء المنزل الخبير المبيد: رجل أحمر الوجه حليق الرأس ضخم الجثة كالذي يمثل دور الخائن يثير ضربه وبهدلته في نهاية الفلم راحة الجمهور. ومن الواضح ان الرجل تضايق حين اكتشف ان الأسرة التي جاء لانقاذها من الفئران، قوم سود ليسوا بأحسن حالاً في نظره من الفئران.
نظر الرجل حوله في استعلاء كما يفعل المحققون على شاكلة شرلوك هولمز وسجل بعض الملاحظات من بينها ضرورة وضع شرك امام الفتحة التي يدخل منها الفئران. صاح صاحبي وهو لا يصدق، وهل هناك فتحة يدخل منها الفئران. اجاب الرجل ساخراً. طبعاً هناك فتحة بل فتحتان. هل تظنهم يأتون من الهواء؟ سأل صديقي مذهولاً: فلماذا لا تغلق هذه الفتحات. قال الرجل في بلاهة طبعاً يمكنك ذلك. فوجيء الرجل بهذا الحل البسيط وهو الذي ظل يمارس مهنته المقززة في آلية على مدى سنوات.
وحين خرج الرجل أزاح صديقي كل الشراك واغلق الفتحتين اغلاقاً محكماً. ومن يومها لم يدخل فأر واحد وارتاحت امرأته.
حكيت لكم هذه القصة ليس لطرافتها، ولكن لأنها تدلنا على الحل البسيط الواضح وربما الوحيد لمواجهة أي تدخل خارجي أكان سرباً من الحشرات والزواحف أو عدواناً أو تآمراً. ومثل صاحبنا يمكن ان نجرب كل الحلول كما فعل صاحبنا نستذل، نستعطف، نتمسكن، نواجه، نصرخ، نتحدى، نستغيث، ولكن ليس هناك من وسيلة أجدى أونفع من سد كل الثغرات التي ينفذ منها هذا التدخل.
هل فهتنم قصدنا؟
|
|
|
|
|
|